المقالات

27 نوفمبر 2018

الضمانات الأكيدة للطهارة

1) عمل النعمة ليس من شك إن مجهوداتنا البشرية مهما عظمت، لا تقدر إن ترفعنا فوق قامتنا ولو إلى ذراع واحد. هذه خبرة حياتنا اليومية، وليس من شك إن قوى البشر أعلى من إن نواجهها ببشريتنا الهزيلة. لذلك جاء تدبير النعمة ليحل المشكلة ويلغى التناقص المروع، الكائن بين إله قدوس وبشر خطاة، النعمة عمل إلهي باطني، به يصير الإنسان شريكا للطبيعة الإلهية، وهى قوة غير محدودة في أحشاء الإنسان فتنبط الغريزة، وتهدأ النفس، ويستنير الفكر، ويخشع الكيان، النعمة طبيب إلهي يشفى النفس من انحرافاتها وأوجاعها. لذلك فالشباب الذي يستودع نفسه لعمل النعمة، يحس بتغير صادق في نفسه وحواسه وأفكاره ومشاعره ونزعاته، وهذه معجزة لابد من اختبارها. النعمة.. طاقة جبارة ترفع النفس فوق معاكسات الجسد وإغراءات العالم ، وإيحاءات العدو أنها ببساطة الله ساكنا في إنسان. أما وسيلة الحصول على هذه النعمة فهي: الطاعة والقبول الصادق للرب يسوع رئيسا للحياة، والشركة المستمرة معه، للتعبير عن هذا الاختبار عمليا، بالصلاة والشبع بالانجيل والاتحاد المستمر بجسده ودمه الاقدسين. إذا كانت لدينا نية صادقة للحياة حسب المسيح، فلنترجم هذا عمليا بالشركة الحية والطاعة العملية لتعليمات الرب، وهنا يأتي دور الجهاد الذي به نحصل على النعمة اللازمة لخلاصنا. هيا يا أخي الشاب أقترب من السيد، وانسكب تحت قدميه، وسلمه حياتك المسكينة المائتة، لتخرج كل مرة من مخدع الصلاة وفى يديك زوفا جديدة تغسل بها خطاياك، وذخيرة جديدة تحارب بها في اليوم الشرير. 2) روح الرجاء إياك والاستسلام لخدعة العدو: "لا فائدة!" وليكن ردك باستمرار: (لا فائدة فيَّ ولكن كل الفائدة في السيد الرب "الذي يفتدى نفسي من الموت وحياتي من الحفرة" ). تشدد بالحب المذهل الذي في قلب المسيح من نحوك، وثق في الحنان الذي بلا حدود المنسكب من أحشائه تجاهك أنت الضعيف المستعبد: "ثِق قم، هوذا يناديك" فلا تتأخر ولا تستسلم لماضيك ولا لضعفك ولا لخداعات العدو إنه دوما في انتظارك، يفرح بعودة التائب مهما كان ماضيه. 3) الحياة المليئة من أخطر الأمور على طهارتك يا أخي الشاب "فراغ الحياة" لا اقصد فراغ الوقت فحسب، بل الحياة التافهة، التي بلا رسالة ولا مسئولية ولا تطلعات. خذ من يد الرب رسالتك كخادم للمسيح. ينبغي إن تستجيب لمحبته الخالدة، وتبحث عن أولاده البعيدين.. مسئوليتك كطالب، هي أن تشهد للرب بأمانتك وتطلعاتك المقدسة، حتى تمتلئ حياتك بالأهداف المباركة والآمال النقية، التي تهدف إلى خدمة الرب وأولاده. ضع أمامك أهدافًا مقدسة مثل: التدريب على الصلاة الدائمة، واستيعاب الإنجيل المقدس، واستيعاب روح الكنيسة في آبائها وتاريخها وعقائدها وصلواتها، واستيعاب روح العصر وفكره وثقافته، حتى تسخر هذا كله لخدمة المسيح والبحث عن النفوس البعيدة واجتذابها إلى الحظيرة.. وهكذا. كذلك اهتم بدراستك ومهنتك، فأدرس بحب وشغف ولا تدرس للامتحان فقط، بل أهدف إلى النمو في حب عملك لتؤديه بفاعلية وسعادة. إن انشغال قلبك بأهداف طاهرة يسكب الطهارة في أحشائك، أما تفاهة الحياة وفراغ القلب فلا منفعة فيهما!! 4) الصفاء النفسي لعلك تلاحظ أن الإنسان لا يلجأ إلى الخمر والمخدرات والتدخين إلا بسبب القلق، كنوع من البحث الخاطئ وراء السعادة المفقودة، كذلك أيضًا في موضوع الطهارة، نجد آن الشقاء النفسي الناتج عن الفشل الدراسي أو الاجتماعي، أو المتاعب المادية، يجعل النفس تلجأ إلى الغريزة كوسيلة متيسرة للتعويض، لذلك يلزمنا كشباب أن نقتني -بنعمة المسيح- النفسية الصافية التي تتعامل بإيجابية، مع مصادمات الحياة اليومية ومشاكلها، فتأخذ منها عيرا ودروسا للمستقبل، وتتجاوزها لتحول الفشل إلى نجاح، والمشكلة المادية إلى وسيلة لاختبار يد المسيح الأمينة من نحو أولاده، وفقد الوالدين أو الإخوة إلى نافذة مفتوحة على السماء، من خلالها نتعرف على الله، وعلى الأبدية، وعلى زيف هذا الدهر. وهكذا إذ تهدأ نفسيتنا بين يدي الله لا تبقى لدينا حاجة إلى التعويض باللذة الضارة. 5) الحياة الأمينة يجب إن تكون أمينًا في حياتك من كافة زواياها: الدراسية والاجتماعية والروحية.. الخ. ويجب إن تكون دوافعك في السير وراء المسيح نقية، تهدف إليه في ذاته لا إلى عطاياه.. وان تكون مدققا في مشاعرك وعواطفك، فترفض إن تدخل في علاقة تظنها مقدسة، ثم تنتظر لنفسك حياة الطهارة، لذلك دقق في حواسك وأفكارك واتجاهاتك، حتى لا تتحول إلى منافذ للعدو، منها يتسلل إلى قلبك. وثق إن الرب الذي يرى جهادك من السماء سوف لن يتخلى عنك، بل سيسندك بقوته الفائقة. انشغل به أساسًا فتنحل الخطية من أعضائك بسهولة، إن صراعنا ليس ضد الخطية لنصرعها، بقدر ما هو مع المسيح لنقتنيه، وإذا اقتنينا المسيح أخذنا كل شيء. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
13 نوفمبر 2018

ضمانات حياة الطهارة

يتصور بعض الشباب إن حياة الطهارة أصبحت أمرًا مستحيلًا هذه الأيام، فهناك بالفعل قوة جبارة تدفع الإنسان نحو السقوط: الغريزة بنداءاتها الملحة التي لا تهدأ، والمجتمع بعثراته الخطيرة التي لا تنتهي، والشيطان كرئيس شرير يعمل في هذا العالم ضد الله وضد القداسة، ليحاول قد إمكانه إفساد خطة الله من خلق الإنسان، وقصده المبارك من نحوه. النغمة الشائعة في هذه الأيام هي نغمة "روح العصر" فالمجتمع الحالي يجرى ليلاحق التطور العصري في مجلاته العلمية والفكرية والتقدمية، والمجتمع الكنسي يجتهد في استيعاب التغيرات التي طرأت على هذا الجيل، والنزعات المختلفة التي تحركها مثل: نزعة الكبرياء العقلية، ونزعة القلق، ونزعة التحرر ، ونزعة الانحلال، ونزعة الانفتاح الفكري... الخ. ولكن ثمة خدعة يحاول الشيطان إن يتسلل بها إلى قلوب شبابنا هذه الأيام، مؤداها أن هذا العصر يختلف كثيرًا عما سبقه من عصور، بحيث أصبحت القداسة سرابا لا داعي للاجتهاد في السير نحوه. الحقائق العُظمى حول الطهارة * الحقيقة الأولى: التي لا يرقى إليها شك إن كل مجتمع كان في عصره مجتمعًا عصريًا، فمجتمع القرن الأول كان عصريًا بالنسبة لما قبل الميلاد وهكذا... * والحقيقة الثانية: إن التغيير الذي يطرأ على المجتمعات لا يصيب جوهر الأمور إطلاقًا، بل هو تغير فكرى وعملي وسياسي واجتماعي، ولكنه يستحيل إن يفترق عن أي مجتمع سابق أو لاحق من جهة موضوع الخطية والقداسة، هذا الموضوع روحي محض، والروح أبدي خالد لا يخضع للزمن ولا للتطور بل هو خارجهما معا. * والحقيقة الثالثة: انه لا تغيير يمكن إن يطرأ على جوهر الإنسان فغرائزه هي بعينها كما كانت منذ القديم، وطبيعته الساقطة هي بذاتها كما ورثها عن آدم، وتطلعاته الأبدية وضميره الإلهي، أمور لا تتغير من جيل إلى جيل، إلا بقدر أمانة الإنسان في استخدامها أو تجاهلها. * والحقيقة الرابعة: أنه حتى إذا افترضنا جدلا سهولة السقوط وصعوبة الخلاص في هذا العصر، فيجب أي ننسى أنه " حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا" (رو5: 20) فليس خلاص الإنسان في يده وحده، ولكنه في يد الله حينما تمتد لتنتشل الإنسان الباحث عن الحق باجتهاد القلب وعزم صادق. ولعلنا لو طلبنا من شباب هذا الجيل إن يقيم الآن في عمورة وسدوم لما وجد فرقا بينهما وبين أحداث المجتمعات الآن، مع أن أربعين قرنًا تفصل بين المجتمعين. ولعلنا نذكر أيضًا كيف كانت القداسة مزدهرة في العصر الرسولي، بينما كان السحر منتشرا بصورة مذهلة، وكانت الأوثان تعبد بطقوس نجسة شائنة. إذن فلا جديد تحت الشمس، الجديد هو في تخاذل نيتنا كشباب إن نحيا للمسيح، ومن هنا نلتمس المعاذير تحذيرًا لضمائرنا حين تنحرف. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
25 سبتمبر 2019

قوة الصليب على إطفاء النار

الصليب يطفئ نار الآتون : كان سافورا ملك الفرس يعبد النار والشمس، وكان يعذب المؤمنين كثيرًا. فلما علم أن طاطس مسيحي، أمر أن يُعد له آتون نار ويطرح فيه. صلب القديس طاطس على النار فانطفأت، فتعجب كوبتلاس ابن الملك وصديق طاطس، وقال له كيف تعلمت هذا السحر؟ فأجابه ليس هذا من السحر، بل منالإيمان بالمسيح، فقال له هل أستطيع أن أفعل هكذا؟ أجابه بالإيمان تفعل أكثر من هذا.. فآمن كوبتلاس بالسيد المسيح، ثم تقدم إلى النار وصلب عليها، فانثنت راجعة خمس عشر ذراعًا فأرسل الوالي إلى الملك يبلغه ذلك الأمر. فأمر بقطع رأس طاطس، وتقطيع ابنه ثلاث قطع، ورميه على الجبال لتأكله طيور السماء فنالا أكاليل الشهادة. ب) الصليب يحول نار الآتون إلى ندى بارد. يذكر تاريخ الكنيسة في قصة استشهاد العذارى القديسات بيستس وهلبيس وأغابي `agapy وأمهن صوفية، أن الصغيرة أغابي وكان سنها تسع سنوات خافت أمها عليها بأن تجذع من التعذيب فكانت تقويها وتصبرها.فلما أمر الملك أن تعصر بالهمبازين. استغاثت بالسيد المسيح فأرسل ملاكه وكسر الهمبازين. فأمر الملك أن تطرح في النار فصلت ورسمت وجهها بعلامة الصليب وانطرحت فيها فأبصر الحاضرون ثلاثة رجال بثياب بيضاء محيطين بها، والأتون كالندى البارد فتعجبوا، وآمن كثيرون بالسيد المسيح فأمر بقطع رؤوسهم. قوة الصليب على شفاء المرضى القديس جاؤرجيوس يشفى أعمى وأصم وأخرس قدمت امرأة ابنها إلى القديس جاؤرجيوس وكان أعمى، وأصم، وأخرس. فصلى إلى السيد المسيح، ورسم الطفل بعلامة الصليب، فشفى من جميع أمراضه. أننا كمؤمنين نرى في كل إنسان أيًا كان... ذلك الأخ الذي مات المسيح لأجله، لذلك يصبح كل إنسان في نظرنا ذا قيمة لا تقدر، قيمة الدم الذي سفك من أجله لذلك جاهد القديسون بالصلاة والطلبة من أجل شفاء الآخرين، طالبين في صلواتهم قوة الصليب المحيي، الذي هو علامة ابن الإنسان ورسم تجسده وآلامه من أجل خلاصنا. مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق عن كتاب رؤية كنسيّة آبائية الصليب في المسيحية
المزيد
14 فبراير 2020

من أجلك نُمات كل النهار

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد” نحتفل بهذا الصباح المبارك بعيد دخول السيد المسيح الى الهيكل وهو في تمام الاربعون يوماً أي اننا في هذا اليوم بعد 40 يوما من عيد الميلاد المجيد وحسب الطقس اليهودي الذي كان معمولا به حيث ذهبت امنا العذراء والقديس يوسف النجار لكي ما يقدموا قربان شكر على هذا الابن الوليد، ونحتفل أيضا في هذا الصباح المبارك بتذكار الشهداء الجدد في السنوات الأخيرة والمجمع المقدس لكنيستنا الارثوذكسية القبطية في جلسته الأخيرة في شهر يونيه قرر ان يكون هناك احتفال لهؤلاء الشهداء كما اننا نحتفل بدخول السيد المسيح للهيكل نحتفل بدخول شهدائنا الى السماء وهو تذكار لكل الشهداء في السنوات الأخيرة وسنحتفل به سنويا الى جوار عيد الشهداء المعروف في كنيستنا بعيد النيروز اللي نحتفل به في اول السنه القبطية في شهر توت من كل عام ونحتفل أيضا في هذا اليوم 18 فبراير 8 أمشير بإقامة 15 شماسا من ابنائكم لكى ما يصيروا كهنة للخدمة في مدينة الإسكندرية وكنائسها وعندما تجتمع كل هذه المناسبات مع بعضها نتذكر عبارة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم ” الشهيد يموت مرة واحدة من اجل سيدة فأما الراعي يموت كل يوم من أجل قطيع سيده “ وهذه الكلمات التي قالها القديس يوحنا ذهبي الفم في القرن الرابع الميلادي هي صدى لكلمات بولس الرسول “من أجلك نُمات كل النهار” إذا عمل الراعي هو عمل اماته ونجاح الراعي ان انه نجح في هذه الإماتة من اجلك نموت كل نهار. والمقصود بهذه الكلمة أيها الأحباء كلمة “البذل والتعب والتضحية “التي يقدمها الراعي في خدمته فالراعي الذي لا يبذل ولا يتعب ولا يضحى لا يستحق ان يكون راعيا للقطيع، وحسب هذه الكلمات التي نتعلمها من الاباء ولكن كيف يكون الراعي في عمل الاماته أزاي كيف تكون حياته؟؟ وهذا الكلام الموجه للأخوة الشمامسة المتقدمين للكهنوت ولكل الإباء الحضور معنا ولكل الشعب فتوجد خمسة مجالات يستطيع الراعي ان يمارس فيها عمل الاماته والتعب + المجال الأول :مجال الصلاة +المجال الثاني :مجال الدراسة والقراءة والتعليم +المجال الثالث: مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان +المجال الرابع : مجال المصالحة وصنع السلام + المجال الخامس : مجال الوقت المجال الأول مجال الصلاة فالكاهن يقام مصليا ومعروف عن كنيستنا انها كنيسة مصلية والصلوات فيها كثيرة وطويلة وعميقة وتمتلئ بالروحانيات سواء كانت كلمات او الحان او ممارسات نقدمها لله بحيث يصير كيان الانسان كيان صلاة والكاهن يقام كي ما يتحفظ بالصلاة، ليست الصلاة التي يؤديها من شفتيه ولكن الصلاة التي يرفعها من قلبه يقدم هذه الصلاة سواء في القداسات او العشيات او الصلاة بصفة عامة وهذه الصلوات التي يقدمها هي تعبير حب وده اللي خلى الإباء يقولوا ان “عرق تعب الصلاة اذكى من كل البخور ” الوقوف امام المذبح والوقوف امام الله والصلوات العامة وصلوات المناسبات يجب ان تؤدى من القلب ومن الروح ولا تكون بالشفاه فقط بل يجب ان تكون نابعه من القلب كقول معلمنا داود النبي من الأعماق صرخت اليك يارب …تعب في ان يصحى بدرى و يلتزم بالمواعيد ويلتزم بوقت ممارسة الاسرار بلا شك هو مجال تعب ولكن في تعزية وهذا هو المجال الاول من اجلك نمات كل النهار فلا يترك نفسه للكسل او الراحة بل صار مثل ذبيحه من اجلك نمات كل نهار. والمجال الثاني : “مجال الدراسة والقراءة والتعليم” وهو مجال مهم لكل كاهن يجب ان يقرأ ويدرس ويعيش ما يقرأه ولكن اذا توقف عن القراءة والدراسة والمعرفة وتأمل يجمد وكأنه لا يقدم طعام وقد تجد اطعمة بائته ونتذكر كلمة الله الحي الفعالة شيء مهم ان كانت توجد دراسات تقدم سواء من الأماكن المسيحية مثل معهد الرعاية ودراسته في الإكليريكية وشيء مهم انه يدرس ويتقدم دائما من كلمة الله، ومع الدراسة والخدمة يحتاج الى الفكر الكنسي والأرثوذكسي ليعيش داخله ويفهم تماما عقيدته وتراث كنيسته وهذا التقليد الذى يحياه وليس بصورة التزمت وبما يتناسب مع الزمن الذى نحن نعيش فيه لابد يقرأ ويعرف ويذاكر ويحضر لذلك، ولا يصح ان تقف وتتكلم دون ان تكون محضراً ودارساً لا تقول أي كلام هذا إلتزام داخلي لا يأتي إلا من خلال الدراسة ولقراءة ولذلك نقول من أجلك نموت كل النهار . +المجال الثالث : مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان وهو من اهم المجالات فالكاهن يقوم لكى ما يذهب الى الناس، عمل الافتقاد له بركة كبيرة وكل الإخوة المتقدمين للكهنوت شباب ربنا يديم عليهم الصحة وعمل الافتقاد عمل أساسي في حياة الخادم فما احلى دخول الكاهن الى البيت وسؤاله عن الاسرة وكل أفراد البيت واحساسه بهم وأيضا احساهم به. وعمل الافتقاد عمل أساسي وهو الذى يحفظ الرعية وتمارس فيه الابوة انت لما بتصلى في القداس ابونا بيصلى وعندما تقف تتعلم من أبونا الوعظ لكن في الافتقاد نشعر بك كأب والابوة هى الصورة الجميلة التي يريدها كل المؤمنين. شعب الكنيسة لا يريد من الكاهن الا صورة واحدة ممكن يكون شاطر في شيء لكن الشعب يريدوا ان يروه اباً والابوة الحقيقة والأبوة هي التي تستر وتحب وتستر وهى التي تعلم وتربى وهكذا فعمل الافتقاد بلا شك فيه تعب واسال على الجميع واساعدهم ولكن التعزية في هذا التعب ان يراك كل احد كأب له ولكن اذا قرأنا في تاريخ كنيستنا كل القديسين حتى المعاصرين كما في مدينة الإسكندرية القمص بيشوى كامل واباء مباركين أخريين كانت الصورة المحفورة في ذاكرتهم هي الابوة لكن عمل الافتقاد عمل أساسي وضروري وعمل معزى لانك تطمئن بنفسك على أحوال الرعية “من اجلك يارب نموت كل النهار “ +المجال الرابع هو مجال المصالحة وصنع السلام الكاهن هو مسؤول عن سلام المجتمع والرعية لكن عدو الخير لا يتركنا دائما يقسم الاسرة الاخوات يختلفوا والأزواج تكون بينهم عكارة ونحتاج ابونا يدخل بحكمه وصلواته ومحبته وصنع السلام ويعقد جلسات طويلة ربما بالساعات علشان يصالح اثنين ويقربهم لبعض او يساعدهم يفهموا بعض ولكن مجهود طيب لانه يصنع سلام “وطوبى لصانعي السلام لانهم أبناء الله يدعون” هو الكاهن الوحيد الذي ممكن يساعدني ويقف معي ويبقى دائما، ولدينا امل ان يد الله تتدخل وتقرب النفوس الغضبانة من بعضها والزعلانة ويكون الكاهن ناشراً للسلام وموجداً للسلام وقبل ان يصنع سلام بافراد الرعية يصنع سلام بين الخدام والشمامسة ومابين الإباء الكهنة لو الكنيسة فيها عدد من الإباء كيف يكون حمامة سلام؟ الحمامة دائماً رمز للسلام والسمو ويكون الكاهن بهذه الصورة ولا يميل لطرف ضد طرف لأن الاثنين أبناءه. عمل السلام عمل المحبة عمل المصالحة كل هذه تكون تحت من مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَار،انا يارب بقدملك كل الساعات بتاعتى والنهار علشان بحبك وبقدمها لك يارب من أجل كل ابنائك يكونوا عايشين بسلام وممكن كلمة من الكاهن تطمئن انسان ده ممكن كلمة حكمة من كاهن تريح انسان ويتصالح مع الاخر ولذلك عمل المصالحة وصنع السلام احد الاعمال الرئيسية اللي بيقوم بها الكاهن فى خدمة الرعية ورعاية كل اسرة هذه الخدمة كلها تحتاج وقت تحت جهد وتحتاج زمن وكل هذا يندرج تحت ومن اجلك نمات كل النهار قلت المجال الأول مجال الصلاة والمجال الثاني مجال الدراسة والقراءة والتعليم والمجال الثالث مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان والمجال الرابع هو مجال المصالحة وصنع السلام +اما المجال الخامس والأخير فهو مجال الوقت الكاهن انسان مثل كل البشر لديه كل يوم 24 ساعه لكن مسؤولياته ليست مثل كل الناس ويحتاج لعمل التوازن في الوقت الخاص له خاصة التوازن بين الخدمة وبين الأسرة الخطأ ان ينسى اسرته “زوجة واولاد وبنات “ومن الخطأ ان يهمل ان لا يعطى الوقت الكافي لهذه الأسرة خاصة لو أبناءه كانوا صغيرين ومحتاجين يشوفوا بابهم ومامتهم ويشعروا بمجال الاسرة لذلك المجال الخامس هو نوع من التوازن انت أيها الاب الكاهن انت مدير وقتك ولأنك مدبر حسناً في اسرتك لذلك اختاروكم وزكوك علشان تصير كاهناً وتخدم مذبح الرب وعلشان كده يجب ان يراعى الكاهن تماماً احتياجات اسرته وعندما تكون أسرته ناجحة يكون هو أيضا انساناً ناجحاً وخادماً ناجحاً فالتوازن بين الخدمة لا يصح ان تأخذ الخدمة كل وقته ولا يتبقى شيء للبيت لا يصح لان ده معناه ان البيت ينشف ويجف لأنه دخل في دائرة الإهمال لذلك يجب ان تكون متوازناً في الوقت بين خدمتك ومسؤولياتك في الخدمة واحتياجات الخدمة التي لا تنتهى وفى نفس الوقت بين مسليات اسرتك واحتياجاتها واهتمامك بزوجتك وبأولادك هذه المجالات الخمسة يمكن ان نراها في كلمات القديس بولس الرسول ” من أجلك نُمات كل النهار” وهذا المقياس اقدمه للإباء والأخوة الجدد وهذا مقياس يقيس خدمتك ويرى كيفيتها في مراعاة خدمتك كل يوم، يمكن الواحد في البداية نشيط ويعمل ويجتهد وكل شيئ جميل ودائماً يقولوا في الامثال المصرية الغربال الجديد له شده ” الكاهن يجب ان يكون جديداً كل يوم لذلك نصلي فى مزمور التوبة روحا مستقيما جدده في أحشائي بمعنى أن الكاهن يكون له سنه او اثنين او عشره يجب ان يكون جديداً كل يوم، وهذه الحكاية حتى لا يشعر في داخله ان صلاحيته ككاهن انتهت له اب اعتراف له قانون روحي وله خلواته وممارساته الروحية كل هذه يااخواتى تجعل من الكاهن انسانا ناجحا وخدمته مشهود له ليست على الأرض فقط بل في السماء أيضا لذلك الأسبوع الماضي رسمنا مجموعه كهنة وبعض البلاد اليوم في اسكندرية نأخذ 3 أيام من الأربعين يوم اللى هيقضوها في الدير يوم 8والحق(8،9،10) مارس ونكون منهم حلقة دراسية خاصة عن التدبير الكنسي والتنمية ودى للجداد فقط في المقر البابوى الملحق بدير الانبا بيشوى هنا إقامة كاملة في الدير ولن يخرجوا خلال ال3 أيام الاولى ستكون خاصة بالدراسة لانها دراسة مكثفة ليكونوا متخصصين سيحضروا معاهم من يوم ال8 مارس حتى 10 مارس وممنوع الزيارات تماما 3 أيام لانه سيكوت هناك حلقة دراسية عن التدبير الكنسة والتنمية وهذه اول مرة يتم تنفيذها ليكون الكاهن ناجح خلال خدمته خاصة فنره الأربعين يوم التي يقضيها وهى فتره مقدسة يعطينا المسيح أيها الأحباء ان يفرح هؤلاء اللى رشحتهم وزكتهم بعد اختبارات طويلة وفى الاخر انا قعدت مع كل واحد فيهم ومع زوجاتهم واولادهم وتطمئنا لهذا الامرلذلك بعد كل هذا المشوار الكهنوت يعتبر بداية لذلك ابوه صحيحه لكى يكون كهنوتك صحيحا ايضاً ومبارك باسم كل الأباء الأحباء الإباء الأساقفة الحضور معنا وكل الكهنة نشكر نيافه الأنبا صرابامون مطران ورئيس دير الأنبا بيشوي، وادي النطرون، البحيرة،وكل الاباء الرهبان في هذا الدير العامر الذين استضيفونا نقيم فيها هذه السيامات المفرحة ونصلى ان يعطى الله نعمه خاصة لهؤلاء الجدد ربنا يبارك في حياتهم وفى خدمتك وخدمة كل الاباء الكهنة ودائما نقول مع المسيح «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. “لإلهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الابد امين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
11 سبتمبر 2019

فلنضيء الشموع أمام صور الشهداء

من بركة الله علي البشر أنه منحهم أعيادًا.. فقد ورد في سفر اللاويين قائمة بأعياد كثيرة (لا 23). وجعل هذه الأعياد أيام فرح ومحافل مقدسة.. عملًا من الأعمال لا يعملون فيها. إنها أيام تفرغ للرب واعتكاف (لا 23: 36)، يقدمون فيها وقودًا للرب، وقرابين، وذبائح ومحرقات.. ويقدمون عطاياهم ونذورهم.. إن الله يريد لأولاده أن يفرحوا، ولكن فرحًا مقدسًا. لذلك عندما خلق الله الإنسان، خلقه في جنة، لكي يحيا في فرح.. وكذلك في الأبدية، سيجعله أيضًا في فرح، في النعيم الأبدي.. وعلي الأرض أيضًا، يقول الكتاب "أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا أفرحوا" (رسالة فيلبي 4:4). وجعله أولى ثمار الروح "محبة وفرح وسلام" (رسالة غلاطية 5: 22).. ووضع للمؤمنين أعيادًا للفرح، تكون محافل مقدسة.. وجعل الرب هذه الأعياد أيام راحة، وأيام تلاقٍ. يتفرغون فيها من تعب العالم ومشاغله ومشاقه، ويلتقون معًا في محافل، في شعور بالمودة والارتباط. وكانت الراحة أول ما وهبه الله للناس بعد الخليقة.. فيقدسون يومًا للرب، أي يخصصونه له، ويصبح يومًا للراحة والعبادة (لاويين 23: 1-3). وجعل الرب الأعياد مصحوبة بذكريات هامة ومقدسة. وفي العهد الجديد منحنا الرب أيضًا أعيادًا لكل منها ذكرياته. ومن الصالح للإنسان أن يتذكر تلك المناسبات. فنذكر ميلاد السيد الذي كان بداية لقصة الخلاص، ونذكر ما فيه من حب، ومن تواضع وإخلاء للذات.. وأعطتنا الكنيسة أن نعيد في عيد الغطاس. فنذكر المعمودية وأهميتها، ونذكر معمودية التوبة. كما نذكر الظهور الإلهي وعقيدة التثليث، ونذكر أيضًا يوحنا المعمدان. وتشبع نفوسنا بالذكريات المقدسة، ونأخذ ما فيها من معانٍ روحية ومن عظات، ومن قدوة صالحة لنفوسنا. ولو نسينا كل هذه الذكريات، لخسرنا الكثير. فهي ليست أيامًا للفرح العالمي، وللهو، ولمجرد الإفطار وتغيير الطعام، والفرح مع أصحابنا بمستوى علماني!! كلا، إنما نتذكر باستمرار أن الأعياد أيام مقدسة. و اليوم هو عيد النيروز (رأس السنة القبطية) ذكري شهداء الأيمان. وفي هذه الذكري العطرة تضاء الشموع بصفه خاصة أمام أيقونات الشهداء والقديسين. حقا تضاء كل يوم. ولكننا اليوم نتأمل في ذكراهم. حين نوقد الشموع أمام صورة العذراء والشهداء والقديسين نأخذ من الشمعة ما يذكرنا بهم؛ إذ أن الشمعة تحترق لكي تنير للآخرين وتذوب وقد تنصهر لكي يظهر ضوءها في غسق الدُجى. والعذراء والشهداء والقديسون احترقوا وأحرقوا ذواتهم لكي ينيروا لنا الطريق، فهذا الطقس هو لتكريم سيرة هؤلاء الشهداء والقديسين. ويذكر تاريخ الباباوات عن البابا سرجيوس الأول انه في يوم 2 فبراير سنة 687 م. رتب عيدا للقديس سمعان الشيخ وكانت تقدم فيه الشموع بكثرة حتى سمي بعد ذلك بعيد الشموع. ومما يلفت نظر العابد في عبادته أن الشموع تضاء ليس في الليل بل في النهار وتستخدم في وسط الأنوار الكثيرة الكهربائية وكان معروفا في الطقس الكنسي قديما أنه أثناء أيقاد الشموع والقناديل كانت تقال صلوات خاصة مثل "اجعل أيها الرب ظلمتي نورًا"، و"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف".. و"أنر عيني لئلا أنام نوم الموت" إن الشمعة الموقدة أمام أيقونة السيد المسيح تعلن أنه نور العالم، والشمعة الموقدة أمام أيقونة العذراء تعلن أن هذه هي أم النور، والشمعة الموقدة أمام أيقونة القديس والشهيد تعلن أن هذا هو السراج المنير الموضوع على المنارة في أعلي البيت لكي يضئ لكل من فيه. فنحن نوقد الشموع كعلامة رمزية لإشعالنا بغيرة قداستهم وحبهم وتقديم أية ملموسة من آيات التكريم والوفاء والتسبيح الصامت والشكر على ما يقدمونه نحونا أمام المنبر السماوي حسن أن نوقد الشموع أمام الأيقونات لكن يجب أن يكون ذلك مقترنا بغيرة القلب واشتعاله بالقداسة كالشمعة التي تلتهب لتضئ فتقدم الشموع أمام الأيقونات توسلا أن تكون حياتنا منيرة متشبهين بالعذارى الحكيمات ذوات المصابيح المضيئة ومتممين وصية الرب أن تكون سرجنا موقدة لتحفزنا على الصلاة والسهر. وحينما أثبت الشمعة في موضعها فستظل تشتعل وتضئ. أود من كل نفسي أن أدوم هكذا منيرًا لمن حولي. هذا هو شعوري حينما أقدم شمعة واثقًا حتما أنني سأنال نعمة ومعونة بشفاعة هؤلاء القديسين. وهناك العديد من القيم الروحية في الشمعة فهي تعطينا فكرة عن نور المعرفة والمواهب الإلهية التي تأتينا من فوق "لتكن أحقاءوكم ممنطقة وسرجكم موقدة". وكما أن الشمعة مادة كثيفة ليست من طبيعتها إعطاء نور لكنها عندما تتلامس مع النار تضئ وتستمر مضيئة كذلك القديسون فهم نور العالم، يستمدون نورهم من شمس البر فكلما اقترب الإنسان من فاديه الذي هو شمس البر أضاء كموسى. وكلما كان الوسط ظلاما ظهر فيه نور الشمعة بقوة أكثر مهما كانت الشمعة صغيرة وينتفع بنورها الكثيرون، وهكذا القديسون في وسط ظلام هذا العالم يضيئون كالكواكب في ملكوت أبيهم. وكما أن الحرارة تذيب الشمعة إلا أنها تقسي الطين.. هكذا يكون تلين قلب الإنسان الروحي وتصلب قلب الشرير. كما أن الشمعة مضيئة ومحرقة فكما تضئ قد تحرق.. والقديسون أيضًا يقدمون القدوة الصالحة لنا ولكنهم سيشهدون على دينونتنا. وتعطينا الشمعة مثلا في الجهاد حتى النهاية و في الشمعة معني التضحية بالنفس لأجل الآخرين فالقديسون يضحون بالنفس والنفيس فهم نور العالم وهم ملح الأرض والملح يذوب ليعطى طعما وملوحة للآخرين. والكنيسة إذ تضع الشموع أمام الأيقونات المقدسة وذخائر القديسين لأنهم بمثابة أنوار تضئ الطريق للكنيسة المجاهدة ونجوم تتألق في سماء المجد. المتنيح القمص مرقس عزيزكاهن كنيسة المعلقة، مصر القديمة
المزيد
08 أغسطس 2018

حياة الاحتمال من فضائل القديسة مريم

تيتمت من والديها الإثنين، وهي في الثامنة من عمرها، وتحملت حياة اليتم. وعاشت في الهيكل وهي طفلة، واحتملت حياة الوحدة فيها. وخرجت من الهيكل لتحيا في كنف نجار واحتملت حياة الفقرولما ولدت ابنها الوحيد، لم يكن لها موضع في البيت، فأضجعته في مزود (لو1: 7). واحتملت ذلك أيضًا.. واحتملت المسئولية وهي صغيرة السن. واحتملت المجد العظيم الذي أحاط بها، دون أن تتعبها أفكار العظمة لم يكن ممكنًا أن تصرح بأنها ولدت وهي عذراء، فصمتت واحتملت ذلك احتملت السفر الشاق إلى مصر ذهابًا وإيابًا. واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلى أخرى، بسبب سقوط الأصنام أمام المسيح (أش19: 1). احتملت الغربة والفقر. احتملت أن "يجوز في نفسها سيف" (لو2: 35) بسبب ما لقاه ابنها من اضطهادات وإهانات، وأخيرًا آلام وعار الصلب لم تكتف العذراء -سلبيًا بالاحتمال- بل عاشت في الفرح بالرب كما قالت في تسبحتها "تبتهج روحي بالله مخلصي" (لو1: 47). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب السيدة العذراء
المزيد
01 مارس 2020

الأحد الأول للصوم الكبير أحد الكنوز

(عظة على إنجيل متى19:6ـ33)” لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ ” (مت19:6)وبعد أن أخرج السيد المسيح من نفوسنا مرض التفاخر والعُجب، نراه يبدأ في الوقت المناسب حديثه عن الفقر الاختياري. إذ أنه لا يوجد شئ يشجّع المرء على محبة المال أكثر من حب المجد الباطل.وفيما سبق اكتفى الربُّ بأن يوصينا أن نصنع الرحمة. أما هنا فبيّن لنا كيف تكون هذه الرحمة، بقوله: ” لا تكنزوا لكم كنوزًا“، وذلك لأنه لم يكن ممكنًا في بداية حديثه أن يُركَز الكلام كله دفعة واحدة حول ازدراء الثروات وذلك بسبب طغيان حب المال. لذا نراه يُجزّئ الحديث إلى مقاطع صغيرة، ويقدّمه قطرة قطرة للنفوس كي يصبح كلامه مقبولاً، لهذا فقد قال في البداية ” طوبى للرحماء” (مت7:5). وبعد هذا ” كن مراضيًا لخصمك” (مت25:5)، ثم أضاف: ” من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك اترك له الرداء أيضًا” (مت40:5).وهنا ما هو أعظم بكثير، إذ لا يُفترض وجود خصم أو طرف آخر، بل إنه يريد أن يعلّمنا ازدراء الثروات نفسها ويوضّح لنا أنه يَسِنّ هذه الشرائع لا من أجل الذين ينالون الصدقة بل من أجل الذين يعطون الصدقة. وفي هذا الموقف أيضًا لم يَقُل السيّد كل ما أراد، بل تكلّم بلطف لأن الوقت لم يكن قد حان، وهو هنا يفحص الأفكار فقط، متخذًا موقف الناصح أكثر منه موقف المُشرّع من جهة أقواله حول هذا الموضوع وبعد أن قال ” لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض” أضاف” حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ ” (19:6) حيث إنه يلمّح إلى الأمور التي يخافون منها بالأكثر، إذ يقول: ” مما تخاف؟ هل تخاف أن تنفد أموالك إن أنت تصدّقت بها؟ لا، إعط صدقة وتأكد أن أموالك لن تنفد، بل ستزداد بشكل عظيم حقًا، لأن الخيرات السماوية ستُضاف إليها. لقد شدَّ انتباههم بقوله لهم إن كنزهم لن يُنفق بل سيبقى هكذا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جَذَبَ انتباههم إلى أمر آخر، إذ أنه لم يقل فقط: ” سيحفظ كنزكم إن تصدقتم”، بل هدّد بالشيء المعاكس أيضًا، وهو أنه سيَفَنى إن لم تتصدقوا… وكيف؟ أسيَفنَى السوسُ الذهَب؟ بالطبع لا، لكنهم اللصوص. وهل صار الجميع ضحايا للسرقة؟ إن لم يكن الجميع فعلى الأقل الأكثرّية منهم. ولهذا فإننا نجد الربّ، وكما قلت سابقًا قد طرح أمرًا آخرً بقوله: ” لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا” (مت21:6). حتى ولو لم يحدث أي من هذه الأشياء، فإنك ستتعّرض لأذى ليس بالقليل لأنك قد وضَعَتَ كل اهتمامك في الأشياء السفلّية، وصرت عبدًا بعد أن كنت حُرًا، ولأنك نحيّت جانبًا الأمور السماوية، وأصبحت غير قادر على أن تدرك أي شئ منها، وصار كل تفكيرك يدور حول المال والربا والقروض والأرباح والأمور التجارية الخسيسة، فهل هناك ضياع أكثر من هذا؟ إن شخصًا كهذا يكون أسوأ من أي عبد ـ إذ أنه تخلّى عن أهم شئ، أي عن سمو الإنسان وحريته فمهما تحدّث معك أي شخص فأنت عاجز عن سماع الأمور التي تهم خلاصك، إذ أن ذهنك كله منحصر في التفكير في المال، ومُقيد بواسطة طغيان الثروة، مثل كلب مربوط بسلسلة قوية إلى قبر، تنبح على كل من يقترب منك، وبغير توقف تحرس ثروات غيرك. أيوجد حماقة أكبر من هذه؟ولأن حديثه هذا كان أعلى من مستوى سامعيه، ولم يكن من السهل لكثيرين أن يروا من أول نظرة أين تكمن العلّة، وبالتالي لم تكن الفائدة واضحة، لكن كانت الحاجة إلى مستوى روحي يَقدْر على التمييّز، ومع أن هذا كان واضحًا من حديثه عندما قال” حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك“، إلاّ أنه أوضحه أكثر عندما وجّه الحديث لا عن الأشياء المعقولة، بل عن الأشياء المحسوسة بقوله إن: ” سراج الجسد هو العين” (22:6)، ومعنى قوله هذا هو ما يلي لا تدفن الذهب أو أي شئ من هذا القبيل في الأرض، لأنك ستكنز هذا كله، ثم يمتد إليه العث والصدأ وأيادي اللصوص، وحتى إن لم تتعّرض كنوزك لمثل هذه الأضرار، فإنك لن تنجو من استعباد قلبك واستمالته إلى كل ما هو أرضّي، إذ ” حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضًا“. أما إن وضعت كنزك في السماء، فإنك لن تجنى هذا الثمر فقط الذي هو الحصول على المكافآت عن هذه الأمور، بل ستكون قد نُلت مجازاتك هنا على الأرض وستأخذ أجرك معك إلى هناك لأنك وضعت اهتماماتك فيما هو في السماء، لأنه من الواضح إنه حيث يكون كنزك سيكون هناك اهتمامك أيضًا لكن إن كان هذا الكلام غامضًا بالنسبة لك فاسمع ما يلي: ” سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ ” (22:6ـ23)إن السيد يوّجه الحديث نحو الأمور التي هي في متناول حواسنا بصورة أكبر فيقول: إن كنت لا تعلم مقدار الضرر الذي يصيب (الذهن) فتعلّم من أمور الجسد، إذ مثلما العين بالنسبة للجسد هكذا الذهن بالنسبة للنفس تمامًا، فبالتأكيد إنك لن تفضّل التحلّي بالذهب وارتداء الملابس الحريرّية عن أن تكون عيناك سليمّتين، إذ تحسب أن سلامة عينيك هو أمر أكبر أهمية من كل أمر آخر. إذ عندما تكون العينان ضريرتين تضعف معظم طاقة الأعضاء الأخرى. هكذا أيضًا عندما يُفسَد الذهن ستمتلئ حياتك بشرور لا تحصى. وكما أنه في اهتمامنا بالجسم نهدف إلى جعل عيوننا صحيحة، هكذا أيضًا في نفوسنا، يجب أن يكون اهتمامنا بأن يكون الذهن صحيحًا. فإن شوّهنا الذهن، الذي ينير على بقية الأعضاء، فكيف سنرى بشكل أوضح؟ فكما أن الذي يدّمر النبع يجفّف النهر أيضًا، هكذا الذي يُطفئ الذهن (الفهم)، فإنه يُخزِى كل أعماله في هذه الحياة، لهذا يقول السيد: ” إن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون“إن الله قد أعطانا الفهم كيّ نطرد كل جهل ولنحكم بالصواب على الأمور، وعندما نعمل بهذا الفهم كنوع من السلاح والنور ضد كل ما هو خطر أو ضار، يمكننا أن نبقى سالمين، لكننا نبذّر هذه النعمة في أمور عديمة النفع ونافلة إن من يوجد في مكان مظلم، لا يستطيع أن يتحرك منه إلاّ إن سطعت الشمس. أما من لديه مشكلة في نظره فإنه لن ينظر حتى وإن أشرقت الشمس. هذا ما يحدث بالضبط لِمْنَ نتكلّم عنهم هنا. فإنهم لا يدركون ولا حتى شمس البّر الذي أشرق عليهم ويدعوهم، إذ أن الغِنَى قد أعمى أبصارهم، ولأجل هذا فهم يكونون في ظلام مضاعف: الأول ظلام في داخلهم، والثاني ظلام بسبب عدم اتباع وصيّة المعلّم فلنتبع نحن المعلّم بكل حرص، حتى نستطيع أن نجد النور الحقيقي مرّة أخرى. سبب العَمَى:- وكيف يمكن أن نبصر مرّة أخرى؟، هذا ممكن عندما تعرف كيف صرت أعمى. وكيف صرت أعمى؟ بالتأكيد بسبب شهواتك الباطلة. لأنه كما أن هناك سوائل تؤذى العين، هكذا شهوة المال فإنها تؤذى النظر مسببة عتامة كثيفة له. غير أن هذه العتامة يمكن أن تنقشع إن نحن قَبلنا شعاع تعاليم المسيح، إن نحن سمعنا وصاياه وكلماته القائلة: ” لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض“. وربما يتساءل شخص قائلاً: وأي شئ سأربح من السماع في الوقت الذي تتملكّني فيه الشهوة؟ تأثير كلام الله:- إن سماع كلمة الله باستمرار قادر على إزالة الشهوة. أما إن كنت تُصّر على أن تسيطر عليك هذه الشهوة، فإعرف إن الأمر ليس هو مجرّد شهوة. فما هي هذه الشهوة التي تجعلك في عبودية ثقيلة، تئن تحت نير ثقيل ومحاصر كما في سجن، تعيش في ظلام مملوء بالاضطراب، تحتفظ بالأموال للآخرين وباستمرار، من أجل أعدائك؟ مع أي شهوة تتفق كل هذه الأمور؟ ألاّ يناسب هذه الأمور أن نبتعد عنها ونهرب منها؟ أي شهوة هذه التي تجعلك أن تترك كنوزك بين اللصوص؟ إن كنت ترغب في أموالك بالحقيقة فيجب أن تحفظها في مكان آمن. لأن ما تفعله الآن لا يدّل على إنسان يرغب في حفظ المال، لكن يدّل على حالة الاستعباد والضياع والقلق المستمر التي تسيطر عليه فإن دلّك شخص على مكان غير مطروق هنا على الأرض وآمن، وإن ذهب بك إلى الصحراء وأعطى لك وعودًا بحماية أموالك، فإنك لا تترّدد ولا تتحفظ، بل تُظهر ثقة في كلامه وتنقل أموالك حيث يرشدك. أما إن وعدك الله وليس إنسان بنفس هذه الوعود واقترح عليك لا الصحراء بل السماء مكانًا لحفظ كنوزك، فإنك لا تفعل الشيء نفسه ولا تُظهر ثقة بوعوده أو تَتَبع كلامه. وحتى وإن كانت كنوزك محفوظة تمامًا هنا على الأرض، فإنك لن تقدر أن تتحرّر من حمل الهموم بسببها، وحتى وإن كنت لن تفقدها فإنك لن تُعتَق من القلق خوفًا من فقدها. أما إن كان كنزك في السماء فإنك لن تعاني شيئًا من هذا بالمرّة، بل وأكثر من هذا فإنك ستربح لأنك لن تخفي ذهبك بل إنك تزرعه. حيث إنه لن يصير كنزًا فقط بل بذرة أيضًا وأكثر من الاثنين معًا لأن البذرة لن تبقى دائمًا، أما إن كان كنزك في السماء فإنه سيبقى دائمًا، وبينما الذهب لا يثمر، فإن كنزك هذا الذي في السماء سيعطيك ثمرًا لا يفنى. وإن حاولت أن تتعلّل بطول الزمن الذي ستحصل بعده على المكافأة، فإني أستطيع أن أبيّن لك أنك تربح الكثير هنا في حياتك على الأرض وخلاف ذلك فإني سأحاول أن أبيّن لك أن كثير مما تفعله في حياتك هنا على الأرض يكون بدون فائدة على الإطلاق إنك تتعب كثيرًا وتعمل أشياء عديدة في هذه الحياة، غير أنك لن تتمتع أنت نفسك بها. وإن وجّه إليك أحد اللوم على هذا، فإنك تجيب بأنك تفعل هذا لأولادك ولأحفادك ظانًا أنك بهذا قد أُعِّطَيَت تبريرات لعمل المزيد من هذه الأفعال. فعندما تبني القصور وأنت في شيخوخة عارمة وغالبًا ما تنتهي أعوامك قبل أن تسكن فيها. وعندما تزرع أشجارًا تعطى ثمارًا بعد سنوات عديدة، وعندما تشتري أراضي وعقارات بالتقسيط وتحوز ملكيتها بعد مدد طويلة، وعندما تفعل أشياء أخرى مماثلة ولا تتمتع بها، فهل تفعل ذلك لنفسك أم للآخرين؟أفليس إذن من الحماقة أن لا تتضايق بالمرّة هنا بسبب تأخر نهاية الأزمنة في الوقت الذي ستخسر فيه مكافآت بسبب هذا التأخير؟ الوقت قريب:- وغير هذا فإن نهاية الأزمنة ليست ببعيدة أطلاقًا، والوقت قريب جدًا ولا نعرف، فربما في جيلنا هذا تكون نهاية الأزمنة ويأتي ذلك اليوم المخوف حيث الدينونة الرهيبة. إن علامات كثيرة قد تحققّت، والإنجيل بُشر به في كل المسكونة، والحروب والزلازل والمجاعات قد وقعت، والمسافات لم تعد بعد بعيدة. ألاّ تشاهد العلامات؟ هذه هي العلامة الكبرى أن الناس في زمن نوح لم يأخذوا بالتحذيرات بالفناء وبينما هم يمزحون ويأكلون ويفعلون كل ما اعتادوا عليه، فعندئذٍ فاجأهم العقاب الرهيب. وحدث نفس هذا الأمر مع أهل سدوم. فبينما كانوا يعيشون في حياة اللهو غير متوقعين شيئًا بالمرّة، أصابتهم الصواعق التي وقعت عليهم. فلنضع هذه الأمور إذن أمام أعيننا ونوجّه نفوسنا للاستعداد للرحيل من هنا. لأنه وحتى إن لم يكن قد جاء موعد رحيلنا جميعًا معًا، فإن نهاية كل واحد فينا هي قريبة، شيخًا كان أم شابًا. وعندما نرحل لن نستطيع أن نشترى لا زيتًا أو حتى نطلب سماحًا من الآخرين. ولن يستطيع إبراهيم أو نوح أو أيوب أو دانيال أن يشفع فينا وفي الوقت المُتاح لنا فلنعد أنفسنا لتلك المدينة السمائية، ولنجمع لأنفسنا زيتًا وفيرًا ولنكنز كل ما نملك في السماء، حتى نتمتع بها في الوقت المناسب وعندما نحتاج إليها، بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح الذي له القدرة والمجد الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور. آمين. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال:- ” لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ ” (24:6) ألاّ ترون أن السيّد يبعدنا قليلاً قليلاً عن الأمور المادية، وبالتفصيل يحدّثنا عن وصيّة الفقر الاختياري والنصرة على طغيان شهوة المال؟ لأنه لم يكتفِ بما سبق أن قاله، رغم أنه هام وليس بالقليل، بل أضاف أمورًا أخرى. لأنه أي شئ أفظع من الأمور التي ذُكرت الآن انتبهوا إذن بأي طريقة يوضّح السيّد ما سوف نربحه وكيف يبيّن الخسارة التي تعود علينا لو لم نفعل ما يوصينا به. لأنه يقول لنا إن الثروة لن تؤذيكم في هذا فقط، بل إنها سوف تكون سبب مهاجمة اللصوص لكم، وإنها سوف تجعل ذهنكم معتمًا إلى أقصى درجة، وتبعدكم عن خدمة الله، جاعلة إياكم أسرى الثروات. وفي الحالتين هي تؤذيكم، بدفعكم لتكونوا عبيدًا للأشياء التي يُفترض أن يكون لكم أنتم سلطانًا عليها، ومن ناحية أخرى، بإقصائكم عن خدمة الله الذي يجب أن تخدموه أكثر من أي أحد آخر. لأنه كما كان قد أوضح هناك أن الضرر هو مُضاعف وذلك عندما يضع إنسان كنزه هنا على الأرض حيث يفسده السوس ولا يضعه في السماء حيث يضمن حفظه. هكذا هنا يذكر أن الخسارة هي مزدوجة حيث إنه يتحدث عن الأشياء التي تجعلنا عبيدًا للشياطين. ولكن السيد لا يتحدّث عن هذه الأمور مباشرة بل بطريقة بسيطة عندما يقول: ” لا يقدر أحد أن يخدم سيدين” ويقصد أن السيدّين الاثنين يفرضان أمورًا كلُّ عكس الآخر، إذا لو لم يكن الحال هكذا لما كانا اثنين بل سيدًا واحدًا. كما كان ” لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة” (أع32:4)، وبالرغم من أنهم كانوا أشخاصًا عديدين إلاّ أن اتفاقهم في الرأي جعلهم وكأنهم شخص واحد. وبعد ذلك شرح هذا قائلاً إنه لن يخدمه بل إنه سيبغضه ويحتقره. وذلك ” لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر“. ويبدو أن في هذا القول تكرار، لكن الواقع هو أنه قصد أن يقول إن التغييّر إلى الأفضل هو ممكن، وذلك لئلا تقول: لقد صرت عبدًا وانتهى الأمر، لقد وقعت تحت طغيان الثروة. هو يريد إذن أن يقول إن تغييّر الحال ممكن ومن المستطاع أن يغيّر المرء ذاته من الحالة الأولى إلى الثانية والعكس وبعد أن تكلّم بصورة عامة على هذا النحو كي يقنع السامع وليقيّم ما قد سمعه، وكي يحكم وفقًا لطبيعة الأمور، يكشف السيّد أمرًا جديدًا بقوله: ” لا تقدروا أن تخدموا الله والمال“. لنرتعد عندما ندرك ماذا فعلنا حتى يقول السيّد المسيح هذا ويضع ما هو من ذهب في نفس مقام الله. ولكن إن كان هذا يصدمنا، فإن حدوثه في أفعالنا وفي تفضيلنا لطغيان الذهب على خوف الله هو أمر يصدم أكثر بكثير ماذا إذن؟ ألم يكن هذا الأمر ممكنًا بين الأقدّمين؟ على الإطلاق. قد يقول المرء ” كيف إذن تقدّم إبراهيم وأيوب في هذه الفضيلة؟ لا تقل لي عن الذين هم أغنياء، وإنما عن الذين كانوا مستعبدين للثروات. لأن أيوب كان غنيًا ومع ذلك لم يكن يخدم المال، وإنما كان يملكه ويتحكم فيه، لقد كان أيوب سيّدًا لا عبدًا. وكأنه كان وكيلاً على أموال شخص آخر. وهكذا كان يملك كل تلك الأشياء ولم يكن يشتهي أموال الآخرين، بل حتى أمواله كان يهبها لمن كانوا في احتياج وعوز. والأمر الأهم بالطبع، أنه لم يكن يفرح بما يملك كما عبّر هو عن ذلك بقوله: “… إن كنت قد فرحت إذ كثرت ثروتي” (أي25:31). لهذا لم يحزن عندما ضاعت. لكن الذين هم أغنياء الآن ليسوا كما كان أيوب. بل بالحرى هم في حالة أسوأ من أي عبد يدفع الجزية لمستبد قاسٍ. لأن ذهنهم مثل قلعة على حافة المدينة قد احتلها حب المال وشهوته. ومن هناك يرسل لهم كل يوم بأوامر تخالف القوانين ولا يوجد مَنْ يَعصى هذه الأوامر لا تكونوا مفرطى الحذق، لا، لأن الله صرّح مرّة واحدة وإلى الأبد وأعلن أنه أمر مستحيل أن تخدم الواحد وتوافق الآخر. فالواحد يأمرك بأن تأخذ ما ليس لك، والآخر يدعوك بأن تعطى حتى الذي تملكه. فالواحد يأمرك أن تكون عفيفًا، والآخر أن ترتكب الزنى. الواحد يوصيك أن تضبط معدتك، والآخر أن تكون ثملاً مترفًا. الواحد أن تكون مهتمًا بالأمور الحاضرة والآخر ينصحك باحتقارها. الواحد يجعلك تُعجب بالرخام والجدران والمباني الفخمة والآخر يعطيك ألاّ تهتم بهذه الأمور، بل بحياة التقوى. فكيف يتفق السيّدان؟ وفي هذه الحالة فإنه يدعو الشيطان “ربًا”، ليس بسبب أنه ربّ بالطبيعة، لكن بسبب تعاسة الذين يحنون أنفسهم لنيره. وبنفس هذه الطريقة فإنه يدعو البطن “إلهًا” (في19:3)، لا بسبب سلطته، بل بسبب حماقة الذين يُستعبدون له. وهذا الأمر هو أشر من أي عقاب وقادر على معاقبة كل من يقع في شراكة حتى قبل الجحيم وبعد أن يبيّن السيّد للكل الفائدة التي يحصل عليها المرء من احتقار الثروات، تحدّث عن الطريقة التي يستطيع بها الإنسان أن يحفظ ثروته وأن يكتسب إمكانية العمل بهذه الوصية، لأن أفضل التشريع لا يتعلّق بفرض ما هو مناسب، بل يجعله ممكنًا على حد سواء، لهذا أضاف قائلاً: لا تهتموا:- ” لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ بِمَا تَأْكُلُونَ ” (25:6) ولكي لا يتعجّبوا ويتساءلوا قائلين: ” كيف نستطيع أن نحيا إن طرحنا عنا كل شئ؟”. وأمام هذا التناقض الظاهري فإن السيّد أعطى إجابة مناسبة، فلو قال في البداية ” لا تهتموا “، لبدا الكلام بالتأكيد صعبًا، لكن بعد أن أظهر الضرر الناتج عن اشتهاء المال، فإن نصيحته صارت سهلة القبول ويقول السيد: ” لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون“، فما معنى قوله ” لذلك “، يعنى الخسارة غير الموصوفة التى تصيب منْ يكون له هذا الاهتمام الزائد، لأن الخسارة التي تلحق به ليست هي فقط في ثرواته، بل بالأكثر في أهم شئ في حياة الإنسان وهو خلاصه، حيث إن هذه الأمور تبعده عن الله الذي خلقه والذي يهتم به والذي يحبه وهذا هو معنى قوله ” لذلك أقول لكم لا تهتموا “ وهو لا يأمرنا فقط بأن ننبذ كل ما لنا، بل أيضًا ألاّ نهتم حتى بطعامنا الضروري قائلاً: ” لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون“، لا لأن النفس تحتاج إلى طعام لكونها غير جسدانية، إذ أنها رغم احتياجها للطعام فمع ذلك لا يمكنها أن تبقى في الجسد ما لم يُقات الجسد. وبعدما قال هذا، أوضحه بما يجري في حياتنا وأيضًا بأمثال قائلاً ” أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ (النفس) أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ ”(25:6) فالذي يمنح ما هو أعظم كيف لا يمنح ما هو أقل؟ فالذي خلق الجسد الذي يُقات كيف لا يمنح الطعام؟ ولهذا لم يتحدّث السيّد بصورة مجرّدة قائلاً: ” لا تهتموا بما تأكلون وبما تشربون“، إنما تحدّث عن “الجسد” و”النفس”، لأنه بصدد أن يدلّك على ما يقوله بالإشارة إليهما على سبيل المقارنة. فالنفس هي عطيّة وهبة من الله، مرةً، وهي تبقى كما هي، أما الجسد فإنه ينمو كل يوم. لهذا فهو يشير إلى هذين الأمرين، خلود النفس وضعف الجسد، عندما يضيف قائلاً: “ من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا” (27:6)، وبما أن النفس لا تنال زيادة فإنه يتحدّث عن الجسد فقط، وأن الطعام ليس هو الذي ينمي الجسد بل عناية الله وهذا الأمر يُظهره بولس الرسول بقوله: ” إذن ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي يُنمّي” (1كو7:3). وبهذه الطريقة وبأمثلة أخرى مما يدور حولنا، يحثنا السيّد المسيح وينصحنا بقوله: انظروا إلى طيور السماء:- ” اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا ” (26:6) وحتى لا يقول أحدهم: ” نحن نفعل حسنًا بالاهتمام”، فإنه يوضّح لهم خطأهم سواء بالحديث عن النفس والجسد، أو بالإشارة إلى طيور السماء، لأنه يقول إن كان الله يهتّم كل هذا الاهتمام بالطيور الصغيرة، فكيف لا يُظهر اهتمامًا بالإنسان نفسه؟. ورغم أن مَثَلْ طيور السماء الذي أشار إليه السيّد له أهمية في إيضاح محبة الربَ وعنايته بالبشر، إلاّ أن بعض عديَمّي التقوى يمكن أن يصل عدم فهمهم إلى درجة كبيرة، فيهاجمون هذا المثل ويقولون: إنه ليس من اللائق الإشارة إلى الأمور التي تحدث في الطبيعة للحض على السلوك المستقيم أو على حياة التقوى، ولأن المَثَلّ يشير إلى أعمال تعملها الطيور بطبيعتها وللرّد على هؤلاء نقول: إنه وحتى إن كانت هذه الأمور هي في عالم الطبيعة فإنه يمكننا نحن أيضًا أن نفعل مِثلها باختيارنا، إذ لم يقل السيد المسيح: انظروا كيف تطير الطيور فهذا أمر مستحيل على الإنسان، بل إنه قال: انظروا كيف تقتات بدون اهتمام وهو نوع من الأمور التي يسهل علينا تحقيقها إن شئنا. فلو أشار السيّد المسيح إلى موسى وإيليا ويوحنا وآخرين مثلهم ممن لم يهتموا كيف يقتاتوا، لكان ممكنًا القول: ” لم نعد بعد مثلهم”، لكنه يتجاوزهم صامتًا الآن ويورد مثلاً بطيور السماء ليقطع كل عذر محاكيًا في هذا الموضوع العهد القديم أيضًا، حيث يورد أمثلة من حياة النحلة والنملة (انظر أم6:6)، والسلحفاة والسنونة (انظر إر7:8)، وعندما نستطيع نحن أن نفعل أمورنا باختيارنا، وهي في نفس الوقت أمور تفعلها الطيور بطبيعتها، فإن هذا لا يكون دليلاً عظيمًا على كرامتنا. فإن كان هو يعتني بالكائنات التي يسود عليها، فكيف لا يعتني بالإنسان نفسه وهو سيدها. ولهذا قال:” انظروا طيور السماء” لأن هذا القول هو غير مقبول، ولكنه قال إن الطيور: ” لا تزرع ولا تحصد“. قد يُقال: ماذا إذن؟ هل يجب ألاّ نزرع؟ لم يقل السيد إنه يجب ألاّ نزرع، بل ” يجب ألاّ نهتم “، ولم يقل إنه يجب ألاّ نعمل، بل ألاّ ننشغل كلّية بالاهتمامات، لأنه أوصانا أيضًا أن نقتات وأن لا نهتم هذا ما قاله داود أيضًا من قَبِل ” تفتح يدك فيمتلئ كل حي سرورًا ” (مز16:145) وفي موضع آخر يقول: ” المعطى للبهائم طعامها ولفراخ الغربان التي تصرخ” (مز9:147) وقد يتساءل أحد: من هم الذين لم يهتموا؟ ألم تسمع كم من الأبرار قد أوردت أسمائهم؟ ألاّ ترى معهم يعقوب راحلاً من بيت أبيه مُعدمًا من كل الأشياء؟ ألاّ تسمعه يصلي قائلاً: ” إن كان الله معي … وأعطاني خبزًا لآكل وثيابًا لألبس” (تك20:28)؟ وصلاته هذه تعكس لا اهتمامه، بل إيمانه بالله، الأمر الذي نراه واضحًا أيضًا في حياة الرسل الذين تركوا كل شئ ولم يهتموا، وفي ” الثلاثة آلاف” و”الخمسة الآلاف” (انظر أع4:4، 41:2) ولكن إن كنتم لا تحتملون أن تسمعوا أقوالاً أكثر كي تحرروا أنفسكم من هذه القيود الثقيلة، فاطرحوا عنكم الاهتمام إذ أن الاهتمام هو في الواقع حماقة كبيرة. فالسيّد يقول: ” من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا؟” (27:6) من الواضح إنه لا اجتهادنا وإنما عناية الله هي التي تفعل كل شئ حتى عندما نبدو أننا نحن الفاعلون. فلو تخلّى الله عنا، فلا عناية ولا اهتمام ولا تعب ولا أي شئ آخر سينفع، لأن كل الأشياء سوف تزول فلا تفترض إذًا أن وصاياه مستحيلة التنفيذ، لأنه يوجد العديدون ممن ينفذون وصاياه بشكل صحيح. وليس من المُستغرب ألاّ تعرفوا عنهم شيئًا. فإن إيليا أيضًا قد افترض أنه كان وحيدًا. لكنه سمع ” أبَقْيَتَ … سبعة آلاف” (1مل18:19). وبالتالي فإنه واضح أنه يوجد الآن الكثيرون الذين يعيشون كما كان الرسل يعيشون وكما كان الثلاثة آلاف والخمسة آلاف يتصرّفون. وإن كنا لا نصدق، فهذا ليس معناه أنه لا يوجد مَنْ يفعل الصلاح، بل لأننا نخاف أن نفعل هذا. تمامًا مثل الذي يسكر فإنه لا يقدر أن يصدّق بسهولة إنه يوجد مَنْ لا يشرب حتى الماء قط، الأمر الذي يمارسه الكثيرون من الرهبان عندنا. ومثل الذي له علاقات جنسّية عديدة لا يستطيع أن يصدّق أنه يمكن أن يكون للمرء حياة عذراوية. والذي ينهب أموال الآخرين يتوقع دائمًا أن يسرق آخر أمواله بسهولة هكذا من يسرفون في الاهتمام بدقائق الأمور لا يصدقون أنه من الممكن للمرء أن لا يهتم وبالتالي فهم لن يقبلوا نصيحة السيّد الرب بألاّ يهتموا. أما إنه يوجد كثيرون قد نجحوا في هذا، فهذا يمكن إدراكه من خلال النظر لسلوك مَنْ يعيشون حياة التقوى في وسطنا أما أنتم فيكفي أن تتعَلّموا أن لا تكونوا محبّي المال، وأن الصدقة هي أمر حسن وأنه يجب أن تعطوا الآخرين مما لكم. لأنكم يا أحبائي، إن نجحتم في هذا فإنكم سريعًا ستتقدّمون في فضيلة عدم الاهتمام. وبداية كل شئ أن نترك عنا الترف الزائد ونتمسّك بالاعتدال ولنتعلّم بصفة عامة كيف نعتني فقط بما هو ضروري لنا. لأن الطوباوي يوحنا عندما كان يتكلّم مع العشارين والجنود أوصاهم بأن يكتفوا بعلائفهم (انظر لو12:3ـ14). وذلك لأنه أراد أن يقودهم إلى الحكمة العالية. ولأنهم لم يكونوا مستعدين لهذا، فإنه أوصاهم بأمور أصعب من هذه لما انتبهوا إلى فعل هذه ولم يقدروا أن يطبقوا الوصية تمامًا. ولهذا عينه لن أطلب منكم ما هو أرفع من هذا لأني في الواقع أعرف جيدًا أن أمر الفقر الاختياري هو حمل لن تنؤوا بحمله الآن وبالتالي فلننشغل الآن بهذه الأمور البسيطة وهي ستُعطِى لنا تعزية ليست بقليلة. وعلى الرغم من أن الفقر الاختياري هو أمر يمارسه بعض الوثنيين وإن كان ليس من أجل هدف مناسب. غير أني سأكون سعيدًا إن أنتم قدّمتم صدقتكم بوفرة إذ أننا هكذا سنصل إلى تنفيذ وصية الرب بعدم الاهتمام سريعًا. وإن لم نفعل هذا فأي رحمة ومغفرة سنكون مستحقين نحن الذين أخذنا وصيّة بأن نكون أفضل من الناموسيين ونسبق فلاسفة اليونانيين؟ لأنه ماذا نستطيع أن نقول عندما يجب أن نكون كالملائكة وأبناء الله ونحن لا نتصرف حتى كبشر؟ لأنه عندما ينهب المرء ويصير نهمًا فإنه يعكس لا خصائص البشر، بل خصائص الحيوانات المفترسة. غير أن ما تفعله الوحوش هو من طبيعتها، أما نحن فرغم أننا قد كُرّمنا بموهبة العقل، فإننا نفعل ما لا يناسب طبيعتنا، وعلى هذا فأي مغفرة نستحق؟فطالما فهمنا تلك الحكمة العالية التي أمامنا فلنجاهد لنَصلْ إلى قمة الصالحات التي أتمنى أن نصل إليها جميعًا بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي له المجد والإكرام والعزة إلى الأبد . آمين. ” وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا ” (28:6ـ29)وبعد أن تكلّم السيّد عن الطعام الضروري وعن وجوب حتى عدم الاهتمام من أجله، ينتقل إلى ما هو أسهل، لأن اللباس أقل أهمية من الطعام. ولأي سبب لم يتخذ هنا مثلاً من حياة الطيور ولا أشار إلى الطاووس والأوز والخراف؟ لأنه أراد الإشارة إلى أن هناك أشياء بالرغم من تفاهتها إلاّ أنها تتميّز بنوع من الجمال، ولهذا فإنه بعد أن ذَكَرَ الزنابق، لم يسمها زنابق بل ” عشب الحقل” (31:6)، ولم يكن راضيًا حتى بهذا الاسم، بل أضاف وصفًا لحالتها يدّل بالأكثر على ضعفها وتفاهتها بقوله: ” الذي يوجد اليوم” (30:6)، ولم يقل “الذي يوجد غدًا” بل ذكر كلامًا يبرز تفاهة هذا الشيء بالأكثر بقوله إنه ” يُطرح في التنور” ولم يقل مجرّد تعبير ” يُلبسه “، بل ” يُلبسه .. هكذا” (30:6)، أي على أحسن وجه أرأيتم كيف يُكثر السيّد من إعطاء التشبيهات الضخمة دائمًا ويعضّد كلامة بالتأكيدات. إنه يفعل ذلك كي يردهم إلى صوابهم؛ لهذا أضاف قائلاً: ” أفليس بالحرى يلبسكم أنتم” (30:6). وفي هذا القول تأكيد قوي، لأن كلمة “أنتم” لا تليق إلاّ بالقيمة الكبيرة لجنسنا، وعلى الاهتمام به، كما لو كان قد قال لهم:” أنتم، الذين منحكم الله نَفْسًا، الذين خلق الله لكم جسدًا، الذين من أجلكم خلق كل الأشياء المنظورة، الذين من أجلكم أرسل الأنبياء وأعطى الناموس، وصنع تلك الخيرات التي لا تُحصى، الذين من أجلكم أعطى ابنه الوحيد ومن خلاله نُلْتُم الهبات غير المُحصاة. وبعدما أعطى لهم البراهين الكافية على عناية الله وبخّهم قائلاً: ” يا قليلي الإيمان” لأن ذلك الذي ينصح الآخرين، لا يقدم النصيحة فقط بل يوبخ أيضًا، كي ينبه الناس بالأكثر حتى يؤمنوا بقّوة كلامه بكلام الرب هذا نتعلّمه، ليس فقط ألاّ نهتم، بل ألاّ ننبهر بفخامة الملابس، لأن زنابق الحقل تتمتّع بألوان أفخم منها ومع ذلك فهي تتساوى مع عُشب الحقل. ولماذا تفتخر أنت بأشياء يفوقها في الجمال عشب الحقل الذي لا قيمة له، والذي يُحرق بالنار؟وانظروا كيف يوضّح منذ البداية على أن الأمر سهل، ويرشدهم إلى عدم الاهتمام باستخدام الأضداد أيضًا وبواسطة الأمور التي كانوا خائفين منها، لأنه بعدما قال ” تأملوا زنابق الحقل” أضاف إنها ” إنها لا تتعب“، وذلك رغبه منه في عتقنا من التعب. فالتعب لا يكمن في عدم الاهتمام بل في الاهتمام بهذه الأشياء وكما في قوله ” لا تزرع“، فليس الزرع هو ما أراد أن نتخلّص منه، بل الاهتمام المُقلق. هكذا أيضًا في القول ” لا تتعب ولا تغزل” فإنه لا يُنهي عن العمل بل عن الاهتمام (أي عن حمل الهموم) جمال زنابق الحقل لا يفوق مَلِبسَ سليمان مرّة واحدة ولا مرتين، بل ” طوال فترة حكمه”. ولم يقل إن سليمان كان يلبس أفضل من أحدها أو شابهت ملابسه زنبقًا آخر بل قال إنه لم يكن يلبس” كواحدة منها ” لأنه كما أنه هناك اختلاف كبير بين الحقيقة والزّيف، هكذا أيضًا هناك اختلاف كبير بين جمال زنابق الحقل وملابس سليمان إذن، إن كان مَلِبس سليمان أقل منها، مع أنه كان أكثر مجدًا من كل ملوك عصره، فمتى ستقدر أن تتفوّق، أو بالحرى أن تقترب ولو لدرجة صغيرة من جمال مثل هذا بعد هذا يعلّمنا السيد ألاّ نسعى على الإطلاق إلى مثل هذا النوع من الجمال، لأنه يجدر بنا أن نلاحظ نهاية هذه الزنابق، فبعد نضارتها وجمالها ” تُطرح … في التنور“. فإن كان الله قد أظهر عناية عظيمة جدًا بتلك الأشياء التافهة، وذات الاستعمال البسيط، فكيف سيتخلّى عنكم، أنتم الأهم من كل المخلوقات الحيّة؟ ولماذا إذًا خلقها هكذا جميلة جدًا؟ لكي يُظهر حكمته وعظمة قوّته، وحتى يُعرف مجده عن طريق كل الأشياء. فليس فقط ” السموات تحدث بمجد الله“(مز1:19)، بل الأرض أيضًا، وهذا ما أعلنه داود قائلاً: سبحي الرب.. الشجر المثمر وكل الأرز” (مز7:148). فالبعض منها بثمارها والبعض بضخامتها والبعض بجمالها يرسلون إليه التسبيح، أي إلي الذي خلقها. وهناك أيضًا علامة على عظمة حكمته الفائقة، عندما يغدق الله جمالاً عظيمًا كهذا على الأشياء التافهة جدًا، إذ أنه لا يوجد أتفه من الشيء الذي يوجد يومًا واحدًا وغدًا لا يكون فإن كان الله قد أعطى للعشب هذا الجمال الذي لا يحتاج إليه (لأنه ما فائدة الجمال طالما ستأكله النيران؟) فكيف لا يعطيكم ما تحتاجون إليه؟. إن كان قد زيّن بسخاء ما هو أتفه من كل الأشياء وإن كان قد فعل هذا لا للضرورة بل من أجل جُودِهِ، فكم بالحرى جدًا أن يكرّمكم وأنتم أفضل كل المخلوقات، بأمور هي ضرورية لكم؟وبعد أن بيّن السيد كيف أن عناية الله عظيمة جدًا، وكان يَلَزمْ بعد ذلك أن يوبخهم، إلاّ أنه كان رحيمًا معهم بقوله إنهم قليلي الإيمان ولم يقل عديمي الإيمان” فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ ” (مت30:6)بالتأكيد إن الرّب (يسوع) نفسه يصنع كل هذه الأشياء إذ أن” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان” (يو3:1). غير أنه في البداية لا يذكر شيئًا عن نفسه، لأنه كان كافيًا في البداية أن يبيّن سلطانه الكامل بقوله في كل وصية من وصاياه: ” سمعتم أنه قيل للقدماء.. وأما أنا فأقول لكم” (مت21:5). فلا تتعجبوا إذن عندما يحجب المسيح ذكر نفسه في الأمثلة التالية، أو عندما يذكر شيئًا قليلاً عن نفسه، إذ أن في البداية كان هدفه أن يجعل كلامه مقبولاً من الجميع، وبكل ما يقوله يُظهِر أن له فكر واحد مع الآب وأنه يعمل باتفاق مع مشيئته، وهذا ما نراه في حديثه هنا أيضًا فمن خلال كلمات كثيرة جدًا قالها السيّد لم يكف عن إظهار الآب لنا مشيرًا إلى حكمته وعنايته الإلهية واهتمامه الحنون بكل الأشياء الصغيرة والعظيمة معًا. لأنه حينما تكلّم عن أورشليم مانحًا إياها اسم ” مدينة الملك العظيم” (مت35:5)، وعندما ذكر السماء لَقبّهَا بـ ” كرسي الله ” (مت34:5). وعندما كان يتحدّث عن تدبير الآب في العالم، عزا إليه كل الأشياء قائلاً: ” إنه يُشرق شمسه.. ويُمطر..” (مت45:5). وفي الصلاة (الربانية) علّمنا أن نقول إن له ” المُلك والقوة والمجد” (مت13:6)، وهنا عن عناية الآب يقول إنه: ” يكسو عُشب الحقل“، وفي الصلاة (الربانية) أيضًا لا يدعو المسيح، الآب بأنه أباه هو بل أباهم، حتى أنه عندما يخبرهم بما نالوه من كرامة فإنهم يخجلون من أنفسهم، وعندما يناديه أباه هو، لا يتضايقون منه فإن كان من واجب المرء ألاّ يهتم بالأشياء البسيطة أو حتى الضرورية. فأي عذر يكون للذين يهتمون بالأشياء الفاخرة؟ وكيف يكون هناك عذر للذين يسهرون لكي ينهبوا أموال غيرهم؟” فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. ” (31:6ـ32)أرأيتم كيف أخجلهم أكثر وأظهر لهم أنه لم يأمر بعمل مرهق أو ثقيل الحمل؟ تمامًا فإنه عندما سبق أن قال لهم ” إن أحببتم الذين يحبونكم” (مت46:5ـ47)، فإنه كان يحثّهم ويشجّعهم على فعل ما هو أفضل وأعظم ممّا تفعله الأمم. هكذا هنا أيضًا في هذه الآية يورد ذكر “الأمم” ليوبخنا وليدّل على أن ما يطلبه منا هو واجب ضروري علينا. والسيّد لم يكتفِ بتوبيخهم فقط، بل إنه بعدما جعلهم يشعرون بالخجل الشديد فإنه أخذ يشجعهم بكلمات أخرى قائلاً: ” لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها” (مت32:6). ولم يقل ” الله يعلم ” بل ” أباكم .. يعلم“، كي ينشئ فيهم رجاءً أكبر. فإن كان هو أبًا، وأبًا كهذا، فلن يقدر أن يتغاضى عن احتياجات أولاده وهم في مِحَنْ الشرور وهو يري أنه حتى البشر العاديون لكونهم آباء، لا يحتملون أن يفعلوا هكذا وبعد ذلك أضاف حجة أخرى قائلاً: ” إنكم تحتاجون إلى هذه” (32:6). ومعنى قوله الآتي: إن كنت تهتم بهذه الأشياء بحجة أنها ضرورية، فأنا أقول لك عكس ذلك، بمعنى أنه لهذا السبب نفسه يجب ألاّ تهتم، لأنها ضرورية. إذ أنه أي نوع من الآباء هو ذلك الأب الذي يمكنه أن يتغافل عن تلبية حاجات أولاده الضرورية؟ أقول إنه لهذا السبب عينه فإن الله سيمنحكم بلا ريب أكثر من هذا بكثير، حيث إنه هو خالق طبيعتنا البشرّية ويعلم بالضبط احتياجاتها أكثر منكم، ولأجل هدف معين وضع أن تكون لها مثل هذه الاحتياجات. لهذا لن يمنع الله نفسه عن أن يعطيها فيما أراد لها، أولاً هو لن يخضعهم لعَوَزْ عظيم هكذا، وثانيًا فهو يسد أي احتياج ضروري لها فلا نهتم إذن، لأننا لن نربح شيئًا بالاهتمام سوى أننا سوف نعذب أنفسنا بالأكثر. لأن الله سوف يعطينا ما نحتاج عندما نهتم وعندما لا نهتم على حد سواء، وسوف تكون عطيّته أكثر عندما لا نهتم لأنه ماذا ستربح من اهتمامك سوى العقاب الشديد لنفسك؟ إذ أنك عندما تُدعى إلى مائدة غنيّة فإنك لا تهتم بتوفر الطعام للمائدة، ولا عندما تذهب إلى النبع لتستقى تهتم بوجود المياه في النبع فلَندَع نحن أيضًا عنّا هذه الهموم، فإن عطايا الربّ لنا هي أغنى من هذه الموائد وأوفر من كل الينابيع. اطلبوا أولاً ملكوت الله:- ” لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ ” (33:6)هكذا عندما اعَتَقَ النفس من الاهتمام، ذكر عندئذٍ السماء أيضًا، حقًا قد أتي السيّد ليحررّنا من الأمور العتيقة وليدعونا إلى موطن أعظم إنه يفعل كل الأشياء ليعتقنا من الأمور غير الضرورية، ومن انجذابنا نحو الأمور الأرضيّة، لهذا السبب ذكر الأمميّن قائلاً: ” إن هذه كلها تطلبها الأمم” (32:6)، الذين يتعبون من أجل الحياة الحاضرة فقط، والذين لا يبالون بالنعم العتيدة وليس لديهم فكرة عن الأمور السماوية. أما بالنسبة لكم، فليست هذه الأمور الحاضرة هي الأشياء الرئيسية لكن أشياء أخرى، لأننا لم نُخلق لنأكل ونشرب ونلبس، بل لكي نرضي الله ونبلغ الخيرات العتيدة، لهذا فكما أن الأشياء التي هنا على الأرض هي ثانوية بالنسبة لنا، هكذا أيضًا اجعلوها ثانوية في صلواتنا، لهذا قال السيد: ” اطلبوا أولاً ملكوت الله وهذه كلها تُزاد لكم“ ولم يقل ” تُعطى ” بل ” تُزاد” كي تتعلّموا أنه مهما عَظُمَت العطايا التي نأخذها هنا الآن فإنها لا تُقارن بما سوف نأخذ من خيرات عتيدة. لهذا فهو ينصحنا بألاّ نطلب هذه الأمور الحاضرة بل العتيدة، وليكن لنا الإيمان بأن هذه ستُزاد إلى تلك. وبالتالي أطُلبْ الأمور العتيدة وستحصلون أيضًا على الأمور الحاضرة.. لا تطلبوا الأشياء المنظورة، إذ إنه حتمًا ستحصلوا عليها أيضًا قد يُقال: ” ألم يأمرنا بأن نسأل من أجل الخبز “، لا ، فقد أضاف “اليومي”، وإلى هذا أضاف “اليوم”، هذا الأمر يستخدمه هنا في هذه الآية إذ أنه لم يقل ” لا تهتموا ” بل ” لا تهتموا للغد” (34:6)، وهو بهذا يعتق نفوسنا من الاهتمام بالأمور غير الضرورية ووجّه أنظارنا إلى أن نطلب الأمور العتيدة، لا كأن الله محتاج أن نذكّره بل لكي نتعلّم أنه بمعونة الربّ نَصِلْ إلى ما تصبوا إليه نفوسنا من صالحات وأن نعتاد على الصلاة من أجل الحصول عليها دائمًا. القديس يوحنا ذهبي الفم
المزيد
14 يونيو 2019

متى صعد السيد المسيح؟

يقول البعض إن السيد المسيح قد صعد بعد قيامته مباشرةً، أي بعد لقائه في البستان مع مريم المجدلية، وأنه عاد إلى الأرض ليظهر لتلاميذه بعد ذلك. وأنه استمر طوال الأربعين يومًا التالية للقيامة يتردد بين السماء والأرض، إلى أن صعد بصفة نهائية في اليوم الأربعين بعد قيامته، أي في خميس الصعودوهذا القول يتعارض مع تعليم الكتاب المقدس ومع تقليد الكنيسة. لأن الكنيسة تحتفل بعيد الصعود باعتبار أنالسيد المسيح قد دخل فيه إلى الموضع الذي لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل وقد ورد في قسمة قداس سبت البصخة المقدسة عن السيد المسيح [الذي صعد إلى السماوات وصار فوقالسماوات. ودخل داخل الحجاب موضع قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية، وصار سابقًا لنا، صائرًا رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكي صادق] (انظر عب6: 20).وفي مزمور قداس عيد الصعود؛ تُقال العبارات الهامة التالية: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب. ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ رب القوات هذا هو ملك المجد" (مز23: 7-10).وهذا معناه أن الأبواب الدهرية لم تُفتح إلا عند دخول السيد المسيح إلى الأقداس السماوية ليظهر أمام الآب لأجلنا باعتبار أنه هو الشفيع الذي به ننال المغفرة من قِبل الآب كقول معلمنا يوحنا الرسول: "إن أخطأ أحد فلناشفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2)، وكذلك قول معلمنا بولس الرسول: "لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب9: 24) وما معنى احتفالنا بعيد الصعود المجيد بعد أربعين يومًا من عيد القيامة إن كان السيد المسيح قد صعد مرارًا وتكرارًا طوال الأربعين يومًا..؟!! نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
14 يوليو 2019

كيف أتعامل مع المجتمع بتوازن

التَوَازُن يعنِي أنْ يَكُون الإِنسان مُتَزِن فِي أموره أي لاَ يَكُون مُتَحَيِّز إِلَى اليمِين وَلاَ يَكُون مُتَحَيِّز إِلَى اليسار وَلاَ يَكُون فَاقِد إِتِزانه وَيَكُون مُتَزِن وَثَابِت فَهذَا هُوَ الإِتِزان كَيْفَ يسلُك أولاد الله بِإِتِزان ؟ هُناك أربعة نِقاط :- 1- مفهُوم الإِتِزان :- أنْ يَكُون الشخص قَادِر عَلَى إِختِيار أُسلُوب حياته المُناسِب أنْ يعرِف أنْ يختار مَتى يَتَكَلَّم وَمَتى يصمُت عَنْ الكَلام وَأنْ يختار الأشخاص الَّذِينَ يُعَاشِرهُمْ وَأنْ يعرِف كَيْفَ أنْ يفرِز الأُمور عَنْ بعضها فَهُناك فَضِيلة تُسَمَّى فَضِيلة الإِفراز وَهيَ تعنِي الإِختيار وَالتقييم فَمِنْ المفرُوض أنْ يَكُون فِي حياتنا إِفراز وَاتِزان بِمعنى أنْ يَكُون لدينَا إِفراز وَاتِزان فَمَثَلاً الفُول الَّذِي بِهِ حصى فَإِذا طُلِبَ مِنْكَ أنْ تُنَظِف هذَا الفُول فَإِنَّكَ تقُوم بِفرز الفُول عَنْ الحصى الَّذِي بِهِ وَلاَ تعُود وَتضع الحصى مَعَ الفُول بعد عَمَلِيِة الفرز وَهَكَذَا الفرز هُوَ أنْ تختار الجَيِّد وَتَكُون معهُ وَتَبعِد عَنْ الرَدِئ وَكَيْفَ أنْ تَتبع الأمر الجَيِّد وَتُنَمِيه وَتستمِر مَعْهُ وَتطرح الأمر الرَدِئ يِبعِد عنْكَ تماماً فَهذَا هُوَ الإِفراز فَهيَ مُشتَقَّة مِنْ كَلِمة " فرز " ذَات مرَّة قَالَ الأنبا أنطونيُوس لِتَلاَمِيذه : مَا هِيَ أعظم فَضِيلة ؟فَقالُوا تَلاَمِيذه : المَحَبَّة ، التواضُع ، الطاعة ، العطاء ، الإِيمان ، التَعَاوُن ، حُب الآخرِين ، الأمانة ،الصِدق ، طول الأناة ، الإِحتِمال ، التَّعَفُّف ، الوَدَاعة ، الصمت ، الطهارة ، العطف وَهَكَذَا فَقَالَ الأنبا أنطونيُوس : لاَ هُناكَ أعظم فَقَالُوا تَلاَمِيذه : وَمَا هِيَ ؟فَقَالَ الأنبا أنطونيُوس : هِيَ الإِفراز فَقَالُوا تَلاَمِيذه : مَا هُوَ الإِفراز ؟فَقَالَ الأنبا أنطونيُوس : الإِفراز هُوَ العطاء ، وَالمَحَبَّة ، وَالطهارة وَكُلَّ هذِهِ الصِفات الَّتِي ذُكِرت فَكُلَّ هذِهِ الفضائِل سببهَا الإِفراز فَمَثَلاً إِذا لَمْ يعرِف شخص فَضِيلة الإِفراز وَلاَ يعرِف كَيْفَ يفرِز أصدِقائه وَكَانَ إِختِياره مَعَ أصدِقاء غِير أتقِياء فَلاَ يعرِف أنْ يَكُون تَقِي وَإِذا كَانَ إِختِياره مَعَ أشخاص لاَ يعرِفُوا الصمت فَلاَ يَتَعَلَّم فَضِيلة الصمت وَهَكَذَا وَلَكِنْ إِذا قَامَ هذَا الشخص بِإِختِيار صَدِيق نقِي وَطَاهِر فَإِنَّهُ يَكُون نقِي وَطَاهِرفَإِنَّ أعظم الفضائِل هِيَّ الإِفراز فَمَثَلاً كَانَ الأنبا أنطونيُوس يسكُنْ فِي مغارة فوقَ جبل مِنْ جِبال البحر الأحمر لِمُدِّة عشرُونَ سنة بِدُون أنْ يدخُل إِليهِ أي شخص وَلَمْ يرى وجه إِنسان فِي هذِهِ المُدَّة وَبعد عشرُونَ سنة عَلَمَ تَلاَمِيذه أنَّهُ سيخرُج مِنَ المغارة الَّتِي مَكَثَ فِيهَا كُلَّ هذِهِ المُدَّة وَظلَّ تَلاَمِيذه حَائِرِين كَيْفَ يَكُون شكله بعد هذِهِ المُدَّة ؟ وَكَيْفَ تَكُون شخصِيِته أيضاً ؟ فَعِندما خرجَ الأنبا أنطونيُوس مِنَ المغارة فَكَانَ قوامه مُعتدِل فَلاَ يوجد سَمِيناً مُتَرَهِلاً أي سِمِين جِدّاً وَلاَ نَحِيفاً مِنْ شِدَّة النُسك بَلْ كَانَ مُعتَدِلاً فَهُوَ كَانَ يسلُك بِتَوَازُن فَلاَ يوجد وَاجِماً مُتَبَرِماً بِمعنى عَابِس وَلَمْ يوجد ضحوكاً مُتَسَيِباً أي كانت شخصِيِته مُتَزِنة وَعِندما عرضُوا عَلَى الأنبا أنطونيُوس أنَّهُ سَيَكُون رَئِيساً عَلَى جماعة رُهبان كَثِيرة جِدّاً فَكَانُوا تَلاَمِيذه يَتَسَألُون : هل سَيَكُون شَدِيداً معنا ؟ وَآخر يقُول : هل سَيَكُون طَيِّباً معنا جِدّاً ؟ فَنَحْنُ نَكُون عَلَى حُرِّية جِدّاً لأِنَّهُ طَيِّب وَلَكِنْ الأنبا أنطونيُوس كَانَ شَدِيد وَلَكِنْ لَيْسَ لِدَرَجِة أنَّ تَلاَمِيذه يِنفِرُوا مِنْهُ وَلاَ كَانَ مُتَسَيِباً لِلدَرَجة الَّتِي تؤدِي إِلَى أنَّ تَلاَمِيذه يَكُونُوا مُتَسَيِبِين فَإِنَّهُ كَانَ مُتَزِن وَكَانَ يضبُطَهُمْ بِحُب وَبِحزم السلُوك بِإِتِزان وَاعتِدال فَلاَ تَكُون مُتَطَرِفاً إِلَى إِتِجاه شِئ مُعَيَّن فَلاَ تَكُون شَدِيد لِدَرَجِة أنَّكَ تَكُون حرفِي وَلاَ مُتَسَيِب لِدَرَجِة أنَّكَ لاَ تَكُون لَكَ قاعِدة وَلاَ قانُون فَيَجِب أنْ تَكُون مُتَزِن فَمَثَلاً فِي مجمع نِيقية كَانَ يحضره 318 أُسقُفاً بِنِيقية فِي سنة 325 م وَكَانُوا مِنْ مُختلف البِلاد مِنْ كُلَّ أنحاء العالم وَكَانُوا لَيْسَ كُلُّهُمْ أرثُوذُوكس فَكَانُوا مِنْ أسَاقِفة مِنْ كُلَّ كنائِس العالم وَكَانَ موضُوع المُناقشة عَنْ بِدعة آريُوس الَّذِي أنكر لاَهُوت السيِّد المَسِيح وَفِيهِ تَمَّ وضع قانُون الإِيمان بطل هذَا المجمع هُوَ البابا أثناسيُوس وَمِنْ ضِمن موَاضِيع المُناقشة الَّتِي تمَّ مُناقشتها فِي هذَا المجمع فَقَالُوا مفرُوض أنْ يَكُون الكاهِن مُتَبَتِل ( أي بتول ) وَلَيْسَ مُتَزَوِج لأِنَّ الكهنُوت هُوَ كهنُوت المَسِيح وَالمفرُوض أنَّ الَّذِي يدخُل المذبح يَكُون رَاهِب وَغِير مُتَزَوِج .. وَآخرُون قَالُوا أنَّ مِنْ المفرُوض لاَ يَكُون هُناك شِئ إِسمه مُتَبَتِل فَيَجِب أنْ يَكُون كُلَّ الكهنة وَالرُهبان مُتَزَوِجِين فَكَانَ الرأي بينَ أنَّ كُلَّ الكَنِيسة تَكُون مُتَبَتِلة وَآخرُون رأيُهُمْ أنْ تَكُون كُلَّ الكَنِيسة مُتَزَوِجة وَآباء كَنِيسة مصر قَالُوا أنَّ رُعاة الشَّعْب يَكُونُوا مُتَبَتِلِين ( البطرك وَالآباء الأساقِفة ) أمَّا رُعاة الكَنَائِس الَّذِينَ هُمْ تحت الأساقِفة هُمْ يَكُونُوا مُتَزَوِجِين وَبِهذِهِ الطرِيقة تمَّ الجمع بينَ البتولِيين وَبينَ المُتزوِجِين فَهُمْ لاَ ينحازُوا إِلَى جِهه مُعْيَّنة فَكَنِيستنا بِهَا الآباء الأساقِفة وَالآباء الرُهبان وَِالآباء الكهنة فَهَذَا هُوَ الإِتِزان بِمعنى أنْ لاَ يَتِمْ التمييز بِجانِب شِئ أوْ لاَ يحدُث العكس فَيَجِب أنْ تسِير الأُمور بِإِتِزان 2- رَبَّنَا يَسُوع المَسِيح كَنموذج لِلإِتِزان :- لاَ يوجد أقدس أوْ أطهر أوْ أبرأ أوْ أبرع مِنْ يَسُوع المَسِيح فَكَانَ يَسُوع فِي الجِبال يُصَلِّي وَكَانَ فِي المجمع يُعَلِّم وَكَانَ يتواجد فِي الهِيكل مَعَ التَلاَمِيذ يُعَلِّمَهُمْ وَكَانَ يَسُوع فِي حياته مُتَزِن وَكَانَ هُناك أمور كَثِيرة تدُل عَلَى إِتِزانه عِندما دخل يَسُوع إِلَى الهِيكل وَوَجَدَ الباعة بِالهِيكل فَلَمْ يقبل هذَا المنظر وَثَارَ عَلَى الباعة وَالصيارِفة وَكَانَ أيضاً هُناكَ مَوَاقِف تدُل عَلَى أنَّهُ رَحِيم جِدّاً .. فَمَثَلاً المرأة الَّتِي أُمسِكت فِي ذات الفِعل وَقَالَ لَهَا إِذهبِي وَلاَ أنَا أدِينِك ( يو 8 : 4 - 11) فَنَحْنُ رأيناه وَهُوَ مُمسِك السِياط لِلباعة فِي الهِيكل وَفِي نَفْس الوقت يِسَامِح المرأة المُمسِكة فِي ذات الفِعل فَهُوَ يسِير بِإِتِزان وَذَهَبَ يَسُوع فرح عُرس قانا الجلِيل ( يو 2 : 1 )وَذَهَبَ لِلعَشاء عِندَ الفرِّيسِي وَكَانَ يَتَمَشَّى مَعَ التَلاَمِيذ فِي الحقُول ( مت 12 : 1 ) وَركب مركِب مَعَ تَلاَمِيذه فَإِنَّهُ كَانَ مُتَزِن فِي تصرُّفاته فَلاَ هُوَ صَلاَة وَعِبادة فقط فَكَانَ لَهُ حياة إِجتماعِيَّة وَحياة مُجاملة وَحياة خاصة وَلَهُ مُحِبِين فَكَانَ يَسُوع مُتَزِن فَكَانَ يعرِف يَتَعَامل مَعَ تَلاَمِيذه وَأُسرِته وَالكتبة وَالفرِّيسِيين وَالخُطاة وَالمُحِبِين وَكَانَ يعرِف أنْ يَتَعَامل مَعَ المُتأمِرِين وَالأشخاص الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدوا أنْ يصطادوه بِكَلِمة( مت 22 : 15) فَيَسُوع كَانَ مُتَزِن 3- كَيْفَ تَكُون شخصِيَّة مُتَزِنة ؟ يَجِب أنْ تسأل نَفْسك : هل أنتَ مُتَزِن ؟ هل أنتَ مُتَزِن فِي تَصَرُّفاتك ؟ هل أنتَ مُتَزِن مَعَ أصدِقائك ؟ هل أنتَ مُتَزِن فِي إِختِياراتك لأمور حياتك ؟ هل أنتَ مُتَزِن فِي بَاقِي سِلُوكِياتك ؟ هل أنتَ مُتَزِن فِي المنزِل ؟ هل أنتَ مُتَزِن فِي المدرسة ؟ أم أنَّكَ تمشِي وَتَتَجِه فِي أي تيار ؟أصعب شِئ أنْ يَكُون الإِنسان بِعِدَّة شخصِيات وَيَكُون غِير مُتَزِن أي عِندما يَكُون فِي الكَنِيسة يُصَلِّي وَيُرَنِّم وَيحفظ ألحان وَيُصَلِّي فِي الأجبِية وَعِندما ينزِل إِلَى حوش الكَنِيسة يَكُون شخص ثانِي وَعِندما يخرُج مِنْ الكَنِيسة يَكُون شخص ثالِث وَعِندما يَكُون فِي المدرسة يقُول لِنَفْسه أنَا الآن فِي المدرسة مَعَ زُمَلاَئِي فَأنَا الآن شخصِيَّة مُختلِفة وَعِندما نسأله لِماذا تَكُون شخصِيَّة أُخرى ؟يقُول يَجِب أنْ أكُون هَكَذَا ( حَتَّى يُوَاكِب الجو ) فَهَذَا يَكُون شخص غِير مُتَزِن فَيَجِب أنْ تَكُون شخص مُتَزِن يعنِي لَكَ مُعَامَلاَت مَعَ كُلَّ الأشخاص الَّذِينَ حولك بِشخصِيَّة واحدة شخصِيَّة مُتَزِنة شخصِيَّة وَاثِقة مِنْ نَفْسهَا أصعب شِئ أنَّكَ تَكُون بِعِدَّة شخصِيات وَأصعب شِئ أنَّكَ تَكُون إِنسان مُتَرَدِّد فَهُناك مواد كِيميائِيَّة إِسمها مواد مُتردِّدة أي أنَّهَا لاَ هِيَّ حَامِضِيّة وَلاَ قَاعِدِيَّة فَلاَ يَجِب أنْ تَكُون مُتَرَدِّد لاَ تَكُون مَسِيحِي وَلاَ تَكُون غِير مَسِيحِي لاَ تَكُون مُتَدَين وَلاَ تَكُون غِير مُتَدَيِن لاَ يَكُون لَكَ مبدأ وَتسِير فِي أمور بِمبدأ " ساعة لِقلبك وَساعة لِرَبك " هُناكَ أشخاص يحفظُون الألحان وَفِي نَفْس الوقت يحفظُون أغانِي وَيعرِفُون أسماء القِديسِين وَالأباء الكهنة وَفِي نَفْس الوقت يعرِفُوا أسماء المُطرِبِين وَالمغَنِيين وَيسمعُون شرائِط الترَانِيم وَشرائط الأغانِي فَهَذِهِ تَكُون شخصِيَّة غِير مُتَزِنة فَيَجِب أنْ تَكُون غِير ذلِك فَأنتَ إِبن رَبِّنَا لاَ تسلُك بِحسب غِير هذَا [ كُلُّ الأشياء تَحِلُّ لِي لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأشياء تُوَافِقُ ]( 1كو 6 : 12) فَلاَ يَكُون أي شِئ يِمشِي فِيهِ وَلاَ يَكُون أي شِئ يَتِم السلُوك بِهِ وَلاَ نِمشِي مَعَ أي شخص فَيَجِب أنْ تَكُون لِشخصِيِتك مَلاَمِح بِمعنى أنَّ رَبِّنَا خلق كُلَّ شخص لَهُ مَلاَمِح مُعَيَّنة فَإِنَّ بصمة اليد قَادِرة أنْ تُمَيِّز شخصِيِتك مِنْ وسط العالم كُلَّه وَلُون عِينِيك وَشكلك فَإِنَّ كُلَّ شخص لَهُ مَلاَمِح مُمَيَزة فَيَجِب أنْ تَكُون لَكَ شخصِيَّة وَاضِحة وَلاَ يَجِب أنْ تَكُون فِي عِدَّة إِتِجاهات هذِهِ تَكُون خطورة فَيَجِب أنْ تَكٌُون شخصِيِتك شخصِيَّة إِبن رَبِّنَا إِنتَ متعَمِّد وَبِوَاسِطة المعمودِيَّة أنتَ لَبِستَ المَسِيح بِالمعمودِيَّة فَأنتَ فِي وسط مدرستك وَفِي وسط زُملائك مَسِيحِي وَفِي منزِلك مَسِيحِي وَفِي الكَنِيسة مَسِيحِي فَلاَ يَجِب أنْ تَكُون فِي كُلَّ مكان بِشخصِيَّة مُختلِفة فَيَجِب أنْ تَكُون إِنسان مُتَزِن فَمَثَلاً هُناكَ شمامِسة طُلِبَ مِنْهُمْ أنَّهُمْ يخدِمُوا فِي إِكلِيل وَوَافقوا فَالمعرُوف عنهُمْ أنَّهُمْ شمامِسة وَأولاد الله وَعِندما جاءوا الشمامِسة سألوا النَّاس : إِنتُمْ بعد الكِنِيسة هل ستذهبُوا فِي مكانٍ مَا ؟ فَقَالُوا لَهُمْ : نعم سوفَ نذهب فِي مكانٍ مَا نِفرفِش فِيه فَالشمامِسة قَالُوا : إِحنا مُمكِنْ نأتِي معكُمْ وَنِفرفِش معكُمْ ؟!!! فَهؤلاء الشمامِسة كَانُوا فِي الإِكلِيل يخدِموا وَيرتِلوا الألحان فِي الكَنِيسة وَمُمسِكِين بِالدف وَيلبِسُونَ التونية وَبعد الفرح يخلعُوا التونية وَيِمسِكُوا بِأشياء أُخرى غِير الدف فهل هذا يلِيق ؟ فهل هذِهِ الشخصِيَّة تَكُون مُتَِزِنة ؟ بِالكَنِيسة يُرَتِلُونَ الألحان وَفِي الأماكِن الأُخرى يِرَدِدُوا الأغانِي فَهَذِهِ ليست شطارة هذَا غِير صَحِيح وَهُناكَ أشخاص يِبَرَرُوا هذَا التَصَرُّف بِأنَّهُمْ يِوَاكبوا العصر وَبِأنْ يَكُونوا مُدرِكِين كُلَّ الأمور الفنيَّة وَالدِينِيَّة وَمعرِفة أسماء المُطربِين وَالمُغَنِيين فَهَذَا غِير صَحِيح فَإِنَّ هذِهِ الشخصِيات غِير مُتَزِنة وَلَمْ يُحَدِّدُوا أهدافهُمْ فَهؤلاء الأشخاص لَمْ تُحَدِّد معالِم شخصِيتهُمْ فَمَثَلاً إِذا وضعنا شعر مِينا عَلَى مناخِير كِيرلُس عَلَى عِين بِيتر عَلَى حواجِب فِيكتُور فَهَذَا لاَ يَصِح فَإِنَّهُ يُنتِج وجه غِير وَاضِح المعالِم .. فَأنتَ كَشخصِيَّة يَجِب أنْ يَكُون لَكَ صِفات مُعَيَّنة وَتَكُون مُتَزِن وَيَجِب أنْ تَكُون مُقتنِع بِحياتك مَعَ رَبِّنَا وَأرفُض الخطأ وَأتبع الصح وَأرفُض الخطأ بِقُوَّة وَبِشَجَاعة 4/ كَيْفَ تَكُون مُتَزِن مَعَ الأُمور الحدِيثة ؟ ( الأُمور الحَدِيثة مِثْل التِلِيفِزيُون ، الدِش ، الفِيديو ، الإِنترنِت ، المُوبايِل ) كُلَّ شِئ رَبِّنَا سمح بِهِ يَكُون كُويِس وَمِنْ المُمكِنْ نَحْنُ نُحَوِّلهَا إِلَى شِئ غِير كُويِس فَمَثَلاً رَبِّنَا سمح أنْ يَكُون هُناكَ شِئ إِسمه رَاديو وَتِلِيفِزيُون وَفِيديو وَكمبيوتر وَمُوبايِل فَمِنْ المُمكِنْ أنْ يَتِمْ إِستخدام هذِهِ الحاجات بِطَرِيقة كُويِسة وَمُمكِنْ أيضاً أنْ تُستخدم بِطَرِيقة غِير كُويِسة فَمِنْ المُمكِنْ أنْ يقُوم شخص بِتجهِيز طعام وَيستخدِم فِيهِ السِكِينة وَبِوَاسِطة هذِهِ السِكِينة يِجرح شخص آخرفَأينَ الخطأ هُنَا فِي السِكِينة أم فِي الشخص الَّذِي يستخدِمهَا ؟هَكَذَا نَحْنُ أيضاً فَإِذا تمَّ إِستخدام الأشياء الحدِيثة بِصورة جَيِّدة وَإِذا تمَّ إِستخدامها بِصورة خطأ فَبِهَذِهِ الطرِيقة نَكُون نأذِي أنفُسنَا وَنأذِي غِيرنَا فَأنتَ يَجِب أنْ تعلم أنَّ الأشياء الحدِيثة يَجِب أنْ تستخدِمها بِطَرِيقة صَحِيحة ذَاتَ مرَّة هُناكَ بِنت تُرِيد أنْ تذهب إِلَى الدِير لِلرهبنة فسألها أب إِعترافها : مَا الَّذِي جعلَكِ تُحِبِين الرهبنة ؟ وَكانت إِجابِتها : أنَّ الَّذِي جعلنِي أُحِب وَأُفَكِر فِي الرهبنة فِيلم ( الرَاهِبة أنَاسِيمُون ) فَإِنَّ هذَا الفِيلم عجبها جِدّاً وَأحَبِت الرهبنة وَأحَبِت الرَاهِبة أنَاسِيمُون وَأقدمت عَلَى الرهبنة فَمُمكِنْ الفيديو يُقَدِّس حياة إِنسان وَمِنْ المُمكِن أنْ يُستخدم بِطَرِيقة غِير مُقَدَّسة فَكَيْفَ تستخدِم الأُمور الحَدِيثة ؟ فهل تُستخدم لِتقدِيس النَّفْس وَتمجِيد رَبِّنَا بِهَا أم تُستخدم لِتدنِيس النَّفْس وَتلوِيث الفِكر وَتلوِيث الجسد ؟ فَأي إِستخدام أنتَ تستخدِمهَا ؟ كُنْ حَذِر رَبِّنَا يُعطِينا سلُوك مُتَزِن فِي حياتنا نُمَجِّد بِهِ رَبِّنَا لأِنَّنَا شهُود لِرَبِّنَا لإِلهنَا المجد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة القديسين مارجرجس والانبا أنطونيوس – محرم بك
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل