المقالات

18 أكتوبر 2022

الحنجرة

استخدم الآباء في حديثهم عن ضبط النفس في الصوم من جهة الطعام تعبير "حنجرة " فيصفوا المحب للأكل بـ (الحنجراني) ويقول القديس مكسيموس "غلب الحنجرة فقد غلب كل الأوجاع " والسبب في ذلك هو أن الطعام بما فيه من شهوة وشهية ولذّة وتذوق ينتهي تأثيره عند الحنجرة, إذ أن جميع الأنواع تتساوى بمجرد اجتيازها الحنجرة فإذا استطاع الانسان ضبط نفسه خلال هذه الرحلة القصيرة من "حلمات التذوق في اللسان" حتى يبتلع الطعام, فإنه يستطيع اجتياز تجربة شهوة الطعام يقول أحد الآباء للشر" يا حنجراني خير لك أن تضع في جوفك جمر نار من أن تضع فيها أطعمة الرؤساء " أما إذا قال البعض أن المهم في القيمة الغذائية بغض النظر عن مذاقة الطعام، فإن ذلك يجعلنا نؤكد أن العديد من الأطعمة غير الدسمة مفيدة وبها قيمة غذائية كبيرة، وأن الكثير من القديسين كانوا يعيشون على البسيط من الطعام طوال العام وليس في مواسم الأصوام فقط وكان الطعام ألذ من الشهد في أفواههم بل كان اسم يسوع بالنسبة لهم طعام حياة تقتات به نفوسهم وأجسادهم معاً هو يكون لهم ينبوع ماء حياة حلواً (أبصالية الثلاثاء) ولاشك أن الصائم عندما يحين موعد طعامه, فإنه يستلذ بأى طعام ويتناوله بشكر أما غير الصائمم فهو يتنقل بين أطعمة كثيرة دون شبع حقيقي, فكل من يأكل من طعام العالم لا يشبع وكل من يشرب أيضا يعطش " كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً " (يوحنا6:4) ونقرأ عن القديس مرقس الترمقي أنه عندما أعيي بسبب الجوع والعطش أعطاه الملاك بعض من مزروعات الأرض يقتات بها فكانت لذيذة ومشبعة, كما كتب عن القديس يوحنا ذهبي الفم أن مدة إقامته في البطريركية كان طعامه ماء الشعير والدشيشة، وكان طعامه بمقدار، فنسى الشهوة ويقول أحد القديسين "ما ألذ وأطيب خبز الصوم لأنه معتوق من خمير الشهوات". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
17 أكتوبر 2022

الكمال المسيحي

أوصانا الرب يسوع بمحبة الأعداء بقوله «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، ‏لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ‏فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (مت5: 43-48).وهو بذلك يَعتبر الكمال المسيحي الحقيقي هو محبة الأعداء.وإذا استصعبت يا أخي الحبيب هذه الوصية الهامة والجوهرية، أشير عليك بطريقة تجعلها سهلة وميسورة أمامك اِبدأ من الآخر للأول:- أولًا:- صلِّ في مخدعك من أجل عدوك الذي يسيء إليك ويضطهدك. اطلب له الهداية من الله وأن يعطيك نعمة في عينيه. وأعتقد أن هذا سهل وبسيط. ثانيًا:- أحسن إلى عدوك الذي يبغضك، استثمر أيّة فرصة واصنع معه عمل محبة، إذا مرض زُره في مرضه واطلب له الشفاء، إذا زوّج ابنه هنّئه وافرح معه. إذا حصلت عنده حالة وفاة عزِّه وشاطره الأحزان حسب وصية الرسول «فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ» (رو12: 15) وهذا أسهل. ثالثًا:- باركوا لاعنيكم: كرّرها معلمنا بولس بقوله: «بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا» (رو12: 14)، نفِّذ هذه الوصية.عدوك يقول عليك كل ما هو رديء، ويُظهر عيوبك وأخطاءك. وأنت في المقابل تعمل العكس. إذا جاءت سيرته أمامك تُظهر فضائله وتذكر النقاط البيضاء التي فيه وتمتدحها، مثلًا تمدح ذكاءه، تعظّم التزامه، تثمّن أمانته وهكذا... واعلم أنه إن آجلًا أو عاجلًا سيصل إليه كلامك الطيب «لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ الصَّوْتَ، وَذُو الْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِالأَمْرِ» (جا10: 20). وكما يقول المثل "الحيطان لها ودان". فإذا سمع كلامك الطيب يخفّف من حدّة حقده عليك ويقترب من محبتك. رابعًا:- أحبوا أعداءكم: بعد أن صليت لأجل عدوك، وبعد أن قدّمت له عمل محبة وعمل خير ومجاملة ومشاركة في كل ظروف حياته، ولم تُسئ إليه لا بكلام ولا بعمل بل مدحته وكرّمته في غيابه كما في حضوره، بعد هذا كله قطعًا –وبعمل إلهي خفي–سيراجع موقفه ويعيد حساباته تجاهك. فيحبك كما أحببته، ويحسن إليك كما أحسنت إليه، أو على الأقل يخفّف من عداوته ويقلّل من اضطهاده لك. وتكون أنت قد نفّذت وصية المسيح العظيمة وأخذت بحكمة الحكماء التي تقول: إذا لم تستطع أن تكسب الآخر صديقًا فعلى الأقل لا تجعله عدوًا. «وطُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (مت5: 9). نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر
المزيد
16 أكتوبر 2022

معجزة شفاء المفلوج

إنجيل هذا الصباح المبارك يحكي معجزة ربما نكون كلنا نعرفها وهي عن المفلوج الذي حمله أربعة رجال أصدقائه ربنا يسوع في مدينة كفرناحوم إجتمع في منزل ومن المعروف عن شخصية ربنا يسوع المحبوبة الجذابة أنه حيثما وُجِد تجمع زحام حوله ربنا يسوع لو تأملنا في شخصيته نجد أنه كم كانت الجموع شغوفة لسماع تعاليمه مرة يقول الكتاب ﴿ اجتمع ربوات الشعب حتى كان بعضهم يدوس بعضاً ﴾ ( لو 12 : 1) يصعد على الجبل لكي يتكلم لم يقل الكتاب لنا في كل مرة إجتمع فيها ربنا يسوع مع الجموع كم كان عددهم ؟ وجدنا أنه في المرة التي كان فيها على الجبل كان عددهم خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال تخيل هذا العدد في عظة يقولها ربنا يسوع على جبل وبالطبع كانت المدينة كلها في ذلك الوقت لا تتعدى إثنين مليون نسمة تقريباً بذلك نجد هذه النسبة تعلن أن ربنا يسوع شخصية جذابة جداً وكل من يسمعه يحرص على أن يعود ليسمعه مرة أخرى ﴿ ثم دخل كفرناحوم أيضاً بعد أيام فسُمع أنه في بيت وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب ﴾ ( مر 2 : 1 – 2 ) مجرد أن عرفت الجموع أنه في بيت تجمعوا حوله في البيت لذلك كان ربنا يسوع يُعلم في أي مكان قد يكون على جبل أو مكان عام في مجمع على شاطئ البحر لأنه حيثما تواجد ربنا يسوع تواجد زحام حوله لم يسع البيت الجموع من كثرتها حتى أمام الباب ﴿ فكان يخاطبهم بالكلمة وجاءوا إليه مقدمين مفلوجاً يحمله أربعة وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع كشفوا السقف حيث كان ﴾ ( مر 2 : 2 – 4 ) هنا نتكلم عن نقطتين هما :- 1. روح الخدمة في الرجال الأربعة :- ذهب الرجال الأربعة ليسمعوا ربنا يسوع مثل غيرهم ومثل من في البيت لكن كان لديهم روح خدمة وكانوا حريصين على أن يأخذوا معهم شخص لا يستطيع أن يذهب ويريدونه أن يتقابل مع ربنا يسوع أرادوا أن يأخذوا معهم إنسان مفلوج ومرض الفلج هو الشلل الكلي الإنسان المقعد الذي كل أعضاؤه ضامرة عضلات الجسد كله ضامرة وغير عاملة هذا هو الإنسان المشلول أخذوه وحملوه معاً على سريره ليقدموه للمسيح هذه هي روح الخدمة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسيحي الذي لا يريد أن يذهب وحده بل يذهب ومعه أصحابه وعندما يذهب ومعه أصحابه لا يفكر في أصحابه الذين إعتادوا الذهاب بل يفكر في أصحابه الذين لا يستطيعون الذهاب هذه هي روح الخدمة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسيحي بنعمة الله أن يكون له غيرة وله حب وأمانة نحو سائر إخوته خاصةً الذين لا يستطيعون ولا يعرفون أن يأتوا خدمة يطلق عليها الآباء إسم خدمة المفلوجين وبالطبع مفلوج بالمعنى الجسدي أن جسده لا يتحرك أما المفلوج بالمعنى الروحي فهو كل نفس لها قيود داخلها تمنعها من الحياة مع الله المفلوج بالمعنى الروحي هو شخص لم تتعود رجليه أن تقف للصلاة وليس له يدين إعتادتا أن ترتفعا للصلاة وليس له لسان تعود مباركة الله وتسبيحه وذِكر إسمه – هذا مفلوج روحياً – وعندما تسأل نفسك كم مفلوج تعرفهم تجد أنهم كثيرون نفوس كثيرة لا تعرف طريق الله وليس بها مخافة الله .. نفوس كثيرة أرجلها لا تعرف طريق الله وليس في قلبها مخافة الله نفوس كثيرة مفلوجة لا تستطيع أن تتقدم في طريق الله ولا خطوة واحدة لابد أن أشعر في قلبي أن عليَّ مسئولية نحو هذه النفوس لا يكفي أن أذهب بمفردي لا يكفي أن أهتم بخلاص نفسي وحدي كلما ذاقت النفس عذوبة وحلاوة الحياة مع الله كلما شعرت أنها لا تستطيع أن تعيش وحدها معه بل تشتاق أن تقدم له كل يوم نفوس جديدة بل تقول مع داود النبي ﴿ ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ﴾ ( مز 34 : 8 ) لا تريد أن تترك شخص لم يعرف الله لا تترك شخص مازال مُقيد مفلوج ليس بداخله حركة الإشتياق لله معلمنا بولس الرسول كان يقول ﴿ من يضعف وأنا لا أضعف من يعثر وأنا لا ألتهب ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) من أسمع عنه أنه مازال لا يعرف الله ويعيش في عثرة وأنا لا أعثر من أجله ؟! من الذي أشعر أنه يعيش في ضعف وأنا لا أضعف من أجله ؟! لذلك قال ﴿ صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حالٍ قوماً ﴾( 1كو 9 : 20 – 22 ) معلمنا بولس الرسول مملوء غيرة حتى أنه قال لنا كلمة صعب جداً فهمها﴿ كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد ﴾ ( رو 9 : 3 ) نستطيع أن نقول أنَّ نفس الكلمة تنطبق على الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج كان يمكن لكل واحد منهم أن يقول أنا أريد أن أسمع وحدي أو أن أسمع براحتي وحدي أستطيع أن أدخل بسهولة لكن لأننا أربعة ونحمل معنا مفلوج فهذا سيحرمنا من أن نسمع لا هم قبلوا أن يُحرموا من أن يسمعوا ولكن من أجل عمل أفضل من أن يسمعوا يجب أن نهتم بخلاص غيرنا وكما قال بولس الرسول ﴿ لكي نُحضر كل إنسانٍ كاملاً في المسيح يسوع ﴾ ( كو 1 : 28 ) نحضر نحن المفروض أن نخرج خارج أنفسنا ونسأل عن إخوتنا ونهتم بأن نُحضر للمسيح نفوس جديدة ونهتم بخدمة المفلوجين ونهتم بخدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم إهتم بإفتقاد الإخوة إهتم بإفتقاد الناس التي أخذها العالم وابتلعها إن لم يحمل الإنسان المسيحي في قلبه روح غيرة ومحبة لإخوته يكون هناك خطأ في حياته المسيحية الذي عايش المسيح بالفعل لا يستطيع أن يهدأ حتى يأتي بنفوس كثيرة للمسيح القديس يوحنا فم الذهب يقول لو قلت أنَّ الشمس لا تضئ أصدقك لكن لو قلت أنَّ المسيحي لا يخدم لن أصدقك يريد أن يقول كون الشمس لا تنير فهذا شئ لا يصدقه عقل لكن قد أصدقك لكن أن تقول لي مسيحي لا يخدم فلن أصدقك أبداً لماذا ؟ لأنَّ نور المسيحي أقوى من نور الشمس لأنَّ نوره من نور خالقه الله قال الله ﴿ لا يمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبلٍ ﴾ ( مت 5 : 14) كيف تُغطى مدينة كائنة على جبل ؟ هل تغطيها بيدك أو بسِتر ؟ لا يمكن أن تُغطى ﴿ ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال ﴾( مت 5 : 15) يريد أن يقول لك أنت مثل مدينة كائنة على جبل تضئ للآخرين بحياتك وسيرتك وسلوكك الإنسان المسيحي لابد أن يعيش الخدمة وروح الخدمة هؤلاء الرجال الأربعة لم يريدوا أن يذهبوا وحدهم لم يشعروا أنهم مسئولين عن أنفسهم وحدهم فقط بل عن الاخرين أيضاً هذه هي الروح التي يجب أن نتحلى بها ونلتزم بها ربنا يسوع قال عن نفسه ﴿ كما أنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ﴾ ( مت 20 : 28 ) رأينا ربنا يسوع بشخصه المبارك يجول يصنع خير ويشفي كل مرض تسلط عليهم يقول الكتاب أنه ﴿ ولما رأى الجموع تحنن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كعنمٍ لا راعي لها ﴾ ( مت 9 : 36 ) الإنسان الذي تذوق حلاوة الحياة مع الله يكون حنون على إخوته وينظر لهم بنظرة حب وحنان وشفقة ويكون غيور على خلاصهم بل وساعي لخلاصهم هذه هي الروح المسيحية التي لابد أن تكون فينا إتجاه كل نفس إن كنت لا تستطيع أن تُحضر نفوس لله إن كنت عاجز عن أن تُعلم فعلى الأقل صلي من أجلهم على الأقل قدم لهم نموذج جيد قدوة لهم يجعل قلوبهم تتحرك نحو الله مسئولية نحن غير مدركين لها وسُندان عليها إن كان ليس لدينا روح خدمة الله خلق الإنسان بطاقة حب وطاقة فكر جبارة إن حصر نفسه في نفسه فهو بذلك أول الخاسرين وأول المُتعبين أكثر شئ يتعب الإنسان أن لا يهتم سوى بنفسه فقط لكن عندما يكون له روح خدمة إتجاه الآخرين تجده يقول ﴿ أحيا لا أنا بل المسيح فيَّ ﴾ ( غل 2 : 20 ) يقول القديس يوحنا ذهبي الفم تشبيه رائع عن الكنيسة فيقول أنها جسد المسيح ويأتي بتشبيه من العهد القديم وهو عندما سكر أبونا نوح في أحد المرات وتعرى فدخل عليه إبنه كنعان ورآه فتهكم على أبيه وخرج دون أن يستره لكن عندما دخل إبنيه سام وحام ورأيا عُري أبيهما أحضرا ملآه ورجعا بظهرهما وسترا أبيهما لكي لا ينظرا عُريه وعندما أيقن نوح هذا الموقف لعن كنعان وبارك سام وحام يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أنَّ الكنيسة هي جسد المسيح وكل جزء في الكنيسة فارغ من المؤمنين هو جزء مُعرى وإن رأيت هذا الجزء المُعرى لابد أن تغطيه ليس بستر بل بمؤمنين تُحضرهم للكنيسة لأنَّ حضورهم هو الذي يستر الكنيسة إذاً عليك أمرين مهمين أولهما إنك لابد أن تأتي أنت بنفسك لئلا تكون متسبب في العُري وهذا أصعب لأنك المُتسبب وثانيهما أنه إن وجدت جزء مُعرى فكَّر في إخوتك لكي تأتي بهم لتستر الكنيسة جسد المسيح وتنال بركة لذلك لابد أن تتعامل مع الكنيسة على أنها جسد المسيح التي هي حريصة على أن تكون ممتلئة وفرحة ومتهللة بجماعة المُصليين والمُسبحين لأنَّ الله يحب جمهور المُعيدين لذلك لابد أن تشعر بروح المسئولية ليس نحو نفسك فقط بل ونحو الآخرين أيضاً اليوم نتعلم روح الخدمة من الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج وإن كانوا قد حُرموا من سماع كلمة الله نتعلم روح الخدمة والبذل وتقديم الآخرين عن أنفسنا الإنسان الذي يحب أن يقدم غيره عن نفسه يريد أن يتمتع الآخرين بالله مثله ولا يكون هناك شخص محروم من عِشرة الله الحلوة هؤلاء الرجال الأربعة عندما ذهبوا إلى المسيح وجدوا أنه من الصعب الوصول إليه لم يرجعوا بل فكروا كيف يتغلبوا على هذه العقبة الذي له روح الخدمة يغلب العوائق وليس الزحام هو الذي يجعله يتراجع عن روح الخدمة الإنسان الذي به روح الخدمة لا يعطلها أي عوائق مادام القلب مملوء بحب الله والنفس مملوءة بالغيرة إذاً لن توجد عوائق لهذه الخدمة . 2. هدف المعجزة :- كل الناس تتخيل أنَّ هدف المعجزة أن يتلامس هذا المفلوج مع المسيح ويُشفى من مرضه وربما هذا الهدف هو الذي كان في هؤلاء الرجال الأربعة أيضاً ﴿ وبعدما نقبوه دلوا السرير الذي كان المفلوج مُضجعاً عليه فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج يا بُني مغفورة لك خطاياك ﴾ ( مر 2 : 4 – 5 ) لم يتوقعوا من يسوع أن يقول له تلك العبارة بل توقعوا أن يقول له قم إحمل سريرك وامشِ توقعوا أن يقول له أنت برئت قم مُعافى لكن لم يتوقعوا أن يقول له مغفورة لك خطاياك بالطبع كان هناك قوم من الكتبة وقالوا ﴿ لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف ﴾ ( مر 2 : 7 ) ؟أي ما معنى إنسان يقول مغفورة لك خطاياك ما سلطانه على غفران الخطايا ؟ ﴿ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم فقال لهم لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم أيُّما أيسر أن يُقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم واحمل سريرك وامشِ ﴾( مر 2 : 7 – 9 )أنتم في أذهانكم أيهما أيسر أن أُقيمه من سريره أم أن أغفر له خطاياه ؟ أراد أن يقول لهم إقامته من سريره أمر سهل جداً لكن الأصعب هو مغفرة الخطايا﴿ ولكن لكي تعلموا أنَّ لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ﴾( مر 2 : 10) أريد أن أُعلمكم أمر مهم جداً وهو أنَّ مغفرة الخطايا أهم جداً من أنه يكون مفلوج كون أنه يكون مفلوج ويظل بمرضه أو لا يظل بمرضه فهذا أمر لا يشغل ربنا يسوع بقدر ما يشغله غفران الخطايا لذلك قال له ﴿ لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك حتى بُهت الجميع ومجدوا الله ﴾ ( مر 2 : 11 – 12) هدف المعجزة هنا هو خلاص النفس لو نظرنا إلى كل المعجزات التي صنعها ربنا يسوع نجد أنَّ هدفه ليس أن يجمع الجموع ويصنع المعجزة لكي يفتخر بصنعها ويظهر أنه رجل عجائب لا لم يكن هذا هدفه لم يكن هدفه أن يأخذ الجموع إلى الجبل ويعلمهم لكي يمضي الوقت ويجوعوا فيطعمهم ويُقال عنه أنه أشبعهم لا ما من معجزة عملها إلاَّ وهدفها إعلان لاهوته إلاَّ وهدفها خلاص النفس وهذا أروع وأجمل من مجرد أكل وشرب وشفاء مرض أروع معجزة يصنعها فينا ربنا يسوع أن نتلامس معها هي توبتنا إختبارنا الشخصي كل يوم بغفرانه لنا غفران ربنا يسوع أجمل من شفاء مفلوج لذلك كوننا نقف عند هذا الحد نكون قد أخلينا ربنا يسوع من جوهره الإلهي عندما يأتي إنسان ليتعامل مع ربنا يسوع لمجرد أنه يشفيه أو يحل له مشكلة فهذا الأمر يجعل نظرته ضعيفة جداً وقليلة عن ربنا يسوع لكن يجب أن نتخطى ذلك بكثير لكي نتلامس معه كإله ونتذوق منه غفران خطايانا وأن نعرف كيف نمجده لأنه صنع معنا أمر عظيم في حياتنا أجمل وأعظم معجزة يصنعها فينا أن نتغير إلى تلك الصورة عينها أعظم معجزة يصنعها فينا الله أنه يعطينا نفسه على المذبح مأكل ومشرب حقيقي لكي يثبتنا فيه ويثبت هو فينا أعظم معجزة يعملها الله فينا هي التوبة ونعمة مغفرة الخطايا أحياناً الناس وخاصةً في جيلنا يتعلقون بالمعجزات كثيرون يقرأون معجزات البابا كيرلس وأبوناعبد المسيح المناهري وأبونا يسى ويتركون الكتاب المقدس كثيرون فكرهم نحو المسيح أنه يحل فقط المشاكل في حين أنَّ هدف ربنا يسوع نحونا غير ذلك هدفه توبتنا وخلاص أنفسنا لذلك ما من معجزة صنعها ربنا يسوع إلا وكشف لنا هذا الجانب الجموع التي أكلت من الخبز وشبعت وأشبعها فرحت وقالوا لقد أشبعنا لنظل سائرين معه حتى لا نجوع لكنه قال لهم أنتم مخطئون أنا لست ساحر أطعمكم وأشبعكم لا ﴿ اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية ﴾ ( يو 6 : 27 ) أعطاهم فكر إلهي فكر عن خلاص أنفسهم عندما ننظر لمعجزة صيد السمك التي عملها مع بطرس الرسول قال له ﴿ ابعد إلى العمق ﴾( لو 5 : 4 ) قال له بطرس ﴿ قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾( لو 5 : 5 ) هل الذي تعب الليل كله ولم يصطاد شىء الآن يقول له ربنا يسوع أدخل للعمق ؟ ودخل بطرس للعمق واصطاد سمك كثير جداً حتى كادت السفينة أن تغرق فإستعان بسفينة يعقوب ويوحنا التي هي أيضاً كادت أن تغرق من غزارة الصيد والشباك كانت تتخرق من كثرة الصيدهل إنتهت المعجزة إلى هذا الهدف أنَّ المسيح جعلهم يصطادون سمك كثير ؟ لا ليس هذا هدف المعجزة بل هدفها أعظم بكثير وهو أنَّ بطرس سجد لربنا يسوع وقال له ﴿ اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ ﴾ ( لو 5 : 8 ) .. إذاً المعجزة هدفها خلاص النفس وتبرير الإنسان ومن هنا تحول من سمعان إلى بطرس ومن صياد سمك إلى صياد الناس وهنا مجد المعجزة صعب أن نرغب في السير وراء المعجزة لأجل المعجزة مثل اليهود الذين قالوا له نريد أن نرى آية نريد معجزة كثيراً ما يطلب الإنسان معجزة من أجل أطماع شخصية أو أهداف أرضية أو من أجل تأمين حياة في حين أنَّ هذا ليس هدف ربنا يسوع مع النفس والعجيب أنه عندما نرى عمل المسيح المعجزة مع بطرس نجد الكتاب بعدها يقول ﴿ تركوا كل شيءٍ وتبعوه ﴾ ( لو 5 : 11) إذاً ماذا عن السمك يا معلمنا بطرس ولمن تتركه ؟ يقول الأمر الآن أصبح ليس صيد سمك كثير الأمر أكبر من ذلك بكثير الأمر في الذي أعطاني السمك هل يليق أن أتمسك بالسمك وأترك الذي أعطاني إياه ؟ هكذا اليوم مع المفلوج ربنا يسوع قال له ﴿ قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك ﴾ هل أفكر في الذي قال هذه العبارة ومن هو وما هي قدرته ؟ إذاً يجب أن أكون قد تلامست مع الله وعندما أتلامس معه أتبعه أينما يمضي ربنا يسوع لا يحب أن يظهر معنا في حياتنا في شكل أمر يعطي إندهاش للنفس أو يصنع عمل عجائبي أي مثلاً يصعد أعلى الجبل ويُلقي نفسه فتأتي الملائكة وتحمله لا هذا فكر شيطان لذلك هو لم يسمح لهذا الفكر وقال له ﴿ لا تجرب الرب إلهك ﴾ ( لو 4 : 12) في حين أنه قادر أن يصعد إلى جناح الهيكل ويُلقي نفسه ولا يُؤذى هو قادر لكن يقول لماذا وما هدف ذلك ؟ أي معجزة أصنعها لابد أن يكون هدفها توبة النفس وخلاصها وإعلان مجد لاهوتي في النفس وفي أولادي ووسط الكنيسة لذلك يجب أن لا نطلب أمور تحقق إيماننا لأن إيماننا أكبر من كل الأمور المرئية أنا لست منتظر معجزة لأعرف أنَّ إلهي هو الإله الحقيقي لا أنا إيماني أقوى بكثير من كل ما هو مرئي أنا أؤمن به داخل قلبي ونفسي وعقلي أنه قادر ومقتدر وأكبر دليل يعلن لي أنَّ إلهي قادر ومُقتدر أنه يغفر لي خطاياي وأنه يعدني بالحياة الأبدية وأنه يعطيني مجد ألوهيته في داخلي وأنه خلقني على صورته ومثاله – هذا أكبر مجد – لكن كون أنَّ هناك أمور أخرى أتعلق بها أقول لك أنت بذلك لم تفهم هدف المسيح من صنع أي معجزة إن كان المفلوج أول كلمة قالها له هي مغفورة لك خطاياك ثم بعد ذلك قال له قم إحمل سريرك وامشِ إذاً الأهم من شفاء الجسد هو شفاء مرض النفس قد يسمح الله كثيراً بأمراض للجسد لكيما تكون شفاء للنفس قد يسمح الله للإنسان أن يُحرم من بعض الأمور الأرضية من أجل اقتناء ما هو أهم وهو الأمور السماوية فنجد أنه قد يسمح لأبرار وقديسين أن يتألموا في الجسد ويُصابوا بأمراض ومع ذلك يقول أنَّ هدف الله من الإنسان هو خلاص نفسه أهم بكثير من بعض آلام في الجسد بل قد تكون آلام الجسد سبب بركة للنفس والروح لذلك هدف المعجزة في فكر المسيح وفي فكر الإنجيل هو تغيير الإنسان وتوبة الإنسان وليس مجرد فعل ظاهري الله الذي تحنن على المفلوج يتحنن علينا ويقول كلمة الخلاص لكل نفس أنَّ مغفورة لك خطاياك لنقوم ونحمل سريرنا ولا يعود سلطان المرض يغلب علينا بل نقوم ونمجد ذاك الذي أعطانا السلطان والمجد وشفانا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
15 أكتوبر 2022

إنجيل عشية الأحد الأول من شهر بابه

تتضمن وجوب الرجاء بالله دون سواه مرتبة علـى فصل اشباع الخمسة آلاف رجل من الخمسة ارغفـة ( مت 14 : ١٤-٢١ ) والسمكتين إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطـع رأس يوحنـا المعمـدان تـرك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفـراد . فتبعتـه جموع كثيرة . فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك . ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين : " الموضع خلاء والوقت قد مضـى . اصـرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما . فقال لهم يسوع لا حاجة لـه ان يمضوا ... أعطوهم أنتم ليأكلوا .. وصنع لهم هذه الآية العظيمة التـى سـمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل مـاعدا النسـاء والاولاد وشبعوا . ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة . وذلك مـن خمسـة أرغفـة وسمكتين مت ١٤ : ١٤-١٢. وهي أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا . وبـاعث قـوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سـواء . فالرجـاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعي في قلوب البشر . الرجاء هو تعزيـة المريـض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل . تجد الرجاء في القلب النوتي عنـد مصادفـة أهوال البحار . فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق . فلولا الرجـاء لمـا زرع زارع ارض ولا صنع صانع شيئا . لان كل الاشياء إنما تعمل على يقين فالرجاء هو الذي جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد . لانـهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمرضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا . الرجـاء هو تعزية الانسان في عالم الاتعاب والاحزان . وقد خلقه الله فينا ليكون هـو جلـت قدرته موضوع رجائنا . غير أن فريقا من الناس يلقـــون رجـاءهم علـى النـاس والاموال وما اشبه ذلك . فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال : " ماذا يصنع أيضـل لكرمي وأنا لم أصنعه له " أش ٤:٥ " وقال : " یا اورشلیم یا اورشلیم یا قاتلة الانبياء وراجمـة المرسلين اليها . كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخـهـا تحـت جناحيها ولم تريدوا " مت٢٧:٢٣ وقال أيضا : " ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على " أش٢:١ وقال أيضا : " بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صـالح وراء أفكاره " أش٢:٦٥ . وقال أيضا : " ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشـر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه " ار٥:١٧ هذا بعض من أقواله تعالى . فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونــــذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلســـان نبيـه داود : " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للرجل المتوكل عليه "مز٨:٣٤ وإلا فقولوا لي بحقكم أي شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليـه . وهـا هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة . أحيانـا كمبشـر يبشـر المساكين في كل مدينة . ويلقى الصلح والسلام . وأحيانا كسامرى يعـزى الحزانـى ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف . وتارة كراع إذا وجـد خروفـا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال لو٥:١٥-٦وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قـائلا : " دعـوا الأولاد يـأتون إلـى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " مت ١٤:١٦ فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين . مـع علمنا اننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنـا . وربمـا يصيبنـا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم . وما الذي يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلـى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا . ونتكل عليه دون سواه . عمـلا بقولـه تعـالى : " لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده " مز٣:١٤٦ و " طوبى لمن إلـه يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه " مز٥:١٤٦ ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلـهنا رؤوف ورحيـم بعباده المتكلين عليه . وفي كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم . قال الكتــاب المقـدس : " مرض حزقيا ملك أورشليم للموت . فجاء اليه اشعياء النبي وقال لـه . هكـذا قـال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش . فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الـرب قائلا : آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسـن فـي عينيك . وبكى حزقيا بكاء عظيما . ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كـان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبي هكذا قال الرب إله داود أبيـك . قد سمعت صلاتك . قد رأيت دموعك . هأنذا أشفيك . في اليوم الثالث تصعد إلى بيـت الرب . وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينـة وأحامي عن هذه المدينة من أجل نفسي ومن أجل داود عبدی " ٢مل١:٢٠-٦ فها قد أثبتنا اليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجـوب القاء الرجاء على الله دون سواه . فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكي يرفعنا في حينه . ملقيـن كـل همنا عليه لأنه هو يعتني بنا لأننا بدونه لا نقدر أن نفعـل شـيئا يو٥:١٥ ولنتمسـك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلـى مـا دخـل الحجاب عب١٩:٦ . غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذي وعد هـو أميـن عب٢٣:١٠ . له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين . القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
14 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ2

تحدثنا في العدد الماضي عن ثلاثة جوانب من المسئولية الأسقفية، وكان حديثنا بمناسبة سيامة عَشرة آباء أساقفة جدد لبعض الإيبارشيات وبعض الأديرة، وهذه الجوانب الثلاثة التي تحدثنا عنها هي: أولاً: المسئولية الشخصية أي التخلي عن الذات. ثانيًا: المسئولية الروحية أي النمو الروحي المستمر. ثالثًا: المسئولية الأبوية أي الأبوة لكل الشعب. واليوم نستكمل الحديث في ثلاثة جوانب أخرى هي: رابعًا: المسئولية الرعوية: كل جوانب الرعاية المناسبة لطبيعة الشعب وقطاعاته. مسئولية الأسقف الرعوية هي مسئولية ضخمة وتتكامل مع مسئوليته الأبوية. أولاً: تحتاج كأسقف أن تعرف شعبك واحتياجاته الرعوية: «مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ» (أم27: 23). ثانيًا: تحتاج مهارات روحية وعملية لتلبية هذه الاحتياجات الرعوية.. وجِّه قلبك نحو شعبك واشعر بهم، وعندها سيمنحك الروح القدس المهارات العملية لتلبية ما شعرت به من احتياجات الشعب: «فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ» (مز87: 72) ثالثًا: تذكر أنك كراعٍ تتحمل المسئولية وتتخذ قرارات ولكنك لا تتسلّط على الشعب إطلاقًا.. سلطان الأسقف هو للخدمة وليس للتسلُّط.. والفرق كبير.. تذكر كلمات بطرس الرسول وضعها أمامك دائمًا: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بط5: 2، 3).وهنا نذكر مثل دِيُوتْرِيفِسَ الذي رفضه يوحنا في رسالته الثالثة.. ما حدث هو أن دِيُوتْرِيفِسَ (الذي يقوته زفس) كان كما يظن المفسرون أسقفًا يرى نفسه سيدًا متسلطًا، وبالرغم من أن يوحنا الرسول هو الأكبر كنسيًا إلّا أنه كان يرى نفسه "الأول" ولا يقبل كلام يوحنا.. ولا يقبل الرعية، بل ويطردهم..! «كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ» (3يو1: 9-10). مثال آخر هو الرعاة الذين رفضهم الله بلسان حزقيال النبي: «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حز34: 4).. ثم قال الله إنه سيقوم بالرعاية الصحيحة كما ينبغي: «أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل» (حز34: 15-16). خامسًا: المسئولية المالية: كل ما يرسله الله من مال في أيدينا ليس لنا فضل فيه. نحن أمناء على استخدامه وتقديمه لمصلحة الرعية.الأسقف راهب تخلّى بإرادته عن أيّة ممتلكات.. ودخل الرهبنة ثم الأسقفية وهو لا يملك سوى التقوى: «وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ. لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» (1تي6:6-7).ولكي نفهم طريقة التعامل مع الأموال التي يباركنا الله بها في خدمتنا، وكيف نتعامل بشفافية فيها نرى هذا المثال «كما هو مَكتوبٌ: «الّذي جَمَعَ كثيرًا لَمْ يُفضِلْ، والّذي جَمَعَ قَليلًا لَمْ يُنقِصْ». ولكن شُكرًا للهِ الّذي جَعَلَ هذا الِاجتِهادَ عَينَهُ لأجلِكُمْ في قَلبِ تيطُسَ، لأنَّهُ قَبِلَ الطِّلبَةَ. وإذ كانَ أكثَرَ اجتِهادًا، مَضَى إلَيكُمْ مِنْ تِلقاءِ نَفسِهِ. وأرسَلنا معهُ الأخَ الّذي مَدحُهُ في الإنجيلِ في جميعِ الكَنائسِ. وليس ذلكَ فقط، بل هو مُنتَخَبٌ أيضًا مِنَ الكَنائسِ رَفيقًا لنا في السَّفَرِ، مع هذِهِ النِّعمَةِ المَخدومَةِ مِنّا لمَجدِ ذاتِ الرَّبِّ الواحِدِ، ولِنَشاطِكُمْ. مُتَجَنِّبينَ هذا أنْ يَلومَنا أحَدٌ في جَسامَةِ هذِهِ المَخدومَةِ مِنّا. مُعتَنينَ بأُمورٍ حَسَنَةٍ، ليس قُدّامَ الرَّبِّ فقط، بل قُدّامَ النّاسِ أيضًا» (2كو8: 15-21).هنا يطلب بولس من أهل كورنثوس أن يتبرعوا بالمال لخدمة إخوتهم في اليهودية، ويوضح لهم: 1) نزاهة الخادمين تيطس ورفيقه اللذين ائتمنهما بولس لحمل "العطية الكبيرة". 2) أن الخدمة لمجد الرب فقط. 3) أنه يوضح بشفافية حتى لا يُلام مع أنه لن يحمل العطية بنفسه. 4) أنه في الأمور المالية يجب أن نراعي الناس أيضًا ولا نكتفي بأن الله يعلم نزاهتنا. مثال آخر نذكر أبانا إبراهيم لأنه كان مثالاً في النزاهة في أكثر من موقف، ومنها أنه عندما انتصر إبراهيم لابن أخيه لوط وملك سدوم: «وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي النُّفُوسَ، وَأَمَّا الأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ». فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطًا وَلاَ شِرَاكَ نَعْل وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ، فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ» (تك14: 21-23).تذكر معي عبارة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم الأسبق عندما قال: لا حزنا، ولا عوزنا". المال هو للخدمة: للمحتاجين.. للتعليم.. للتعمير... وليس للاكتناز تحت أي سبب. يمكنك أن تستخدم المال الذي بين يديك في مشروعات المدارس بأنواعها والعيادات والمستشفيات والتي تخدم قطاعات كبيرة من المصريين... سادسًا: المسئولية التعليمية: إيجاد الوسائل والاجتماعات والمناسبات التي يتم فيها التعليم، والتعليم البنائي وليس الروحي فقط، في المجالات الكنسية والعقائدية والإيمانية والتاريخية والمستقبلية... الخ. التعليم هو الدور الأساسي للأسقف كما يقول بولس لتيموثاوس «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» (1تي3: 2) ولتيطس: «لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ» (تيطس 1: 9). أولاً يجب أن يتصف الأسقف المعلم بالآتي: «وَعَبْدُ الرَّبِّ 1) لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ 2) مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، 3) صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ، 4) مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (2تي2: 24-26). ثانيًا ينبغي أن يكون كل تعليمنا مبنيًا على المسيح وأساسه المسيح: «فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ. حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كو3: 9-11). ثالثًا يكون التعليم بكل طريقة جديدة وقديمة، وفي كل وقت، ليس بالوعظ فقط بل بالإرشاد السريع، وبالانتهار إذا تطلّب الأمر، وبالقدوة في كل وقت: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (2تي4: 2). مثال: أكبر مثال للتعليم هو الرب يسوع الذي -كما ذكر يوحنا- علّم التلاميذ بالوعظ والكلام، والانتهار لبطرس، والتحدي ليهوذا، والتطهير بغسل الأرجل، وقال لهم بوضوح: أنا المعلم صنعت هكذا، أنتم أيضًا اصنعوا بالمثل: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو13:13-15). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يعقوب

يعقوب "لا يدعى اسمه فيما بعد يعقوب بل إسرائيل.." مقدمة ربما لا يجد المرء وصفاً أبلغ وأقسى، وأقطع من وصف أحدهم ليعقوب عندما قال: "كان مع أبيه شيطان مع ملاك، وكان مع أخيه شيطاناً مع إنسان، وكان مع خاله شيطان مع شيطان"ومن عجب أن يجد هذا "الشيطان" طريقه إلى الله، وإلى الحياة المباركة المقدسة، ومن عجب أن يتغير اسمه من "يعقوب" أو المتعقب الذي أمسك بعقب أخيه من بطن أمه، إلى "إسرائيل" أمير الله أو المجاهد مع الله،.. إن قصة يعقوب تعطي الرجاء أمام الخطاة الذين أوغلوا في خطاياهم، وأمعنوا في آثامهم وشرورهم، لكي يعودوا مرة أخرى أمراء أمام الله، أو المجاهدين الناجحين.. وإذا كان الناس في الموازنة مع إبراهيم واسحق ويعقوب، يرون أنهم أدنى وأقرب في غالبيتهم مع هذا الأخير، فإن هذه الغالبية –إذا كانت تسر بقول الله-: أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب، فإنهم أكثر طرباً وبهجة وسروراً، وهم يتوقفون عند القول: "إله يعقوب".. وإذا كان مكتشف المعادلة كما يصفه أيوب: "ينقب في الصخور سرباً وعينه ترى كل ثمين"، وإذا كان الباحث في الصحراء يجد المعدن النفيس تحت أطباق الصخور والرمال، ‎.. فإن عين الله هي التي تكتشف القديس والعظيم والناجح والقوي خلف الخاطيء والحقير والفاشل والضعيف، وهي التي صنعت إسرائيل من يعقوب، وتصنعني وتصنعك من خلف الطين والوحل والقمامة والزغل الذي اختلط بحياتنا على هذه الأرض!!.. ومن ثم فإنه من أهم الأمور أن ننطلق وراء الفخاري الأعظم، وهو يعيد مرة أخرى الوعاء الذي فسد، لنرى ما صنع الله بيعقوب ومعه!!.. يعقوب من هو؟!! هذا الرجل العجيب بدأ حياته مجموعة من الشر والإثم، والضعف والخطية، ولو أنها نعمة الله التي انتشلته لكان غريباً جداً أن يكون هذا الإنسان ابن الموعد وسر البركة!!.. يعقوب الأناني لم يكن يعقوب أنانياً فحسب، بل كان مهندساً بارعاً في حياة الأنانية التي عاشها في صدر الشباب، فهو أناني مع أخيه، وأناني مع زوجته، وأناني مع أولاده. والأنانية عنده فن وحساب وتخطيط،.. فهو الأناني في علاقته بأخيه عيسو، فهو يطلب البكورية التي فاتته بالمولد، وهو يطلب البركة، ولا يفزع خشية بل خوفاً من أن يعرف أبوه صوته، ويكتشف الخداع الذي رتبه للحصول على البركة،.. وهو أناني كزوج لا يبالي بالزوجة إلا بالقدر الذي تعطيه إياه من متعة الحياة، وهو لهذا يقدم راحيل على ليئة المكروهة والمنبوذة، ولقد ضاق الله بهذه الأنانية، وانحنى على الزوجة البائسة يحسن إليها بالأولاد، إن عز أن يحسن إليها الزوج بعدله ومحبته،.. وهو أناني كأب –فهو في موكب المواجهة والمقابلة مع أخيه عيسو الذي سار إليه ومع أربعمائة رجل، قسم الأولاد على ليئة، وعلى راحيل، وعلى الجاريتين، ووضع الجاريتين وأولادهما أولاً، وليئة وأولادها وراءهم، وراحيل ويوسف أخيراً.. كان يعقوب دون أدنى شك أستاذاً بارعاً في هندسة الأنانية. يعقوب المتآمر وهو المتآمر من بطن أمه.. إذ ماذا يعني أنه يمسك مولوداً بعقب أخيه؟!.. أنت لا تمسك بعقب غيرك إلا إذا كنت أشبه بالحية القديمة، تلسع العقب. وقد كان هو حية في التآمر، يدبر المؤامرة في الخفاء، ويحكم تخطيطها، وتنفيذها، فهو يلبس ثياب أخيه، ويضع جلد المعزى على يديه وملامسة عنقه بالاتفاق مع أمه، وهو يكشط القضبان الخضراء من اللبن واللوز والدلب، ويقشرها مخططا إياها تخطيطاً ليوقفها في الأجران على مجاري المياه، ويستولد على وحم الأغنام القوية له، والضعيفة للابان، وهو يخرج هارباً من خاله دون أن يعطيه خبراً، منتهزاً فرصة غيبته بعيداً عندما مضى ليجز غنمه!!.. ولعله وهو ينتقل من مؤامرة إلى أخرى، كان يتدرب على جرأة تتزايد مع نجاح المؤامرة، فلا يرمش له الطرف، وهو يندفع، ويغامر، ويتآمر!!.. يعقوب الطامع وطمعه في المال كان بغير حدود،.. إذ كان كل شيء عنده بثمن، فهو إذا اشترى يبخس الثمن إلا إذا أكره على غير ذلك، فهو يشتري من أخيه أغلى ما عنده بأكلة عدس، وقد علم بيته أن كل شيء لابد أن يكون بحساب، لدرجة أن مبيت ليلة عند ليئة تأخذ راحيل مقابله لفاحاً من الحقل، وهي تسلمه لها في تلك الليلة.. كان معلماً عظيماً من أعظم المعلمين الذين ظهروا على هذه الأرض في حساب المال، وما يزال أبناؤه اليهود إلى اليوم سادة الكل في السيطرة والطمع والجشع والتجارة بالمال في كل أرجاء الأرض!!.. يعقوب الصبور وهو الصبور إذا ما وضع هدفاً أمام عينيه، أو كما قال هوشع: "وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم، إسرائيل لأجل امرأة ولأجل امرأة رعي".. وهو لا يكل لأجل راحيل سبعة أعوام، أو بتعبير أصح أربعة عشر عاماً بعدما خدعه خاله بأختها ليئة، وهو يخدم ست سنوات من أجل الثروة التي اقتناها!!.. هذا هو الرجل الذي جاءت به نعمة الله ليكون ابن الموعد، وسر البركة لأجيال بلا عدد ستأتي بعده وفي أثره!!. يعقوب المختار وقصة الاختيار من أعمق وأعوص ما يمكن أن يواجه الذهن البشري، وليس من سبيل للإنسان أن يفهم الأساس الذي يختار به الله الفرد أو الشعب ليحمل رسالته بين الناس، وقد كان يعقوب مختاراً بهذا المعنى،.. وليس لأي بشري- وهو يرى الحكمة الإلهية العميقة وراء الاختيار- إلا أن يقول: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً أو من سبق فأعطاه.. يعتقد البعض أن الرسول بولس –وهو يتحدث عن الاختيار في رسالة رومية- لم يكن يقصد المفارقة بين عيسو ويعقوب كشخصين بقدر ما كان يقصد أنهما يمثلان أمتين وشعبين، وأن الله في حكمته الأزلية رفض آدوم واختار إسرائيل، وأن الآيات الواردة في الأصحاح التاسع من رومية، لم تقصد فرض صحته لم يعطنا حلاً للمشكلة أو تفسيراً لها،.. كما أنه من الخطأ الواضح، وقصر النظر أن تربط الاختيار بسبق الله لمعرفته بما سيعمله الإنسان، والرسول ينفي تماماً هذه القاعدة: "لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو".. ولو أخذنا بهذه القاعدة لرفض الله عيسو ويعقوب معاً، فلئن كان عيسو مستبيحاً وزانياً، فإن يعقوب المخادع الماكر الأناني لم يكن في أعماله ما يدعو إلى الاختيار أي يشجع على الأفضلية،.. إن النظرة العجلى في الحياة تبنى الاختيار على سبق العلم بالأعمال الصالحة عند الله، تأسيساً على مفهوم العدالة المطلقة الكاملة عنده تعالى، ونحن نؤكد أن الله لا يمكن وهو الإله العادل، أن يتجاوز العدالة قيد أنملة، في قضية الاختيار الإلهي،.. على أن الاختيار إذا أخذ بمفهوم الأعمال السابقة يخرج مسخاً قبيحاً مبتوراً، إذ أنه يجرده من النعمة الإلهية الكامنة خلفه،.. وحيث هناك النعمة فليست الأعمال، وحيث هناك الأعمال فليست النعمة،.. إن الأصح هو القول أن الاختيار الأزلي مبني على كمالات الله جميعاً وعلى صفاته وطبيعته مجتمعة معاً، وهنا نحن أمام بحر بعيد عميق، مهما سجنا فيه فإننا لا نتجاوز قط بضع خطوات من الشاطيء، وسيبقى العمق أبعد من كل فهم أو ذكاء أو حكمة بشرية!!.. في الواقع أن جميع مقاييس الناس لا تصلح البتة أن تخضع الاختيار الإلهي للميزان البشري، وإلا فهل يمكن أن يقع الاختيار على راحاب الزانية في مدينة أريحا؟ وهل يمكن والموآبي ممنوع أن يدخل في شعب الله إلى الجيل العاشر أن يكون هناك مجال لراعوث الموآبية؟.. عندما تحدث الله إلى حنانيا عن الشاب الطرسوسي بولس فزع الرجل: "يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك" "فقال له الرب اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي".. عندما سئل أحد القديسين عن مشكلة الاختيار، ولماذا اختار الله هؤلاء جميعاً، رغم ما فعلوا، وتركوا في قصة حياتهم من آثار قاسية رهيبة بشعة؟!!. أجابه في تأمل وديع قائلاً: إن هذه ليست بالحري المشكلة الكبرى أمامه!!.. إن مشكلتك الحقيقية الكبرى! لماذا اختاره هو الله، وليس فيه أدنى استحقاق على الإطلاق لمثل هذا الاختيار!!.. يعقوب المجد التجديد هو التغيير الفجائي الذي يطرأ على حياة الإنسان، فيقطع صلته بماض مخز أثيم إلى حياة تختلف عن الحياة القديمة التي كان يعيشها، وقوام هذه الحياة، أن يدخل الله فيها، وهي كما وصفها السيد المسيح الولادة من فوق، وهي معجزة دون أدنى شك في حياة المؤمن، وهي ليست قالباً واحداً يصب فيه الإنسان ليصنع من جديد، إذ أنها لها صورها المتعددة بطبيعة الحياة التي يطرأ عليها التغيير، وقد أخذت هذه المعجزة تلفت أنظار علماء النفس، وهم يدرسون التغير المثير، الذي ليس من السهل تعليله، دون دخول عوامل خارجية، هي في لغة المسيح، الولادة من الروح القدس، فكيف حدث هذا التغيير في حياة يعقوب، فرأى الله، وسلم السماء والملائكة، ودخل في عهد حاسم وشركة جديدة، مع سيده لم تكن معروفه أو مألوفة عنده من قبل؟.. هذه الرؤيا التي أثارت رهبته، وأوقفته على باب السماء، وكانت بمثابة نقطة تحول فاصلة في تاريخه، لا يمكن أن نمر بها دون أن ندرك معناها وكنهها، كنموذج عظيم من النماذج المتعددة المختلفة للولادة الجديدة عند الكثيرين من أبناء الله!!.. ومع أنه ليس من السهل أن نصف بدقة العوامل المتعددة النفسية التي انتهت بيعقوب إلى العهد الذي وصل إليه مع الله،.. إلا أنه يمكن ملاحظة ثلاثة أمور متتابعة وصلت به بالتأكيد إلى الولادة الجديدة وهي العزلة والندم والغفران الإلهي!!.. أما عن العزلة فقد كانت هذه أول ليلة يخرج فيها يعقوب من بيته، ويضرب في الصحراء في اتجاه آرام النهرين، ولعله خرج في الصباح الباكر من بئر سبع حتى وصل إلى المكان الذي أطلق عليه فيما بعد "بيت إيل" وهو يتجاوز الستين ميلاً، وما من شك بأنه بلغ حد الإعياء الجسدي، فارتمى على الأرض، ولم يجد سوى حجر يتوسده هناك ويضع رأسه عليه، ولا حاجة إلى القول إن الوحشية الكاملة قد أمسكت به في تلك الليلة، وأضعفته، وليس هناك من أحد يؤنسه، وقد ترك أباه وحضن أمه الحبيبة لأول مرة في حياته، وما من شك بأنه رفع رأسه فرأى النجوم اللامعة فوقه، هل ناجاها، واستمع إلى ما يمكن أن تثيره في أعماق نفسه،.. إن بعض الشراح يصورون لنا شيئاً من هذه المناجاة، وقد تحولت إلى ما يشبه الندم العميق على ما حدث منه، وما صار إليه،.. ولقد قال واحد منهم: إنه في بيته كان يجد دائماً تبريراً لما فعل أو يعتد على حقه، إذ أن هذا الحق مقرر له من قبل مولده،.. وهو إن كان قد لجأ إلى الخداع، فإن أمه هي المسئولة عن غشه لأبيه، وخداعه له،.. كان من السهل عليه في بيته أن يبرر كل شيء، وأن يهدي نفسه دون أدنى لوم أو تثريب،.. أما الآن –وهو وحيد أعزل في الصحراء- فإنه يدرك تماماً، أنه يحصد نتيجة ما فعل،.. وأن الصراع النفسي الذي يستولي عليه، تحول إلى ما يشبه مناخس شاول الطرسوسي التي كان يرفسها فيزداد ألماً، وهو إذ ينام في بؤسه وندمه، يواجه سؤال واحد لا غير: هل يغفر الله ذنبه، وهل تتسع له رحمته ورأفته وإحسانه وجوده؟ أم هو الإنسان الذي سيرى عقاب العدالة الإلهية التي ستتابعه وهو شريد غريب؟!!.. على أي حال لقد نام يعقوب في الصحراء وحيداً أعزل نائماً كالطفل الصغير الخائف الذي يتمنى أن يحتضنه أبوه وأمه في دفء الحنان والرقة والمحبة!!.. على أنه مهما تصور وتخيل فمن المستحيل أنه كان يتصور معاملة الله العجيبة التي ظهرت له في الرؤيا الخالدة التي رآها وغيرت تاريخه في بيت إيل، لقد جاءه الله كا يأتي الأب إلى طفله المذعور، لا ليهديء مخاوفه فحسب، بل ليعطيه من العطايا ما لم يكن يحلم بها أو ينتظرها على وجه الإطلاق.. لم يأت منتقماً كما كان يتخيل أو يتصور، بل جاء حانياً مهدئاً مترفقاً.. وكانت الرؤيا باديء ذي بدء إعلاناً عميقاً عن غير المنظور، فهناك الله، وهناك السماء، وهناك السلم الرابطة بين السماء والأرض، وهناك الملائكة، وهناك اليقين الثابت بأن القوى الخفية غير المنظورة هي الأقوى والأعظم والأفعل، بل لقد أدرك يعقوب أكثر من ذلك أنه في البرية أو الأرض ليست بعيداً أو مقطوع الصلة بهذه القوى العظيمة، بل أنه وهو في الأرض: "ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله وهذا بابا السماء" لقد تدانت السماء والأرض وانتهى الفاصل الرهيب بينهما بالسلم التي رأسها في السماء وقاعدتها ترتكز على الأرض وهناك الملائكة الصاعدة باحتياجات الإنسان وانتظاره وتوسلاته وطلباته من الله، وهناك الملائكة النازلة بجواب الله عليها جميعاً، وفوق الكل، وقبل، وبعد الكل هناك الله الذي يقف على رأس السلم يحنو ويراقب ويهتم ويجيب ويعطي،.. إلى هذا الحد يغفر الله ويتسامح؟!! أإلى هذا الحد لم يصنع معه حسب خطاياه أو يجازه حسب آثامه؟!!.. أإلى هذا الحد يترفق ويعين فهو لن يترك يعقوب وحده في الطريق، هل سيسير معه الرحلة كلها، ويتعده ويضمنه ذهاباً وعودة؟!! أإلى هذا الحد يمكن أن يكون الله طيباً؟!!.. أجل، والله لا يمكن أن ينهال ضرباً على ابنه الخائف النادم المذعور الوحيد في الصحراء،.. بل على العكس إن الله بهذا الأسلوب من الحنان والرفق والإحسان والرحمة قصد أن يخجل يعقوب من نفسه ليكتشف دركات الخسة والوضاعة والدناءة والحطة التي وصل إلى قرارها، ولا حاجة إلى القول إن هذه الحقيقة هي التي نفذت إلى أعماقه طوال العشرين عاماً التي قضاها عند خاله لابان، وأنها قد أضحت الصلاة التي صلاها في عودته عند نهر الأردن وهو يصيح: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك فإني بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين".. هذه الألطاف وهذه الأمانة هي التي كسرت قلب يعقوب، وهي التي أعطته من أول يوم رأى فيه الله في بيت إيل أن تستولي عليه الهيبة وأخذ لمسة الحياة، ويولد جديداً، وهو يسمع الله ويجيب عليه، ويدخل معه في عهد ونذر الحياة الجديدة، وبالجملة كان بيت إيل بمثابة النقطة والمكان لمولد يعقوب وحياته الجديدة.هل توقف الله عند يعقوب وهو يقابل الخسة والضعة والأنانية والإثرة بالجود والمحبة والترفق والإحسان!!.. كلا وإلى الأبد، وما يعقوب إلا واحد من النماذج المتعددة التي بها يجذب الله ابنه الضال الشريد الهائم على وجهه في الأرض، ومهما بعد الابن ونأى وتاه في الكورة البعيدة، فإن استقباله الدائم هو الحضن الأبدي، والقبلة المشرقة، والحلة الأولى والعجل المسمن، والخاتم، والحذاء، والموسيقى والرقص، فإذا قالوا لك غير ذلك فلا تصدق،.. لأن الله لا يمكن أن يعالج ابنه العائد بالقسوة والعقوبة والشدة إلا كآخر أسلوب عندما لا تنجح الأساليب الأخرى من جود وعطاء ورفق ومحبة!!.. يعقوب المقدس كانت الولادة الجديدة بمثابة الفجر في حياته مع الله، غير أنه لابد من السؤال هنا: وماذا بعد ذلك؟!! هل نخطيء فيغفى الله ويدلل، ويطلق العنان، وكأنما لم يحدث شيء،.. حاشا لله أن يفعل ذلك،.. إنه على العكس يحب، ويؤدب، ويصقل. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين -وهو يستحث أبناء الله المجاهدين ضد الخطية- يقول: "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية، وقد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن قبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه ولكن إن كنتم بلا تأديب فقد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نعول لا بنون ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم أفلا نخضع بالأولى جداً لأبي الأرواح فنحيا لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانتهم وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته".. كانت المسافة بين بيت إيل وفنيئيل عشرين عاماً، وقد عامل الله يعقوب الابن المجدد معاملة ثلاثية واضحة، هي المحبة، والتأديب، والصقل، أما الحب فقد ظهر في الرعاية العجيبة التي لم تتخل عنه قط، وفهو يكثر كثرة مذهلة في البنين والثروة معاً، وهو محروس بعناية الله العجيبة دون أن يناله أدنى أذى من خاله الأرامي الذي جاءه الله في حلم الليل وقال له: "احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر".. وهو يلاقي في الطريق ملائكة الله وجيش الله في محنايم، وهو قاب قوسين أو أدنى من لقائه بماضيه،.. وهو الابن المحبوب لله سواء كان في قمة الصواب أو في قاع الخطأ.. وهو المؤدب تماماً من الله، وكيف أنه الرجل الذي عاش مع خاله يأكله الحر في النهار وفي الليل الجليد، وطار النوم من عينيه، وإذا كان قد غش أباه مرة، فقد غشه خاله مرات، وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد أيضاً،.. لم تكن الحياة ليعقوب هينة وادعة لينة مريحة، بل كانت على العكس كما وصفها لفرعون غربة قليلة ورديئة،. أليس من الغريب أن الله الذي سهل أمامه الطريق، هو بعينه الذي صارعه في الطريق؟ وأن الخير الظاهر وقد جاء بالكثرة العجيبة المذهلة التي رأيناها، صاحبه في الوقت عينه ذلك الخير الداخلي العميق الخفي، الذي لم يستطع الحصول عليه بغير الجهاد والدموع والحق المخلوع؟ "هل رأيت ذلك العمود الرخامي المصقول الذي يقوم عليه السقف في بيت الله؟.. إنه يقطع أولاً من الجبل بطوله ويتجمع القوم حوله وقد ألقوه على الأرض، ويظلون يحكونه ويدعكونه في الرمال حتى يصقل ويصبح ناعم الملمس على الصورة الجميلة الرائعة التي نبصره عليها في بيت الله،.. فإذا رام الله أن يجعل إنساناً ما، عموداً في هيكل الله، فإنه يفعل معه ذات الشيء، ليخلصه من كل الشوائب، والعيوب والزوائد، والنتوءات التي يتركها الجسد والعالم والخطية والشيطان في حياته!!.. على مشارف كنعان وقف الإنسان الذي جاء إلى عالمنا متجسداً فيما بعد، وقف يمنع الحياة العرجاء من دخول أرض الموعد، وإذ أراد يعقوب أن يقتحم الطريق عند مخاضة يبوق، منعه، وصارعه الواقف بالمرصاد أمامه في الطريق،.. وكانت ليلة من أقسى الليالي في حياة يعقوب، لجأ فيها (كما يقول هوشع) إلى البكاء والاسترحام وطلب البركة، ورق المعطى، وضربه في الجسد، ليرفعه في الروح، وبدل اسمه القديم يعقوب "بالاسم الآخر الجديد "إسرائيل" أمير الله أو المجاهد مع الله!!.. يعقوب المكرس وإذا كان بيت إيل نقطة التجديد، فإن فنيئيل نقطة التكريس الشامل الكامل عند يعقوب، وها نحن نراه الآن قابعاً حيث يوجد، وقد فقد بصره، ولم يعد يتطلع إلى غنم تتوحم، أو إلى بقر يخور، ولم يعد له مطمع في الدنيا، وقد ارتسمت علامات من الألم والحزن لفقد ابنه الحبيب يوسف، وهو يبقى في مصر بجسده، أما روحه فليست هناك، وحتى الجسد يريد أن يودعه مغارة المكفيلة مع أوبيه إبراهيم واسحق، ولا فرق عنده في الحياة طابت أو غابت إذ هو غريب في الأرض،.. فقد يعقوب بصره، وتفتحت رؤاه وبصيرته، وهو يمد البصر إلى الأفق البعيد البعيد، فيرى أجيالاً تأتي بلا عدد، ويرى هناك شيلون الذي سيأتي وله تخضع شعوب بأكملها!!.. ولعله -وهو يمد النظر إلى مطلع الحياة والشباب- عاد يسأل: لماذا حدث كل ما حدث؟! ولماذا اندفع وتخبط فيما فعل وتصرف؟! لقد كان عبثاً مؤلماً على أي حال، نال تأديب الرب عليه.. أما حياته بجملتها فقد تلخصت في عبارة واحدة، قالها في ضجعة الموت، وهو يبارك أولاده الواحد بعد الآخر،.. قالها وهو يلتقط أنفاسه، في قلب البركة،.. ولم تكن أكثر من ثلاث كلمات: "لخلاصك انتظرت يا رب"..!!
المزيد
12 أكتوبر 2022

القلب الكبير

لا يكن قلبك ضيقًا يتأثر بسرعة، ويتضايق بسرعة، ويندفع للانتقام لنفسه بل كن كبيرًا في قلبك، وواسع الصدر، تحتضن في داخلك جميع المسيئين إليك.وحينئذ ستشعر بالسلام الداخلي، وتدرك بركة القلب الكبير القلب الكبير لا تتعبه إساءات الناس، ولا يقابل الإساءة بالإساءة. إنما تذوب جميع الإساءات في خضم محبته وفي لجة احتماله. القلب الكبير أقوى من الشر الخير الذي فيه أقوى من الشر الذي يحاربه. ودائمًا ينتصر الخير الذي فيه.. ومهما أسيء إليه، يبقى كما هو، دائم المحبة للناس، مهما صدر منهم.. وفي إساءاتهم، نراه لا ينتقم منهم، بل يعطف عليهم إنهم مساكين، قد غلبهم الشر الذي يحاربهم.. وهم يحتاجون إلى من يأخذ بيدهم، وينقذهم من هذا الشر الذي خضعوا له في إساءاتهم لغيرهم وإذا انتقم الإنسان لنفسه، يكون الشر قد غلبه، وأخضعه لحب الانتقام، وأضاع من قلبه التسامح والاحتمال والمودة ومحبتنا للناس توضع تحت الاختبار عندما نتعرض لإساءاتهم كل إنسان يستطيع أن يحب من يحبه، ويحترم من يحترمه، ويكرم من يكرمه.. كل هذا سهل لا يحتاج إلى مجهود. ولكن نبيل هو الإنسان الذي يحب من يكرهه، ويكرم من يسئ إليه. وفي هذا يقول السيد المسيح في عظته المشهورة على الجبل: "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم.. وإن سلمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟! " أليس الخطاة أيضًا يفعلون هكذا؟! " وأما أنا فأقول لكم: أحبو أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم". هنا ولا شك تكون المحبة بلا مقابل. أي أن الإنسان المحب لم يأخذ محبة في مقابل محبته. لم يأخذ أجرًا على الأرض، ولذلك يكون كل أجره محفوظًا في السماء، إذ لم يستوف منه شيئًا على الأرض. إن القلب الكبير ليس تاجرًا: يعطى حبًا لمن يقدم له حبًا، أو يعمل خيرًا مع الذي ينقذه شكرًا إنه يصنع الخير مع الكل، بلا مقابل. يعمل الخير لأن هذه هي طبيعته. لذلك فإنه يعمل الخير مع من يستحقه، ومع الذي لا يستحقه أيضًا، مع المحب ومع المسيء، مع الصديق ومع العدو.. مثل الشمس التي تشرق على الأبرار والأشرار، ومثل السماء التي تمطر على الصالحين والطالحين بل أنه درس نتعلمه من الله نفسه، الذي يحسن إلينا حتى ونحن في عمق خطايانا إن القلب الكبير لا يعامل الناس كما يعاملونه، وإنما يعاملهم حسب سموه وحسب نبله. وهو لا يتغير في سموه وفي نبله طبقًا لتصرفات الناس حياله. إنه لا يرد الإساءة بالإساءة لأنه لا يحب أن تصدر عنه إساءة لأحد، ولو في مجال الرد. أما الضعاف فإنهم يتأثرون بتصرفات الناس، ويتغيرون تبعًا لها. وهنا نسأل ما معنى رد الإساءة بالإساءة، ومقابلة الخطأ بالخطأ؟ لقد أجاب القديسون على هذا الأمر، وشرحوه في جملة نقاط لا مانع من أن نوضحها في هذا المقال: 1- هناك إنسان يرد الإساءة بمثلها: التصرف بتصرف، والشتيمة بشتيمة، والإهانة بإهانة.. وقد يرى نفسه أنه تصرف بعدل ولم يخطئ، لأن هناك من يردون الإساءة بأشد منها، ويعللون ضمائرهم بأنهم في موقف المعتدى عليه. 2- هناك نوع آخر لا يرد الإساءة بمثلها، فلا يقابل إهانة بإهانة، أو شتيمة بشتيمة. ولكن الرد يظهر في ملامحه: في نظرة احتقار، أو تقلب الشفتين بازدراء، أو في صمت قاتل.. إلخ. 3- وقد يوجد من لا يفعل شيئًا من هذا، ولكن رده يكون داخليًا، في قلبه وفي نيته. ويتصور في قلبه أشياء تحمل معنى رد الإساءة أو أشد، ولكنها مخفاة.. 4- و يوجد إنسان قد لا يفعل في الداخل من الإساءة. ولكنه إذا سمع أن المسيء أصابه مكروه يفرح بالخبر، ويرى أن الله قد انتقم له. وبهذا لا يكون قلبه نقيًا تجاه من أساء إليه.. 5- وقد يوجد إنسان لا تحاربه هذه المشاعر، بل قد يحزن حقًا إذا حدث مكروه لمن أساء إليه، ولكنه في نفس الوقت لا يفرح إذا حدث خير لهذا المسيء. إذ يرى انه لا يستحق الخير، فيتضايق لأخباره المفرحة، وبهذا لا يكون قلبه نقيًا من جهته.. 6- إنسان آخر قد لا يفعل شيئًا من هذا كله. ولكن إساءة المسيء تظل عالقة بذهنه. آه لم ينسها، لأنه لم يغفر بعد.. هذا أيضًا لم يصل بعد إلى الحب الكامل الذي ينسى الإساءة ولا يعود يذكرها. لأن المحبة – كما يقول الكتاب تستر كثرة من الخطايا. 7- وقد يوجد شخص ينسى الإساءة، ويستمر في نسيانها زمنًا. ثم تحدث إساءة جديدة من نفس الشخص، فيرجع ويتذكر القديمة أيضًا التي كان قد نسيها، ويتضايق بسبب الاثنتين معًا.. وبهذا يدل على أنه لم يغفر الإساءة القديمة، وأنها لم تمت في قلبه، وإنما كانت نائمة ثم استيقظت. مثل جرح ربما يكون قد اندمل، ولكن موضعه ما يزال حساسًا، أقل لمسة تؤذيه إن هناك طريقتين لمواجهة الإساءة: طريقة التصرف، وطريقة الترسيب أما طريقة التصرف فهي الطريقة الروحية، التي بها يصرف الإنسان الغضب بطريقة سليمة: بإنكار الذات، بلوم النفس، بعامل المحبة، بالبساطة أما طريقة الترسيب فتشبه دواء في زجاجة يبدو صافيًا من فوق، بينما هو مترسب في أسفلها، وأقل رجه تعكر السائل كله الذي يملأ الزجاجة. إن هذا الصفاء الظاهري من فوق، ليس هو صفاءًا حقيقيًا طاهرًا ولكن لعل إنسان يقول: كيف يمكننا الوصول إلى تلك الدرجات الروحية من صفاء القلب تجاه الإساءة؟ ألا تبدو غير ممكنة..؟ إنها قد تبدو صعبة أو غير ممكنة بالنسبة إلى القلوب الضيقة التي لم تمتلئ بالمحبة بعد ولا بالاتضاع. أما القلب الكبير فإنه يتسع لكل شيء. انه لا يفكر في ذاته ولا في كرامته، بل يفكر في راحة الآخرين وفي علاجهم. لذلك لا تهزه الإساءات كذلك هو يعلم أن المسيء، إنما قبل كل شيء - يسئ إلى ذاته لا غيره. إن الذي يقترف الإساءة إنما يسئ إلى مستواه الروحي وإلى نقاوة قلبه وإلى أبديته. ولكنه لا يستطيع أن يضر غيره ضررًا حقيقيًا.. فالذي يشتم غيره مثلًا، إنما يبرهن على نوع أخلاقياته هو، دون أن يضر المشتوم في شيء. يبقى المشتوم في مستواه العالي، لا تقلل الشتيمة من جوهر معدنه الكريم، بل هي تدل على خطأ مقترفها.. والذي أصابته هذه الإهانة، إن كان قلبه نقيًا كبيرًا، فإنه لا يتأثر: يأخذ موقف المتفرج الذي يرثى لضعفات غيره، لا موقف المنفعل وهكذا تتضح أمامنا درجات روحية لمواجهة الإساءة وهي احتمال الإساءة، ومغفرة الإساءة، ونسيان الإساءة، ومحبتك لمن أساء إليك. ففي أية درجة من هذه كلها تضع نفسك أيها القارئ العزيز؟ درب نفسك على هذه الدرجات الروحية، لكي تصل إلى نقاوة القلب. وإن لم تستطع أن تصل إلى أية واحدة منها، فعلى الأقل لا تبدأ بالإساءة إلى غيرك خذ موقف المظلوم لا موقف الظالم. واعلم أن الله سيقف إلى جانبك. وأما الظالم فإنه يعادى الله قبل أن يعاديك، وسيقف الله ضده و عندما يقف الله معك ضد ظالميك، قل له كما قال السيد المسيح: "يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"..قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
11 أكتوبر 2022

الغضب

عندما التحق القديس موسى الأسود بالدير كراهب مبتديء، جاهد كثيرا في ضبط نفسه لا سيّما وقد كان لصاً قاتلا وقاطع طريق، فعندما تعرض للإهانة في ذات مرة لم ُيبد أي امتعاض، إذ ما أن دخل إلى المائدة ليأكل حتى صاح أحدهم قائلاّ: من أدخل هذا الغريب إلى هنا !. ولما سأله أحد الرهبان عن رد فعله أجابه: لقد تحرّك الغضب داخلي ولكنني ضبطت نفسي فلم أثر، ومرت مدة قبل أن يتعرّض لاختبار أصعب وذلك عندما جاء البابا ليرسمه كاهناً، فقد سمع من يقول داخل الكنيسة اخرج يا أسود الجلد يا رمادي اللون، فإذا به ينسحب في هدوء إلى الخارج وهو يقول لنفسه: حقا طردوك يا أسود اللون ولماذا تحسب نفسك كسائر البشر، فلما سأله الآباء عن فكره قال أنه لم يضطرب، بل مثلما كان هادئاً من الخارج كان من الداخل أيضاً. وكان الآباء يختبرون قدرته على الاحتمال. ويقول أحد الآباء أنه لم يدع الغضب " يتجاوز حلقه فما فوق " وهو يقصد بالطبع أنه احتجز الغضب داخله، وإن تصاعد فإنه في النهاية لن يسمح له بأن يتجاوز الحنجرة، بمعنى أنه لن يسمح له بأن يظهر من خلال الملامح أو الكلمات، لئلا ُيعثر أحدا، وهذا هو معنى القول الشائع: " ُغصّة في الحلق" وكأن هناك شيء ما ُمحتجزا في حلقه.وعندما قال القديس بولس: "لا تنتقموا لانفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكانا للغضب" (رومية 12: 19) فقد قصد أن نعطي مكانًا للغضب لكي يهدأ ويتلاشى فلا يخرج من الإنسان ويعثر الآخرين ولا يمجد الله. فمنظر الغضوب كمثل منظر الشيطان، بعكس الملامح الوديعة الهادئة التي تعكس صورة المسيح المريح، ويقول القديس الأنبا أغاثون: "ولو أن الغضوب أقام أمواتاً فما هو بمقبول عند الله ولا يأتي إليه أحد من الناس". ولا شك أن الغضب يعكس كبرياءا موجودة بداخل الإنسان، في حين أنه إذا كان متضعاً فإنه سيأتي باللوم على نفسه في كل شيء، في حين أنه في غضبه قد يخسر كثيرا وُيخطيء كثيراً ويفقد كثيراً أيضاً. ولكن هناك الغضب المقدس، وهو الغيرة المقدسة أو الغيرة التي بحسب مشيئة الله، ذلك حين يغضب شخص على نفسه بسبب خطاياه، أو يغضب شخص ويغير غيرة الرب مثل فينحاس. على أنه يجب أن يكون الغضب في هذه الحالة بعيد عن الانفعالات الطارئة أو خارج حدود اللياقة، لئلاّ ُيعثر أحداً. فمن غير المقبول أن يغضب شخص من أجل الله فيشوّه صورة الله التي فيه بغضبه، بل ليكن الغضب مقدساً وبطريقة مقدسة. وعندما سأل تلاميذ القديس باخوميوس معلمهم عن المناظر التي يراها، أجاب " أن من كان خاطئاً مثلي لا يعطَى مناظر، ولكن إن أردتم أن أدلكم على منظر تنتفعون به فهو منظر الإنسان الوديع القلب وعن أفضل من هذا المنظر لا تطلب أن تنظر". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
10 أكتوبر 2022

عمق التسبحة في كنيستنا القبطية ج2

تتلخص التسبحة في الكنيسة القبطية في الآية التالية:«جُزْنا فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الرَاحْة» (مز66: 12)ماء ونار ثم راحة.. وآية إشعياء النبي: «إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» (إش43: 2).1) الماء يمثّله الهوس الأول والهوس الثاني:الهوس الأول: هو تسبحة موسى النبي بعد عبور مياه البحر الأحمر ويقول فيها الفرس وراكبه طرحهما في البحرمركبات فرعون وكل قواته طرحهما في البحرغطاهم الماء. غطسوا إلى العمق مثل الحجروقف الماء وارتفعت المياه مثل السور وجمدت الأمواج في وسط البحر.وفي اللبش يقول باللحن الجميل قطعًا انقطع ماء البحر والعمق العميق صار مسلكًا. ماء منحلّ وقف بفعل عجيب معجز.الهوس الثاني: هو تسبحة شكر لله يقول فيها داود النبي الذي شقّ البحر الأحمر إلى أقسام. هلليويا لأن إلى الأبد رحمته. وأجاز إسرائيل في وسطه. هلليويا لأن إلى الأبد رحمته.الذي أخرج ماء من صخرة صماء. هلليويا لأن إلى الأبد رحمته.وفي اللبش يقول: أمطر مطرًا على الأرض حتى أنبتت وأعطت ثمرها. أخرج ماء من صخرة وسقى شعبه في البرية.2) النار يمثلها الهوس الثالث وإبصالية الثلاثة فتية ولبش الهوس الثالث.لقد سبّح الثلاثة فتية شدرخ وميشخ وعبد نغو بهذه التسبحة وهم في أتون النار المحمى سبعة أضعاف والنار مرتفعة 49 ذراعًا. فظهر لهم ربنا يسوع المسيح وأحاطهم وحماهم من لهيب النار وحل رباطاتهم، وأخذ يتمشى معهم في أتون النار وكأنهم في جنة فيحاء، ولم تكن للنار قوة على أجسادهم، وشعرة من رؤوسهم لم تحترق ورائحة النار لم تأتِ عليهم (دا3: 27).حتى ذُهل الملك نبوخذ نصر وأمر بإخراجهم وتكريمهم.+ تسبحة الهوس الثالث تفيض بالثقة بالله وبيقين الانتصار.+ ترنّم الكنيسة بهذه التسبحة لتنقل إلى أبنائها مشاعر أولئك الفتية المؤمنين بالله لكي يتعلموا منهم ويكونوا أمناء لله مثلهم، وهو كفيل بحمايتهم.3) الراحة: وتنقسم إلى قسمين:أ) المجمع والذكصولوجيات: تمثّل الذين سبقونا إلى الراحة والسعادة الأبدية. نذكر أسماءهم ونتذكر جهاداتهم لكي ننظر إلى نهاية سيرتهم فنتمثل بإيمانهم (عب13: 7) وبأعمالهم.ب) الهوس الرابع وما بعده: نسبح به الله مع الطغمات السمائية العشر كما في المزمور 150، فنستعد بوسائط النعمة ليكون لنا معهم نصيب. الماء يرمز للجهاد الخفيف. النار ترمز للجهاد العنيف. الراحة ترمز لميناء عدم التألم والسلام الإلهي الذي يملأ قلب المجاهد كعربون للراحة الأبدية في سماء المجد. نيافة الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل