المقالات
05 مارس 2024
جوهر الصوم
"ما ألذُّ وأطيب خبز الصوم لأنه معتوق من خمير الشهوات "القديس نيلُس
كلمة صوم هي كلمة عبرية الأصل؛ צום (تس وم)، والصوم في معناه اللُّغوي هو الانقطاع عن الطعام، إلاّ أن المعنى الروحي للصوم يترجّى الحواس والقلب والذهن، هو صوم الكيان الإنساني بجملته بحثًا عن الله بعيدًا عن مجاذبات المادة التي تحيط بنا حتى في صميم أجسادنا الترابيّة.
وقد يعتقد البعض أن الصوم ينحصر في التوقف عن الطعام أو في تغيير نوع الطعام!! إلا أنه، في جوهره، يبدأ بتوقف حركة الطعام، ليتهيّأ الجسد للدخول في عباءة الروح السابحة نحو الله؛ فالروح لا تنطلق بمعيّة الجسد الممتلِئ والمنغمس في طلب غذاءه، ولكنها تنطلق حينما يُخضِع الروح، الجسد، في رحلة الأبدية ولقد صام المسيح على الجبل قبل البدء في خدمة الخلاص والفداء العلنيّة، وهذا لكيما يرشدنا إلى نقطة البداءة في أي عمل يتطلّع للأبدية ويسعَى للملكوت، فالمسيح لم يكن في حاجة جسديّة للصوم، وذلك لنقاوة روحه الإلهيّة التي لم تنفصل عن الجوهر الإلهي، وبالتالي لم تتدنّس بالميل للتراب والتلوث بالشهوة ولكن كان صوم المسيح، بجانب حمله للبشريّة في جسده الصائم، كما تحدث الكثير من الآباء، هو بمثابة درس تعليمي لمن يريد أن يخطو أولى الخطوات بالروح، ولمن يريد أن يضع يده على المحراث في تلك الرحلة التي تمتد بمدى الحياة في الجسد ولقد أدركت الكنيسة ذلك الدرس الأولي والبدائي، في الحياة بالروح، وقنّنت الصوم وجعلته موسميًّا، لكي تستحث المسيحيّين لتذوق دسم الصوم بعيدًا عن دسم الغذاء، وأيضًا لكي تحيي حياة الشركة بين أعضاء الكنيسة، حينما يقولون بفمٍ واحد “لا للمادة” و“نعم للروح”، هنا تصبح الشركة في الكنيسة ليست مفهومًا نظريًّا ولكن واقعًا يظهر في التوقُّف الجماعي عن الطعام، واستبداله بالصلاة، غذاء الروح إنَّ الصوم هو صرخة يطلقها الجسد المتألّم بالخطيئة، حتى تتدخّل الروح، برفع أيديها العقليّة إلى السماء، لينزل سكيب الطهارة والنقاوة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- ليغمر الجسد والروح معًا.. فالإنسان ليس كيانًا مجزَّئًا، يمكنه أن يتطهّر في الروح بينما يبقَى الجسد متدنسًا خاطئًا مائتًا!! كما لا يمكن للجسد أن يتطهّر بمعزل عن الروح، فالإنسان كيانًا متكاملاً يسعَى بجملته للأبديّة، بالجسد وبالروح والصوم يمنحنا القدرة على التفطُّن والتيقُّظ لتلك الحرب التي تدور أحداثها على أرض قلوبنا الداخليّة، ذلك الصراع القائم بين روح الله وروح العالم، بين صورة الله وصورة إبليس، بين منطق الزمن ومنطق الأبديّة هنا ويبقَى الصوم هو الوقت المثالي الذي نستطيع فيه أن نرتحل داخل ذواتنا حاملين مصباح الروح بحثًا عن الزوان الذي بذره الشيطان على أرضيّة قلوبنا ونحن سكارى بالطعام والشراب واللّذة ندخل حاملين كلمة الله، لكيما تُنَقِّي ذلك الحقل الداخلي، ونحن في صلاة، تترجّى التطهُّر من رائحة الدنس، التي تفوح من جذور الخطيئة المتعفّنة في تربة قلوبنا وحينما نصوم فإننا نُفقِد نبتة الشر والخطيئة، الضاربة قلوبنا، قوَّتها، فيسهل على الروح انتزاعها من جذورها، باذرًا عوضًا عنها، بذار السلام السمائي الذي هو عربون ملكوت السموات
الصوم هو رياضة روحيّة لترويض الغرائز قبل أن يكون عمل جسدي يستهدف البطن!! فهو بمثابة السكين الباتر لأجنحة الغرائز والتي تريد أن تتحكّم في مسيرة الإنسان وتصيّره عبدًا لمتطلباتها؛ فالجسد يريد أن يأكل ويشرب ويمرح دون حدود وضوابط، يتعدّى احتياجه الطبيعي في محاولة مستمرّة لاستدامة اللّذة بإعطائها ما تنشده على الدوام وهذا يؤول في النهاية إلى ضمور في قوى الإنسان الروحيّة التي تنمو فقط من خلال ضبط الجسد وتقنين حاجته حسب الطبيعة وليس حسب اللّذة في النهاية يجب أن تدرك أنّ الصوم ليس عملاً بطوليًّا، بل هو نعمة إلهيّة، نقرع باب مراحم الله حتى نتأهّل لها، من أجل كسب جولة هامة وأساسيّة في معاركنا الروحيّة؛ ألا وهي ضبط الجسد كمدخل لضبط الذهن والقلب. ولكن الصوم إن تحوّل إلى جهد ذاتي صرف، فإنه يقود الشخص للكبرياء والشعور بالتفوّق والتميُّز عن الآخرين، وهو شعور يبتعد بالإنسان بعيدًا عن مساكن الروح، ويجعله يحيا خدعة العبادة من خلال الصوم، وهو في واقع الأمر يتعبّد لذاته لذا فإنّ الصوم والصلاة يجب ألا يفترقا؛ فالصوم مدخل لضبط الحواس والقلب والذهن، والصلاة مدخل لرفع الصوم كذبيحة مقبولة أمام الله، لأنها نابتة من بين وديان التواضع والوادعة والشعور بالاحتياج والمعونة
دنس قلوبنا، فلنطهره بالمحبة بواسطة الصلاة والصوم والأعمال اللائقة عن إبصالية واطس (للأربعين المقدسة)
أبونا الراهب سارافيم البرموسي
المزيد
04 مارس 2024
ذبيحة الصوم
ما هو تعريف الصوم؟
الصوم هو انقطاع عن الطعام لفترة من الزمن، وبعد ذلك نأكل أكلاً بسيطًا خاليًا من الدسم الحيواني من هذا التعريف البسيط يتّضح لنا أنّ الصوم ليس مجرد تغيير بعض الأطعمة الحيوانيّة بأخرى نباتيّة، ولكنّه أولاً انقطاع عن الأكل، وإمساك البطن جيّدًا، وضبط شهوة الطعام فينا.
لماذا نُسمِّي الصوم ذبيحة؟!
لأنّنا كما أنّنا نقدِّم في عبادتنا لله ذبائح روحيّة مثل الصلاة والتسبيح والعطاء وطاعة الوصيّة، فإنّ الصوم أيضًا هو ذبيحة حُبّ روحية، فيها تضحية عظيمة المقداربمعنى أنّه:
1- في الصوم يذبح الإنسان إرادته الشهوانية ناحية بعض الأطعمة المُحبّبة اللذيذة، التي تجعله أحيانًا يغرق في الجسديات.
2- في الصوم يقدّم الإنسان جزءًا من لحمه ذبيحة للمسيح، فمثلاً: قد يبدأ الصيام بوزن معيّن لجسده، وينتهي من الصيام بوزن أقلّ! فكأنّه من أجل محبته للمسيح يكون قد قدّم له بعضًا من لحمه كذبيحةٍ له!
3- الصوم يساعد على ضبط الجسد؛ فتستطيع الروح أن تنطلق، وتنتعش، وتنمو.
ما هي فوائد الصوم في حياتي؟!
1- يدرّبني على ضبط النفس، وهي صفة هامة ومفيدة، إذ تحميني من كثير من الأخطاء والأخطار، وتجعلني محبوبًا، قويًّا، متعفِّفًا، وناجحًا في أعمالي.
2- يعلمني الصبر وهي صفة أساسية ولازمة للخلاص، فالذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص (مت13:24)، والذين يصمدون في الإيمان، ومحبة المسيح إلى النهاية هم الذين سينالون الفرح، والمجد الأبدي.
3- يحفظني من الشَرَه، والنَهَم، وهي عادات مُضِرَّة، ومكروهة.
4- هو شركة آلام مع المسيح.. فألم الجوع والحرمان هما تَقدِمَة ومشاركة حُبّ بسيطة مع الربّ يسوع في آلام صليبه وإن كنا نتألم معه فبالتأكيد سوف نتمجّد معه (رو17:8).
5- يعطيني الفرصة أن أنطلق بروحي مع ضبط جسدي بالصوم وعندما تنطلق الروح بالصلاة والقراءة والتأمُّل تتمتع بالمسيح أكثر فيمتلئ قلبي بالسعادة إذ تتحقق فيّ كلمات الإنجيل؛ أنّ "اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو6:8).
6- يمنحنّي قوّةً وانتصارًا على عدو الخير فالصوم مع الصلاة قوّة ضاربة ضدّ الشيطان وحروبه كما علّمنا ربّنا يسوع المسيح أنّ جنس الشياطين لا يتمّ التغلُّب عليه إلاّ بالصوم والصلاة (مت17: 21).
كيف أقدم ذبيحة الصوم؟
1- المحبة هي الأساس أضع محبّة المسيح أمام عينيّ، وأحتمل من أجله الجوع، والعطش، وأقدّمهما ذبيحةً له.
2- فترة الانقطاع هي عنصر رئيسي في الصوم أحتاج أن أتفق عليها مع أب اعترافي، وألتزم بها.
3- من المهم الانتباه لصوم الفم واللسان والفكر والحواس عن الخطيّة وليس فقط صوم البطن.
4- الأصوام الكنسية بركة كبيرة لا ينبغي أن أهملها أبدًا بأيّ حُجّة تافهة.
5- من الضروري أن يكون الصوم مصحوبًا أيضًا بالصلاة، والتغذية الروحيّة بوجه عام، من قراءة وقُدّاسات وتسابيح..
الصوم والصحّة الجسديّة:
مؤكَّدٌ إنجيليًا وعِلميًا أن الصوم ليس عملاً من أجل الصِّحّة الجسدية!
فداود النبي يقول"ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هُزِلَ عن سِمَنٍ" (مز24:109) "أَذللتُ بالصوم نفسي" (مز13:35) "أبكيتُ بصوم نفسي، فصار ذلك عارًا عليَّ" (مز10:69).
ومعروفٌ عِلميًا أن الطعام الصيامي يفتقر إلى بعض الأحماض الأمينية الأساسية Essential Amino Acids التي لا توجد إلاّ في البروتين الحيواني.وعلى هذا فالصوم حقيقةً يُضعِف الصحّة بمقدارٍ ما، ويجب أن نكون على وعيٍ بهذا ولكن، هذا الأمر يكون مُزعِجًا فقط للجسدانيين، الذين ينظرون للصوم كعمل جسدي فقط، وليس عملاً روحيًا وذبيحة حُبّ نقدّمها للمسيح الصوم هو عمل محبّة من الدرجة الأولى، وجانب لذيذ من تذوُّق الصليب في حياتنا فنحن نصوم ونقدِّم أجسادنا كذبيحة طاهرة، لكي نُحسَب أهلاً أن نَحمِل في جسدنا إماتة الربّ يسوع، وبالتالي تظهر حياة يسوع مُشرقةً في جسدنا المائت (2كو4: 10-11) لذلك ما أجمل أن ينتهي الصوم بالتناول من الأسرار المقدّسة، فبالشّركة في الجسد والدم الطاهرين تَكمُل ذبيحتنا ويُتوَّج بذلنا، بهذه الشركة المجيدة مع المسيح المذبوح لأجلنا، الذي ذُبِحَ واشترانا لله أبيه (رؤ5: 9) ما أروع أن يكون الحُبّ متبادَلاً بهذه الصورة!
القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
03 مارس 2024
زكا العشار(لوقا ١٩ : ١ – ١٠)
معنى اسم زكا هو الطيب عمله كان عشارا أي جابي ضرائب لصالح الرومان المحتلين ومن الواضح انه كان يجني اكثر من المطلوب فيظلم الناس. وعمله هذا سبب رفض الناس له. وبسبب هذا الرفض كان يعيش فراغا كبيرا ولدَ عنده عطشا حقيقيا لأن يتعرف الى يسوع ،فترك كل شيء وذهب ليراه عن قرب ولما لم يتمكن من ذلك بسبب الحشد الكبير و عوقه، حيث انه قصير القامة، استعان بشجرة الجميزة هي على الطريق من حيث سيمر يسوع فيراه كان له رغبة حقيقية ان يرى يسوع، ومن المؤكد ان هذه الرغبة جاءت مما سمعه عن يسوع من صفات محبة ورحمة وقبول الخاطىء واعمال ومعجزات زكا اعجب بكل ما سمعه من يسوع وبذل كل جهوده لأن يراه.
نظر يسوع الى الأعلى حيث كان زكا صاعدا اعلى الجميزة، نظر اليه نظرة محبة وقبول ،نظرة ثاقبة وفاحصة لأعماق زكا المتلهفة لرؤية يسوع، فدعاه يسوع للنزول سريعا عن الشجرة لأنه اليوم سيقيم في بيته، مختارا اياه من بين كل الجموع ليدخل معه في علاقة وشركة رغم كونه مرفوض من المجتمع وخاطىء في نظر الآخرين الجميزة هي كل ما يساعدنا لنرتفع اعلى من واقعنا الأليم، مشاكلنا اليومية، جروحاتنا، خطايانا،عاداتنا البالية ،قيودنا البشرية الخ قد تكون الجميزة هي صلاتنا، قراءة الكتاب المقدس، التأمل في اسرار الله والأنسان، اعمال المحبة تجاه الآخر، هناك الكثير من اشجار الجميز على الطريق من حيث سيمر يسوع كل يوم الجميزة لا تحجب رؤيتنا للواقع الأليم الذي نعيشه بل تنقي نظرتنا فنميز يسوع حاضرا في واقعنا الأليم ، نميز يسوع مارا بالقرب منا في الناس اللذين نلتقي بهم كل يوم كل ما علينا فعله هو النظر الى الواقع بحثا عن يسوع لا بحثا عن حلول لمشاكلنا دعا يسوع زكا دعوة عامة امام الملأ جميعا وذلك ليسدد احتياجه للقيمة الأجتماعية فبدل رفض الجميع يمنحه يسوع قبوله الكامل ويرفع من مكانته الأجتماعية لم يتردد زكا في ان ينزل مسرعا الى بيته دلالة على ان زكا ما اراد رؤية يسوع بدافع الفضول بل رغبة حقيقية وعطش كبير للقياه واذ ما تم هذا اللقاء بقرب شديد بعد ان اقام يسوع عنده وسكن قلبه كانت لحظة التوبة عند زكا ،لحظة الندامة الحقيقية والتكفير عن كل خطاياه تجاه الآخرين، كان تحولاً لصورة جديدة ،كان تغيراً يهز الأعماق فيغير سلوك زكا الى ماهو الأفضل لخير الأنسانية جمعاء، كانت ولادة جديدة فقد بدء زكا بنزع الأنسان القديم ولبس الأنسان الجديد ،الأنسان المملؤ بنعمة الروح القدوس ،والسالك بحسب مشيئة الرب يسوع.
شفى يسوع ازمة زكا النفسية بدعوته اياه باسمه امام الملأ ،بقبوله له بكل ما يحمل من عيوب وخطايا ،شفاه يسوع بمحبته الغافرة بعد اعلان زكا لتوبته وعمله التكفيري بارجاع اموال الآخرين اضعافا مضاعفة والآن يشفيه يسوع من ازمته الروحية بمنحه الخلاص لهذا البيت ،وبأعلانه انه ايضا هو من ابناء ابراهيم، وصفة ابن ابراهيم هي رمز واشارة لأبن الله فنحن ابناء الله بالتبني وبسبب رحمة الله الواسعة وعمل يسوع الخلاصي نحن نستحق الخلاص.
والان لنرجع اليك...
هل انت متجه الى حيث سيكون يسوع حاضرا (منتميا الى جماعة مؤمنين)؟
ماهو العوق الذي يمنعك من الالتقاء بيسوع لقاء شخصيا ؟
هل تبحث عن جميزة لتساعد نفسك قليلا لترى يسوع عن قرب؟
هل تعلم ان يسوع سينقي نظرتنا للواقع الذي نعيشه فتتغير طريقة تعاملنا مع هذا الواقع؟
هل اعيش خبرة لقاء شخصي بيسوع؟
هل اعيش الحرية التي نلتها من لقاءي بيسوع؟
حرا من قيود خطاياي، شافيا من آثار جروحاتي الطفولية؟
هل انا في شركة مع الرب يسوع كوني انا ايضا ابن ابراهيم، ابن الله؟
المزيد
02 مارس 2024
إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر أمشير ( لو ۱۷ : ۱ - ۱۰ )
" وقال لتلاميذه لا يُمكن إلا أن تأتي العثرات، ولكن ويل للذي تأتي بواسِطَتِهِ خَيْرٌ لَهُ لو طوّقَ عُنْقُهُ بِحَجَرٍ رحى وطُرِحَ في البحر، مِنْ أَنْ يُعثِرَ أَحَد هؤلاء الصغار. احترزوا لأنفُسِكُمْ وإن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإنْ تاب فاغْفِرْ لَهُ وإن أخطأ إِلَيْكَ سبعَ مَرَّاتٍ في اليوم، وَرَجَعَ إلَيكَ سبعَ مَرّاتٍ في اليوم قائلاً أنا تائب، فاغفر له فقال الرُّسُلُ للرَّبِّ زِدْ إيماننا! فقال الرب لو كان لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، لكُنتُمْ تقولونَ لِهَذِهِ الجُمِّيزَةِ انقلعي وانغرسي في البحر فتُطِيعُكُمْ وَمَنْ مِنكُمْ لَهُ عَبدٌ يَحرُثُ أو يرعى، يقولُ له إذا دَخَلَ مِنَ الحَمْلِ تَقَدَّم سريعًا واتَّكِي بل ألا يقولُ لَهُ أعدد ما أتعَشَّى به، وتمنطق واخد مني حَتَّى أَكُلَ وأَشْرَبَ، وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت؟ فهل لذلك العبد فضل لأنَّهُ فَعَلَ ما أُمِرَ بهِ ؟ لا أظُنُّ كذلك أنتُمْ أيضًا، مَتَى فعلتُمْ كُلَّ ما أُمِرْتُمْ بِهِ فقولوا إِنَّنا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عملنا ما كانَ يَجِبُ علينا "
العثرات :
قال الرب للرسل الأطهار إن العثرات في طريق الملكوت والبلوغ إليه في العالم ولا مفر من وجودها لابد أن تأتي العثرات لأن عدو الخير المقاوم لله، روح الظلمة كائن في العالم، بل هو رئيس هذا العالم والعامل في أبناء الظلمة، وهم إذا يعملون لحسابه ضد المسيح أحد النفوس البسيطة ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسبي كالأطفال إلى سبي الخطايا ويوقعه في فخ إبليس ويل لذلك الإنسان، خير له لو طوّق عنقه بحجر الرحى وطرح في البحر لأنه إن كان المسيح المُخلّص قد أقام الساقطين ورد الضالين وصار طريقًا للمفديين فمن هو ذلك الإنسان الذي يجسر أن يكون عثرة في طريق المفديين بدم المسيح إنه يكون قد باع نفسه للشيطان فمسكين من قد صار له هذا
الويل أما بنو الملكوت فيقال لهم "قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يبرأ اسندوا الضعفاء ، شجعوا صغار النفوس، تأنوا على الجميع". إن الصغار أي النفوس الضعيفة والمبتدئة هي عند المسيح في مركز الاهتمام والحب كمثل الحملان الصغار عند راعي الخراف يحملها على منكبيه ويحميها من كل الأخطار احترزوا لأنفسكم وإن أخطأ إليك أخوك" كان الرب يُخاطب التلاميذ كأطفاله الصغار وكان يحنو عليهم بحبه الفائق فلما كلمهم عن العثرات قال"احترزوا لأنفسكم" وقد كررها كثيرًا ليوقظ فيهم حاسة الإفراز والتمييز والصحو الروحي لأن الفخاخ منصوبة في كل مكان والشيطان طلب أن يغربلهم وكم مرة قال لهم تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين بهذا المفهوم العالي في النظر إلى أخيك وحرصك على خلاصه وأن لا يتعثر في طريق خلاصه، بهذا المفهوم يصير الإنسان مسيحيًا، تابعًا لوصية المسيح من القلب مستنير البصيرة فإن أخطأ أخوك فقد سقط أمامك !! أفلا تقيمه؟
هذا هو جوهر الأمر : إنني أنظر إلى أخي بحب فإن سقط أقيمه أمد يدي وأساعده وأقيل عثرته.ربما ينغلب الإنسان من شيطان الغضب فيسقط أو من فخ تعظيم الذات أو تدليل الذات، أو الكبرياء أو يكون شيطان البغضة وعدم المحبة قد جربه أو أطنان الأفكار التي يبيعها الشيطان لعقل الإنسان أو فخاخ الشياطين المنصوبة حولنا شيء مهول ومن فينا لم يذق مرارة
السقوط إننا ضعفاء ومساكين. إن أخطأ إليك أخوك فوبخه أي عاتبه) وإن تاب فاغفر له وفي موضع آخر قال المسيح "إن أخطأ إليك أخوك اذهب (أنت إليه وعاتبه وإن قبل منك فقد ربحت أخاك وإن لم يقبل خذ معك واحدًا أو اثنين إلخ وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك "، إذن الأمر يرجع إلينا إننا في حال قبول الأخوة نكون قد ربحنا وإن لم يغفر الإنسان لأخيه فقد خسر خسر أخاه وأية خسارة جسيمة هذه أن أخسر أخي !!.
إنه لحمي ودمي هو عضو في جسد المسيح، هو لي كباقي أعضاء الجسد وهل يستغنى الجسد عن عضو فيه؟!. المحبة المسيحية في هذه الحالة ليست كلامًا أجوف أو شعارات بل هي طريق عملي للحفاظ على وحدانية الجسد، وحيويته. كيف أخسر أخي وأعيش هادئ البال؟ شيء مستحيل، بل كيف لا أربحه حتى لو وضعت نفسي عنه إنني مصر على ربح أخي حتى لو حاولت ذلك سبع مرات سبعين مرة في اليوم هذا هو روح المسيح الذي لا يعرف الفشل في خلاص الآخرين إن قبولي لأخي الراجع إلي يرفعني إلى صورة مخلصي، لأنه من يقبل التائب؟ ومن يفرح برجوع التائب؟
المسيح لا يُسر بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا نحن نعمل مع الله، إن كنا بالحقيقة أولاد الله نحن نسعى كسفراء عن المسيح إن كنا بالحقيقة للمسيح.وعمل المسيح الرئيسي هو الفداء وغفران الخطايا حتى للصالبين فكم بالحري للإخوة إن تمتعنا بغفران المسيح
مشروط دائما بغفراننا للآخرين كما علمنا في الصلاة اغفر
لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا فإن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم"وقد قال الرب المثل عن العبد الذي لم يترفق بالعبد رفيقه بل طالبه بما عليه متشددًا ولم يمهله بل عامله بقسوة كيف أن سيد ذلك العبد رجع فطالبه بكل الدين الذي كان قد سامحه به وقال الرب "هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته" (مت ١٨ : ٣٥). قال الرسل إذ سمعوا وصية الرب من جهة الغفران للأخ، قالوا : "زد إيماننا". الأمر إذن كما فهمه الآباء الرسل يحتاج إلى إيمان قوي لتنفيذ وصية المسيح وهذا حق لأن من يستطيع أن يفتح قلبه باتساع ليستوعب أخطاء أخيه مرة وسبعين مرة إلا إذا صدق إيمانه بزيادة في المسيح الذي
يقوي ويعين إن الغفران عمل إيماني بالدرجة الأولى... يحتاج إلى شجاعة وجسارة بها يغلب الإنسان العداوة بالحب ويغلب الكبرياء بالاتضاع ووداعة المسيح وهل بدون إيمان نستطيع أن نفعل شيئًا ؟.
بدون إيمان لا يمكن أرضاء الله !!
ختام فصل الإنجيل هو صمام الأمان لجميع الوصايا وهو إنكار الذات وإن عملنا كل البر نقول إننا عبيد بطالون لم نفعل سوى ما أمرنا به. وأين نحن من عمل كل البر ؟ وأين نحن من هذه الوصايا العالية؟! نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور نحن بالكاد نحب الأحباء وصدرنا يضيق أحيانًا بأقرب الأقربين وبالكاد نجد أسرة متحابة أو أخوة غير متخاصمين لقد زرع الشيطان زرعه وألقى فخاخه وعثراته وتعثر بها كثيرون وسقط آخرون ونحتاج إلى أن تدركنا مراحم الله ليتنا نصلي مع الرسل ونطلب بتوسل إلى المسيح قائلين زد إيماننا وأعطنا هذه النعمة الغافرة تسكن فينا واجعل الحنان في قلوبنا نحو جميع الإخوة فنغفر ونسامح ونطيع وصاياك، وإن فعلنا ذلك فنحن عبيد بطالون طالبون رحمتك ولم نفعل حتى ما أمرنا به فلتدركنا مراحمك سريعًا لأننا قد تمسكنا جدًا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
01 مارس 2024
سهل لنا طريق التقوى
ضمن سلسلة صلوات نصليها في القداس ونتأمل فيها على التوالي نصل اليوم إلى عبارة: "سهل لنا طريق التقوى". ونجد معلمنا بولس الرسول يوصي تلميذه تيموثاوس قائلاً: "وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللَّهِ فَاهْرُبْ مِنْ هَذَا، وَاتَّبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةُ" (اتي ٦: ١١-١٤).
ما هي التقوى؟
التقوى هي مجموع الإيمان والمحبة، ويسبقها الأساس. والتقوى هي المخافة، أي أن يكون الله حاضرا أمامك في كل وقت وفي كل عمل، كما يقول داود النبي: جَعَلْت الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، لأنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلا أَتَزَعْزَعُ" (مز ١٦: ٨). هناك من يتقي الله ومن لا يتقي الله، ومن يعيش في مخافة الله ومن هو بعيد عنها.
أشكال التقوى
التقوى صفة تلازم الإنسان الروحاني المتدين ولها أشكال متعددة
١ - التقوى في الصلاة فتجد منظر الإنسان أثناء الصلاة مؤثرا.
٢- التقوى في قراءة الكتاب: فتجده يقرأ الكتاب المقدس بروحانية واحترام والتزام، فلا ينشغل بشيء آخر مهما كان.
٣- التقوى في الخدمة فتكون خدمته بروح الاتضاع. ٤- التقوى في المال فيستخدم المال الموجود بيده بحكمة وتدبير حسن سواء كان فقيرا أو غنيا. ٥- التقوى في العلاقات علاقاته بالآخرين بها محبة وسلام وبساطة قلب بدون خبث أو دوران أو اصطناع.
٦- التقوى في العمل أو الخدمة فيسهل التعامل معه، ولا يصطدم مع احد.
أمثلة لأناس لم يعيشوا بالتقوى
١- حنانيا وسفيرة قاما بتمثيل دور الأبرار الذين يحضرون ممتلكاتهم ويلقونها تحت أقدام الرسل (أع ٥)، لكنهما كانا يكذبان. أخذوا صورة التقوى الخارجية فغابت عنهم التقوى الحقيقية.
٢- عخان بن كرمي عندما دار شعب إسرائيل حول أريحا فسقطت أسوارها وكان انتصارًا عظيما، ثم هزم الشعب أمام علي القرية الصغيرة وسألوا الله عن السبب، قال: "فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ" (يش ۷ :۱۳)، لأن عخان كان قد سرق من الغنيمة.
أمثلة لأناس عاشوا بالتقوى
١- يوسف الصديق لما تعرض للتجربة وهو بمفرده قال عبارته الخالدة: "كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ" (تك (۳۹ :۹) وصار مثالاً لاجتياز اختبار التقوى بنجاح
٢- أيوب الصديق قال عنه الكتاب "رَجُل كَامِلٌ وَ مُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللَّهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ" (أي ١: ٨).
٣- داود النبي لما وقف كصبي صغير امام جليات الجبار، قال له: "أَنتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفِ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ" ( اصم ١٧ :٤٥). إن حضور الله أمامه في كل حين ومخافة الله الموجودة في قلبه أعطته شجاعة. ٤- دانيال النبي كان في الأسر، وأخذوه لخدمة الملك، وكان لابد أن يأكل من ذبائح الأوثان، "أما دَانِيَالُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلَا بِخَمْرٍ مَشْرُوبِهِ" دا ۱ :۸)، وطلب أن يأكل القطاني (بقوليات) وأن يجربوه، وبعد عشرة أيام نجح في الاختبار لأنه جعل الله أمامه. ٥- كرنيليوس قائد المئة الروماني شخص وثني لكنه: "تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللَّهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ، وَيُصَلِّي إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ حين" (أع ۱۰ :۲) ، لذلك أمر الله بطرس أن يعلمه الإيمان، فتعمد وصار مسيحيًا لأن مخافة الله كانت في قلبه.لو كل إنسان عاش في مخافة الله ووضع الله أمامه في كل حين لا نصلحت كل المجتمعات وأغلقت السجون، وانتهت التوترات، وقلت القضايا. لذلك نصلي: "سهل لنا طريق التقوى".
سهل لنا طريق التقوى"
كل من في موضع مسئولية:
(أ ) الراعي الراعي لا يجب أن يكون عنيفًا، أو متشددًا، أو حرفيا بل يسهل الطريق، مثلاً في:
١- الاعتراف على الراعى أن يتذكر أن الكنيسة علمتنا أن نقول سهل لنا طريق التقوى". ويأخذ مثالاً له حكمة القديس إيسوذورس في تعامله مع القديس موسى الأسود، الذي كان قبل توبته معتادا على الأكل بشراهة، فسهل له الأمر وتدرج معه على مدى زمني طويل، إلى أن صار يصوم يومين يومين. ٢- الصلاة بالأجبية البعض غير معتاد على الصلاة بالأجبية، فلا يُطلب من هؤلاء أن يصلوا السبع صلوات بالكامل، بل يمكن أن تكون البداية بالصلاة الربانية فقط وبعد فترة تضاف صلاة الشكر، ثم مزمور التوبة، ثم بعض المزامير وهكذا .
ب- الآباء والأمهات
هناك آباء متشددون، وأمهات متسلطات. هناك آباء عندهم جمود ولا يتحركون مع الزمن الذي نعيش فيه، وهناك أمهات ناموسيات أو حرفيات. فلا تكن هكذا بل إذا أخطأ ابنك أو ابنتك خذهم في حضنك، واعلم إنك لو كسرت نفس ابنك هذا الكسر لن يُجبر. وعبارة "سهل" لنا طريق التقوى" داخل البيت تشمل التشجيع.يجب أن تفكروا كيف تسهلون طريق الحياة لأولادكم، كيف تسندونهم، وتقفون بجانبهم.ترك الشاب أغسطينوس بيته، ووقع في خطايا، لكن كانت أمه تسهل له طريق التقوى بالنصائح الهادئة وبالتشجيع وبالصبر والوداعة، فعاد أغسطينوس بعد أكثر من عشرين سنة وصارقديسا.
ج- الخدام أحيانًا أمين الخدمة لا يعرف سوى القوانين الجافة، وهذه يمكن أن تكون لها نتائج سلبية. د- الوعاظ بعض الوعاظ يخيفون الناس، ويهددونهم، ويتكلمون عن الموت، لكن البعض الآخر يسهل الطريق فيشجع الأحياء ويقول: "لا تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ" (مي ٧: ۸).
هـ- آباء البرية كانت عند آباء البرية حكمة ومخافة. ففي مرة سألوا أنبا يوسف أيهما أفضل الكلام أم الصمت؟ فكان رده: "إذا كان الكلام من أجل الله فهو جيد،وإن كان الصمت من أجل الله فهو جيد". و- المعلم هناك معلم يجعل الطالب نابغا في المادة التي يقوم بتدريسها، لأنه يسهل المادة ويوصل المعلومة
بطريقة سهلة ولطيفة. وهناك آخر لا يعرف.
خلاصة الأمر في ثلاث نقاط
١- التقوى هي المخافة وهي رأس الحكمة "رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (مز ۱۱۱: ۱۰). فلكي تكون إنسانا حكيمًا عش في مخافة الرب. ويقول معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "روض نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى.. التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْعَتِيدَةِ" ( ١ تي٧:٤، ٨)
٢- لكي تعيش في التقوى اجعل حياتك كلها شكر ورضى واحتمال ابتعد عن الضيق والتذمر والشكوى والتأفف.
٣- لكي تعيش في التقوى يجب أن يكون قلبك مفتوحًا بالمحبة لكل أحد، لتستطيع أن تسهل حياة الآخرين. إن كنت تنتقد الآخرين وتدينهم فكيف ستسهل طريقهم؟ يقول معلمنا بولس الرسول:قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وفِي الْمَعْرِفَةِ تَعففًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي
الْمَوَدَّةِ الأخوِيَّةِ مَحَبَّة" ( ۲بط ١: ٥-٧). إذن هناك علاقة بين الإيمان والمحبة التي تمارسها في حياتك اليومية وأنت تعيش بالتقوى.
تدريب
إن تسهيل طريق التقوى هو أحد مبادئ الحياة الناجحة فليت كل واحد منا يسهل الطريق للآخرين، ويساعدهم، ويقويهم، ويشجعهم،ویسندهم.سهل حياة من حولك في المجتمع، أسرتك، الجيران، الأحباء لا تكن ممن يعقدون الأمور ولا تكن عقبة ولا تكن مصطدم، بل كن حلالاً للمشاكل، واجعل حياتك بسيطة وجميلة.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
29 فبراير 2024
فصح يونان (يو ۲ : ۱۲ - الخ)
وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبيعُونَ بَقَرَاً وَغَنَماً وَحَمَاماً، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلْبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ارْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لَا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تجَارَة». فَتَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». فَأَجَابَ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «أَيَّةَ آية تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٌ وَأَرْبَعِينَ سَنَةٌ بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا ، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ. وَلَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لَأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ]. .
التوبة في سفر يونان
التوبة في العهد القديم تختلف عنها في العهد الجديد. توبة العهد القديم، والتي تمثلها توبة أهل نينوى خير تمثيل هي توبة مؤقتة وقتية. أما التوبة في عهدنا الجديد فهي حياة، توبة غير موقوتة. الكنيسة في المفهوم الأرثوذكسي السليم جماعة تائبين، والأسقف هو تائب أول يقود تائبين ومن هم الرهبان إلا جماعة هي تحيا في التوبة.خطية آدم الأولى والعظمى ليست هي الكبرياء أو العصيان، أو أنه يريد أن يكون مثل الله، فكل هذه الخطايا من الممكن أن الله يتنازل ويعفو عنها؛ ولكن خطيته الأساسية هي عدم التوبة، لم يقل الله أنا أخطأتُ . سامحني واغفر لي. لو كان آدم قدم توبة، لكان الله في الحال قد سامحه. ولكن لأنه لم يتب هو وحواء وقع القصاص بالكامل عليهما. الله لا يرحم إطلاقاً إنساناً يرفض التوبة، لن تشرق شمس رحمته على من يستهتر بها.في قصة توبة أهل نينوى ينكشف لنا سر عجيب من أسرار أحكام الله، هو أن أحكامه ليست نهائية، ليست أحكام قابلة قضاء مُبرماً، بل هي هي للاستئناف والنقض والمراجعة وما على الخاطئ إلا أن يترافع ويُقدِّم توبة. أوضح مثلين يؤكدان هذا المعنى نراهما أولاً في توبة أخآب الملك، كنموذج لتوبة فردية، هذا الشخص الذي صار عنواناً للشر والخطية، ولكن عندما أمر الرب بإهلاكه، قاب أخاب قال الله لإيليا: "أرأيت كيف اتضع أخاب أمامي؟"، وكانت النتيجة أن عفا الرب عن أخآب.
المثال الثاني هو في رجوع الله عن دينونته وعقابه لنينوى وشعبها الوثني كنموذج للتوبة الجماعية.يجب أن تتغير ذهنيتنا عن مفهوم قضاء الله . لأننا كلما ضحمنا في مفهوم صرامة الله ؛ كلما قطعنا على أنفسنا خط الرجعة. في مثل المسيح عن الوزنات، قال صاحب الوزنة الواحدة: "علمت أنك صارم " ...هنا نحن أمام إنسان لا يؤمن برحمة الله، لا يُصدِّق أن الله يمكن أن يقبل التوبة. لذلك عندما وضع هذا الشخص في نفسه أن الله خصم قاس، لا يشفق ولا يرحم، . عامله الله على هذا المبدأ. فنحن الذين تحدد طريقة معاملة الله لنا.«فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طرقهم الرديئة ندم على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه». إنه حكم استئناف في صالح نينوى، ولكن ما حدث لا ينم فقط عن رحمة الله أو محبته؛ ولكنه يُظهر أن الله عنده إمكانية التراجع عن قضائه. فالخاطئ الذي وقع عليه الحكم يُعطيه الله مهلة ليُصلح نفسه، فإذا استطاع أن يعمل أعمال توبة واتضاع؛ فإن الله يرفع غضبه ويتراجع عن حكمه. إذن تغيير الأمر ليس من ناحية الله، ولكنه يرجع بالأساس للإنسان. فلو لم تتضع نينوى لكانت قد انقلبت مثل سدوم، ولو لم يتضع أخآب لكان قد تم هلاكه فعلاً.
موقف يونان من نينوى
في الحقيقة نحن لا يمكننا أن نقول ونجزم أن يونان مخطئ، فالرب تحدث معه بلطف، ولم يقل له أنت أخطأت وحيث أنك لم تطع أمري، فأنا سحبت ثقتي فيك، وسأختار نبياً آخر بدلاً منك، كما فعل ذلك سابقاً مع إيليا النبي، عندما خاف وهرب من إيزابل عاصيا أمر الله، فأمر الرب برسم أليشع بدلاً من إيليا.ولكن لماذا اغتاظ يونان؟ لماذا قال له الرب هل اغتظت بالصواب؟
في الحقيقة إن يونان كان يعرف بالضبط من هو الله. يونان كان يعرف قلب الله الرحيم، وأنه لا يمكن أن يُهلك المدينة. بالتأكيد كان يونان قد عرف أن الرب من بعد الطوفان لن يعود يعاقب الإنسان بحسب أعماله. ولكن كان يونان يعيش في جو الناموس الذي يُعرِّفه أنه طالما قال الله كلمة، فلابد أن ينفذها، فهنا يونان يدافع عن إلهه الذي في الناموس. سفر يونان قائم على الانتقال من الحرف الذي يقتل إلى الروح الذي يُحيي، من وضع الناموس الذي كل من يتعداه ينال جزاءه إلى مراحم الرب التي تغفر للخاطئ وتسامحه عن ماضيه.
سؤال الرب ليونان هل اغتظت بالصواب"، هو صوت لنا جميعاً.فرحمة الله لا يجب أن تزعجنا.
للأسف نحن مازال فينا إحساس أن الله يجب أن يكون عادلاً وحقاني!! كم مرة وقفنا أمام الله وشكونا له من هذا وذاك، وطالبناه بأن ينتقم لنا منهم، وسألناه لماذا يتركنا هكذا أين عدله، أين جبروته؟!!
ولكن عندئذ يرد علينا صوت الرب قائلاً لنا: إذا أنت أردتني أن أستخدم عدلي؛ فأول من سينطبق عليه قانوني وعقابي هو أنت. فعدوك وخصمك لا ينادي بالعدل والحق، فأنا لن أطبق عليه قانون العدل، ولكن أنت الذي تُطالب توقيع القانون على غيرك عليك أن تقبل أن يُنفذ عليك أولاً. وهنا سيطالبك الله أن توفي كل ديونك وأخطائك التي صنعتها، بل سيذكرك بها، ولن تخرج من أمامه إلا بعد أن توفي فلسك الأخير.في الحقيقة إن الرب لو طبق العدل، فهو عندئذ لن يحابي، سندخل جميعنا في قفص الاتهام. فنحن جميعاً قدام عدل الله مدانون، وأمامه سوف يستد كل فم.
كان يونان يحس بأنه أفضل من هذه الأمم الوثنية. مصيبتنا، نحن المسيحيين، أن كل واحد سار قليلا في الطريق الروحي يحتقر الذي وراءه. وكل من صعد خطوة على السلم ينظر من فوق ويرى الذي تحته أنه أقل منه !! وللأسف هذه خطية كل من جاهد أكثر من غيره في أي ممارسة نسكية، فيبدأ يتعصب لنفسه ويرثي لحال غيره متعالياً عليه.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
28 فبراير 2024
اليوم الثالث من صوم يونان (مت ٣٢:١٥ الخ؛ ١٦: ١- ٤)
وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلَامِيذَهُ وَقَالَ: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الْآنَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُتُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ وَلَسْتُ أُريدُ أَنْ أَصْرفَهُمْ صَائِمِينَ لَكَلَا يُحَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ». فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ حُبْرٌ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعاً هذَا عَدَدُهُ؟». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَمْ عندكُمْ منَ الْخَبْز؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ». فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِتُوا عَلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتِ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسْرَ وَأَعْطَى تَلَامِيذَهُ، وَالتَّلَامِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَلِ مَمْلُوءَةِ، وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاف رَجُلٍ مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلاَدَ. ثُمَّ صَرَفَ الْجُمُوعَ وَصَعِدَ إِلَى السَّفِينَةِ وَجَاءَ إِلَى تُحُوم مَجْدَلَ وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُوقِيُّونَ ليُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْرٌ لأَن السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. وَفِي الصَّبَاحِ الْيَوْمَ شِتَاء لأَنّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةِ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلامَاتُ الأَزْمَنَةِ فَلَا تَسْتَطِيعُونَ جِيلٌ شَرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلَا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلَّا آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى]
سفر يونان والمضمون النبوي
من هو هذا المدعو يونان؟ هو إنسان نبي، من العبرانيين، أتاه صوت الرب هكذا: «وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة».ويقول الكتاب إنَّه قام وهرب إلى ترشيش من وجه الرب، وذهــب
وهاج البحر. السفر لم يوضح أكثر من . هذا، وطبعاً إن أي عدم توضيح في الأسفار أو الإنجيل ليس معناه قصوراً أو خللاً في التدوين؛ ولكنه فسحة في الفكر العميـــق وللنفس المتأملة، لتستوعب الأشياء التي لا يمكن أن تكتب في سطور.صوت الرب يقول ليونان: اذهب وبشرها لأن شرها صعد أمامي. فهرب ونزل في بطن الماء وبقى فيه ثلاثة أيام وبالتعبير الكتابي، المسيح نزل إلى الهاوية ثلاثة أيام وثلاث ليالي ويونان نزل إلى العمق في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليالي وبتعبيره هو قال: صرخت من جوف الهاوية». وهكذا يبدو سفر يونان تطبيقياً، وكل سطر وكلمة فيه تشير إلى المسيح بصورة قويـــة جداً. وهنا يمكن اعتبار يونان بمثابة يوحنا المعمدان في العهد الجديد الصارخ ليعد طريق الرب.
يونان رمز حي بشخصه، يمثل المسيح.
عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدسة، والأربعين إلى الصليب ثم
القيامة، تماماً كما نزل يونان الماء ثم ذهب لنينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله وكأنها وفاء أقصى مدة مُحددة للهلاك. لكن الــرب وفاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها.
أما هروب يونان وكأنه يستصعب الدعوة، لكنه بعد أن نزل في الماء وظل فيها ثلاثة أيام حدث له شيء ما، لأنه بعد أن ألقاه الحوت على الشاطئ، قال له الرب ثانية بنفس الألفاظ الأولى: «قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد لها بالمناداة التي أنا مكلمك بها»، فانصاع يونان هذه المرة وكأنما تجدد فكــــره بعد أن اعتمد لنينوى ثلاثة أيام في العمق !
هنا شيء سري .حدث. وكأنما النزول في الماء- معمودية يونان هو اجتياز الموت والقيامة لنينوى.وضعت الكنيسة هذا السفر أمام أعيننا لكي نستوعبه لأنفسنا، لأن ليونان
ونينوى رسالتين في حياتنا. فيونان يضع لمسات صورة المسيح القادم من بعيد.ونينوى تبكتنا بشدة: رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي».
«هذا الجيل»، لا يقصد به الوحي زمن جيل المسيح فحسب، ولكن كل جيل فيه الشرير والفاسق يكون هو هذا الجيل». إنه جيل قايين وجيل يهوذا،الجيل الصالب، هو .
ممتدحتى هذا اليوم وقد يبدو هنا قسوة في كلام المسيح، ولكن الأمر ليس هكذا، فالفسق. والشر في الإنجيل مقصود به الوضع الروحي وليس الجسدي (فالوضع الجسدي يمكنه بطعنة في الضمير الحي من سيف كلمة الله أن يُحوّل أشــــر الناس إلى القداسة). فالشر الروحي هو أن نعبد غير الله، أن نرتمي في أحضان الشيطان. هذه هي الخيانة الزوجية. لأن المسيح اتخذ الكنيسة لنفسه عروساً، حسب نفسه عريساً للكنيسة: «لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح». أما جيل المسيح الذي هو جيل الرسل فهو جيل مستمر وممتد فينا وبنا حتى الآن. إنه الجيل الشاهد للمسيح حتى آخر يوم في تاريخ البشرية.
يطلب آية ربما يريد هذا الجيل من الله أن يرسل ناراً من السماء؟ أو يسقط لهم منا سماوياً. ولكن ألم يسبق وأن قدَّم لهم المسيح الطعام في معجزة إكثار الخمس خبزات والسمكتين إنجيل) اليوم الثالث من صوم يونان)؟ ولكن لنتبه لأنفسنا جيداً لأن الآية لا تزيد الإيمان، ولكن الإيمــــان بحد ذاته آية. فالمسيح لم يستطع أن يصنع في الناصرة قوات كثيرة لعــــدم إيمانهم (راجع مت١٣: ٥٨).
لن يستطيع المسيح أن يعمل لك آية في حياتك إن لم يسبقها إيمان.يحتاج لآية «آية يونان النبي»، لن تنفع هذا الجيل الشرير آيات السماء؛ ولكنـــه وحيدة تقيمه من موت الخطية وآيته هي آية يونان، إنها آية الموت، فيونان في عُرف المنطق والعلم كان يتحتم أن يموت في بطن الحوت يونان مات، نعم مات، والرب أقامه.ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء، وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتكفر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة. وما أجمله موتاً ذلك الذي نموته كــــل يوم من أجل الآخرين!
يقول البعض إن يونان يُمثل الابن الأكبر في (مثل الابن الضال)، لأن نينوى لما خلصت حزن يونان وصار مثل الابن الأكبر الذي لم يُرِدْ أن يدخل البيت ولكن الحقيقة هي أن يونان تمنع من الذهاب لنينوى لئلا يبشرها بالخراب، هو يعلم يقين العلم أن الله طويل الأناة بطيء الغضب، وسيـــصفح عنها حتماً في النهاية. لذلك هرب يونان لئلا يواجه محنتين : محنة التبشير بالخراب، وهو عسر كل العسر على النفس الوديعة ومحنة رجوع الله عن غضبه، فيظهر يونان وكأنه . يسخر من شعب غريب!
ولكن أين يهرب يونان من وجه الله؟ فالله دائماً يُطارد الخادم الهارب. فكل إنسان يمكن أن يهرب من وجه الله، إلا من سمع صوته وحمل نيره وقبـــل اسمه القدوس
فيونان (في الفكر القبطي) لا يمثل الابن الأكبر الحزين علـــى خـــلاص الآخرين، ولكنه مثال المسيح الفادي المخلص فيونان هو نبي الفداء المبدع.
في إنجيل لوقا إشارة سرية للغاية تكشف عن حدوث صلة توبيخ لأهل نينوى بسبب المخاطرة العظمى والموت المحقق الذي تعرض له يونان من أجلهم: «وكما كان يونان آية لأهل نينوى؛ كذلك ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل». إذا فقد بلغ أهل نينوى أن يونان عبر محنة الموت في داخل بطـــــن الحوت ثلاثة أيام، ثم قام من أجل خلاصهم.قصد الإنجيل أن يوضح أن يونان بنفسه، وليس بكرازته فقط كان آيــــة لأهل نينوى. هكذا ابن الإنسان فهو بنفسه، وبموته وقيامته آية هذا الجيل.
صلاة يونان
إن صلاة يونان المزامير الجديدة للسائرين في طريق الجلجثة والتي هي حتماً تردد قرارها في السماء كل الرواح المبرّرة في المجد. إنها السلم الجديد الذي نرتفع عليه لكي نطل خلسة إطلالة سريعة على المجد المعد. نعم، هكذا يغتصب ملكوت السموات بصلاة كصلاة يونان وهو في عمق الهاوية.
اليوم، يا أحبائي، هو يوم التوبة الغاصبة لميراث القديسين وميراث ابن الله.اليوم مفهوم جديد لمعنى الكرازة بالبذل حتى الدم. اليوم، دعوة للكارز ليسلك طريق النجاة لنفسه وشعبه، للراعي والرعية. هذه نينوى تعطينا صورة حاسمة لكل دقائق ومعنى استرضاء وجه الله.يا رعية الله، صغيرها وكبيرها شيخها وطفلها مريضها وسليمها، هذه
نينوى أمامنا آية.ويا كارزي المسكونة، ويا واعظي الكنيسة، هوذا يونان لكم اليوم مثل يُحتذى، كيف كان؟ وماذا صار؟ فيونان قبل أن يدخل محنة الموت بلياليها، ما كان نافعاً لا لنينوى ولا لنفسه، حيث كان سيذهب إلى ترشيش ليأكل الخرنوب مع الخنازير.وها هوذا يونان بعد أن صلى من عمق التجربة وأهوال الموت، يُرينا كيف جاز التجربة حتى النهاية، وصار يونان كارزاً بشبه المسيح، وحسب له موته بشبه فداء. وهكذا تكرم يونان بهذه التجربة، فصار هـو الـنبي الوحيد الذي أخذه المسيح ليضعه نموذجاً لموته وقيامته! وآية للتائبين!!
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
27 فبراير 2024
اليوم الثاني من صوم يونان (لو ۱۱: ۲۹ -٣٦)
وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ: هَذَا الْجِيلُ شَرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلَا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلَّا آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ، لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةٌ لِأَهْلِ نِينَوَى، كَذَلِكَ يَكُونُ ابْنُ الْإِنْسَانِ أَيْضاً لِهَذَا الْجِيلِ. مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ هَذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هُنَا رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةٍ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا! لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيَضَعُهُ فِي خِفْيَة، وَلَا تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ. سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيْراً، وَمَتَى كَانَتْ شَرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلماً . انْظُرْ إِذَا لِئَلَّا يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظُلْمَةٌ. فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ نَيْراً لَيْسَ فِيهِ جُزْءٌ مُظْلِمٌ، يَكُونُ نَيْراً كُلُّهُ، كَمَا حِينَمَا يُضِيءُ لَكَ السِّرَاجُ بِلَمَعَانِهِ ] .
صوم يونان والأربعين المقدسة
أيها الأحباء، إن قصة صوم يونان ومن إحكام وضعه قبل الأربعين المقدسة هو إلهام بالروح، نُدرك من خلاله أهمية الصوم سواء لدى الله الذي يجازي، أو الإنسان الذي يتوب. فليست توبة بلا صوم، إن كان حقاً بخوف الله وبصراخ صادق من القلب، فإنه قادر أن يفتح باب الرحمة لتتدفق إحسانات الله بدل عقاب التأديب. فهو الإنقاذ الوحيد من حـــرج موقف الخاطئ حينما يسمع ! بأذني قلبه أن . الله قد فرغ وتعدَّت الخطايا صبر حدود اللياقة، خاصة إن كان الإنسان قد تزيَّا بزي الأتقياء، فلم يصدر منه إلا الخطايا والعيوب تحت اسم التقوى الكاذبة وصورة أعمالها وأقوالها التي يُصدقها الناس ويمدحونها بشبه نينوى العظيمة.وقد حسب المسيح أن صوم الجسد هو توطئة لازمة لقهر الشيطان، إذ بعد ما أكمل صومه جاع، وكأن الجسد بجوعه أعطى فرصة للشيطان أن يتقدم، بعد أن كان ممنوعاً من الاقتراب طيلة الأربعين؛ إذ كان الصوم حداًمن نار يُرعب الشيطان. لذلك كانت أهمية وصية الصوم.
عجیب حقاً، يا إخوة أن يترك لنا المسيح مثال صومه لنسير على إثــــر خطواته لننال قوةً وانتصاراً. وهل يمكن أن نسير خلفه حاملين الصليب إلا بعد أن نجوز خبرة صومه وجهاده وننال قوة ونصرة من حياته؟ إن صوم المسيح هو جزء لا يتجزأ من صعوده على صليب موته وفدائه. فإذا كانت القيامة سبقها ،موته فموته سبقه صيامه.ثم أليس صوم المسيح يُخزي القائلين بأن الصوم عمل سلبي؟ فما صــام المسيح لكي يضبط الجسد، وما صام ليتغلب على شهوات أو انحرافات؛ ولكنه صام بتدبير الآب؛ لأنه لم يذهب إلى البرية ليصوم بمشيئته، ولكـــن يقول الكتاب بوضوح: «ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح»، لا هروباً من تجربة إبليس، بل لكي يواجهها. فكان صومه سلاحاً إيجابياً جبـــارا كقاعدة انطلق منها ليواجه تجارب إبليس.
بهذا الوضع قدَّم المسيح لنا الصوم كقاعدة إيجابية نواجه بهــــا إبليس ونتحداه: «أما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم»، لأن المسيح يعلم أنه بالصوم يرتقي العقل الواعي فوق الجسد ومشاغباته، فيكون العقل مستعداً أن يحتمل أشد الضربات وأسوأ الحوادث المفاجئة التي يسوقها العدو لانهزامنا، ولكن يقف الإنسان صاحياً كأسد لا يهتز. فالصوم انحياز كلي للوعي الروحي، بل هو انحياز لقوى الروح ومشورة السماء. وبدونه يستحيل أن يقول إنسان إني قد طلبت مع المسيح. فالذي
يقبل أن يُصلب يكون سبق وقدَّم الجسد على مذبح الصوم أولاً.
و [أنا] الإنسان يستحيل أن تقبل أن تصلب مـــع المسيح إلا بعد أن تتحرر الأنا، من عبودية الجسد أولاً، وهذا لا يتم إلا بالصوم. لأن الذي يقول: "أنا طلبت مع المسيح، فهذا يعني أنه قد مات بالجسد العتيق والجسد العتيق لا يمكن أن يذوق الموت إلا بالصوم.لذلك يُحسب الصوم في أقوى حالاته أنه شريك القيامة، أو هو قوة للذين يعيشونها.
ثم ما السر المخفي وراء الصوم الشديد وضياع قوة الجسد؟ هــذا نعرفه بصورة خاصة جداً من ملاك إيليا الذي استحضر له كعكة وكوز ماء ليأكــــل بعد أن سار يوماً كاملاً بلا أكل ولا شرب إلى أن جاء وجلس تحت الرتمـــة. فلما أكل الكعكة وشرب الكوز نام من الإنهاك، فمسه الملاك وأيقظه واستحضر له كعكة ثانية وكوز ماء وقال له: "قم وكُل، لأن المسافة كثيرة عليك. فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة مدة أربعين يوماً حتى بلغ جبل حوريب. وفي النهاية رأى إيليا الرب وتكلم معه وأخــــذ توبيخاً وأخذ رسالة. وكأنما أُعطي الصوم للإنسان ليرى وجه الله ويسمعه ولولا أن شعب إسرائيل صنع حماقة وطلب خبزاً في البريـــة ومــــاء كـــار الأربعين سنة بأكلة الفصح حتى دخل أرض الميعاد. فالذي سار أربعين يومــــاً وأربعين ليلة بأكلة وشربة ماء؛ لا يصعب عليه وهو تحت يد الله أن يسير بهــــا الأربعين سنة. ويتم قول الأمثال: بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعب».وفي الحقيقة يا إخوة إننا لو فحصنا بالروح سر قيام الإسقيط حتى اليوم ودوامه، وما وراء ما خلفه لنا شيوخه الأماجد من كنوز تركوها لنا ميراثاً نعتز به؛ لوجدنا الصوم هو الكتر الأكبر، تركوه لنا مختبئاً في برية، فبعنــا العـــالم واشترينا البرية لنفوز بالكنز !
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
26 فبراير 2024
اليوم الاول من صوم يونان (مت 12 : 35 – 45)
"الانسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات و الانسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور و لكن اقول لكم ان كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساب يوم الدين لانك بكلامك تتبرر و بكلامك تدان حينئذ اجاب قوم من الكتبة و الفريسيين قائلين يا معلم نريد ان نرى منك اية فاجاب و قال لهم جيل شرير و فاسق يطلب اية و لا تعطى له اية الا اية يونان النبي لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام و ثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام و ثلاث ليال رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل و يدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان و هوذا اعظم من يونان ههنا ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل و تدينه لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان و هوذا اعظم من سليمان ههنا اذا خرج الروح النجس من الانسان يجتاز في اماكن ليس فيها ماء يطلب راحة و لا يجد ثم يقول ارجع الى بيتي الذي خرجت منه فياتي و يجده فارغا مكنوسا مزينا ثم يذهب و ياخذ معه سبعة ارواح اخر اشر منه فتدخل و تسكن هناك فتصير اواخر ذلك الانسان اشر من اوائله هكذا يكون ايضا لهذا الجيل الشرير"
يونان ونينوى ونحن
ليس عبثاً وضعت الكنيسة هذا الصوم المبارك في هذا الوقت بالذات، فترتيب الكنيسة دائماً مُلهَم. تعلمون أننا قادمون على الصوم الأربعيني المقدَّس. والكلام هنا مركَّز وموجَّه. فكلمة "الأربعيني" ذات أهمية خاصة. ذلك لأننا قادمون على موت يجوزه المسيح عن البشرية كلها، أو هو استبدال موت بهلاك، ذلك لأن البشرية كلها كانت في حالة هلاك أو مشرفة على هلاك وإبادة لا تقل عن إبادة الطوفان(2)، وذلك بسبب تعاظم سلطان الخطية وهذا ما حدا بالابن المبارك أن يترك مجده ويلبس بشريتنا ويتألَّم لكي ينقذ البشرية. لقد قدَّم نفسه للموت عوضاً عن هلاك البشرية ثم قام، فصار موته وقيامته مصدر خلاص وتوبة لا تنتهي. صار آية لكل مَنْ يريد أن يرث - لا أن يرى الإنسان بعد آية - بل يرث السماء نفسها. فهذا هو موت المسيح وقيامته. وهذا هو الصوم الأربعيني الذي صامه الرب عن البشرية كلها، ليوفِّي عنها كل نقص في نسك أو في صوم والكنسيون منكم يتذكَّرون أننا لازلنا نردِّد ألحان عيد الظهور الإلهي، أي التعميد الذي لا يتم حسب الطقس إلا بالتغطيس الكامل تحت سطح الماء(3)، أي في عمق المياه - أو بتعبير قصة يونان - نزل إلى بطن الماء. لذلك لما خرج المسيح من الماء اعتُبر ذلك مسحة خَدَم بها، تلك التي تقدَّم بها للدخول في صوم الأربعين يوماً، ثم إذا تجاوزنا الزمان أو التـزمنا بالطقس الكنسي ندخل مباشرة في أسبوع الآلام ثم الموت فالقيامة وهكذا يأتي صوم يونان قبل الأربعين المقدَّسة حاملاً معاني ورموزاً كثيرة ما بين الغطاس والموت على الصليب!!
نعود إلى يونان. ونسأل: مَنْ هذا المدعو يونان؟
إنسان نبي، من العبرانيين، أتاه صوت الرب هكذا «وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة » (يون 1: 1 و2)فقام يونان، يقول الكتاب إنه "قام وهرب" إلى ترشيش من وجه الرب، وذهب وهاج البحر السفر لم يوضِّح أكثر من هذا، وطبعاً إن أي عدم توضيح في الأسفار أو الإنجيل ليس معناه قصوراً أو خللاً في التدوين ولا حتى سهواً، ولكنه فسحة للفكر العمق وللنفس المتأمِّلة، لتستوعب الأشياء التي لا يمكن أن تُكتب في سطور. وأتمنَّى أن يكون هذا الكلام له صدى عند السامع، لأن كثيرين يشتكون من غموض بعض المواضع في العهد القديم؛ بل وفي الإنجيل أيضاً.
صوت الرب يقول ليونان: اذهب وبشِّرها لأن شرَّها صعد أمامي. فهرب ونزل في بطن الماء وبقي فيه ثلاثة أيام، وبالتعبير الكتابي، المسيح نـزل إلى الهاوية ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. ويونان نـزل إلى العمق، في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبتعبيره هو قال: «صرختُ من جوف الهاوية» (يون 2: 2)، وهكذا يبدو سفر يونان تطبيقاً ورؤيويًّا، وكل سطر وكلمة فيه تشير إلى المسيح بصورة قويَّة جداً. وهنا يمكن اعتبار يونان بمثابة يوحنا المعمدان في العهد الجديد الصارخ ليعد طريق الرب يونان رمز حيٌّ بشخصه، يمثِّل المسيح. عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدَّسة، والأربعين إلى الصليب ثم القيامة. تماماً كما نـزل يونان الماء ثم ذهب لنينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً لها: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله - وكأنها وفاء أقصى مدة محدَّدة للهلاك(4). لكن الرب وفَّاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها أما هروب يونان، فكأنه يستصعب الدعوة، لكنه بعد أن نـزل في الماء وظلَّ فيها ثلاثة أيام حدث له شيء ما. لأنه بعد ما ألقاه الحوت على الشاطئ، قال له الرب مرَّة ثانية بنفس الألفاظ الأُولى: «قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ لها بالمناداة التي أنا مُكلِّمُكَ بها» (يون 3: 2)، فانصاع يونان وكأنما تجدَّد فكره بعد أن اعتمد لنينوى ثلاثة أيام في العُمق!!
هنا شيء سرِّي حدث. وكأنما النـزول في الماء - معمودية يونان - هو اجتياز الموت والقيامة لنينوى.
يا للعجب على الإشارات البليغة، يا للكنيسة التي تستطيع باللمسات الخفيفة أن تحدِّد صوماً محدَّداً أو عيداً معيناً. تحديدات كلها إلهام ورؤيا لمَنْ يريد أن يسمع أو أن يرى، وليس كالكتبة والفريسيين الذين قالوا له: «نريد أن نرى آية»، متغاضين عمَّا حدث من قبل وضعت الكنيسة هذا السفر أمام أعيننا في هذه الأيام لنستطيع أن نستوعبه لأنفسنا: أولاً في يونان، وثانياً في نينوى. لأن ليونان ونينوى رسالتين لنا في حياتنا. فيونان يضع لمسات صورة المسيح القادم من بعيد. ونينوى تبكِّتنا بشدَّة: «رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلاَّ آية يونان النبي.» (مت 12: 41 و39)«هذا الجيل»، لا يقصد به الوحي زمن جيل المسيح فحسب - كما يقول أغلبية الشرَّاح - ولكنه هو هذا الجيل أي كل جيل شرير وفاسق. كل جيل فيه الشرير والفاسق، فهو «هذا الجيل». أما جيل المسيح الذي هو جيل الرسل فهو جيل مستمر فينا وبنا حتى الآن. وأنتم تسمعون الكاهن يقول: "اذكر يا رب كنيستك الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية"، ثم تسمع في المجمع أسماء البطاركة حتى آخر بطريرك. فالكنيسة ممتدَّة من المسيح والرسل إلى هذا اليوم. فهو جيل واحد، هو جيل المسيح، وهذا اسمه. الجيل الشاهد للمسيح حتى آخر يوم في تاريخ البشرية، جيل ممتد، الجيل الطيب القديس الطاهر أما الجيل الآخر فهو جيل قايين، وجيل يهوذا، الجيل الصالب، هو أيضاً ممتد حتى هذا اليوم، فيه يهوذا وفيه الصالب أيضاً «جيل فاسق وشرير»، قد تبدو هنا قسوة في كلام المسيح، ولكن ليس الأمر كذلك. هو جيل فاسق وشرير لأنه زاغ عن الله. وإذا سمعت عن "الفسق والشر" في الإنجيل فلتفهم أنه يقصد الوضع الروحي وليس الجسدي (لأن الوضع الجسدي يمكنه بطعنة في الضمير الحي من سيف كلمة الله أن يحوِّل أشر الناس إلى القداسة). الشر الروحي، هو أن نعبد غير الله، أن نرتمي في أحضان الشيطان، هذه هي الخيانة الزوجية. لأن المسيح اتخذ الكنيسة لنفسه عروساً، حسب نفسه عريساً للكنيسة: «لأني خطبتكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح.» (1كو 11: 2)«جيل فاسق وشرير يطلب آية»، هل يريد من الله أن يرسل له ناراً من السماء؟ أو يرسل له منًّا من السماء يأكله ويشبع؟ ألم يقدِّم لهم الطعام في معجزة إكثار الخمس خبزات والسمكتين (إنجيل اليوم الثالث من صوم يونان)؟ ولكن لننتبه لأنفسنا جداً لأن الآية لا تزيد الإيمان، ولكن الإيمان بحد ذاته آية!! تذكرون قول الإنجيل إن المسيح «لم يصنع هناك (في الناصرة) قوات كثيرة لعدم إيمانهم» (مت 13: 58). لن يستطيع المسيح أن يعمل لك آية في حياتك إن لم يسبقها إيمان «ولا تُعطَى له آية إلا آية يونان النبي»، جيل فاسق شرير، وخطيته شنيعة جداً. لن تنفعه الآيات من السماء. ولكن آيته الوحيدة هي التي تقيمه من موت الضمير، وآيته هي آية يونان النبي، آية الموت لأن يونان في عُرف المنطق والعلم أنه كان يتحتَّم أن يموت في بطن الحوت، يونان مات، نعم مات، والرب أقامه، ولكن لمَنْ كان الموت؟ ما أجمله موتاً ذلك الذي نموته كل يوم من أجل الآخرين! ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتكفِّر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة!!
الشرَّاح الغربيون يقولون عن سفر يونان أنه سفر خرافي، أما المتساهلون منهم فيقولون عن يونان إنه يمثِّل الابن الأكبر (في مَثَل الابن الضال)، لأن نينوى لما خلصت حزن يونان وصار مثل الابن الأكبر لم يُرِدْ أن يدخل البيت لا، لم يحدث هذا، الحقيقة العميقة هي أن يونان تمنَّع من الذهاب لنينوى لئلاً يبِّشرها بالخراب!! ولأنه يعلم يقين العلم أن الله طويل الأناة بطيء الغضب، وسيصفح حتماً في النهاية. لذلك هرب يونان لئلا يواجه محنتين: محنة التبشير بالخراب، وهو عسير كل العسر على النفس الوديعة؛ ومحنة رجوع الله عن غضبه، فيظهر يونان وكأنه يسخر من شعب غريب. ولكن أين يهرب يونان من وجه الله؟ فالله دائماً يطارد الخادم الهربان. فكل إنسان يمكن أن يهرب من وجه الله، إلاَّ من سمع صوته وحمل نيِّره وقَبـِلَ اسمه القدوس في الفكر القبطي يونان ليس هو الابن الأكبر الذي حزن على خاص نينوى، ولكنه مثال المسيح. هو نبي الفداء المبدع، لا يقلُّ بل ربما يزيد عن كل الأنبياء في العهد القديم، رقة ورهافة، لا يماثله في هذه الرهافة والرقة إلاَّ نبي واحد مظلوم مثله، هو أيوب.يونان لم يحتمل أن يكون كارزاً بالخراب. وفي إنجيل لوقا إشارة لطيفة جداً ولكنها سرية للغاية، تكشف عن حدوث صلة توبيخ لأهل نينوى بسبب المخاطرة العظمى والموت المحقَّق الذي تعرَّض له يونان من أجلهم: «وكما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل.» (لو 11: 30)إذاً، فقد بلغ أهل نينوى أن يونان عبر محنة الموت في داخل بطن الحوت ثلاثة أيام، ثم قام من أجل خلاصهم!!هنا يقصد إنجيل لوقا أنه كما كان يونان بنفسه (وليس بكرازته فقط) آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان بنفسه آية لهذا الجيل، أي بموته وقيامته من الصعب جداً، يا إخوة، أن نتكلَّم كثيراً عن ضغطة الموت على مدى ثلاثة أيام بلياليها التي جازها يونان، ولكننا نعرفها أكيداً في تطبيقها على المسيح لما مكث ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في الهاوية ثم قام: «سبى سبياً وأعطى الناس عطايا (أي كرامات)» (أف 4: 8)، قام «ونفخ (في وجه تلاميذه) وقال لهم ... مَنْ غفرتم خطاياه غُفرت له» (يو 20: 22 و23). أعطى الحِلَّ والبركة على الأرض لتدوم إلى أبد الآبدين، إذ نسمع الكاهن يقول: «كما أعطيت الحلّ للتلاميذ ليغفروا الخطايا ...»، هكذا دام هذا الحلُّ الذي يفك كل الخطايا هكذا قام يونان وكَرَزَ لنينوى، ليحل عنهم بضيقة موته ثم بكرازته غضب الله!! ويبدو أنه قال لهم ما حدث له وأما من جهة نينوى المدينة العظيمة، فنحن آتون هنا لمنظر من المناظر الرهيبة، إذ بمجرَّد أن سمع الملك بما حدث ليونان، وبما نادى به، قام عن كرسيه الملكي وخلع ثيابه وفخفخته وجماله وفخره الكاذب، ولبس المسوح، والشعب كله لبس المسوح - والمسوح ثوب من شعر المعزى خشن الملمس جداً - وأعطى الملك أمراً أن يُرفع الطعام عن كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً حتى الرضيع على صدر أمه - يا للهول - وعن البهائم كلها، وهنا وكأنما الخليقة كلها تتمثَّل في قصة توبة نينوى.وكان ذلك إلى ثلاثة أيام.
مدينة فيها "واحد على ثمانية" مليون نسمة تتوب كلها ويعفو الرب عنها من أجل توبة جماعية ناشطة وتدبير متقن لهذا الملك النصوح الواعي الذي استطاع بحكمته أن يرفع حكم الموت عن شعبه؛ يا للرعاية ويا لحكمة الراعي!!
ثم ما هذا الحضن المتسع يا الله؟ إن هذا عجب كبير حقاً! مدينة وثنية تؤمن بالله بكرازة واحدة؟
نعم، ليس بآية من السماء ولا من الأرض تتوب البشرية أو يُعفَى عن إثمها، بل بالاتضاع والصوم والصلاة وتذلُّل القلب لدى الله القدير!آه لو علم كل خاطئ هذا، ما استكثر خطاياه أبداً عن عفو الله. لو علمت الكنيسة ما ينبغي أن تكون عليها من توبة جماعية، لجلست مع أبنائها في هذه المسوح وفي تراب المذلة إلى أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء، ولكانت أزمنة الفرج تأتي من السماء سريعاً!! كما قال بطرس الرسول (أع 3: 19)يا أحبائي، إن تعطَّلت أزمنة الفرج فالعيب هو منا، نينوى كانت تسير إلى الهاوية والهلاك أكيداً وسريعاً، ولكن بوقفة شريفة شُجاعة أمينة على قدر الدعوة وقدر التهديد استطاعت أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء.
ماذا يعوزك أيها الخاطئ؟ أيعوزك المسوح؟ أيعوزك التراب؟ ماذا يعوزك؟
لو كانت التوبة بذهب وفضة، لو كانت تستلزم سلماً عالياً نطلع به إلى السماء، لو كانت تستلزم منا جهداً نفسانياً أو عقلياً أو جسمانياً أو حكمة فائقة أو علماً زاهراً، لكي نحدر المسيح من السماء أو نصعده من الهاوية؛ لقلنا إن التوبة صعبة وشاقة. ولكن ملك وشعب ونساء وأطفال وبهائم نينوى عرفت طريقها سريعاً إلى النجاة. فما بالنا نتعطَّل نحن، وما بالنا نذهب يميناً ويساراً ونستشير الكبير والصغير، والخلاص أمامنا وبابه مفتوح، والذين دخلوا منه كثيرون، ومن كل شعب ولسان وأُمة!!وها هي نينوى تضع لنا نموذجاً لتوبة بسيطة قادرة بعنفها أن تفتح أبواب السماء وتحدر عفواً شاملاً بلا أي استثناء للمدينة بأسرها، قيل عنها في الكتاب إنها لا تعرف شمالها من يمينها!يا إخوة، نحن قادمون على الأربعين المقدسة، يعوزنا قلب كقلب ملك نينوى وشعب نينوى. أما مجرَّد ذكر البهائم الصائمة وهي خائرة على مذاودها ففيه توبيخ لنفسي، لأني أرى في نفسي وحوشاً ضارية تتعالى على غيرها كما يعلو الأسد على الغزال. كم فيكِ يا نفسي من غرائز تحتاج أن تُذلَّل بالجوع والمسوح؟ منظر نينوى وبهائمها واقفة على المذاود تئن، مرعب لشهواتي وملذاتي. الثيران وقعت من الجوع خائرة. وكم فيكِ من هذا يا نفسي يا مدينة الله! ما أجملكِ يا نفسي وأنتِ جالسة في المسوح والتراب متشبِّهة بنينوى!! جيد لكِ يا نفسي في هذه الأربعين المقدسة أن تَرْبُطي حواسكِ كلها، البهيمي منها والوحشي، ولا تفتكري أنكِ بنت المدينة العظمى التي تعرف شمالها من يمينها، لأن الخطية لا يتعالى عليها إلا مَنْ ذاق ما ذاقته نينوى!اليوم يا أحبائي، أكشف أمامكم سر السماء بلا ستار، بلا حجاب؛ ملك يترك عرشه، وينتـزع الخلاص، وينتـزع العفو السمائي، بتوبة جميلة رائعة استطاع أن يحصل عليها وهو في التراب والرماد ثقوا، إن ساعات الخلاص وأيام الرجاء لا تأتي جزافاً أبداً. إن كنت تريد خلاصاً سريعاً، إن كنت تريد أزمنة فرج، فاليوم تعلَّم من درس نينوى، وهو درس للأجيال كلها جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلا آية نينوى آية نينوى لا تقل إطلاقاً عن تفتيح عيني الأعمى، وعن إطعام الجائعين بخمس خبزات وسمكتين، وتحويل الماء إلى خمرآية نينوى فاقت كل آية إلا موت المسيح وقيامته، ولكن الجديد في آية نينوى أنها تابت بمناداة نبي، والآن الصوت الذي ينادينا أعظم من كل نبي لأن يونان نادى بالموت أو التوبة، ولكن المسيح يقدِّم لنا موته قوَّة حية محيية قادرة أن تُقيم من الخطية والموت!!اليوم يا أحبائي يوم نينوى ونبيها الرقيق المشاعر، النبي الفادي القائل: "هذه خطيتي" حينما هاج البحر ولم يقل "هذه خطية نينوى"يونان هنا ينادي كل خادم، كل واعظ، كل كاهن، كيف يرى خطية شعبه ومدينته، ويرى في آلامه وحزنه وضيقه، بل وموته فدية لأولاده وصلَّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال«دعوت مِنْ ضيقي الرب فاستجابني. صَرَختُ مِنْ جوف الهاوية فَسَمِعتَ صوتي. لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار. فأحاط بي نهرٌ (نهر الموت). جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت: قَدْ طُردتُ مِنْ أمام عينيك (إلهي إلهي لماذا تركتني؟). ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك (وفي اليوم الثالث أقوم). قد اكتنفتني مياهٌ إلى النفسِ (هذا المزمور يُقال في يوم جمعة الصلبوت). أحاط بي غَمْرٌ. التفَّ عشبُ البحرِ بِرَأْسِي. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض عليَّ إلى الأبد. ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي. حين أعيت فيَّ نفسي ذكرتُ الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك. الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لكَ. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص.» (يون 2: 2 - 9)
هكذا تكون صلواتنا في ضيقاتنا. اشْتَكِ للرب فقط، شكوى الممنونين "جازت عليَّ آلامك يا رب. أجزتني المحنة وأمررتني تحت العصا. المرُّ في حلقي. دخلت المرارة إلى قلبي وإلى نفسي". وكما يقول النبي: «توجعني جدران قلبي» (إر 4: 19)، بتعبير عجيب، كلها أنين الشكر وشكوى الحمد إن صلاة يونان هي المزامير الجديدة للسائرين في طريق الجلجثة والتي حتماً تردِّد قرارها في السماء كل الأرواح المبرَّرة المكمَّلة في المجد. إنها السلم الجديد الذي نرتفع عليه لكي نطل خلسة إطلالة سريعة على المجد المعد!نعم، هكذا يُغتصب ملكوت السموات! بصلاة كصلاة يونان وهو في عمق الهاوية.
اليوم يا أحبائي، هو يوم التوبة الغاصبة لحقوق القديسين وميراث ابن الله.
اليوم، مفهوم جديد لمعنى الكرازة بالبذل حتى الدم.
اليوم، دعوة للكارز ليسلك طريق النجاة لنفسه وشعبه، للراعي والرعية.
هذه نينوى تعطينا صورة حاسمة لكل دقائق ومعنى استرضاء وجه الله!!
يا رعية الله، صغيرها وكبيرها، شيخها وطفلها، مريضها وسليمها، هذه نينوى أمامنا آية ويا كارزي المسكونة، ويا واعظي الكنيسة، هوذا يونان لكم اليوم مثلٌ يُحتَذى، كيف كان وماذا صار. فيونان قَبـِلَ أن يدخل محنة الموت والثلاثة الأيام بلياليها ما كان نافعاً لا لنينوى ولا لنفسه، حيث كان سيذهب إلى ترشيش ليأكل الخرنوب مع الخنازير وها هو يونان بعد أن صلَّى من عمق التجربة وأهوال الموت يرينا كيف جاز التجربة حتى النهاية، وصار يونان كارزاً بشبه المسيح، وحُسب له موته بشبه فداء. وهكذا تكرَّم يونان بهذه التجربة فصار هو النبي الوحيد الذي أخذه المسيح ليضعه نموذجاً لموته وقيامته! وآية للتائبين!!
صلاة
يا رب الفداء الحقيقي الذي منك نستمد كل معنى وكل قوَّة للفداء، أعطِ يا رب روح الفداء لرعاة شعبك، الكبير منهم والصغير، العجوز والحَدَث، المطران والكاهن، أعطهم روح يونان يا رب، وأما رعيتك فأعطها طاعة كطاعة نينوى لمليكها لقبول مرارة التوبة لتنجو ولا تُدان مع العالم، وليؤمن شعبك بالحق أن الرب قادر أن يميت ويُحيي فيا شعب الله اطلبوا الحياة بسيرة التوبة ولا تسعوا بسيرة أهل العالم في طريق الموت يا رب أعطِ رعيتك جميعاً روحاً كروح نينوى في هذا اليوم ليتوب شعبك، وتتوب كل مدن ممالك الأرض إليك، ولتأتِ أزمنة الفرج سريعاً من عندك على العالم. آمين.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد