المقالات

30 سبتمبر 2020

لا تكتسب فضيلة بتحطيم فضيلة أخرى

إن الشيطان يتضايق من فضائلك الثابتة التي صارت وكأنها من طبيعتك، لذلك يحاول أن يحطمها بكافة الحيل. ومن بين هذه الحيل أن يقدم لك فضيلة أخرى جديدة عليك ليست لك بها خبرة، لكي تحل محل الفضيلة الأولى الثابتة. ومن أمثلة ذلك: 1- إن كنت تحيا في وداعة وهدوء ودماثة خلق وسلام قلبي. ويريد الشيطان أن يفقدك كل هذا. فماذا يفعل؟ أنه لا يستطيع أن يذم الرقة والوداعة، أو أن يقول لك "أترك طبعك هذا المحبوب من الكل"... ولكنه يصل إلى غرضه عن طريق الإحلال، ويقدم لك فضيلة بديله، دون أن يشعرك أنها بديلة.. وكيف ذلك؟ يدعوك باسم الحماس في نشر البر، أن تساهم في إصلاح المجتمع، وأن توبخ وتنهر، وتكشف أخطاء الآخرين لكي يخجلوا منها ويتركوها! وتظل تفعل هذا بغير حكمة. وأنت لا تعرف قدر من تتناوله بالنقد، ولا الأسلوب المناسب، ولا ما هي ردود الفعل، ولا بأي سلطان تفعل ذلك. وهكذا تسلك في طريق القسوة والتشهير بالآخرين، وفي أسلوب السب والقذف. وتسودّ صورة الغير في نظرك، وتتحول إلى قنبلة متفجرة تقذف شظاياها في كل اتجاه وهكذا تفقد وداعتك ورقتك. وتكره الناس ويكرهونك. ثم ما تلبث أن تتعب من هذا الأسلوب الذي لا يتفق مع طباعك، وتحاول أن تعود إلى حالتك الأولى، ولكنك لا تجد قلبك نفس القلب، ولا فكرك نفس الفكر. بل ترى أنك قد فقدت بساطتك ونقاوة فكرك، كما فقدت حسن علاقتك بالآخرين وفقدت أمثولتك الصالحة التي كان ينتفع بها غيرك.. وإذا بالشيطان قد أطمعك في فضيلة لا تعرف كيفية السلوك فيها، وأفقدك فضيلتك الأولى! فما احتفظت بالأولى، ولا ربحت الثانية. وصرت في بلبلة ينبغي أن تدرك تمامًا أن أعمال الخير لا يهدم بعضها بعضًا، وأن كل إنسان له شخصيته التي قد تختلف عن غيره، وقد لا يناسبه ما يناسب غيره. وليس كل أحد له سلطان أن يوبخ وينتقد. كما أنه ليس للكل معرفة كيف يستخدم حسنًا فضيلة جديدة عليه. 2- مثال آخر للفضيلة التي يحاول بها الشيطان أن يضيع فضيلة أخرى: إنسان يعيش في نقاوة القلب، بعيدًا عن العثرات الجسدية. فهو محترس تمامًا، لا يقرأ قراءات ولا ينظر إلى أية مناظر تُعثِره. ولا يختلط بأية خلطة خاطئة، ولا يستمع إلى أية أحاديث طائشة. بل يحتفظ بأفكاره نقية لا تُدخل إلى قلبه شيئًا غير طاهر.. هذا الإنسان يريد الشيطان أن يحاربه، ولا يستطيع أن يقدم له شهوة مكشوفة، لأنه لابد أن يرفضها. فماذا يفعل؟ يفتح أمامه الباب ليكون مرشدًا روحيًا يقود الشباب إلى الطهارة. إذ كيف يعيش في حياة الطهارة وحده، ويترك أولئك المساكين يسقطون كل يوم دون أن يقدم لهم مشورة صالحة تنقذهم مما هم فيه! ويقنعه بأن مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا (رسالة يعقوب 5: 20). ويظل يثير الحماس في نفسه لكي يقبل هذه الخدمة الروحية الحيوية، وأن يرشد الذين يأتون إليه ثم تأتى الخطوة التالية وهى أنه لكي يكون إرشاده عمليًا، لابد أن يستمع إلى مشاكلهم وأخطائهم. ويظل أولئك يصبّون في أذنيه أخبارهم وقصص سقوطهم. وقد يقولون كل شيء بالتفاصيل. وربما يكون في ما يحكونه ما يعثر.. ويستمع (المرشد) الطاهر إلى كل ما كان يبعد قبلًا عن سماعه، ويعرف ما كان يجب مطلقًا أن يعرفه. وكل واحد من أولئك يقدم صورة جديدة أو صورًا عديدة من الخطأوعن طريق الإرشاد يجد صاحبنا عقله وقد امتلأ بصور دنسة. وأصبح يعرف أشياء صارت تشوّه طهارة تفكيره، وتدنسه بأخبار وقصص مجرد ذكرها قبيح. وإن لم تعثره وتغرس فيه انفعالات خاطئة، فعلى الأقل تنجس فكره، وكأنه قد قطف أثمارًا غريبة من شجرة معرفة الخير والشر..! فإن حاول أن يبتعد، يُقال له: وما ذنب هؤلاء الشبان؟!وقد يكونون قد تعلقوا به واستراحوا إلى إرشاده. وربما يتعبون ضميره بأنهم -إن تخلى عنهم- قد يرجعون إلى خطاياهم! ويلحّون عليه أن يظل يسندهم حتى يقفوا على أرجلهم.. ربما هو يكون قد رسبت في ذهنه -ولو بالسمع- صور لم ينظرها من قبل، وربما يسقط بالفكر، ويكون الشيطان قد نجح في إسقاطه وافقده نقاوته الأولى. 3- وقد تأتى حيلة الشيطان في عرض الإرشاد بصورة أخرى، يقدّم فيها -لا أخبارًا تدنس القلب- بل شكوكًا تتعب العقل إذ يكون القلب في بساطة الإيمان، وتكون قراءاته كلها روحية تعمّق صلته بالله. ثم يأتي من يطلبون معونته وإرشاده في شكوك عقيدية أو إيمانية تتعبهم. وتتوالى الشكوك من هنا وهناك لكي تجد لها حلًا، ويبدأ إيمان هذا (المرشد) أن يتحول شيئًا فشيئًا من القلب إلى الفكر والبحث العلمي. وقليلون من يتقنون الأمرين معًا ويجد أن الشكوك تتكاثر عليه، وليست له موهبة الرد عليها وينبغي أن نعرف أنه ليس كل أحد له القدرة على الإرشاد. فالذين لهم هذه الموهبة، لا يصيبهم ضرر سواء من المشاكل الروحية وسماع الخطايا الجسدية، أو من المشاكل العقائدية وسماع الشكوك.ولكن حيلة الشيطان الماكرة هي أنه يقدم الإرشاد للذين ليست لهم الموهبة، فيصيبهم منه ضرر. كما انه يقدم لهم ذلك بأسلوب ضاغط، يشعرهم به أنه ضرورة ملحة وأنه واجب مقدس وما أسهل على القلب المتضع أن يرد قائلًا "ولكنني لا أعرف. أنا الذي لم أستطع أن ارشد نفسي، كيف يمكنني إرشاد آخرين؟! قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
02 يونيو 2019

من الظلمة إلى النور

في أحداث الصلب كانت الظلمة التي على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح من الساعة السادسة (الثانية عشر ظهرًا) إلى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) وقد أراد الله أن يبرز حقيقة الظلمة الروحية التي سيطرت على العالم، ولهذا فقد سمح بأن تظلم الأرض بهذه الصورة العجيبة في اليوم السابق لليلة الرابع عشر من شهر نيسان حينما يكون القمر بدرًا أي تكون الشمس والقمر متعامدين بالنسبة للأرض ويستحيل أن يحدث خسوف طبيعي للشمس من هذه الظلمة نقلنا السيد المسيح إلى النور مثلما قال لبولس الرسول عند دعوته ليكرز بالإنجيل لشعوب الأرض: "لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله" (أع26: 18). أنوار القيامة عند صلب السيد المسيح في يوم الجمعة كانت ظلمة على كل الأرض. وفي فجر الأحد أشرقت أنوار القيامة لتعلن فجر نهار جديد أشرق على البشريةعن قيامة السيد المسيح كتب معلمنا متى البشير في إنجيله: "وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه. وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت28: 1-4)وكتب القديس مرقس الإنجيل: "وبعد ما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟.. وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولًا لمريم المجدلية" (مر16: 1-3، 9) لقد قام السيد المسيح مع خيوط الضوء الأولى باكرًا في فجر الأحد وكان ملاك القيامة في منظره كالبرقولباسه أبيض كالثلج. ومعروف أن البرق هو ضوء شديد اللمعان وكان ضوء الملاك أقوى من نورالشمس التي كان نورها قد بدأ في البزوغ ولم يكن قرصها قد خرج من المشرق بعد. لهذا ارتعد الحراس من منظر ملاك القيامة الله هو نور وساكن في النور وملائكة نورانيون تخدمه. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم.. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 9، 4، 5)إن أنوار القيامة تشير إلى أنوار الحياة الأبدية حيث شركة ميراث القديسين كقول معلمنا بولس الرسول:"شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كو1: 12، 13). إن النور هو في ملكوت الله، والظلمة هي في شركة المصير مع إبليس ويوضح القديس بولس الرسول أيضًا أن الحياة المسيحية الفاضلة هي حياة منيرة بالقيامة من الأموات وبالسلوك في النور فقال: "مختبرين ما هو مرضىٌّ عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضًا قبيح. ولكن الكل إذا توبّخ يظهر بالنور. لأن كل ما أُظهر فهو نورٌ. لذلك يقول: استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح" (أف5: 10-14)وقد شرح القديس يوحنا الرسول كيف ينير مجد الله مدينته المقدسة النازلة من السماء فقال: "أراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله، لها مجد الله، ولمعانها شبه أكرم حجركحجر يشب بلُّورى.. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها،وتمشى شعوب المخلّصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها، وأبوابها لن تُغلق نهارًا، لأن ليلًا لا يكون هناك" (رؤ21: 10، 11، 23-25)إن الحياة مع الله هي حياة في النور. وهذا النور يبدأ من هنا على الأرض ويستمر ويتألّق جدًا فيالأبدية وكما خلق الله النور في بداية الخليقة حينما "كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" (تك1: 2-5)هكذا أيضًا كانت ظلمة على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح، ثم جاءت أنوار الخلاص وأعقبتها أنوار القيامة والبشارة بالإنجيل كقول معلمنا بولس الرسول:"لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
18 أبريل 2020

الأختام والتوثيق على القبر

إن محاولة اليهود مقاومة تحقيق قول السيد المسيح عن قيامته في اليوم الثالث قد أدت إلى توثيق القيامة بأختام الدولة الرومانية لأن الوالي بيلاطس قال لليهود عندكم أختام وحراس فافعلوا ما تريدون فذهبوا وختموا القبر بالأختام الخاصة بالدولة، ووضعوا الحراس وبهذا تم عمل محضر بالأختام وبوضع الحراس وتم توثيق القيامة لأن القبر الفارغ في بداية اليوم الثالث كان برهانًا قويًا على قيامة الرب بالرغم من الحجر والأختام والحراس لقد ختم اليهود على جسد الرب في يوم السبت، وتصوّروا بذلك أنهم قد تخلّصوا منه معطين إياه راحة إجبارية (على النظام اليهودي)..!!ولكن الرب قد ختم على كنيسته في يوم أحد العنصرة (في يوم الخمسين) بختم الروح القدس. مثلما قام في أحد السبوت أي في يوم الأحد معلنًا أن الحياة الجديدة والراحة الحقيقية هي في أول الأسبوع الجديد أي في يوم الأحد إن أول الأسبوع الجديد هو اليوم الثامن الذي يقع خارج الأسبوع القديم وهو إشارة إلى الحياة الجديدة وإلى الحياة الأبدية التي تقع خارج هذا الزمان الحاضرلقد تم توثيق ميلاد السيد المسيح في بيت لحم بالاكتتاب الأول الذي صدر به أمر من أوغسطس قيصر وجرى إذ كان كيرينيوس والي سوريا (انظر لو2: 2) وتم توثيق موت السيد المسيح بحكم الإعدام صلبًا الذي أصدره الوالي الروماني بيلاطس ممثل قيصر روما في أورشليم في ذلك الحين،ولابد أن توثق أحكام الإعدام عند الوالي وتم توثيق قيامة السيد المسيح بمحضر ختم القبر الذي طلبه اليهود وأصدر الوالي الروماني أمرًا بتنفيذه وبوضع الحراس إلى اليوم الثالث وذلك بعد أن تأكد من جنوده عن موت السيد المسيح بعد أن طعنه جندي بالحربة حقًا لقد ولد السيد المسيح وصلب ومات وقبر وقام من الأموات في اليوم الثالث. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 أغسطس 2020

دَوَام بتولية مَرْيَم الْعَذْرَاء وَالِدَة الإلة

"ولد يسوع الْمَسِيح حَسَب الْجَسَد مَن سيدتنا القديسة المعظمة مَرْيَم وَالِدَة الإْلَه الدائمة البتولية" البابا بطرس خَاتَم الشهداء "كانت بتولاً قَبَّل الْحَبَل والْوِلادَة، وظلّت بتولاً حَتَّى الْوِلادَة وَبَعْدَهَاوَهَذِه الأقوال الَّتِي أؤمَن بصحّتها تدعم وبكلّ تَأْكِيد الْحَقِيقَة الْقَائِلَة إنّ مَرْيَم هِي وَالِدَة الإِلَه"مارتن لوثر مقدمة: إن دوام بتولية مريم العذراء، وإنجابها الطفل يسوع، وصلب المسيح إبن الله، من الأسرار العظمى التى أخفاها الله عن الشيطان رئيس هذا العالم، ثلاثة أسرار تحققت فى صمت الله ولكن تم إعلانها جهراً، وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ (1تيمو 3: 16). فقد عملت حكمة الله في سر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا، والتي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ (1كو 2: 8). وكما قال البابا بطرس خاتم الشهداء: "ولد يسوع المسيح حسب الجسد من سيدتنا القديسة المعظمة مريم والدة الإله الدائمة البتولية". وأكد ذلك مارتن لوثر أبو الإصلاح البروتستانتى عن مريم العذراء بقولة: "كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادة وبعدها، وهذه الأقوال التي أؤمن بصحّتها تدعم وبكلّ تأكيد الحقيقة القائلة إنّ مريم هي والدة الإله". نعم، لقد كان ميلاداً معجزياً من عذراء بتول ومخطوبة، فكما خرجت حواء من جنب آدم (تكوين 2 : 21)، وكما ظهر ملاك الرب لموسى فى العليقة بلهيب نار ولم تحترق (خروج 3 : 2)، وكما جرت المياه من الصخرة (خروج 17 : 6)، وكما شاهد دانيال حجر المقطوع من الجبل ولم تلمسه يد إنسان البته (دانيال 2: 34)، وكما مشى السيد المسيح على الماء ولم يخرق غشاء الماء (متى 14 : 26)، وكما خرج المسيح من الأكفان عند قيامتة وهى ملفوفة حول جسدة (لوقا 24 : 12)، وكما دفن المسيح فى قبر لم يوضع فيه إنسان (لوقا 23 : 53)، (يوحنا 19 : 41) وخرج من القبر بعد قيامتة وهو مغلق (مرقس 16 : 4-5)، وكما دخل العلية بعد قيامتة على التلاميذ والأبواب مغلقة (يوحنا 20 : 19)، وكما يمر النور من زجاجة مليئة بالماء وينفذ إلى الجهة الأخرة دون أن يثقب الزجاجة وبدون أن يسيل الماء من الزجاجة، وكما سمح الله أن تحبل مريم بالمسيح كلمة الله وبتوليتها مختومة (متى 1 : 18)، فكم بالأحرى أن يولد المسيح من بطن العذراء مريم البتول بدون أن ينقض بتوليتها، وهكذا تمت ولادة المسيح من رحم العذراء مريم دون أن تفقد بكارتها وظلت عذراء. فهو الوحيد القادر أن تلد العذراء وتظل بكوريتها مختومة. ولقد دعانا السيد المسيح من محبتة لنا وتواضعه إخوة له، أما نحن فعبيدة، وقيل عن يعقوب ويهوذا أنهما من إخوة الرب، أما يعقوب فقد قال: "يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللَّهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يعقوب 1: 1)، ويهوذا قال: "يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ" (يهوذا 1: 1)، ويوحنا الحبيب التلميذ الذى كان يسوع يحبه قال عن نفسة "ِعَبْدِهِ يُوحَنَّا" (رؤيا 1: 1). أما إصرار الكنيسة على بتولية العذراء مريم، فلا يعني أن الأرثوذكسية تقلل من شأن الزواج الذى هو أحد أسرار الكنيسة السبعة أو تحقر من شأن الجسد. ولكنها تحارب فكرة مشاركة الإنسان لهيكل الله الذى تجسد فيه (رحم العذراء). ولقد حاربت الكنيسة منذ القديم بدعة أن مريم العذراء قد تزوجت وأنجبت أولاداً بعد ولادة السيد المسيح، فمن منطلق أن أحشاء العذراء كانت مسكنا وهيكلاً مقدس لكلمة الله المتجسد الذى حل فيه، فلا يعقل أن يوجد إنسان آخر (جنين) فى هيكل الله (أحشاء مريم العذراء)، ولا يعقل أيضاً أن تتزوج العذراء بعد ذلك بإنسان وتلد بنين وبنات، وقد أشارت نبؤة حزقيال النبى إشارة واضحة إلى بتولية العذراء الدائمة فقد حل عليها الروح القدس والكلمة الأزلى إتخذ جسداً من لحمها ودمها وحل فى أحشائها تسعة أشهر وخرج، وصارت أحشائها هيكلا لله. فلقد كانت بطن العذراء مسكن الله المتجسد فى أحشائها فهو رمز لهيكل الله لا يجلس فية سوى الله وحده، وعلى ذلك لا يمكن لأى إنسان آخر أن يشارك الله فى مسكنة وهيكلة. ومن الخطأ القول بأن البروتستانت ينكرون بتولية مريم العذراء، فقد أقر زعماء الإصلاح البروتستانت أنفسهم في القرن السادس عشر أنّ مريم دائمة البتوليّة وعلى رأسهم مارتن لوثر. ولكن الواقع الحالى أن منكرى بتولية العذراء وإن كانوا يندسون الآن وينتمون للمذهب البروتستانتى وهو برئ منهم، فهم فى الأساس أبيونيون ونساطرة ولا يعلمون، ويتبعون بدعة نسطور الذى أنكر بتولية العذراء وأنكر عليها لقب والدة الإله، ليس إنكاراً لذاتها، بل إنكاراً للاهوت المسيح نفسه. ومن جهة أخرى كانت مغالاة الكاثوليك فى تكريم العذراء مريم خلال القرن الماضى، أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت بعض البروتستانت للهجوم على العذراء مريم وإنكار لقب والدة الإله عليها وأنها ليست دائمة البتولية، هو الفكر الكاثوليكى المتطرف الذى غالى فى تكريم مريم العذراء لدرجة العبادة، نعم!! فالكاثوليك الآن يؤمنون بعبادة مريم (حاشاً)، وأنها هى الوحيدة من البشر المعصومة من الخطأ والتى حبلت بها أمها حنة بلا دنس الخطيئة الأصلية لآدم، بل ولقبها الكاثوليك أيضاً بأنها سيدة المطهر التى سوف تتشفع من أجل الخطاة الذين ماتوا وذهبوا إلى الجحيم لكى ما ينقلهم المسيح إلى الفردوس!!. بل ووصل الأمر أن بابا الكاثوليك هو أيضاً معصوم من الخطأ. والكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترفض كل ذلك ولكن لم تدفعها عقائد الكاثوليك إلى مهاجمة العذراء نفسها والإقلال من شأنها وكرامتها الموحى بها فى الكتاب المقدس، بعكس بعض البروتستانت الذين ردوا على تطرّف الكاثوليكى بتطرّف آخر معاكس، فأنكروا إكرام مريم، وأنكروا شفاعة العذراء والقدّيسين. وأنكروا أن العذراء دائمة البتولية، بل وتزوجت وأنجبت أولادا وإستشهدوا بعبارات إخوة يسوع المقصود بهم أبناء خالتة وأقرباؤة بأنهم إخوة أشقاء له ولدتهم مريم. وأخذوا يشيهون العذراء مريم بأنها لا تمثل سوى قشرة بيضة خرج منها الكتكوت فلا قيمة للقشرة بعد ذلك، وأنها لا تعدو كعلبة قطيفة تحوى فى داخلها جوهرة غالية الثمن فإذا أخذنا الجوهرة لا قيمة للعلبة... ألخ، ولعلهم قد تناسوا أنهم بذلك يفصلون بين جسد العذراء وجسد السيد المسيح الذى إتخذة من مريم العذراء، فالطبيعة الجسدية واحدة ومتجانسة لهما، بعكس علبة القطيفة والجوهرة، وقشرة البيضة والكتكوت فلا تجانس بينهم وطبيعتهم المادية مختلفة. كما أن تشبيه العذراء بعلبة القطيفة معناه أن جسد المسيح ليس مأخوذاً منها بل كان موضوعا فيها "فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم إشترك هو أيضاً كذلك فيهما" (عبرانيين 2: 14)، ولذلك قال بولس الرسول عن المولود إبن الله، أن الله أرسل إبنه مولودا من إمرأة (غلاطية 4: 4)، ونقول فى قانون الإيمان: "تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس". فالله قدس بطن العذراء حينما حل داخل أحشائها مثلما قدس صندوق تابوت العهد الخشى عندما وضع فيه لوحى الشريعة وقسط المن، لدرجة أن من يلمس تابوت العهد الخشى كان موتاً يموت من قبل الرب. وكما أن تابوت العهد قديماً كان يوضع فيه لوحى الشريعة (كلام الله) وقسط المن، هكذا حل المسيح كلمة الله المن الحقيقى فى بطن العذراء، وإستحقت أن تكون قسطاً للمن الجديد السماوى الذى يأكلة لا يموت (يوحنا 6: 50-51)، فمن يقول أن العذراء تزوجت وأنجبت أولاداً، فهو يقر بإمكانية وضع كلام آخر وخبز آخر داخل تابوت العهد (رحم العذراء) بجوار إبنها الكلمة المن الحقيقى خبز الحياة. نعرف أنه قديماً مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللَّهِ وَأَمْسَكَهُ... فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ وَضَرَبَهُ فَمَاتَ (2صم 6: 6-7)، فمن هو الذى إذن يجرؤ وأن يمس تابوت الله وهيكلة المقدس ويجلس فى مكان القدوس؟!!، ومن يقول أن العذراء مثل قشرة البيضة وعلبة القطيفة لا قيمة لها، يقول أن تابوت العهد لا قيمة له (حاشاً) فقد تقدس التابوت الخشبى عندما تم وضع كلام الله فيه، فكم بالأولى مريم العذراء أم المن الحقيقى كلمة الله المتجسد والمولود منها هو قدوس فإستحقت أن تكون والدة الإله أم القدوس. وفى الواقع تعود جذور تلك الفكرة الشيطانية، إلى زمن سقوط الشيطان نفسة الذى فكر أن يأخذ مكان الله، ويجلس فى هيكل الله على العرش الإلهى، فإنحدر إلى أسافل الجحيم: (أشعياء 14: 12-15) 12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. 14أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ. وبعد أن فشل مخطط الشيطان وإنحدر مسحوقاً إلى أعماق الجحيم منذ قديم الأزمان، عاد إبليس ببث سمومة من جديد وأغوت الحية القديمة حواء بالأكل من الشجرة قائلة لها "تَكُونَانِ كَاللهِ" (تكوين 3: 5)، وهكذا سقط الإنسان فى خطيئة الكبرياء التى سبقها الشيطان لها لأنه أراد أن يكون مثل الله، ثم عاد الشيطان مرة أخرى بنشر بدعة إنكار بتولية العذراء مريم وإنها أنجبت أبناء آخرين هم إخوة يسوع وكأنهم هكذا أصبحوا مثل الله جلسوا فى هيكلة وشاركوه فى نفس موضع سكنة وكانوا معة فى نفس تابوت العهد (رحم مريم العذراء)!!! وهكذا يتحقق لنا أنه بسبب خطيئة الكبرياء سقط الشيطان وأعقبة الإنسان العتيق آدم وحواء، أما العذراء مريم والدة الإله فقد إستحقت أن تدعى أُمُّ الرَّبِّ لأنها قالت: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». هذا ونؤكد أن بتولية القديسة مريم العذراء ليس أمراً يخص حياتها الشخصية، لكنها حقيقة إنجيلية تخفى إيماننا فى المسيح يسوع وينطوى ورائها الكثير من المفاهيم والحقائق اللاهوتية. فالمسيح كلمة الله عند تجسده لم يهتم بنوع الموضع الذى يضطجع فيه أو الملابس التى يتقمط بها أو الطعام الذى يقتات به، ولكنه إهتم وحدد بدقة "العذارء" التى ستصير له أماً. فقد قدم أشعياء النبى علامة نبوية لهذا الميلاد العذروى قائلاً "هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً يدعى إسمه عمانوئيل". أما دوام بتولية القديسة مريم "دائمة البتولية" فأكدها حزقيال النبى بقوله عن رحم العذراء: "هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً" (حزقيال 44: 1-3). ويذكر التقليد المقدس أن مريم العذراء كانت نذيرة للهيكل وللرب من قبل ولادتها حسب نذر أمها حنة التى كانت عاقراً، وطلبت إذا رزقها الله نسلاً تنذرة للرب كل أيام حياتة، ولما ولدت مريم وأتمت ثلاث سنوات من عمرها نذرتها للهيكل، لتنضم إلى صفوف العذارى بالهيكل، ثم مات أبوها وعمرها 6 سنوات وماتت أمها وعمرها 8 سنوات، وعندما بلغ سن العذراء مريم 12 سنة، كان لابد من خروجها من الهيكل، ولأن كهنة اليهود يعلمون أنها نذيرة للرب كل أيام حياتها شاءت العناية الإلهية أن يستودعوها عن رجل شيخ بار إسمة يوسف النجار ليرعاها بعد موت والديها وحتى تكون معه تحت غطاء شرعى وقانونى قاموا بعقد الخطبة، تمهيدا لعقد زواج بتولى لهما قبل أن تسكن العذراء مع يوسف النجار. ولما حدث الحمل الإلهى وكان يوسف متحيراً ومتفكراً فى الأمر وإذا كان رجلاً بارا لم يشأ ان يشهر بها فأراد تخليتها سراً أى إعطائها كتاب طلاق على يد إثنين شهود بدلاً من فضح أمرها أمام الشعب ويرجموها كزانية حسب شريعة موسى، ولكن ظهر له ملاك الرب وأعلمة بسر الحمل الإلهى وطلب منه أن لا يخف من أن يأخذ مريم إمراتة إلى بيتة أى يتمم مراسم عقد الزواج البتولى، وبالفعل نفذ يوسف ما أمرة به ملاك الرب، وسكنت مريم فى بيت يوسف النجار ولم يعرفها ولا حتى بعد ولادة إبنها البكر: (متى 1: 18-24) 18أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 19فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. 20وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». 22وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: 23«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. 25وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.
المزيد
15 سبتمبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس نحميا

نحميا " كيف لا يكمد وجهى والمدينة بيت مقابر آبائى خراب وأبوابها قد أكلتها النار "" نح 2: 3 " مقدمة هل سمعت عن أسطورة « النافذة العجيبة »؟... تلك النافذة التى يقال إنها كانت نافذة سحرية، ورآها رجل إنجليزى كان يعمل كاتباً فى لندن، واشتراها من الشرق، وأحضرها معه، ووضعها مقابله ليطل منها على المدينة وتقول القصة إن الكاتب عندما كان ينظر من النافذة، لم يكن يرى أمامه لندن المزدحمة الممتلئة بالضوضاء والضجيج والأحداث والحوادث، وكل ما يؤلم النفس ويضايقها من تعاسة الفقراء والمتعبين والمحزونين والمرضى، بل كان يبصر أمامه لندن الجميلة الرحبة ذات القصور والحدائق والناس السعداء، كما كان يرى على أعلى حصن فيها علماً أبيض يقف أسفله بطل عظيم يسهر على المدينة ويحرسها من تنين رهيب، وكان الكاتب كلما ضاق بنفسه وعمله وأحزان الناس يلقى بنظره على المدينة من النافذة ليرى صورة أخرى تشجعه وتلهمه وتقويه، صورة المدينة وقد تتحررت من التعاسة والألم أغلب الظن أن نحميا كان يتخيل فى شوشن أورشليم بعد أن عاد إليها المسبيون، وقد خرج فوجهم الأول منذ تسعين عاماً خلت،... وقد تحولت إلى مدينة استطاعت أن تنقض عنها الهوان والخراب والمذلة التى وصلت إليها عندما دكها نبوخذ ناصر دكاً، وهوى بها إلى التراب والحضيض، ولكنه روع وصعق عندما جاء أخوه ضانى، وبعض الزائرين لشوشن، ليخبروه عكس ذلك تماماً، ويحدثوه عن عارها وأبوابها والمحروقة بالنار!!... ولم يعرف نحميا بعد ذلك طعم الحياة والراحة والسعادة، قبل أن يبنى سور المدينة، ويعيد إليها الأمن والراحة والسلام والحياة!!.. إنها قصة بطل تروى فى كل جيل وعصر، لتعلم الأجيال، ما قاله دانيال وبستر عندما سأله أحدهم عما هى أعظم مسئولية تقع عليه فى الحياة؟ … فأجاب: هى مسئوليتى تجاه ابن اللّه!! وها نحن لذلك نتابع القصة فيما يلى: نحميا ومحنته كان نحميا ساقى الملك، ولم يكن يبلغ هذا المركز إلا أعظم الناس وأقربهم إلى قلوب الملوك،... وهو أشبه بمن يطلق عليه الآن وزير البلاط، أو كبير الأمناء،... وهو المسئول عن الشئون الخاصة بالملك، وعن طعامه وشرابه، ولم يكن يصل إلى هذا المركز إلا بعد البحث العميق الدقيق، الذى فيه يطمئن إلى عمق ولائه وإخلاصه، فى وقت كان يتعرض فيه الملوك عادة للموت بدس السم فى الطعام أو الشراب..!! وعندما قدم نحميا الشراب للملك، كان ممتلئاً من الألم والحزن والكآبة التى لاحظها الملك، من الوهلة الأولى، فقال له: « لماذا وجهك مكمد وأنت غير مريض ما هذا إلا كآبة قلب » " نح 2: 2 "... ومع أن نحميا خاف كثيراً لئلا يتسرب الشك فى ولائه إلى الملك،... إلا أن الواقعة فى حد ذاتها كانت تبدو غريبة للناظر العادى،... ولو أننا سألنا جميع الناس عن نحميا، لقالوا إنه الإنسان السعيد المحظوظ المبتهج، الذى يشغل هذا المنصب الجليل الخطير،... بما فيه من مزايا لا تحصى ولا تعد،... وقد كان غريباً أن يكون نحميا كئيباً إلى هذا الحد الملحوظ... ولو أنه كان مريضاً، لرسم المرض خطوطه على وجهه، بما يمكن أن يصاحب ذلك من ألم أو تعاسة أو أنين، لكن الملك نفسه يشهد أنه غير مريض!!... وما أكثر الذين تهون كل الأمور أمام عيونهم طالما كانوا أصحاء لا يشكون داء أو مرضاً، ولكن نحميا الصحيح، المعافى، كان عميق التعاسة والكآبة والألم!!... ومن البادى أيضاً أن حزن نحميا لم يكن بسبب مأساة أو ضيق يعانيه فى بيته وأسرته،... عندما رأى أليشع الشونمية آتية من بعيد أرسل جيحزى ليسألها: « أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد » " 2 مل 4: 26 "... وهو يعنى أنه إذا كان السلام يحيط بالثلاثة، وأنه ليس فى البيت أمر ينغص من هذا القبيل، فإن أية أخبار أخرى ستبقى أقل شأناً، وأضعف أثراً،... ويمكن للمرء أن يتقبلها بالهدوء والأناة، مهما كانت نتائجها،... ولم يكن يعانى نحميا فى حدود علمنا متاعب من هذا القبيل فى بيته، يمكن أن تعكر صفوه، أو تطبع على وجهه ما رأى الملك من حزن وكآبة!!... إن الكثير من المحن التى يتعرض لها الناس تكون عادة داخل أسوار البيت: الولد فاشل، والبنت متمردة، والزوج أحمق، والزوجة صخابة مقلقة،... ولكن يبدو أن بيت نحميا كان عظيما، وكانت حياته المنزلية ممتلئة بالرضى والهدوء والراحة،... ومع ذلك كان نحميا تعساً حزيناً، لبيته الأوسع والأعظم، فى أورشليم هناك!!... ولم يكن نحميا فى حاجة إلى مادة أو مال، مما يمكن أن يكون سبباً لمذلته وهوانه، فلم يكن يواجه مشكلة مالية، كالأرملة التى جاءت صارخة إلى أليشع لأن زوجها قد مات، وخلف ور اءه ديناً ثقيلا، وجاء المرابى ليأخذ ولديها عبدين،... والدين كما ألفنا أن نقول: هم بالليل ومذلة بالنهار!!... ومع أن خزانة نحميا كانت ممتلئة وفياضة بالكنوز، لكن هذه الكنوز لم تعطه الراحة قط،... وفقر أورشليم يطحنها طحناً، ويحولها أكواماً من الرماد والتراب!!... ولم تكن مشكلة نحميا من مشاكل الوظيفة التى كثيراً ما تقلق الموظفين، لأنهم لم يأخذوا حقهم، أو تخاطهم من هم دونهم درجة وكفاءة،... لقد كان فى مركزه المرموق، الذى سنرى أنه قد ضحى به، بحثاً عن التعب والمشقة،... ومراكز الدنيا كلها، لا تساوى شيئاً إزاءأ إحساس الإنسان بأن عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر،... وأن أبسط خدمة للسيد، لا تساويها تيجان الملوك ومراكز الأمراء والسادة،... عندما دعى وليم كارى أبو المرسليات الحديثة أن يكون وزير الهند فى الوزارة البريطانية، لمعرفته بالهند، وبرجالها، إذ كان المرسل العظيم هناك، أجاب إجابة نحميا: « إنى عامل عملا عظيماً فلا أقدر أن أنزل » " نح 6: 3 "... وعندما قدمت له بلاده مائة ألف جنيه لخدمة قام بها، حول المبلغ كله للعمل المرسلى!!.. ومن الغريب أن نحميا كان مخروناً، لمشكلة تبعد عنه قرابة ألف ميل، والإنسان فى العادة يفزع ويتألم للمشكلة التى تقع على مقربة منه أو على مرمى البصر والمثل الشائع: إن القريب من العين، هو القريب من القلب، فإذا بعد الإنسان عن مكان الفاجعة، فمن السهل تصور إنه لا يعود ينظر إلى المشكلة أو ينشغل بها، ولهذا ما أكثر ما يهرب الهاربون، أو يهاجرون إلى آخر الأرض، إذا ضاقوا بالحياة، فى مكان ما، أوضاقت الحياة بهم فيه، لكن نحميا كان بعيداً عن أورشليم، ولكن أورشليم لم تكن بعيدة عن قلبه وعواطفه وأشواقه وآلامه!!... وكان يمكن لنحميا أن يستريح ويهدأ نفساً، لأن المشكلة تراث قديم، ولدت قبل أن يولد، وهو بعض ضحاياها.إذ ولد هو فى المنفى، فى السبى، وهو لا يستطيع أن يحمل هموم التاريخ،كما أنه لم يصنع هو المشكلة، ومن حقه أن لا يكون مسئولا عنها،... وما أكثر ما يفعل ذلك الكثيرون عندما تتفتح عيونهم على الشر المسيطر فى الأرض، وتحيط بهم المشكلة التى تبدو حياتهم تجاهها صغيرة ضئيلة، فيستسلمون لها استسلام الإنسان الذي لا ينهض فى فكره أن يغير من الواقع أو يبدل منه شيئاً على الاطلاق!!... كان يمكن لجميع هذه العوامل أن تنتزع الأسى والألم من نحميا، ولكن دون جدوى!!.. نحميا وقلبه وضع الملك أرتحشستا يده على سر نحميا فى عبارة واحدة: « ما هذا إلا كآبة قلب» " نح 2: 2 ". وإذا كان الطبيب يعلم بأن سر الحياة مرتبط بالقلب، فأنت صحيح على قدر ما يكون قلبك، وأنت فى خطر داهم، إذا أخذت العلة مكمنها فى هذا القلب،... فكذلك الأمر فى الحياة المعنوية والأدبية والروحية جميعاً، والتى ترتبط بالقلب أعمق الارتباط وأقواه،... فاكشف لى من قلبك، أحدثك من أنت ومن تكون!!... ولأجل هذا قال الحكيم: « فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة»... " أم 4: 23 " وإن أكبر مأساة فى الحياة أن يوصف إنسان بالقول: أنه لا قلب له!!... كان نيرون بلا قلب، غنى وهو يرى روحاً تحترق،... وقد صور تشارلس ديكنز فى قصة مدينتين رجلاً فرنسياً من الطبقة الأرستقراطية وهو يسير مسرعاً فى شوارع باريس بعربته المطهمة، فتدوس العربة فى الطريق طفلا،... وتوقف الرجل، لا ليرى ما حدث للطفل، بل ليرى ما حدث للجواد لئلا يكون قد أوذى فى قدمه، ويلقى بقطعة من النقود فى وجه أبى الطفل الذى جاء ليحمل ابنه الصريع،... إنهار منجم فى الولايات المتحدة، وبترت ذراع غلام اسمه جون ما كدويل، والذى أصبح فيما بعد خادماً شهيراً من خدام اللّه، ولكن الشئ الغريب، أنهم عندما عادوا إلى سجلات الحادث بعد سنوات من وقوعه،... وجدوا أن السجلات قد سجلت مصرع بغل غالى الثمن، كان يقوده غلام صغير،... لقد عنيت السجلات بالبغل الذى كان ثمنه فى ذلك الوقت أغلى من الغلام الذى كان يقوده!!.. وما أكثر الناس الذين يعيشون ويموتون ولو دققنا فى وصفهم لصح القول أنهم عاشوا قساة القلوب!!... بل كان الواحد منهم - فى الحقيقة - من غير قلب!!. وما أكثر القلوب الأنانية التى تغمض عينها فى الدنيا عن كل شئ سوى الدائرة الصغيرة الضيقة التى لا يتجاوز البيت والزوجة والأولاد، وليأت الطوفان بعد ذلك ليأخذ الجميع،... وما أكثر القلوب الشريرة التى لا تستريح إلا إلى عمل الشر ويجافيها النوم إن لم تفعل سوءاً،... لكن قلب نحميا كان شيئاً آخريختلف تماماً عن هذه القلوب، ويحكى السر العظيم فى حياة الرجل،... عندما وقف أمام الملك، كانت يده تحمل الشراب وكان جسمه بكامله أمام إرتحشستا، إلا أن قلبه لم يكن هناك على الإطلاق،.... كان القلب مشغولا طوال الوقت بمدينة حبه وأحلامه وأشواقه البعيدة،... ولو أن واحداً أراد أن يصف نحميا، لصوره بصورة الوطنى العظيم الذى يحن إلى تراب بلاده،... إنه دانتى آخر يسير فى أرض المنفى ولكن، أنظاره وأشواقه وأفكاره تعيش مع فلورنسا، المدينة التى أحبها حتى الموت، وحرم عليه أن يراها طوال حياته على الأرض،... لكن أورشليم، عند نحميا، كانت شيئاً أكثر من هذا،... كانت شيئاً أكثر من أن تكون المدينة التى وصفها للملك مقابر آبائه،... إنها عنده سيدة المدن، مدينة الرؤى والأحلام، إنها المدينة التى علق المسبيون أعوادهم فى بابل على الصفصاف وهم يبكون قائلين: « كيف ترنم ترنيمة الرب فى أرض غريبة؟ إن نسيتك يا أورشليم تنسى يمينى - ليلتصق لسانى بحنكى إن لم أذكرك إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحى » " مز 137: 4 - 6 " إن أورشليم فى تاريخها القديم ارتبطت بالرب،... وارتفع المفهوم الوطنى معها إلى المفهوم الدينى،... وقد أطلق عليها المسيح لذلك: « مدينة الملك العظيم »،... وأحبها، وبكاها، وهو يرى خرابها ودمارها الرهيب الوشيك،... وقال لها فى أعمق حديث من الحب والحنان « يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فرخها تحت جناحيها ولم تريدوا هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً » " مت 23: 37 و38 " يقول مثل قديم: « أموت حيثما يكون قلبى »... وفى الحقيقة يمكن أن نضع المثل فى صورة أقوى وأعمق إذا قلنا أعيش وأموت حيثما يكون قلبى!!... وقد عرف الرسول بولس الحقيقة بصورة أدق وأشمل عندما قال: « لأن لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح » " فى 1: 21 " وقد ارتبط نحميا بمدينته، أو بتعبير أصح وأعمق بإله مدينته، وهو لهذا لا يرى حقيقة حياته كالوزير صاحب المركز المرموق فى شوشن المدينة االعظيمة،... وإن هذا المركز لا يساوى قلامة ظفر. بالنسبة لروأه وأحلامه، وكل مجده أمام الناس لا يمكن أن يكون شيئاً تجاه الحقيقة الداخلية التى يعيشها فى شوشن أو فى أورشليم. إنه يعيش ليقول مع بولس: « لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته. لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن » " رو 14: 7 و8 " وبهذا المعنى عاش نحميا ومات،... وهو يرى تراب أورشليم وأنقاضها أعظم وأجل عنده من تبر شوشن ومجدها،... وبهذا المعنى يمكن أن يحيا المؤمن ويعيش ويموت، وهو يرى كنيسة المسيح، عمود الحق وقاعدته، فى أبسط صورها وأصغرها، أعظم وأمجد من كل قصور الملوك وأمجادها وبهذا المعنى ترك ميشيل فرداى حفلا من أعظم الحفلات، إذ تذكر أن إخوته فى ذلك الوقت يتعبدون كجماعة صغيرة أمام اللّه،... وعنده أن اجتماعهم لا يضارعه أن اجتماع فى الأرض!!... فإذا ذكرنا أن نحميا استبدل مجده وراحته وجلاله وعظمته فى شوشن، بالتعب والشقاء والضيق والأخطار والأسى فى أورشليم، عرفنا كيف تكون الحياة فى جلالها وسموها، وأدركنا معنى ما قاله ليفنجستون عندما حدثوه عن البذل والتضحية والخدمة التى يقوم بها، فقال: أنا لا أعرف أنى قدمت تضحية فى حياتى على الإطلاق!!... إن خدمة المسيح لا يمكن أن تكون تضحية يقوم بها الإنسان، بل هى شرفه العظيم التليد!!.. إن قصة نحميا تنتصب أمامنا على توالى العصور والأجيال، كأروع مثال للحياة التى أدركت هدفها الوحيد الصحيح، وثبتت النظر إليه والتفكير فيه، دون أن تتحول عنه أو تريم قيد أنمله!!... فإذا سألتنى عن حب نحميا، ذكرت لك على الفور إنه أورشليم!!... وإذا تحدثت إلى عن غيرته الملتهبة،... أقول لك إنها لا شئ غير أورشليم!!... وإذا ذكرت لى شجاعته الغريبة والعجيبة فى وسط المخاوف والأهوال والمتاعب،... لقلت لك إنها شجاعة التكريس من أجل أورشليم!!... فإذا سألتنى: ما مثاله العظيم المتكرر على مر الأجيال والعصور؟!! … لقلت لك إنه المثال الذى رأيته فى عشرات الألوف من الأبطال، الذين كرسوا حياتهم من أجل أورشليم السماوية العليا التى هى أمناً جميعاً، … كنيسة اللّه العظيمة، التى يتربص بها الأعداء، ولكن أبواب الجحيم لن تقوى عليها!!.. نحميا والصعاب القاسية أمامه لقد تحدثنا فى دراستنا السابقة عن زربابل وعزرا وغيرهما من القادة والملوك، الذين لم تكن الطريق سهلة ميسورة أمامهم، وهم يكافحون أقسى الصعاب وأرهب المشقات، فى جهادهم المرير المضنى، الموضوع أمامهم،... ولعل السؤال الذى يراود الذهن: لماذا يسمح اللّه لهؤلاء جميعاً بمثل هذه المتاعب التى تؤخر انتصار ملكوت اللّه فى الأرض!!؟... ولماذا لا يعينهم اللّه بضربة سريعة قاضية، يقضى بها على العتاة والأشرار وعمال الإثم!!؟ ولماذا يبقى المسبيون الذين خرجوا من السبى، وكان أملهم أن يعيدوا بناء مدينتهم المحبوبة، وهيكلها وسورها، فى سنوات قليلة، إلى مجدها العظيم، وإذا بهم بعدما يقرب من التسعين عاماً، يرون أبواب المدينة التى أكلتها النار والأنقاض المتراكمة باقية كما هى، تشهد عن الفشل والعار العظيم!!؟... الحقيقة أن المعركة بين الخير والشر، ليست تمثيلية تقوم على مسرح الحياة، بل هى حقيقة واقعة رهيبة، ومن المؤكد أن الخير سينتصر وسيكسب آخر الأمر، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إلا بعد الصراع الرهيب بين كنيسة المسيح والشيطان، وبين أبناء اللّه وأبناء ابليس، وبين الخير والشر، وبعد الكر والفر، والضحايا المتناثرة التى تسقط من الجانبين، كسائر الحروب والمعارك التى نشهدها بين الدول والشعوب سواء بسواء!!... بل إن القصة العظيمة لأبطال اللّه كان من المستحيل أن تكتب، دون كفاحهم وجهادهم وتعبهم، ومدى مالاقوا من الأهوال والصعاب والشدائد!!.... فإذا ذكرنا نحميا كمثل من الأمثلة الجديرة بأن تذكر وتروى، لوجدنا أنه كان يسير فى طريق هى أشبه الكل فى أيامنا الحالية بالطريق الممتلئ بحقول الألغام فى الحروب،... لقد خرج من شوشن، وهو يحمل أمر الملك وتوصيته ورسائله، وكان من المتصور أن الطريق ستكون أمامه مفتوحة ومريحة وسهلة، ولكنه مع ذلك وجد العكس... فقد وجد أولا الأعداء المتربصين مثل سنبلط وغيره، ممن سنعرض لهم فى دراستنا التالية،... وقد وصل الأمر بهؤلاء إلى التفكير فى الحرب ضد نحميا، وهدم ما قام به، ولما لم تنجح المؤامرة، استعملوا سلاحاً آخر، ألا وهو سلاح السخرية والسخرية كثيراً ما تثبط العزيمة، وتعوق الاندفاع والتقدم، وكان جواب نحميا على السخرية هو الاستمرار فى العمل، وليس هناك ما ينتصر على السخرية كسلاح العمل الذى لا يأبه للهزء والانتقاد، إذ فشل هذا أيضاً!!... لجأوا إلى الطابور الخامس باشاعة المذمة والتذمر وما أشبه، لتثبيط الهمة وبعث روح الملل فى النفوس،... وكذلك إثارة النفعية عند من تربطهم بالأعداء وصلة من نسب أو صداقة،... وقد قضى نحميا على كل هذه الأساليب، بتحويل العمل من مجرد عمل وطنى، إلى الإحساس بالرسالة الدينية تجاه اللّه، وليس هناك حافز يدفع الإنسان إلى الخدمة القوية الملتهبة، قدر الوازع الدينى عندما يسيطر على الإنسان،... وإلى جانب هذا كله كان نحميا بمثاله العظيم، هو أول العاملين، وأول المضحين، وأول الباذلين... إذ لم يكن الإنسان الذى يجلس ليأمر، بل وقف ليشترك فى المجهود، وعندما يكون القائد بهذه الروح لابد أن يسرى حماسه ومثاله فى الجميع فيعملون بقوة ونشاط وغيره وحمارس!!.. نحميا وعمله كانت مدرسة نحميا واحدة من المدارس الكبرى التى يتعلم فيها الإنسان كيف يعمل، ويتقن العمل،... لقد كان على الرجل قبل كل شئ، أن يخطط لنفسه الأسلوب الذى ينبغى أن يعمل به، والنقطة التى منها يبدأ، ويسير، ويستمر فى العمل،... ومن ثم قام فى الليل وزار موقع العمل على الطبيعة، هو وبعض الرجال معه، ولم يخبر أحداً بما جعله اللّه فى قلبه ليعمله فى أورشليم، والنقطة الأولى فى كل عمل عظيم، هى التفكير فى هدوء وأناة فى محضر الرب، والاتفاق مع اللّه أولا على العمل، والتصميم على القيام به مهما تكلف المرء من جهد أو مخاطر أو مشاق،... أو بعبارة أخرى، أنه ذلك الاقتناع الذى يسود على حياتنا بأننا عاملون مع اللّه، قبل أن يعلم أحد على الإطلاق ما نحن مقدمون عليه، أو فى سبيله بمشيئة اللّه،... فإذا تم لنا هذا الاقتناع، فإن الخطوة التالية هى الانصراف إليه وإنجازه، أو الانتقال به من النظريات إلى العمل بدون أدنى تردد أو تراجع مهما كانت المشقات أو الصعاب أو المتاعب التى تعترض طريقه... كان ديفاليرا القائد والزعيم الإيرلندى العظيم يخطب فى جموع من مواطنيه عندما قبض عليه الانجليز وهو فى منتصف الخطاب عام 1916،.. وأخذ إلى إنجلترا وهناك حكم عليه بالإعدام، وأرسل إلى سجن ويكفيلد حتى يتم إعدامه، ومن العجيب أنه جلس فى زنزانته، وهو يفكر كيف يكمل الخطاب الذى بدأه، ونحن نعلم قصته بعد ذلك، أنه لم يعدم، بل أفرج عنه، وبعد عام تقريباً وقف يخطب، فإذا به يبدأ خطابه بالقول: كما كنت أتحدث إليكم عندما قوطعت بخشونة!!.. والعامل المسيحى قد يقاومه الناس أو يقاطعونه أو يزجون به فى السجون،... ولكنه وقد صمم على عمل اللّه، لابد أن يزيح من أمامه كل تراجع أو تقهقر أو تردد!!.. وضع نحميا فى العمل عدة مبادئ، لعل أهمها، أولا: الاتحاد فى العمل، فبناء السور لم يستأثر به فرد واحد بل كانت تتاح الفرصة للتعاون بين الجميع ومع أن نحميا كان الدافع العظيم خلف البناة، إلا أنه أدرك إدراكاً عميقاً أن العمل الذى يستند إلى مجهود فرد واحد أو قلة من الناس، لابد أن يفشل، ولأجل ذلك نجده قد ضم نفسه إلى العاملين وقال: « فبنينا ». وكل عمل فى الحياة يلزمه التعاون والاتحاد حتى يخرج إلى الوجود فى أحسن صورة، وتلك من البديهيات التى لا تحتاج إلى إيضاح، ولكننا كثيراً ما ننساها، ونحن نقوم بأعمال عظيمة، فيتراكم العمل على فرد بينما يقف آخرون متفرجين أو غير عاملين، أو على الأكثر، مشجعيين ولكن من على بعد!!.. على أن هناك أمراً ثانياً لا يقل أثره عن الإتحاد، ونعنى به تجزئة العمل أو تقسيمه بين العاملين، كل بحسب تخصصه ومقدرته، وقد قال جورج آدم سميث: إن توزيع العمل فى مصنع للدبابيس ينتج مائة ضعف مما ينتجه المصنع بدون توزيع عندما يقوم العمل بالعملية كلها من أولها إلى آخرها، وكلما ارتقت الأمة وتسامت، كلما برز فيها عنصر التخصص بكيفية أو ضح وأدق، وفى كنيسة المسيح هناك مواهب متعددة يلزم استثمارها كل بحسب ما أخذ من موهبة ووزنة،... على أن عامل التخصيص كان أدق وأهم عندما طلب نحميا أن يقوم كل واحد بالعمل فى مكان معين، مقابل بيته، وهذا أمر له دلالته، إذ فضلا عن أن كل إنسان فيه غريزة الملكية التى تجعله يميل إلى أن تكون بقعته من أجمل وأحسن البقاع، والتى تجعله ينزع إلى أن تكون بقعته أيضاً حصينة آمنة، فإن العمل مقابل بيته يثير النخوة والحركة، إذ أنه سيضحى مع الزمن عملاً تذكارياً، فهو إما مثير أبهج الذكريات، أو أقساها لدى صاحبه، كما أنه ينشئ نوعاً من التنافس بين العاملين، إذ أن كل واحد يريد أن يتمم عمله بسرعة وعلى أحسن وجه، وبذلك يحفز كل واحد أخاه على السرعة والإجادة، وفى الوقت عينه يقدم تيسيراً واضحاً لكل من يعمل، إذ أنه يكون قريباً من بيته، وبالحرى قريباً من أدواته ووسائله الخاصة التى تساعده على العمل،... وما أكثر ما تضيع الجهود المخلصة فى خدمة اللّه، إذا خلت من التنظيم الحكيم، والترتيب اللازم.على أنه من اللازم أن نتذكر أن نحميا لم ير أن نهاية عمله هى بناء سور أورشليم، إذ كان يعلم أن السور فى حد ذاته لا قيمة له إذا لم يكن هناك سور روحى يقى الشعب من جموحهم وتمردهم، ولقد كرس جهوده لبناء السور الروحى الأعظم فى حياة الشعب، ولقد استمر نحميا إثنى عشر عاماً بعد أن عينه الملك حاكماً لأورشليم، وهو يعمل على انفراد، أو مع عزرا على بناء الحياة الروحية لشعبه، وقد بدأ ذلك بالعهد الذى قطعه الشعب على نفسه بالتخلى عن الشر والفساد والتمسك باللّه ووصاياه، وقد كان على القادة أنفسهم أن يكونوا فى ذلك قدوة لغيرهم، لأن الإنسان بطبعه مقلد، ويميل للسير فى النهج وراء الرؤساء والسادة، وهذا ما فعله الشعب عندما رأوا قادتهم يسلكون سواء السبيل،.. وقد تمسك الجميع بالشريعة، وظهر هذا التمسك فى الصوم والمسوح والحزن على الخطية، وكل اقتراب إلى اللّه لا يبدو فيه الندم وتبكيت الضمير، أغلب الظن أنه مزيف وغير صحيح، ولا يلبث أن يتراجع أو يضيع مع الأيام،.. وقد بدت ظاهرة التمسك بالذهاب إلى بيت اللّه، وعدم الملل من الوجود هناك، إذ كانوا يقضون ثلاث ساعات فى قراءة الكلمة، وثلاث ساعات أخرى فى الاعتراف والتسبيح والحمد، " نح 9: 3 " على أن التمسك قد تعمق أكثر بالانفصال عن الأجنبيات اللواتى اقترنوا بهن، والتوبة الحقيقية هى التى تمد جذورها إلى أعماق البيت، إذ أن المرأة الشريرة أو الوثنية، كثيراً ما تقود البيت كله إلى الضلال،... ومن المناسب أن نلاحظ هنا أن محبة اللّه ينبغى أن تجب كل محبة أخرى تقف فى الطريق أو تعطل أو تزاحم مكانها فى القلب،.. وقد أضيف إلى هذا كله الحرص على تكريس يوم الرب، دون الانصراف إلى العالم فكراً أو عملا،.. ومن المؤسف أن يختلط هذا اليوم فى حياة الكثيرين من المسيحيين بباقى أيام الأسبوع دون تخصيص أو تقديس، ومن ثم يغطيه الغبار أو التراب الذى ينهال عليه من العالم وزحام الحياة البشرية،... مع أنه اليوم الذى نيبغى أن يكون - على العكس - لنفض التراب وإزالة الأوساخ الروحية التى قد تتراكم على المؤمن فى سيره مع اللّه!!... وقد شجع نحميا الناس على الاعتراف بالخطية والتقصير، وهذا الاعتراف ضرورى للتعمق فى حياة القداسة والسير نحو الكمال،... واهتم أن يشجعهم على الأمانة فى العشور والتقدمة، إذ أن التصرف فى المال، فى العادة، هو واحد من أدق المقاييس وأصدقها فى حياة المؤمن الصحيحة!!.. وما أكثر ما يفعل الناس ما فعله الملك لويس الحادى عشر، إذ أصدر أمراً بهبة قطعة كبيرة من مملكته للعذراء مريم، على أن يبقى ريعها قاصراً عليه، وما أكثر ما يغنى الكثيرون لسيدهم أن يمتلك حياتهم، وفضتهم وذهبهم، دون أن يقدموا شيئاً من هذه الحياة أو الفضة أو الذهب!!... هل لك أيها المؤمن أن تبنى سوراً روحياً حول نفسك الغالية، كالسور الروحى الذى وضعه نحميا قبالة عينيه وهو يبنى سور مدينة أورشليم القديم؟! نحميا ومجده قال يوسيفوس عن نحميا: « كان رجلا صالحاً وباراً، وكان طموحه الكامل أن يجعل أمته سعيدة، وقد أضحت أسوار أورشليم كالنصب التذكارى الأبدى لنفسه العظيمة »... كان مجد الرجل الحقيقى أنه أدرك أن رسالته الصحيحة والحقيقية، ليس أن يكون سياسياً فى شوشن، أو حاكماً فى أورشليم، بل أن يلمس اللّه حياته وخدمته، فتكون جملة وتفصيلا لمجد اللّه فى الأرض!!... ولعل هذا يذكرنا بما فعل نوح وبستر عندما أنهى قاموسه العظيم، وجفف الحبر من الكلمات الأخيرة، ووضع قلمه، وتحول نحو زوجته وزملائه وأمسك بأيديهم، وانحنوا جميعاً على ركبهم، وفى احترام وإجلال، شكروا اللّّّّه لأجل عنايته ومساعدتهم فى هذا العمل العظيم،... كان هذا موقف العالم المبرز، والمسيحى المتواضع، الذى رأى فى وضع قاموس عملا دينياً، لأنه أدرك أن كل عمل فى الأرض، لابد أن ينبع من الإحساس بالرسالة الدينية الموضوعة علينا من اللّه كخدمة مقدسة!!.. وما من شك فى أن نحميا شكر اللّه آلاف المرات، بعد أن وضع الحجر الأخير فى سور المدينة، وهو يدرك أنه عثر على الرسالة الحقيقية التى وضعها اللّه عليه أمام الخرائب والأنقاض!!.. وما من شك بأن مجدى، أو مجدك الحقيقى يبدأ عندما تتفتح بصائرنا على ذات الخرائب والأنقاض التى تركتها الخطية حولنا فى كل مكان ونسعى لبنائها، فهل نكون على نفس النهج أو الصورة التى ذكرها أحدهم وهو يقول: « ما أمجد أن تكون يداً أو مساعداً لما قصد اللّه أن تكون عليه فى الحياة، وما أبشعه من خطأ ألا تكون عقلا أو قائداً فى وسط الناس، وقد أعطاك اللّه الإمكانية الداخلية لأن تكون هكذا.. »...!!... ربما لا يجد المرء كلمات، آخر الأمر، يختم بها حديثه عن نحميا أفضل من كلمات ألكسندر هوايت وهو يقول: « لو أن خادماً شاباً عين للخدمة كنحميا فى شعب كشعب أورشليم فى ذلك الزمن القديم، ولو أنه جاء إلى الخدمة ليرى الأبواب المحروقة بالنار، والأسوار المنهدمة، وبيت اللّه يلحقه العار والضياع فإنه فى أمس الحاجة إلى أن يقرأ سفر نحميا ويحفظه عن ظهر قلب،... وهو فى حاجة إلى أن يجول بين الأنقاض والخرائب كما فعل الساقى القديم، دون أن يخبر أحداً، وكل ما عليه هو أن ينهض باسم « الملك » ويبنى، وأن يأخذ حجارته من محاجر « الملك » وخشبه من غاباته العظيمة، وليعلم أن يد الرب معه،... وعليه أن يعظ أفضل عظاته للشعب الذى طال جوعه أحداً بعد أحد، وعاماً وراء عام، فى خدمته الممتدة،.. وليزر ليلا ونهاراً الرعية التى طالما أهملت، وليكن مثل صموئيل رزر فورد الذى بدأ خدمته فى كنيسة صغيرة فى أسكتلندا، واليوم هى من أكبر الكنائس وأوسعها، وليكن مقصد رعيته، وعلى الدوام يدرس، وعلى الدوام إلى جانب المريض فى سرير مرضه، وعلى الدوام يصلى، وليقل ما قاله نحميا: « ولم أكن أنا ولا أخوتى ولا غلمانى ولا الحراس الذين ورائى نخلع ثيابنا. كل واحد يذهب بسلاحه إلى الماء » " نح 4: 23 ".. وليفرح عند تدشين السور بالفرح العظيم والتسبيح والتحميد بالصنوج والمزامير والقيثارات: « لأن اللّه أفرحهم فرحاً عظيماً، وفرح الأولاد والنساء أيضاً وسمع فرح أورشليم عن بعد » " نح 12: 43 " وهو سيفعل ذلك إذا كان له إيمان باللّه، وحبه لأورشليم والعمل الصعب المضنى الشاق الذى قام به من أجلها!!.. »..
المزيد
21 فبراير 2021

قداس الموعوظين

س: لماذا سمي بقداس الموعوظين: هل لأنه خاص بالموعوظين فقط؟ الإجابة لا، لكن لأن هذا هو الجزء الذي يحضره الموعوظين، لكن هو للكل، ليتورجية الموعوظين هو لكل المؤمنين والموعوظين لكن هو الجزء المسموح للموعوظين بحضوره، فلا نقول إنه يخص الموعوظين فقط. ما هي ليتورجية الموعوظين: تشمل القراءات: البولس، الكاثوليكون، الإبركسيس``Pra[ic ، السنكسار cuna[arion، المزمور، الإنجيل والعظة. وفي مرحلة من المراحل كان هناك فقط ليتورجية الموعوظين وهي قراءات فقط وفي فترة أخري أضيف إليها الأواشي التي هي الثلاث أواشي الكبار: السلامة والآباء والاجتماعات وسميت بالكبار لأن طلبتها كبيرة نقول فيها صلوات كثيرة: هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها ثم يكمل " كل الشعوب وكل القطعان باركهم.. إلخ.".وكان الشماس بعد الأواشي يقول "أنصتوا بحكمة الله يا رب ارم بالحقيقة" وكان الشماس يقول هذا لأنه كان الموعوظين يخرجون فكان يقصد بهذا أن ينصتوا ثم يقال قانون الإيمان.وفي فترة ثالثة أضيفت صلاة الصلح باعتبار أن الموعوظين تصالحهم الكنيسة مع الله ولذلك لما نقول علي ليتورجية الموعوظين تشمل هذه الثلاثة أجزاء. ليتورجية الموعوظين تشمل الجزء التعليمي والثلاثة أواشي الكبار وجزء صلاة الصلح، كل هذا نسميه ما قبل الأنافورا anavora، والأنافورا هي لحظة رفع الابروسفارين procverin. وهي كلمة يونانية معناها رفع القرابين. وسميت ليتورجية باعتبار أنها خدمة، خدمة لهؤلاء الذين يدخلون إلى الإيمان، فهي خدمة تقدمها الكنيسة خصيصًا لهم، والحقيقة فيها صلوات تقرأ أثناء القراءات لكي يفتح الله آذان وأذهان الموعوظين لكي يفهموا ما يقال.أحد الآباء يقول: "في قداس الموعوظين تخطب النفس للرب يسوع"، لذلك بولس الرسول يقول: "لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" لهذا هو يعطيها نفسه، فالكنيسة هي عروس المسيح. لقاءنا مع المسيح في الأفخارستيا، سيناكسيس تعبير يطلق علي القداس وهو التفاف المؤمنين حو الكنيسة المقدسة والأب "ديكس" أطلق علي القداس لفظ سيناكسيس، سماه منفصل ومتصل، متصل أي الجزء الخاص بالموعوظين أو الذي يحضره الموعوظين غير مرتبط ببعض مثل القداس الغريغوري والقداس الباسيلي، غير القداس الكيرلسي الذي عمله القديس مرقس الرسول وأضاف إليه أشياء القديس كيرلس عمود الدين، نجد أنه كل الأواشي قبل التقديس فكل الصلوات وكل القراءات كلها منفصلة تمامًا عن صلب القداس التي هي التقديس والتأسيس والقسمة والتناول. فالسيناكسيس المتصل يعني القداس كله، والمنفصل يجعل الجزء الخاص بقداس الموعوظين ودورات البخور كلها كانت تكون لوحدها، إن جاز هذا التعبير مثل في الصوم الكبير بعض الكنائس والأديرة ترفع بخور باكر بعد التسبحة ثم بعد الظهر الساعة 1، 2 يصلون القداس فكانت الكنيسة تفعل ذلك مع الموعوظين، تجعل الصلوات والقراءات ودورات البخور كل هذا لوحدة ثم في وقت لاحق يكون الجزء الخاص بالمؤمنين فقط: تقديم الحمل صلوات الافخارستيا – التقديس – القسمة – التناول.في الوقت الذي عمل فيه تقسيمة الأب "ديكس" كانت صلاة الصلح من ضمن صلوات المؤمنين ولم يكن أضيف إلى ليتورجية الموعوظين، ومن هنا هذا المسمى جاء السيناكسيز المتصل، المتصل الذي هو يكون كله مع بعض، تشبيه آخر الذي يرفع بخور باكر والقداس بعده مباشرة والسيناكسيز المنفصل مثل نظام الصوم الكبير رفع بخور لوحدة والتقديس لوحدة، لذلك كان هناك القراءات وعظه الأب الأسقف للموعوظين ثم ينصرف الموعوظين بعد الأواشي، ثم يبدأون تقدمة الحمل مع صلاة الصلح مع صلوات الإفخارستيا ثم التقديس والقسمة والتناول. وكلمة سيناكسيز أي الكل مجتمع حول الإفخارستيا.كنيسة إسكندرية لأن كان فيها موعوظين كثيرين لهذا قداسها عمل بنظام السيناكسيز المنفصل ولو أنه الآن متصل. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
23 أكتوبر 2018

الشخصية والمشاكل الأسرية

1- يتصور بعض الآباء والأمهات أن المشاكل التي تحدث بينهم في المنزل، ليست لها أيّة آثار في حياة وشخصيات أولادهم. ولا أنسى يومًا كنت أحاول فيه إقناع زوجة بالصلح مع زوجها، وكان معها بعض أقاربها، وكان طفلها يجيء كل بضع دقائق لكي يستريح في حضنها، ولكنها كانت منفعلة جدًا، فكانت - هي وأقاربها - يحاولون إبعاد الطفل بأساليب كثيرة، ليدخل إلى حجرة أخرى، ولكن دون جدوى، فقد أصر الطفل أن يرتمي في حضن أمه!إن هذه الأمور يستحيل أن تعبِّر على الطفل ببساطة، تلك النفسية الشفّافة البريئة، فلقد أخذ الطفل يصرخ دون توقُّف، متضايقًا من هذا التجاهل وهذه الانفعالات الحادة.2- ولا أنسى أسرة ذهبتُ لزيارتها، وكانت أسرة مسيحية من الطراز الأول، نشأ الأولاد فيها في سلام وقداسة ومحبة، ومُشبَّعين بروح الصلاة وشركة الأسرار المقدسة. جاءت قريبة لهم تشكو زوجها بانفعال شديد. فإذا بالطفلة الصغيرة في الأسرة تختبئ في حجر أمها وتقول لها: "ماما.. اجعلي هذه السيدة تمشي من هنا".. نعم.. فهي لم تتعود على هذا الصياح والهياج والعنف. 3- أما عن "مرحلة الطفولة المبكرة" وما تتسم به من حب لتقليد الوالدين، فهي مرحلة خطيرة جدًا إذ تكمن في هذا الطفل (من 3-5 سنوات) بذور شخصيته كرجل أو امرأة.. فإذا ما نشأ الطفل في جو كنسي، صار ابنًا للرب وللكنيسة.. أمّا إذا نشأ في جوٍّ يسوده التدليل والعاطفة الشديدة، نشأ تابعًا لأبيه أو أمه، دون استقلال لشخصيته، فتراه - وهو رجل كبير فيما بعد - مرتبطًا بأسرته أو بأمه بصورة مريضة.. أو تراها عروسًا مرتبطة بأمها، وأمها مرتبطة بها بصورة تدمر حياتها، وبيتها الجديد. 4- أمّا إذا نشأ الطفل في جو تسوده القسوة، فسوف ينشأ عدوانيًا، يكره كل من حوله.. 5- وإذا نشأ في جو يسوده الانقسام والتناقض، نجد أنه يقتني شخصية مضطربة غير سوية.. فهو يرى الخلافات حوله في كل يوم، فيكره الحياة الأسرية، وأحيانًا يكره الزواج، وتصير شخصيته غير سليمة.من هنا يجب أن يلتزم الوالدان بما يلي:1- الترابط العائلي: وسيادة روح المحبة المسيحية في الأسرة. 2- التربية المتوازنة للأولاد: فلا قسوة ولا تدليل، ولا تناقضات وانقسامات وخلافات، ولا قسوة أب وتدليل أم.. وهكذا.3- الفهم السليم لمراحل الأولاد: فطفل الابتدائي يحتاج إلى الحب، وفتى الإعدادي يحتاج إلى الإيمان، وشاب الثانوي يحتاج إلى التوبة والعشرة مع الله، وفي الجامعة ينبغي أن يكون قد صار خادمًا ناضجًا.. وحينما يختار شريكة حياته أو يتخذ قرارات المستقبل يحتاج إلى الحوار والتفاهم. 4- القدوة الشخصية: إذ يستحيل على الأب المدخن أن يقنع ابنه بعدم التدخين. وأمامنا مشكلة الإدمان وكيف تهوي إليها الشخصيات المتوترة والمضطربة.ليت كل أسرة تقتنع بضرورة سيادة الرب على حياتها، وفكر الله على تصرفاتها، والانتماء الكنسي على سلوكياتها، ولربنا كل المجد.. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
08 سبتمبر 2021

علامات نهاية الزمان

كما سمعتم الأنجيل ..أنجيل معلمنا مارمرقس وهو يتكلم عن علامات نهاية الزمان ويعطينا تقرير كامل عن ما سيكون في نهاية الزمان وفصل الأنجيل النهارده يستحق القراءة في كل يوم لأجل ان ينتبه الإنسان وآخر كلمة في هذا الفصل تقول “إسهروا ” يعني خدوا بالكوا …أريد أن أتأمل معكم في 3 آيات وردت في العهد الجديد ولها سمة مرتبطة ببعضها البعض من السمات الجميلة أن بعض الآيات الكتاب المقدس التي علمها لنا الرب يسوع أن نصف الآية الأول هنا على الأرض والنصف الاخر يكتمل في السماء يعني الآيه تربط بين السماء والأرض نصها الأول يتحقق على الأرض تجدد النصف الثاني يكنمل في السماء إخترت لكم ثلاثة آيات – طبعا الكتاب المقدس به العديد من الآيات من هذا القبيل لكني إخترت لك ثلاثة آيات من الممكن ان يرسموا طريق روحي لك 1) أول آية التي قالها السيد المسيح في العظة على الجبل “طوبى للمساكين بالروح لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات” 2) والآية الثانية يقولها في مسيرة حياة الأنسان “لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم فد سر أن يعطيكم الملكوت” 3) والآية الثالثة في سفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب المقدس يقول : “كن أمينا للموت فسأعطيك إكليل الحياة” تعالوا نعمل رحلة سريعة ونربط بين الثلاث آيات في حياتنا الروحية: الآية الأولى : طوبى للمساكين بالروح وهذه هي بداية الطريق المساكين بالروح هم أصحاب الأتضاع. والإتضاع كما علمنا الآباء هو الأرض التي تحمل كل الأثمار. وإتضاع الأنسان هو الذي يحرسه ويحرس حياته الروحية. تصور إنسان بلغ في القداسة علو كبير وبلغ في النقاوة …لكن بلا إتضاع يضيع هذا كله. من اجل هذا عندما فال السيد المسيح تعلموا مني ..نتعلم ماذا وماذا منك يا رب ؟ كل ما هو جميل لديك. يقول تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب … أي أن هذه هي النقطة الأساسية ..لماذا؟ لأنها بداية الأنسان والتي تحرس الفضيلة فيه. عندما تكون متضعا هذا الأتضاع يحرس النعم التي يعطيها الله لك. ولماذا يعطينا الله نعم؟ ليختبرنا هل عندما تأخذ هذه النعمة تتكبر أم أنها تزيدك إتضاعا. من التقاليد الموجودة في إديرتنا بمصر إن باب القلاية يجب ان يكون منخفض فعندما يدخل الراهب يجب أن ينحني لكي يتذكر الراهب في دخوله وخروجه الأتضاع. وعندما ينحني ينظر للتراب قديما لم يكن هناك بلاط أو موكيت …كان تراب ورمل فيتذكر أنه من التراب أخذ والى التراب يعود. طالما الانسان بيفكر هكذا ويعرف حياته جيدا …يبقي ماشي في مسيرة الحياة بطريقة ترضي الرب يسوع المسيح. تعالوا ننظر الى حياة سليمان الحكيم والنبي أعطاه الله أمور كثيرة في حياته كل النعم أعطاه له لكن في الحقيقة كثرة النعم جعلته ينحرف بقلبه وعندما أبتدأ أن يتيقظ كتب سفر الجامعة وبه قال باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس. إتضاعك يعطي معنى لحياتك وجميل جدا التعبير الذي يستخدمه السيد المسيح “طوبي للمساكين بالروح” روحك بها مسكنة ونحن نصلي في مزمور التوبة “القلب المنكسر لا يرذله الله” من أجل هذا من طقوس الصلوات التي نستخدمها هو طقس المطانية. فهي عبارة أن الأنسان يقف ويتلو صلاة صغيرة ياربي يسوع المسيح ثم يسجد الى الأرض. …كانه يعترف أمام الله أن خطيته أنزلته للأرض ويكمل صلاة توبته أرحمني أنا الخاطئ فهي صلاة توبة أول مبدأ تضعه أمامك أنت تخطط للسنة الجديدة “طوبى للمساكين بالروح”…اللي يعيش بالأتضاع له نصيب في السماء اللي يبعد عن الأتضاع يروح نصيبه اللي في السما….هذه نمره واحد…البداية الآية الثانية: مسيرة حياة الانسان بها أشياء تجعله يخاف…متاعب تقابل الأنسان وبها الشيطان الذي يحارب والعالم الذي يغري والذات التي توقع الأنسان في فخاخ عديدة …يقول له المسيح لا تخف أيها القطيع الصغير …كن دائما واثق من يعطيك هذا الوعد هو شخص المسيح نفسه. ويعطيه لك بصفة فردية حتى لو كنت قليل أو صغير أو لوحدك …لماذا؟ لأن لك أب يسر أن يعطيك الملكوت. طالما تسير في إتضاع في حياتك ستجد نصيبك السماوي في إنتظارك. نحن نصلي الصلاة الربانية “ليأتي ملكوتك” كلنا مشتاقين لهذا الملكوت يا رب. أحيانا الأنسان في حياته الروحية يخاف. خوف من امور كثيرة من المستقبل من المرض من مشاكل في الإمتحان كيفما يكون لكن وجود رفقة المسيح ينزع كل خوف. بعد القيامة كان التلاميذ خائفين جدا وكانوا في العليقة مقفلين الأبواب والشبابيك …لا يعلموا ما هذا الذي حدث؟ فظهر لهم المسيح فخوفهم العظيم كما إشار إنجيل معلمنا مار يوحنا وفرح التلاميذ إذ رأوا الرب. في العهد القديم جاء ثلاثة فتية رغم أنهم كانوا في السبي …كانوا يعبدوا الله الواحد ولا يعبدوا الملك الوثن التمثال الذهب. فعندما سألهم نبوخذ نصر عن سبب عدم عبادتهم للتمثال الذهب ..فقالوا لنا آلهنا الذي نعبده. من هو هذا الآله ..لا يوجد من هو أعظم مني ومن التمثال المرتفع هذا سأربطكم وأضعكم في الأتون. فنظروا له وقالوا له بكل ثقة يا نبوخذ نصر لا يهمنا ان نجيبك يوجد ألهنا الذي يجيبك. نحن لا نعلم ماذا سيفعل لكن واثقين في آلهنا وفيما سيصنعه . النتيجة إلقاء الفتية في الأتون الذي تم تحميته سبعة مرات وينتظرهم ليجد أن الخيوط والحبال تتقطع ..ثيابهم تبقى ..أجسادهم تبقى..والأكثر جمالا أن يكون الرابع الشبيه بإبن الآلهة يرافقهم في الأتون فيصير ندى بارد …عبارات كثيرة تكررت في الكتاب “انا هو لا تخافوا” طالما المسيح موجود لا تخافوا. الآية الثالثة:” كن أمينا الى موت وسأعطيك أكليل الحياة” كل البشر عندما يقفوا أمام المسيح ….ما هو المقياس الذي يقيس به حياتهم؟ طبعا المقياس هو مقياس الأمانة…عشان كده يقول “كن أمينا الى الموت” أنتبه لكلمة “كن” • كن أنت أو أنتي أو أنا تنفع لكل واحد فينا • كن بحسب شخصك أنت كبير أنت صغير أنت في أول عمرك أنت في عمرك المتقدم ، أنت عالي التعليم عالي الثقافة أو محدود التغليم او الثقافة • في هذه البلد أو في آخري …كن بها إستمرارية إلزام وخصوصية لك ….المهم أن تكون أمينا الى الموت هذا المعيار معيار للأنسان في حياته -أنت راهب أنت مسئول في عمل ما أنا اب وأم في البيت نربي أولادنا أنا خادم ….لازم اكون أمين الى الموت كن أمين الى الموت يعني كن أمين مدى الحياة يعني أمين وأنت شاب وانت كبير في أوقات حياتك ….العملية لا يوجد بها إختيار متى أكون أمين ومتى لا …ما يناسب تعليم المسيح ان الإنسان يكون أمين الى نهاية الحياة ثم ماذا بعد ….سأعطيك إكليل الحياة …مرة يقول لنا “طوبي للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات” وآخرى “لا تخف لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت” وهذه المره يقول لنا “كن أمينا الى الموت وسأعطيك إكليل الحياة” …الجائزة تفوز بالنصيب السماوي من أجل هذا ونحن في مسيرة هذه الحياة ونحن في نهاية عام قبطي وإستعداد لبداية عام جديد ضع هذه المبادئ الثلاثة أمامك: 1. طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات 2. لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت. 3. كن امينا للموت فسأعطيك أكليل الحياة. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
18 أكتوبر 2019

التعليم الكنسي (3) - المتعلم

تكلمنا في الأعداد الماضية عن المنظومة التعليمية الكنسية بأركانها الثلاثة، وهي: المعلم والمنهج والمتعلم. وتحدثنا بإسهاب عن الركن الأول (المعلم) والركن الثاني (المنهج)، ويبقى الحديث عن الركن الثالث أي المتعلم. المتعلم هو التلميذ الذي يتبع باختياره مُعلّمًا ويشاركه أفكاره ويمتصّ منه المعرفة الكنسية بكل جوانبها الروحية والنفسية والسلوكية والعلمية والتربوية... وفي العهد القديم نقرأ عن تلاميذ الأنبياء والحكماء مثلما كان أليشع النبي تلميذًا يتبع إيليا النبي (1مل 19:19)، أو يشوع بن نون تلميذًا لموسى النبي، وغيرهم... وفي العهد الجديد نقرأ عن تلاميذ يوحنا المعمدان (مرقس 2: 18)، وتلاميذ الفريسيين (متى 22: 16)، ثم تلاميذ الرب يسوع الاثني عشر (متى 10)، ثم الرسل السبعين (لوقا 10). وامتد هذا اللقب – تلميذ أو متعلم – إلى سائر المؤمنين سواء عرفوا يسوع المسيح خلال حياته وخدمته على الأرض، أو لم يعرفوه سوى بالإيمان خلال كل الأجيال التالية كما نقرأ في سفر الأعمال (6: 1، 2؛ 9: 10-26)... الخ. و"المتعلم" في كنيستنا أو "المخدوم" يتمثّل في ثلاثة قطاعات أساسية وهي: فرديًا – جماعيًا – جماهيريًا. 1- القطاع الفردي: والمقصود أن يكون المتعلم فردًا واحدًا أو أسرة، يتلقى المعرفة والتعليم الكنسية فرديًا، وهذا يتمثل في: أ. الشخص المعترف: الذي يمارس سر التوبة والاعتراف أمام أب اعترافه الذي يقوده روحيًا وتقويًا ويصلي معه ويصلي له التحليل الكنسي. والعلاقة بين أب الاعتراف والمعترف قد تمتد عشرات السنوات في منهجية تعليمية تهدف لخلاص الشخص طوال مسيرته الروحية. ب. طالب الإرشاد الروحي: والمرشد هنا قد يكون بأي صورة: كاهن أو غير كاهن، ولكن له قامة روحية دراسية يستطيع أن يرشد آخر بكل حكمة ورؤية ثاقبة. وطالب المشورة قد يستمر في هذه العلاقة الروحية وقتًا طويلاً أو قصيرًا، ولكنه شكل من أشكال التعليم الكنسي الذي يجب أن يكون مصحوبًا بالصلاة والتقوى. جـ. زيارة الافتقاد: عندما يفتقد الكاهن أو الخادم أي شخص بمفرده أو أسرة محدودة العدد، فإنما تكون جلسة الافتقاد جلسة تعليمية رعوية، وفيها التعليم الكنسي بصورة مناسبة، سواء بالإنجيل أو بالحديث الروحي أو بالصلاة، بعيدة تمامًا عن المظاهر الاجتماعية أو الأحاديث الفارغة.. وهذه مسئولية الكاهن أو الخادم أولاً وأخيرًا في كيفية إدارة جلسة الافتقاد. 2- القطاع الجماعي: والمقصود أن يكون المتعلم / المخدوم مجموعة متجانسة في السن أو العمر أو في النوعية (شباب أو شابات أو سيدات أو ...). وقد تكون شاملة لنوعيات كثيرة من قطاعات الخدمة، ويمكن أن نقسّم هذه المجموعات إلى ما يلي: أ. فصول مدارس الأحد: بدءًا من الحضانة إلى الابتدائي إلى الإعدادي، وهي مراحل التعليم الأساسي، وهي غالبًا مشتركة بين البنين والبنات أو منفصلة، ولكنها مقسمة إلى سنوات دراسية. وفي بعض الأماكن التي بلا كنائس غالبًا تكون كل مرحلة معًا، مثل ابتدائي أو إعدادي بدون تقسيم سنوات، نظرًا لضيق الأماكن أو قلّة العدد. ب. الاجتماعات النوعية: مثل الأسر الجامعية، أو اجتماعات الكهنة أو المكرسين والمكرسات، أو المهن المختلفة مثل المحامين أو المحاسبين أو الأطباء أو رجال الأعمال. ويندرج تحت هذا النوع اجتماعات الشباب الجامعي أو اجتماعات الخريجين أو المخطوبين أو حديثي الزواج وغيرها. وغالبًا تكون هذه الاجتماعات دورية، مثلاً مرة كل شهر أو كل 3 شهور أو مرتين في السنة، وغير ذلك حسب ظروف كل خدمة، والعامل المشترك في كل نوعية هو الذي يحدّد المنهج الذي يُقدَّم وموضوعاته وأنشطته. جـ. الصلوات الليتورجية: مثل القداس أو العشية أو التسبحة اليومية أو السنوية أو الكهيكية.. وهذه متاحة لجميع الناس والأعمار، ولكنها محدودة بسعة الكنيسة والمكان، وغالبًا تدور حول شكل الصلاة بكل ما فيها من ألحان وترانيم وتعاليم وقراءات وشرح وحياة شركة. ومثلاً القداسات لها منهج تعليمي مُحدَّد لكل يوم بحسب القطمارس الكنسي. 3- القطاع الجماهيري: وهو القطاع المفتوح أمام مئات وآلاف للحضور والمشاركة، وغالبًا لا يحمل الصفة الدورية بل يكون مرة واحدة في السنة. ومن أمثلة هذا القطاع: أ. النهضات: وهي احتفالات بتذكارات القديسين عادة تدوم لمدة ثلاثة أيام أو خمسة أو أسبوع أو عشرة أيام، وغالبًا لا تزيد عن أسبوعين، وهي تتنوع من كنيسة لكنيسة. ومن أشهر النهضات الكنسية ما يتم خلال الصوم المقدس (الكبير)، أو خلال صوم العذراء مريم. وهذه النهضات تعتمد أساسًا على برنامج تعليمي يشترك فيه عدد من الآباء والخدام الزائرين، وعادة يدور حول سلسلة من الموضوعات المترابطة، وهو بمثابة إنهاض الحياة الروحية لدى المؤمنين، ويتبع ذلك بعض الأنشطة كالمسابقات الكتابية أو الأنشطة الاجتماعية مثل تقديم المعارض وغيرها. ب. المهرجانات: وهو أسلوب المنافسات في عدة مجالات كنسية واجتماعية، يتم سواء في حدود الكنيسة المحلية أو على مستوى الإيبارشية أو على مستوى الكرازة كلها. وقد ظهر هذا الأسلوب منذ حوالي ثلاثين عامًا في بعض المناطق بصورة محلية، ثم اتسع مع السنين ليشمل أعدادًا كبيرة من كافة قطاعات الخدمة، ويشترك فيه الصغار والكبار خلال شهور الإجازة الصيفية، وتوضع له مناهج وتحتاج دائمًا إلى التطوير والتجديد بما يناسب كنائسنا سواء في مصر أو خارجها. جـ. الاحتفالات العامة: وهي احتفالات المناسبات سواء محلية أو على مستوى الكرازة والتي لها أثر شعبي كبير، مثل احتفالات الكنيسة بمائة عام على إنشاء مدارس الأحد (اليوبيل المئوي الأول)، أو احتفالنا بمرور خمسين عامًا على إنشاء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وتجديدها وتجميلها وتدشينها في احتفال مهيب يوم 18/11/2018، وكذلك احتفالنا بالوبيل الذهبي لظهور أمنا العذراء مريم في كنيستها بالزيتون بالقاهرة (1968-2018). أمثال هذه الاحتفالات تحمل الطابع التاريخي والوثائقي، وفيها تواصل الأجيال وحركة عمل الكنيسة من جيل إلى جيل، وتُعتبر علامات مضيئة في مسيرة حياة الكنيسة والمؤمنين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل