المقالات

04 يناير 2022

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14). الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه. إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه ، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لآب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب. ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجواب لأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً،وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله. وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا) “كورنثوس الاولى 10: 33( القدّيس يوحنا الذهبي الفم
المزيد
03 يناير 2022

ميلاديات ج1

لم يكن ميلاد المسيح مجرّد حدث عظيم تناقلته البشريّة في مؤلفاتها التاريخيّة وسطرته أقلام المسيحيين في كتاباتهم التقويّة. ولم يكن مقدم المسيح هو إعلان عن مولد ملك يحمل الرفاهيّة لشعوب ترزح تحت سطوة الفقر والفاقة والمرض والشقاء. ولكنه كان الحدث الذي أدخل الفرح من جديد للكيان البشري المنهار من قسوة العبوديّة تحت سلطان الموت وإمرة الشيطان وأصفاد الخطيئة؛ فالشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا وتناقل الفضاء أصوات الملائكة بالفرح العظيم الذي لامس الأرض البشريّة الجدبة، وأصبحت الحياة -بعد مولد المسيح- هي احتفالية إنسانيّة / إلهيّة، بالتصالح الذي تمّ بتجسد الابن الوحيد، مخلِّص العالم. وهو ما دعا القديس كليمندس ليقول في كتابه المتفرقات (Strom. vii, 49) بأنّ: [كلّ هذه الحياة بمثابة احتفاليّة مقدّسةΑπας δὲ ὁ βὶος πανὴγυρις ἁγὶα]. إنّها احتفالية بالنور الذي بدَّد غياهب الظلمة والحق الذي حرَّر الوعي الإنساني من ضبابية الباطل وزيف المسلمات البشريّة. من هنا كان الفرح المسيحي هو التعبير الصادق عن الوعي بما تمّ بتجسُّد المسيح. إنّ ميلاد المسيح هو الحدث الذي رفع أعين البشريّة نحو الملكوت الغائب عن واقع البشر، وهو الذي دفعهم لتبني أعين اسخاطولوجيّة ترصد ببصيرة ممسوحة بالروح، ما لا تره عين، لأن قياسها تحرَّر من مركزيّة المادة والزمن، وأصبحت تشخص في الأبديّة كما لو كانت موطن سكناها الآني. لذا فإن هذا الميلاد قد قسَّم التاريخ إلى حقبتين؛ قبل الميلاد وبعد الميلاد، الحقبة الأولى هي حقبة الرموز والتساؤلات والحيرة، بينما الحقبة الثانية هي حقبة المعاينة والملامسة والسكنى الدائمة لله في الإنسان وللإنسان في ملكوت الله. أبونا الراهب سارافيم البرموسي
المزيد
02 يناير 2022

يوحنا المعمدان والشهادة للحق

إنجيل الأحد الرابع من شهر كيهك يتكلم عن "يوحنا المعمدان"، حسب النبوة هو " الملاك الذي يهيئ الطريق أمامه"، وكان ملاكاً لأنه يحمل بشارة الخلاص حينما جاء وظهر في أورشليم بعدما عاش في البرية لسنوات طويلة، واعلن عن المسيح إنه "حمل الله الذي يحمل خطايا العالم" ، واعلن قبل ذلك "توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات" كي يستقبل كل أحد عمل المسيح، ويستحق كل من هو تائب أن يدخل في شركة الحياة الجديدة.قال عنه السيد المسيح أنه "إيليا الجديد" "أتي بروح إيليا"."إيليا" هو من وقف أمام آخاب الملك، وأنبياء البعل، وكان يوحنا المعمدان له هذة الروح، آتي ليعلن لكل أحد أن المسيح قد جاء، وإعلانه للحق الإلهي حينما اراد "هيرودس أن يتزوج امرأة أخيه، وحسب الناموس لا يحل له، ولكن هيرودس تجاوز وكان هذا علانية، وتحدي كلام الله.وقد يري أحد إن ذلك مسألة شخصية، ودفاعه عن الحق جعله يستشهد، كان الحل أن يصمت صوت الحق لا أن يتوب هيرودس.يوحنا المعمدان هو الذي جاء ليعلن الحق ولم يخاف من سلطة ملك، وهو الناسك ساكن البراري، الذي لم يعيش لأجل نفسه، ولم يتلذذ بشئ في الحياة، فقد جاء طيفاً منيراً، سحابة خفيفة في زمن ضبابي، وبينما كان الكل مشغولاً بذاته وشهواته، كان هو في البراري يعيش لأجل الله..هو خادم مثالي. الخادم الذي يحيا لأجل رسالة، ولا يحيا لأجل ذاته، ولم يأتي يطلب سلطاناً، لم يفعل شيئاً سوي أنه تكلم بالحق، لم نسمع عنه أنه أخرج شياطين، أو شفي أمراض، ولكن كانت رسالته الإعلان عن المسيح ثم الشهادة للحق..وهذا هو الخادم.الخادم الحقيقي تملأ الغيرة المقدسة قلبه، يقول عنها إيليا النبي "غيرت غيرة الرب".الغيرة المقدسة لا تخص فقط الخدام، ولكن كل ما يتعلق بالحياة مع الله، يقول داود النبي: "غيرة بيتك أكلتني" فحينما يدخل أي شخص الكنيسة ويشعر أنها مُهانة بأي صورة من الصور، فتعمل الغيرة المقدسة في داخله ولا يطيق هذا التجاوز تبدأ الغيرة المقدسة من الداخل، غيرة علي قلبي وحياتي، وعلي مستوي شخصي، غار داود النبي علي نفسه وقال"إني لا ادخل إلي بيتي ولا اصعد علي فراشي ولا اعطي نوماً لعيني، ولا راحة لصدغي، ولا نعاساً لأجفاني، إلي أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب" الغيرة المقدسة هي التوبة، حينما نعيش في خطايا، و دون أن نضع للقداسة وجود في حياتنا، يأتي ذلك الصوت "اليوم تؤخذ نفسك منك، ما اعددته لمن يكون"تبدأ الغيرة المقدسة من الحياة ذاتها، كيف أعيش بهذة الصورة والمسيح مصلوب أمامي؟ كيف تُعد لي هذة المائدة ولا ادخل في شركة حقيقية معه؟ الغيرة المقدسة أيضاً علي الكنيسة والإيمان، هؤلاء الذين عاشوا تائهين في البراري، متألمين..متضايقين لأجل أنهم لم يسلموا الوديعة المقدسة، ولم يتنازلوا عن حرف من حروف الإيمان مثل البابا أثناسيوس، والقديس ديسيقورس، مار ساويروس الأنطاكي..وغيرهم كثيرين، الذين لأجل الإيمان تغربوا وأهينوا.وهناك شعب لأجل الإيمان ذُبح، 30 ألف مسيحي حينما رفضوا بطريرك دخيل آريوسي يجلس علي كرسي مارمرقس ذُبحوا... غيرة مقدسة. كيف يمكن أن نري الإيمان يُهان ونصمت ..غيرة مقدسة. كيف يمكن أن نري الكنيسة تغير من ثوبها الأبيض النقي الذي لم تلوثه بهرطقات ونصمت..غيرة مقدسة.يقول بولس الرسول لتلميذة تيموثاوس "احفظ الوديعة" وهذة الوديعة هي الإيمان.غيرة مقدسة حينما نري البشرية تذهب في طريق الموت، ويقف المسيح منتظر أن يخلص كل أحد، نغير غيرة مقدسة علي النفوس، فنخرج نكرز ونصرخ ونقدم المسيح لكل نفس مخلصاً.تصوروا أن هناك من يغير غيرة نارية لأجل أشياء تافهه، مثل من يتحمس لأجل فريق كرة، ومن يغير غيرة وطنية، كيف يعيش ووطنه مُهان، فحينما كان الأستعمار يجتاح العديد من البلاد، هناك من ثار لأجل وطنه. وهناك من يفني حياته لأجل مبدأ، أو علم. الزعيم الماركسي "لينين" ارسل خطاب لصديقه يشرح له كيف اضطهدوا من القيصر قال فيه: "نحن لا نذهب إلي السينما ولا الملاهي ولا الحفلات ولا القصور ولا نقتني سيارات فاخرة لنوفر كل ما عندنا لننشر مبادئنا، وحياتنا كلها تتجه لهدف واحد"هؤلاء لينين وستالين كانوا اسوأ من تعالموا مع الشعب الروسي، لم يصرف "ستالين" علي زوجته المريضة وماتت ولكنه صرف أمواله علي الحزب، وحاول إبنه الأنتحار نتيجة معاملة أبوه. وفي الحرب العالمية الثانية أسرت ألمانيا إبنه وطلبوا مبادلته بأسري ألمان، فرفض وقُتل إبنه أثناء هروبه. وتزوج بأخري وانتحرت. فهؤلاء الذين يتشدقون بالمبادئ، اكتشفنا أنها شئ ذاتي، يبحثوا عن مجد شخصي، لذلك دم الكثيرين في رقبة هؤلاء.امر كل من "لينين" و "ستالين" بحرق أيقونات القديسين داخل البيوت، وهدم الكنائس. فقد اذاقوا الشعب الروسي الكثير من العذابات.أما الغيرة المقدسة فهي غيرة لأجل المسيح، من يتحزب لأجل شئ معين، في هذا شئ من الذات، مردود لتحزبات معينه، وأحياناً تحزبات نفسانية مثلما قال مار يعقوب في رسالته " إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا وتكذبوا علي الحق، ليست هذة الغيرة نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية"أما من يغير غيرة مقدسة يختفي لأجل المسيح، يموت لأجل الكنيسة، يقدم ذاته كي ينشر فقط النور وسط الناس. "هو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل لأجل الذي مات عنهم وقام"سيأتي للمسيح أناس يقولون له: "أليس بإسمك تنبأنا وبإسمك اخرجنا شياطين" فيقول لهم: "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم"أما الغيرة المقدسة هي غيرة إيليا وغيرة يوحنا المعندان غاروا علي الحق، وقف أمام هيرودس الملك بكل سلطانه، وحينما سُجن لم يغير كلامه، بل ذُبح لأجل كلمة الحق التي اعلنها " لا يحل لك" أن تعبث بالناموس لا يحل لك أن تعبث بكلام الله لا يحل لك أن تعبث بما اعطينا من السموات يقول بولس الرسول: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب" غيرة مقدسة علي خلاص النفوس حتي وإن كان هو نفسه يحترق ويتألم غيرة مقدسة تجعلنا نسهر لأجل خلاص الأخرين، والكنيسة، يقول نحميا "قلت في ذلك الوقت للشعب ليبيت كل واحد مع غلامه في وسط أورشليم ليكونوا حراساً في الليل، وللعمل في النهار، ولم نكن أنا ولا أخوتي ولا الحراس الذين ورائي نخلع ثيابنا، وكان كل واحد يذهب بسلاحه إلي الماء" غيرة مقدسة تجعلنا نطلب أن تُبني الكنيسة حتي وإن كنا نحن نتألم ونتضايق ونتعب، لا ننظر لنفوسنا، ولكن كل ما نهتم به لأجل الله. يقول بولس الرسول: "في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في سجون في إضطهدات في أتعاب في أسهار في أصوام في طهارة بسلاح البر باليمين واليسار بمجد وهوان بصيت ردئ وصيت حسن"الذي يعد نفسه خادم لله قد يُهان ويتألم ويتضايق لكنه لا يهتز، لأن الذي في داخله أكثر بكثير من تلك الحروب أعلي من كرامته ومن ذاته أع 20 "الروح يشهد أنه في كل مدينة وثقاً وشدائد تنتظرني"لم يرفع بولس الرسول عينه للسماء ويطلب من المسيح أن يرفع عنه الشدائد والضيقات، لأن الشدائد تكون مكلله بالمجد أيضاً حينما نتكلم عن دماء الشهداء وعذاباتهم نتكلم أيضاًعن مجدهم، توضع بصورة منيرة في ثوب الكنيسة البراق " لست احتسب شئ ولا نفسي ثمينة عندي، حتي أتمم بفرح سعي والخدمة التي اخذتها من الرب"هذة هي روح خادم الحق، وروح من يشهد للحق..روح يوحنا المعمدان، وإيليا النبي، والأباء الرسل الغيرة المقدسة التي تنقص كثيرين حينما نري الإيمان يُهان ونصمت..كيف يكون عندنا غيرة مقدسة؟!.حينما نري الكنيسة المجيدة يحاول أحد أن يدخل فيها أفكار هرطوقية..كيف نصمت؟ الغيرة المقدسة هي محبتنا للمسيح والكنيسة الغيرة المقدسة تجعلنا نصلي لأجل كل أحد حتي أعدائنا، ونحيا في المسيح بغيرة مقدسة.لإلهنا كل مجد وكرامة لإلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة القبطية الأرثوذكسية، مصر القديمة، القاهرة
المزيد
01 يناير 2022

القديس يوسف البار ج4

في خضوع الرب: الأمر الذي يُربِك الذهن، كيف احتمل القديس يوسف خضوع الربّ وامتثاله له، لكلّ ما يؤمَر به أو يُوَجَّه إليه. فالأمر ليس يومًا أو بعض أيام.. بل سنوات وسنوات، منذ الميلاد إلى أن أكمل القديس يوسف غربته على الأرض، وهذه بحسب التقليد تربو على سبع عشرة سنة. عاش الرب خلالها كابن مع أبيه بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى، في الحياة اليومية، وفي النمو الطبيعي، في كلّ الأطوار بالطبع يجوز الأطفال في أيّام الصحّة والمرض.. ولكنّنا ننحاز إلى الفكر أنّ الرب لم يمرض، وإن كان في أيّام خدمته لخلاصنا حمل أمراضنا عليه، وحمل تأديب سلامنا، بل وحمل موتَنا على الصليب. فإن كان المرض شيء طبيعي للطبيعة الساقطة التي تحمِل الموت فيها، إذ اجتاز الموت إلى جميع الناس، وهكذا يَظهَر المرض كعلامة من علامات ضدّ الحياة، أي الموت.لذلك نقول إنّ المسيح له المجد في تجسّده اتّحد بطبيعتنا البشرية دون أن يكون عنصر الخطية فيها. فالروح القدس حلّ في أحشاء البتول، قدَّسها وطهَّرها وملأها نعمة. لذلك عَبَر الربّ سنوات الطفولة بكلّ ما فيها، ولكن بدون مرض أو نقص، فهو الكمال المُطلَق الذي لا يشوبه عوار. ولكن كطفل طبيعي سهر عليه القديس يوسف والأم العذراء وقاما بكلّ ما تتطلّبه رعاية الطفولة عاش الصبي يسوع، ونما في النعمة والقامة، وتسلّم مِن القديس يوسف صَنعة النجارة، وصار يمارسها حتّى دُعِي نجّار الناصرة، واشتُهِرَ بها حتى قالوا: «أَلَيْسَ هذَا النَّجَّار ابْنَ يُوسُفَ؟ (لو4: 2، مت13: 55). في البداية كان يساعد القديس يوسف كصبيّ نجار، يحمل الأخشاب ويجهّزها.. ويمسك بطرفها عند نشرها، ويساعد في تثبيتها.. يقضي مُعظم نهاره يراقب ويساعد إلى أن تَسَلّم تفاصيل الصنعة. وتعامَل مع طلبات الناس يلبّيها، ولم يخلُ الأمر من تفاوُت أمزِجة الناس، فمنهم الطيّب المسالِم، ومنهم غير ذلك، ومنهم الأمين الملتزِم، ومنهم على غير ذلك.. ومنهُم مَن يشكر ويمدح العمل، ومنهم غير ذلك ونحن يتملّكنا العجب حينما يذهب بنا الفكر إلى تفاصيل الحياة اليومية آنذاك، ومعاملات الناس على اختلاف أنواعهم، وحين نفكّر أنّ الربّ فاحص القلوب، ومُختبر الكُلَى الذي عيناه تخترقان أستار الظلام.. وكلّ شيء مكشوف وعريان أمامه، حتّى نيّات الناس وخفيّات أسرارهم كانت أمامه. ولكنّه تعامَلَ معهم كمن أخلى ذاته آخذًا شكل العبد «ناظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ يُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ (العينين) وَلاَ يَسْمَعُ (يبصر)» كما تنبّأ عنه إشعياء (إش42). فنيَّات الناس وأفكار قلوبهم مكشوفة أمامه، ولكنّه كان كمَن لا يَرى ولا يعرف، وذلك بحسب تدبير الإخلاء الذي أكمله بإرادته وحده. قيل عن القديس يوسف البار إنّه كان قد تزوّج في شبابه، وإنّه أنجب أولادًا وبنات، وهُم مَن دُعوا أخوة الرب. وقد أيّد هذا الرأى بعض الآباء الأولين، بينما عارضه آباء آخرون، وقالوا ببتولية القديس يوسف، وفسَّروا أمر أخوة الرب أنّ العادة في تلك الأيام أن يلقَّب أولاد الخالة إنّهم أخوة. وقالوا مثلاً إنه مكتوب: «وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، مريم أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِي» (يو19: 25). فليس من المعقول أن تكون مريم أم يسوع ومريم الأخرى أختَيْن بنفس الاسم، فهما أولاد خالات، ولذلك دُعِيَ أولاد مريم زوجة كلوبا أخوة ليسوع، باعتبار إنّهم أولاد أختَيْن. وقد مالت الكنيسة الكاثوليكيّة إلى هذا الرأي، وهكذا معظم آباء كنيستنا. على أيّ الأحوال، سواء كان ذلك الرأي، أو الرأي الآخر، فالأمر لا يغيّر شيئًا من الرسالة العظمى التي اضطلع بها، والدور المحوري الروحي الذي اختاره الروح القدس لتكميله، والذي بسببه صار للقديس يوسف مَنزلة منفردة لم يشاركه فيها أحد من القديسين، كحارس للسر الإلهي، كمُعتنٍ ومُربٍّ وقائم بالعناية والتربية، وبدور ربّ البيت، كرجلٍ للسيّدة البتول، وكأبٍ للطفل الإلهي. قائمة نسب المسيح: القديس متّى الإنجيلي بدأ إنجيله هكذا: «كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ». وبدأ يتتبّع التناسل من أب الآبّاء إبراهيم حتّى داود الملك، وقد رصد أنّ هذه الحقبة أربعة عشر جيلاً. ثم من داود إلى أيام سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ثم من سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً. وتتبّع القديس متى ما كان مُسَجّلاً من الأسماء واحدًا فواحدًا دون إغفال أيّ اسم مهما كان شأنه، فبعضهم قديسون مشهودٌ لهم من الروح القدس في الأسفار، وبعضهم كانوا غير ذلك. وقد سَجّل بالروح أيضًا بعض التلميحات، مثل يهوذا ولد فارص من ثامار [ثامار كنّته.. أي زوجة ابنه عندما رفض أن يزوّجها لابنه خوفًا عليه من الموت، فتظاهَرَتْ كأنّها زانية، وجلست على الطريق حينما عَبَرَ يهوذا، وزنى معها، وأخذَتْ مِنه رَهنًا، وإذ قِيل أنّ ثامار حامل، قال يهوذا أن تُرجم.. ولكنّها أظهرَت الرّهن، وقالت مِن الرجُل الذي له هذه أنا حُبلَى -الرهن كان خاتمه وعصابته وعكازه-. فقال يهوذا أنتِ أبَرّ مِنِّي]. لم يَعبُر الروح على هذه رغم آلاف السنين!! هكذا عندما سجّل أنّ داود وَلَد سليمان.. قال الروح: «مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا».. أي مِن التي ليسَتْ له. على الرغم من التوبة التي قدّمها داود.. وعلى الرغم من ألف سنة مَضَتْ. لكن تَسَجَّلت هذه الواقعة وغيرها في سجلاّت الأبد. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
31 ديسمبر 2021

اتركها هذه السنة ايضا

فحص الذات ... وتجرى الأيام ويعبر العام بما فيه من أحداث جسام من حولنا ونتأثر بها وتؤثر فى حياتنا بلا شك لكن الانسان المؤمن يثق فى الله الذى يقود سفينة حياتنا ويجعل كل الاشياء تحدث من أجل خيرنا ولمنفعتنا الروحية { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). الانسان الذى يبنى بيته على صخرة الإيمان الواثق لا يتزعزع حتى مع شدة الرياح او العواصف { فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسسا على الصخر} مت 24:7-25وكما ان كل مؤسسة ناجحة تعمل حساب ختامى لنهاية العام تبين فيها مدى ربحها أو خسارتها وما هى مواضع القوة والضعف فيها هكذا نحن أيضا نحتاج لوقفة صادقة مع النفس لنعالج عوامل الخلل ونقوى الحلقات الضعيفة ونستثمر مواطن القوة فى شخصيتنا وحياتنا ونتميز ونتفوق فيها. ميزان الحق والصدق مع الرحمة ... نفحص ذواتنا بروح الصلاة وبالتواضع ونتجنب الكبرياء كمن يتجنب النوباء ، نحاسب انفسنا بدون محاباة وبصدق وحق فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه الذى ، وفى نور الانجيل وعمل الروح القدس وايضا فى ضوء مراحم الرب الذى صبر علينا هذا العام ززهبنا نعمة البقاء والحياة لنأتى بثمر ويدوم ثمرنا { وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فاتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين اتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد اقطعها لماذا تبطل الارض ايضا. فاجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زبلا .فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها} لو 6:13-9. نجلس مع ذواتنا ونحاسبها أو نعتبها او حتى نعاقبها ونعرف فيما اخطانا او تاجرنا وربحنا فى علاقتنا بانفسنا وبالله وبالاخرين من حولنا ونصلى ونعمل مع الله طالبين عمل نعمته معنا فى كل أيام غربتنا على الارض لننجح فى طرقنا ونعمل من أجل خلاص نفوسنا ومن معنا . فلا أحد معصوم من الأخطاء أو كامل ومنزه عن العيوب والضعفات ولكى نتقدم الى الامام فى بناء شخصيتنا الروحية الناجحة يجب ان نتصالح مع انفسنا ونقبلها كما هى فيما لا نستطيع تغييره من سمات ولكن فى مجال السلوك أو العلاقات فانه فى مقدورنا ان نتصالح بروح الود والاعتراف بالخطاء لمن أخطانا اليه ثم نصنع خيرا وبرا مع من حولنا . لا يجب ان نكتفى فقط ان لا نؤذى انفسنا أو الغير بل يجب ان نحب الناس ونحسن اليهم ونتفانى فى مساعدتهم قدر طاقتنا { لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله }(ام 3 : 27). كما يجب ان نقبل الاخرين بضعفاتهم ونقائصهم وبالمحبة والصبر يأتى التغيير الذى فى استطاعتهم ايضا { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7). أعداد النفس للأثمار ... اذ طلب صاحب الحقل من الكرام ان يقطع الشجرة غير المثمرة من الارض لانها لم تصنع ثمراً على مدى عدة سنوات فطلب الكرام ان يصبر عليها سنة أخرى لتثمر ثمراً جيداً وفى سبيل ذلك فان الكرام سيقوم بكل ما هو ضرورى لكى تثمر بان ينقب حولها وينظف الارض من الاحجار وينزع من حولها الحشائش الضارة ويسمد الارض ويتعهدها بالرى والرعاية . نحن نشكر الله على محبته وصبره وطول اناته علينا وفى ذات الوقت يجب ان ننقب ونفحص ذواتنا ونتوب ونعترف بخطايانا ونطلب المغفرة من الله ونقوم من الكسل الروحى ونشمر على سواعد الجهاد ،علينا ان نهتم بخلاص أنفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). يجب ان نبتعد عن كل ما هو ضار بالروح والنفس والجسد ونتخلص من العادات الضارة وننتصر على الرغبات والشهوات والخطايا ولا ندع شئ أو أحد يفصلنا عن محبة الله . نتعهد شجرة حياتنا بالرعاية ... وحتى ما تثمر شجرة حياتنا يجب ان نتعهدها بالرعاية اللازمة ونحميها حتى من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم التى هى الخطايا الصغيرة لكى لا تتأصل فى النفس ،ونرويها بمياة نقيه التى هى محبة الله والخير والغير ونغذيها باسمدة الخلاص والتقوى ووسائط النعمة . علينا ان لا ننام وقت الزرع والرعايته حتى ما نجنى الثمار فى أوان الحصاد وعندما يحين الميعاد نسمع من رب العباد { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) استثمار الوقت وتنظيمه اذاً عامل هام فى حياة كل انسان منا فلا يجب ان نهدر أوقاتنا فيما لا يبنى أو لا يفيد فان الوقت من ذهب ان لم تستثمره ذهب ولم يعد . وما لا ينبغى ان تعمله فلا تفكر فيه ولا تتذكره وعاتب نفسك على أخطائها خير لك من ان تعاتب غيرك مبتعدا عن نظر وسماع ما لا يفيد لكى ما تتخلص من فعل ما هو ضار لهذا يوصينا الإنجيل ان نكون حكماء { لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17. علينا ان نستيقظ اذا من نوم الغفله وننسئ ما هو وراء ونمتد الى ماهو قدام . وفى مجال علاقتنا بالله .. يجب ان ننمو فى محبته ونعطيه قلوبنا بكل ثقة ورجاء{ ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12) .نخصص الوقت المناسب للصلاة بل تكون حياتنا كلها عشرة محبة وصداقة فيها نسير مع الله ونصلى اليه بالروح والحق ، نصلى اليه ان يقوى ايماننا به ويذيد محبتنا ورجائنا فيه ونطيعه ونعمل على السير تبعاً لارشاده طالبين خلاص انفسنا واهلنا وكنيستنا وبلادنا نخصص وقتا للقراءة فى الإنجيل والكتب الروحية لننمو فى المعرفة والمحبة والعشرة بالله فالقراءة الجيدة ينبوع للصلاة النقية وتنقى الفكر وتبعد عنه العثرات .ونلتصق بالكنيسة ونشارك فى صلواتها واجتماعاتها وتكون امنا روحية لنا . ويكون لنا صداقة روحية بالملائكة والقديسين ورجال الله الاتقياء واصدقاء روحيين ننموا نحن واهل بيتنا فى روح التلمذة للكتاب المقدس والله والكنيسة . علاقتنا بالاخرين.. كلما كنا ناجحين فى علاقتنا بالله طائعين لوصاياه فان ذلك يدفعنا الى محبته وخدمة الناس على كل المستويات . فان الوصية تعلمنا ان المحبة لا تتجزء بل تتكامل ومحبة الله تكتمل بمحبة القريب { يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 36:22-40. علينا ان ننمى علاقتنا ونبادر الى صنع الخير مع اهل بيتنا ومن حولنا فى العمل والسكن وحتى نصل بمحبتنا للاعداء والبعيدين فلعاز البلايا يحتاج منا الى البسمة والكلمة الطيبة ومد يد العون فى مجتمع يعج بالفقراء والمحزونين والمساكين والضالين والمحرومين وهذا هو مقياس الدخول للسماء { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني. عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40ان مقياس كمال المحبة هو محبة الاعداء كما قال لنا السيد المسيح { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48. أما صفات هذه المحبة كثمرة رئيسية فى حياة المؤمنين فقد ذكرها لنا القديس بولس الرسول قائلاً { المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق . وتحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و رجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا } 1كو 4:13-8. بسبب كثرة الاثم فى المجتمع من حولنا نجد الكراهية ونتائجها المرة تنتشر كما قال لنا المخلص الصالح { ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12). فدعونا نعمل بقلوب صادقة فى العام القادم ان نطفأ الكراهية بالمحبة والصلاة وصنع الخير ، وبدلا من ان نلعن الظلام فاننا نضئ شموع المحبة الصادقة والتعاون المثمر مع الكل ونقدم المحبة للجميع لاسيما للذين أظلمت حياتهم واختفت منها المحبة { ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه }(1يو 4 : 16).ان الحصاد كثير والفعلة قليلون وكل واحد منا مدعو للعمل الروحى كسفير للسماء ونورا فى العالم وملحاُ يعطى مذاقة روحية فى مجتمعه . فهل نلب النداء الالهى ونثمر ونقوم برسالتنا وتكون هذه السنة سنة عطاء ونجاح فحياتنا ستنتهى ولكن ليتها تنتهى من أجل عمل صالح وللخير والصالح ولحياة ابدية . دعوة لضبط وقوة النفس... ان الكتاب يوصينا ان نحب قريبنا كنفوسنا . فاعلى مقياس لمحبة للقريب هى ان تحبه كنفسك ولكن يجب ان نحب ذواتنا محبة روحية تخلصها وتنميها وتربطها بفاديها . نهتم باجسادنا كوزنة من الله فلا نهمله او ندمره فى عيش مسرف فما أقسى اضرار التدخين والشهوات ، التى يأذى بها الكثيرين انفسهم . الانسان القوى هو الذى ينتصر على عاداته الخاطئة ويقوى ارادته وعزيمته بلا تردد او خنوع أو خضوع للضعف او الخوف لنعمل على ضبط فكرنا والسنتنا ووزن كل كلمة قبل ان تخرج من السنتنا . ونغذى فكرنا بما هو مفيد وقلبنا بمحبة الله محبة والغيرننمى ارواحنا ونقويها بوسائط الخلاص ونطلب من روح الله ان يقودنا ويهدينا وعندما نعمل على ان نأتى بثمر فان الله ينقينا لنأتى بثمر أكثر { كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر }(يو 15 : 2) نصلى ونعمل ليدوم ثمرنا ويبارك الله حياتنا واهلنا وبيوتنا وكنيستنا وشعبها وبلادنا ومن فيها ، أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
30 ديسمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس رفقة

رفقة «وكان أسحق ابن أربعين سنة لما أتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي أخت لابان الآرامي من فدان آرام». مقدمة أيهما يا ترى أهم في قصة الحياة الزوجية الصورة الأولى التي يتصورها الناس ليوم الزواج، أم صورة الأيام الأخيرة في الحياة الزوجية إن أمكن أن تصور.. إن الناس في العادة تهتم بأن يحضر المصور حفل الزواج، ليصور العروس في ثوب زفافها التقليدي الأبيض الجميل الأنيق، والعريس في بدلته المجهزة لهذا اليوم، لكننا لا نعرف إنسانًا فكر أن يستعدي المصور ليأخذ صورة لليوم الأخير عندما يربض الموت أو يأتي ليفرق بين اثنين عاشا سنوات طويلة في حياة زوجية قد تصل إلى خمسين سنة أو أكثر.. وبين هاتين الصورتين كم من الصور يأخذها الزوجان على مر الأعوام والسنين في الشباب أو الكهولة أو الشيخوخة أو مع الأولاد والأحفاد، فيما بين الجمال الرائق الفائق الحي جمال الشباب، وتجاعيد الشيخوخة القاسية ورسومها المطبوعة على جبين الاثنين في آخر المراحل في هذه الحياة، ولا أقصد من هذه الصور جميعًا مجرد الظاهر من الشكل، أو الخارج من الصور، بل أقصد شيئًا أعمق وأجل... فمن لي بمن يرسم تيار الحياة الزوجية عندما يكون الزوج حلماً رائقًا جميلاً نديًا كيوم الزفاف، يوم يتعانق فيه الزوجان نفسًا وروحًا وجسدًا وعندما تكون العاطفة قوية ورائقة ومشبوبة وملتهبة، وفي تلك الأيام البعيدة المتأنية عندما لا يعود الزوجان يبحث أحدهما في شيء عن شكل الآخر الجسماني، بل عندما تلعب السنون في ظروفهما المتعددة وتتغير الأوضاع، وتتلون حياتهما بمختلف ألوان الأحداث والمحن والآلام والمتاعب، وتهدأ العاطفة أو بالحري تتعمق لا ليكون تيار الزوجية ذلك الزبد الهائج فوق سطح البحار والمحيطات بل التيار العميق الداخلي الذي يسير الحياة الزوجية على نحو لا يعلمه سوى الله وحده!! ولعله من الغريب أن نلاحظ أننا لا نعرف بالضبط الصورة الأولى لزواج إبراهيم بسارة عندما تزوج هناك فيما وراء النهرين، لكننا نعرف بكل يقين الصورة الأخيرة عندما نراه وقد أضجع زوجته العظيمة جثمانا مسجي أمام بني حث، وهو يشتري القبر المشهور في مغارة المكفيلة، وعلى العكس من ذلك تمامًا، نحن نعرف جيدًا الصورة الأولى لزواج اسحق برفقة، في تلك القصة الطويلة الرائعة عندما ذهب اليعازر الدمشقي ليخطبها لسيده من فدان آرام، وكانت باهرة الجمال قوية الشخصية ممتلئة الأنوثة، لكني أخشي أن أقول إن هذه الصورة وحدها هي الغالبة في فهم هذه الشخصية، أو التي تطغي على أية صورة أخرى، ولذا فنحن أحوج ما نكون إلى الصور الأخرى الآتية المتلاحقة، وأخشى أن نصدم في بعض نواحيها، أذ سنرى صورا تختلف إلى حد كبير عن الصورة الأولى.. فمثلا ما أبعد الفرق بين أول مرة ترى فيها رفقة زوجها اسحق، فتغطي وجهها وهي تقترب منه عندما تراه مقبلاً إليها في الحقل القديم، والصورة الأخرى التي تتفق فيها مع ابنها يعقوب على استغلال عدم رؤياه لصالح الابن الأصغر، كل هذه الصورة تعطينا أن ننتبه بل وننبه ونحذر الأزواج والأسر والجماعات إلى ما قد يفعل الزمن والأيام في كل زواج، وأفضل الأزواج وأسعدهم هم الذين يستطيعون أن يختموا الحياة الزوجية على صورة أروع وأحلى وأعظم وأمجد من اليوم الأول العاطفي الملتهب في قصة الزواج،.. وبهذا المعنى سنواجه رفقة في أكثر من صورة. رفقة وخطبتها:- كانت خطبة رفقة إلى أسحق أول قصة كتابية رائعة تذكر على هذا النحو المطول الذي جاء في الأصحاح الرابع والعشرين في سفر التكوين، وقد درج الوعاظ على العودة إلى هذه القصة الكتابية القديمة ليتناولوها من هذا الجانب أو ذاك، لكني أخشى أن أقول إن دراسة هذه الجوانب كثيرًا ما لا تأخذ حظها الكافي في الموضوع، ولعلنا لو أحسنا التأمل لرأينا القصة تبدأ أولا باستعمال العقل، والعقل هو أول خطوة في أي زواج موفق سعيد، وقد استعمل إبراهيم عقله فأغلق كل باب فيما يتصل بالزواج من بنات الجيرة المحيطة به من الكنعانيين، ذلك لأن إبراهيم كان يعلم تمام العلم ما للأسر المتصاهرة من سلطان وتأثير في حياة الزوجين، وان ابنه سيقاد حتمًا وبدون أدنى شك بتأثير هذه الزوجة إلى ما هو أسوأ وأرادأ أو أشر، الأمر الذي لم ينتبه له عيسو، أو استخف به، فقلب حياته وتاريخه بجملته، الأمر الذي وعاه بلعام بن بعور فجعله الشرك القاتل لشعب الله، عندما نصح بالاق ملك موآب بأن يهزم الشعب بالموآبيات الراقصات والواقفات في طريق العابرين!! الأمر الذي استهان به شمشمون استنادًا إلى قوته الجبارة الخارقة، فقلعت عيناه ودار كما يدور الحيوان في الطاحونة، وذهبت حياته على نحو محزن بسبب حجر دليلة الخاطئة، الأمر الذي غفل عنه سليمان رغم حكمته الفائقة فأمالت النساء الكثيرات قلبه بعيداً عن الله، ولهذا كان إبراهيم حازمًا وحاسمًا في أن يستعمل عقله ويبعد ابنه تمامًا عن تأثيرات البيئة المجاورة التي لا تتفق وأحلامه وميوله ورسالته ورؤياه البعيدة والعظيمة معًا، والتي لابد أن تكون... واستعمال العقل بهذا المعنى يرقى إلى مستوى البديهيات الألهية في الحياة، فلا حاجة إلى أخذ رأى الرب للزواج بمن يختلف وايانا في العقيدة والإيمان والحياة والأسلوب والرؤى، كمثل الملحدين ومن هم أشبه ممن لا تستطيع أن تجتمع معهم حول فكر أو معتقد أو رأى، لأن هذا يرقى إلى مستوى البديهيات التي لا حاجة إلى التساؤل عندها!! واذا فقد الإنسان عقله بهذا المعنى، فلا يلومن إلا نفسه على ما لابد أن ينال من أوخم النتائج أو أرهب الآثار أو أقسى الشرور، على أنه إلى جانب العقل، أو امتداداً له، عندما تتوقف خطاه، هناك الإيمان، والقصة ترينا كيف لعب الإيمان دوره العظيم في هذا الأمر، وكان الذين ربتوا لهذا الزواج ثلاثة... قلت ثلاثة!.... أخشى أني أخطأت.. فهم في الواقع أكثر من ثلاثة آذ هم في الحقيقة أربعة... كان هناك إبراهيم الذي رأى في الموضوع أخطر مواضيع الحياة وأهمها عنده، ولأجيال ممتدة أخرى بعيده آتية، ومن ثم استحلف كبير عبيده المؤتمن والموثوق به تمامًا!!.. ومع هذا فمن الغريب أن إبراهيم لم يتحرك في الأمر ولم يذهب مع عبده اذ أنه وإن كان قد أودع الأمر لهذا العبد الا أنه أودعه أكثر إلى السيد، وأدخل إبراهيم عنصر الإيمان فيه، وكان الثاني الذي لا يقل اهتمامنا بالأمر هو اسحق ونحن نعلم أن اسحق من ذلك النوع من الناس الذي يحسن التأمل، ولكنه لا يكثر الكلام، وكان اسحق ولا شك يدرك أن هذا الموضوع يعد بالنسبة له أخطر مواضيع الحياة جميعًا... وكان من الممكن أن يطلب الذهاب ليرى ويفحص ويدقق، ويشترط كما يفعل الكثيرون في أمر يعتقدون أنه من أعظم الأمور في قصة الحياة وعلى مفترق الطرق، ولكن اسحق آثر أن يخضع العقل لسلطان الإيمان! وكان الثالث اليعازر الدمشقي الرسول المكلف بتنفيذ هذه المهمة العظيمة والدقيقة والشاقة معًا، وكان اليعازر واحدا من أعظم الناس الذين يعرفون المسئوليات ويرتفعون بها أمام الله والناس إلى مرتبة التقديس، وقد كلفه سيده بمسئوليات متعددة، لكنه يعلم أنه لم يكلف قط بمسئولية أرهب أو أضخم من هذه المسئولية التي هو ذاهب إليها، ومع تقديره الضخم لهذه المسئولية، أؤ بالحري لتقديره الضخم لها، أوقف عقله وأدخل في الأمر... الإيمان!... أما الرابع أو بالحري الأول والأخير، فقد كان الله ذاته،... واذا كان الموضوع عند الثلاثة ذا أثر بعيد عميق ممتد، فهو عند الله أعمق وأجل وأكثر امتداداً، والله هو المحيط بما لا يستطيع الثلاثة أن يصلوا أو يسبروا غوره أو يدخلوا إلى أعماقه، وأكثر من ذلك فان المرأة الذاهبة إلى هناك تحمل رسالة من أهم وأخطر الرسالات التي وضعت على عانق المرأة في كل التاريخ...وإذا كانت حاجة الإنسان الدائمة إلى أن يدخل الله معه في كل صغيرة وكبيرة، فأنه أحوج إليه عندما يقف على مرحلة حاسمة من مراحل الحياة، المرحلة التي لن تؤثر فيه هو فحسب بل ربما تطبع بآثارها أعدادًا من الناس هيهات أن تتصورهم أو تتخيلهم مهما أوتينا من بعد الخيال أو قوة التصور. وإلى جانب العقل والإيمان فهناك الصلاة أيضًا وقد صلى عبد إبراهيم ليكتشف الزوجة التي عينها الرب لابن سيده، ولم تكن الصلاة في الواقع عنده وحده فمما لا شك فيه أن إبراهيم كان يصلي طوال الرحلة من أجل هذا الأمر، وكان اسحق يفعل ذلك أيضًا بدون أدنى ريب، وصلاة العبد لم تكن صلاة مطولة مكررة بقدر ما هي مختصرة وحارة ومركزة ولعلها واحدة من أعظم الصلوات الحاسمة التي يستنجد بها الإنسان في اللحظات الدقيقة الحاسمة أمام الله، ومن العجيب أن كثيرًا من هذه الصلوات المصيرية قد تكون بالغة القصر، لكنها في ارتفاعها وطولها لها مثل طول السموات والأرض،.. ألم يصل نحميا أمام الملك مثل هذه الصلاة وهو يقول: فصليت إلى إله السماء،.. ألم يصل العشار المسكين بجملة واحدة صارخة، اللهم ارحمني أنا الخاطيء!!.. ألم يصل اللص التائب: أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك!!... إن الصلاة الناجحة القوية هي التي يقول عنها الرسول: أصلى بالذهن وأصلي بالروح أيضًا، وقد تكون بعيدة عن الفلسفة والفن والجمال اللفظي والعبارة المنمقة، واللهجة الخطابية أو اللحن الموسيقي، ولكنها الصلاة الملتهبة القوية المؤثرة، وقد كانت صلاة اليعازر العبد الدمشقي القديم، على هذا النمط، وهكذا ينبغي أن تكون صلوات الباحثين عن الزواج صلوات صادقة محددة صارخة صادرة من نبع قلب، أدخل الله في الأمر، وهو يرجو أن يدله الله كأب عطوف محب محسن على من يصلح، وفي أي وقت يصلح، وعلى أي أسلوب يمكن أن تكون هذه الصلاحيات المنتظرة، وهل يمكن لهذه الصلوات أن تضيع أو يغفل فيها الله عن الجواب الصحيح والحاسم العظيم.ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل وبعد أن اكتشفت الإرادة الألهية، جاء التسليم، وقد ظهر هذا التسليم من الجانب الآخر، بتوئيل أبيها ولابان أخيها اللذين لا يستطيعان التدخل بالخير أو الشر مادام الأمر قد تناولته يد أعلى وأقوى وأقدر، لكنهما مع ذلك يعطيان درسًآ رائعًا في المعنى الديموقراطي العظيم، بسؤال الفتاة عن مكنون رأيها، وعمق رغبتها، ويتركان لها حرية التصرف في الرفض أو القبول، واذ تقبل يباركان رأيها، ويطلبان لها ولمن يأتي منها كل رغد وسلام ونصر، ومن الغريب أن يأتي هذا الرأي منذ أربعة آلاف عام، بينما يصر كثيرون من الآباء والأمهات والأخوة في القرن العشرين، على أن الفتاة لا رأى لها، أو لا ينبغي أن يؤخذ لها رأى في مثل هذا الأمر المصيري بالنسبة لها ولأولادها فيما بعد!! أن بتوئيل يذكرنا أو ينبغي أن يذكرنا بأن رأى الله هو الرأى الأول، ورأى الفتاة صاحبة الشأن هو الرأى الثاني، أما رأيه ورأى أخيها أو آلهًا أو الأصدقاء، فلاشك يقع بعد هذين الرأيين، ولا يجوز أن يتجاهلهما أو يتجاوزهما على وجه الأطلاق.وثمة أمر أخير قبل أن تترك موضوع الخطبة، وهو الهدايا التي قدمت، وهي تقدم أولا وقبل كل شيء للخطيبة نفسها، أما ما قد يقدم لأبيها أو أخيها أو أهلها فيأتي تاليًآ وثانوياً بالنسبة لما يعطي لها، ولعله من المناسب أن نلاحظ أن الهدايا التي أعطيت لرفقة وبيتها، كانت وسطا بين الشح والتبذير، فقد أعطيت توازنًا صحيحًا مع الثروة الكبيرة الطائلة التي لإبراهيم واسحق، والتي أعلنها العبد للأسرة حتى تعرف ما هي ذاهبة إليه أو مقبلة عليه، ولعله من أهم الأمور في الحياة، أن تقع المادة هذا الموقع بعينه ابتداء واستمرارا في قصة الحياة الزوجية فلا هي بالتقتير تعطي بخلا وشحا، ولا بالتبذير تعطي رميًا وسفها لمن لا يملك إلا القليل، ولكنه قد يقسو على نفسه أو يستدين ليظهر بهذا المظهر أو ذاك، مما يغرقه في النهاية بالدين أو العطب أو الهلاك!!... وما أكثر ما قادت المادة لمثل هذه الأمور في أكثر من خطبة وأكثر من زواج.... رفقة وشخصيتها:- أما وقد عرفنا، كيف خطبت رفقة إلى اسحق، آن لنا أن نقف بعض الوقت في شخصيتها كما تظهر في كلمة الله، ولعل أول ما نواجه به هو جمالها الفائق الذي كاد يتعرض لمثل ما تعرضت له سارة، من تجارب الجمال وأخطاره، وأنا لا أعلم هل كان اسحق بطبيعته يحب الجمال، ومع أنه لم يذهب مع عبده ليختار امرأة جميلة، فان سيده الأعلى لا يمكن أن يخلق فيه حبًا للجمال أو تذوقًا له دون أن يشبعه منه أو يمتعه به على نحو فائق وعظيم، وأغلب الظن أن اسحق كان من هذا النوع المتأمل الذي يهوى الجمال، في الزنبقة النابتة في البرية وفي الطير الصداح الذي يفرد جناحيه ويرتفع مغردًا هنا وهناك في سماء الله، ولأجل ذلك أشبعه السيد وعزاه عن جمال أمه، بجمال امرأة تكاد تكون ندا ونظيرًا لأمه الحبيبة الجميلة،... يتصور البعض عندما يطلب إليهم أن يتعلموا التسليم لله في اختيار الزوجة، أن الله يفعل على عكس ما يرغبون أو ينتظرون، فيعطيهم الزوجة التي لا تتفق وميولهم، كأنما يعاند الله هذه الرغبات ولا يشبعها، في حين أنهم لو عقلوا، لأدركوا أن الله لا يخلق إنسانًا على شيء ثم يجرده في الوقت نفسه من متطلبات هذا الشيء أو حاجته، وأن الله لا يمكن أن يحرم إنسانًا من حب الجمال إلا إذا أدرك أن هذا الجمال سيكون وبالا على هذا الإنسان وخطراً على حياته الروحية والأبدية.وكانت رفقة إلى جانب جمالها العظيم من النوع الحالم الطموح البعيد الرؤى والأحلام والآمال كانت ولا شك قد سمعت عن رحلة إبراهيم وسارة ولوط، يبحثون عن عالم آخر أسمى وأعظم وأجمل وأجل من العالم الذي تعيش فيه مع بقية الأهل والعشيرة والوطن، وكانت تسرح بخيالها ولا شك إلى ذلك العالم، وعندما رأت شعاعات منه في القافلة من العشرة الجمال وجميع الخيرات التي تحملها القافلة، وأليعازر القائد لها، وعندما سمعت كيف بارك الله إبراهيم ومنحه وأعطاه الغنم والبقر والفضة والذهب والعبيد والإماء والجمال والحمير، لم تعد ترغب في عالمها أو تقبل البقاء فيه، وعند أول نداء للدعوة للعالم الجديد، قالت مدفوعة برؤى الشباب وأحلام اليقظة: أنا أذهب!.. على أنها أكثر من النساء الذي لا يكاد يرغب في الجلوس أو يطيقه أو يقبل عليه، يسألها أليعازر الدمشقي جرعة من ماء فاذا بها كما يصفها الكتاب، تسرع وتنزل جرتها على يدها وتسقيه، وبعد أن تفرغ من سقيه، تطلب إليه أن تسقي جماله أيضًا، وتسرع تفرغ الجرة في المسقاة، وتركض إلى البئر أيضًا لتملأ المسقاة حتى تستقي لكل جماله!!. ولعل حركتها هذه تشير أيضًا إلى مدى ما لها من جراة وشجاعة وجسارة، فهي تذهب مع غريب بعد ليلة يبيتها في بيتها في رحلة منطلقة قد تأخذ شهرًا من الزمان دون تردد أو خوف، أو نوع من الهيبة التي تسيطر ولاشك على الإنسان المهاجر الذي ينطلق ربما إلى غير عودة إلى وطنه مرة أخرى في الحياة!!... كما أنها كانت ولاشك بالغة الجرأة وهي تشجع ابنها المتردد على أخذ البركة من أبيه، بذلك الخداع الذي دفعته إليه!! على أن هذا لا ينبغي أن ينسينا بأنها غطت وجهها في الواداعة والتواضع، على أي حال كانت رفقة واحدة من النساء اللواتي لا يمكن أن يذهبن أو يجئن إلى مكان ما دون أن يطبعنه بطابع محفور قوي عميق!... رفقة وضعفها:- إن المتتبع لحياة رفقة يجد أن هذه الصورة من شخصيتها قد اهتزت كثيرًا في بعض النواحي وربما أصيبت في حياتها بمرض الملل، فانطفأت إلى حد كبير جذوة الحماس التي جاءت بها أول الأمر إلى أرض كنعان، لقد استمرت عشرين عاماً دون أن تنجب فتلتفت حولها فرأت المكان على ما كان فيه من ثروة أو غنى أو مجد، الا أنه صحراء، يختلف إلى حد كبير عن أور الكلدانيين، وكان زوجها اسحق، رجلا هادئًا ساكنًا قابعًا في خيمته!! وعندما جاء الولدان، كانت المسافة بينها وبين زوجها من ناحية العمر، قد وصلت إلى الحد الذي أصبح فيه يأخذ طريقه إلى الشيخوخة وهي إلى متوسط عمرها، على أي حال أنها أصيبت بما قد تصاب به أي فتاة في مطلع صباها، عندما تتخيل الزواج أحلامًا ذهبية، ورؤى لامعة، وهي تحلق بأجنحة عالية في سماء الخيال، ثم لا تلبث أن يردها الواقع إلى عالم المفشلات والآلام والضيق والمعاناة، فتنتهي إلى نوع من الملل لم تكن تحلم به أو تتصوره على وجه الاطلاق، كما أن مأساة هذه المرأة أن احترامها لزوجها لم يعد يأخذ نفس الصورة الأولى والطابع القديم، ورغم علمها بأن هذا الزوج هو رأس الأسرة، وفي يده البركة يستطيع أن يعطيها لمن يشاء، ويحرم من يشاء الا أن الرجل الطيب وقد أحاطت به الشيخوخة وجلس هادئًا في مكانه لا يتحرك، وقد فقد بصره تماماً، لم يعد ينال نفس الصورة القديمة من المهابة والاحترام، فهي تشجع ابنها المتردد على أن يخدعه، ومع أنها ربما اعتذرت لنفسها، أنها تتم إرادة الله التي وعدت من البدء يعقوب بالبركة، إلا أنها على أي حال فيما قلت، لا تعطينا إلا صورة المرأة التي استهانت بشيخوخة زوجها وضعفه وقلة حركته، ولا أعلم هل تعلمت هذا في بيتها الأول، إذ يبدو أن أباها بتوئيل لم يكن ينال الاحترام الكافي في بيته، وأن ما طبعت عليه الفتاة في بيتها القديم، عادت إلى تكراره في بيتها الثاني، لست أدري؟ وإن كنت أعلم أن كثيرًا من صور الحياة يمكن أن تنقلها الفتاة من بيتها القديم إلى البيت الآخر الجديد الذي تذهب إليه، وأن معاملة أمها لأبيها يمكن أن تتكرر في معاملتها لزوجها، وأن العديد من المتاعب والمآسي والآلام تحدث عندما تفاجأ الزوجة بزوج لا يمكن أن يقبل مثل هذا الأسلوب المعكوس، ويجتهد في أن يقلب الأمور رأساً على عقب، أو بتعبير أصح يصحح الوضع الخاطيء الذي –لكثرة ما يألفه الإنسان- يتصوره صحيحاً سليمًا لا يقبل أدنى تغيير أو تحويل، على أن هناك صورة أخرى من الضعف وقعت فيه، ولعلها جرت البيت بأكمله إليه، ونعني بها تحيزها إلى يعقوب ابنها الصغير، في الوقت الذي أحب فيه اسحق ابنه عيسو وقد يسأل البعض ولكن لماذا يمكن أن يحدث هذا التحيز الذي أوجد ولاشك شرخًا وتصدعًا وانقسامًا في الأسرة كلها..!! في الواقع أن كلا من الأبوين انجذب بطبعه إلى الابن الذي يكمله، فرفقة المتحركة لا يمكن أن تقبل إلا ابنها الهادي يعقوب، فهما قطبان فيهما السالب والموجب ولأجل هذا يأتلفان ويتقابلان، لكنها تبقى مع عيسو، أشبه بالسالب يواجه سالباً آخر ولابد يتنافران، أما عيسو المتحرك الشجاع الجريء فهو حظوة أبيه، وهو يكمل الأب الساكن الوادع في مواجهة المحيطين به من جماعات وقبائل متربصة معادية!... على أنه مهما يختلف الأولاد في الطباع أو الحياة أو الأسلوب فان من أكبر الأخطاء أن يلاحظوا ظاهرة التحيز في المعاملة عند الأبوين، وأن هذا الأمر قد يكون بمثابة الدمار للأسرة كلها، ولهذا فان من أهم الأمور في أية أسرة حرص الأبوين على تربية الأولاد بدون أدنى تمييز أو تحيز أو فرقة أو انقسام، بل لعله من أهم الأمور أيضًا ألا يظهر الأبوان مهما اختلفا في وجهات النظر أي نوع من مثل هذا الاختلاف أو أسبابه مهما كانت الظروف. فلا يجري ما جرى عندما وقفت رفقة عند باب الخيمة تسمع عن تأهب اسحق لمباركة ابنها عيسو، فترتب الحركة المضادة، لينال يعقوب لا عيسو هذه البركة. لقد كان اسحق مخطئًا ولاشك لأنه وهو يعلم أن البركة المودعة من الله في الأصل ليعقوب، لكنه نسى هذا أو تجاهله بدافع محبته المتحيزة لابنه الأكبر، أما رفقة التي تفضل الأصغر، فقد رأت العكس وأصرت على أن ينال هذا ما يلزم أن يكون حقه بالموعد الإلهي لا لمجرد اتمام الرغبة الإلهية بل لأنها تحب يعقوب وتميزه وتؤثره وتسعى على أن يبقى دائمًا الأفضل والأعظم. رفقة وحصادها:- كان لرفقة من كل هذا حصاد مرير مفزع هائل، اذ فاضت كأسها مع الأيام بالمرارة والعلقم، ولعل أول هذا الحصاد كانت تلك المرارة التي جاءت عن زوجتي عيسو يهوديت ابنه بيري الحثي وبسمة ابنه ايلون الحثي اللتين كانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة، ومن العجيب أن البعض يقول إن الفتاتين على ما جبلتا عليه من طباع وثنية شريرة كافية لأن تجعل الأسرة تغرق في العلقم والافسنتين، لكن رفقة بمعاملتها لابنها دفعته وهي لا تدري إلى هذا السبيل، ولو أنها قربته إلى قلبها وأعطته الحب والحنان، ولم تفرق بينه وبين أخيه، لما حدث كل هذا الذي حدث،... ولما تحول البيت إلى نوع من الجحيم بعد أن حصل يعقوب على البركة والبكورية معاً، ولما وضع عيسو في قلبه أن يقتل أخاه، ولما وصل الألم إلى قلب المرأة إلى الحد الذي فيه تدفع ابنها الاصغر إلى الهرب وتذهب إلى زوجها قائلة: «مللت حياتي من أجل بنات حث أن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة»... وهكذا عاشت المرأة المتآمرة لتفقد في يوم ما طعم الحياة مع كل ما لديها من أسباب المادة المتوفرة التي تكفل الحياة السعيدة لمن يظنون ان المادة تفعل مثل هذا في حياة الناس على الأرض، على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أنها وهي تدفع ابنها الأصغر الحبيب إلى الهرب، كانت تقدر أن الأمر لن يطول بل هي بضعه أيام أو شهور يهدأ بعدها الأكبر، وتسكن ثورته وغضبه، ويعود الصغير مع زوجته وما قد يأتيه من أولاد تفرح بهم وتهتم بتربيتهم، فيتصالح الأخوان، ويلم الشمل، ولم تكن تتصور على الأطلاق أن الأمر سيطول حتى يبلغ عشرين عامًآ، وأنها لن ترى هذا الابن مرة أخرى إذ ستموت قبل أن يجيء!! ولعلها كانت تمد البصر في أيامها الأخيرة صوب البلاد البعيدة حيث هناك ابنها الطريد، ويعتصرها الألم لتتعلم، وبالحري لتدرك الحكمة التي جاءت معها أول الأمر، عندما غطت وجهها، وهي تحترم زوجها عند أول لقاء... وأنه أولى بالاحترام والهيبة عندما كف عن البصر، وقعد عن الحركة، وأنه مهما كان الفارق بين ولديها، فان رسالتها الدائمة في الحياة، أن تعاملهما معاملة واحدة، في جهادها مع الله والناس على حد سواء، تاركة الله في قصده الأزلي أن يقول: «لأنهما وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيرًا أو شرًا لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو».
المزيد
29 ديسمبر 2021

الجدية والتدقيق

الجدية هي الميزة الأولى التي تميز الناجحين والمتفوقين عن غيرهم فعظماء الرجال الذين سجل التاريخ أسماءهم، هم أولئك الذين كان لهم خط واضح رسموه لحياتهم، وساروا فيه بقلب ثابت لا يتزعزع، ولم ينحرفوا عنه يمينًا ولا يسارًا، وكانت لهم مبادئ ثابتة لا يحيدون عنها. كما أنهم لم يسمحوا مطلقا لأية ظروف أن تعوقهم.وأيضًا طلاب العلم الذين نبغوا، وكانوا الأوائل بين زملائهم، هم الذين عكفوا على دراساتهم بكل جدية. وأيضًا العامل الناجح هو الذي يؤدى عمله بجدية. بل حتى اللاعب الناجح هو اللاعب الذي يكون جادًا في لعبه، لا يتهاون أو يتكاسل فيه والإنسان الجاد هو جاد في كل شيء هو جاد في وعوده، وفي مواعيده. لا يعد أحدا بوعد ويرجع فيه مهما كانت الأسباب. ولا يحدد لأحد ميعادا ويغيب أو يتأخر عنه ملتمسًا لنفسه الأعذار! والإنسان الجاد إذا نذر نذرًا، لا يعاود التفكير فيه أو المساومة ولا يؤجل الوفاء بنذره، ولا يحاول استبداله بغيره، ولا يماطل. إنما بكل سرعة، وبكل جدية، ينفذ نذره كما هو. واضعًا أمامه القاعدة الذهبية التي تقول "خير لك أن لا تنذر، من أن تنذر ولا تفي" لهذا فكل وعوده ونذوره، تكون موضع ثقة. والإنسان الجاد يهدف إلى الكمال. لذلك فهو ينمو باستمرارالجدية تمنحه حرارة روحية. والحرارة تدفعه كل حين إلى قدام وإذ يتمسك -في كل ما يعمل- بأعلى درجة يمكنه الوصول إليها، لهذا فإنه بكل مثابرة واجتهاد، يمنح مسئولياته كل قوته وكل إمكانياته، وكل إرادته وكل قلبه.. ويعمل بكل النعمة المعطاة له، ولا يقصر في شيء إنما يبذل كل طاقاته.. ولذلك فهو لا يحتاج كثيرا إلى من يدفعه في الطريق، فالدفع المستمر يأتيه من الداخل والإنسان الجاد لا يدلل نفسه ولا يحابيها. ولا يعذرها في أي تقصير وإن توانت نفسه يومًا، يغصبها على العمل وعلى التقدم، حتى تتعود ذلك وتؤديه في تلقائية والإنسان الجاد، إذا صادفته صعاب، ينتصر عليها، ولا يعتذر بها إنه لا يستسلم لعقبة، بل يكافح ساعيًا إلى المثاليات، مُصِرًا على النجاح في طريقه مهما كانت العقبات أمامه. وهو ينجح في كفاحه، طالما كان حارا في الروح، لا يفتر ولا يضعف ومادامت المثاليات أمامه، فإنه لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا باجتياز مرحلة في الطريق والاكتفاء بها! بل يسعى بكل نشاط، حتى يصل إلى الغاية والى النهاية. لذلك فهو في صعود مستمر نحو الهدف.وهذا الجاد الذي يتقدم باستمرار، لا يخشى عليه من النكسات أو من الرجوع إلى الوراء إن الجدية في الحياة، دليل على الرجولة وقوة الشخصية والإنسان الجاد في حياته، هو إنسان يحترم نفسه، ويحترم مبادئه، ويحترم الكلمة التي تخرج من فمه، ويحترم الطريق السليم الذي يسلكه. فهو -لهذا كله- يتميز بالثبات وعدم الزعزعة. انه كسفينة ضخمة تشق طريقها في بحر الحياة بقوة متجهة نحو غايتها وليست كقارب تعصف به الأمواج في أي اتجاه إن الإنسان غير الجاد، يتأرجح في حياته دائمًا بين الصعود والهبوط ومسيرته غير ثابتة، سواء في أمور عمله، أو في حياته الروحية فهو يسقط ويقوم، ويداوم القيام والسقوط ، في غير استقرار!! أحيانًا يكون حارًا، وأحيانًا يكون فاترًا،أو باردًا. في فترة يكون مهتمًا، وفي أخرى يقابل الأمور بلا مبالاة!! الإنسان الجاد، تظهر جديته في سلوكه الروحي وعلاقته مع الله فالجدية في السلوك الروحي، لا تقبل الإهمال والتراخي ولا التردد، ولا الرجوع أحيانًا إلى الوراء. ولا تقبل التأرجح بين طريقين: حياة الفضيلة وشهوة الخطية! أو ساعة للقلب، وساعة للرب!! كما لو كان القلب والرب في طريقين متناقضين!! الإنسان الجاد لا يتساهل في حقوق الله مطلقا. انه يأخذ حق الله من نفسه هو أولا، قبل أن يسعى لأخذ حق الله من الآخرين وهو يسلك في وصية الله بكل حزم وبكل دقة وبكل عمق.. وطاعته لله -تبارك اسمه- تكون بغير مناقشة وبغير مساومة والجدية في الحياة الروحية لا تعنى التزمت إطلاقًا! فمن الممكن أن يسلك الإنسان بطريقة روحية في حياة الفضيلة، وفي نفس الوقت يكون بشوشًا، ومرحًا في وقارأما التزمت فهو لون من التطرف. والتطرف ضد الروحانية والجدية والإنسان الجاد الروحي، لا يقدم تبريرات للسقوط في الخطية!! فالفضيلة واجبة، مهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة.. ومثال ذلك يوسف الصديق العفيف: كانت الظروف من الخارج تضغط عليه، ولكنه لم يخضع لها، ولم يتساهل مع الخطيئة، بحجة أنه وقتذاك كان عبدا، وتحت سلطان غيره، وبإمكان سيدته أن تؤذيه ولكن الخير الذي كان في قلبه، كان أقوى من الخطيئة التي تغريه، وكان أقوى من الضغوط الخارجية. وكان يوسف جادا في حفظ نفسه طاهرًا إذن يجب أن يكون الإنسان جادا في حياة التوبة فيقاوم الخطيئة بكل جدية، إذا ما حورب بها وان سقط ، يكون جادًا في توبته ولا يؤجلها. وان تاب وترك الخطيئة، يتركها بجدية، ولا يعود إليها مرة أخرى. وليضع أمامه قول ذلك الأب الروحي: "لا أتذكر أن الشياطين قد أطغوني مرتين في خطية واحدة" فقد يكون السقوط عن جهل أو ضعف. ولكن متى أدرك التائب الجاد ذلك، يحرص إلا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى. بل تكون التوبة نقطة تحول كامل في سلوكه بغير عودة فهو يغلق أبواب فكره وقلبه أمام الخطية غلقًا تامًا، بعزيمة قوية وإصرار شديد على حياة البر، ويكون جادا في تداريبه الروحية لا يكسرها مهما كانت الأسباب، ويحفظ تعهداته أمام الله في جدية على أن الشيطان أو أعوانه، الذين يحاربون الإنسان في جدية الحياة الروحية، قد يغرونه بما يسمونه المرونة في سلوكه!! لكن المرونة لا تكون أبدًا بالخروج عن القيم الروحية. إنما المرونة بمعناها الحقيقي تكون في داخل القيم وليس خارجها وليست المرونة مطلقا في عدم الالتزام، بل يكون الإنسان مرنا مع الالتزام بحياة الفضيلة والبروالجدية تلزم الإنسان أيضًا على حياة التدقيق من مظاهر الجدية, التدقيق في كل شيء.والإنسان الجاد في حياته، يحرص أن يكون مدققا في كل تصرفاته، وفي كل كلمة يقولها، وكل فكر. ويكون مدققا من جهة حواسه ومشاعره، ومن جهة مواعيده ووقته. وبالاختصار في كل علاقاته مع الله والناس، ومع نفسه. ويتدرب على ذلك، حتى يصبح التدقيق جزءًا من طبعه.. وبعد يا قارئي العزيز، ألست ترى أن موضوع التدقيق يلزم له مقال خاص؟ إني أرى ذلك أيضًا. فإلى اللقاء. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
28 ديسمبر 2021

نهايه سنة و بداية سنة جديدة

كل سنه وحضراتكم طيبين، سننهي سنه ونبدأ سنه جديده، وفي نهايه السنه بنتذكر أن العمر كله بينتهي، وأن الحياه كلها ماهي إلا أيام ،ولها صوره محدده، لم نحيا هنا علي الارض، ونحن ندرك أن الحياه علي الارض حياه بلا نهايه، نعلم كلنا أنها مرحله، مثل القطار سيأتي زمن كل منا له وقت يرحل من الارض ثم يرحل الذي يليه، ثم ينتهي كل الرحيل وتبدأ الحياه مره أخري بصوره جديده في السماء، تلك الحقيقه التي أحياناً نحاول أن نهرب منها بأن نبني لنا بيوتا ونجمل قصوراً ونكنز أموالاً، ونحاول أن نجعل في قناعتنا الشخصيه اننا سنعيش حتماً أياماً كثيره، ثم تأتي الحقيقه حينما نري أحبائنا يرحلون، وندرك أن ما نفعله يجب أن يكون في إطار ما نحياه علي الارض في إطار أنها حياه مؤقته، فيجب ان تكون الاموال ليست لآجل أن نكنز، ولا أن نجعلها هدف للحياه، ولكنها مجرد وسائل للحياه، كل ما نحياه يجب أن يوضع في مكانه الحقيقي أننا نحيا فتره مؤقته، سيأتي الزمن الذي نعبر فيه من هنا، ونقف أمام الله ويتوقف وجودنا الفعلي، لن يكون هناك فعل أو حدث، ما صنعت تحاسب وما عشته يأخذ مكانه وجودك الدائم . وفي الايام تمر بنا صعوبات وتجارب نصرخ ونتألم نجرح نسقط، وأحياناً نرفع عيوننا إلي السماء ونقول له يارب لماذا، وأحياناً تفقد الرجاء وأحياناً نشعر أنه تركنا لمخالب الشرير أن يعبث بنا، وأننا صرنا بلا حمايه منه ولا ندرك أن لكل شئ تدبير حتي الألم له تدبير، حتي التجارب لها تدبير، إن كنا نؤمن أنه ضابط الكل ، يجب أن نؤمن أنه لا يوجد شئ خارج سلطانه حتي تحركات الاشرار لا يمكن أبداً أن تكون خارج سلطانه. نحن نقيس عمل ربنا بمقاييس بشريه، نري فقط اليوم ولا نري الغد، ولكن الله يري الغد، ونقيسها بمقاييس ذاتيه لا نري سوي مصالحنا الشخصيه، لكن هو يري تدبير كل الصوره لاجل الخير الدائم بل قد يكون لآجل خلاص نفوسنا الابدي، وقد يكون أيضاً تدبير مجد في السماء حينما يسمح بمرض او ألم او ضيق يجب أن ندرك أن كل ما يفعله من أجلنا هو خير، أحيانا نقيسها بعقلنا المحدود جداً، من كان يظن أن الشعب بعد العمل العظيم جداً بعبور البحر الاحمر أنه يشق طريق أمامهم في البحرويعبروا، إذاً يجب أن نثق أن يديه معهم، برؤيتنا البشريه القاصره نظن أنهم لن يجوعوا أو يعطشوا ولا يواجهوا آي مشكله، ثم نجد أن الشعب يجوع ويعطش ، من ليس له إيمان ومن لهم رؤيه ماديه وأن وجودهم في مصر أفضل سقطوا ورفضوا الحياه مع ربنا، وتذمروا علي موسي النبي، أما ربنا فكان نتيجه هذا الاحتياج كان يخرج منه عمله المعجزي، فتضاف إلي تاريخ هذا الشعب وجود ربنا. تذكر السنه الماضيه بما فيها من ضيقات ولكن يد ربنا كانت واضحه معك، هل تريد حياه تسير بلا مصاعب وبلا عمل ربنا، أم تريد حياه تواجه فيها مصاعب وتأخذ عشره مع الله، مثل الطالب الذي لا يريد أن يجتاز الامتحان ولكنه أيضاً لن يأخذ شهاده. القضيه ليست فقط أن الله يظهر مجده ولكن بظهور مجده في حياتك، فوق في السماء يكتب في حياتك تلك الامور، حينما تفتح الاسفار ونقف أمام العرش الالهي ماذا يوجد فيه مكتوب هل فقط أمور ماديه ، يُكتب أنه سمح بتجربه وربنا في حياتك، لان ما يُكتب هو وجود ربنا في حياتك. تخيلوا ماذا كان سيكتب لو أن الشعب خرج من مصر دخل أرض الموعد، شعب عبر وعاش فقط، حتي اليوم ما يقرب من أربعه الآف سنه نتذكر أن الله ظهر لهذا الشعب في البريه، وانه انزل لهم من وسلوي، واخرج لهم ماء من صخره، من عمق الالم، من العطش اخرج لهم ماء، ومن الجوع اعطاهم المن والسلوي، من عمق الصرخات واجهوا شعب مثل شعب عماليق وانتصروا، تريد حياتك تمر بدون حروب ولا آلام وبدون يد ربنا، ولا الاحلي أن نواجه هذا ونري أيضا يد ربنا، نحن نشك في حب ربنا وفي عنايته ماذا يمكنك أن تري حباً اكثر أنه يأتي ويتجسد لكي يصلب، من أجل السرور الموضوع أمامه استهان بموت الصليب . الله لا يجد عليه جديد هو يرانا فوق الزمن ويدرك أن دمه سيخلصنا، "هوذا السيد يعطيكم نفسه آيه" " قولوا لابنه صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً علي آتان وجحش ابن آتان " ياتي لكي يصلب. الذي يضع أمامه دائماً المسيح لا يمكن ابداً أن يحزن، مهما أن كانت الامور صعبه، مهما أن كنا نواجه تجارب، مهما كان إبليس يأخذ لحين سلطان، مهما كان الشر يأخذ لحين مساحه، ندرك أنه معنا أيضاً وسط الضيق، يقول له داود النبي في أحلك ظروف حياته وفي هروبه من شاول الملك، في هذه الفتره قال كلام عميق جداً " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب ناصر حياتي ممن أجزع عند اقتراب الاشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي واعدائي سقطوا أن يحاربني جيش لن يخاف قلبي إن قام علي قتال ففي هذا أنا مطمئن" " الرب راعي فلا يعوزني شئ" عبر زمن الضيق واصبح هو الملك. لذلك في كل مره تواجه ضيقات ارتمي في حضن المسيح، قل له أنا في حضنك مطمئن ولا اشعر ابدا أنه يوجد سلطان علي طالما أنا في حضنه، الذي اخلي ذاته لاجلك وصلب ألا يعطيك كل شئ ؟. 2كو9.8 " من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره" مشكلتنا أن أعيننا لا تستطيع أن تراه جيداً ، الذي يري الحواس مدربه لا يخاف ولا يقلق بل يستقبل كل شئ بشكر وفرح، تقلق حينما لا تجد المسيح موجود في السفينه، مثل التلاميذ في وجود المسيح وكانوا خائفين فقال له " أين إيمانكم أنا هو لا تخافوا" " هذه هي الحياه الابديه أن يعرفوك" " المسيح هو هو أمس واليوم وإلي الابد" " الله مسحني لابشر المساكين لاشفي منكسري القلوب لانادي المأسورين بالاطلاق والعمي بالبصر" الذي فتح احضانه لشخص عاش طول حياته لص ولكنه علي الصليب قال له اذكرني متي جئت في ملكوتك، قال له اليوم تكون معي في الفردوس، لن يغلق أحضانه مهما أن كانت حياتنا حينما نذهب إليه" عاملا الصلح بدم صليبه" بينما نحن في حاله عداوه هو جاء يصالحنا بدمه بذبيحه ذاته، لذلك كل الذين عرفوا جيداً كانوا فرحين " فرحين في الضيق"، ماربطرس يسجن ويضرب ويضطهد وفي النهايه يموت منكس الرأس، ماربولس كان له سلطان وعنفوان ويضطهد كان مفترياً، بعدما صار مسيحياً ضُرب وعذُب ، بينما كان مسجون في فيلبي قال " افرحوا في الرب كل حين" لان وجود المسيح كان يعزيه، حتي وأن كان هناك تجارب، " سلمنا فصرنا نُحمل" " افرحوا كل حين واقول ايضاً افرحوا" هل تثق فيه أم لا؟ كل الذين يسقطوا في كآبه وضيق هم الذين ليس عندهم إيمان " طيب هو الرب للذين يترجونه النفس التي تطلبه" أنت محبوب عنده يجب أن تثق في ذلك. لذلك في كل تجربه من تجارب أولاد الله تجد كذلك يد تسنده، وجوده يعزي، بينما التجارب مؤلمه لكن وجوده مفرح. هل تفضل أن لا يكون هناك تجارب ولكن يختفي هو من المشهد، وقت التجارب هو يكون اكثر قرباً، مثل الأب الذي حينما يكون ابنه مريض يحمله علي كتفه. " أليست خمسه عصافير تباع بفلسين واحداً منها ليس منسياً عنده أنتم افضل من عصافير كثيره" " أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" " ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم. يا عزيزي ونحن نستقبل عام جديد افرح مهما كان، افرح بربنا الذي سمح بسنه جديده، الذي سمح بمذبح تصلي وتأخذه وتتحد به، أنك تقف وتصلي أمامه، افرح أنك في آخر الليل تضع رأسك علي ركبتيه وتستشعر وجوده وأحضانه. لآلهنا كل مجد وكرامه إلي الابد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
27 ديسمبر 2021

كيف يولد الخالق من إمرأة مخلوقه؟

س 1: إذا كان المسيح هو الله وفي نفس الوقت هو ابن مريم، فكيف يولد الله وهو الذي لم يلد؟ وكيف يولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟ ج: نحن نؤمن أن الله ليس مولوداً ولا يلد ولا يتوالد، مثل البشر، ليس له ذريه كما أنه ليس له أب أو أم فهو الذي لا بداية له ولا نهاية، الموجود الدائم الوجود وعله كل وجود ولم يوجده أحد وإنما هو الموجود بذاته، الموجود دائما بلا بداية ولا نهاية إذ يقول هو عن نفسه (كما بينّا في الفصل السابق): " أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحي " (تث39: 32). " أكون الذي أكون " الكائن " (خر14: 3)، أي الكائن، الموجود دائما علة كل وجود. " أنا الأول وأنا الأخر ولا اله غيري " (اش6: 44). والسيد المسيح باعتباره كلمة الله، الله ناطقا، " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1)، وصورة الله غير المنظور، هو الله " هذا هو الإله الحق والحيوة الأبدية " (1يو20: 5). وكلمة الله مولود من ذات الله بلا انفصال مثل ولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل، مولود منذ الأزل " أنت ابني أنا اليوم ولدتك " (عب5: 1)، مولود بلا بداية ولا نهاية ولا خلق " مولود غير مخلوق "، فهو كلمة الله، وكلمة الله هو الله " وكان الكلمة (هو) الله "، " والكلمة هو الله " والله غير مولود وغير مخلوق ولا آب له ولا أم ولا نؤمن بتعدد آلهة بل نؤمن بإله واحد فقط بدون مشاركة من أي كائن آخر " الرب إلهنا رب واحد " (تث4: 6) والرب يسوع المسيح يقول "" أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1). " أنا هو الألف والياء الأول والآخر " (رؤ11: 1). " أنا الألف والياء البداية والنهاية. الأول والأخر " (رؤ13: 22). " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو8: 58)، أي أنا أكون دائما، أنا الكائن دائما، في كل زمان، بلا بداية ولا نهاية. " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم والي الأبد " (عب7: 13). ولكن الله قادر علي كل شئ ولا يستحيل عليه شئ، والذي كُتب عنه ؛ " الله القادر على كل شيء " (تك3: 48)، " الإله القادر على كل شيء " (خر3: 6)، " الرب القادر على كل شيء " (2كو18: 6)، " قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان و لكائن و لذي يأتي " (رؤ8: 4)، وأيضا " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (لو26: 18)، والذي عرف أول ما عرف عند الآباء الأول بالقدير أو القادر علي كل شئ " وأنا أظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب بأني الإله القادر علي كل شئ " (خر3: 6) وقد شاءت أرادته الإلهية، منذ الأزل، أن يظهر للإنسان على هذه الأرض وفي هذا العالم بأن يتجسد ويظهر له عيانا، في الجسد، في مكان معين وزمان معين ومن ثم أختار أم معينه ليولد منها " في ملء الزمان "، يظهر علي الأرض كإنسان، فحل في بطن هذه الأم، العذراء مريم، واتخذ منها جسدا وظهر علي الأرض كإنسان، اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، وجد في هيئة إنسان، يقول الكتاب " في البدء (منذ الأزل) كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (الكلمة هو الله) كل شئ به كان (كون، صار، وجد) وبغيره لم يكن شئ مما كان ... فيه كانت الحياة ... والكلمة صار (اتخذ)(1) جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو1: 13،14). " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3). " الذي إذ كان (هو) في صوره الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلى نفسه (تنازل من علاه) أخذا صورة عبد صائر في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت " (في6: 5-8).كلمة الله وصوره الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم (صورة) جوهره، الإله القدير، الله الكلمة، لما أراد أن يظهر علي الأرض، ولما جاء الوقت المحدد لذلك (ملء الزمان)، حل في بطن العذراء القديسة مريم واتخذ منها جسدا، اتخذ صورة العبد وصار علي الأرض في هيئة إنسان، ظهر في الجسد الكامل، اتخذ كل ما للإنسان حتى الموت، ولد من أم وهو الخالق الذي لم يخلقه أحد، ولد في الزمان وهو خالق الزمان، الأبدي الأزلي، ولد وهو الذي بطبيعته سلا يلد ولا يولد مثل سائر المخلوقات، نزل علي الأرض، نزل من السماء وظهر علي الأرض في هيئة إنسان وسار بين البشر وعاش بينهم ثلاث وثلاثين سنه وثلث!! س 2: كيف يولد من العذراء في حين أنه نزل من السماء!؟؟ لو كان قد نزل من السماء فلا يمكن أن يكون ولد من امرأة، ولو كان قد ولد من امرأة فلا يمكن أن يكون من السماء!! ج: الكتاب واضع وصريح في أن المسيح قد نزل من السماء إذ يقول المسيح عن نفسه "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) وكرر في تعبيرات عديدة أنه نزل من السماء حتى أن اليهود لما سمعوه يقول ؛ " لأني قد نزلت من السماء " قالوا " أليس هذا يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه: فكيف يقول هذا أنى نزلت من السماء " (يو42: 6) والقديس بولس يقول بالروح ؛ " وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضا إلى أقسام الأرض السفلي الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السموات لكي يملا الكل " (أف9: 4،10) والكتاب أيضا واضح وصريح في أن المسيح قد ولد من العذراء مريم بالروح القدس، حل في أحشائها وأتخذ منها جسدا، إذ يقول" ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس " (غل4: 4). " ها العذراء تحبل تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " (اش14: 7) والذي تفسيره الله معنا " (مت23: 1). " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا ألها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9) وقال الملاك للعذراء " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع ... الروح القديس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو31: 1،35) وقال ليوسف النجار ؛ " لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع " (مت20: 1) وقالت اليصابات للعذراء ؛ " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو42: 1) ويقول القديس لوقا الإنجيلي ؛ " وبينما هما هناك (في بيت لحم) تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر " (لو6: 2،7).فالعذراء قد حبلت بالمسيح حقا وولدته حقا، فهو قد ولد منها وهو أيضا ثمرة بطنها. س 3: هل كان ميلاده منها مجرد مرور أو عبور، حل فيها ومر من خلالها دون أن يأخذ منها شيئاً، كعبور الماء من القناة أو عبور السفن من القنوات؟ ج: كلا وحاشا فقد كان ميلاده من العذراء ميلادا حقيقيا كاملا وليس مرورا. فقد حل فيها وأتخذ منها جسدا حقيقيا، كاملا، إنسانا كاملا، ومكث في أحشائها تسعة اشهر كجنين حتى ولدته عندما تمت أيامها. لقد كان هو ثمرة بطنها أي أن ناسوته، جسده، طبيعته الإنسانية، مكون من لحم ودم وعظام، وأيضا من روح ونفس وجسد، داخل أحشائها ومن أحشائها ذاتها فهو بالحق والحقيقة ثمرة بطنها " ولد منها ودعيت هي أمه " أم ربي " (لو43: 1)، بالرغم من أنه، هو، خالقها. نعم ولد من امرأة ولكن باتخاذه جسدا منها. فهو مع كونه الإله الأبدي الأزلي أتخذ منها جسدا، احتجب به وسكن فيه واتحد به فكان هو جسده " احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية ... لترعوا كنيسة الله التي اشتراها بدمه " (أع28: 20)، " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة " (1بط24: 2). وللتعبير عن هذه الحقيقة يستخدم القديس يوحنا تعبير ؛ " المسيح انه قد جاء في الجسد " (1يو2: 4-3)، و " المسيح آتيا في الجسد " (2يو7: 1)." وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي16: 3). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل