المقالات

08 يناير 2022

خواطر الميلاد

لقد وُلِد السيد المسيح وصار ابن الله الكلمة متجسدًا ليلتقي بالبشرية التي عجزت عن لقائه، إذ هرب آدم الأول حينما جاءه الله في الفردوس، واختبأ وراء الشجرة التي أكل منها مخالفًا. وكم تعبت البشرية من بُعدها عن الله، فجاء هو وصار كواحد من البشر ليصنع أكبر شركة قوية بين الله والبشرية، لذلك دُعي اسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره "الله معنا"، وهذا ما ظهر في أحداث الميلاد المجيد إذ جاء الملاك وبشّر الرعاة ليذهبوا ويروا الابن الكلمة المتجسد مُضجَعًا في مذود، وظهر النجم -وهو ملاك أيضًا- للمجوس ليأتي الجميع للبيت حيث الطفل المولود ويقدموا له الهدايا ذات المعاني الداله علي شخصية هذا الطفل أنه الملك والكاهن والفادي المتألم. 1- إنه قد وُلد كحمل: في مذود لأنه زاد أي غذاء.. لذلك قال عن نفسه «أنا هو خبز الحياة»، وإن كان الإنسان الأول آدم وزوجته حواء سقطا من خلال الأكل، لذلك جاء المخلص من خلال ذبيحته (الخبز والخمر) ليُعطي غفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منها في كل الأزمان.. لذلك قال الآباء القديسون: "جاء الرب من السماء متجسدًا ليرفعنا إليها حيث الأبدية، وجاء من خلال المذود ليرفعنا إلى المذبح، وجاء إلى البيت الأرضي ليرفعنا إلى المنزل السماوي، وجاء فقيرًا وهو الغني لكي يمنحنا الغِنَى لكي نستغني بفقره (2كو8: 9)". ويؤكد القديس أمبروسيوس قائلًا: "إن ميراثي هو فقر المسيح، وقوتي هي ضعف المسيح (أي صلبه وموته)". 2- لقد تجسد ليُشبع الجائع: والقديس أثناسيوس يقول: "إن التأمل في الله وكلمته يُشبع النفس إذ يصير الإنسان كالملائكة الذين يقتاتون برؤية الله المخلص في السماء".. والقديس مار أفرآم السرياني يقول: "جاء الرعاة حاملين لبنًا وتسبيحًا للطفل يسوع وسجدوا للابن المولود".. والقديس كيرلس الكبير يتأمل في ميلاده في مذود فيقول: "حين رأى الله الإنسان وقد هبط إلى مستويات تقترب من الحيوان، لذلك وضع نفسه في مذود حتى إذا تركنا الطبيعة النفسانية الأرضية ارتفعنا إلي درجة الفهم والإدراك اللائق بالبشر، وحينئذ نقترب للمائدة السماوية". 3- وتجسد أيضًا ليعلمنا السهر بحكمة: فإن كانت بداية الخطية بالأكل والتهاون إلى نوم الكسل، دُعِيَ الكلمة أقنوم الحكمة لأنه علمنا أسرار الله ومنها سر السهر الحكيم أي الروحي كالملائكة. وإذا كان النوم مرتبطًا بالأكل والكسل والتراخي عن الجهاد، فالسهر سمة الذين يستحقون أن يروا الابن الكلمة في ميلاده العجيب، كما يقول القديس أمبروسيوس: "الرعاة سهروا، والمجوس راقبوا النجم، فاستحقوا أن يلتقوا براعي الخراف الحقيقي الساهر عليهم".. هكذا كل مَنْ يريد الالتقاء بالمخلص في عيد تجسده لابد أن يترك غفلته ويتولّد فيه السهر الحقيقي النافع للنفس، فالعين المفتوحة ساهرة ترى الله ويد الله الفاعلة في حياة الإنسان الروحي المحب لله. والنتيجة هي: يقول القديس مار أفرآم السرياني: "لقد اتحد السمائيون مع الأرضيين في كيان واحد لينشدوا للمولود الذي حَوَّلَ الأرض إلى سماء بحلوله فيها.. فهو كائن في السماء في حضن الآب، وهو أيضًا تجسد على الأرض فوحّد الاثنين معًا". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
07 يناير 2022

ميامر الأعياد السيدية

(نبتدئ بعون الله تعالى وحُسن توفيقه، بشرح ميمر قاله الأب المكرم القس بولس البوشي، على الميلاد المجيد، بركاته علينا آمين). المجدُ لك أيها المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي وُلد اليوم جسدانياً من البتول للخلاص. المجدُ لك يا شمسَ البرِّ، الذي أشرق علينا اليوم بشعاع لاهوته، وأضاء المسكونة. المجدُ لك أيها المسيح الملك، مالك السموات والأرض، الذي أخذ صورة العبد، لكي يُعطي عبيده الحرية التي تليق به. المجدُ لك أيها الخالق السماوي الذي افتقد خليقته الترابيين، وتعاهدهم بالصلاح، لكي يصيروا واحداً مع السمائيين. المجد للذي أضاء شعاعُ لاهوته بالمولد البتولي في أقاصي الأرض، حتى أتوْا إليه المجوس ساجدين. المجد للذي فحصوا لأجل مولده في الناموس والأنبياء، وأقرُّوا له عابدين. المجد للذي سبَّح لمولده السمائيون، وسجد له الأرضيون. أنا أسأل صلاحك، يا مَن رفع عنا العار والخزي بمولده من البتول. أطلب إلى محبتك، يا مَن تواضع وصار معنا على الأرض وهو في السماء لم يَزَل. أصرخ إليك، يا من صار إنساناً، لم يترك عنه شرف لاهوته الكائن له قبل الدهور. أشرِقْ شعاع لاهوتك في مخادع نفسي، يا شمس البر، لأتكلَّم بمولدك العجيب. أرشدني يا نور الحق الذي أرشد المجوس لمعرفته، لأُخبر بتواضعك وإتيانك إلينا. هب لي فصاحة القول، يا مَن وَهَبَ الخلاص للعالم مجاناً، وبتواضعه صار معهم على الأرض كالإنسان، وهو بلاهوته حالٌّ في كل مكان، لكي ما أفتح فمي وأنذر بمجيئك الذي صار بكل العلانية. لك المجد أيها المسيح الذي وُلد اليوم من البتول بالجسد. أسبِّح لك مع الملائكة، وإليك أُسرع مع الرعاة، ولك أسجد مع المجوس، ومن أجلك أفحص (الكتب) مع كتبة الناموس، ولإتيانك الكريم أترنَّم مع الأنبياء، وأُحضِر شواهدهم (من النبوَّات)، وأُبشِّر بك مع الإنجيليين، وأُقدِّم في الوسط مقالاتهم، وباسمك القدوس أفتح فمي، وبذكرك المجيد تتهلل شفتاي، وأصرخ بصوت أفضل من (صوت) القرن، وأفرح وأسرُّ في هذا العيد المجيد اليوم، وأذكر ما نطق به النبيُّون، وكرز به المُرسَلون. هَلُمَّ في وسطنا اليوم يا يعقوب إسرائيل، أبو الأسباط ورأس القبائل، وأخبرنا بمجيء سيدنا المسيح الحق إلينا. قال: «لا يزال رئيسٌ في يهوذا، وأقدام بني البشر، حتى يأتي الذي له المُلك وعليه تتوكَّل الشعوب، وإيَّاه ترجو الأمم» (تك 49: 10). بحقٍّ، إن هذه النبوَّة واضحةٌ جداً لا يحتاج معها إلى نبوَّة أخرى، وذلك أن المُلك قد كان في بني إسرائيل من قبيلة يهوذا، إلى سبي بابل، وأيضاً أقاموا عليهم رؤساء من قبيلة يهوذا أيضاً إلى مجيء المسيح. فلما كان مولد المسيح الرب، ملكت عليهم الأممُ وكتبوا أسماءهم في الجزية. كما شهد بذلك الإنجيلي المغبوط لوقا قائلاً: «وفي تلك الأيام»، أعني مولد الرب بالجسد، قال: «خرج أمرٌ من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب جميع المسكونة». وبيَّن لنا أن في الزمان الذي قد مضى لم يكن كذلك، فقال: «وهذا الاكتتاب الأول في ولاية قيريانوس على الشام» (لو 2: 1-2)، أعني أن هذا أول اكتتاب كان على اليهود ليؤخذ منهم الجزية، فكان الأمر من قيصر ملك الروم برومية، ليُعلمنا أن الروم قد ملكوا عليهم، والمتولِّي من قِِبله قيريانوس منتدبٌ على الشام لكتابة الأسماء وأخذ الجزية. لأن هيرودس الكبير أبا أرشلاوس، قد كان في ذلك الزمان (متولِّياً) على الخِراج (الجزية). فقد صحَّ أن عند مولد المسيح نُزع منهم المُلك والرئاسة معاً، وأقاموا (في عهد) ذمَّة تحت يد ملوك الأمم. لأن الله عَلِمَ بغلظ قلوبهم، وكذلك أبطل مجيء الأنبياء أيضاً، «لأن الناموس والأنبياء إلى يوحنا»، كما قال الرب، «ومنه يُبشَّر بملكوت الله» (لو 16: 16)، الذي هو مجيء الرب الكريم إلينا. حتى أن اليهود إلى اليوم لا يقدرون (أن) يزيدوا على هؤلاء الأنبياء المعروفين، الذين كانوا قبل تجسُّد المسيح، وهم أربعة وعشرون نبيّاً. فقد صح بهذه العلامة أن المسيح قد جاء لأنه نزع منهم المُلك والرئاسة، وأبطل مجيء الأنبياء، ونزع من أيديهم البيت المقدس أيضاً، الذي كانوا يخدمون فيه بالسُّنة (أي الناموس) العتيقة، وهي ضحايا الحيوان ودم الجداء، وتطهير الزوفا، وأكمل ذلك بجسده ودمه وتطهير المعمودية. فمَن أطاع منهم الإيمان، قَبِلَه؛ والذين لم يطيعوا، بدَّدهم في آفاق الأرض تحت يد ملوك الأمم يسودونهم بغير تعاهُد. اليوم، يا أحبائي، كَمُلت نبوَّات الأنبياء في مولد الرب من البتول مرتمريم. إشعياء (النبي) يُعلن ذلك قائلا: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويُدعى اسمه: عمانوئيل» (إش 7: 14)، «الذي تفسيره: الله معنا» (مت 1: 23). حزقيال النبي يُعلِّمنا بسرٍّ عجيب قائلاً: «إني رأيتُ في المشارق باباً مُغلقاً مختوماً بخاتم عجيب، لم يدخله أحدٌ غير رب القوات، فإنه دخل وخرج ولم يُفتح الباب ولا تغير الخاتم» (حز 44: 1-2). وهذا سرُّ نبوَّةٍ على الميلاد البتولي من الطاهرة مريم من غير زرع بشر. يُخبرنا بأن المولود منها هو ربُّ القوات، ولهذا حفظ بتوليتها في تجسُّده، وفي ولادته منها، وبعد ولادته أيضاً، لأن له الاستطاعة في كل شيء. إشعياء (النبي) يقول: «وُلد لنا ابنٌ، وأُعطِيَ لنا غلامٌ، الذي سلطانه على منكبيه، وهو الإله القوي السلطان، ملاك المشورة العُظمى يُدعى» (إش 9: 6). حقَّق لنا النبي ميلاده بالجسد، ثم بيَّن لنا أنه الإله القوي السلطان في القِِدَم والأزلية. إرميا (النبي) يُخبرنا بأن الإله سوف يكون مع الناس على الأرض بالتجسُّد العجيب، قائلاً: «إن الله سوف ينزل على الأرض، ويمشي بين الناس» (إر 14: 8؛ 23: 5). حزقيال (النبي) يُعلِّمنا بمِثل ذلك قائلاً: «سيعلمون أني أنا الرب إلههم، إذا ظهرتُ بين الناس، وكلَّمتُهم بإعلان» (34: 23-30). وعلى مثل هذا أيضاً تنبَّأ داود قائلاً: «إله الآلهة يظهر في صهيون» (مز 50: 1-3)، أعني أن أولئك إنما سُمُّوا (أُطلق عليهم) آلهة، لأن كلمة الله صارت إليهم، فأما هذا الذي يظهر بصهيون فهو إلهُ الآلهة بحقٍّ، وربُّ الأرباب وكل الكافة، بشرف اللاهوت وليس بالاسم المستعار. ومثل هذا قال إشعياء النبي: «تظهر كلمة الله في أورشليم، ومن صهيون تخرج السُّنة (الشريعة)» (إش 2: 3). وداود يُعلِّمنا أن المولود من الآب قبل كل الدهور هو المولود من البتول بالجسد، قائلاً: «الرب قال لي أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك» (مز 2: 7)، أعني الميلاد بالجسد. وقال: «من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك» (مز 110: 3 سبعينية). وقال: «يأتي الله جهراً وإلهنا لا يصمت» (مز 50: 3). وقال: «الرب أرسل لك عكَّاز قوة من صهيون، وتملك في وسط أعدائك» (مز 110: 2). وقال: «صهيون الأُم تقول: إنسانٌ حلَّ فيها، وهو العليُّ الذي أسَّسها» (مز 87: 5). وقال عوزيا (هوشع Wch) النبي: «يأتي الربُّ حقاً، ويظهر على الأرض» (هو 6: 3). وقال ناحوم النبي: «هوذا آتي وأسكن فيكِ، قال الرب الضابط الكل». وقال صفونيا النبي: «تعزِّي يا صهيون ولا تسترخي يداك، فإن الرب إلهنا قوي، يأتي ويحلُّ فيكِ ويُنجِّيكِ» (صف 3: 16). قال زكريا: «يا ابنة صهيون، هوذا أنا أجيء وأسكن فيكِ، قال الرب» (زك 2: 10). قال ملاخيا النبي: «هوذا الرب يأتي ويُشرق لأتقيائه، وشمس البر اسمه» (ملا 4: 2). بحقٍّ، يا أحبائي، إن شمس البر قد أشرق لنا اليوم بالميلاد من البتول. المولود من الآب قبل كل الدهور، ميلاداً أزلياً بلا ابتداء لا يُدرَك ولا يحدُّ له زمان، وُلد اليوم للخلاص. الذي لا يُحوَى ولا تُدركه العقول، استُعلِن اليوم متجسِّداً. المرهوب من القوات العقلية، ويعلو كل رئاسة وسلطان، ويفوق شرفُ لاهوته كلَّ البرايا، شاء أن يتنازل ويُخالط طبيعتنا المسكينة. الذي هو جالسٌ على كرسي مجده فوق أعلى السموات، ظهر بين البشر ولم يترك عنه علو شرفه، بل هو يملأ الكل ببساطة (جوهر) لاهوته غير المُحتوى عليه. عظيمةٌ هي جداً كرامة هذا العيد المجيد اليوم، أيها الأحباء، ويجب علينا كلنا إكرامه وتشريفه، و(أن) نبتهجَ فيه ونُسرَّ؛ لأنه إن كان (يوم) مولد رؤساء هذا العالم وملوك الأرض (الذين) يموتون وتزول رئاستهم، تجدهم يكرمونه ويذكرونه بينهم مع خواصهم في كل عام - كما كُتب أنْ وافى مولد لهيرودس الملك، فصنع وليمةً لعظمائه ومقدِّمي الجليل ورؤساء مُلكه (مر 6: 21) - فكم أحرى يحقُّ علينا من الفرح والمسرة، أن نُعيِّد بكل اهتمام حسن، في يوم تذكار مولد ملك الملوك ورب الأرباب وسيد السادات، الذي يسود بجبروته كل البرية، ولا سيما أن تجسُّده ومولده لم يكن من أجله، بل من أجلنا نحن، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسَّد من مريم العذراء، ووُلد جسدانياً، لكي يولدنا نحن روحانيين. تواضع لكي يرفعنا. اتحد بطبيعتنا الحقيرة لكي يُعطينا نحن موهبة الروح القدس. سمَّى ذاته ابن البشر، لكي يُسمِّينا نحن بنين لله الآب. وليس هذا المجلس الجليل اليوم خُلواً من خواصه ورؤساء مملكته الأبدية، بل هم حاضرون معنا متكلِّمون، وبيننا ناطقون، لكي يفرحوا بأقوالهم التي من تلقاء الروح. ومَن هم أولئك؟ هم أنبياؤه الأطهار، ورسله الأفاضل، خواصه الأبرار المطَّلعون على سرِّه (مز 25: 14)، الذين منحهم موهبة روح قدسه. أما الأنبياء فقد تقدمتْ دعوتُهم، أولئك الذين أنبأوا بالروح على مجيئه الكريم (أع 3: 22-24). وهوذا بنداء، بدعوة الرسل المَوَالي السادات رؤساء أئمة كل المسكونة، أنهار ماء الحياة، كما تنبأ حزقيال النبي قائلاً: «الجميلون في إنذارهم»، كما تنبأ ناحوم النبي قائلاً: «ما أجمل أقدام المبشِّرين بالخيرات» (نا 1: 15)، «الذين خرجت أصواتهم في كل الأرض، وبلغ كلامهم أقطار المسكونة» (مز 19: 4؛ رو 10: 18). هلمُّوا الآن أيها الإنجيليون المبشِّرون بالحياة، لكي ما نأخذ منكم سياقة (مضمون) القول، لأنكم مُعاينون الإله الكلمة وخَدَمه وخواصه، وبكم نزيِّن القول. متى الرسول الإنجيلي يشرح لنا قائلاً: «لما وُلد يسوع في بيت لحم يهوذا» (مت 2: 1)، أراد بذكره بيت لحم ليُبيِّن أن كُتب الأنبياء ذكرت أنه (في) بيت لحم يولد. لأنه خاصة دون الإنجيليين كتب إنجيله عبرانياً. وكذلك ذكر النسبة (سلسلة الأنساب) وبدأ بها من إبراهيم، لأن إليه خاصة تنتهي النسبة في تناسل العبرانيين لا غير. فأما لوقا، لمَّا كتب إنجيله يونانياً، لم يَرَ أن يُحزن الأمم الذين آمنوا بالمسيح، بأن المسيح ليس منهم تجسَّد، ولذلك أخذ (في ذِكْر الأنساب) من أسفل (أي ابتداءً من اسم يسوع) وهو طالع. فلما بلغ إلى إبراهيم، لم يقتصر على ذلك، بل أوصل النسبة إلى نوح، لأنه صار أباً لكل القبائل والألسن. ثم زاد ذلك فلسفة بتأييد الروح، فانتهى إلى آدم، لكي يشرح لهم نسبة التوراة بتلخيص، ويُفرِّحنا نحن كافة المؤمنين بأن المسيح تجسَّد من نسل آدم أبينا كلنا، ودعا (يسوع المسيح) آدمَ ثانياً ليكون أباً ورئيساً لكل الأحياء، كما يُلائم لاهوته، والمُقدِّم كل الخيرات، والسابق في البعث من بين الأموات. ومتَّى لما كتب إنجيله عبرانياً ببيت المقدس (أي بأورشليم)، شرح الأمور لليهود الذين آمنوا على ما في الناموس. ثم ذكر في النسبة (أي في سلسلة الأنساب) امرأتين من الأمم، وهما ثامار وراحاب، ليُبيِّن لهم أنهم اشتركوا مع الأمم في التناسل، وأن جنسهم منهم، فلا يأنفوا أن يشاركوهم في الإيمان ويُخالطوهم، ولا سيما أن المعمودية قد طهَّرت الجميع. ثم بدأ يتكلَّم على شيء بشيء، ويأخذ عليه الشهادة من الأنبياء، فقال: «لما وُلد يسوع المسيح في بيت لحم يهوذا، في أيام هيرودس الملك»، أراد بذكر هيرودس لِمَا جرى له مع المجوس، وبحثه عن المولود، وقتله الأطفال. قال: «إذا مجوسٌ وافوا من المشرق إلى أورشليم، قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟ لأننا رأينا نجمه في المشرق، ووافينا لنسجد له». يا لهذا السر العجيب والسياسة الإلهية، وكيف دبَّر الله الأشياء بلطف، واجتذب إليه هؤلاء المجوس من الجانب الذي هم متمسكين به، فلهذا اجتذب إليه هؤلاء المجوس من صنعتهم التي فيها تربوا وهم بها مغتبطون. وذلك أنهم كانوا من بلاد فارس من جنس بلعام العرَّاف (عد 22: 5)، وكان عندهم كُتب تعليم منه، وكانوا يرون مع هذا علم تسيير الكواكب. إلا أنهم قرأوا وفهموا لأجل المسيح الملك الحقيقي. ولم تكن قلوبهم مائلة لغواية عبادة الأوثان. ولما علم الله صحة يقينهم، وأنهم يُذعنون للحق إذا ظهر لهم، أظهر لهم قوةً سمائية شبه نجم. ولم يكن يتقدَّم مثله شيء في كافة الكواكب، يدلُّ (على) أن الذي يُولد في ذلك الحين يسود كل الممالك جميعاً والرئاسات، ولا يكون لمُلْكه انقضاء. والدليل أن (النجم كان) قوةً من الله، ولم يكن من هؤلاء الكواكب الظاهرة، أن أفعاله مختلفة عن سائر النجوم. أول ذلك أنه كان يظهر لهم نهاراً ويختفي ليلاً، يدلُّ (على) أن المولود هو نهارٌ وشمس البر. ثم كان يسير من الشمال إلى اليمين منحرفاً قليلاً إلى الغرب، وهو من أرض فارس إلى بيت المقدس، يدلُّ (على) أن كماله يكون بأورشليم (لو 13: 32). وكان يسير بسيرهم ويقف لوقوفهم، يدلُّ على أن الربَّ يُلاطف البشرية ويُكمل الأشياء الجسدية. وكان سيره عجيباً أسفل بالقرب منهم، يدل على اتضاع الرب المولود بالجسد، وكونه قد صار معنا على الأرض وهو يعلو الكل بلاهوته. وكان قُرْبه منهم لكي يتقدَّمهم، كمثل مرشد لهم، إلى الموضع الذي يريدون نحوه مستقيمين بلا اعوجاج، ليدل أن المولود هو الذي يتقدَّم لنا في كل الخيرات، ومرشد لنا إلى أورشليم العليا، ملكوت السموات، كما قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6). ومع هذا بأسره لم يقدر ضوء الشمس أن يخفيه، ليدل (على) أن المولود يعلو ويفوق كل بهاء وحُسْن، ويفضُل على كل اسم مما يُرَى ومما لا يُرَى. وكما تنبأ عنه داود قائلاً: أنه «بهي في الحُسْن أكثر من بني البشر» (مز 45: 2). أعني وإن كان ظهر بالجسد ووُجد بالشكل كالإنسان، فهو يفوق الكل ببهاء لاهوته. ألأنبا بولس البوشي أسقف مصر
المزيد
06 يناير 2022

(ترجام) على الميلاد

يعقوب يتكلم يلزمني اليوم ان اقول باصوات مليئة تمييزا مع الحشود العلوية: المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر.اليوم سمعت ترتيلة التراتيل هذه باصوات ثلاثية من قبل الطغمات الروحية التي هي موزعة بمعرفة الهية وتعطي للسماء المجد، وللارض السلام، ولبني البشر الرجاء.على باب المغارة كانت تُنشد ترتيلة واحدة في ثلاثة اقسام من قبل السماويين بصوت عال. ولماذا وزع الملائكة الترتيلة الى ثلاثة اشكال ولم يقولوا شيئا واحدا في الاعالي، وعلى الارض، وللناس، لكنهم اعطوا لموضع واحد المجد، وللآخر السلام، وللآخر الرجاء.؟ المجد لله في العلى المجد والسلام والرجاء في الاعالي وعلى الارض ولبني البشر. زمر قابلو الحكمة الازلية التهليل بعدالة وركبوا تمجيدهم كما يليق بطبيعتهم وكما حسن لارادتهم الصالحة قاسوا والّفوا الترتيل بمعرفة غير زائلة.المجد لله في الاعالي، الموضع السباق في الشعور الذي يسبق (لنيل) المجد. الملائكة الذين صاروا اولين بالسر يكونون الاولين في المجد، ويسبح هلاء غير الغاضبين نظرا لوجود السلام في الاعالي. على الارض السلام على الارض حيث لا يوجد سلام ليكن اولا السلام، وبعدئذ يكون فيها المجد. لا يُزرع مجد العلويين في الارض ما لم تُستاصل لعنة الاشواك منها بواسطة الصليب. الآن يصير فيها السلام المصالح للغاضبين ومنها بدأ المجد لكي تسبح الارض ايضا كالسماء.لما توجه من موضعه ليحل في البتول اعطي السلام للبتول ولما بلغ الزمان ليخرج الى الارض بالولادة اعطي السلام للارض ليحل فيها وهي آمنة. اذاً حسنا قيل من قبل الملائكة: على الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر. الرجاء الصالح لبني البشر لم يكن رجاء لبني البشر لانهم كانوا ساقطين من درجة ذخيرة البنين وكانوا مطرودين من الانتساب الى بيت الله. لقد اخزاهم التجاوز على الوصية وصاروا غرباء عن عن بيت الآب وقد القيوا من جنة عدن واستقبلتهم الشيول حفرة الموتى. سقطوا من الاعالي العالية وصاروا مدهورين في الاعماق السفلية. حرموا من مائدة الملك وصاروا ترابا ماكلا للتنين. شُلحوا من المجد الروحي واتشحوا بالاوراق لباس الخزي، نُزعت عنهم حلة النور وها انهم مرتدون في الشيول نسيج العنكبوت. دُهوروا وزلوا وسقطوا وابتلعتهم الهوة وامسوا ترابا وصاروا بدون رجاء.لما اراد الآب ان يبين لهم مراحمه الازلية الموجودة فيه ازليا ارسل ابنه الى العالم وصار من امرأة وبدخول الخطيئة فُتح الباب للنعمة واحس الملائكة (وعرفوا) ان يقولوا: اذاً الرجاء الصالح لبني البشر. يُمحى التعدي على الوصية، ويُنقض القصاص، ويوفى الدَين، ويُمزق الصك، ويُفتح الفردوس، والكاروب الحارس يُطرد، آدم المطرود يعود، وحواء المهتوكة تصير عفيفة، والحية الغشاشة تُرض، والشيطان الماكر يُفضح، وقوس الموت العالي يُكسر من جنس البشر، ولاجل كل هذه الامور يوجد للبشر رجاء عظيم لا صغيرحسنة هي تقسيمات الترتيلة التي رُتلت اليوم في بيت لحم من قبل الملائكة الحكماء ازليا لله في الاعالي المجد الواجب له، على الارض السلام المحتاجة اليه، وللبشر الرجاء الذي لم يكن موجودا لهم. الميلاد فرح السماويين والارضيين هذا هو العيد الثري الذي يوزع لكل الاماكن كل الثروات بحكمة، هذه هي الترتيلة التي تعطي المجد لله، وللارض السلام، ولبني البشر الرجاء. هذا هو اليوم المليء بكل العجائب وترعد فيه كل الامجاد وتُرى فيه الاعجوبة ويُسمع فيه صوت نشيد جموع العلويين الذين يرتلون بحركات روحية لرب العلويين الذي رضي ان يصير رفيقا للسفليين. مريم توفي دَين ابويها آدم وحواء اليوم نبت جذر من جذع بيت يسى ليصير قضيبا للعالم الذي بلغ الشيخوخة حتى يستند عليه. اليوم انفتح فم حواء لتتكلم بصوت عال ووجهها مسفر لان ذنبها قد غُفر بواسطة البتول الثانية التي اوفت دَين ابويها بخزينة الكنوز الذي ولدته للبرية. الحية صمتت وتكلم جبرائيل اليوم لتسكت الحية لان جبرائيل يتكلم، ليبطل الكذب لان الحقيقة تُترجم، ولتزل الامور الاولى لان كل شيء قد تجدد منذ البداية بواسطة ولد البتول. لا يحرس الكاروب شجرة الحياة، وقد وُضعت ثمرتها في المذود اليوم لتترك يد الكاروب رمح النار لان شجرة الحياة لم تعد تُحرس وهوذا ثمرته موضوعة في المذود ليصير ماكلا للناس الذين تشبهوا بارادتهم بالحيوانات. غيّر آدم اوراق عريه بلباس النور اليوم غيّر آدم اوراقه بلباس النور وبتمجيده اخزى الحية التي لدغته واخذت منه حلته. رب عدن لبس الاقماط ليوشح آدم بحلة المجد اليوم رب عدن كان مرتديا الاقماط بدل الاوراق ليبدل المجد بالاهانة ولكي يعاد الى آدم مجده الاول. لا جدال على نبؤة اشعيا: هوذا العذراء قد ولدت اليوم ليبطل المعلمون من الجدال، وليسد التعقيب فمه عن البتول التي حبلت وهي غير متزوجة، وولدت وهي مختومة، وبتوليتها تلحق ولادتها، وتقف حقيقة بتوليتها (وتشهد) على حليبها. اليوم ليضرب اشعيا على قيثارته وليحرك اوتار تجليه بالروح وهو يقول ليس: هوذا البتول تحبل وتلد، بل: هوذا البتول قد حبلت وولدت كما قلتُ، اذاً صور الشهادة واختم الناموس لان خفاء الاسرار قد اتضح. صارت المغارة خدرا للختن السماوي اليوم صارت المغارة خدرا للختن السماوي الذي شاء ان يتحد بجنس الارضيين ويسندهم ليصعدوا من العمق الى العلى تحقق حلم يعقوب الذي شاهد السلم: نزل الرب ليُصعد البشر اليوم فُسر جليا وحي يعقوب فالرب الذي كان واقفا على قمة السلم ها انه قد نزل ليُصعد بني البشر الى السماء. اشرق النور من المغارة لينير المسكونة اليوم اشرق الصباح من المغارة والشمس العظيم من الثقوب المجوفة لينير باشراقه الاعماق السفلى المحل الذي يسهل على الشمس انارته. اليوم قفزت الشمس الى الوراء اثنتي عشرة درجة ضوئية /546/ (34) لانها قد استولت عليها ووقفت على راسها لكي يتعاظم بها النهار الحقيقي الذي يطرد ويخنق باشراقه ظلال الخطيئة. وُلد لنا الولد المولود ازليا من ابيه اليوم وُلد لنا ولد كان ولدا لابيه قبل ان يصير العالم حتى ان العقول لا تدركه.ليبطل الزواج ولترتقص العفة لان البتول ولدت بلا زواج اليوم ليبطل الزواج من عمله ولو هو طاهر ويفسح المجال للبتول التي تلد بلا نكاح ليتبارك بولدها اولاد الزواج اليوم ترقص العفة، والزنى لا يُسمع لانه لما يبطل الزواج كيف يوجد الزنى بعدُ.؟اليوم لتبتهج البتولات بالبتول التي ولدت ليس لينتظرن حتى تلد (بتول) اخرى لكن ليسبحن بعجب ذلك الذي اشرق من طغمتهن. تفرح الوالدات لان مريم اللامتزوجة اختلطت بهن اليوم لتفرح الوالدات لان البتول اختلطت بهن، وهوذا العجب يُرى في جمعهن بواسطة اللامتزوجة التي ترضع وطبع بتوليتها قائم.تعجب يوسف من ولادة مريم للنار الملفوفة في الاقماط اليوم العجب ليوسف، والاندهاش لمريم، من البتول حليب، ولد بدون زواج، وارث بدون نكاح، رجل السماء في المغارة، النار في الاقماط، اللهيب الذي يرضع الحليب، الشعلة التي تُلاطف على الصدر، المحمول من قبل الكواريب يحمله ذراعان، رب المركبة الذي تزيحه الصبية، مجري الامواج لليم الكبير الذي يرضع قطرات من ثديي الشابة. يلزم التعجب من الكلمة المولود الذي لا يحدد ولا يجادل بخصوصه اسكت لانه لا يُحدد، لا يُنطق لماذا اتكلم،؟ لا يحتويه فم فليرهبه اللسان، لا تحبسه الكلمة ليفزع منه التفتيش، ليكرم بالسكوت، ليسجد له بدون تعقيب، انه فوق كلمة الناطقين، ليصفه الحب بالبساطة بهذه العبارات الحسنة التي القاها اليوم جمع آل جبرائيل المسجور، ليلهج جمع البيعة وهو يقول: المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام والرجاء الصالح للبشر.البشر والملائكة يسبحون سوية: المجد لله من الاعماق ومن الاعالي هناك كما كان الملائكة يعرفون بالسر، كان الملائكة فقط يسبحون بعجب، اما الآن وقد اتضحت الخفايا علنا واحس بنو البشر بالرجاء وامتلأت الارض بالسلام يجمل بالسفليين ان يقولوا مثل العلويين، ويجب على الترابيين ان يسبحوا مثل الروحيين، ولنقل سوية نحن وهم: المجد لله من الاعماق كما في الاعالي.ولتكن مشيئته على الارض كما في السماء، ليتبارك بالرعب من قبل السفليين كما (يتبارك) من قبل العلويين، ليرعد مجده بفم الترابيين كما (يرعد) بفم الروحيين. لعنة الاشواك زالت وصار الرجاء للبشر لقد صار السلام على الارض لان لعنة الاشواك استُئصلت بالاكليل، كثر الرجاء لبني البشر لان طريق الفردوس مُهدت ليسير عليها المخلصون بدون خوف من الرمح.اذاً المجد لله في الاعالي، المجد لله من الاعماق، المجد لله على الارض كما في السماء لان الكل تجدد بواسطة الولد الذي (صدر) منه، والكل قد تبارك، والكل خُلص. الخاتمة الذي له التسابيح من الكل آمين. القديس ماريعقوب السروجى
المزيد
05 يناير 2022

كان يجول يصنع خيرًا

أما عن ميلاد السيد المسيح له المجد, فقد وردت عنه في الكتاب المقدس أنه 'كان يجول يصنع خيرًا, ويشفي كل مرض وضعف في الشعب...' (سفر أعمال الرسل 10: 38؛ إنجيل متى 4: 23؛ إنجيل متى 9: 35). نعم, لقد كان هذا هو أسلوب السيد المسيح في العمل, طوال مدة رعايته للكل علي الأرض, وبخاصة للمحتاجين والفقراء والمساكين والذين ليس لهم أحد يذكرهم نعم, كان يجول يشبع الكل من رضاه. يهتم بالكل. وهو معين من ليس له معين, ورجاء من ليس له رجاء كان يهتم جدا بالفقراء والمحتاجين. بالجياع والعطاش والعراة والمسجونين وأمثالهم. ويعتبر اهتمام الشعب بهؤلاء كأنه موجه له شخصيًا. فإن سألوه ـ كما ورد في مت25 ـ' متى رأيناك يا رب جائعا أو عطشانا أو عريانا, أو سجينا أو ما أشبه...'. فيجيبهم قائلا:' الحق أقول لكم: مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر, فبي قد فعلتم'، ونص الآيات هو: "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (إنجيل متى 25: 34-40). وهكذا شجع الجميع بالعناية بالفقراء والمحتاجين الذين اعتبرهم إخوته مهما كانوا من الأصاغر في نظرنا وكان يهتم أيضا بالضعفاء والمساكين روحيًا, أعني بالخطاة وبالعشارين أيضًا. كان أسلوبه الروحي في معاملة هؤلاء: ليس الانتقام منهم أو عقوبتهم بسبب ارتكابهم للخطايا, بل بالحري إنقاذهم من تلك الخطايا... وهكذا حينما لاموه علي جلوسه مع العشارين والخطاة, أجابهم بعبارته الشهيرة المملوءة عمقا وحبا: "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى" (إنجيل متى 9: 12؛ إنجيل مرقس 2: 17؛ إنجيل لوقا 5: 31)'. إذن هؤلاء الخطاة, هم مرضي, ويحتاجون إلي طبيب, لكي يعالجهم, وليس ليعاقبهم. وهنا يسأل البعض: هل السيد المسيح لم يعاقب أبدًا؟ نقول كلا بل عاقَب ولكن بطريقة لطيفة، رقيقة، يكسب بها الخاطئ وليس أن ينتقم منه. ولذلك في قصة طرده الباعة من الهيكل الذين أتوا ببضائعهم. ووبخهم قائلا: 'بيت أبي بيت الصلاة يدعي, وأنتم جعلتموه مغارة لصوص' (سفر إشعياء 56: 7؛ إنجيل متى 21: 13). وفي هذا قلت: يا قويًا ممسكًا بالسوط في كفه والحب يدمي مدمعك نعم, كان الحب هو أسلوب السيد المسيح, حتى في معاملة الخطاة. وهنا أذكر قول أحمد شوقي أمير الشعراء: ولد الحب يوم مولد عيسي وهنا أيضا أذكر تعامله في قصة المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل. وكيف أتي بها الكتبة والفريسيون الذي اعتبروا أنفسهم أمناء علي تطبيق الشريعة وأذلوها. وسألوه:' بماذا تحكم علي هذه المرأة التي تأمر شريعة موسي برجمها؟'. وهنا قال لهم في عمق:' من كان منكم بلا خطية, فليرمها بأول حجر'، ونص الآية هو: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!" (إنجيل يوحنا 8: 7). وفي نفس الوقت, بدأ بطريقة ما يظهر لكل منهم خطاياه. فهربوا جميعًا. فقال السيد المسيح للمرأة:' أين الذين أدانوك؟ هل لم يبق منهم أحد؟! وأنا أيضا لا أدينك. اذهبي ولا تعودي تخطئي أيضًا'. وهكذا أنقذ المرأة من الرجم ومن المذلة وبنفس أسلوب المحبة تعامل مع زكا رئيس العشارين وقتذاك. الذي كان قصيرًا وتسلق شجرة وقتذاك. فقال له السيد المسيح: 'يا زكا أسرع وانزل. اليوم سأتعشى في بيتك'، ونص الآية هو: "يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ" (إنجيل لوقا 19: 5). فلما لامه الكتبة والفريسيون: كيف يدخل في بيت رجل خاطئ؟! أجابهم قائلا:' إن ابن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك'، ونص الآيات هو: "فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُل خَاطِئٍ».. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (إنجيل لوقا 19: 7، 10). بهذا الحب أنقذ زكا العشار الذي قال تبعا لذلك: 'ها أنا تركت نصف أموالي للفقراء. وإن كنت قد وشيت بأحد, أرد أربعة أضعاف'، ونص الآيات هو: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ" (إنجيل لوقا 19: 8). وبهذا الأسلوب تاب زكا. وبمثل هذا الأسلوب الرقيق الهادئ تابت المرأة السامرية وآمنت, وكانت سببا في إيمان بلدتها... هذه الخاطئة التي قال السيد المسيح لها في رقة دون أن يجرحها:' حسنا قلت إنه ليس لك زوج, لأنه كان لك خمسة أزواج, والذي معك الآن ليس هو لك'، ونص الآيات هو: "حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ" (إنجيل يوحنا 4: 17، 18). وطبعا كلمة (أزواج) هنا هي عبارة رقيقة. فهم لم يكونوا أزواجًا. ولكن السيد المسيح لم يستخدم معها العبارة الدقيقة المحرجة, حرصا علي مشاعرها رغم خطيئتها!! السيد المسيح كان أيضًا رجلًا شعبيًا. يعيش باستمرار مع الشعب. كان معلما يعمل كثيرًا في التعليم. وغالبا ما كانوا يدعونه 'يَا مُعَلِّمُ' (إنجيل متى 8: 19؛ 12: 38؛ 22: 16، 24, 36؛ إنجيل مرقس 4: 38؛ 9: 17، 38؛ 10: 20، 35؛ 12: 14...) 'أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ' (إنجيل متى 19: 16؛ إنجيل مرقس 10: 17؛ إنجيل لوقا 18: 18). ومع ذلك لم يكن له مكان للتعليم. بل كان يعلم أحيانا وهو جالس علي الجبل, أو وهو سائر في الحقول, أو علي شاطئ البحيرة. وعموما لم يكن له بيت يقيم فيه. وقيل عنه' لم يكن له أين يسند رأسه'، ونص الآية هو: "ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (إنجيل متى 8: 20؛ إنجيل لوقا 9: 58) والذين كانوا يتبعونه من تلاميذه الصيادين الفقراء, كانوا يسيرون وراءه, وهم لا يعلمون إلي أين يمضون!! كان بين الناس يسلك بالتواضع والبساطة. وكان يعاشر فقراء الناس, وليس كبار القوم منهم. وقد نشأ في بلدة فقيرة هي بيت لحم, من أم فقيرة هي القديسة العذراء مريم, التي كانت تحيا في بيت نجار. ولعل السيد المسيح قد تعلم هذه الصناعة منه في شبابه المبكركان السيد المسيح يتعامل مع الناس بكل بساطة وشعبية يتعامل مع الكل. حتى مع الأطفال الذين كانوا يحيطون به, متمتعين بمحبته. والذين قال عنهم لتلاميذه 'إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال, فلن تدخلوا ملكوت الله'، ونص الآية هو: "إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 18: 3). يقصد مثل الأطفال في براءتهم وبساطتهم وصدقهم, وليس في عقليتهم طبعًا المسيح أيضا في تواضعه وبساطته, لم يجعل الكنائس تبني باسمه, ولا حتى الأناجيل تحمل اسمه. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
04 يناير 2022

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14). الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه. إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه ، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لآب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب. ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجواب لأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً،وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله. وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا) “كورنثوس الاولى 10: 33( القدّيس يوحنا الذهبي الفم
المزيد
03 يناير 2022

ميلاديات ج1

لم يكن ميلاد المسيح مجرّد حدث عظيم تناقلته البشريّة في مؤلفاتها التاريخيّة وسطرته أقلام المسيحيين في كتاباتهم التقويّة. ولم يكن مقدم المسيح هو إعلان عن مولد ملك يحمل الرفاهيّة لشعوب ترزح تحت سطوة الفقر والفاقة والمرض والشقاء. ولكنه كان الحدث الذي أدخل الفرح من جديد للكيان البشري المنهار من قسوة العبوديّة تحت سلطان الموت وإمرة الشيطان وأصفاد الخطيئة؛ فالشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا وتناقل الفضاء أصوات الملائكة بالفرح العظيم الذي لامس الأرض البشريّة الجدبة، وأصبحت الحياة -بعد مولد المسيح- هي احتفالية إنسانيّة / إلهيّة، بالتصالح الذي تمّ بتجسد الابن الوحيد، مخلِّص العالم. وهو ما دعا القديس كليمندس ليقول في كتابه المتفرقات (Strom. vii, 49) بأنّ: [كلّ هذه الحياة بمثابة احتفاليّة مقدّسةΑπας δὲ ὁ βὶος πανὴγυρις ἁγὶα]. إنّها احتفالية بالنور الذي بدَّد غياهب الظلمة والحق الذي حرَّر الوعي الإنساني من ضبابية الباطل وزيف المسلمات البشريّة. من هنا كان الفرح المسيحي هو التعبير الصادق عن الوعي بما تمّ بتجسُّد المسيح. إنّ ميلاد المسيح هو الحدث الذي رفع أعين البشريّة نحو الملكوت الغائب عن واقع البشر، وهو الذي دفعهم لتبني أعين اسخاطولوجيّة ترصد ببصيرة ممسوحة بالروح، ما لا تره عين، لأن قياسها تحرَّر من مركزيّة المادة والزمن، وأصبحت تشخص في الأبديّة كما لو كانت موطن سكناها الآني. لذا فإن هذا الميلاد قد قسَّم التاريخ إلى حقبتين؛ قبل الميلاد وبعد الميلاد، الحقبة الأولى هي حقبة الرموز والتساؤلات والحيرة، بينما الحقبة الثانية هي حقبة المعاينة والملامسة والسكنى الدائمة لله في الإنسان وللإنسان في ملكوت الله. أبونا الراهب سارافيم البرموسي
المزيد
02 يناير 2022

يوحنا المعمدان والشهادة للحق

إنجيل الأحد الرابع من شهر كيهك يتكلم عن "يوحنا المعمدان"، حسب النبوة هو " الملاك الذي يهيئ الطريق أمامه"، وكان ملاكاً لأنه يحمل بشارة الخلاص حينما جاء وظهر في أورشليم بعدما عاش في البرية لسنوات طويلة، واعلن عن المسيح إنه "حمل الله الذي يحمل خطايا العالم" ، واعلن قبل ذلك "توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات" كي يستقبل كل أحد عمل المسيح، ويستحق كل من هو تائب أن يدخل في شركة الحياة الجديدة.قال عنه السيد المسيح أنه "إيليا الجديد" "أتي بروح إيليا"."إيليا" هو من وقف أمام آخاب الملك، وأنبياء البعل، وكان يوحنا المعمدان له هذة الروح، آتي ليعلن لكل أحد أن المسيح قد جاء، وإعلانه للحق الإلهي حينما اراد "هيرودس أن يتزوج امرأة أخيه، وحسب الناموس لا يحل له، ولكن هيرودس تجاوز وكان هذا علانية، وتحدي كلام الله.وقد يري أحد إن ذلك مسألة شخصية، ودفاعه عن الحق جعله يستشهد، كان الحل أن يصمت صوت الحق لا أن يتوب هيرودس.يوحنا المعمدان هو الذي جاء ليعلن الحق ولم يخاف من سلطة ملك، وهو الناسك ساكن البراري، الذي لم يعيش لأجل نفسه، ولم يتلذذ بشئ في الحياة، فقد جاء طيفاً منيراً، سحابة خفيفة في زمن ضبابي، وبينما كان الكل مشغولاً بذاته وشهواته، كان هو في البراري يعيش لأجل الله..هو خادم مثالي. الخادم الذي يحيا لأجل رسالة، ولا يحيا لأجل ذاته، ولم يأتي يطلب سلطاناً، لم يفعل شيئاً سوي أنه تكلم بالحق، لم نسمع عنه أنه أخرج شياطين، أو شفي أمراض، ولكن كانت رسالته الإعلان عن المسيح ثم الشهادة للحق..وهذا هو الخادم.الخادم الحقيقي تملأ الغيرة المقدسة قلبه، يقول عنها إيليا النبي "غيرت غيرة الرب".الغيرة المقدسة لا تخص فقط الخدام، ولكن كل ما يتعلق بالحياة مع الله، يقول داود النبي: "غيرة بيتك أكلتني" فحينما يدخل أي شخص الكنيسة ويشعر أنها مُهانة بأي صورة من الصور، فتعمل الغيرة المقدسة في داخله ولا يطيق هذا التجاوز تبدأ الغيرة المقدسة من الداخل، غيرة علي قلبي وحياتي، وعلي مستوي شخصي، غار داود النبي علي نفسه وقال"إني لا ادخل إلي بيتي ولا اصعد علي فراشي ولا اعطي نوماً لعيني، ولا راحة لصدغي، ولا نعاساً لأجفاني، إلي أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب" الغيرة المقدسة هي التوبة، حينما نعيش في خطايا، و دون أن نضع للقداسة وجود في حياتنا، يأتي ذلك الصوت "اليوم تؤخذ نفسك منك، ما اعددته لمن يكون"تبدأ الغيرة المقدسة من الحياة ذاتها، كيف أعيش بهذة الصورة والمسيح مصلوب أمامي؟ كيف تُعد لي هذة المائدة ولا ادخل في شركة حقيقية معه؟ الغيرة المقدسة أيضاً علي الكنيسة والإيمان، هؤلاء الذين عاشوا تائهين في البراري، متألمين..متضايقين لأجل أنهم لم يسلموا الوديعة المقدسة، ولم يتنازلوا عن حرف من حروف الإيمان مثل البابا أثناسيوس، والقديس ديسيقورس، مار ساويروس الأنطاكي..وغيرهم كثيرين، الذين لأجل الإيمان تغربوا وأهينوا.وهناك شعب لأجل الإيمان ذُبح، 30 ألف مسيحي حينما رفضوا بطريرك دخيل آريوسي يجلس علي كرسي مارمرقس ذُبحوا... غيرة مقدسة. كيف يمكن أن نري الإيمان يُهان ونصمت ..غيرة مقدسة. كيف يمكن أن نري الكنيسة تغير من ثوبها الأبيض النقي الذي لم تلوثه بهرطقات ونصمت..غيرة مقدسة.يقول بولس الرسول لتلميذة تيموثاوس "احفظ الوديعة" وهذة الوديعة هي الإيمان.غيرة مقدسة حينما نري البشرية تذهب في طريق الموت، ويقف المسيح منتظر أن يخلص كل أحد، نغير غيرة مقدسة علي النفوس، فنخرج نكرز ونصرخ ونقدم المسيح لكل نفس مخلصاً.تصوروا أن هناك من يغير غيرة نارية لأجل أشياء تافهه، مثل من يتحمس لأجل فريق كرة، ومن يغير غيرة وطنية، كيف يعيش ووطنه مُهان، فحينما كان الأستعمار يجتاح العديد من البلاد، هناك من ثار لأجل وطنه. وهناك من يفني حياته لأجل مبدأ، أو علم. الزعيم الماركسي "لينين" ارسل خطاب لصديقه يشرح له كيف اضطهدوا من القيصر قال فيه: "نحن لا نذهب إلي السينما ولا الملاهي ولا الحفلات ولا القصور ولا نقتني سيارات فاخرة لنوفر كل ما عندنا لننشر مبادئنا، وحياتنا كلها تتجه لهدف واحد"هؤلاء لينين وستالين كانوا اسوأ من تعالموا مع الشعب الروسي، لم يصرف "ستالين" علي زوجته المريضة وماتت ولكنه صرف أمواله علي الحزب، وحاول إبنه الأنتحار نتيجة معاملة أبوه. وفي الحرب العالمية الثانية أسرت ألمانيا إبنه وطلبوا مبادلته بأسري ألمان، فرفض وقُتل إبنه أثناء هروبه. وتزوج بأخري وانتحرت. فهؤلاء الذين يتشدقون بالمبادئ، اكتشفنا أنها شئ ذاتي، يبحثوا عن مجد شخصي، لذلك دم الكثيرين في رقبة هؤلاء.امر كل من "لينين" و "ستالين" بحرق أيقونات القديسين داخل البيوت، وهدم الكنائس. فقد اذاقوا الشعب الروسي الكثير من العذابات.أما الغيرة المقدسة فهي غيرة لأجل المسيح، من يتحزب لأجل شئ معين، في هذا شئ من الذات، مردود لتحزبات معينه، وأحياناً تحزبات نفسانية مثلما قال مار يعقوب في رسالته " إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا وتكذبوا علي الحق، ليست هذة الغيرة نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية"أما من يغير غيرة مقدسة يختفي لأجل المسيح، يموت لأجل الكنيسة، يقدم ذاته كي ينشر فقط النور وسط الناس. "هو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل لأجل الذي مات عنهم وقام"سيأتي للمسيح أناس يقولون له: "أليس بإسمك تنبأنا وبإسمك اخرجنا شياطين" فيقول لهم: "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم"أما الغيرة المقدسة هي غيرة إيليا وغيرة يوحنا المعندان غاروا علي الحق، وقف أمام هيرودس الملك بكل سلطانه، وحينما سُجن لم يغير كلامه، بل ذُبح لأجل كلمة الحق التي اعلنها " لا يحل لك" أن تعبث بالناموس لا يحل لك أن تعبث بكلام الله لا يحل لك أن تعبث بما اعطينا من السموات يقول بولس الرسول: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب" غيرة مقدسة علي خلاص النفوس حتي وإن كان هو نفسه يحترق ويتألم غيرة مقدسة تجعلنا نسهر لأجل خلاص الأخرين، والكنيسة، يقول نحميا "قلت في ذلك الوقت للشعب ليبيت كل واحد مع غلامه في وسط أورشليم ليكونوا حراساً في الليل، وللعمل في النهار، ولم نكن أنا ولا أخوتي ولا الحراس الذين ورائي نخلع ثيابنا، وكان كل واحد يذهب بسلاحه إلي الماء" غيرة مقدسة تجعلنا نطلب أن تُبني الكنيسة حتي وإن كنا نحن نتألم ونتضايق ونتعب، لا ننظر لنفوسنا، ولكن كل ما نهتم به لأجل الله. يقول بولس الرسول: "في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في سجون في إضطهدات في أتعاب في أسهار في أصوام في طهارة بسلاح البر باليمين واليسار بمجد وهوان بصيت ردئ وصيت حسن"الذي يعد نفسه خادم لله قد يُهان ويتألم ويتضايق لكنه لا يهتز، لأن الذي في داخله أكثر بكثير من تلك الحروب أعلي من كرامته ومن ذاته أع 20 "الروح يشهد أنه في كل مدينة وثقاً وشدائد تنتظرني"لم يرفع بولس الرسول عينه للسماء ويطلب من المسيح أن يرفع عنه الشدائد والضيقات، لأن الشدائد تكون مكلله بالمجد أيضاً حينما نتكلم عن دماء الشهداء وعذاباتهم نتكلم أيضاًعن مجدهم، توضع بصورة منيرة في ثوب الكنيسة البراق " لست احتسب شئ ولا نفسي ثمينة عندي، حتي أتمم بفرح سعي والخدمة التي اخذتها من الرب"هذة هي روح خادم الحق، وروح من يشهد للحق..روح يوحنا المعمدان، وإيليا النبي، والأباء الرسل الغيرة المقدسة التي تنقص كثيرين حينما نري الإيمان يُهان ونصمت..كيف يكون عندنا غيرة مقدسة؟!.حينما نري الكنيسة المجيدة يحاول أحد أن يدخل فيها أفكار هرطوقية..كيف نصمت؟ الغيرة المقدسة هي محبتنا للمسيح والكنيسة الغيرة المقدسة تجعلنا نصلي لأجل كل أحد حتي أعدائنا، ونحيا في المسيح بغيرة مقدسة.لإلهنا كل مجد وكرامة لإلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة القبطية الأرثوذكسية، مصر القديمة، القاهرة
المزيد
01 يناير 2022

القديس يوسف البار ج4

في خضوع الرب: الأمر الذي يُربِك الذهن، كيف احتمل القديس يوسف خضوع الربّ وامتثاله له، لكلّ ما يؤمَر به أو يُوَجَّه إليه. فالأمر ليس يومًا أو بعض أيام.. بل سنوات وسنوات، منذ الميلاد إلى أن أكمل القديس يوسف غربته على الأرض، وهذه بحسب التقليد تربو على سبع عشرة سنة. عاش الرب خلالها كابن مع أبيه بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى، في الحياة اليومية، وفي النمو الطبيعي، في كلّ الأطوار بالطبع يجوز الأطفال في أيّام الصحّة والمرض.. ولكنّنا ننحاز إلى الفكر أنّ الرب لم يمرض، وإن كان في أيّام خدمته لخلاصنا حمل أمراضنا عليه، وحمل تأديب سلامنا، بل وحمل موتَنا على الصليب. فإن كان المرض شيء طبيعي للطبيعة الساقطة التي تحمِل الموت فيها، إذ اجتاز الموت إلى جميع الناس، وهكذا يَظهَر المرض كعلامة من علامات ضدّ الحياة، أي الموت.لذلك نقول إنّ المسيح له المجد في تجسّده اتّحد بطبيعتنا البشرية دون أن يكون عنصر الخطية فيها. فالروح القدس حلّ في أحشاء البتول، قدَّسها وطهَّرها وملأها نعمة. لذلك عَبَر الربّ سنوات الطفولة بكلّ ما فيها، ولكن بدون مرض أو نقص، فهو الكمال المُطلَق الذي لا يشوبه عوار. ولكن كطفل طبيعي سهر عليه القديس يوسف والأم العذراء وقاما بكلّ ما تتطلّبه رعاية الطفولة عاش الصبي يسوع، ونما في النعمة والقامة، وتسلّم مِن القديس يوسف صَنعة النجارة، وصار يمارسها حتّى دُعِي نجّار الناصرة، واشتُهِرَ بها حتى قالوا: «أَلَيْسَ هذَا النَّجَّار ابْنَ يُوسُفَ؟ (لو4: 2، مت13: 55). في البداية كان يساعد القديس يوسف كصبيّ نجار، يحمل الأخشاب ويجهّزها.. ويمسك بطرفها عند نشرها، ويساعد في تثبيتها.. يقضي مُعظم نهاره يراقب ويساعد إلى أن تَسَلّم تفاصيل الصنعة. وتعامَل مع طلبات الناس يلبّيها، ولم يخلُ الأمر من تفاوُت أمزِجة الناس، فمنهم الطيّب المسالِم، ومنهم غير ذلك، ومنهم الأمين الملتزِم، ومنهم على غير ذلك.. ومنهُم مَن يشكر ويمدح العمل، ومنهم غير ذلك ونحن يتملّكنا العجب حينما يذهب بنا الفكر إلى تفاصيل الحياة اليومية آنذاك، ومعاملات الناس على اختلاف أنواعهم، وحين نفكّر أنّ الربّ فاحص القلوب، ومُختبر الكُلَى الذي عيناه تخترقان أستار الظلام.. وكلّ شيء مكشوف وعريان أمامه، حتّى نيّات الناس وخفيّات أسرارهم كانت أمامه. ولكنّه تعامَلَ معهم كمن أخلى ذاته آخذًا شكل العبد «ناظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ يُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ (العينين) وَلاَ يَسْمَعُ (يبصر)» كما تنبّأ عنه إشعياء (إش42). فنيَّات الناس وأفكار قلوبهم مكشوفة أمامه، ولكنّه كان كمَن لا يَرى ولا يعرف، وذلك بحسب تدبير الإخلاء الذي أكمله بإرادته وحده. قيل عن القديس يوسف البار إنّه كان قد تزوّج في شبابه، وإنّه أنجب أولادًا وبنات، وهُم مَن دُعوا أخوة الرب. وقد أيّد هذا الرأى بعض الآباء الأولين، بينما عارضه آباء آخرون، وقالوا ببتولية القديس يوسف، وفسَّروا أمر أخوة الرب أنّ العادة في تلك الأيام أن يلقَّب أولاد الخالة إنّهم أخوة. وقالوا مثلاً إنه مكتوب: «وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، مريم أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِي» (يو19: 25). فليس من المعقول أن تكون مريم أم يسوع ومريم الأخرى أختَيْن بنفس الاسم، فهما أولاد خالات، ولذلك دُعِيَ أولاد مريم زوجة كلوبا أخوة ليسوع، باعتبار إنّهم أولاد أختَيْن. وقد مالت الكنيسة الكاثوليكيّة إلى هذا الرأي، وهكذا معظم آباء كنيستنا. على أيّ الأحوال، سواء كان ذلك الرأي، أو الرأي الآخر، فالأمر لا يغيّر شيئًا من الرسالة العظمى التي اضطلع بها، والدور المحوري الروحي الذي اختاره الروح القدس لتكميله، والذي بسببه صار للقديس يوسف مَنزلة منفردة لم يشاركه فيها أحد من القديسين، كحارس للسر الإلهي، كمُعتنٍ ومُربٍّ وقائم بالعناية والتربية، وبدور ربّ البيت، كرجلٍ للسيّدة البتول، وكأبٍ للطفل الإلهي. قائمة نسب المسيح: القديس متّى الإنجيلي بدأ إنجيله هكذا: «كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ». وبدأ يتتبّع التناسل من أب الآبّاء إبراهيم حتّى داود الملك، وقد رصد أنّ هذه الحقبة أربعة عشر جيلاً. ثم من داود إلى أيام سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ثم من سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً. وتتبّع القديس متى ما كان مُسَجّلاً من الأسماء واحدًا فواحدًا دون إغفال أيّ اسم مهما كان شأنه، فبعضهم قديسون مشهودٌ لهم من الروح القدس في الأسفار، وبعضهم كانوا غير ذلك. وقد سَجّل بالروح أيضًا بعض التلميحات، مثل يهوذا ولد فارص من ثامار [ثامار كنّته.. أي زوجة ابنه عندما رفض أن يزوّجها لابنه خوفًا عليه من الموت، فتظاهَرَتْ كأنّها زانية، وجلست على الطريق حينما عَبَرَ يهوذا، وزنى معها، وأخذَتْ مِنه رَهنًا، وإذ قِيل أنّ ثامار حامل، قال يهوذا أن تُرجم.. ولكنّها أظهرَت الرّهن، وقالت مِن الرجُل الذي له هذه أنا حُبلَى -الرهن كان خاتمه وعصابته وعكازه-. فقال يهوذا أنتِ أبَرّ مِنِّي]. لم يَعبُر الروح على هذه رغم آلاف السنين!! هكذا عندما سجّل أنّ داود وَلَد سليمان.. قال الروح: «مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا».. أي مِن التي ليسَتْ له. على الرغم من التوبة التي قدّمها داود.. وعلى الرغم من ألف سنة مَضَتْ. لكن تَسَجَّلت هذه الواقعة وغيرها في سجلاّت الأبد. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
31 ديسمبر 2021

اتركها هذه السنة ايضا

فحص الذات ... وتجرى الأيام ويعبر العام بما فيه من أحداث جسام من حولنا ونتأثر بها وتؤثر فى حياتنا بلا شك لكن الانسان المؤمن يثق فى الله الذى يقود سفينة حياتنا ويجعل كل الاشياء تحدث من أجل خيرنا ولمنفعتنا الروحية { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). الانسان الذى يبنى بيته على صخرة الإيمان الواثق لا يتزعزع حتى مع شدة الرياح او العواصف { فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسسا على الصخر} مت 24:7-25وكما ان كل مؤسسة ناجحة تعمل حساب ختامى لنهاية العام تبين فيها مدى ربحها أو خسارتها وما هى مواضع القوة والضعف فيها هكذا نحن أيضا نحتاج لوقفة صادقة مع النفس لنعالج عوامل الخلل ونقوى الحلقات الضعيفة ونستثمر مواطن القوة فى شخصيتنا وحياتنا ونتميز ونتفوق فيها. ميزان الحق والصدق مع الرحمة ... نفحص ذواتنا بروح الصلاة وبالتواضع ونتجنب الكبرياء كمن يتجنب النوباء ، نحاسب انفسنا بدون محاباة وبصدق وحق فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه الذى ، وفى نور الانجيل وعمل الروح القدس وايضا فى ضوء مراحم الرب الذى صبر علينا هذا العام ززهبنا نعمة البقاء والحياة لنأتى بثمر ويدوم ثمرنا { وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فاتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين اتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد اقطعها لماذا تبطل الارض ايضا. فاجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زبلا .فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها} لو 6:13-9. نجلس مع ذواتنا ونحاسبها أو نعتبها او حتى نعاقبها ونعرف فيما اخطانا او تاجرنا وربحنا فى علاقتنا بانفسنا وبالله وبالاخرين من حولنا ونصلى ونعمل مع الله طالبين عمل نعمته معنا فى كل أيام غربتنا على الارض لننجح فى طرقنا ونعمل من أجل خلاص نفوسنا ومن معنا . فلا أحد معصوم من الأخطاء أو كامل ومنزه عن العيوب والضعفات ولكى نتقدم الى الامام فى بناء شخصيتنا الروحية الناجحة يجب ان نتصالح مع انفسنا ونقبلها كما هى فيما لا نستطيع تغييره من سمات ولكن فى مجال السلوك أو العلاقات فانه فى مقدورنا ان نتصالح بروح الود والاعتراف بالخطاء لمن أخطانا اليه ثم نصنع خيرا وبرا مع من حولنا . لا يجب ان نكتفى فقط ان لا نؤذى انفسنا أو الغير بل يجب ان نحب الناس ونحسن اليهم ونتفانى فى مساعدتهم قدر طاقتنا { لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله }(ام 3 : 27). كما يجب ان نقبل الاخرين بضعفاتهم ونقائصهم وبالمحبة والصبر يأتى التغيير الذى فى استطاعتهم ايضا { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7). أعداد النفس للأثمار ... اذ طلب صاحب الحقل من الكرام ان يقطع الشجرة غير المثمرة من الارض لانها لم تصنع ثمراً على مدى عدة سنوات فطلب الكرام ان يصبر عليها سنة أخرى لتثمر ثمراً جيداً وفى سبيل ذلك فان الكرام سيقوم بكل ما هو ضرورى لكى تثمر بان ينقب حولها وينظف الارض من الاحجار وينزع من حولها الحشائش الضارة ويسمد الارض ويتعهدها بالرى والرعاية . نحن نشكر الله على محبته وصبره وطول اناته علينا وفى ذات الوقت يجب ان ننقب ونفحص ذواتنا ونتوب ونعترف بخطايانا ونطلب المغفرة من الله ونقوم من الكسل الروحى ونشمر على سواعد الجهاد ،علينا ان نهتم بخلاص أنفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). يجب ان نبتعد عن كل ما هو ضار بالروح والنفس والجسد ونتخلص من العادات الضارة وننتصر على الرغبات والشهوات والخطايا ولا ندع شئ أو أحد يفصلنا عن محبة الله . نتعهد شجرة حياتنا بالرعاية ... وحتى ما تثمر شجرة حياتنا يجب ان نتعهدها بالرعاية اللازمة ونحميها حتى من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم التى هى الخطايا الصغيرة لكى لا تتأصل فى النفس ،ونرويها بمياة نقيه التى هى محبة الله والخير والغير ونغذيها باسمدة الخلاص والتقوى ووسائط النعمة . علينا ان لا ننام وقت الزرع والرعايته حتى ما نجنى الثمار فى أوان الحصاد وعندما يحين الميعاد نسمع من رب العباد { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) استثمار الوقت وتنظيمه اذاً عامل هام فى حياة كل انسان منا فلا يجب ان نهدر أوقاتنا فيما لا يبنى أو لا يفيد فان الوقت من ذهب ان لم تستثمره ذهب ولم يعد . وما لا ينبغى ان تعمله فلا تفكر فيه ولا تتذكره وعاتب نفسك على أخطائها خير لك من ان تعاتب غيرك مبتعدا عن نظر وسماع ما لا يفيد لكى ما تتخلص من فعل ما هو ضار لهذا يوصينا الإنجيل ان نكون حكماء { لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17. علينا ان نستيقظ اذا من نوم الغفله وننسئ ما هو وراء ونمتد الى ماهو قدام . وفى مجال علاقتنا بالله .. يجب ان ننمو فى محبته ونعطيه قلوبنا بكل ثقة ورجاء{ ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12) .نخصص الوقت المناسب للصلاة بل تكون حياتنا كلها عشرة محبة وصداقة فيها نسير مع الله ونصلى اليه بالروح والحق ، نصلى اليه ان يقوى ايماننا به ويذيد محبتنا ورجائنا فيه ونطيعه ونعمل على السير تبعاً لارشاده طالبين خلاص انفسنا واهلنا وكنيستنا وبلادنا نخصص وقتا للقراءة فى الإنجيل والكتب الروحية لننمو فى المعرفة والمحبة والعشرة بالله فالقراءة الجيدة ينبوع للصلاة النقية وتنقى الفكر وتبعد عنه العثرات .ونلتصق بالكنيسة ونشارك فى صلواتها واجتماعاتها وتكون امنا روحية لنا . ويكون لنا صداقة روحية بالملائكة والقديسين ورجال الله الاتقياء واصدقاء روحيين ننموا نحن واهل بيتنا فى روح التلمذة للكتاب المقدس والله والكنيسة . علاقتنا بالاخرين.. كلما كنا ناجحين فى علاقتنا بالله طائعين لوصاياه فان ذلك يدفعنا الى محبته وخدمة الناس على كل المستويات . فان الوصية تعلمنا ان المحبة لا تتجزء بل تتكامل ومحبة الله تكتمل بمحبة القريب { يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 36:22-40. علينا ان ننمى علاقتنا ونبادر الى صنع الخير مع اهل بيتنا ومن حولنا فى العمل والسكن وحتى نصل بمحبتنا للاعداء والبعيدين فلعاز البلايا يحتاج منا الى البسمة والكلمة الطيبة ومد يد العون فى مجتمع يعج بالفقراء والمحزونين والمساكين والضالين والمحرومين وهذا هو مقياس الدخول للسماء { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني. عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40ان مقياس كمال المحبة هو محبة الاعداء كما قال لنا السيد المسيح { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48. أما صفات هذه المحبة كثمرة رئيسية فى حياة المؤمنين فقد ذكرها لنا القديس بولس الرسول قائلاً { المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق . وتحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و رجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا } 1كو 4:13-8. بسبب كثرة الاثم فى المجتمع من حولنا نجد الكراهية ونتائجها المرة تنتشر كما قال لنا المخلص الصالح { ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12). فدعونا نعمل بقلوب صادقة فى العام القادم ان نطفأ الكراهية بالمحبة والصلاة وصنع الخير ، وبدلا من ان نلعن الظلام فاننا نضئ شموع المحبة الصادقة والتعاون المثمر مع الكل ونقدم المحبة للجميع لاسيما للذين أظلمت حياتهم واختفت منها المحبة { ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه }(1يو 4 : 16).ان الحصاد كثير والفعلة قليلون وكل واحد منا مدعو للعمل الروحى كسفير للسماء ونورا فى العالم وملحاُ يعطى مذاقة روحية فى مجتمعه . فهل نلب النداء الالهى ونثمر ونقوم برسالتنا وتكون هذه السنة سنة عطاء ونجاح فحياتنا ستنتهى ولكن ليتها تنتهى من أجل عمل صالح وللخير والصالح ولحياة ابدية . دعوة لضبط وقوة النفس... ان الكتاب يوصينا ان نحب قريبنا كنفوسنا . فاعلى مقياس لمحبة للقريب هى ان تحبه كنفسك ولكن يجب ان نحب ذواتنا محبة روحية تخلصها وتنميها وتربطها بفاديها . نهتم باجسادنا كوزنة من الله فلا نهمله او ندمره فى عيش مسرف فما أقسى اضرار التدخين والشهوات ، التى يأذى بها الكثيرين انفسهم . الانسان القوى هو الذى ينتصر على عاداته الخاطئة ويقوى ارادته وعزيمته بلا تردد او خنوع أو خضوع للضعف او الخوف لنعمل على ضبط فكرنا والسنتنا ووزن كل كلمة قبل ان تخرج من السنتنا . ونغذى فكرنا بما هو مفيد وقلبنا بمحبة الله محبة والغيرننمى ارواحنا ونقويها بوسائط الخلاص ونطلب من روح الله ان يقودنا ويهدينا وعندما نعمل على ان نأتى بثمر فان الله ينقينا لنأتى بثمر أكثر { كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر }(يو 15 : 2) نصلى ونعمل ليدوم ثمرنا ويبارك الله حياتنا واهلنا وبيوتنا وكنيستنا وشعبها وبلادنا ومن فيها ، أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل