المقالات

11 ديسمبر 2021

فكرة لكل يوم - البشارة بميلاد يوحنا المعمدان

في بشارة رئيس الملائكة جبرائيل المبشر لزكريا الكاهن نري ١- حكمة الله والأستجابة للصلاة.. الله يسمع صلواتنا ويستجيب في الوقت المناسب، حتي مع السالكين في جميع وصايا الله واحكامه بلا لوم، لقد تأني الله علي الأستجابة لصلوات زكريا واليصابات بان يرزقهما بابن وأنتظرا البشارة بميلاد يوحنا المعمدان حتى كبرا وتقدما في الأيام لكن فى الوقت المناسب بشر رئيس الملائكة غبريال ابيه زكريا بميلاد يوحنا ليكون السابق والمعمدان وينال شرف أعداد الطريق أمام الرب يسوع المسيح ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته . في كل طلباتنا وصلواتنا علينا أن ننتظر الرب ونسلك في وصاياه بلا عيب وهو يستجيب لصلواتنا ويحقق طلباتنا في الوقت المناسب حسب حكمته وغناه في المجد. { وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا}(اف 3 : 20) ٢- الأنقياد بروح الله .. لقد امتلأ يوحنا المعمدان بالروح القدس من بطن امه عندما سمعت الصابات صوت سلام القديسة مريم العذراء وارتكض الجنين بابتهاج في بطن أمه فرحا وكان يوحنا سبب فرح وابتهاج الكثيرين وذلك أ- لانه دعا للتوبة والرجوع الي الله ولاقت دعوته القبول وكان القديس يوحنا خير قدوة ومثال للنسك والزهد والتواضع . رد يوحنا بدعوته قلوب الاباء الي الابناء والعصاة الي فكر الأبرار، وكم من عائلات انصلح حالها وفرح أعضائها برجوع الأبناء الي حضن الاباء والامهات بدعوة يوحنا المعمدان وأثمرت دعوته بثمار روحية تليق بالتوبة. ب- كان يوحنا منقاد بالروح في البراري الي يوم ظهوره في اسرائيل فظهر كمصلح أجتماعي يدعو من له طعام ان يعطي من ليس له ومن له ثياب ليكسي العرايا وان يكتفي الموظفين برواتبهم دون رشوة أو فساد { وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟. فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لِإِبْرَاهِيمَ. وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ». وَسَأَلَهُ الْجُمُوعُ: «فَمَاذَا نَفْعَلُ؟». فَأَجَابَ: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا». وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضاً لِيَعْتَمِدُوا وَسَأَلُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا نَفْعَلُ؟». فَأَجَابَ: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضاً: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَأجَابَ: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ».} (لو 7:3-14). وكان لهم خير مثال في الأتكال علي الله والدعوة الي الحق حتي لو واجه الحكام الظالمين وفضل يوحنا ان يموت مقطوع الرأس من ان يحيا برأس وهو منحني وراض علي الظلم والشر. ج- توج يوحنا دعوته بان وجه أنظار الجميع الي المسيا المنتظر، العريس الحقيقي لكل نفس ودعي السيد المسيح بانه ( حمل الله الذي يرفع خطية العالم) " يو ٢٩:١" وشهد في عماده للسيد المسيح أنه أبن الله ( وانا قد رايت وشهدت أن هذا هو أبن الله) " يو ٣٤:١" . معرفة أرادة الله - كم نحتاج في عالم اليوم لمعرفة ارادة الله في حياتنا والأنفتاح علي السماء والأمتلاء بروح الله والأنقياد له، اننا رعاة ورعية يجب ان ننسكب أمام الله بروح التضرع والصلاة لنسمع صوت الله بين الاصوات الكثيرة ونميزه ونصنع ارادة الله في حياتنا لنكون ابناء وبنات لله . في كلامنا وفي صمتنا وفي اعمالنا نتمم ارادة الله ونسعي لخلاصنا ولنكون قديسين نسعي في حياة الكمال المسيحي الذي اليه دعينا ونسلك بتواضع ونعمل الخير ونعرف الحق والحق يحررنا من الخطية والجهل والضعف والخوف ويقودنا الي الحياة الأبدية، أمين. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
10 ديسمبر 2021

القديس يوسف البار ج2

لمّا صدر أمر الامبراطور بالاكتتاب، وأنّ كلّ واحد يُكتَتَب في مدينته، كان لابد للقديس يوسف والعذراء المباركة أن يذهبا إلى مسقط رأسيهما، إلى بيت لحم مدينة الملك داود. وسلوك الأبرار من جهة خضوعهم للملوك والرؤساء والقوانين والتنظيمات وكلّ ترتيب بشري.. معروف منذ القِدَم، هو روح الله الذي يقود خطواتهم لكي يقضوا أيام غربتهم في السلام الكامل. ورغم أنّها كانت الأيام الأخيرة لحَمْل العذراء.. لم يكن هذا عذر يمنعهم عن تكميل الأمر. كان على القديس يوسف أن يصطحب العذراء، وبحسب الامكانيات القليلة كفقراء، أن يهيّئ لها -على قدر الإمكان- أسباب الراحة في السَّفَر.. وإن بدا الأمر يسيرًا ظاهريًّا بحسب الظروف المُحيطة، ولكنّ الحقيقة أنّ التدبير الإلهي من جهة دخول ابن الله الظاهر في الجسد إلى العالم، كان معروفًا سابقًا بكلّ تفاصيله قبل كون العالم. فلم يكن شيء خاضعًا للصدفة أو للظروف.. بل كان الكلّ مُهيًّأ زمانًا ومكانًا وكيفيّةً بكلّ إتقانِ التدبير الإلهي. كما ذَكَرَ الوحي أنّهما حال وصولهما إلى بيت لحم، كانت الساعة التي كان الرب مُزمِعًا أن يدخل عالم الإنسان مُتجسّدًا قد حلّتْ. وكانت القرية بسبب الاكتتاب قد ازدحمت بالوافدين إليها من كلّ مكان. ولم يكن للرب مكان في المنزل فاستضافه عالَم الحيوان، ليولد بحسب التدبير في المذود.. كحَمَل الله الذي يحمل خطيّة العالم. وليس جُزافًا أن يقول الوحي إنّ العذراء ولدته وقمّطته بيديها الطاهرتين وأضجعته فى المذود. وهذا معناه أنّه لم يكن معها في تلك الساعة أحدٌ قَطّ. لأنّ المعروف أنّ في ساعة الولادة يجتمع الأهل الأقربون حول الوالدة يساعدون ويساندون ويعتنون بالمولود. ولكنّ العذراء وَلدَتْ وبقيَتْ عذراء، وليس مَن يطَّلِع على هذا السرّ الأعظم لا البشر ولا الملائكة. وفي لحظة ولادة ابن الله المتجسّد انفتحت السماوات.. وُلد ملك الملوك ورب الأرباب.. ألاّ تتهلّل الملائكة.. نقول الخليقة كلّها تهلّلت بمجيئك. كان العالم لاهيًا في ليلٍ، أمّا الملائكة فقد كان مَنوطًا بهم أن يُبشِّروا مَن يجدونه ساهرًا. سبَّحوه ويسبحونه على الدوام بلا فتور أو سكوت، ولكن صار الآن وجودهم منظورًا، وتسبيحهم مسموعًا، لأنّ ابن الله طأطأ السموات ونزل. ولمّا جاء الرعاة، تقودهم قوّات عُليا وإلهام سماوي، لينظروا طفل المذود العجيب، رأوا الذي كان منذ البدء، الذي دخل العالم، وكُوِّن به العالم، والعالم لم يعرفه. كانت أمّه والقديس يوسف يسمعان ما وصفه الرعاة البسطاء عن منظر الملائكة وتسبيحهم، ولم يكن هذا بحال من الأحوال جديدًا على مَسمَع العذراء القديسة، لأنّ الشاروبيم والسيرافيم كانوا منذ اللحظة الأولى للتجسّد يظللون عليها يسبّحون خالقهم في بطنها. فقد ألِفَتْ أذنها الطاهرة سماع ما لا يمكن أن يدركه بشر من أصوات السمائيين ومجد السموات العليّ. محطّات ذَكَرَها الإنجيل.. اليوم الثامن يوم الختان، يوم دخول الهيكل بعد أربعين يومًا. كان للقديس يوسف بحسب وضعه الظاهر كأب للطفل أن يكون حاضرًا، فهو الذي يسمِّي الطفل، وهو الذي يذهب به إلى الهيكل، ويقدم ذبيحة التطهير، يشتريها أو تُعطَى له مجّانًا إذا لم تكُن تمتلك يداه. كلّ هذا والقديس بوعي كامل وإدراك كلّي يعلم أنّه يُمثِّل دور الأب دون أن يكون، والزوج دون أن يعرفها. والمسئول وهو يَعلَم تمامًا المظلّة الإلهيّة التي تَحُوط السرّ بالقوّات غير المرئية. ثُمّ الهروب إلى مصر.. صار يوسف البارّ في صُلب الخِطّة كجزء رئيسي لتكميل القصد الإلهي، وصار يتحرّك بإلهام بحسب ما يُعلَن له بالرؤيا الإلهية.. «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ» (مت2: 13). فقام وجهّز كلّ ما يلزم لسفرٍ طويل مملوء بالأخطار، لأنّهم لأيامٍ وشهور بلا زاد وبلا مأوى. ولكن كما قلنا إنّه بالإيمان بما رأى وسمع وشاهد واختبر لم يعد يُقِيم لتلك الأمور وَزنًا. شَدّ الرِّحال وسار قاصدًا مصر. وقِصص التقليد كثيرة والأماكن متعدّدة.. تَنَقّل في مصر هو وعائلته بحسب الإلهام، وأقام الربّ مَذبحًا في وسط أرض مصر، وأسّس كنيسته وبارك مصر أرضًا وشعبًا. ثم أُوحِيَ ليوسف أن يرجع إلى اليهودية.. وسَكَنَ هناك في ناصرة الجليل لكي يتمّ ما كُتب عن يسوع: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا» (لو2: 23). وهو لقب لا للتكريم والتبجيل بل للاحتقار، لأنّ الجليل هو أحقر ما في بلاد اليهود في تلك الأيام. ولم يَقُم ولا نبيّ واحد في تاريخ إسرائيل من الجليل. وكان من المتعارَف عليه أن لا يَخرج من الجليل (الناصرة) شيء فيه صلاح. ولكن كان الرب مُزمعًا أن يُخرج من الجافي حلاوة الملكوت، ومن مكان الحقارة صارت كرامة رسل المسيح، وأغلبهم من الجليل.هكذا استقرت العائلة المقدسة في الناصرة. وكان يوسف بحسب صناعته نجّارًا. ويقول التقليد إنّ الرب عاش في الناصرة بعد رجوعه من أرض مصر إلى سنّ الثلاثين عامًا، لمّا بدأ خِدمة الخلاص علانيةً بعماده من يوحنا المعمدان. ويقول التقليد أيضًا إنّ يوسف البارّ انضمّ إلى آبائه، ورقد وكان الرب في عُمْر 16 أو 17 سنة على الأكثر. والذي يَذكُرُه الإنجيل عن هذه الفترة شيء قليل، فغاية الإنجيل هو الصليب والقيامة. لقد أخبرنا الوحي عن أعمال الخلاص التي عملها الرب كارزًا وشافيًا للأمراض، ومُخرِجًا للشياطين ومُقيمًا للموتى ومُفَتِّحًا أعين العميان، ومُعافيًا كلّ الذين تسلّط عليهم إبليس. ولما اقترب إلى الصليب صار التركيز على كلّ ساعة وكلّ حدث ذي معنى لخلاص البشرية.فإن كان الوحي قد عَبَرَ على السنوات الأولى الثلاثين عبورًا سريعًا، لأنّ الربّ فيها شاء أن يعيش الإخلاء بكامل معناه. (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
09 ديسمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس راحيل

راحيل «وأحب أيضًا راحيل أكثر من ليئة....» مقدمة تدور قصة راحيل من أولها إلى آخرها، حول كلمة الحب، وقصة حب يعقوب لراحيل، يمكن أن ترتفع إلى مصاف أعلى قصص الحب التي عرفها الإنسان على هذه الأرض، فهو الرجل الذي أحبها منذ النظرة الأولى حبًا ملك عليه الفكر والخيال والمشاعر، ولم يشتغل من أجلها سبع سنوات فحسب - وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها - بل خدم أربع عشرة سنة - بعد أن خدعه خاله، اذ استبدلها يوم الزفاف بليئة أختها، وليس أدل على ذلك من قول هوشع: «وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم إسرائيل لأجل امرأة، ولأجل امرأة رعى».ومع أن يعقوب تزوج ليئة وبلهة وزلفة، لكن واحدة منهم لم تأخذ على الإطلاق مكان راحيل التي ملكت عليه شغاف قلبه، طوال حياتها أو حياته على هذه الأرض، فعندما ماتت لم يدفنها في طريق أفراته التي هي بيت لحم فحسب، بل خلد ذكرها بنصب أقامه في المكان وأطلق عليه عمود قبر راحيل، ليراه الغادون والرائحون كلما اقتربوا من المكان أو مروا به وانعكس حبه أكثر من ذلك على ولديه منها، فيوسف كان الابن الحبيب المدلل بين إخوته، على نحو ظاهر ملحوظ غير خفي، وبنيامين الصغير الذي احتواه في حضنه بعد غيبة أخيه، وكان من المحقق أن يموت، حزنًا وكمدًا لو أنه لم يعد من رحلته مع أخوته، أو أصيب بأذى في الطريق، وهكذا ظل حب يعقوب لراحيل دون أن يخمد أو يفتر أو يضعف حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وهو يعود بالذكرى إلى الأيام البعيدة القديمة الماضية ليقول ليوسف ابنه في مرض الشيخوخة الأخير وهو يبارك ولديه: «وأنا حين جئت من فدان ماتت عندي راحيل في أرض كنعان في الطريق اذ بقيت مسافة من الأرض حتى آتى إلى افراته فدفنتها هناك في طريق افراته التي هي بيت لحم...» ولعل هذا الحب بعينه هو الذي يكشف لنا شخصية راحيل وما امتازت أو بالحري امتزجت به حياتها من قوة أو ضعف أو خير أو شر على حد سواء. راحيل ولماذا أحبها يعقوب؟ للحب كما هو معلوم طريقان إلى القلب، فهناك الحب السريع المشتعل الذي يطلق عليه الحب الخاطف، أو الحب من النظرة الأولى، وهناك الحب الآخر البطيء الذي يأتي إلى النفس في هدوء وأناة وتأمل، وبعد طول عشرة أو اختبار، ولا يستطيع الإنسان أن يوازن بين الحبيبن إلا من ذلك الأثر أو الطابع، الذي يمكن أن يطبع به المحب أو المحبوب في السنين اللاحقة الطويلة بعد ذلك، فقد ينطفي الحب السريع بنفس السرعة التي اشتعلت بها ناره، وتتحول آثاره رماداً تذروها الأيام أو قد يتطور إلى ما هو أسوأ من ذلك، إذ يتحول إلى عداوة قاسية تأخذ مكان الحب القديم، بنفس الشدة والعنف والقوة والالتهاب، وقد يأخذ الحب البطيء من القوة والعمق والجلال مالا تستطيع أعاصير الحياة أو زوابعها أو أزماتها أن تنال منه قليلاً أو كثيرًا على وجه الإطلاق، غير أن حب يعقوب لم يكن واحداً من الاثنين بل كان كليهما معاً، فقد أخذ قوته من اللحظة الأولى على وجه غريب وعجيب وجنوني،. واستمر كذلك دون أن يضعف على مر الأيام أو مر السنين، ترى ما السر في ذلك؟ وما هي العوامل الخفية الدفينة والعميقة وراء جذوته الملتهبة المشتعلة القوية؟ لاشك أن جمال راحيل النادر والعجيب كان أول هذه الأسباب جميعها وأسبقها إلى قلب يعقوب، وعاطفته، وقد عرف لابان قدر هذا الجمال، وعرف كيف يستغل ابن أخته من ورائه، إلى هذه الدرجة الرهيبة الباهظة التي استخدم فيها يعقوب بما يقرب من الاستعباد ليلاً ونهاراً لمدة سبعة أعوام، قابلة للتكرار، بعد الخديعة التي خدعه بها إذ أعطاه ليئة عوضاً عن راحيل، بل لعل هذا الثمن الباهظ، كان في حد ذاته، ملهبًا لمشاعر يعقوب، إذ أن الممنوع مرغوب فيه، كما يقولون، لأنه يثير في الإنسان غريزة الامتلاك، التي لا تهدأ أو تستقر حتى تمتلك ما تطلب أو ترغب أو تريد! وربما كان الأمر أعمق من ذلك كما يتصور بعض الشراح، إذ أن حب يعقوب لراحيل كان نوعًا غريبًا من عقدة أوديب، الشاب اليوناني القديم، الذي أحب أمه، أو كما يصورها علماء النفس في العصر الحاضر، في رغبة بعض الشباب المفتونين بحب أمهاتهم، في أن تكون زوجاتهم صورة متكررة للأم العزيزة الجميلة المحبوبة، وكلما كانت الزوجة عند الشاب أقرب إلى أمه شكلاً وطباعًا كلما فتن بها إلى ما يقرب الهوس والجنون، ونحن نعلم أن يعقوب كان يتبادل مع أمه حبًا عميقًا قويًا غائرًا، وأنه وقد خرج للمرة الأولى، بعيدا عن بيته، حن إليها، وراح يفتش، يدري أولا يدري، على شكلها، وصورتها حتى عثر عليها مرة أخرى في ابنة خاله راحيل!! وفي الحقيقة أن راحيل تكاد تشبه رفقة تمام الشبه حتى يمكن أن تتعرف على الواحدة من الأخرى شكلاً وموضوعًا، فمن حيث الشكل كانت الاثنتان تتمتعان بجمال فائق مذهل للعقول، ومن حيث الأخلاق كانت مواطن القوة والضعف متقاربة عند الاثنتين، فكلتاهما كانت قوية في تأثيرها على زوجها، وكلتاهما لم تتحرر من الأثرة والأنانية والحزبية، في معاملة أقرب الناس إليها!! على أي حال كان حب يعقوب لراحيل نوعًا من الاستبدال والتعويض لحبه لأمه كما لا يجوز أن ننسى أن هذا الحب كان أعلى من حبه لليئة، لأن هذه الأخيرة أقحمت عليه إقحامًا، وفرضت عليه فرضًا، وكانت في تصوره نوعًا من الغش الذي لا يطيب له أو يقبله، ومع أنه فعل الشيء المماثل، عندما خدع أباه وغشه، ولكنها النفس البشرية التي لا يسهل عليها أن تكيل بكيل واحد، أو تزن الأمور بميزان واحد، فتقبل للآخرين، ما ترفضه لنفسها، وترضي للغير ما لا تتصوره لحياتها!.. ولعل هذه كلها ترينا لماذا أحب يعقوب راحيل إلى هذا الحد من الحب البشري العظيم القاهر القوي وما لاحق هذا الحب من مظهر فعكر ماءه الرقراق، وخدش صورته العظيمة وأرسل بعض النشاز إلى لحنه الموسيقي الجميل، وليس أدل على ذلك من أن لابان جعله من أول الأمر سوق متاجرة، ومصيدة ثراء، فالحب عنده يقوم أو يسقط على قدر ما يمنح أو يمنع من مال وعطاء.وليس أبشع في الوجود من أن تقاس المعنويات بالماديات، أو تشتري وتباع على الصورة التي ذكرتها راحيل وليئة بالقول عن أبيهما: «ألم نحسب منه أجنبيتين لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننا»... ومن ذا الذي يستطيع أن يعطي ثمناً لحنان أب أو قبلة أم أو عطف أخ أو تضحية جندي أو مواساة صديق! بل من ذا الذي يمكنه أن يعطي بديلاً لمحبة المسيح الباذلة على هضبة الجلجثة! على أنه إذا كان الحب قد فعل هذا مع لابان... فإنه قد كشف عن أثرة بالغة عند يعقوب وراحيل فقد أنساهما حب الذات حب الآخرين، فقد أعرضا كلاهما عن ليئة الزوجة والأخت، ومع أن ليئة أحبت، ولاشك يعقوب حبًا لا يقل بحال ما عن حب أختها راحيل، لكن يعقوب وراحيل حولا من هذا الحب ينبوعًا دافقا من الألم للمرأة التعسة المنكوبة، وكم أتصورها في ليال متعددة تسهر طوال الليل تجرع من مرارة الصد والإهمال والقسوة المنكرة البالغة في أقرب الناس إليها... بل لقد تحول هذا مع الأيام إلى نوع قاس من الصراع أو الحرب الخفية والمنظورة بينهما، فكل منهما تحاول أن تستأثر بيعقوب، وأن تأخذه على حساب الأخرى، أو تدفع الثمن في سبيل اجتذابه إليها، فإذا انصرف يعقوب إلى راحيل أحست ليئة أنها مكروهة، وإذا اقترب من ليئة لأنها تنجب وتعطيه أولاداً، غارت راحيل إلى الموت، وهكذا قامت المعركة لتستمر بين الاثنتين في بيت واحد! وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل أنه وضع بذرة الانقسام والحسد في الأسرة كلها، وبين يوسف وإخوته فيما بعد. راحيل وتدخل الله الموازن لهذا الحب على أن أبلغ منظر وأعظمه في مسرحية الحب القديم هذا، كان المنظر العلوي الإلهي، الذي يواجه على الدوام، لا ما يظهره الإنسان بل ما يبطنه أيضًا والذي يظهر الله فيه صديقًا للمحروم والمنكوب والتعس والمكروه، كانت الكفة تميل باستمرار ناحية راحيل المدللة المحبوبة وكانت الأخرى تعيش في عزلتها ونكبتها، لا لذنب جنته، بل لأنها كانت أقل جمالا وأضأل منظرًا، إذ كانت عيناها ضعيفتين، وفي الواقع إن اللوم لم يكن يوجه إليها، بقدر ما هو موجه إلى الله الذي خلقها هكذا، وهل يقبل السيد أن يذهب أحد ضحية لما عمل هو فيه، دون أن يمنحه من البدل أو التعويض ما يمكن أن يقلب الكفة أو يرجحها في الاتجاه الآخر!!... ورأى الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها وأما راحيل فكانت عاقراً، فحبلت ليئة وولدت ابنا دعت اسمه راؤبين لأنها قالت أن الرب قد نظر إلى مذلتي أنه الآن يحبني رجلي وحبلت أيضاً وولدت ابنا وقالت إن الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضًا فدعت اسمه شمعون، وحبلت أيضًا وولدت ابنا وقالت هذه المرة يقترن بي رجلي لأني ولدت له ثلاثة بنين لذلك دعى اسمه لاوي، وحبلت أيضًا وولدت ابنا وقالت هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهوذا ولعل الله قد قصد هذا، لا ليقلب الكفة، ويعيش المضطهد والمظلوم بل ليعيد للطرف الآخر الفكر والتأمل والعاطفة، وهو في محنة لم يكن يتصورها أو يحسب لها حسابا، ويرى في الضيق ما لم يكن يفكر فيه في السعة، ويرى في التعب، ما لم يكن يفكر فيه في الراحة، وهذا ما حدث على الأغلب مع راحيل التي تساقط زهوها أمام نفسها، وتناثرت كبرياؤها أمام عقمها، وعلمتها آلامها ومذلتها، أن تذكر آلام الآخرين وأحزانهم وتعاستهم ومدى ما يلاقون من ضيق وحرمان، وإذ تابت المرأة عما كانت عليه، وانحنت أمام الله في اتضاع وضراعة وأمل «ذكر الله راحيل وسمع لها الله وفتح رحمها» وجاءت بيوسف الابن الحلو الجميل، ثم تلته بابنها الثاني الأخير، وكان مولده بمثابة المصفاة الأخيرة من الآلام تطهرها من كل ما علق بها من شوائب وضعفات ونقصات!! فدعته وهي تجود بالنفس الأخير لتعسرها في ولادته بن أوني أي ابن أحزاني غير أن أباه أطلق عليه بنيامين أي ابن يميني.ومهما يحمل الإنسان من شتى المعاني أو المشاعر أو الأحزان، فمما لاشك فيه أن المرأة وهي تموت في سن الشباب وبكور الأيام تألق وجهها بهالة من نور سماوي عظيم، كان من المستحيل أن تصل إليه دون يد الله التي عملت على تصفية جمالها وتطهير حبها لتدخل في ركب الخالدين وموكبهم، وتضحى في كل عصر وجيل قصة تروى مع الزمن وتعاد مع الأيام.
المزيد
08 ديسمبر 2021

الحكمة ج2

الحكمة والدهاء، مجالات الحكمة: ردود الفعل، بُعد النظر تكلمنا في مقالنا السابق عن الحكمة. ونتابع اليوم كلامنا في هذا الموضوع الواسع.. ونبدأ الحديث عن نقاوة الحكمة.فالحكمة قد يستخدمها الخيرون كما يستخدمها الأشرار أيضًا!! وعند الأشرار تتحول الحكمة إلى ألوان من الدهاء والمكر والخبث فالأشرار -بكل حكمة أو دهاء- ينجحون في الإيذاء، وفي تدبير المؤامرات، وحبك المشاكل وإلحاق الضرر بالآخرين.. بكل ذكاء وبطرق قد لا تبدو مكشوفة بحيث يتم لهم ما يريدون دون أن يقعوا في مسئولية أو تحت إدانة القانون! وقد يريد أحدهم الشر بغيره، ولكنه لا يفعل ذلك بنفسه، وإنما عن طريق آخرين من معاونيه أو أصدقائه أو المشتركين في نفس الهدف.. ويعتبر هذه حكمة منه: أن يختفي ويكون خارج الصورة ويبدو بريئًا براءة الذئب من دم ابن يعقوب! ذلك أن ما في قلبه لا يعرفه أحد وكل إجراءاته واتصالاته هي في طيّ الكِتمان وقد تلبس هذه "الحكمة" الخاطئة ثوب الرياء، فينطق الشخص بعكس ما يقصده، ويتظاهر بغير ما ينوى ويسير في طريقين احدهما ضد الآخر. والمهم انه يعمل إلى غايته بجميع الوسائل.هدفه هو الوصول إلى غاية معينة بريئة كانت أم معيبة والحكمة عنده هي الوسيلة الناجحة التي توصله بغض النظر صالحة هي أم شريرة..! الخير له طريق واحد مستقيم.. والشر له طرق كثيرة بعضها ملتوية.. لذلك كثيرًا ما ينجح الشر. لان الطريق أمامه سهل ومتشعب! من اجل هذا قد يحتج البعض قائلًا: لماذا ينجح طريق الأشرار؟! اطمئن كل الغادرين غدرًا!! ولكنه نجاح إلى حين، ولا يستمر.. كما أن النجاح الحقيقي هو في انتشار الخير وباستخدام الحكمة بطريقة بارة تريح الضمير وترضى الله القدوس.الحكمة الحقيقية هي في عمل الخير والخير أمامه أربع أنواع: عمل هو خير واضح وعمل هو شر واضح. والاختيار بينهما لا يحتاج إلى حكمة لسهولة التمييز. أما النوع الثالث فهو الذي يحتار أمامه الفكر: أهو خطأ أم صواب؟ أو يحتار أمام نتيجته أو وسيلته! وهذا النوع بلا شك يحتاج إلى حكمة وتمييز أو على الأقل يحتاج إلى مشورة صالحة والى كلمة منفعة تنير الطريق أمامه، وهنا تقتضى الحكمة الاعتماد على الآباء الروحيين وعلى المرشدين والحكماء. والنوع الرابع الذي يحتاج إلى حكمة وتمييز فهو التفضيل بين طريقين سليمين لا يدرى الضمير أيهما أصلح؟ كل من الأمرين خير في ذاته ولكن أيهما أكثر خيرًا؟ أو أيهما أكثر مناسبة لهذا الشخص بالذات؟ وكثيرًا ما يحدث هذا في اختيار شريك الحياة "في الزواج" أو اختيار نوع التعليم أو نوع الوظيفة أو التفضيل بين العمل الحر أو التوظيف.. وما أشبه ذلك. أي الأمور هو الأفضل والإنسان في مفترق الطرق؟ الأمر يحتاج إلى حكمة والى تباطؤ ريثما تتضح الأمور، ويفحص الشخص ذاته وريثما يسمع صوت الله في قلبه أو صوت الله على أفواه مرشديه، يحتاج الأمر إلى حكمة الشخص نفسه، أو حكمة من ينصحه. الإنسان يحتاج أيضًا إلى الحكمة في كل تصرف وفي كل قرار يصدر منه. والإنسان الحكيم يلزمه أن يضع أمامه ردود الفعل لكل ما ينوى عمله: فقبل أن ينطق بكلمة يعمل حساب وقعها على من يسمعها، وفي كل تصرف له يحسب ردود فعله عند الآخرين: كيف سيفهمونه؟ وماذا يكون موقفهم إزاءه؟ ولا يقل عن تصرف خاطئ ارتكبه. "قد فعلت ذلك بحسن نية"! فليس كل الناس يعذرون بل يكون في كل أقواله وأفعاله مثل لاعب الشطرنج، الذي قبل أن يحرك قطعة من اللعب مما أمامه، يفكر جيدا ماذا سيفعل زميله في اللعب؟ وما هي احتمالات تحركاته؟ وبماذا يرد عليه في أي احتمال؟ وماذا سيكون رد ذاك على رده؟ وبماذا يقابل ذلك؟ وهكذا يسبق التفكير الدقيق كل تحرك من الجانبين إن التصرفات العشوائية لا تليق بالحكماء بل كل ما يفعلونه إنما يحسبون حساب نتائجه قبل أن يفعلوه.والإنسان الحكيم لا ينظر إلى الأمور من زاوية واحدة بل تكون له النظرة الشاملة التي تحيط بكل الزوايا. كما انه ينظر أيضًا إلى قدام بشيء من بعد نظر.لا ينظر إلى الأمور من جهة نفسه فقط، إنما من جهة غيره أيضًا سواء كان هذا الغير من الأصدقاء أو من الأعداء أو من عموم الناس. وهو يحسب حساب المستقبل وكيف تتطور الأمور إلى ما هو أفضل أو أسوأ.وكمثال: فان كثيرين من رجال الأعمال كان من أسباب ثرواتهم أنهم كانوا بعيدي النظر، يحسبون ما يطرأ على السوق في المستقبل. ومنهم من اشترى بعض الأراضي بثمن بخس وانتظر حتى صار سعرها بالملايين! والحكمة لازمة أيضًا في أمور معينة تبدو حساسة أو مصيرية.. فقد يتصرف الإنسان بجهل تصرفًا يندم عليه كل أيام حياته.. وربما يرتكب غلطة تكون غلطة العمر كله ويندم بسببها أو يبكى طول حياته، دون أن ينفعه الندم أو البكاء! كل ذلك لأنه لم يتصرف بحكمة وحرص.وأحيانًا يتحمس شخص لتصرف معين حماسا يملك كل عواطفه بينما هذا الحماس لا يكون في صالحه وقد يندم عليه وقد يقول بعد فوات الفرصة: ليتني ما فعلت، ليتني تباطأت واسترشدت لذلك فالمشورة تقدم وجهات النظر الأخرى وتعطى رؤية من زوايا غير واضحة أو تقدم تبصره بنتائج لم يعمل لها حساب.غير أن البعض قد تمنعه من المشورة ثقته الزائدة بنفسه وظنه انه على دراية بكل شيء ونتائجه. وقد يكون مبالغا جدا في ثقته بنفسه! الحكمة أيضًا لازمة في معرفة الفضيلة وفي ممارستها وسنضرب هنا مثلا بموضوع الصمت والكلام؟ فالحكيم لا يصمت حين يجب الكلام. ولا يتكلم حين يحسن الصمت.. وبالحكمة يعرف متى يتكلم؟ وكيف؟ وإذا تكلم ماذا يكون قدر كلامه؟ وبأي أسلوب يتحدث؟ وهكذا يتكلم بميزان وبروية وحكمة وبفائدة ولا يندم على كلمة يقولها بل يمتدح الناس ما يقول.والصمت قد يكون في بعض الأوقات رزانة ورصانة وقد يكون حكمة وتفاديا لأخطاء اللسان.. بينما في حالات أخرى قد يكون الصمت عن جهل أو خوف. وأحيانًا لا يستطيع الإنسان أن يصمت إن كانت كلمة منه تحل مشكلة, أو إن كان صمته يفهم على غير ما يقصده تلزم الحكمة أيضًا لمعرفة متى يكون الحزم ومتى يكون العطف وهذا الموضوع مهم في محيط التربية وأيضًا في مجال الإدارة وكذلك في التعامل. ففي التربية: نرى أن الابن الذي لا يخاف والديه قد يسلك باستهتار دون رادع وربما يصير مرارة نفس لوالديه. كذلك التلميذ الذي لا يخاف أساتذته، ما أسهل أن يتحول إلى طالب مشاغب، لضيع وقت زملائه ويتلف أعصاب أستاذه على أن المخافة هي مجرد مرحلة في التربية، تتحول إلى مهابة واحترام مع بقاء الحب نحو الوالدين والأساتذة.. وهؤلاء أيضًا عليهم باستمرار أن يخلطوا حزمهم بالحب، ولا تكون معاملتهم حزمًا صرفًا ولا عطفًا صرفًا.. فيعرف الشخص متى يشتد ومتى يحنو؟ متى يوبخ أو يؤدب؟ ومتى يكتفي بمجرد النصح والتوجيه. وهذا حسب نوعية الخطأ ومقداره وأيضًا حسب نفسية المخطئ ومدى استجابته.مثل الطبيب الذي يستخدم أحيانًا العلاج بالأدوية وأحيانًا تلزم الجراحة. وهكذا كانوا يسمون الطبيب حكيمًا، لأنه في حكمة يعرف نوع المرض، ونوع العلاج النافع. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
07 ديسمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (31) المسيحى والوطن السماوى

الحياة الارضية والموطن السماوى حياتنا غربة وموطننا الحقيقى السماء.... المسيحية تنظر الى الحياة الحاضرة كفترة غربة قصيرة، ستنتهى بافراحها واحزانها ، بضيقاتها وتجاربها التى بها نؤهل للسماء ونتنقى من الشوائب ونرث المواعيد { في الايمان مات هؤلاء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بانهم غرباء ونزلاء على الارض} (عب 11 : 13). ولاننا غرباء نعد أنفسنا لسكنى السماء نحيا حياة الإيمان ونبتعد ونتوب عن كل الخطايا التى تحرمنا من الدخول اليها {ايها الاحباء اطلب اليكم كغرباء ونزلاء ان تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس} (1بط 2 : 11).نحن على الارض فى فترة غربة واختبار ووطننا الحقيقى السماء من اجل هذا نعمل لنكنز كنوزنا هناك {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} (مت 19:6-21). ان حياتنا هنا كبخار ماء اذا قيست بالأبدية {لانه ما هي حياتكم انها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل}(يع 4 : 14).اننا على يقين الرجاء نحيا فى خيمة الجسد فى عدم الاستقرار والغربه لاداء مهامنا بامانة حتى نستقر فى الحياة الابدية .ورغم قصر حياتنا على الارض فلنا رسالة سامية فيها كسفراء للسماء { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله }(2ك 5 : 20).وهكذا نحرص غرباء او مستوطنين ان نكون مرضيين عند الله {لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي. فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء. وان كنا لابسين لا نوجد عراة. فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة. ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي اعطانا ايضا عربون الروح. فاذا نحن واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب. لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان. فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. لذلك نحترس ايضا مستوطنين كنا او متغربين ان نكون مرضيين عنده. لانه لا بد اننا جميعا نظهر امام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان ام شرا}2كو1:5-10حياتنا على الارض أعداد للأبدية ... حياتنا على الارض اذاً هى فترة اعداد للدخول الى الابدية السعيدة وحتى نحيا فى صلة دائمة بالسماء ، كلمنا الرب يسوع المسيح ملكوت الله ونحن نصلى دائما { ابانا الذى فى السموات} لنتذكر اين سنذهب اليه { وان غفرنا للناس زلاتهم يغفر لنا ابونا السماوي زلاتنا} . وهو يدعونا الى عدم الخوف والثقة فى محبة الله كأب صالح { لا تخف ايها القطيع الصغير لان اباكم قد سر ان يعطيكم الملكوت} (لو 12 : 32). ولاننا ابناء لله بالتبنى والإيمان فنحن ورثة لملكوت السموات {لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله.اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} رو 14:8-17. الموت اذن جسر للعبور للابدية وتحرر من متاعب وأمراض واحزان الحياة لكل مؤمن تائب يحيا مع المسيح . الكتاب المقدس والحياة فى السماء ... ان حياتنا مرتبطه بالسماء منذ ان خلق الله أدم وحواء وحتى نهاية الازمنة والقيامة العامة . أن الانسان خلق على صورة الله ومثاله ليحيا فى جنة عدن ولما سقط وطرد واصبح يأكل خبزه بعرق جبينه على الارض ويحيا فى مهمة على الارض ولرسالة يؤديها أو كاختبار لطاعته ومحبته لله لتنتهى حياته على الارض لتبدا فى السماء {فيرجع التراب الى الارض كما كان و ترجع الروح الى الله الذي اعطاها} (جا 12 : 7). تحيا الروح فى موطنها السمائى حتى القيامة العامة لتقوم الاجساد روحانية نورانية وهذا ما أكد عليه السيد المسيح {واما ان الموتى يقومون فقد دل عليه موسى ايضا في امر العليقة كما يقول الرب اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب. وليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء} لو 37:20-38. نعم ستكون هناك دينونة للاشرار وغير المؤمنين فى كل جيل وزمان وهذا ما ذكره السيد المسيح فى تحذيره لمن لم يؤمنون به { رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان وهوذا اعظم من يونان ههنا. ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل و تدينه لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان وهوذا اعظم من سليمان ههنا} مت 41:12-42ان كان أهل العالم الحاضر - فى دول العالم الثالث الفقيرة - يتمنون الحصول على جنسية إحدى الدول الغربية ، ليعيشوا عمرهم ، فى حياة أفضل مما هم فيه ، فكم يكون افتخارنا بالجنسية السماوية التابعة لعالم المجد ، وشكرنا على العطية السماوية والهبة المجانية ، التى وعدنا بها الرب المحب فى قوله { لا تضطرب قلوبكم ، فى بيت أبى منازل كثيرة ، وأنا أمضى لأعد لكم مكاناً ، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً ، آتى أيضاً ، وآخذكم إلىّ ، حتى حيث أكون أنا ، تكونون أنتم أيضاً } ( يو 14 : 1 – 3 ) . وإن كنا بعد على الأرض ، فيجب أن تتعلق قلوبنا بالسماء وبامجاد الحياة هناك فى محبة وسلام وفرح كملائكة الله . لماذا الخوف من الموت ؟ .. يرتبط الخوف من الموت بعدم الإيمان او الخوف من المجهول الذى لا يعرفه الإنسان أو عدم التوبة وحياة الخطية والخوف من العذاب الأبدى . وقد يخاف البعض الموت لانهم يظنون انه يقضى على أحلامهم وينهى حياتهم ويفرقهم عن أحبابهم . لكن الإنسان المستعد يشتاق للأنطلاق للسماء ليس كراهية فى الحياة أو يائسا من ظروفها الصعبة لكن ليكون مع الله وملائكته وقديسيه حيث لا حزن ولا آلم ولا دموع بل فرح وسلام ومحبة فى حضرة الله وقديسيه { لي اشتهاء ان انطلق و اكون مع المسيح ذاك افضل جدا }(في 1 : 23). وعلى أقل تقدير فان المؤمن يُسلم حياته لله قائلا {لاننا ان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت فان عشنا وان متنا فللرب نحن} (رو 14 : 8). هكذا نحيا دائما فى سلام وافراح الأبدية قد يكون للموت مهابته ورهبته لمن ينهمك فى شهوات العالم . ويتصور انه سيفقد هذه السعادة غير ناظرا الى أمجاد السماء ، ولانه لم يرجع الينا اناس من السماء ليحدثونا عن جمالها وسعادتها التى تغنينا عن كل افراح هذا الزمان . رغم ان هناك قليلين جدا عبر التاريخ ممن ماتوا وعادوا للحياة ، خبرنا البعض عن انطلاق ارواحهم بسرعة البرق منجذبة الى خالقها عابرة الظلام المحيط بنا لتدخل الى عالم النور فى تسبيح وفرح لا ينطق به ومجيد ، حيث تتحرر الروح من ضبابية الجسد وتتسع مداركها ومعرفتها وتشتهي ان لا تعود ولا تستطيع ان تعبر عن ما شاهدته فى السماء ، هذا أختبره البعض قديما وحديثا ، وعندما صعد القديس بولس الرسول للسماء ورجع قال { اعرف انسانا في المسيح قبل اربع عشرة سنة افي الجسد لست اعلم ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم اختطف هذا الى السماء الثالثة. واعرف هذا الانسان افي الجسد ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم.انه اختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها} 2كو2:12-4. وماهى هذه الاشياء { ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه }(1كو 2 : 9).ان كان الموت شئ مرعب للاشرار والخطاة وغير المؤمنين خوفا من الجحيم وعذابه وعقابه ، فلا يجب ان ينخدعوا بمباهج الدنيا الغاشة الزائلة ، بل يسرعوا للتوبة والإيمان وعمل الخير ، ليتحول الموت الى أحتفال مفرح للابرار المنتقلين ولاهل السماء . لقد لبست أم القديس أغريغوريوس النزينزى ثياب العيد عندما حضرت جنازة ابنها قيصروس الطبيب . وكان الكثير من الشهداء يتقدمون الى الأستشهاد فرحين متهللين وذاهبين بثياب العرس للقاء العريس السماوى . وعندما حُكم على الانبا بساده الاسقف بالاستشهاد ارتدى ثياب الخدمة البيضاء وعندما سأله شماسه لماذا يلبسها؟ قال له (يا ابنى انا ذاهب الى حفل عرسى .. وقد عشت السنين الطويلة مشتاقاً الى هذا اللقاء)، ولبست تاسونى إنجيل ثياب بيضاء وهى تزف ابونا القديس بيشوى كامل زوجها للسماء . لم يرهب القديسين الموت عالمين انه انتقال للأفضل حيث لا شيطان يحارب ولا خطية تفقدنا سلامنا ولا مرض يقلق ويتعب . فلنختبر قوة الحياة المقامة مع المسيح ليكون لنا ثقة فى الله ورجاء فى الأبدية . فلو وعدنا انسان عظيم بشئ أفلا نثق بوعده؟ هوذا السيد يعدنا قائلا { انا هو القيامة والحياة من امن بي ولو مات فسيحيا }(يو 11 : 25).{ لا تضطرب قلوبكم انتم تؤمنون بالله فامنوا بي. في بيت ابي منازل كثيرة والا فاني كنت قد قلت لكم انا امضي لاعد لكم مكانا. وان مضيت واعددت لكم مكانا اتي ايضا واخذكم الي حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا} يو 1:14-3. فلا نخشى الموت مادمنا مستعدين للقاء الله بالتوبة ويقين الإيمان والرجاء ، يجب ان نحترس من هلاك النفس ببعدها عن الله ووقوعها فى فخاخ ابليس ليهلك الجسد والنفس والروح. لقد تهلل سمعان الشيخ عندما راى خلاص الله وطلب انطلاق روحه للسماء { الان تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لان عيني قد ابصرتا خلاصك.الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور اعلان للامم ومجدا لشعبك ا} لو29:2-32.الشئ المحزن فى الموت هو صعوبة الفراق على الاهل والاحباء ، وهذه المشاعر الإنسانية يقدرها الله ايضا ويدعونا للحزن مع الحزانى ، وعندما ذهب السيد المسيح الى قبر لعاز بكى تأثراً حتى ان اليهود قالوا { فقال اليهود انظروا كيف كان يحبه }(يو 11 : 36). ولكن لم يقف السيد عاجزاً امام الموت بل قال للعازر لعاز هلم خارجاً فقام الميت وخرج من قبره حياً ليقول لنا لا تحزنوا كالباقين الذين ليس لهم رجاء سيقوم أحبائنا فى اليوم الأخير وسنلتقى بهم ونفرح معا بالنصرة والدخول الى سماء المجد { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم.لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه} 1تس 13:4-14. اذ نستودع حياتنا فى اليد الإلهية الامينة نطوب الذين يصلون الى نهاية الرحلة بسلام { وسمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للاموات الذين يموتون في الرب منذ الان نعم يقول الروح لكي يستريحوا من اتعابهم واعمالهم تتبعهم }(رؤ 14 : 13). واذ نثق فى انهم سعداء فى السماء ويصلون عنا لدى الله نستريح عالمين ايضا انهم سحابة شهود محيطة بنا { لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا }(عب 12 : 1). السيد المسيح والسماء .... السيد المسيح يؤكد على حقيقة السماء ... لقد أكد السيد المسيح له المجد على حقيقة وطبيعته الحياة بعد الموت للصدوقيون الذين لا يؤمنون بالقيامة { فاجاب وقال لهم يسوع ابناء هذا الدهر يزوجون ويزوجون. ولكن الذين حسبوا اهلا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الاموات لا يزوجون ولا يزوجون. اذ لا يستطيعون ان يموتوا ايضا لانهم مثل الملائكة وهم ابناء الله اذ هم ابناء القيامة. واما ان الموتى يقومون فقد دل عليه موسى ايضا في امر العليقة كما يقول الرب اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب.وليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء} لو 34:20-38. كما أكد الرب لنا على الحساب والمكأفاة أو العقاب بالنعيم للابرار والشقاء للاشرار بعد الانتقال لارواح المنتقلين ثم بعد الدينونة العامة للارواح متحدة بجسد القيامة { كان انسان غني وكان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح. ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه. فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم ومات الغني ايضا ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب وراى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني و ارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب. فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والان هو يتعزى وانت تتعذب. وفوق هذا كله بيننا و بينكم هوة عظيمة قد اثبتت حتى ان الذين يريدون العبور من ههنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا} لو 19:14-26 . الفردوس وملكوت السماوات .. ان جميع المنتقلين الابرار والاشرار تنتقل ارواحهم الى مكان الأنتظار للدينونة العامة . ينتقل الابرار الى الفردوس كما ذكر السيد المسيح له المجد فى حديثه مع اللص اليمين الذى قال له {اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس} لو 42:22-43. وبهذا فقد ذكر المخلص الصالح مكان انتظار الارواح البارة التى تنتقل على رجاء وتتنعم بالوجود فى الفردوس مع القديسين والملائكة وفى حضرة الله حتى المجئ الثانى للسيد المسيح ليدين الاموات والاحياء { ولما فتح الختم الخامس رايت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى ايها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الارض.فاعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم ان يستريحوا زمانا يسيرا ايضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم ايضا العتيدون ان يقتلوا مثلهم} رؤ 9:6-11. ليقوموا فى المجئ الثانى ويرثوا ملكوت السموات ، فالله الذى خلق الإنسان من العدم قادر ان يقيمه بقدرته لتشترك الأجساد مع الروح فى الحياة الابدية وفى المكأفاة كما أشتركت فى التعب والجهاد اما الاشرار فتذهب ارواحهم الى الجحيم او الهاوية لتنظر يوم القيامة والدينونة العامة { يعلم الرب ان ينقذ الاتقياء من التجربة ويحفظ الاثمة الى يوم الدين معاقبين. ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة ويستهينون بالسيادة جسورون معجبون بانفسهم لا يرتعبون ان يفتروا على ذوي الامجاد} 2بط 9:2-10. ثم تقوم اجساد هؤلاء وتتحد بارواحهم وتذهب الى جهنم { ثم يقول ايضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته } (مت 25 : 41). وهذا ما أكده الرب بقوله .{ لا تتعجبوا من هذا فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة.} يو28:5-29 اما الباقين احياء الى المجئ الثانى للمسيح فسيتغيرون ويلبسون أجساد روحية نورانية على مثال جسد المسيح المقام ليكونوا معه فى ملكوتة { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه. فاننا نقول لكم هذا بكلمة الرب اننا نحن الاحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين.لان الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون اولا. ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام} 1تس 14:4-18 الحساب والدينونه.. قدم لنا السيد المسيح كيف يكون يوم الدينونة فى مشهد مستوحى من البيئة البدوية والزراعية التى انتشرت فى أيام خدمته { ومتى جاء ابن الانسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده.و يجتمع امامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم.لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك.ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك.فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم. ثم يقول ايضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته. لاني جعت فلم تطعموني عطشت فلم تسقوني. كنت غريبا فلم تاووني عريانا فلم تكسوني مريضا ومحبوسا فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم ايضا قائلين يا رب متى رايناك جائعا او عطشانا او غريبا او عريانا او مريضا او محبوسا ولم نخدمك. فيجيبهم قائلا الحق اقول لكم بما انكم لم تفعلوه باحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء الى عذاب ابدي والابرار الى حياة ابدية } مت 34:25-46اننا سنحاسب بمقتضى إيماننا واعمالنا بكلام الإنجيل {من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير} (يو 12 : 48) {في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب انجيلي بيسوع } (رو 2 : 16) ولنا رجاء فى الله الكلمة المتجسد ان يرحمنا كراعى صالح يضمنا الى ملكوته السماوى {من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا} (رو 8 : 34). لانه لابد ان نقف أمام الديان العادل {ورايت الاموات صغارا وكبارا واقفين امام الله وانفتحت اسفار وانفتح سفر اخر هو سفر الحياة ودين الاموات مما هو مكتوب في الاسفار بحسب اعمالهم ، وسلم البحر الاموات الذي فيه وسلم الموت والهاوية الاموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب اعماله }(رؤ 20 : 12- 13). قيامة السيد المسيح وقيامتنا نحن ..ان قيامة السيد المسيح بعد الصلب والموت وظهوره بجسده الروحانى الممجد للتلاميذ والمؤمنين به والتى سجل لنا الإنجيل الكثير هذه القيامة جاءت لتؤكد انتصار المسيح لنا على الموت والشيطان والخطية وكاستباق لأكتمال التاريخ ودخولنا الى الحياة الأبدية معه { اقامنا معه واجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع} أف 6:2 . قيامة الرب يسوع المسيح باكورة للراقدين ورجاء وعزاء وفرح الأحياء المؤمنين { ولكن ان كان المسيح يكرز به انه قام من الاموات فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات. فان لم تكن قيامة اموات فلا يكون المسيح قد قام. وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن ايضا شهود زور لله لاننا شهدنا من جهة الله انه اقام المسيح وهو لم يقمه ان كان الموتى لا يقومون.لانه ان كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم انتم بعد في خطاياكم. اذا الذين رقدوا في المسيح ايضا هلكوا.ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فاننا اشقى جميع الناس.ولكن الان قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان بانسان ايضا قيامة الاموات.لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع} 1كو12:15-22. لقد وهبت لنا قيامة الرب يسوع المسيح صفحة جديدة فى سفر الأبدية لنعيش الغلبة على الشيطان والخطية والموت وجعلتنا نسير بقوة الروح القدس نحو المستقبل الابدى بخطى واثقة نحو السماء والمجد والخلود لكن كيف يقوم الأموات وباي جسد يقومون ؟... لقد اكد الكتاب المقدس اننا سنقوم باجساد روحية نورانية ممجدة على شبه جسد السيد المسيح القائم منتصرا وهذا ما شرحه القديس بولس الرسول فى رسالته الى اهل كورنثوس { لكن يقول قائل كيف يقام الاموات وباي جسم ياتون. يا غبي الذي تزرعه لا يحيا ان لم يمت. والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة او احد البواقي.ولكن الله يعطيها جسما كما اراد ولكل واحد من البزور جسمه. ليس كل جسد جسدا واحدا بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد اخر وللسمك اخر وللطير اخر. واجسام سماوية واجسام ارضية لكن مجد السماويات شيء و مجد الارضيات اخر.مجد الشمس شيء ومجد القمر اخر ومجد النجوم اخر لان نجما يمتاز عن نجم في المجد.هكذا ايضا قيامة الاموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد.يزرع في هوان ويقام في مجد يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني. هكذا مكتوب ايضا صار ادم الانسان الاول نفسا حية وادم الاخير روحا محييا. لكن ليس الروحاني اولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني. الانسان الاول من الارض ترابي الانسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون ايضا وكما هو السماوي هكذا السماويون ايضا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي. فاقول هذا ايها الاخوة ان لحما ودما لا يقدران ان يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد.هوذا سر اقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير.في لحظة في طرفة عين عند البوق الاخير فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير. لان هذا الفاسد لا بد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة.اين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية. اما شوكة الموت فهي الخطية وقوة الخطية هي الناموس. ولكن شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب} 1كو 35:15-58. هذا الإيمان الذى تسلمته وعاشته الكنيسة منذ عصرها الرسولى مؤمنة اننا مدعوين للإيمان والثقة فى محبة الله ولحياة الفضيلة والبر فى ايام غربتنا على الارض ليقدم لنا بسعة الدخول الى ملكوت الله والسعادة التى لا يمكن ان يعبر عنها للابرار حيث حياة الفرح والسلام والمحبة والتسبيح الدائم { فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح }(في 3 : 20). القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
06 ديسمبر 2021

س 2 هل المسيح ابن مريم أيضا؟

نعم الرب يسوع المسيح هو ابن العذراء القديسة مريم، فقد كرر الكتاب المقدس في آيات كثيرة أن المسيح بالجسد حبل به وولد من العذراء القديسة مريم بالروح القدس، يقول الكتاب: " مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح " (مت16: 1)، " أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس " (مت18: 1)، وقال الملاك ل " يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس " (مت20: 1)، وقالت الجموع عنه " أليس هذا ابن النجار أليست أمه تدعى مريم " (مت55: 13)، وقال لها الملاك " وها آنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا؟ فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو31: 135)، كما ووصفت العذراء مريم ب أمه " وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا " (يو25: 19)، وأيضا ب " مريم أم يسوع " (أع14: 1)، كما وصفتها اليصابات بالروح القدس ب " أم ربي " ؛ " فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي " (لو43: 1). س 3: إذا هل يولد الله أو يلد؟ هل هو مولود أو والد؟ مبدئيا نقول أن الله فوق الحس أو الجنس، فالله بطبيعته وجوهره غير مولود أو والد، لم يلد ولم يولد، فالله نور " الله نور وليس فيه ظلمة البتة " (1يو5: 1)، " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية آمين " (1تي 16: 6)، والله روح " الله روح " (يو24: 4)، والله واحد، كائن في الكون وحده، ليس معه أو مثله أو شبيه به أحد ولا إله آخر معه ولا غيره ولا قبله أو بعده هو الأول والآخر وليس إله غيره ؛ " الرب هو الإله ليس آخر سواه " (تث35: 4)، " أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري " (اش6: 44)، " هل يوجد اله غيري " (اش8: 44)، أنا الرب وليس آخر لا اله سواي " (اش5: 45)، " وحدك الله وليس آخر ليس اله " (اش14: 45)، " إليس أنا الرب ولا اله آخر غيري اله ... ليس سواي " (21: 45)، " لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلي " (اش9: 46)، " ليس اله آخر إلا واحدا " (1كو4: 8)، " أني أنا هو قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون " (اش10: 43). فالله أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية. ولم يوجد أصلا بالتوالد إنما هو الموجود الذاتي، الموجود بذاته دون أن يوجده أحد لأنه هو موجد كل الخليقة، خالقها ومدبرها. ولكنه موجود كامل في ذاته، فيه الحياة وفيه العقل، فهو موجود بذاته عاقل بعقله حي بروحه، وخاصية الوجود الذاتي في الذات الإلهية هي ما يسميها الله بالآب، وخاصية العقل في ذات الله يسميها بالكلمة: كلمة الله والذي هو أيضا صورة الله، فالله ناطق بكلمته، ويسميها أيضا بالابن، ابن الله، وخاصية الحياة في الذات الإلهية يسميها بالروح ؛ الروح القدس أو روح الله، روح الله القدوس. الله موجود بذاته، ناطق بكلمته أو عاقل بعقله، حي بروحه.إذا فالله موجود بذاته، الآب، ناطق بكلمته، وكلمته، ابنه، موجود في ذاته، في حضنه " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر " (يو18: 1)، وروحه القدوس من ذاته وفي ذاته، منبثق عنه، خارج عنه " الروح القدس الذي من عند الآب ينبثق " (يو26: 15).كلمة الله خارج من ذات الله وفي ذاته ومن ثم يسمى بالابن، خارج من ذاته أي مولود من ذاته وفي ذاته ولادة أبدية مثل ولادة النور من النور، كما نقول في قانون لأيمان " مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق ". وهذه الولادة فوق الحس والجنس، مولود من الآب وغير منفصل عنه، فهذه صفات الإله الواحد الكامل في ذاته. ولكن هذا غير ولادته من العذراء، أي تجسده في ملء الزمان. س 4: إذا كان هو الله الأبدي الأزلي، الأزلي الأبدي، غير المحدود في الزمان والمكان فكيف تكون العذراء مريم هي أمه، وهي مخلوقة ولها بداية؟ كيف يكون للأزلي أم حادثة ومخلوقة؟ نعم العذراء مريم هي أمه بحسب الناسوت (بالجسد) ولكنها دعيت بوالده الإله لأنها ولدت الإله المتجسد ودعتها اليصابات بالروح القدس " أم ربي " (لو43: 1). ولكن أمومة العذراء للمسيح وحبلها به وولادتها له لا يعني أنها اسبق منه في الوجود كإله أو أنها أصله ومصدره كإله، حاشا! فهو بلاهوته اصلها وخالقها فهو الأزلي الأبدي، الأزلي الأبدي، غير الزمني وغير المحدود بالزمن أو المكان، كقوله " أنا هو الألف والياء الأول والأخر " (رؤ11: 1)، " أنا هو الأول والأخر " (رؤ17: 1)، " أنا الألف والياء البداية والنهاية الأول والأخر " (رؤ13: 22). فهو الموجود دائما قبل العذراء بل وقبل الخلائق، فهو خالق كل شئ ؛ " في البدء كان الكلمة والكلمة كان هند الله وكان الكلمة الله ... كل شئ به كان (كون صار) وبغيره لم يكن شئ مما كان (كون). فيه كانت الحياة ... والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو1: 1،2،14)، " فأنه فيه (المسيح) خلق الكل ما في السموات وما علي الأرض ما يري سواء كان عروشا أم رياسات أم سيادات أم سلاطين الكل به وله قد خلق " (كو15: 1،16). فوالدته العذراء مريم مخلوقة بواسطته، فهو خالقها وأصلها. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد
05 ديسمبر 2021

ماذا أفعل .... كى أرث الحياه الأبديه

إنجيل اليوم هو أحد الصور الكاشفه لنفوسنا وللاشخاص الذين قد يدعون أنهم متدينون وأن لهم أشتياقات وأن لهم صوره للوجود الالهي في حياتهم، ولكن ما أن تأتي تجربه، او توضع الصوره في حقيقتها حتي تُكتشف.فكره التدين فكره أحياناً ينخدع فيها الانسان، يري أن ما يفعله لاجل الله، ولكن في حقيقته مردوده إلي نفسه ليس لاجل الله، فهناك من هو متدين، اي يتخذ صوره الدين ( متفعلل) يفعل ما هو خاص بالدين، وهذا لفظ عابر يقال علي الاشخاص التي تريد أن تتقرب من الله ومن فكره الحياه معه. ولكن حقيقه أنا لا اشعر بارتياح للفظ، لان المتدين هو شخص يفعل شيئاً قد يكون من الخارج، متدين ( متفعلل). أما الحياه مع الله هي من الداخل، فهناك من يتدينوا لأجل ذواتهم، حتي حينما يصلي كي يخرج للناس ويشعر أنه في مصاف المصليين ومصاف المتدينين، وياخذ كرامه بهذه الصوره، أو حينما نصوم هناك أصوام مردوده إلي الذات أو لآجل المجتمع (أنني صائم). واحياناً كثيره نجد الذين يتدينون لاجل الناس او لاجل الذات ، كل همهم أن يأخذوا كرامه، بل في بعض الاحيان يتخذوا أشكال من الفضائل كالاتضاع، يأخذ شكل المتضع يحني رأسه ويحفظ بعض الالفاظ وما أسهل أن يضرب مطانيه ويقول أخطأت، ولكن يظهر حينما تمس ذاته. ذهبي الفم يقول:" أتضاع الجسد أمر سهل أما أتضاع الداخل هو الاصعب" حينما تتناقش معه تجده صلب معتد برأيه، متكبر في أفكاره، وأحياناً تُتلي المزامير ونأتي إلي الكنائس ولكن كل هذه الصور فقط لآجل الذات، بل هناك من يتوب لآنه كيف اسقط؟ يشعر ازاي أنا أقع ، الكاشف للقصه كلها سؤال السيد المسيح.. مستعد أن تترك لآجله؟؟ نقطه كاشفه جداً، هذا الشخص الذي جاء للمسيح، لو احد نظر إليه يقول: ما اروعه، حينما رآي المسيح ..اسرع، قلبه من الداخل متحمس، وسجد ياللتقوي، والسؤال الذي سأله للمسيح : ماذا افعل لآرث الحياه الابديه؟، اعطني الروشته، قل لي ماذا افعل واحد..اتنين.. ثلاثه، فنظر إليه المسيح نظره ثاقبه لداخله وقال له : بع اموالك، تقدر تتازل، ولكن ليس هذا هو الشئ الوحيد، لآن هناك الكثير من الاشخاص الذين باعوا، وكانت هذه الصوره مردوده للذات، لكن بيع وتعال اتبعني وشيل صليبك. ثلاثه نقط للوجود الفعلي والمشرق للمسيح في الداخل، أن يكون عندك استعداد أن تترك لآجله، والحقيقه في صراع الخطايا وفي صراع الذات تبقي هذه القضيه هي المهمه.. مستعد تترك لآجله، ليس أن تبيع وتأخذ..لا، ولكن تبيع ولا تأخذ. تقدم للفقراء ولكن بدون أن يكون لك كرامه المعطي، تصلي دون أن يراك أحد، تترك شهوات وخطايا بدون ماتقول عنك الناس هذا بار وطاهر ونقي، تبيع لاجله وليس لآجل نفسك، وأحياناً كتير يكون الله يحب الشخص.. نظر إليه واحبه، هو يراه من الداخل حلو ولكن ينقصه هذا حتي يصل لرؤيا حقيقيه للحياه الروحيه... ماذا اصنع لآرث؟ الفكره كلها أنت تريد ان تأخذ أم مستعد تترك؟ أحياناً كتيره نقول له مثلما في أش 52 :" صمنا فلم تنظر.. صلينا فلم تسمع" أحياناً يُطفي الانوار التي حولنا ويسألك موافق بالرغم من أنه ليس هناك كرامه ولا اضواء أنك تحبني؟؟ اذهب بيع، والبيع معناه أنك تقدم، لا تظن ابداً أن كل ساعه تقدمها في الصلاه ليست بيع، أنت بتترك لآجله، ونصل إلي ما هو أعلي أن تترك كل أموالك. النقطه الثانيه المهمه أن تتبعه، وتتبعه معناها عينك علي الطريق، عينك علي الوصيه، إنه دائماً أمام عينيك، لا يغيب عن ذهنك، مثلما قال أنبا أنطونيوس لاولاده :" فليكن لك في كل موقف شاهد من الكتاب المقدس". النقطه الثالثه: أن تحمل صليبك، أن تترك وتتبعه وتحمل صليبك، لو أنك تري المسيح أمامك تحت الصليب ستوافق بحب، يقول بولس الرسول:" الذي صلب العالم لي وأنا للعالم" ، مع المسيح أحيا لا انا، تسأل هل الحياه مع ربنا صعبه جداً إلي هذه الدرجه؟ أبداً، لو رأيت ماذا ستأخذ وآمنت به يهون عليك كل شئ، ماذا تضع أمام حياه أبديه؟، وماذا تضع أمام مجد السماء وأكاليل القديسين؟ . " الذي يغلب يجلس معي علي عرشي"، " تعالوا رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم"، من الذي يدعوهم؟ هم الذين تركوا وقدموا والذي آحب.يقول بولس الرسول:" خسرت كل الاشياء وأنا احسبها نفايه". شخص مثل الانبا أنطونيوس الذي ترك ثلاثمائه فدان، يثق أنه سيأخذ اكثر، إذا آمنت أن كل ما يُعرض عليك من الشيطان من مجد من شهوات من كرامه وتتركها لآجله، ستأخذ مكانها أكثر وأكثر، ستترك بدون تحسر، بنقدم وهو أمام أعيننا، تجسد وأخذ صوره عبد لآجلي، وحينما تراه مصلوباً أمامي يهون عليا كل صليب وتهون عليا كل الآلامات.لآلهنا كل مجد وكرامه غلي الآبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
04 ديسمبر 2021

التجسد الإلهي

حب وعمل! بسبب الحب أخذ جسدنا وتراءف علينا ليس هناك سبب آخر لتجسده! الإنسان والحب جبل الإنسان مخلوًقا محبا، لا يقدر أن يتذوق الحياة ولا أن يمارس إنسانيته خارج دائرة الحب. يريد أن يكون محبوبا، لو أمكن من العالم كله! ويشتاق- بين الحين والآخر- لو اتسع قلبه ليحمل المسكونة كلها في قلبه بالحب! هذه ليست طبيعتي وطبيعتك، ولا هي أحاسيس عابرة تجتاز نفسي ونفسك، لكنها هي خبرة "الحياة"،خبرة الإنسان عبر كل العصور، وتحت كل الظروف.قد يبدو الإنسان جادا أو منهمكا في مسئولياته الكبرى، أو مشدودا إلى أبحاثه، أو غارًقا فى أعماله،وقد يكون الإنسان قاسيا وعنيًفا بل وأحياًنا مجرما وقاتلا... لكنه وسط هذا كله تجده متعطشا للحب... يخورأمامه سريعا ويستسلم! لكننا نتساءل: وهل يترك الله الإنسان محتاجا إلى الحب، يتسوله من هذا أو يستجديه من تلك، بغيرشبع؟! بل وكثيرا ما يجرى وراء الصداقات والزمالات والعواطف... وللأسف غالبا ما يكتشف بعد خبرةسنوات أن سر هذه العلاقة مع أحب إنسان لديه هو الأنانية!!! الله حب! إن كان الإنسان بطبعه محبا، فلأنه على مثال الله "الحب اللانهائي"... ينجذب إليه، لا ليقدم حساباعن أعماله، ولا ليقدم فروض الطاعة والولاء وصنوف العبادات والتذلل، ولا لينتظر مكافآت وجزاءات ولا ليتقي غضبه... لكنه أولا وقبل كل شيء يرتمي في أحضانه ويتكيء على صدره لينهل من ينابيع حبه، التي وحدها تقدر أن تروي نفسه الظمآنة! يقول ابن سيراخ أن من يأكل منه يعود إليه جائعا، ومن يشرب منه يعود ظمآًنا إليه! إنه ينهل من حب الله بلا حدود! هذا الحب الإلهي ليس كلاما بل عملا، أوجد له العالم قبل خلقته لا ليشبع احتياجات جسده، بل وأيضا لكي يتلمس حب الله العملي في الخليقة فترتوي نفسه جبل له حواء أيضا لكي لا يكون وحيدا، لكنه يتلمس محبة الله خلال تآنسهما معا، وهما يلهجان في أعمال الله ويسبحانه من أجل تدابيره المملوءة حبا! بعد السقوط، خرج "المخلوق المحب" من فردوس الحب إلى عالم مملوء وحشية، قانونه الظلم ودستوره العنف، إذ تحول من وحدة الحب إلى انقسامات الكراهية والأنانية، كل قبيلة لا تؤمن إلا بنفسها، تؤمن بالبقاء للأقوى والموت للأضعف!... تحول الإنسان إلى وحش كاسر لا يفترس أخاه بل ونفسه حتى ليصل أحياًنا إلى الرغبة في الانتحار، كارها نفسه! بمعنى آخر، خرج الإنسان من فردوس الحياة إلى عالم الموت، عوض الحب يمارس الأنانية... فإنه وإن صادق أو زامل أو ترفق، فغالبا ما يكون لأجل نفسه لإشباع حاجاته النفسية أو الاجتماعية! ومع هذا، ففي أعماقه يحس بين الحين والآخر بحنين أن يحب وأن يحب، لكنه كثيرا ما لا يجد من يحبه حًقا، وكثيرا ما يحسب أنه لا يوجد في العالم من يستحق حبه! لقد فسدت حياته الداخلية، كما فسد العالم المحيط به... وصار الأمر جد خطير! لقد فقد الإنسان حياته وطبيعته وبصيرته... فهل يتركه "الحب اللانهائي" هكذا يتخبط؟! الحب يقتحم حياتنا! في "فردوس الحب" كان الإنسان ينعم بالحب، يحصره الله بالحب، ويفيض هو حبا نحو الله، متهللا كلما "سمع صوت الله ماشيا في الجنة"... لم يكن محتاجا إلى وصية عن "الحب" ولا معلما يرشده ويدربه على"الحب"... لكن كان يكفيه اللقاء الدائم مع الله، والوجود المستمر في حضرته! أما وقد خرج الإنسان هائما في عالم الأنانية، لم يقف الله مكتوف الأيدي، بل كان يليق به أن يعلن حبه عمليا، فأرسل إلينا وصيته "حب!"... "حب الرب إلهك... حب قريبك كنفسك" أرسل الله الوصية أو الناموس يطالبنا بالحب، لكن الناموس كان صعبا والوصية غير قادرة على تغيير طبيعتنا. فصار الناموس وهو مقدس كاشًفا للضعيف غير معالج له... فيقول الإنسان "لما جاءت الوصيةعاشت الخطية فمت أنا. فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت. لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني" هذا ما فعله الناموس، وهذا ما أكده الأنبياء، إذ جاءوا نبيا يلي نبيا من أجل تنفيذ وصية الحب.فكشفوا العجز البشري وحاجتهم إلى من يعيد إليهم طبيعة الحب المفقودة. الحب يتجسد! إذ كان الإنسان موضع لذة الله وموضوع حبه كان يلزم ألا يبقى الله في سمواته يعلن حبه للإنسان وهو منعزل عنه. لا يكفي أن يرسل إليه الوصية أو الناموس، ولا أن يبعث إليه بالأنبياء، لكن حبه ألزمه أن يلتقي بالإنسان في عالمه... يدخل معه طريقه، ويشاركه حياته الأرضية لكي يحمله بالحب على كتفيه ويعيده من جديد إلى "عالم الحب"، إلى الحياة السماوية! تجسد "الحب" ليعيش بين البشر، واحدا منهم، حاملا إياهم إلى "حياة الحب" المفقودة... وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم "صار ابًنا للإنسان لكي يصير أبناء الإنسان أبناء لله". جاء يلاطف الإنسان بالحب،يجذبه إليه، واهبا إياه طبيعة جديدة، طبيعة الحب الحقيقي التي تفرح قلب الله. "هكذا يصبح الإنسان قيثارة،متوافقة، نغمها الروحي يسحر الله"! بحق دعي التجسد سرا أنه سر حب الله اللانهائي، إذ "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".الإله المعبود صار إنساًنا، وقابل الذبائح والتقدمات "صار كاهًنا وذبيحة"! أعلن حبه بالعمل لا بالكلام "فإن الله لم يجازنا عن تعدياتنا الكثيرة التي اقترفناها ضده رغم إحساناته علينا، بل أعطانا ابنه. جعله من أجلنا خطية تركه يدان ويموت كملعون! إنه يشبه ملكا يرى لصا على وشك الإعدام فيرسل ابنه الوحيد الحبيب، ينقل عليه الموت ذاته بل وخطأ المجرم! هذا كله من أجل خلاص المذنب ورفعه إلى كرامة عظيمة".لقد ترنم الآباء بهذا التجسد العجيب الذي دخل إلى حياتنا ليرفعنا إلى الصداقة مع الله، والشركة مع السمائيين، والتمتع بحياة الحب يقول القديس غريغوريوس العجائبي "المولود من الله الآب أخذ لنفسه من العذراء جسدا حتى يدين الخطية في الجسد، ويهزم المجرب، معلًنا بداية القيامة وتأسيس الحياة الأبدية ونشأة الصداقة بين الناس والآب".ويقول مار إفرآم السرياني "المجد لذاك الذي نظر إلينا إننا قبلنا التشبه بالوحوش في هياجنا وجشعنا، فنزل إلينا وصار واحدا منا، حتى نصير نحن سمائيين". ويقول مار يعقوب السروجي: "الحب جذبك لتأتي إلى بلدنا من أجلنا... حبك خلطك معنا بالجنس، لنرتل لك! صرت معنا ومنا، إذ أنت ربنا. هوذا عمانوئيل معنا، بجوارنا...".لنحب... بالإيمان والروح والعمل! "هو أحبنا أولا..." لقد بادرنا بالحب لكي يجذبنا إليه، لا بالعاطفة والمشاعر ولا بالكلام والوصية، إنما فوق الكل بالعمل والبذل! تجسد وتأنس، تألم وصلب، مات ودفن، قام ليقيمنا معه حاملين "جدة الحياة". يفتح ذراعيه بالحب نحو العالم... يدعو الجميع، ويلح في الدعوة، مؤكدا "أن كل الفضل هنا لصاحب الدعوة، وما على المدعوين إلا الطاعة"... يريد أن يبرق في كل نفس ويدعوها باسمها كما في طريقها إلى دمشق لكي يخلق من شاول المقاوم بولسا المحب قائلا "لستم أنتم اخترتمونى بل أنا اخترتكم" قدم عملا وبذلا،ولا يزال يقدم الدعوة الشخصية لكل أحد، لكى من يؤمن به يتجاوب معه بالحب العملي، فيرتمي في أحضانه بالنعمة الإلهية لينعم بالخلاص... الخلاص هو التلاقي بين حب الله العملي وحب الإنسان الإيماني العملي. هو خروج من الذات بالروح القدس لكي يدخل الإنسان الحياة الجديدة في المسيح يسوع، كحياة إنجيلية عملية، ممارسة حب مع ذاك الذي يحبها هذا التلاقي يتم بالطبيعة الجديدة التي ننالها بالمعمودية، بالروح القدس الذي ننعم به في الميرون هذا ما أكده الكتاب قائلا "من آمن واعتمد خلص...". لنؤمن ولنعتمد، حاملين الروح القدس فينا،الذي وحده يقدر أن يدخل بنا ونحن في كامل حريتنا إلى "الحياة الإلهية"... "إذ لا نقدر أن نجري في طريق الله إلا محمولين على أجنحة الروح" لابد للتنعم بفاعلية سر التجسد أن نقبل روحه القدوس عوًنا وسندا ينطلق بنا إليه، لنعيش في شركة مع الإله المتجسد، نمارس حياته الفاضلة فينا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:"بمعونة الله نحن نفعل الخير الذي نعمله"،"ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي، كما أنه ليس أضعف من الذي يحرم منه"، "لنكن أقوى من الجميع، ممتلئين ببولس وبطرس ويعقوب ويوحنا، فإن غاب عنا العون الإلهي لا نقدر أن نقاوم أتفه إغراء". تلاقي عملي الله في حبه بذل ابنه بإرادته الكاملة، إرادة محبة عاملة، ونحن أيضا يلزمنا أن نلتقي مع هذه الإرادة بإرادة كاملة، إرادة حب باذل... هذا هو سر خلاصنا! أحبنا أولا بإرادته ونزوله إلينا، ونحن به نحبه بقبوله فينا بالإيمان العملي! بمعنى آخر لا يلزمنا الله بالخلاص قسرا، كما لا يطلب منا إيماًنا سلبيا بل عاملا... هذا ما أكده القديس يوحنا الذهبي الفم، إذ أقتطف القليل من أقواله في هذا الشأن."أوجد الخالق طبيعتنا سيدة نفسها. في رحمته يهبنا معونته على الدوام، وهو مدرك ما هو مختبيء في أعماق القلب. إنه يرجونا وينصحنا وينهانا، محذرا إيانا من تصرفاتنا الشريرة، لكنه لا يفرض علينا شيئًا قسرا. يعرض الأدوية المناسبة، تاركا الأمر كله لقرار المريض نفسه"."نحن سادة، نستطيع أن نجعل كل عضو فينا آلة للشر أو للبر"."الله لا يريد أن تكون العطية بكاملها من جانبه، لكنه يريد أن تدخل فيها الصلاة حتى لا يصير العبد بغير مكافأة."الله يريد أن يظهر العبد وكأنه قد ساهم في شيء فلا يسقط في الخجل"."النعمة دائما مستعدة! إنها تطلب الذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيدنا نفسا ساهرة وملتهبة حبا يسكب عليها بفيض غناه، وبغزارة تفوق كل طلبته". "الله يدعو ويجذب إلى الحق الذين حتى في أخطائهم يطلبون طريق الحق"."إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب".أنا لا أسحب أحدا بالقوة ولا بالعنف، لكن إن كان أحد ممتلئًا إرادة حسنة ومشتعلا بالرغبة، هذا أناأدعوه"."يلزمنا أولا أن نصنع ما نستطيع، فيعمل الله فينا". "كيف صار بولس بولسا؟ من نفسه أم من الله؟ من الله، لأنه من نفسه!"."لا يغضبنا الله ولا نعمة الروح تلزم إرادتنا، إنما ينادينا الله وينتظر لكي نتقدم بملء حريتنا. فإذا مااقتربنا يعطينا كل عونه"."أي شعلة يشعلها الروح في داخلنا، نستطيع نحن إن أردنا أن نوهجها أكثر فأكثر، وإن لم نرد نفقدهاللحال"."الله في حبه قد أعدنا من قبل (النعمة) للخلاص. هذا الخلاص نبلغه لا بمجهودنا ولا بأعمالناالصالحة، بل بالنعمة. ولكن ليس بها فقط بل بالفضائل أيضا. لأنه لو كان كل شيء من قبل النعمة وحدها لخلص جميعنا. ولو كان كل شيء بفضيلتنا الشخصية فما فائدة شفاعة المسيح وتجسده؟! بالحقيقة نحن مخلصون بالنعمة وحدها ولا بالفضيلة وحدها بل بالاثنين معا"."الله يطلب منا حجة صغيرة حتى يقوم هو بكل العمل". بالنعمة أنتم مخلصون! إن كان القديس يوحنا الذهبي الفم يؤكد أهمية الجهاد لكنه يخشى أن نسقط في الكبرياء، فنظن أننا بجهادنا الشخصي ندخل الحياة الإنجيلية، بتقوانا أو بأعمالنا الصالحة، لذلك ينصحنا قائلا:"لا شيء يجعل أعمالنا الصالحة عديمة الفائدة وباطلة إلا عندما نتذكرها ظانين أننا فعلنا الحسنى". "أعترف أنك تخلص بالنعمة، لكي تشعر بأن الله دائن لك، ليس من أجل أعمالك الصالحة بل من أجل أحاسيسك النبيلة... فإن أسندناها لله، تكون مكافأتنا عن اتضاعنا أعظم من مكافأتنا عن الأعمال نفسها".أخيرا، لقد أحبك الله ونزل إليك، لكي يرفعك بنعمته إليه... إنه ينتظر على الدوام لقاءك، لكي تعلن له حبك وتقبله في حياتك.بركة الرب ترافقك القديس يوحنا ذهبي الفم
المزيد
03 ديسمبر 2021

القديس يوسف البار ج1

الروح القدس هو الذي أعطى القديس يوسف لقب البار، هكذا وصفه الإنجيلي مار متّى في بشارته «لمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا» (مت1: 18، 19). يقول الإنجيلي مار متّى عن العذراء القديسة إنّها «وُجِدَتْ حُبْلَى»، أي ظهرَتْ عليها ملامح الحمل لدى الذين يرونها من الأهل أو الجيران. فمن جهة هؤلاء فمعروف أنّها مخطوبة ليوسف، وهي مُقيمة معه، فلا غرابة إن وُجدت حُبلى، حتى وإن تكن مراسم الزواج من كُتُبِ ورقِ الزواج بشهود من العائلة وحضور الأهل والأقارب، وتسجيل الزواج في سجّلات المَجمَع، وعمل حفل العُرس وما إلى ذلك.. لم يكن شيء من ذلك قد حدث. ولكن من جهة أخرى فإنّ التقليد يقول أنّ العذراء دخلَتْ إلى الهيكل في سن الثلاث سنوات وبقيَتْ إلى سنّ اثنتي عشرة سنة، إذ كان يواقيم أبوها وحَنّة أمها قد رقدا وهي بعد صغيرة. فكان لابد فى حال خروجها من الهيكل أن تصير لأقرب وليّ من سبطها. ولما وقعت القرعة على يوسف أخذ العذراء القديسة إلى خاصته، واعتُبِرت أنّها مخطوبة له إلى أن تكمل مراسم الزواج.. هكذا كانت العادات في تلك الأيام. «لَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا» (مت1: 19) + لما كشف الروح القدس في الإنجيل عمّا دار في ذِهن يوسف النجّار عندما رأى علامات الحَمْل على العذراء الطاهرة.. واضحٌ أنّه لم يفاتح العذراء القديسة في ذلك الأمر، لا عاتبها ولا لامها.. بل تفكّر في نفسِهِ كيف يتصرّف. وهنا ومن مُنطَلَق هذا التفكير ممكن أن نستدل على مدى النُّبل في الأخلاق والسموّ في الروح. كان للناموس حُكم واضح من جهة هذا الأمر. وكان ما أسهل أن ينحاز ذهنه إلى الناموس، وهذا ليس فيه عيبٌ ولا ملامة. ولكنه تجاوز أوامر الناموس التي تقضي برجم مَن ترتكب هذا الأمر.. يشهد عليها شهود في حالةِ إن أُمسكت في ذات الفعل، أو تكون علامات الحَمل أكبر دليل لا يحتاج الأمر معه إلى شهود. ولكن على عكس ذلك جاء تفكير القديس يوسف البار. + لم يُرِد أن يُشهِرها.. إن أُخذ الأمر بحسب الظواهر فإنّ هذا يكون عارًا على القديس يوسف نفسه، وكم ينشئ هذا الأمر من الغيظ ومن الغضب، بل ومن الانتقام وحتى القتل. ألا يصير هذا الأمر – لو كان صحيحًا – خيانةً ووصمة عار؟ ولكنّ نفسَه البارّة كانت أعلى قدرًا وأسمى شأنًا. لقد تجاوز وارتفع فوق المشاعر الطبيعيّة والأعراف البشريّة، وفي كرمٍ بالغ ونبل فائق لم يُرِد أن يشهرها. وجد في نفسه مَيلاً قويًّا وشعورًا عميقًا أن لا يُعرِّض العذراء لأيّ مكروه مهما بلغ الأمر. إنّه هو نفسه لم يفاتحها في الأمر، وإن كان قد بلغ به الاضطراب أيّ مبلغ. لقد فوجئ بالأمر فأذهله، وما رأته عيناه أبعد عن التصديق. منذ أن استلم العذراء وهي طِفلة ذات اثني عشر ربيعًا إلى هذا اليوم.. لم يرَها إلاّ ملاكًا بل أفضل من ملاك، ولم يلاحظها إلا مُشرقة كالصباح، جميلة كالقمر من كثرة الصلاة والتأمل. لقد فارقت الهيكل، ولكن رآها يوسف في تلك الفترة من الزمن كأنّها لم تترك الهيكل ولا فارقته.. بل رآها كأقدس من الهيكل وأطهر من الطُّهر ذاته. فكيف إذن، فماذا حدث؟ إنّها لم تفارق البيت ولا خلطةَ لها مع الناس؟ إنّ ما يراه الآن من علامات الحَمْل، وقد لاحظه ربّما بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من زيارة رئيس الملائكة جبرائيل، التي احتفظت بها العذراء كَسِرّ إلهيّ ولم تُطلِع عليه أقرب الأقربين. نعم لقد ذهبت لمدة ثلاثة شهور لزيارة زكريا الكاهن وزوجته أليصابات. وهذه الزيارة كانت مقدسة من كلّ جانب، فهي مَضَت تخدم وتعضد امرأة متقدّمة في أيامها، وزوجها شيخ وقور لفَّهُ الصمت وعدم الكلام. لقد بَدَت الحيرة ودارت الأسئلة التي ليس لها جواب في رأس القديس يوسف. سؤال وألف سؤال، وليس من جواب شافٍ، أو سبب واضح يُريح الفكر. ولكن أيّ عقل هذا، الذي فيما هو مفتكر بهذا، لم يُرِد أن يُشهِرَها؟ كيف ارتاح لهذا الفكر النبيل في وسط عاصفة الأفكار الأخرى؟! لقد كشف هذا عن هذه الروح العالية، والشهامة الفائقة لهذا الرجل البار. أمّا أنّه أراد تخليتها سِرًّا، فهذا أمرٌ فاق قِمّة أخلاق البشر.. أراد أن يُخلِي سبيلها، ويُطلِقها سِرًّا بلا ضجّة وبلا معرفة للناس. تُرى ماذا جال في خاطر هذا البار؟ لماذا سِرًّا.. هل خَوفًا على شعورها.. إنّه لغزٌ ليس له حلّ؟ كيف هداه الفكر إلى السّتر وعدم الفضيحة، أو إلى عدم الإساءة والإيذاء..؟! لقد كانت الجوهرة الغالية الثمن، فإن لم يكن يعرِف سِرّها، وإن يكُن الفكر يلحّ عليه ويعذّبه، فَكّر أن يدَعَها تذهب، ولكن في سلام وفي عدم جَلَبَة. لقد كشف هذا الفكر الفاضل عن قلب رجل فائض بالسلام، جزيل الحبّ والغفران. والعجيب أنّه لم يكُن في عَجَلَةٍ من أمرِه، ولا تَصَرّف تصرُّف الطّياشة والتسرع، ولا تهوَّرَ في إصدار الأحكام، أو دفعَهُ الشعور القاسي بسبب ما رآه إلى ارتكاب جهالة أو فِعل لا يليق. بل بالعكس صار متفكِّرًا متأنّيًا، وبالتأكيد مُصلّيًا طالبًا أن يكشف له الرب سِرًّا عَصَى عليه إدراكه. ربّما أخذ هذا الأمر مِنه أيّامًا.. طار منه النوم وصار في يقظة العقل والروح معًا. على أنّ الربّ لا يترك صفيّه نَهبًا للأفكار، لئلاّ يستثمر عدو الخير هذه الظروف، ويعمل عمله المُشين فيُسيء للأمر كلّه. «إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (مت1: 20). لم يَقُل الكتاب مَنْ مِنَ الملائكة أرسله الربّ إلى القديس يوسف. ولكن غالب الظن أن يكون رئيس الملائكة جبرائيل؛ إذ كان هو الموكّل بالبشارة المفرحة، حين انفتحت السموات بعد مئات السنين من الجفاف وانعِدام الرؤيا. وليس عَجَبًا أن يخاطب الملاك القديس يوسف داعيًا إيّاه ابن داود، حقًّا إنّ يوسف ينتسِب لداود بحسب النسل الجسدي. ولكن ذِكْر داود هنا يُسلِّط الضوء الإلهي على قيام مملكة داود حسب المكتوب، فالذي في بطن العذراء هو الملك ابن داود بحسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا، وهو الذي لا يكون لمُلكِهِ انقضاء. فطوبى ليوسف ابن داود إذ بلغ إليه زمن الخلاص ووصل إليه ملكوت الله.. بل طوباه لأنّه صار مُشارِكًا بالفِعل في استعلان الملكوت، وصار صاحب الاسم الحسن "ابن داود". قال الملاك رَدًّا على ما كان يوسف يتفكّر فيه: «لاَ تَخَفْ يَا يُوسُفُ».. وقول الملاك هنا كان مصحوبًا بقوّة إلهية، طردَتْ الخوف والجزع، وطردت الحيرة والارتباك. فحين يُعطي الملاك السلام فهو قوّة لا كلام، وحين يقول لا تخف يكون الخوف قد ولّى وهرب. «لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ».. فهي على ما عهدتَها من الطُّهر والنقاء. بل زادت بحلول الكلمة في أحشائها على نقاء السماء، وارتفعَتْ أعلى من الشاروبيم. كشف رئيس الملائكة ليوسف البار كَنَهَ السّرّ الأقدس من جهة ما رآه يوسف ظاهرًا. إنّ الحَبَل المقدّس هو من الروح القدس، فالجنين في بطنها هو من الروح القدس ومن العذراء، هو الكلمة صار جسدًا «فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». فيوسف ظاهريًّا دُعِيَ أبًا ليسوع وهو المَنُوط أن يسمّيه، كما هو العُرف المألوف أنّ والد الطفل يسمّيه. لقد صار ليوسف هذا الشرف العظيم، فهو أوّل مَن نادى الاسم المبارك، اسم الخلاص. لقد أَطلَعَ الملاك القديس يوسف البار على كلّ تدبير التجسُّد الإلهي، وعمَل المسيح الخلاصي وغُفران الخطايا، كلّ هذا في كلماتٍ بسيطة قليلة. وهكذا خضعَتْ نفسُ البار لتدبير الرب الإله، كخضوع القديسة والدة الإله لمّا بشّرها الملاك، واستوضَحَتْ مِنه على قدرِ الإمكان «كَيْفَ يَكُونُ هذَا؟». فلما استوثقَتْ أنّ التدبير الإلهي حاصلٌ، أحنَتْ رأسها مُذعِنَةً في التسليم الكامل بقولها: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». في تسليمٍ كامل سكنَتْ أمواج الأفكار وصارت سفينة القديس يوسف في السلام الكامل، بل قُلْ لقد حلّت السماء في بيته وفي قلبه في آنٍ واحد. تحوّل البيت الصغير الذي احتوى غير المُحوَى إلى سماوات العَلِيّ، وسَمعتْ أذان الروح تسبيحات الشاروبيم. وهكذا صارت بقيّة شهور الحَمْل الإلهي تكتنفها الأسرار التي لا يمكن وصفها. فالأمر يفوق فَهْمَ الملائكة الذين في السموات، فكَم بالحريّ الإنسان؟! ولكننا ننحاز إلى أنّ بساطة الفكر ونقاء الإيمان يجعل الأمر بعيدًا عن ارتباك العقل، إذ أنّ أمور الله يستوعبها البسطاء بدون فحص العقل، الذي في معظم الأحيان يصير مُعطِّلاً ومُفسِدًا لبساطة الإيمان. وهذا يجعلنا نرى أنّ القديس يوسف البار استوعَبَ ببساطة الإيمان ما بشّره به الملاك في الرؤيا. وهكذا صار في روح التصديق والفرح واستقبال الحدث الأجَلَّ بنفسٍ تغمرها أنوار الميلاد العجيب. (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل