المقالات

22 مارس 2020

بئر الماء الحي

جائت السامرية كعادتها متوقعة ألا تجد أحداً لكنها وجدت يسوع رأت من شكله و وقاره أنه رجل دين و فكرت في داخلها: هل سينظر لي باحتقار؟ أم سيوجه كلام عنيف و قاسي لي؟ ليته يتركني فهو لن يفهم كم تعبت من نظرات و كلام الناس المصدر كتاب "بئر الماء الحي" بعد أحد الابن الضال يأتي أحد السامرية على نفس الخط التوبة و الرجاء لأي نفس أياً كان ماضيها أو حياتها أو خطاياها بعد لقاء عميق و صادق مع يسوع تتوب و يتغير قلبها و تصبح سفيرة للمسيح لقاء واحد عميق مع شخص السيد المسيح (الذي نتناوله داخلنا كل يوم على المذبح و نسمع كلامه لنا كل يوم في الإنجيل) يغير الخاطئ إلى تائب ثم كارز و سفير!طبعاً ما كان يتوقع أي أحد أن تلك المرأة من الممكن أن تتوب إلا الله محب البشر، فاحص القلوب لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ صموئيل الأول 16 : 7 ظروف الحدث المكان: سوخار مدينة بين أورشليم (الجنوب) و الجليل (الشمال) مدينة سامرية و ما أشد العداوة بين اليهود و السامريين في ذلك الوقت لعدة أسباب سياسية و دينية الزمان: منتصف النهار في شدة الحرارة في الوقت الذي لا يتواجد فيه أحد عند البئر لأن الكل يجمع ما يكفيه من المياه في الصباح كان المعلم و تلاميذه قد تعبوا من طول الطريق و مجهود السفر فذهب التلاميذ ليشتروا الطعام و جلس المعلم عند البئر ينتظر تلك النفس التي تشتاق للخلاص وحده حتى يستطيع أن يتكلم معها دون أن يحرجها أمام أحد ماذا حدث؟ فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء جائت السامرية كعادتها متوقعة ألا تجد أحداً لكنها وجدت يسوع رأت من شكله و وقاره أنه رجل دين و فكرت في داخلها هل سينظر لي باحتقار؟ أم سيوجه كلام عنيف و قاسي لي؟ ليته يتركني فهو لن يفهم كم تعبت من نظرات و كلام الناس فقال لها يسوع أعطيني لأشرب لم يكن محب البشر الصالح هنا بالصدفة بل كان لابد له أن يجتاز السامرة في هذا الوقت ليقابل هذه المرأة و يريحها من كل أتعابها فبدأ بالكلام معها فقالت له المرأة السامرية كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ أدركت المرأة من لهجته أنه من الجليل و استغربت كيف يتكلم معها أي رجل دين يهودي كان سيحتقرها أو في أفضل الأحوال يمشي دون أن ينظر إليها!أجاب يسوع وقال لها: لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومَنْ هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه، فأعطاك ماءً حيً دخل السيد المسيح في الموضوع المهم أنا هنا لأعطيك الماء الحي قالت له المرأة يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟ كانت المرأة ترد ببعض الجفاء حتى تنهي الحديث مبكراً واضح أنا هذا المعلم اليهودي يظن أني إنسانة تقية و لا يعرف الحقيقة أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية جاء الوقت لكي يخبر الرب تلك النفس عن الحقيقة عن الماء الحي الذي يروي إلى الأبد و شعرت السامرية مع هذه الجملة القوية أنه بالفعل قادر أن يعطيها ذلك "الماء الحي" وأنه يريد ذلك بالفعل، فصرخت يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش، ولا آتي إلى هنا لأستقي و كم كان فرح السيد بهذه الإجابة و كل من يقبل إليه لا يطرحه و لكن لابد من أمر ما أولاً قال لها يسوع اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههناهناك خطية في حياة المرأة و حتى تستمتع بالماء الحي لابد أن تتوب عن هذه الخطية و لابد أن تدرك أن الله الحنون يريدها أن تخرج هذه الخطية إلى النور حتى ترتاح منها ليس لي زوج هل سترضى أن تعطيني الماء الحي على الرغم من خطاياي أيها المعلم الصالح؟ على الأقل سأحاول ألا أكذب قال لها يسوع: حسنًا قلتِ ليس لي زوج يالعظم لطفك و وداعتك أيها الرب الطيب بيّن للمرأة أنه يعرف ماضيها لكنه لم يقل ذلك بقسوة و يجرحها بل بمنتهى الأبوة و الرفق امتدح صدقها يا سيد ارى انك نبي طبعاً كيف يعلم ذلك اليهودي ماضيّ؟ لابد أن يكون نبياً سألته المرأة عن المكان الصحيح للسجود و العبادة و هو ما يكشف اهتمام و عطش داخلها لتجد الله و كانت تنتظر الإجابة أورشليم أو الجبال و لكن سيدنا نقلها لروح العهد الجديد لكن تاتي ساعة و هي الان حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للاب بالروح و الحق لان الاب طالب مثل هؤلاء الساجدين له الله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي ان يسجدوا السجود بالروح؟! بالتأكيد لم تسمع المرأة مثل هذا الكلام من قبل هل السجود و العبادة علاقة روحية و ليست مجرد شعائر لابد أن تؤدى بطريقة معينة؟ لابد أن هذا عهد جديد و روح جديدة قالت له المراة انا اعلم ان مسيا الذي يقال له المسيح ياتي فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء خمنت المرأة ذلك و لمّا أجابها المخلص أنا الذي أكلمك هو لم تتعجب فمن سواه يقدر أن يروي الأرواح الظمأى؟ فتركت المراة جرتها و مضت الى المدينة و قالت للناس هلموا انظروا انسانا قال لي كل ما فعلت العل هذا هو المسيح؟ يا لعظم هذه المرأة عندما وجدت مروي الأرواح أسرعت لتشرك كل من تعرف ليرتاحوا مثلها و لم تخجل أن تفضح نفسها (قال لي كل ما فعلت) فهو الغافر الرحوم و هو يحبها رغم كل ما فعلت يا رب أيها الغافر الحنون محب البشر معطي الروح القدس لكل من يطلب يا من تسعى وراء كل خاطي مهما كان ما فعله خليني ألتقي معاك لقاء شخصي يغيرني بجد و ينقي داخلي أتوب عند قدميك أرتاح من همومي و أذوق غنى رحمتك و أسجد لك بالروح و الحق و أشرب من الماء الحي إلى الأبد أهتف مع عروس النشيد أنا سوداء و لكني جميلة (في عينيك) ثم أكرز بحبك لي و عظم صنيعك معي لكل إخوتي فالكل ظمآن و ماء الدنيا لا يروي أحداً أنت هو الماء الحي الوحيد الذي يشبع أرواحنا م. ماريان إدوارد - دكتور هاني صبحي
المزيد
18 يوليو 2019

الفضائل

1 ـ تختلف الفضائل حسب اختلاف المنبع، ولقد فرق فم الذهب بين الحياة الفاضلة على المستوى الأخلاقي الاجتماعي البحت، وبين حياة الفضيلة خلال الشركة مع الله لنكون على شبهه وندخل إلى الحياة الملائكية السمائية، التي ينبغي أن نحياها. 2- الفضائل عقد واحد : ويقول ذهبي الفم ليست الحياة الفاضلة مجموعة من الفضائل المتراصة، لكنها وحدة واحدة متكاملة، كل فضيلة تمثل جانبا منها. " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ". 3 ـ توجد فضائل تحفظ الفضائل (بدونها لا تبقى الفضيلة) : أ ـ التمييز : يقول يوحنا الدرجي " التمييز عند المبتدئين هو معرفة ذواتهم معرفة حقيقية. أما عند المتوسطين فهو حس داخلي لا يخطئ، يميز السجية الصالحة حقا عن السجية الطبيعية وعن السجية الرديئة. وأما عند الكاملين فهو معرفة ناتجة عن استنارة إلهية تستطيع أن تضيء بمصباحها ما هو مظلم عند الآخرين " وقال : ( كما أننا نستقي من البئر ضفدعا مع الماء أحيانا، على غير انتباه منا، كذلك كثيرا ما نصنع الرذائل مضفورة مع الفضائل بصورة غير منظورة. فإن الشراهة مثلا تختلط مع ضيافة الغرباء، والزنى مع المحبة، والدهاء مع التمييز، والخبث مع الفطنة، ثم يندس مع الوداعة كل من الغش والمماطلة والبلادة والمحاججة واتباع المشيئة الذاتية وعدم الطاعة، ومع الصمت ادعاء العلم، ومع الفرح الغرور، ومع الرجاء التواني، ومع المحبة الإدانة، ومع الهدوء الضجر والكسل، ومع الطهارة الحدة، ومع التواضع الدالة، ويرافق العجب هذه الفضائل كلها بمنزلة مرهم بل سم مشترك يطليها ) ب ـ المحبة : وقال الدرجى : أبصرت فلاحين يلقون في الأرض نوعا واحدا من البذار إلا أن كلا منهم قصد من زرعه غرضا خاصا به. فالواحد كان غرضه أن يوفى ديونه، والآخر أن يجمع ثروة، وغيره أن يكرم سيده بالهدايا، وآخر أن يتصيد بحسن عمله مديحا من المجتازين في طريق العمر، وغيره أن يحزن عدوه الذي يحسده، وغير هؤلاء أن لا يلومه الناس على بطالته. وهذه أسماء البذار الذي ألقاه الفلاحون في الأرض : صوم وسهر وصدقة وخدمة وما إلى ذلك. فليفحص كل أخ قصده بعناية في ضوء مشيئة الرب. جـ ـ الاتضاع : كلمات بولس الرسول " و لكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا " (2كو4 : 7) قصة الراهب الذي كان يصلى الصلاة الربانية مهلا مهلا. د ـ الحق : فالتشجيع لا بد أن يكون بالحق. والامتداح كذلك. فالذي يسند المحبة لئلا تنحرف هو الحق. وهكذا كل الفضائل. فضيلة التسليم : كانت هذه الفضيلة عجيبة ومؤثرة "ليكن لى كقولك"، تسبب لكِ متاعبِ.. يشك فيك يوسف.. لتكن مشيئتك يا رب، ربنا تدخل وأفهم يوسف. ولكن أين كانت الولادة؟ لا بيت ولا فندق ولا حتى غرفة حقيرة.. إنه مزود حيوانات.. لتكن مشيئتك يارب، وها هم المجوس فى زيارة المولود، يقدم المجوس ذهباً ولباناً ومراً.. إذن لماذا الألم يارب؟ إنها رحلة صليب.. لتكن مشيئتك يارب، ويأتى سمعان ويقول: "أنه وضع لقيام وسقوط كثيرين فى إسرائيل ولعلامة تقاوم" لتكن مشيئتك يارب إنه كنز العذراء، وحتى عند تعذيب اليهود له، وعند صعوده على الصليب.. كان التسليم عجيباً "أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائى فتلتهب عند نظرى إلى صلبوتك، الذى أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبنى وإلهى". هل سألته لمن تتركنى؟ من ينساها... إنه تسليم فى كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك. هل نحن نفعل ذلك أن نقول: "ليكن لى كقولى" تأملوا فى هذه العبارة "لست تفهم الآن ماذا اصنع ولكن ستفهم فيما بعد". قيل في الفضائل : الصلاة أم الفضائل، والتواضع الخيط في المسبحة، والطهارة زينة الفضائل، والمحبة عصير الحياة الذي يجرى في كل الفضائل. يقول الدرجي : المحبة والتواضع زوج طاهر جليل. لأن الأولى ترفع أما الثاني فيحفظ الذين ارتفعوا ولا يدعهم يوما يسقطون. ويقول : الخاصة الأولى لثالوثية التواضع هي اقتبال الإهانة بسرور كعلاج شاف لأسقام النفس ومحرق لخطاياها. والثانية تلاشى كل غضب مع عدم التباهي بالعزوف عن الغضب. والثالثة حذر صادق من الحسنات الذاتية، ورغبة دائمة في التعلم. ويقول : المتواضع لا يتحرى عن الخطايا، أما المتكبر فيفحص عن أحكام الله. ويقول : يتخذ البعض مدعاة للتواضع : ـ السيئات السابقة حتى بعد غفرانها. ـ آلام المسيح فيحسبون ذواتهم مدينون له أبدا. ـ النقائص الحاصلة منهم كل يوم. ـ التجارب والهفوات العارضة لهم. ـ الافتقار إلى المواهب. ـ ازدياد مواهب الله فيهم مع عدم استحقاقهم. ويقول : لقد وجد الكثيرون الخلاص خلوا من نبوءات واستنارات وآيات وعجائب. ولكن لن يدخل أحد خدر العرس بدون الاتضاع. لأن هذا حفظ أولئك وبدونه صارت تلك سببا لهلاك العادمين الفطنة. ويقول مار اسحق السرياني : التواضع وشاح الألوهة، لأن الكلمة المتجسد تسربله وكلمنا عنه من خلال أجسادنا. فكل من يتسربله يتشبه حقا بذلك الذي انحدر من علوه وغطى فضيلة عظمته بالتواضع وستر مجده به كي لا تلتهب الخليقة بمنظره. ومن كلمات القديس أوغسطينوس : السيد المسيح باب وضيع، إن أردت أن تدخل منه فعليك أن تتواضع لتتمكن من الدخول دون أن يصاب رأسك بأذى. التواضع في السيئات لا يغيظ الله كالكبرياء في الصالحات. عليك أن تفكر بما ينقصك أكثر مما تفكر بما لديك. كن دوما غير راض عما أنت فيه، إن شئت أن تصل إلى ما لم تبلغه حتى الآن. الأعرج السائر على الطريق أفضل من العداء خارجا عنها. ويقول أنبا أشعياء : + التواضع نوعين : أمام الناس أن يجعل الإنسان نفسه أصغر وأحقر من الكل. وأمام الله أن يحسب نفسه أنه خاطئ وما صنع ولا صلاحا واحدا قدام الله. + وهذه أعمدة التواضع التي يقوم عليها : 1 ـ لا يقايس الإنسان نفسه مع كل أحد بل يحسب نفسه أصغر وأحقر من كل أحد. 2 ـ لا يقاوم الآخرين ليقيم هواه ويغلب. 3 ـ يطيع كل أحد. 4 ـ نظره متعفف ومطأطئ إلى أسفل. 5 ـ يضع موته قدام عينيه دائما. 6 ـ يحفظ نفسه من الكذب. 7 ـ لا يتكلم بالأباطيل والضحك المنحل الذي يبطل بحفظ العقل والفم. 8 ـ لا يجاوب من هو أكبر منه ( مثل قايين الذي أجاب الله بعظمة ). 9 ـ يحتمل الإهانة والاحتقار. 10 ـ يبغض النياحات والشهوات والمفاوضات والطياشة والحكايات. 11 ـ يعود نفسه بالأعمال الجسدية، ويعود نفسه بعمل العقل. 12 ـ يغصب نفسه ويقطع هواه ويعمل إرادة أخيه. 13 ـ لا يغضب. ويقول مار أوغريس : الاتضاع هو عطية من الثالوث القدوس ـ وهو طريق الملائكة ـ ونار على الشياطين ـ وإمارة للحكمة ـ ويطرد الجهل ـ ونور للنفس ـ ونقاوة للعقل ـ وتذكار للموت ـ ومحب للتعب مع آخرين ـ وميناء للمحبة ـ وكنزا مخفيا وغنى لا يسرق ـ وفعل الخلاص معطى الحياة الأبدية ـ وغلبة للأعداء ـ ورباط للصلح ـ وأساس للطاعة ـ ودوس على العالم ـ وباب للسماء.
المزيد
27 أبريل 2021

الساعة الحادية عشرة ليوم ثلاثاء البصخة

على مثل الوزنات «وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ».ويبدأ المَثَل في مشروع رحلة بعيدة لإنسان سيد، وبناء عليه دعا العبيد لتسليمهم أمواله، هنا ترتفع العلاقة التي تربط السيد بعبيده إلى أقصى مستوى من التبعية والأمانة التي تصل إلى حد تسليمهم أمواله ليقوموا بعمله، باعتبارهم حائزين على كل إمكانياته، وعلى ثقته أيضاً. والإحساس هنا يكاد يُنْبِئ بأنه جعلهم كأبناء كونه يحمِّلهم مسئولية إدارة أمواله في غيابه، وكأنهم يمثِّلونه شخصياً.«فَأَعْطَى وَاحِداً خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ».نحن الذين اختارهم الله في المسيح يسوع لملكوته الأبدي قبل إنشاء العالم لنكون قدِّيسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة. اختارنا وكل واحد منا خلقه بإمكانية وطاقة معيَّنة في المواهب وفي القدرة على استخدام المواهب، وبالتالي بإمكانية للخدمة تتناسب مع الطاقة والمواهب. في حين أعطانا فداءً واحداً وخلاصاً واحداً ودعوة مقدَّسة واحدة متساوية في كل شيء للخلاص.وهكذا بمقتضى حكمة الله الفائقة ومعرفته الكاملة المطلقة التي لا يغيب عنها شيء من أمور الخليقة كلها، ودرايته الكاملة المطلقة بدقائق إمكانياتنا وذكائنا وضعفنا، أعطى كل واحد منَّا وزنات تتكافأ تماماً مع طاقتنا ومقدرتنا ومواهبنا للخدمة، نخدم خلاصنا وخلاص الآخرين لحساب ملكوته الأبدي. فلم يُعطِ لأحد من الوزنات أو من الخدمات ما يفوق طاقته، إلاَّ إذا أقحم إنسان نفسه في خدمة أو عمل يفوق طاقته وإمكانياته، فهذا يُسأل عن عجزه ويُلام في تقصيره ولا يُلام الله بسببه في شيء. ويلاحظ السامع، أن السيد المسافر هذا لم يأخذ صكوكاً ولا كتب شروطاً ولا حذَّر ولا أنذر ولا أوعى وأوصى، بل بكل ثقة أعطى ماله لعبده الأول على أن يتاجر فيه بقدر ما حباه الله من مواهب. والأمانة المطلقة فُرضت هنا باعتبارها العلاقة الأُولى التي تربط السيد بعبيده.وهكذا أعطى العبد الثاني ما يتوافق مع طاقاته وإمكانياته، وكذلك الثالث، ولم يلاحظ قط أن أياً من الثلاثة استكثر الوزنات أو استقلها، مما يوحي أن التوزيع كان عادلاً بمقتضى طاقاتهم حقـًّا. «وسافر للوقت»: وكأن اجتماعه بخدمه كان طارئاً لتسليم هذه الوزنات، على أن عودته ستكون للسؤال عن النتائج بقدر الأهمية التي نعرفها نحن عن موهبة الفداء والخلاص التي منحها للجميع بقدر واحد، وكيف أنه سيأتي ليحاسبنا على الدم الذي سفكه من أجلنا، ونعمة الخلاص الذي أكمله بقيامته من أجلنا.«فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. وَهَكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضاً وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ».لم يدَّخر جهداً، بل في الحال قام العبد الذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها وربح خمس وزنات أُخر، فكان عند حسن ظن سيده وأثبت جدارته، كما أثبت أن سيده كان حكيماً دقيقاً عالماً بإمكانياته وطاقته تماماً. كذلك العبد الثاني تاجر وربح وزنتين وأضاف إلى برهان الأول برهانه الخاص أنه كان جديراً بالوزنتين، وأن سيده كان حكيماً ومدركاً طاقته تماماً.حدَّد كمية الوزنات. أي أن الطاقة هي من عمل النعمة، وعلى أساس عمل النعمة يمنح الله الوزنات. وعلى هذا الأساس اللاهوتي تتم المحاسبة والعقاب. لأن الذي لم يربح يُعاقب لأنه عطَّل عمل النعمة فأوقف عمل الوزنات. أمَّا الربح فقد زكَّى عمل النعمة. وهكذا ترتد النعمة عليه بالطوبى والبركة والمكافأة.«وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ».إخفاء الوزنة أو الفضة في الأرض يقابلها تعطيل أو إبطال عمل الموهبة أو المميزات الروحية التي أعطاها الله للمؤمن. وهذا يتم عند الذين إمَّا فقدوا الإحساس بقيمة الموهبة أو صار لهم استهتار وازدراء بصاحب الموهبة، وبالتالي عدم اهتمام بمجيئه والحساب الذي سيحاسب به كل إنسان عن ما وهبه إيَّاه. وهنا يتركَّز المَثَل في عدم السهر ورفض العمل وفقدان الإحساس أو الأمانة بالمسيح.«وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا». هنا تحديد الزمان الذي غابه السيد بأنه طويل يوضِّح تأخُّر المجيء الثاني، وهذا ردٌّ على الذين كانوا يظنون أنه سيأتي سريعاً. وأمَّا الحساب فهو ضرورة قصوى كمبدأ إيماني ثابت أن الإيمان بالمسيح هو عمل وحساب على العمل، وإلاَّ انقلب الإيمان المسيحي إلى فوضى. ومرَّة أخرى نفهم الإيمان المسيحي أنه قائم على عطايا ومواهب وامتيازات تحمل قيمة فائقة داخلها لا يكشفها ويستمتع بها إلاَّ الذي يعمل ويجتهد ويتاجر بها. وفي نفس الوقت فإن هذه المواهب والامتيازات الإيمانية سيُطلَب ربحها في حياة كل مؤمن في حساب الدينونة العتيدة. ومثل هذه الوزنات هنا سواء في الخمس أو الاثنتين أو الواحدة هي مجرَّد عيار للمواهب توزن في مقابلها الأعمال. ويتحتَّم أن تكون هذه المواهب قد قدَّمت ما يساويها من أعمال وإلاَّ يُحسب الإنسان أنه اختلس أموال السيد.«فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ».أمَّا كونه حسناً أو جيداً فلأنه أثبت أن ما قدَّمه من “عمل” يساوي “طاقته” تماماً، فهنا يكون وزن الشخصية روحياً قد نجح. وأمَّا أنه صالح فلأنه أثبت أمانته للسيد نفسه تماماً، فحَسَب ما استأمنه عليه من عمل شخصياً وُجِدَ أميناً فيه لشخص السيد، فهو صالح. وأمَّا أنه أمين فلأنه قدَّم خمس وزنات مقابل خمس وزنات استلمها، فهو أمين في مال سيِّده. «كنت أميناً في القليل»: القليل هنا هو كل العطايا والمواهب التي تُعطى للإنسان المؤمن ليتاجر بها. ويفرح ويفرِّح الآخرين، مهما كانت قوتها وقدرتها وعظمتها. لأنها هي بوضعها الحالي صورة لعطايا الله في السماء التي لا يمكن أن توصف أو يدركها عقل. وواضح من هذا الكلام أن المسيح إنما يهب لنا هذه المواهب والعطايا لنتاجر بها لحساب الملكوت، فهي الطريقة الوحيدة التي يدرِّبنا بها لكي نرتقي إلى ما هو أعلى وأعظم وأمجد - وما الدينونة الأخيرة أو الوقوف أمام المسيح إلاَّ لكي نسمع منه هذا الصوت الذي سوف يملأ أسماع السمائيين: نِعمَّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك.«ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا.قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ».وبهذا الإجراء يظهر تماماً منهج الرب يسوع المسيح في توزيع المواهب، والحكم النهائي على أداء الأعمال والمهام التي سلَّمها لمختاريه. إذ وضح أن التوزيع للمواهب والعطايا الروحية يتبع نظاماً دقيقاً للغاية مربوطاً بالطاقة التي يحوزها الإنسان، والقدرات الشخصية في مجملها الروحية والنفسية والجسدية. فكل مَنْ هو قادر على احتمال المسئوليات يُعطى من المواهب والنعمة ما يساوي قدرته تماماً. وهكذا تأتي محاكمته أيضاً عادلة للغاية ودقيقة للغاية، حيث تكون محاسبته على الأمانة والجهد والاهتمام الذي أدَّاه في مسئوليته، ولا يدخل فيه الكثرة أو القلة في المواهب. فصاحب الخمس وزنات نال من المديح والمكافأة ما ناله صاحب الوزنتين تماماً وبالحرف الواحد.«ثُمَّ جَاءَ أَيْضاً الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ».العبد هنا بدأ يدين السيد على سلوكه وأخلاقه ويلصق به بناءً على ذلك تهمةً أنه السبب في كونه مضى وأخفى الوزنة في الأرض، فلا هو انتفع بها ولا نفَّع أحداً.واضح لنا جداً أن غياب المحبة في قلب هذا العبد هي التي فصلت قلبه وذهنه عن سيِّده، كذلك عدم الأمانة وعدم الثقة جعلت الخوف يطغي على الطاعة ويضحِّي برضا السيد. ووصفه للسيد بالقسوة هو مجرَّد تبرير لسلوكه غير الأمين وشعوره غير المحب ولا الخاضع لأوامر السيد. فهو اتهام جزافي ليس عنده ما يبرِّره إلاَّ عجزه عن أن يكون خاضعاً وأميناً ونشيطاً.ونحن يستحيل أن نبرِّر هذا العبد في قوله عن السيد أنه قاسٍ مهما كانت الأسباب التي يتذرَّع بها، لأن سيده علم أولاً أن لديه الطاقة والإمكانية والقدرة على تحمُّل مسئولية إدارة وزنة واحدة، ثم هو أُعطي بالفعل وزنة تساوي طاقته وإمكانياته تماماً. فهو محاصر بين دراية السيد بإمكانياته وطاقته وبين عطية الوزنة التي تساوي طاقته وإمكانياته. هذا فيما يخصّه تماماً، فكونه يخرج بعذر جديد ليس له علاقة بالمسئولية التي ألقاها السيد عليه، وهي مسئولية فيها تكريم ووعد جيد بالمجازاة. هذا شيء يذهلنا إذ بدل أن يدين نفسه ويطلب الرحمة والمعذرة، انطلق يبرِّر نفسه وسلوكه بأن يأتي باللوم على السيد أنه رجل قاسٍ. هذا أضاف إلى قضيته التي تنحصر في التهاون والكسل وعدم الأمانة والاستهانة بأوامر السيد عنصراً خطيراً في الحكم، إذ تعدَّى على شرف السيد كقاضٍ، وذمَّه علناً بأنه قاسٍ، وكأنها محاولة منه لرد القاضي عن أن يكون صالحاً للحكم والقضاء، وهذا يُحسب للعبد شناعة.ومهلاً عزيزي السامع، فلا تتحامل كثيراً على هذا العبد الشرير الكسلان فهو أنا وأنت!! لأن قضية العبد الذي خبَّأ وزنته في التراب، وعاد فاستذنب الله ليتبرَّر هو، هي قضية كل خاطئ يرفض الاعتراف بخطيته أو التوبة عمَّا يصنع، لأنه يقتنع أن الحياة بلا خطية مطلب إلهي غير عادل، فإن كان الله لم يزرع في الجسم الطهارة والتقوى فكيف يطالب أن يحصد ما لم يزرعه؟ وإنها قسوة من الله أن يطالبنا أن نرتفع فوق طبيعتنا التي صنعها لنا. بهذا نكون قد وضعنا أنفسنا موضع العبد الشرير الكسلان الذي لم يتاجر بموهبة النعمة من أجل الطهارة بل طمرها في الجسد (التراب) وعاد يبرِّر نفسه أمام الديَّان.«فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ. فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِباً».أمَّا كونه شريراً فلأنه عصى أمر سيده عصياناً مبيَّتاً، وهي نفس خطية آدم التي جلبت الخراب على بني جنسنا. فأمر الله يُطاع حتى الموت ولا عذر إطلاقاً لعصيان أمر الله. لأن ذلك معناه القطع من الحياة والحكم بالموت. أمَّا كونه كسلاناً ومتوانياً، فواضح لأنه لم يحاول ولو محاولة أن يعمل بالموهبة التي استأمنه عليها سيده، وقد أعطاها له بحكمة ودقة وعدل بما يساوي طاقته وإمكانياته. فسيِّده يعلم أن لا عذر له على الإطلاق. «فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ».الذي لا يعمل لا يأكل، أما الذي تاجر وربح وأثبت جدارة فهذا عنده الإمكانية للمزيد، فهو الذي يأخذ الموهبة التي بقيت عاطلة وليس مَنْ يعمل بها. أمَّا الذي ثبت أن ليس عنده الرغبة والإرادة على العمل فالذي أخذه يؤخذ منه. هذا هو “عدل العمل” أو قانون المواهب: “الشجرة التي لا تصنع ثمراً جيِّداً تُقطع وتُلقى في النار. ”واضح لدينا الآن أن عين المسيح مسلَّطة على العمل والجهاد والنشاط والربح فيما يخص المواهب التي سكبها على التلاميذ والكنيسة. فغياب المسيح هو فترة العمل والجهاد العظمى لتكميل الخدمة والبلوغ بالفداء والخلاص إلى أقصى طاقة البشرية في الخدَّام الذين سيسكب المسيح عليهم مواهبه باستمرار، وبقدر طاقتهم وإمكانياتهم في الخدمة. والذي يُبدي نشاطاً أكثر سينال مواهب أكثر، والذي يتراخى ويهمل تُسحب منه المواهب. والمسيح يركِّز على أن فترة انتظار مجيء الرب هي فترة العمل بالمواهب. فالسهر ينبغي أن يكون سهراً عمَّالاً ومنتجاً. على أنه قد تبيَّن لنا أن المكافأة على أمانة الخدمة والعمل بالمواهب ستكون مزيداً من العمل والمواهب فوق، مع فرح لا يُنطق به. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
05 فبراير 2021

اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ

هذا ما كتبه الروح من كلام الحكمة الإلهية في سفر الأمثال، أي منذ ما يقرب من 3000 سنة. ومازالت كلمة الرب تنير الطريق للسالكين فيه. فإن عرفتَ أنّ طريق شرب الخمر هو طريق الهُزء فمن يا ترى يريد لنفسه أن يكون هكذا... «مَنْ يَتَرَنَّحُ بِها فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ» (أم20: 1). فهل ترضى بذلك؟ قال أيضاً الحكيم: «لِمَنِ الْوَيْلُ؟ لِمَنِ الشَّقَاوَةُ؟ لِمَنِ الْمُخَاصَمَاتُ؟ لِمَنِ الْكَرْبُ؟ لِمَنِ الْجُرُوحُ بِلاَ سَبَبٍ؟ لِمَنِ ازْمِهْرَارُ الْعَيْنَيْنِ؟ لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ، الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي طَلَبِ الشَّرَابِ الْمَمْزُوجِ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ. عَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ الأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَلْبُكَ يَنْطِقُ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ. وَتَكُونُ كَمُضْطَجعٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، أَوْ كَمُضْطَجعٍ عَلَى رَأْسِ سَارِيَةٍ. يَقُولُ: ضَرَبُونِي وَلَمْ أَتَوَجَّعْ! لَقَدْ لَكَأُونِي وَلَمْ أَعْرِفْ! مَتَى أَسْتَيْقِظُ؟ أَعُودُ أَطْلُبُهَا بَعْدُ!» (أم23: 29 – 35). تأمل كيف تصف كلمة الله بالتدقيق ماذا تفعل الخمر بالإنسان؟! حينما يسلم نفسه لها ماذا عساه أن يجني؟ أو أي مكسب يناله من وراء ذلك؟ وقد وصف الروح النصيب السيّئ والعاقبة المُرَّة بكلمات الحكمة الإلهية.. تأمّلها بتفصيل: لمن الشقاوة، لمن الويل، لمن المخاصمات، لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب، لمن ازمهرار العينين.لماذا يشرب الإنسان الخمر؟ لكي يفرح، لكي ينسى تعبه فيستريح، لكي يَخرُج مِمّا هو فيه، لكي ينتشي ويضحك.. لأسباب وأسباب بلا حصر.. ولكن كلمات الحكمة الإلهية تُثبِت العكس تمامًا: فبدل السلام الذي يتمنّاه كلّ أحد، فإنّ الذين يشربون الخمر هم كثيرو النزاع والغضب والعنف. فالجرائم التي يرتكبها مدمنو الخمر لا عدد لها ولا حصر. فهل تأتيهم الخمر بالسلام الداخلي؟ حاشا.. لا سرور ولا سلام حقيقي إلا في الحياة في المسيح. القديس بولس الرسول يوصي المؤمنين «لاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ (لا تشربوا الخمر) الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أف5: 18). الامتلاء بالروح فيه الفرح الحقيقي الذي لا يُنطق به. فرح الخمر إلى حين ثم يعود الإنسان إلى كآبة أكثر. أما فرح الروح فهو حقيقي دائم يزداد من يوم إلى يوم.وراء شرب الخمر والإدمان.. هناك خديعة العدو فهو كذّاب وأبو الكذّاب، هو يُغلِّف بضاعته بغلاف الإغراء والغش.. ويخفي الحقّ. شهوة العيون حين تنظر إلى الخمر كشفها الروح وحذر قائلاً: لا تنظر إلى الخارج، إلى الشكل المُغري. ووصفها بالتفصيل لكي لا تُخدَع بها.تأمّل السُّمّ القاتل المُخفَى فيها، والنتاج النجس الذي يتسبّب عنها.. إنّها تطير بصواب الإنسان، وتذهب بعقله واتزانه وكرامته.. ألم يتعرّى لوط/نوح البار إذ شرب الخمر؟ بل حينما يطير عقل الإنسان بالخمر يفكِّر بما لا يليق، فينحدر بالشهوات إلى طلب النجاسة والزنى. ارتباط وثيق بين الاثنين. فلماذا يفقد الإنسان أعزّ ما له؟ لما سكر أحشويرش الملك صنع فعلاً قبيحًا، وطلب زوجته لكي يرى العظماء جمالها!! (أستير1: 10 – 12). ولكنها كانت أكثر منه حكمةً وتَعفُّفًا، واستهانت بغضب الملك، وضحّت بمركزها كملكة، ولم تسلِّم نفسها لمثل هذا الفعل القبيح.الخمر مستهزئة.. يجب أن نؤمن بكلام الحكمة الإلهية ولا نسلِّم أنفسنا لخديعة العدو.بعض الناس يسيئون فهم ما قاله القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس، عندما نصحه قائلاً: «لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ» (1تي5: 23). وقد جعلوا هذا الأمر كتصريح لشرب الخمر، أو لتخدير الضمير، أو نوع من التحايُل على كلمة الله. وهذا لا يليق بأولاد الله.فالقديس تيموثاوس رغم كثرة أمراضه، ورغم حياته فى أجواء باردة، كان يرفض أن يشرب الخمر حتى ولو على سبيل العلاج كدواء. وهذا استدعى القديس بولس أن يرسل إليه فى الرسالة كأمر من أب لابنه، لكي إذ يتعافى من أمراضه، يواصل خدمته بلا مانع. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
25 أكتوبر 2021

المعمودية والاستنارة

«ولكن تذَكَّروا الأيّامَ السّالِفَةَ الّتي فيها بَعدَما أُنِرتُمْ صَبَرتُمْ علَى مُجاهَدَةِ آلامٍ كثيرَةٍ» (عب10: 32):المعمودية والاستنارةربط الآباء بين المعمودية والاستنارة، اعتمادًا على ما ورد في الكتاب المقدس عنها، وأسموها "سر الاستنارة"، فهي تنقلنا من مملكة الشيطان (مملكة الظلمة) إلى مملكة المسيح (مملكة النور). وكما أن المعمودية هي موت وقيامة مع المسيح، فهي بالتالي انتقال من ظلمة القبر إلى نور القيامة، لذلك يقول القديس أغسطينوس: "فإذا كانت المعمودية هي التمتُّع بقيامة الرب فينا، لذا فقد دُعِي هذا السر: ’استنارة‘." ويقول القديس كيرلس الأورشليمي في مقدمة عظته الأولى للمُعمَّدين: "عظة للذين سيستنيرون في أورشليم"؛ يقصد الذين سيتعمّدون.وقد اُستُخدِم اصطلاح "استنارة" للمعمودية بدايةً من القرن الثاني الميلادي، من قِبَل القديسين: يوستينوس وكليمندس السكندري وأغسطينوس ويوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس النزينزي، وغيرهم، بل وترد الآية «لأنَّ الّذينَ استُنيروا مَرَّةً...» (عبرانيين 6: 4) في النسخة السريانية: "الذين نزلوا مرّة إلى المعمودية..." كما دُعِي عيد عماد السيد المسيح بـ"عيد الأنوار"، ونقرأ أن المعمدين قديمًا اعتادوا أن يحملوا الشموع أو السُرُج أو المشاعل بعد خروجهم من جرن المعمودية مباشرة، وكان المُعمَّدون – وما يزالون – يرتدون الملابس البيضاء، وتُحمَل لهم الشموع بعد معموديتهم. وفي القرن الأول الميلادي كان الخورس يرتِّل ترتيلة للمُعمَّدين حال خروجهم من جرن المعمودية، أشار إليها القديس بولس: «لذلكَ يقولُ: استَيقِظْ أيُّها النّائمُ وقُمْ مِنَ الأمواتِ فيُضيءَ لكَ المَسيحُ» (أفسس 5: 14)، وقال بعض المفسِّرين إنه اقتباس من إشعياء النبي القائل: «قومي استَنيري لأنَّهُ قد جاءَ نورُكِ...» (إشعياء 60: 1). ويذكر العلّامة جيروم أن واعظًا في أيامه تخيّل أن هذا النداء قد وُجِّه إلى آدم وهو في الجلجثة ليقوم من رقدته، فالمسيح سينير له.ولعل ارتباط الثياب البيض بالزنّار الأحمر، هو التأكيد على ارتباط دم الصليب بنور القيامة، وكما يخرج الإنسان من ظلمة الرَحِم إلى نور الحياة، هكذا يخرج الإنسان من قبر المعمودية إلى نور الحياة مع المسيح، وإن كُنّا نتألم معه فلكي نتمجّد معه أيضًا؛ يقول القديس غريغوريوس النزينزي: "المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!"ولعلنا نلاحظ أن الكنيسة المُلهَمة بالروح القدس في ترتيب آحاد الصوم الكبير، تفرأ في قداس أحد التناصير إنجيل المولود أعمى (يوحنا 9)، قد أرادت أن تربط بين الاستنارة التي ننالها في المعمودية والمجد الذي سيأخذنا اليه المسيح بدءًا من دخوله الانتصاري (أحد الشعانين) إلى صلبه (والذي أسماه "مجدًا" أيضًا إذ يقول: «... لأنَّ يَسوعَ لَمْ يَكُنْ قد مُجِّدَ بَعدُ» أي صُلِب). في هذا الاصحاح (يوحنا 9) نلاحظ أن المولود أعمى حالما اغتسل في سلوام (إشارة إلى المعمودية) «أتَى بَصيرًا» ومن ثَمّ استنار عقله، وراح يوبِّخ اليهود المحتجّين واعظًا إياهم: «... ونَعلَمُ أنَّ اللهَ لا يَسمَعُ للخُطاةِ. ولكن إنْ كانَ أحَدٌ يتَّقي اللهَ ويَفعَلُ مَشيئَتَهُ، فلهذا يَسمَعُ. منذُ الدَّهرِ لَمْ يُسمَعْ أنَّ أحَدًا فتحَ عَينَيْ مَوْلودٍ أعمَى. لو لَمْ يَكُنْ هذا مِنَ اللهِ لَمْ يَقدِرْ أنْ يَفعَلَ شَيئًا». (يوحنا 9: 31-33).إن المعمودية هي سر استنارة الكنيسة، والاستنارة هي العطية التي تُمنَح لنا من خلالها، ونحصل على الاستنارة من الروح القدس المرتبط بالمعمودية (سر التثبيت)، وبالتالي فالمُعمَّد الذي استنار بالروح القدس يصبح من ثَمّ قادرًا على التمييز بين الخير والشر، أو الجيد والرديء، وكذلك الأمور المتخالفة، وفي هذا الصدد يقول القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس إنه "مصدر القداسة والنور العقلي والذي يهب كل الخليقة الاستنارة لفهم كل شيء". وفي صلاة باكر يوميًا تذكِّرنا الكنيسة مع إشراقة النور (موعد هذه الصلاة) بالاستنارة التي حصلنا عليها من المعمودية، إذ نقرأ ما كتبه القديس بولس: «رَبٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، مَعموديَّةٌ واحِدَةٌ» (أفسس 4: 5)، لكي نسلك في النور خلال اليوم.وبالمعمودية، وبصيرورتنا أبناء للمسيح إذ تمنحنا المعمودية التبنّي، نسير في النور، لأن المسيح هو النور ومن يتبعه لا يسلك في الظلام: "الله هو نور، وساكن في النور، وتسبّحه ملائكة النور" (ثيئوتوكية الاثنين)، وعندما قال القديس بولس: «لأنَّ كُلَّكُمُ الّذينَ اعتَمَدتُمْ بالمَسيحِ قد لَبِستُمُ المَسيحَ» (غلاطية 3: 27)، فإنهم بذلك يلبسون النور كحُلَّة لأن الله هو النور. ويقول القديس بولس: «لأنَّ اللهَ الّذي قالَ: أنْ يُشرِقَ نورٌ مِنْ ظُلمَةٍ، هو الّذي أشرَقَ في قُلوبنا، لإنارَةِ مَعرِفَةِ مَجدِ اللهِ في وجهِ يَسوعَ المَسيحِ» (2 كو 4: 6).كذلك صرّح السيد المسيح: «إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ... إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (يوحنا 3: 3 و5)، ويرى بعض الشُرّاح أن الأطفال الذين لم يتعمّدوا سيوجدون في الملكوت ولكنهم لن يقدروا أن يعاينوا مجد الله. وهكذا فالأعين العمياء أبصرت بالمعمودية، لأنه في المعمودية ينال الإنسان الطبيعة الجديدة، فكل إنسان يولد أعمى ولا يقدر أن يرى ملكوت الله، أما بعد عماده تنفتح عيناه فالمعمودية هي الاستنارة لمعاينة ملكوت الله، ولعلنا نتذكر هنا كيف أن القديس بولس عندما تأهّب ليعتمّد «فللوقتِ وقَعَ مِنْ عَينَيهِ شَيءٌ كأنَّهُ قُشورٌ، فأبصَرَ في الحالِ، وقامَ واعتَمَدَ» (أعمال 9 : 18).يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن المُعمَّدين الجُدد إنهم "يضيئون أكثر من النجوم وأكثر ضياءً، حيث ينيرون في النهار والليل، ويضيئون وجوه من يتطلّعون إليهم"، وقد استخدم الرب يسوع الشمس ليشير إلى ضياء الأبرار (متى 13: 43).ويرى الآباء أن المعمودية في هذه الآية - والتي هي الاستنارة - هي المدخل لكل النعم «لأنَّ الّذينَ استُنيروا مَرَّةً، وذاقوا المَوْهِبَةَ السماويَّةَ، وصاروا شُرَكاءَ الرّوحِ القُدُسِ، وذاقوا كلِمَةَ اللهِ الصّالِحَةَ وقوّاتِ الدَّهرِ الآتي، وسقَطوا، لا يُمكِنُ تجديدُهُمْ أيضًا للتَّوْبَةِ، إذ هُم يَصلِبونَ لأنفُسِهِمْ ابنَ اللهِ ثانيَةً ويُشَهِّرونَهُ» (عبرانيين 6: 4-6)، ومرة أخرى يقول: «ولكن تذَكَّروا الأيّامَ السّالِفَةَ الّتي فيها بَعدَما أُنِرتُمْ صَبَرتُمْ علَى مُجاهَدَةِ آلامٍ كثيرَةٍ» (عبرانيين 10: 32) ويقصد بالطبع المعمودية، والتي جعلتهم في معيّة المسيح، وكل من يتبع المسيح لابد وأن يحمل الصليب، ويصبر على التجارب.إنه سر الاستنارة وإدراك أمور الله، كما أشار القديس بولس قائلاً: «مُستَنيرَةً عُيونُ أذهانِكُمْ، لتَعلَموا ما هو رَجاءُ دَعوَتِهِ، وما هو غِنَى مَجدِ ميراثِهِ في القِدّيسينَ، وما هي عَظَمَةُ قُدرَتِهِ الفائقَةُ نَحوَنا نَحنُ المؤمِنينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قوَّتِهِ» (أفسس 1: 18، 19).ويقول القديس غريغوريوس النزينزي في عظته الأربعين عن المعمودية:"الآن لنتكلم عن الميلاد الثاني، الذي هو لازم وضروري لنا، والذي يعطى اسمه (الاستنارة) لعيد الأنوار الذي هو عيد الغطاس، فالاستنارة هي مجد النفس وتحوُّل الحياة، وهي معين ضعفنا، وإنكار اللحم (الجسد) واتباع الروح، وشركة الكلمة وتجدُّد الخليقة، وسحق الخطية وشركة النور، وانحلال الظلمة هو الانطلاق نحو الله، وهي الموت مع المسيح، وكمال العقل وقوة الإيمان ومفتاح الملكوت، وتغيير الحياة وإلغاء العبودية، وفكاك السلاسل وإعادة صياغة الانسان... الاستنارة هي أعظم وأمجد عطية لله، وكما نقول قدس الأقداس ونشيد الأناشيد لنعبِّر عن أعظم قدس وأعظم نشيد، هكذا الاستنارة باعتبارها أكثر قداسة من أيّة إنارة". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
16 يناير 2021

عيد الغطاس رؤية وشهادة

يوحنا المعمدان لم يكن يعرف المسيح، مع أنه سمع عنه كثيراً، وقد راجع بتؤدة في عزلته الطويلة في البرية كل ما قاله الأنبياء عن المسيَّا، ولكن لم تسعفه تقشفاته الشديدة أو المعرفة الشخصية والقراءة للتعرُّف على ابن الله من بين الناس، ولكنها مهدت لذلك تمهيداً مكيناً! لقد حاول كثيراً وبطرق وجهود ذاتية عديدة أن يختزل الزمن ليتعرَّف على المسيَّا، الذي من أجله وُلِدَ وأخذ رسالة ليعلنه ويعد الطريق أمامه، ولكن كان الصوت يدعوه للتريث حتى يبلغ الزمن ساعة الصفر ليبدأ ملكوت الله. وبينما يوحنا يصلِّي وهو في حيرته كيف يتعرَّف على المسيَّا الذي سيكرز به ويُظهِره لإسرائيل؟ سمع صوت الله يرن في أُذنيه: اذهب إلى بيت عبرة عبر الأردن وهناك اِكرز وعمِّد بالماء للتوبة، لأنه من خلال المعمودية سيظهر المسيح لإسرائيل. فكل مَنْ يأتي إليك عمِّده، ولكن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه في وقت العماد، فهذا هو الذي سيعمِّد بالروح القدس!! + «وأنا لم أكن أعرفه ولكن ليُظهَر لإسرائيل، لذلك جئت أُعمِّد بالماء ... وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس.» (يو 1: 31 - 33) ترك يوحنا عزلته الطويلة في البراري وترك معها كل الوسائل الشخصية التي جاهد أن يكتشف بها المسيَّا، وانطلق يكرز ويعمِّد، بكل غيرة وحماس، مئات وأُلوف؛ وفي قلبه لهفة أشد ما تكون اللهفة أن يرى العلامة، فكان يترقَّب رؤية الروح القدس في كل لحظة، وهو نازل من السماء ليعلن المسيَّا. وكان قلبه يخفق بشدَّة، لعل يكون أيُّ آتٍ إليه هو المسيَّا! سر ظهور المسيح واستعلانه ليوحنا المعمدان: هذه الصورة المبدعة التي يرسمها إنجيل القديس يوحنا لبدء خدمة المعمدان وظهور المسيَّا تحمل في الواقع أسراراً عميقة، فالإنجيل ينبِّه ذهننا بشدَّة: أولاً: أن ظهور المسيح في ذاته واستعلانه عموماً يستحيل أن يتم بالاجتهاد أو الترقُّب، إنما يتم فقط بتدبير الله من خلال معمودية الماء للتوبة «ولكن ليُظهَر لإسرائيل، لذلك جئت أُعمِّد بالماء»، حيث التركيز في معمودية الماء يقع على التوبة «واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم.» (مت 3: 6) ثانياً: أن معرفة المسيح شخصيًّا يستحيل أن تتم إلا بواسطة الروح القدس! الروح لم يره أحد وهو نازل من السماء غير يوحنا المعمدان، الرؤية هنا خاصة، انفتاح ذهني لإدراك ما لا يُدرَك واستعلان شخص المخلِّص والفادي «وأنا لم أكن أعرفه ... ولكن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو ...». لأنه إن كنا حقًّا نعيش الغطاس ونعيِّد للغطاس، أي نعيِّد للظهور الإلهي، أي ظهور الابن بالآب والروح القدس معاً، ونعيِّد ليوحنا الرائي والشاهد والمعمِّد، فيتحتَّم أن يكون عندنا يقين هذا الاستعلان، أي المعرفة بابن الله، المعرفة القائمة على يقين الرؤيا والشهادة، أي بالروح القدس والآب! أو كما يقول إشعياء النبي: «عيناً لعين»!! واصفاً ذلك اليوم يوم استعلان المسيح للإنسان إن على الأردن (الغطاس) أو في جرن المعمودية (الإيمان بالمسيح)، هكذا: «صوت مراقبيك، يرفعون صوتهم يترنَّمون معاً لأنهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب إلى صهيون.» (إش 52: 8) «أنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله»: هذه أقوى شهادة سمعتها البشرية من نحو المسيح، لاحظ أن المسيح لم يكن قد بدأ خدمته الجهارية وإجراء آياته ومعجزاته، بل لم يبدأ بعد في الإعلان عن نفسه وعن علاقته بالآب، بل لاحظ أن يوحنا لم يكن يعرف شيئاً عن الصليب والقيامة! فإن كانت شهادة يوحنا بلغت هذا اليقين، وهو لم يتعرَّف بعد على سر الخلاص بذبيحة الصليب وسر التبرير بالقيامة، فكم ينبغي أن يكون يقين شهادتنا نحن وقد أدركنا هذا كله؟ ولكن ما هو إذن سر عجز شهادتنا وضمور معرفتنا للمسيح؟ أليس واضحاً كل الوضوح من حوادث عيد الغطاس، أن ذلك بسبب عدم انتباهنا لدور الروح القدس في فتح الذهن لكشف أسرار الله أمام المعرفة لإدراك حقيقة المسيح لبلوغ يقين الشهادة؟ ولكن لا يزال إنجيل عيد الغطاس يحتجز سرًّا هاماً وخطيراً في هذا الأمر. فالله اشترط على يوحنا المعمدان أن المسيح سيظل مجهولاً عنده، إلى أن يرى الروح نازلاً ومستقرًّا عليه!! هنا دور الروح القدس ليس مجرَّد علامة تشير إلى المسيح؛ بل هو وسيط معرفة، وسيط انفتاح ذهن. الروح القدس أعطى ذهن يوحنا المعمدان قدرة رؤيوية عالية جدًّا، أعلى من درجة النبوَّة التي عاش بها في البراري. لقد سمع المعمدان مراراً كثيرة صوت الله في قلبه من جهة حياته ورسالته التي جاء ليتممها أمام وجه الرب «الذي أرسلني لأعمِّد بالماء، ذاك قال لي». ولكن لم تنفتح عينا ذهنه لمعرفة مَنْ هو المسيح - مع أنه قريبه بالجسد - إلا بنزول الروح القدس! يقين الرؤيا: إن رؤية الأشياء والأشخاص والتعرُّف عليهم عن قرب، يؤدِّي إلى يقينية عقلية، فالعين والأذن مع بقية الحواس توصِّلان إلى المخ صورة متكاملة عن الشيء أو عن الشخص يفهمها العقل، ويختزنها، ويحولها إلى معرفة وإدراك بيقين عقلي هو أشد ما يملكه الإنسان من مفهوم اليقينية! ولكن هناك يقينية أخرى موهوبة للإنسان أعمق جدًّا، وهي أعظم تأثيراً وأكثر شمولاً لمواهب الإنسان وكيانه، ينفتح عليها الإنسان كموهبة إلهامية باطنية في القلب، يدرك بها كل شيء وكل الناس وكل الخليقة، فوق إدراكات العقل والحواس وأعمق بما لا يُقاس، يدرك ما فيها وما لها من حقيقة ومدى ارتباطها السرِّي بالله وبنفسه وكل الكون المنظور وغير المنظور. هذه الموهبة الفائقة على العقل والحواس هي عطية من الله مغروسة في صميم طبيعة الإنسان، وقد يحوزها الحكماء والفلاسفة حتى غير المتدينين وغير المؤمنين بالمسيح. هذه الموهبة أُعطي أن يوجهها الروح القدس ويستخدمها في كشف أسرار الله نفسه والتعرف عليه!! «الروح يفحص كل شيء (في قلب الإنسان ووعيه الروحي) حتى أعماق الله!!» (1كو 2: 10) فإذا حل الروح القدس في إنسان أو انسكب في ذهنه وأناره، كما استنير ذهن يوحنا المعمدان، يعمل في الحال بهذه الموهبة الفائقة التي في طبيعة الإنسان، فينفتح الذهن على أسرار الله، وبالتالي على المسيح بصفته الوسيط الوحيد بين الله والناس، والحامل همَّ البشرية والضامن خلاصها وتجديدها ورفعها إلى حضن الآب. وما قاله يوحنا المعمدان بعد هذه الرؤيا مباشرة عن المسيح مشيراً إليه: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29)، وكأنه يرى مستقبل الخلاص كله والصليب والذبح والموت والقيامة في ومضة خاطفة؛ هذا يوضِّح مدى انفتاح الذهن ساعة حلول الروح القدس، ومدى قدرة الروح القدس في الانطلاق ببصيرة الإنسان لرؤية فائقة شاملة لكل سر الله لمستقبل خلاصنا!! هذه هي يقينية الرؤيا في حضرة الروح القدس وبتوسُّطه، التي لا يقف عند حد حتى أعماق الله، لا يحجزها حاجز لا من الزمان ولا من عجز الإنسان! وبهذا تكون خبرة البشرية بيقينية الرؤيا الممتدة في الله. وكل مستقبل الخلاص، والتي نالتها في يوم عماد المسيح حيث انفتحت البصيرة الإنسانية - ممثَّلة في يوحنا المعمدان - ساعة حلول الروح القدس على المسيح وقت العماد لتكشف أعماق سر الخلاص المكتوم: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29)، وتتقابل وجهاً لوجه، بل «عيناً لعين» - كما يقول إشعياء - مع الله الآتي إلينا في المسيح وتشهد له في جرأة: «هذا هو ابن الله»؛ هذه الخبرة التي نالتها البشرية وهي على عتبة العهد الجديد تُعتبر من أثمن ذخائر الكنيسة التي نالتها بحلول الروح القدس على المسيح، فأعطت سر العماد أهميته الفائقة كباب حي فعَّال دخلت منه البشرية في سر الله، حيث رأت خلاصها رؤيا اليقين والشهادة حتى وقبل أن يبدأ أو يتم! ومن هنا صار عيد الغطاس يحمل لنا أول حركة حيَّة من الروح القدس في صميم جسم الكنيسة، أول رعشة أصابت العظام الميتة أصابت يوحنا المعمدان، فانتقلت كخبرة للكنيسة كلها ولا تزال، حيث انتقلت في الحال من يقينية الرؤيا إلى يقينية الحركة، لأن كل رؤية يقينية بالروح القدس هي معرفة الحق، وأما كل شهادة يقينية فهي حركة بالحق! والاثنان فعلان صميميان من أفعال الروح القدس! «الروح القدس يرشدكم إلى جميع الحق»، «الروح القدس يشهد لي.» (يو 15: 26) أي أن استعلان المسيح العام يتم بالمعمودية، بالاعتراف بالخطايا والتوبة «ولكن ليُظهَر لإسرائيل لذلك جئت أُعمِّد بالماء». أما استعلان المسيح الخاص، أي معرفته معرفة شخصية، فهذا يتم بالروح القدس. يوحنا لم يعتمد بالروح القدس، ولكنه أخذ من رؤية الروح القدس وهو نازل مستقراً على المسيح، نال تعميداً ذهنيًّا تعرَّف به في الحال على الرب. ومع الرؤية الذهنية كانت الرؤية السمعية، لقد انفتحت أذن يوحنا لسماع صوت الله نفسه يشهد لابنه مُعلناً ليوحنا أعظم سر أدركته البشرية، سر علاقة الآب بالابن وعلاقة الحب بينهما، العلاقة التي كانت مخفية عن إدراك كل بني الإنسان واستُعلِنت أول ما استُعلِنت ليوحنا، لبدء الكرازة. + «وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السموات قد انشقَّت والروح مثل حمامة نازلاً عليه، وكان صوت من السموات أنتَ ابني الحبيب الذي به سررت.» (مر 1: 10 و11) هنا يكشف الإنجيل عن كيف تعرَّف المعمدان ليس فقط على المسيَّا، بل على مَنْ هو المسيَّا: أنت ابني الحبيب!! لذلك يعلن يوحنا المعمدان: «وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله.» (يو 1: 34) إعلان يوحنا هذا الذي سلّمه للبشرية بالإنجيل نقله إلينا كشهادة عيان وسلَّمه لنا كمن رأى وسمع، رأى الروح رؤيا العين، وسمع صوت الله سماع الأذن بيقين روحي أعمق ألف مرة من اليقين الحسي، لهذا شهد، وشهد بيقين الرؤيا: «وأنا قد رأيت وشهدت». هذا هو عيد أول رؤيا للروح القدس! وهو عيد أول شهادة إنسان للمسيح تمت بالروح القدس، أنه ابن الله. والروح القدس بنزوله من السماء مهَّد في الحال في قلب يوحنا لسماع صوت الآب بوضوح. شهادة المعمدان للمسيح تمَّت بالروح القدس والآب. عيد الغطاس هو في حقيقته عيد الشهادة للمسيح، بالنسبة للكنيسة وبالنسبة لكل نفس تسعى لإدراك المسيح «أنا لم أكن أعرفه». «أنا لم أكن أعرفه»: هذا هو حال يوحنا المعمدان الذي دُعي نبيًّا للعلي من بطن أمه، وتعيَّن أن يتقدَّم أمام وجه الرب ليُعدَّ طرقه بل ويعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة الخطايا. بينما ظل هو في أشد الشوق لمعرفته، وهذا في الحقيقة هو حالنا نحن، دعينا للخلاص والكرازة بالخلاص بل والشهادة للمسيح ابن الله، ولا نزال في أشد الحاجة إلى معرفته. وإن كنا نشهد فشهادتنا بالكلمة ينقصها يقين المعرفة: «وأنا رأيت وشهدت»!! وكأنما نعيش قبل عيد الغطاس! يقين الشهادة: كانت شهوة المعمدان أن يتعرَّف على المسيح، ولكن بمجرَّد حصوله على ”معرفة المسيح“ انطلق يشهد له في الحال أمام الكهنة واللاويين «وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله»، «هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدَّامي ... الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه ... الذي يعمد بالروح القدس.» (يو 1: 30 و27 و33) هنا يوحنا يلغي نفسه تماماً، فالذي يحل سيور الحذاء في البيت اليهودي هو العبد المشتَرَى!! ثم إن كان المسيح الذي ينادي به هو الذي سيعمِّد بالروح القدس، فيوحنا بهذه الشهادة يصفِّي عمله ورسالته، بل وينهي على كل خدمته، وهو يؤكِّد ذلك بنفسه: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص.» (يو 3: 30) هذا إن كانت المعرفة من الروح القدس حقًّا، لأن عمل الروح الأساسي هو الشهادة للمسيح . لذلك فإن معرفة المسيح إن كانت بالروح القدس فهي طاقة حركة لا يمكن أن تنحبس، بل لابد أن تُستعلن كالنور وتنتقل من إنسان لإنسان: «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.» (مر 16: 15) شخص المسيح، عن قرب، جذاب للغاية، معرفته تأسر القلب، وتسبي الروح، وبحلول الروح القدس تصبح حضرة المسيح مالئة لكل كيان الإنسان؛ لأن الروح يأخذ ما للمسيح ويعطينا، فلا يعود الإنسان يشعر بحاجة إلى ذاته أو أن يكون له كيان منفصل أو عمل أو وجود أو أمل ذاتي: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص». هنا تفريغ وملء. معرفة المسيح تفرِّغنا من ذواتنا وتملأنا بالمسيح نفسه بالحق، بالحياة، بالقيامة، بالسلام الفائق للعقل. هذا يضطلع به الروح القدس حتى يمتلئ الإنسان بكل ملء الله، كما يقول الكتاب (أف 3: 19). وفي موضع آخر يقول: «ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة» (يو 1: 16)، «وأنتم مملوؤون فيه.» (كو 3: 20) هذا التفريغ من الذات والملء بالمسيح هو الذي يُـخرج الإنسان عن كيانه وعن مكانه، فيطلقه ليبشِّر بلا حدود وبلا قيود، حتى إلى الموت يبشِّر ويشهد بما رأى «وأنا رأيت وشهدت». يستحيل على إنسان تعرَّف على المسيح حقًّا وذاق ونظر طيب الرب، أن يسكت أو أن يستطيع أحد أن يكتم صوته. المسيح عبَّر عنها أنها «مناداة من على السطوح» (مت 10: 27)، والمعمدان عرف ذلك وكان يمارسه «أنا صوتُ صارخٍ في البرية» (مر 1: 3)! لأن التعبير عن مقدار الأثر والتعلُّق الذي يتغلغل كيان الإنسان الذي انفتح ذهنه بالروح القدس على المسيح، لا يمكن أن تشرحه كلمات بسهولة. الكلام مهما كان بليغاً ورصيناً يظل عاجزاً عن تصوير عذوبة ومحبة وعمق شخص ابن الله. تأثير السيرة على الشهادة: ولكن الشهادة للمسيح تبلغ حد يقينيتها الأعلى، عندما تزكيها سيرة الإنسان نفسه. إن شهادة المسيح ليوحنا المعمدان توضِّح سر نجاح المعمدان الفائق الوصف في التعرُّف على المسيح والشهادة له وسط ظلام الأجيال وعمى الرؤساء والحكماء والعلماء: «ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحرِّكها الريح (ثبات مبادئ يوحنا)؟ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ إنسان لابساً ثياباً ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في قصور الملوك (خشونة حياة يوحنا وتقشُّفه ونسكه في البراري). لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيًّا؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي! (روح وسيرة يوحنا المعمدان فاقت مستوى جميع الآباء والأنبياء) الحق الحق أقول لكم: إنه لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان (الوحيد الذي امتلأ بالروح القدس وهو في بطن أُمه!)» (مت 11: 7 - 9 و11)، وهذا رد ضمني على الذين يعترضون على قيمة المعمودية في الطفولة. والسؤال هنا هو: هل ألغى العهد الجديد عظمة يوحنا وتكريم المسيح له بهذه الشهادة المفرحة جدًّا لنفوسنا؟؟ في الحقيقة ما كتبه الإنجيليون عن يوحنا يمكن تلخيصه في كلمتين: نصرة بالروح، وقوَّة بالروح، وطاعة بلا لوم، وهذه هي العلامة السريَّة لكل ممتلئ بالروح القدس!! إن حياة يوحنا الداخلية وسيرته طابقت متطلبات الشهادة للمسيح تطابقاً فائق الدقة والوصف، لذلك جاءت شهادته بيقين فائق شهد لها الإنجيل!! «يوحنا شهد له.» (يو 1: 15) إن الشهادة للمسيح، لكي ترتفع إلى درجة اليقينية كيقينية شهادة المعمدان تحتاج إلى متطلبات عميقة داخلية مقدَّسة يستحيل استيفاؤها إلا بالملء من الروح القدس!! هذا هو يوحنا المعمدان والمسيح المنحني تحت يده، وهذا هو عيد الغطاس الأول بأعماقه وجذوره الضاربة في أساس الكنيسة وميراثها من جهة الشهادة للمسيح عن رؤيا واستعلان وامتلاء بالروح: «وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله». رؤيتنا وشهادتنا: والآن نقلة ختامية من الأردن ويوحنا والمسيح المنحني تحت يد المعمدان إلى واقعنا الكنسي والفردي: أين عيد الغطاس منا؟ ما هي رؤيتنا؟ وما هي شهادتنا؟ نحن لا نتكلَّم عن الرؤى والأحلام، لأن الحكم فيها وعليها من أصعب الأمور بسبب عوامل التزييف الذي يقوم به اللاشعور في تصوير المناظر والأحلام حسب هوى الذات المريضة، هذا بالإضافة إلى عدم نفعها لا بالكثير ولا بالقليل من حيث تغيير السلوك. ولكننا نتكلَّم من جهة رؤيا القلب في يقين الوعي والإرادة، أي النظر الروحي الواعي والدائم للتعرُّف على شخص المسيح كمخلِّص وكفادٍ، في تأمل، في صلاة، في مناجاة، في حب لا تشوبه المنافع الشخصية، أو التنافس، أو الحسد والغرور، أو طلب المجد والمديح والظهور. ثم هل سماؤنا مفتوحة؟ أو بمعنى آخر هل حصولنا على العون الإلهي من الأعالي هو طلبنا الأول والأخير وهو إلحاحنا الذي ننام فيه ونستيقظ به؟ «رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني، معونتي من عند الرب الذي صنع السماء والأرض.» (مز 120: 1 و2)إن كان هذا رجاؤنا وإلحاحنا وشوقنا وقلقنا، فالروح القدس يسبق ويمهِّد ويُعدُّ القلوب والرؤوس، لأنه لا ينسكب إلا على الرؤوس المنحنية والقلوب التي برَّح بها الحنين، رؤساء ومرؤوسين، فيفك العقول والقلوب من أسر الذات، ويطلق الألسنة من سجن الخطية، يطلقها بالتسبيح والتهليل والشهادة للمسيح بملء الفم والقلب وصحو العقل واليقين وقوة لا تعاند، والعلامة دائماً أبداً أن «المساكين يُبشَّرون.» (لو 7: 22)وإن السماء التي انفتحت لعين المعمدان وقلبه، وسماع صوت الآب، ورؤية الروح القدس نازلاً، بنوع من الاستثناء الذي تجاوز كل خبرات الماضي بكل أمجادها، قد صار هذا لنا حقًّا مشروعاً وميراثاً دائماً، ضمنه المسيح بوعد ثابت لا يمكن الرجوع فيه: «من الآن ترون السماء مفتوحة» (يو 1: 51) وهذا هو تحقيقها: «ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله» (أع 7: 56). ولماذا كان لنا نحن أيضاً هذا الوعد الذي تحقَّق لإستفانوس الشهيد بالعيان، ولماذا هذا الامتياز الفائق بهذه الرؤيا الدائمة: «من الآن»، إلا لكي نرى ما رأى يوحنا فتدخل شهادتنا منطقة اليقين! «أنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله»!
المزيد
14 فبراير 2021

ملاحظات على التحاليل

1- التحليلان الأولان يقولهما الكاهن ووجهه لله أمام المذبح نحو الشرق سرًا طبعًا قبل ما يقول الكاهن "السلام لجمعيكم".وهنا نوع من التهيئة للصلاة والعبادة أما التحليل الثالث مخاطبة لله ليحالل الشعب أي يرشمهم ويمنحهم الحل. التحليل الأول: يسمى صلاة خضوع للابن: نعم يا رب يا رب الذي أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19) معناها: سلطان مغفرة الخطية هو بالأولى قوة علي الخطية أي أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب إسحق رؤوسه تحت أقدامنا سريعًا (رو 16: 20) يرد عنا كل معقولاته الشريرة والأفكار التي تدخل العقل مقاوم لنا إذًا يعلن عن سلطان الكنيسة الممنوح لها من المسيح لكي يبدد كل قوى العدو. التحليل الثاني: يسمى أيضًا صلاة خضوع للابن يحكي فيه عن التجسد وأقام الفداء. - أنت يا رب الذي طأطأ السموات ونزلت وتأنست كما قال الكتاب (في 2: 7) لكنة أخلي نفسه أخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. - من أجل الخلاص جنس البشر أنت هو الجالس علي الشاروبيم والسيرافيم والناظر إلى المتواضعين (اش 6: 1، 2) - أنت أيضًا الآن يا سيدنا الذي ترفع أعين قلوبنا أيها الغافر آثامنا ومخلص نفوسنا. لاحظوا عيني القلب غير العيون العادية العين الروحية نجد لتعطفك الذي لا ينطق به ونسألك أن تعطينا سلامك لأنك أعطيتنا كل شيء اقتننا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخر سواك اسمك القدوس هو الذي نقوله ردنا يا الله إلى خوفك وشوقك. أصبح تملك الخطية علي الإنسان وبالتوبة والاعتراف سلطان الكنيسة من المسيح للرسل.. سلطان عودة الإنسان مرة أخري. هذا التحليل يوضح كيفية فقد الإنسان ملكية الله عليه (خوفه – شوقه لله) ثم يقول السلام للكل يمنح السلام علي أساس الاضطراب من الخطية ثم يقول الكاهن التحليل الثالث جهرًا والكل يسمعه ووجهه للشعب حلًا من الخطية. يقول الكاهن ووجهة إلى الغرب للشعب وخاضع برأسه أيها السيد الرب يسوع المسيح الابن الوحيد وكلمه الله الآب الذي قطع كل رباطات الخطية من قبل آلامه المخلصة المحيية الذي نفخ في وجه تلاميذه القديسين ورسله الأطهار وقال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غرفت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت. لاحظ أن: (1) غفرتم منح الغفران، أمسكتم لا يأخذ عنها حلًا أي مستعبد لها إذًا الكاهن شاهد علي توبة الإنسان وإلا الكاهن يدان ويتحمل قصاصها وشهادة عن توبة الإنسان وهل يستحق المغفرة أم لا. (2) إن كنا أخطأنا إليك ليس معناها أننا لا نخطئ ولكن إذا كنا غير فاكرين. (3) جزع القلب تعني الخوف أما صغر القلب تعني اليأس. (4) احنوا رؤوسكم قدام الرب موقف العشار الذي أحني رأسه وقرع صدره. (5) يجب أن يصلي الشعب أثناء التحليل قائلًا: التمس يا رب عفوك وصفحك وأسأل غفران خطاياي لأنك لا تسر بموت الخاطئ بل أن يرجع ويحيا اسمح يا رب أن تغفر خطاياي وتترك آثامي وتبيض ثيابي. (6) التحاليل هي منحة للتائبين والتائب هو من أقر بخطيته. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
12 نوفمبر 2021

مهابة الكنيسة وكرامتها

مهابة الكنيسة وكرامتها يقول لنا الكتاب فى الجزء الذى قرأته: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ.الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ. الكنيسة هى قطعة من السماء، يجب ان تكون بالغة الجمال، ولذلك يمكن ان نسميها تجاوزا انها “سفارة السماء على الارض”، وكما نقول فى الصلاة الربانية “كما فى السماء كذلك على الارض” نصلى ان تكون الكنيسة قطعة من السماء، وكل مرة ادخل الكنيسة وأراها جميلة جدا اتسأءل كيف يكون جمال السماء؟ هذه تعاريف للكنيسة ولكننا نقول ايضا؛ الكنيسة هى بيت الله، او بيت الملائكة، او باب السماء، او عروس المسيح، او مسكن الله مع الناس، او بيت الصلاة، او بيت القديسين، او عمود الحق، او جسد المسيح. كل هذه تسميات للكنيسة، ولكن اهم ما يمكن ان يوجد فى اذهاننا انها قطعة من السماء على الارض، ماهى وظيفة الكنيسة: الكنيسة تقوم باعمال كثيرة ولكن الوظيفة الرئيسية لها والدور الحيوى فيها هو اعداد المؤمنين للملكوت، وهذا الاعداد هو رحلة حياة يأخذ الحياة من الصغر الى نهاية العمر، لهذا تبتدأ الكنيسة مع الطفل الصغير الرضيع بصلاة الحميم وسر المعمودية وتمتد عبر الحياة الى نهاية الحياة الى ان تصلى وتودعه الى السماء، اعداد الانسان للسماء. وهذا أمر يجب ان يكون واضحا فى ذهن كل من يخدم، نقابل على الارض مشكلات ومتاعب لكن من يخدم فى أى مستوى يجب ان يعى تماما ان من نخدمهم هو ان نخدمهم لكى ما يكون لهم نصيبا فى السماء، السماء مفتوحة لكل احد، ولكن لمن يعيش هذا الايمان بالمسيح ويسلك حسب وصية المسيح ويحيا فى كل يوم بالكلمة المقدسة فى حياته من خلال الكنيسة المقدسة، هذه هى وظيفة الكنيسة قد نقيم أنشطة نقيم احتفالات كله جيد وجميل، ولكن الهدف الرئيسي والاول من فصول مدارس الاحد حتى الاجتماعات الكبيرة والاجتماعات النوعية والاجتماعات التعليمية والاجتماعات التخصصية بكل اشكالها لها هدف واحد وهو ان يصير للانسان نصيب فى السماء. ولذلك ياأخوتى الارتباط بالكنيسة والحياة بداخلها والتعلم منها وتربية اولادنا وبناتنا وشبابنا داخل الكنيسة والانجيل وداخل هذه المفاهيم شئ هام جدا. ولذلك نسمى الكنيسة الأرثوذكسية (كما تعلمون كلمة ارثوذكسية معناها الاستقامة) الارثوذكسية هى الطريقة المستقيمة لتمجيد الله.. الطريقة التى ليس فيها تحايل ولا تسيب نستخدم ما فى العصر ونستخدم التكنولوجيا المتاحة التى ممكن ان تكون مفيدة ولكن نحفظ مبادئ نقية لان الخطية هى “خاطئة جدا” الخطية هى خطية مهما غيرنا لها العنوان. اعرفوا ياأخوتى انه “لا خلاص خارج الكنيسة” كما يقول القديس اغسطينوس، ويقول القديس كبريانوس “من لم يتخذ الكنيسة اما لا يكون الله أبيه”، والقديس اغسطينوس يقول “حينما كان المسيح ظاهرا فى الجسد كانت الكنيسة مخفية فيه، هو يعمل كل شئ لها. وحينما صعد بالجسد صار هو مخفيا فيها، وصارت تعمل كل شئ به ولأجله”، ويوحنا ذهبى الفم قال عبارة اجمل “السماء الكنيسة هى اعلى من السماء واكثر اتساعا من الارض لانها يمكن ان تحتضن الجميع” ماهى مكانة الكنيسة بالنسبة الى الانسان اولا: الكنيسة فيها احتياج كيانى للانسان : كل واحد منا يحتاج الكنيسة، فقصد الله عندما بدأت البشرية ان يعمل على تأمين الانسان فى وسط المجموع، عندما نقرأ فى العهد القديم، نقرأ عن كنيسة البرية وهى خيمة الاجتماع، خيمة ولها تفاصيل كثيرة فى سفر الخروج لكن اهم مافى هذا الامر انها كانت تتحد معهم، عندما يتنقلوا يفكوها ويحملوها ويمشوا بها وعندما يقفوا فى مكان ينصبوا الخيمة بكل التفاصيل، وكانت هذه الخيمة فى البرية تنتقل معهم من مكان لمكان ولكن هى مسكن الله مع الناس. ثم تطورت الفكرة وصارت ثابته فأنشئ لهيكل فى اورشليم، وصارت مبنى ثابت ومبنى ايضا له فخامته وعظمته وتقسيماته الداخلية والخارجية، وهذا الهيكل فى اورشليم هو الذى تهدم فى الحادثة المعروفى باسم خراب اورشليم عام 70 ميلاديا بعد صعود ربنا يسوع المسيح ومازال مهدوما. من الهيكل فى العهد القديم نشأت الكنيسة فى العهد الجديد، كانت الكنيسة فى البداية صغيرة مبنية بخشب بامكانيات محلية قليلة جدا، نسمع عن الكنيسة المعلقة كانت معلقة فوق احد الحصون وهو حصن بابليون فيها كمية اخشاب كثيرة، ونسمع عن كنائس الاديرة كان النمل والسوس يهاجم الاخشاب ويسقطها، ولكن صارت الكنيسة مع بدايات القرون الاولى لها مبنى، وصارت تسمى كنيسة مسيحية، وانتشرت الكنيسة فى العالم، وهى التى قال عنها السيد المسيح لبطرس الرسول وفى حضور كل التلاميذ “على هذه الصخرة ابنى كنيستى”. وبنيت الكنائس فى بعض الاماكن على شكل الفلك باعتبار ان الكنيسة هى السفينة التى تنقذ الانسان فى بحر العالم، وبنيت فى مواضع اخرى على شكل الصليب، وكلها تدور فى هذه الاشكال الهندسية وبرع المصممون فى اشكال كثيرة وان احتفظت بطابعها، يوجد فيها مثلا 12 عمود للتلاميذ وبعض الكنائس اربعة للبشيرين الاربعة، وصارت الكنيسة هى مسكن الله مع الانسان فى العالم كله، وابسط تعريف يقوله الاولاد الصغار (بيت ربنا) ولذلك ياأخوتى احترام الكنيسة مسؤلية كل صغير وكبير فينا، حتى وان كنيستنا كنيسة شعبية لكن كيف تكون بارعة الجمال فى نظامها فى نظافتها فى كل مافى داخلها من مكونات الكنيسة احتياج كيانى فى الانسان وامتداد لهذا الاحتياج الكيانى المسيح يسكن فى الكنيسة، فالمسيح يسكن فيا –فى الانسان- وصار المسيح فينا وصرنا جميعا نسمى اعضاء جسد المسيح، والمسيح رأس هذا الجسد وكما يعلمنا الكتاب المقدس “من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فيا وانا ايضا فيه” الامر الثانى : الكنيسة حضور دائم للمسيح : فى اخر انجيل معلمنا متى البشير قال “ها انا معكم كل الايام والى انقضاء الدهر” فالكنيسة تمثل الحضور الدائم لشخص المسيح، فى قصة شاول الطرسوسى الذى كان يضطهد كنيسة الله بافراط –كما قال عن نفسه- يسمع من المسيح “شاول شاول لماذا تضطهدنى، يقول له من انت ياسيد، فيجيبه انا يسوع الذى تضطهده” اين هو يسوع! هو الحاضر فى المؤمنين هو الكنيسة، عندما تعرض كل المسيحين فى اورشليم للاضطهاد وقت استفانوس ورجمه تشتتوا فى بلاد الشام ذهب شاول وراءهم وهو فى طريق دمشق يظهر له المسيح ويقول له “انا يسوع الذى انت تضطهده” يسوع الذى يسكن فى قلوب المؤمنين، وقلوب المؤمنين تبنى وتجتمع من خلال الكنيسة، لهذا تعلمنا “أما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم” فيصير كل انسان فينا هو كنيسة ولها مذبح، هو القلب، قلبك هو مذبح كنيستك، ومجموعنا كلنا يشكل كنيسة الله الحية وكلنا نتناول على المذبح، هذه هى الكنيسة وهذا هو المسيح الذى يحيا فينا الامر الثالث : ان الكنيسة هى ايضا نافذه على الابدية : نحن نصلى فى اتجاه الشرق –كما تصلى ايضا الكنيسة الروسية- اعيننا كلها على السماء فى الشرق، وعندما يصرخ الكاهن “اين هى قلوبكم؟” كلنا نجيبه “هى عند الرب” والكنيسة بينطبق عليها قول بطرس الرسول فى وقت التجلى “جيد يارب ان نكون هاهنا” ماأروع ان اكون فى الكنيسة، وعندما نعبر فى الترنيمة المشهورة “الكنيسة هى بيتى وهى امى وهى سر فرح حياتى” هذا تعبير قوى وأصيل عن مكانة الكنيسة فى حياة الانسان، ومن الملفت للانتباه انها بالصيغة الفردية، يعنى هى بيتى كشخص وهى امى، وهذه المعانى معان كبيرة بالنسبة للانسان فتصير الكنيسة فعلا نافذة على الابدية، هل جربت تدخل الكنيسة وهى فارغة؟ جربت تجلس فى خشوع بعد ان تنير شمعة؟ ان اختبرت هذه الخبرة الروحية وعشت فيها بكيانك سوف تكتشف انك امام نافذة على السماء، وسوف تكتشف كم تكون السماء جميلة وجذابة لكل انسان، لهذا نقول فى كل قداس “يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه”. فتصير الكنيسة نافذة، ونحن جالسين فى الكنيسة ونتطلع للشرق كأننا وبالحقيقة نتطلع الى السماء، وكنيستنا تعلمنا ان حامل الايقونات فيه ايقونات القديسين ينظروا الينا هم يتطلعون من السماء الينا واعداد كبيرة جدا من القديسين يتطلعون الى الذين يجاهدون على الارض فى جهادهم الروحى وفى حياتهم الروحية، لان الانسان عندما يتطلع الى السماء على الدوام تهون عليه الارض، ولا يتعلق بها او تحيا بداخله، ويصير انسانا سماويا واذا صار بالامانة يكون مستحقا النصيب السماوى هذه الكنيسة فى مكانتها بالنسبة للانسان : احتياج كيانى، وحضور دائم للمسيح، ونافذة على الابدية اذا اراد ربنا وعيشنا فى المرات القادمة نتكلم عن مصادر مهابة الكنيسة وكيف نحتفظ فى كنائسنا بهذه الكرامة وهذه المهابة لالهنا كل مجد وكرامة من الان والى الابد. أمين
المزيد
03 مايو 2021

«اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ»

مع أحداث القيامة المجيدة، نطلب من الرب أن ينقذ البشرية، من وباء "الكورونا" الذي ضرب العالم كله، فهو القادر أن يبيده بنفخة فمه، ويعطينا قوة قيامته المجيدة..قال معلمنا بولس الرسول: - «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ (قيامة التوبة)،- وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ (قيامة الأجساد)» (أف5: 14).فالقيامة من الأموات في الفهم الكتابي واللاهوتي لا تعني فقط قيامة الجسد بعد الموت، بل تعني أيضًا:- قيامة الروح من الخطية وسكنى الله في داخل الإنسان.. تمهيدًا للقيامة بعد الموت!!إذًا فهناك قيامتان: القيامة الأولى: قيامة التوبة. القيامة الثانية: قيامة الأجساد. - القيامة الأولى: قيامة التوبة:وهي أن نقوم من قبور الخطية «وَإِذْ كُنْتُمْ أمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحْيَاكُمْ مَعَهُ» (كو2: 13).1- والخطيئة في معناها الأصيل (آمارتيا) = ومعناها "الخطأ في التهديف". 2- أمّا التوبة فمعناها "ميطانيا" بمعنى ""تغيير الفكر" أو "تجديد الذهن".فالتوبة هي" القيامة الأولى" كقول الكتاب: - «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى (قيامة التوبة)، هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي (الموت الأبدي بعد الموت الجسدي) سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤ20: 6). - «الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، والَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ (الشيطان)، وَلاَ لِصُورَتِهِ (النبي الكذاب)، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ (سمة الشيطان) عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤ20: 4). أمّا الألف سنة فهي مدة وجود هذا العالم.. حيث أن رقم "10" يشير إلى الإنسان، إذ يملك 10 أصابع في كل من يديه وقدميه.. والـ"100" ترمز إلى القرن، أي الزمن..الإنسان × الزمن = 10×100=1000 فبعد الزمن تأتي القيامة المجيدة. لذلك فقيامة التوبة، هي الانتماء للمسيح، ومعنى حمل سمته على جباههم (أي عقولهم) وأيديهم (أي أعمالهم).. أي أن تكون أفكارهم وتصرفاتهم شاهدة لمسيح القيامة.. - القيامة الثانية : قيامة الأجساد:وهي التي فيها يأتي رب المجد يسوع مرة ثانية، في "المجيء الثاني"، بعد المجيء الأول في التجسد، وقد أفرد لها معلمنا بولس الرسول إصحاحًا كاملًا في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (إصحاح 15): «كيف يقام الأموات؟» إذ تحدث عن جسدنا قائلًا أنه:- «يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ.. وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ!» (1كو15: 42).- «يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ.. وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ!» (1كو15: 43).- «يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا.. وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا!» (1كو15: 44).كل عام وجميعكم بخير،،، نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل