المقالات

14 فبراير 2021

ملاحظات على التحاليل

1- التحليلان الأولان يقولهما الكاهن ووجهه لله أمام المذبح نحو الشرق سرًا طبعًا قبل ما يقول الكاهن "السلام لجمعيكم".وهنا نوع من التهيئة للصلاة والعبادة أما التحليل الثالث مخاطبة لله ليحالل الشعب أي يرشمهم ويمنحهم الحل. التحليل الأول: يسمى صلاة خضوع للابن: نعم يا رب يا رب الذي أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19) معناها: سلطان مغفرة الخطية هو بالأولى قوة علي الخطية أي أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب إسحق رؤوسه تحت أقدامنا سريعًا (رو 16: 20) يرد عنا كل معقولاته الشريرة والأفكار التي تدخل العقل مقاوم لنا إذًا يعلن عن سلطان الكنيسة الممنوح لها من المسيح لكي يبدد كل قوى العدو. التحليل الثاني: يسمى أيضًا صلاة خضوع للابن يحكي فيه عن التجسد وأقام الفداء. - أنت يا رب الذي طأطأ السموات ونزلت وتأنست كما قال الكتاب (في 2: 7) لكنة أخلي نفسه أخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. - من أجل الخلاص جنس البشر أنت هو الجالس علي الشاروبيم والسيرافيم والناظر إلى المتواضعين (اش 6: 1، 2) - أنت أيضًا الآن يا سيدنا الذي ترفع أعين قلوبنا أيها الغافر آثامنا ومخلص نفوسنا. لاحظوا عيني القلب غير العيون العادية العين الروحية نجد لتعطفك الذي لا ينطق به ونسألك أن تعطينا سلامك لأنك أعطيتنا كل شيء اقتننا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخر سواك اسمك القدوس هو الذي نقوله ردنا يا الله إلى خوفك وشوقك. أصبح تملك الخطية علي الإنسان وبالتوبة والاعتراف سلطان الكنيسة من المسيح للرسل.. سلطان عودة الإنسان مرة أخري. هذا التحليل يوضح كيفية فقد الإنسان ملكية الله عليه (خوفه – شوقه لله) ثم يقول السلام للكل يمنح السلام علي أساس الاضطراب من الخطية ثم يقول الكاهن التحليل الثالث جهرًا والكل يسمعه ووجهه للشعب حلًا من الخطية. يقول الكاهن ووجهة إلى الغرب للشعب وخاضع برأسه أيها السيد الرب يسوع المسيح الابن الوحيد وكلمه الله الآب الذي قطع كل رباطات الخطية من قبل آلامه المخلصة المحيية الذي نفخ في وجه تلاميذه القديسين ورسله الأطهار وقال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غرفت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت. لاحظ أن: (1) غفرتم منح الغفران، أمسكتم لا يأخذ عنها حلًا أي مستعبد لها إذًا الكاهن شاهد علي توبة الإنسان وإلا الكاهن يدان ويتحمل قصاصها وشهادة عن توبة الإنسان وهل يستحق المغفرة أم لا. (2) إن كنا أخطأنا إليك ليس معناها أننا لا نخطئ ولكن إذا كنا غير فاكرين. (3) جزع القلب تعني الخوف أما صغر القلب تعني اليأس. (4) احنوا رؤوسكم قدام الرب موقف العشار الذي أحني رأسه وقرع صدره. (5) يجب أن يصلي الشعب أثناء التحليل قائلًا: التمس يا رب عفوك وصفحك وأسأل غفران خطاياي لأنك لا تسر بموت الخاطئ بل أن يرجع ويحيا اسمح يا رب أن تغفر خطاياي وتترك آثامي وتبيض ثيابي. (6) التحاليل هي منحة للتائبين والتائب هو من أقر بخطيته. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
26 أغسطس 2019

أحاديث السيد المسيح عن المجئ الثاني

تحدث السيد المسيح عن مجيئه الثاني في مواضع عديدة من الكتاب المقدس سواء بحديث شخصي مباشر أو عن طريق أنبيائه ورسله القديسين.فموضوع المجيء الثاني هو من أهم المواضيع التي تكلّم عنها السيد المسيح. ولا نقصد موعد المجيء الثاني على وجه التحديد، وإنما ما يعنيه هذا المجيء، وما يقترن به، وما يؤدى إليه، وأيضًا ما هي العلامات التي تسبق هذا المجيء. وتأثير ذلك كله في حياة الكنيسة كجماعة المؤمنين الذين ينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. جعت فأطعمتموني نشير هنا إلى كلمات السيد المسيح عن مسألة سوف تشغله هو شخصيًا في يوم الدينونة الرهيب. قال السيد المسيح: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخرافعن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته.لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني، كنت غريبًا فلم تأووني، عريانًا فلم تكسوني، مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني.. الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 31-34، 41-43، 45، 46).والشيء الملاحظ هنا كما يقول قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث أن السيد المسيح حينما يجلس على كرسي الدينونة سوف يحاسب الناس أولًا عن أعمال الحب والرحمة التي مارسوها تنفيذًا لوصية "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) مسألة شرط الإيمان والمعمودية للدخول إلى الملكوت ذكرها السيد المسيح في أحاديث أخرى وهي مسألة مفهومة يدركها كل إنسان مسيحي لأن "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36). في حديث السيد المسيحعن يوم الدينونة ركّز على تجاهل الأشرار لجوع المساكين وغيرهم معتبرًا أن ما نفعله بأحد إخوته الأصاغر فبه قد فعلنا ربما يُطمئِن الإنسان نفسه بأنه قد نال العماد المقدس ويمارس التوبة والاعتراف ويحفظ الأصوام، ويحرص على التناول وينتظم في حضور الكنيسة، وله العديد من الأنشطة في خدمة الكنيسة. ولكن الموقف الرهيب هو أن كل هذه الأمور لن تعفيه من سؤال الرب عن تنفيذ وصية المحبة "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) ينبغي أن يواجه الإنسان نفسه على حقيقتها. هل هو متعاطف مع ذاته؟ هل يفضّل نفسه على غيره؟ هل يكتفي بأنه مرتاح ويتجاهل معاناة الآخرين؟ إن الله قادر أن يشبع الجائع وأن يروى العطشان وأن يكسو العريان وأن يشفى المريض ويطلق المحبوس.. ولكنه يضع هذه الأمور في طريقنا لاختبار محبتنا. لأن "من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يو3: 17). الحب والعطاء للكل وربما يُطمئن الإنسان نفسه بأن له نشاط متسع في خدمة المحتاجين. ولكن السيد المسيح يقول: "ما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم". أي أن إهمال فقير واحد فقط يحزن قلب السيد المسيح. الذي يخطئ في حق إنسان واحد فكأنه قد أخطأ في حق البشرية كلها، لهذا قال السيد المسيح: "أحد هؤلاء الأصاغر". واحد فقط من المساكين تجاهلناه سوف نعطى عنه حسابًا في اليوم الأخيرأليس لهذا الإنسان الواحد مشاعر؟ أليست كل دنياه هي واقعه وآلامه ومعاناته هو شخصيًا؟ إن من يضع نفسه في مكان المسكين والبائس يستطيع أن يدرك أن التاريخ والعالم والوجود كله سيقف أمام حالة واحدة. ألم يقل الكتاب "من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل" (يع2:10) فما بالك بمن أهمل كثيرًا من الفقراء والأرامل والأيتام. وما بالك بمن يظلمهم أو يسلب حقوقهم ويصرخون عليه أمام الرب ما أكثر الإنذارات التي وجهها الله إلى شعبه في القديم لئلا يسلبوا حق اليتيم والأرملة وحق الكادح،وكذلك الإنذارات التي وجهها في العهد الجديد حول نفس هذه الأمور مثل قول يعقوب الرسول للأغنياء "هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة. غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم، ويأكل لحومكم كنار، قد كنزتم في الأيام الأخيرة. هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ، وصياح الحصادين قد دخل إلى أذني رب الجنود" (يع5: 1-4) لهذا ينبغي أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 يوليو 2020

كتاب كيف أتخذ قرارًا؟ ج3

ضوابط اتخاذ القرار: الروح القدس، الأب الروحي، الحوار أن أي قرار نتخذه في حياتنا له -بالضرورة- الأثر البعيد، إما إيجابيا أو سلبيا. لذلك كان لابد من ضوابط تساعدنا على الوصول إلى القرار الصحيح، خصوصًا إذا تذكرنا محدودية الإنسان: عقله، وقدراته، ورؤيته، وعدم قدرته على معرفة ما يحمله المستقبل من مفاجآت، والمصادمات اليومية في الحياة مع النفس، ومع الآخرين، الأكبر والأصغر منا... وكما أن الإنسان يحتاج نفسيا إلى "الحرية"، ولا ينمو بدونها، إلا انه محتاج أيضًا إلى "الضبط"، ويستحيل أن ينمو بدونه. هنا يكون الاتزان والتوازن، وهذه شريعة الحياة. فلو أننا أسرفنا في إعطاء أنفسنا الحرية، انفلتنا إلى نوع من الفوضى أو التفكك أو الإحساس بالضياع. ولو أننا أسرفنا في جرعة الضبط المطلوبة، سقطنا في الإحباط والقنوط وحتى اليأس. من هنا تحتاج الطبيعة الإنسانية إلى مزيج بناء من الحرية والضبط، بحيث لا نتطرف يمينا نحو انفلات مدمر، أن يسارًا نحو إحباط يحطمنا. ولهذا السبب بالضبط خلقنا الله أحرارًا، وتركنا نختار طريقنا وطريقتنا في الحياة كما نريد، لأنه لا يحب أن يرانا دمى تافهة أو قطع شطرنج في جنته السعيدة، بل يريدنا أن نختار الحياة معه وله، عن قناعة وفرح ورضى. كما انه وضع في أعماقنا الضمير أو الشريعة الأدبية أو الناموس الطبيعي، حتى يساعدنا بأنواره الكاشفة وأصواته البناءة في تحديد المسار في حرية وفرح، بعد أن نختبر متاعب الانحراف والمعاندة، وبركات الحياة مع آلهة في طريق الخير. فما هي يا ترى الضوابط الذي تساعدنا على التحقق من صحة اختيارنا وسلامة قراراتنا؟ 1- الروح القدس: العامل في الضمير، ذلك الصوت الإلهي، الذي يأتينا من عند الله، والذي يزداد إرهافًا وحساسية بسكنى روح الله فينا. فالروح القدس غير الضمير، وغير الروح الإنسانية. انه الأقنوم الثالث في إلهنا الواحد، الأقنوم الذي يفعل فينا، وينقل إلينا بركات الفداء، ويضيء لنا الطريق: يبكتنا كلما أخطأنا، ويشجعنا كلما أصبنا، ويسكب النور في قلوبنا فنميز الأمور المتخالفة، كما يغرس طريقنا بالنور فنعرف كيف نسير وفي أي طريق نتجه. وهكذا فالذين " ينقادون بروح الله، أولئك هم أبناء الله " (رو8: 14) والإنسان الذي يحب أن يضبط مساره، ويتأكد من صحة قراره، عليه أن يصلى في إلحاح، وبروح كلها إخلاص في طلب معرفة مشيئة الله، وفي تسليم صادق لإرادته وتفكيره لإرادة الله وتفكيره... وهكذا... إذ يشعر براحة ضمير، واستقرار وسلام نفسي، دون انفعال أو تشنج، يحس أن روح الله مستريح فيه لهذا القرار متفقا مع معطيات، الإنجيل وطريق القداسة. هذه قوة ضابطة هامة، عودتنا الكنيسة أن نطلبها باستمرار في صلاة الساعة الثالثة، ونكررها في صلوات نصف الليل: "أيها المعلم السمائي المعزي روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا". وما تطهير القلب من تلوث الخطية وانحراف الغرض والمشيئة الذاتية الأنانية، سوى خير ضمان لسلامة المسيرة وصحة القرار. ألم يقل لنا الرب عن الروح القدس: " متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13)؟ علينا إذن أن نصلى باستمرار كلما تحيرنا، طالبين من الرب أن يكشف لنا مشيئته، وسوف نستريح إلى اتجاه معين، يشهد الكتاب المقدس على صحته وسلامته، فنتحرك في هذا الاتجاه في روح الصلاة والتسليم، تاركين للرب أن يكمل الطريق أو يلغيه، كاشفا لنا مشيئته التي سنتقبلها بكل فرح. وليكن شعارنا قول المرنم: "تمسكت خطواتي بآثارك، فما ذلت قدماي" (مز17: 5). ولنسمع في كل حين وعد الرب: "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها، أنصحك عيني عليك " (مز32: 8). 2- الأب الروحي: وهذا ضابط آخر غاية في الأهمية، ذلك عملا بقول القديسين: الذين بلا مرشد هم كأوراق الخريف، سريعا يسقطون. وتنبع أهمية أب الاعتراف في القرارات المصيرية من عدة منطلقات: أ‌) الآب الحاني المحب، الذي يهمه أمري، ويحب أن يطمئن إلى كل خطوات مساري. ب‌) وهو وكيل السر، الذي يصلى معي إثناء الاعتراف طالبًا من الرب أن يرشده ويرشدني لما فيه خير حياتي... ج‌) هو الأكثر خبرة، بسبب المواقف الكثيرة التي عاشها شخصيا، أو من خلال الخدمة... د‌) وهو الأنضج سنا، بحيث يرفعني من انفعالات واندفاعات الشباب المبكر، وينبهني إلى خطورتها... هـ‌) وهو الصوت الروحي والصوت العاقل، الذي يمكن أن يخرجني من "الحصر النفسي" الذي أحياه حينما ادرس مشكلتي بمفردي داخل "خزانتي النفسية". إن مجرد "فرد" النفس وكشفها أمام أب روحي، كفيل بأن أعيد تقييم الأمور، إذ افرغ شحنتي الانفعالات فلا تتحكم نفسي في، ولا عواطفي، ولا انفعالاتي، بل يتحكم روح الله، والعقل المستنير بالروح والإنجيل، في مسار حياتي. وهكذا يكون دور أب الاعتراف غاية في الأهمية في ضبط المسار، واتخاذ القرار، وبالذات في الأمور المصيرية. خصوصًا إذا أضفنا إلى ذلك عنصر إخلاص الأب لابنه الروحي، وصلواته من اجله، وكتمانه لأسرار حياته. لذلك ليتك تعرض أفكارك يا أخي الحبيب على أبيك الروحي، ويجب أن يكون واحدًا ثابتًا، لا يتغير ما لم تكن هنالك ضرورة قصوى، حتى يكون شاعرًا بمسار حياتك من مرحلة إلى مرحلة، وبظروفك الفردية والعائلية والعامة، ومن هنا يقدم لك المشورة المناسبة مسترشدًا بروح الله القدوس. 3- الحوار: وهذا هو الضابط الثالث في الحياة، فما اخطر أن يعتمد الإنسان على فكره الخاص، ويرفض أن يتحاور مع غيره حتى في أموره الخاصة. إن فكرك الخاص هو بالقطع فكر محدد، معرض للصواب والخطأ. كما أن تفكيرك بمفردك يسقط في "شرك نفسي"، هو التفكير الانفعالي المقود بالعاطفة، وأحيانًا بالغريزة. كما انك بمفردك ستركز على زاوية في الموضوع ناسيا أو متناسيا زوايا أخرى هامة. أما خروجك من هذه القوقعة الذاتية إلى شركة المحبة، مع الأسرة، أو الأصدقاء البنائين، أو خادمك في الكنيسة، أو أبيك في الاعتراف... هذا كله يغمر موضوعك بالضوء، ويساعدك على اكتشاف نفسك، ودوافعك، وزوايا الخطأ والصواب في الأمر، والمسار المطلوب والبناء، وطريقة الوصول إليه وتنفيذه... وهكذا. أما "الانحصار في الذات"، والحياة داخل قوقعة ذاتية محضة، فأمر أشيه بالحياة داخل حجرة تسرب فيها الغاز، وأضحت محفوفة بالمخاطر الخانقة أو الحارقة. إذن، فلنخرج من ذواتنا، ونناقش في روح هادئة، قابلة للنقد، والتعلم، معترفة بإمكان الخطأ وبحقيقة أن الإنسان ضعيف ومحدود... وهكذا بالحوار الوديع، بقلب مفتوح، وعقل واع، نصل إلى القرار الحسن. ولكن هذا لا يعنى أن أحاور أي إنسان أو كل إنسان في أموري، فقديما قال الآباء: "لا تكشف نفسك إلا أمام ما يمكنه أن يساعدك لخلاص نفسك". فالكلام ينطبق هنا على الأسرة والأصدقاء البنائين والخادم الكنسي وأب الاعتراف... ولكنه بالقطع لا ينسحب إلى "الشلة"، أو الأصدقاء المنحرفين، الذين هم في حاجة إلى من يرشدهم. فلا تكن مثل رحبعام بن سليمان الملك، الذي ترك مشورة الشيوخ بأن يخفف على شعبه ويعاملهم بحب واتضاع، وانساق إلى مشورة الشبان الذين نصحوه بأن يقسو على الشعب، فتمزقت المملكة، واستمرت هكذا لمئات السنين. ولنذكر كلمات الحكيم: "المساير الحكماء يصير حكيما، ورفيق الجهال يضر " (أم13: 20). نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف عام الشباب
المزيد
04 فبراير 2021

شخصيات الكتاب المقدس المرأة الشونمية

وفي ذات يوم عبر اليشع إلى شونم، وكانت هناك امرأة عظيمة... مقدمة تختلف مقاييس الناس اختلافا بينا كبيراً حول تحديد من هو العظيم في هذه الأرض!! ولاشك أن الكثيرين جداً يحكمون على العظمة بالنظر إلى الظاهر في الإنسان، فالإنسان عظيم على قدر المظهر الذي يعيش به بين الناس، وهذه العظمة، ليست في الواقع إلا عظمة القشور، وقد رفضها المسيح وهو يتحدث عن عظمة المعمدان قائلاً: «لكن ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك.... الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...»، ولو كانت القشور هي العظمة الحقيقية، لخرج لا الرسول بولس أو التلاميذ فحسب، بل لخرج المسيح نفسه الذي لم يكن له أين يسند رأسه.. وقد يقيس آخرون العظمة، على قدر ما يملك الإنسان من نفوذ أو سيطرة أو استبداد أو طغيان، ومن ثم جعلوا في القمة بين العظماء، جبابرة الحروب أمثال الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم، أو من وصفهم السيد بالقول: «إن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم».. وقد يرى آخرون العظمة في المفكرين والفلاسفة ممن يرفعون مصابيح النور ومشاعل المعرفة هداية للحائرين في الطريق الإنساني المظلم، ومن ثم عدوا في مقدمة العظماء سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة القدامى والمحدثين، ووجد من قاس العظمة عند المخترعين والمكتشفين والعلماء من رواد الطريق إلى الحضارة والمدنية والرفاهية بين الناس، لكنني أعتقد أن العظمة الحقيقية تبدأ من عظمة الإنسان على نفسه، وانتصاره على ما في أغوارها من باطل، والعثور على معنى وجوده ورسالته في الأرض، والخدمة والتضحية والبذل، وقد كانت الشونمية بهذا المعنى واحدة من العظيمات اللواتي سطرت عظمتها في وحي الكتاب بأحرف بارزة جليلة، وقد يكون من الخير والحق أن نتأمل قصتها العظيمة فيما يلي من صور: من هي الشونمية لم يذكر الوحي لنا اسم المرأة، ولا نعلم سوى أنها من قرية شونم، والتي كانت تقع على بعد خمسين ميلا إلى الشمال من أورشليم، وإلى سبعة أميال إلى الجنوب من المدينة التي عرفت فيما بعد بالناصرة والتي عاش فيها المسيح مخلص العالم، ومع أننا لا نعرف الكثير عن حياة هذه المرأة، إلا أننا نعلم أنها كانت من الطبقة المتوسطة الغنية، وأن بيتها كان من البيوت الظاهرة في القرية، بل وربما أغناها وأيسرها، وأن لقمة العيش كانت سهلة وميسورة، وأنها كانت تملك أرضًَا، تدر عليها الوفير من العيش والحياة، وأنها يوم اضطرت إلى الهجرة لمجاعة طارئة رد الملك لها أرضها المغتصبة، والحياة كانت هادئة وطيبة للمرأة، حتى أن أليشع عندما سألها عما اذا كان يعوزها شيء، ردت بأنها ساكنة في وسط شعبها، لا تقلق أحدا، ولا أحد يتعرض لها بالإقلاق أو المضايقات أو الترفع على من حولها من القرويين أو الريفيين كما يفعل بعض الثراة أو الأغنياء من أهل الريف، بل يبدو أنها كانت امرأة وديعة مجبولة على روح الوداعة والتواضع، وكانت المرأة لها أكثر من ذلك الكرم القروي الطبيعي غير المتكلف، فهي لا تعطي فحسب، بل تسر بالعطاء والجود والكرم، وعلى وجه الخصوص الضيوف العابرين في الطريق، والغرباء الذين يحتاجون إلى معونة ومساعدة، على أن المرأة تميزت أيضًا بالتقوى العميقة الصادقة، فكل حركاتها وسكناتها، وكل مشاعرها وعواطفها، وكل ما صدر عنها من أفعال أو انفعالات كانت تكمن وراءه روح امرأة تقية عميقة التقوى، تخاف الله وتحبه، وتقبل منه الآلام والآمال، بوداعة وتسليم ورضا وخشوع وسكينة وحب!! ولعل هذه كلها هي التي أعطتها ذيوعًا وشهرة أكثر من زوجها، الذي أخذ مكانه في الظل إلى جوار شخصيتها القوية العظيمة الواضحة!!.. الشونمية ومظاهر عظمتها وإذا كانت الشونمية، توصف في المعنى العام بالمرأة العظيمة إلا أن مظاهر عظمتها قد ظهرت على وجه الخصوص في بعض المواقف الموثرة البطولية في عرض حياتها وسيرتها، ويمكن أن تراها بوضوح فيما يلي: عظمة التقوى رغم الحرمان من السهل على الإنسان أن يتصور التقوى تسير سيرها المطرد المستمر، مع نجاح الإنسان أو خيره، أو سلامته، أو مدى ما يتمتع به من دسم أو وفرة، ومع أن المرأة الشونمية كان لها الكثير، لتشكر الله عليه، وتغني بالحمد لجلاله، إلا أنها رغم ذلك كانت محرومة من أغلى ما كانت تحن إليه المرأة اليهودية في ذلك الوقت، بل أن هذا الحرمان كان يصور في كثير من الأوضاع والصور، كغضب الله أو قسوته أو شدته، عندما تكون المرأة عاقرًا لا تنجب أو تلد، ولعلنا نذكر المذلة التي كانت تفيض بها مشاعرها من هذا القبيل، ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال سارة ورفقة وراحيل وحنة وغيرهن من النساء، ألم تؤثر راحيل الموت على حياة العقم وعدم الإنجاب، وألم تبك حنة في مرارتها القاسية في بيت الله لأنه لم يكن لها ولد!! ولعل الشونمية التي ظلت سنوات كثيرة بلا ابن، قد بكت مرات بلا عدد أو حصر وهي أمام الله في الصلاة، أو في عزلتها من الناس، أو ربما أمامهم، وهي تنشد الولد أو تحن إليه، ولكنها مع هذا كله لم يعرف منها أو عنها قط حياة التذمر أو التمرد أو الشكوى أمام الله والناس، لقد كانت في حرمانها المرأة التقية الزكية الإحساس المفعمة بالتسليم والسكينة والرضا لقضاء الله وأمره، كما كانت بعد مجيئة، ذات المرأة الممتلئة بكل عرفان وشكر وحمد لرحمته وإحسانه وجوده، بل لعلها كانت تقول مع أيوب، عندما تتعرض للإحساس بتجربة لتذمر «هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئًا فقط أزكي طريقي قدامه...» أجل كانت المرأة في كل عقهما، وبكل عمقها، مظهرًا عظيمًا لتقوى المحرومين من هذا أو ذاك أمام الله.. عظمة الخدمة دون انتظار الأجر ولعل المظهر الثاني لعظمة هذه المرأة كانت روح الخدمة التي تتملكها، دون أدنى تفكير في رد أو جزاء بشري، لقد خدمت أليشع وتعبت في خدمته، على النحو الذي أثار الرجل وحرك مشاعره، فناداها، يطلب إليها أن يرد بعض المعروف مقابل ما سبب لها من انزعاج واهتمام ومتاعب، ولكن المرأة تجيب بأنها لا حاجة لها إلى شيء وهي ساكنة آمنة في وسط شعبها، لقد أوغلت في خدمتها إلى أليشع حتى أنها بنت له في بيتها علية يأوى إليها كلما جاء أو عبر الطريق، دون أن تنتظر جزاء أو شكراً، سوى احساسها العظيم بلذة الخدمة نفسها اللذة التي لا يستطيع أن يدركها سوى أولئك الذين خرجوا من نفوسهم إلى الآخرين، ومن الأثرة إلى الإيثار، ومن محبة الذات إلى محبة الجميع، كل من يمد يده إلى المتعب والغريب والضائع والمشرد والبائس والباكي وما أكثرهم في كل زمان ومكان على ظهر هذه الأرض!!.. عظمة السلام رغم وقوع الكارثة على أن المرأة تبدو في أروع صور العظمة عندما يموت ولدها الوحيد، قرة عينها، وبهجة قلبها، والذي جاء بعد ما ذكرنا من الحرمان القاسي لسنوات متعددة طويلة، والذي عاش سنوات بلغ فيها مرتبة الصبي، التي تجعله يخرج من البيت ويذهب لأبيه في الحقل، أو يجري هنا وهناك كما يجري سائر الأولاد اللاعبين الضاحكين مثله وفي سنه، وقد جاءت الضربة مفاجئة وغير متوقعة إذ كانت ضربة شمس وهو عند أبيه في الحقل، وكانت مسرعة وقاسية ومذهلة، فما أسرع ما يصل الصبي إلى أمه، حتى يموت قرب الظهيرة في حجرها، وهنا يقف الإنسان أمام مشهد من أدق وأقسى المشاهد التي يمكن أن يراها المرء في حياة الناس، كيف تواجه المرأة الكارثة وتتصرف إزاءها! لقد تحولت في دقائق ولحظات إلى أعظم صورة يمكن أن تتصورها من العظمة في مواجهة الفاجعة والآلام، ومع أن المرأة في العادة لا تنصرف بمفردها في مثل هذه المواقف التي تهزم أصلب الأعواد وأشجع القلوب، إلا أنها مع ذلك حرصت على ألا يعلم زوجها شيئًا عن الأمر، إذ قصدت أن تلوذ برجل الله والذي لم يكن في بيتها بل كان في الكرمل على بعد عشرة أميال على الأقل، وإذ يستفسر الزوج عن سر ذهابها تجيب بكلمة واحدة: سلام... وعندما تقترب من النبي، ويفزع إذ يراها مسرعة إليه فيرسل جيجزي بسؤال واحد: أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد تجيب أيضًا بكلمة واحدة: سلام! وكيف يمكن أن يكون هناك السلام للنفس التعسة الحزينة المرة المفجوعة بل للنفس التي راضت حياتها على الصورة الأولى من غير ولد، وكان يمكن أن تستمر هكذا حتى استيقظ فيها الأمل بمجيء الغلام الذي أضحى هو الحياة بل أهم من الحياة عندها؟ كيف يمكن أن يكون السلام وقد كانت في قصتها الأولى كمن يسير قريبًا من الأرض لا يهتز إذا سقط عليها، ولكنه سرعان ما يصعد إلى أعلى الأدوار ليسقط، ولا يترضض فقط، بل ليتهشم تهشيمًا، ويضحي أشلاء تذروها الرياح، وكيف يمكن للإنسان أن يصل إلى السلام عندما يعصره الألم، وينضح بالتعاسة والدموع! هذا موقف من أندر المواقف وأقساها، ولو أن المرأة واجهته بما لم تواجهه امرأة أخرى إذ تغلق على ولدها ولا تذرف دمعة، ولا يعلو صوتها بتشنج أو نحيب، بل تذهب بصمت مليء بالمرارة إلى رجل الله، لكانت من أعظم النساء اللواتي عرفن في مواجهة الصدمات بشجاعة وصلابة وصبر في هذه الأرض، لكن المرأة ارتفعت فوق المرارة والآلام والتعاسة والأحزان التي لا توصف بشيء أسمى وأعلى وأمجد!!... لقد كانت أشبه بالطائر المرتفع الذي يشق طريقه إلى أعلى السموات مرتفعًا فوق الغيوم والسحب والأمطار ليواجه الشمس المشرقة الرائعة العظيمة، لقد واجهت المرأة المحنة بإيمان عجيب، قل أن يكون له نظير أو مثيل في حياة الناس، لقد آمنت أن الولد الذي جاء بمعجزة، سينهض من الموت ويقوم أيضًا بمعجزة، وقد حول هذا الإيمان نارها الملتهبة سلاماً وعذابها الذي لا يوصف هدوء وسكينة، لايمكن أن تكون من صنع الإنسان أو من قدرة ذاتية عنده، بل من روح الله وشخصه المبارك الذي لا يترك المؤمن، بل يجتاز معه الأتون المحمي سبعة أضعاف ويخرجه منه على نحو خارق من البهاء والجمال والعظمة على مشهد من الجميع ويصورة تذهب مضرب المثل كلما ذكرها الناس كواحدة من أقسى التجارب في حياة البشر على هذه الأرض!! وهل هناك عظمة يمكن أن تداني هذه العظمة في مواجهة المحن والآلام. الشونمية وجزاؤها المبارك كانت الشونمية، وهي تأخذ جزاءها من الله، أشبه بذلك القديس الذي تذكر القصة الخيالية أن الله طلب منه أن يختار أية عطية سيمنحها له المولى مهما كانت غالية وعظيمة وكريمة وأبي القديس وهو يقول الله: لقد أعطيتني ياسيدي فوق ما أطلب أو أحتاج، وأنا أسير إحسانك وجودك، ولا يعوزني قط شيء من الخير، وأجابه الله: ولكني أريد أن أعطيك أكثر فاطلب ما تشاء أو تريد!.. وقال الرجل: إذا كان ولابد يا مولاي!! فاني أرجو أن تعطيني أن أفعل الخير دون أن أحس إني فعلته أو قمت به!! وقال الله له: ليكن لك ذلك!.. وكان الرجل يسير فإذا وقع ظله على مريض شفي وبريء دون أن يشعر!! ولعله من الملاحظ أن المرأة لم تطلب الولد عندما سألها أليشع ولكن الولد جاء نتيجة ملاحظة جيحزي، إن البيت خال من ابن! لقد قدمت المرأة خدمتها وترحيبها وعطاياها تحت إحساسها العميق، بأن هذا ليس من واجبها فحسب بل هو امتيازها الأعظم أيضًا، ورأى الله أن المرأة أقرضته وأعطته وهو لا يقبل أن يكون مديونًا لأحد، وهو إذ يعطي إنما يعطي أضعافاً مضاعفة لا يمكن أن توازن بما يقبل أو يأخذ، ألم يقل السيد: «من يقبل نبيًا باسم نبي فأجر نبي يأخذ ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ ومن سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره».. وهل ضاع أجر المرأة، ألم تأخذ الولد، ولم تأخذه مرة واحدة في الحياة. بل أخذته مرتين؟ وألم تأخذ خيرًا سابقًا ولاحقاً لما قدمت لرجل الله من ضيافة أو كرم، عندما فاض عليها الله بالخيرات الكثيرة في بيتها، وعندما حفظ الله لها أرضها طوال المجاعة التي استمرت سبع سنوات، واغتصب الغاصبون حقلها، فلم يرد لها الملك الحقل عندما صرخت إليه فحسب، بل رد لها أكثر من ذلك غلاته التي أخذت طوال فترة غيابها عن شعبها وبلادها، طوال السبع السنوات من المجاعة القاسية. أيتها الشونمية العظيمة! هل يتعلم الناس، وهم يبحثون عن العظمة كيف تكون أصلا في العادي من الحياة في السماحة والجمال والدعة والخدمة بينهم، قبل أن تكون في طلب الخوارق والعجائب والمعجزات، والله على استعداد أن يعطي هذه وتلك، لمن يعيش ويحيا كما عشت وحييت، وكنت بحق في الحالتين كما ذكر الوحي «وفي ذات يوم عبر أليشع إلى شونم وكانت هناك امرأة عظيمة».
المزيد
12 نوفمبر 2021

مهابة الكنيسة وكرامتها

مهابة الكنيسة وكرامتها يقول لنا الكتاب فى الجزء الذى قرأته: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ.الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ. الكنيسة هى قطعة من السماء، يجب ان تكون بالغة الجمال، ولذلك يمكن ان نسميها تجاوزا انها “سفارة السماء على الارض”، وكما نقول فى الصلاة الربانية “كما فى السماء كذلك على الارض” نصلى ان تكون الكنيسة قطعة من السماء، وكل مرة ادخل الكنيسة وأراها جميلة جدا اتسأءل كيف يكون جمال السماء؟ هذه تعاريف للكنيسة ولكننا نقول ايضا؛ الكنيسة هى بيت الله، او بيت الملائكة، او باب السماء، او عروس المسيح، او مسكن الله مع الناس، او بيت الصلاة، او بيت القديسين، او عمود الحق، او جسد المسيح. كل هذه تسميات للكنيسة، ولكن اهم ما يمكن ان يوجد فى اذهاننا انها قطعة من السماء على الارض، ماهى وظيفة الكنيسة: الكنيسة تقوم باعمال كثيرة ولكن الوظيفة الرئيسية لها والدور الحيوى فيها هو اعداد المؤمنين للملكوت، وهذا الاعداد هو رحلة حياة يأخذ الحياة من الصغر الى نهاية العمر، لهذا تبتدأ الكنيسة مع الطفل الصغير الرضيع بصلاة الحميم وسر المعمودية وتمتد عبر الحياة الى نهاية الحياة الى ان تصلى وتودعه الى السماء، اعداد الانسان للسماء. وهذا أمر يجب ان يكون واضحا فى ذهن كل من يخدم، نقابل على الارض مشكلات ومتاعب لكن من يخدم فى أى مستوى يجب ان يعى تماما ان من نخدمهم هو ان نخدمهم لكى ما يكون لهم نصيبا فى السماء، السماء مفتوحة لكل احد، ولكن لمن يعيش هذا الايمان بالمسيح ويسلك حسب وصية المسيح ويحيا فى كل يوم بالكلمة المقدسة فى حياته من خلال الكنيسة المقدسة، هذه هى وظيفة الكنيسة قد نقيم أنشطة نقيم احتفالات كله جيد وجميل، ولكن الهدف الرئيسي والاول من فصول مدارس الاحد حتى الاجتماعات الكبيرة والاجتماعات النوعية والاجتماعات التعليمية والاجتماعات التخصصية بكل اشكالها لها هدف واحد وهو ان يصير للانسان نصيب فى السماء. ولذلك ياأخوتى الارتباط بالكنيسة والحياة بداخلها والتعلم منها وتربية اولادنا وبناتنا وشبابنا داخل الكنيسة والانجيل وداخل هذه المفاهيم شئ هام جدا. ولذلك نسمى الكنيسة الأرثوذكسية (كما تعلمون كلمة ارثوذكسية معناها الاستقامة) الارثوذكسية هى الطريقة المستقيمة لتمجيد الله.. الطريقة التى ليس فيها تحايل ولا تسيب نستخدم ما فى العصر ونستخدم التكنولوجيا المتاحة التى ممكن ان تكون مفيدة ولكن نحفظ مبادئ نقية لان الخطية هى “خاطئة جدا” الخطية هى خطية مهما غيرنا لها العنوان. اعرفوا ياأخوتى انه “لا خلاص خارج الكنيسة” كما يقول القديس اغسطينوس، ويقول القديس كبريانوس “من لم يتخذ الكنيسة اما لا يكون الله أبيه”، والقديس اغسطينوس يقول “حينما كان المسيح ظاهرا فى الجسد كانت الكنيسة مخفية فيه، هو يعمل كل شئ لها. وحينما صعد بالجسد صار هو مخفيا فيها، وصارت تعمل كل شئ به ولأجله”، ويوحنا ذهبى الفم قال عبارة اجمل “السماء الكنيسة هى اعلى من السماء واكثر اتساعا من الارض لانها يمكن ان تحتضن الجميع” ماهى مكانة الكنيسة بالنسبة الى الانسان اولا: الكنيسة فيها احتياج كيانى للانسان : كل واحد منا يحتاج الكنيسة، فقصد الله عندما بدأت البشرية ان يعمل على تأمين الانسان فى وسط المجموع، عندما نقرأ فى العهد القديم، نقرأ عن كنيسة البرية وهى خيمة الاجتماع، خيمة ولها تفاصيل كثيرة فى سفر الخروج لكن اهم مافى هذا الامر انها كانت تتحد معهم، عندما يتنقلوا يفكوها ويحملوها ويمشوا بها وعندما يقفوا فى مكان ينصبوا الخيمة بكل التفاصيل، وكانت هذه الخيمة فى البرية تنتقل معهم من مكان لمكان ولكن هى مسكن الله مع الناس. ثم تطورت الفكرة وصارت ثابته فأنشئ لهيكل فى اورشليم، وصارت مبنى ثابت ومبنى ايضا له فخامته وعظمته وتقسيماته الداخلية والخارجية، وهذا الهيكل فى اورشليم هو الذى تهدم فى الحادثة المعروفى باسم خراب اورشليم عام 70 ميلاديا بعد صعود ربنا يسوع المسيح ومازال مهدوما. من الهيكل فى العهد القديم نشأت الكنيسة فى العهد الجديد، كانت الكنيسة فى البداية صغيرة مبنية بخشب بامكانيات محلية قليلة جدا، نسمع عن الكنيسة المعلقة كانت معلقة فوق احد الحصون وهو حصن بابليون فيها كمية اخشاب كثيرة، ونسمع عن كنائس الاديرة كان النمل والسوس يهاجم الاخشاب ويسقطها، ولكن صارت الكنيسة مع بدايات القرون الاولى لها مبنى، وصارت تسمى كنيسة مسيحية، وانتشرت الكنيسة فى العالم، وهى التى قال عنها السيد المسيح لبطرس الرسول وفى حضور كل التلاميذ “على هذه الصخرة ابنى كنيستى”. وبنيت الكنائس فى بعض الاماكن على شكل الفلك باعتبار ان الكنيسة هى السفينة التى تنقذ الانسان فى بحر العالم، وبنيت فى مواضع اخرى على شكل الصليب، وكلها تدور فى هذه الاشكال الهندسية وبرع المصممون فى اشكال كثيرة وان احتفظت بطابعها، يوجد فيها مثلا 12 عمود للتلاميذ وبعض الكنائس اربعة للبشيرين الاربعة، وصارت الكنيسة هى مسكن الله مع الانسان فى العالم كله، وابسط تعريف يقوله الاولاد الصغار (بيت ربنا) ولذلك ياأخوتى احترام الكنيسة مسؤلية كل صغير وكبير فينا، حتى وان كنيستنا كنيسة شعبية لكن كيف تكون بارعة الجمال فى نظامها فى نظافتها فى كل مافى داخلها من مكونات الكنيسة احتياج كيانى فى الانسان وامتداد لهذا الاحتياج الكيانى المسيح يسكن فى الكنيسة، فالمسيح يسكن فيا –فى الانسان- وصار المسيح فينا وصرنا جميعا نسمى اعضاء جسد المسيح، والمسيح رأس هذا الجسد وكما يعلمنا الكتاب المقدس “من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فيا وانا ايضا فيه” الامر الثانى : الكنيسة حضور دائم للمسيح : فى اخر انجيل معلمنا متى البشير قال “ها انا معكم كل الايام والى انقضاء الدهر” فالكنيسة تمثل الحضور الدائم لشخص المسيح، فى قصة شاول الطرسوسى الذى كان يضطهد كنيسة الله بافراط –كما قال عن نفسه- يسمع من المسيح “شاول شاول لماذا تضطهدنى، يقول له من انت ياسيد، فيجيبه انا يسوع الذى تضطهده” اين هو يسوع! هو الحاضر فى المؤمنين هو الكنيسة، عندما تعرض كل المسيحين فى اورشليم للاضطهاد وقت استفانوس ورجمه تشتتوا فى بلاد الشام ذهب شاول وراءهم وهو فى طريق دمشق يظهر له المسيح ويقول له “انا يسوع الذى انت تضطهده” يسوع الذى يسكن فى قلوب المؤمنين، وقلوب المؤمنين تبنى وتجتمع من خلال الكنيسة، لهذا تعلمنا “أما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم” فيصير كل انسان فينا هو كنيسة ولها مذبح، هو القلب، قلبك هو مذبح كنيستك، ومجموعنا كلنا يشكل كنيسة الله الحية وكلنا نتناول على المذبح، هذه هى الكنيسة وهذا هو المسيح الذى يحيا فينا الامر الثالث : ان الكنيسة هى ايضا نافذه على الابدية : نحن نصلى فى اتجاه الشرق –كما تصلى ايضا الكنيسة الروسية- اعيننا كلها على السماء فى الشرق، وعندما يصرخ الكاهن “اين هى قلوبكم؟” كلنا نجيبه “هى عند الرب” والكنيسة بينطبق عليها قول بطرس الرسول فى وقت التجلى “جيد يارب ان نكون هاهنا” ماأروع ان اكون فى الكنيسة، وعندما نعبر فى الترنيمة المشهورة “الكنيسة هى بيتى وهى امى وهى سر فرح حياتى” هذا تعبير قوى وأصيل عن مكانة الكنيسة فى حياة الانسان، ومن الملفت للانتباه انها بالصيغة الفردية، يعنى هى بيتى كشخص وهى امى، وهذه المعانى معان كبيرة بالنسبة للانسان فتصير الكنيسة فعلا نافذة على الابدية، هل جربت تدخل الكنيسة وهى فارغة؟ جربت تجلس فى خشوع بعد ان تنير شمعة؟ ان اختبرت هذه الخبرة الروحية وعشت فيها بكيانك سوف تكتشف انك امام نافذة على السماء، وسوف تكتشف كم تكون السماء جميلة وجذابة لكل انسان، لهذا نقول فى كل قداس “يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه”. فتصير الكنيسة نافذة، ونحن جالسين فى الكنيسة ونتطلع للشرق كأننا وبالحقيقة نتطلع الى السماء، وكنيستنا تعلمنا ان حامل الايقونات فيه ايقونات القديسين ينظروا الينا هم يتطلعون من السماء الينا واعداد كبيرة جدا من القديسين يتطلعون الى الذين يجاهدون على الارض فى جهادهم الروحى وفى حياتهم الروحية، لان الانسان عندما يتطلع الى السماء على الدوام تهون عليه الارض، ولا يتعلق بها او تحيا بداخله، ويصير انسانا سماويا واذا صار بالامانة يكون مستحقا النصيب السماوى هذه الكنيسة فى مكانتها بالنسبة للانسان : احتياج كيانى، وحضور دائم للمسيح، ونافذة على الابدية اذا اراد ربنا وعيشنا فى المرات القادمة نتكلم عن مصادر مهابة الكنيسة وكيف نحتفظ فى كنائسنا بهذه الكرامة وهذه المهابة لالهنا كل مجد وكرامة من الان والى الابد. أمين
المزيد
27 فبراير 2021

الضعف: أنواعه وأسبابه وعلاجه

على الرغم من محبه الناس للقوة و تمجيدهم لها، إلا أنه لا تزال هناك ضعفات يتصف بها البعض، وتكون سببًا للشكوى، أو سببًا للألم. وقد يوجد شخص قوى بصفة عامة، إلا أن له ضعفًا في زاوية معينة من حياته، أو في جانب معين من تصرفاته فما هي إذن أنواع الضعف؟ وكيف يمكن معالجة كل نوع منها؟ وما هو موقف الأقوياء من الضعفاء؟ هذا ما نود أن نتحدث اليوم عنه... أنواع الضعف 1- قد يوجد عند إنسان ضعف، لا ذنب له فيه:- مثال ذلك ضعف وصل إليه عن طريق الوراثة، أو ظروف ولادته. سواء كان ذلك الضعف في جسده، أو في قواه العقلية، أو في مستوى اجتماعي ضعيف، أو في أسرة لا تساعده على الحياة السويّة، أو أنه نشأ بأسلوب تربوي خاطئ ترك في نفسيته ضعفات تتعبه في مستقبل حياته ونلاحظ أن ضعف الجسد قد يقاسى منه الإنسان الروحي أيضًا. إذ لا يقدر على ممارسات روحية معينة بسبب ضعف جسده وعدم قدرته. فعلى الإنسان الروحي ألا يصيبه هذا بالإحباط، بل يعمل على قدر ما يحتمله جسده... 2- وقد يوجد شخص، أعصابه ضعيفة:- وهو لهذا السبب ضعيف الاحتمال، يثور ويغضب بسرعة، ويغضب بسرعة، ويخطئ في غضبه. ويحتاج إلى إنسان قوى وطويل البال و رحب الصدر، يمكن أن يحتمله. إذ يجب على الأقوياء أن يحتملوا ضعفات الضعفاء. ومعروف أن الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يحتمل. أما الغضوب الذي يثور ويخطئ إلى غيره، فهو الإنسان الضعيف على أن الغضوب يلزمه أن يعالج الضعف الذي فيه، أعنى الغضب وذلك بأن يبعد عن أسباب الغضب، وعن المجالات التي تثير أعصابه. فيمارس تداريب روحية في البعد عن الغضب. ويقوّى أعصابه من الناحية الجسدية. ويتأنى في انفعاله وفى ثورته. ويفكر في النتائج السيئة لغضبه و نرفزته قبل أن يغضب. ويتدرب على ضبط النفس. كما يقرأ كثيرًا عن الودعاء و الهادئين محاولًا أن يتأثر بسيرتهم ويتمثل بهم. ويحترس من أن يقول "هكذا طبعي"! فالمفروض أن ينتصر على طبعه... 3- هناك نوع آخر من الناس ضعيف في إرادته:- فالخير الذي يقتنع به، يعجز عن تنفيذه. إذ تنتصر شهواته أو طباعه على اقتناعه، فيضعف. أو قد يكون مثل هذا الشخص، من طبعه التردد. فإرادته لا تستطيع أن تقرر ما ينبغى أن يفعله. وإن قرّر شيئًا، لا يمكنه أن يثبت فيه، بل تراوده أفكار أخرى وتوجد تداريب كثيرة لتقوية الإرادة. وقد يستطيع أن يقوىّ إرادته، عن طريق التغصب، وقهر الذات في أخطائها، أو عن طريق الصوم. كما يصلح له أن يستشير مرشدًا روحيًا يثق تمامًا بحكمته، ويخضع لإرشاده وإن كانت هناك عادة تسيطر عليه، ينبغي أن يقاومها، ولا يستسلم لها، لأن هذا الاستسلام يزيده ضعفًا على ضعف... 4- يوجد إنسان آخر يتعبه ضعف إيمانه:- له إيمان نظري، ولكن هذا الإيمان من الناحية العملية يمكن أن يضعف. وإن تعرض لمشكلة، ينهار أمامها ويخاف. ويدل انهياره على ضعف إيمانه بحفظ الله له ورعايته وحمايته. وإن صلى صلاة، ولم يشعر باستجابة سريعة، يبدأ أن يشك في جدوى الصلاة وفى معونة الله! بينما يكون الحلّ قادمًا من عند الله، ولكن هذا الضعيف لم يستطيع أن ينتظر! بل هو يحتاج أن يثق بأن الله يعمل لإنقاذه، مهما بدا له أن المعونة قد تأخرت! 5- نوع آخر من الضعف هو ضعف النفسية:- وهذا النوع من الناس الضعاف النفسية يسمونهم أحيانًا "صغار النفوس". وهم يقلقون بسرعة ويخافون ويضطربون، بل قد ينهارون ويبكون. وربما يقعون في اليأس. وهم قليلو الاحتمال، وسريعو الانفعال، ويحتاجون باستمرار إلى من يسندهم. وقد يكون البعض منهم كبيرًا في سنّه، ولكن له نفسية الصغار..! 6- نوعيات أخرى من الضعف:- منها ضعف العقلية. ويتمثل في من يتصفون بمستوى ضعيف في درجة الذكاء، ويشمل ذلك ضعفًا في الذاكرة وهناك أيضًا ضعف الشخصية ومن صفاتها العجز عن التصرف السليم، وسهولة الانقياد، وسرعة التحول، وعدم الثقة بالذات أما ضعف الروح فهو الذي يستسلم للخطيئة بدون مقاومة تُذكر، ولا يصمد أمام حروب الشياطين وإغراءات المادة وشهوات الجسد من بين أنواع الضعف أيضًا: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة.. موقفنا من الضعفاء:- إن كنت أنت ضعيفًا، فلا تيأس من ضعفك، بل حاول أن تعالجه وإن رأيت شخصًا ضعيفًا، فلا تحتقر ضعفه، بل تذكر الحكمة التي تقول "شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ".. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 14)لذلك افتحوا طاقة من الرجاء، لتضئ على الذين يسيرون في الظلمة خائفين ومضطربين. امنحوهم ثقة، وحدثوهم عن تدخل الله في حياتهم ولو في آخر لحظة. واحكوا لهم قصصًا عن الذين سقطوا وقاموا وصاروا من الغالبين، ومن الذين فشلوا أولًا ثم نجحوا أخيرًا، ومن كفاح الضعفاء الإنسان القوى، لا يجوز له أن يفتخر على الضعيف، ولا أن يستصغروه، ولا يشهر به. بل على العكس يشجعه، ويمنحه من القوة التي فيه التي منحه الرب إياها. والله نفسه- تبارك اسمه- يعتني بالضعفاء، كما يعتني بالأطفال، ويسندهم، ويشفق عليهم.وكل إنسان معرض للضعف أحيانًا. والذي تدفعه الكبرياء إلى احتقار الضعيف، ما أسهل أن يضربه الشيطان فيضعف أو يسقط..! معالجة الضعف:- 1- مهما كنت ضعيفًا، لا تيأس:- لا تفقد الأمل مطلقًا. لأن اليأس يحطم النفس، ويجعلك خائر القوى، تستسلم للضياع، وتستمر في الضعف وفي الخطأ، وكأنه لا فائدة من الجهاد!! ضع أمامك أمثلة لمن كانوا في حالة أسوأ من حالتك، وقد خلصهم الله من نقائصهم. 2- جاهد بكل ما عندك من قدرة مهما كانت ضئيلة:- وجهادك يدل على رغبتك في القيام، متذكرًا أن أطول مشوار كانت أوله خطوة، وأن أكبر مشروع ناجح كانت بدايته فكرة. وأن حفنة من القمح ترميها في الحقل تنتج لك جوالات من الحنطة. 3- ابحث عن سبب ضعفك، وحاول أن تعالجه:- سواء كان في داخل نفسك من صفة فيك، أو من تأثير خارجي عليك أن تقاومه وتبعد عنه. وأعرف أن كل مشكلة لها حلّ أو حلول، وأن كل باب مغلق له مفتاح أو عدة مفاتيح. وكل مرض له وسائل للعلاج.. 4- اطلب معونة من الله، واجعل ضعفاتك مجالًا لصلواتك:- وكن واثقًا أن الله يسمع وأنه يستجيب، لأنه يحب الخير لك، ويعمل لأجل منفعتك. وعليك أنت أيضًا أن تعمل. فالمعونة التي تأتى من فوق يمكن أن تسند الضعف الذي يجاهد ولا يكل وكن باستمرار متفائلًا، متوقعًا خيرًا. وليكن الله معك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
03 يونيو 2021

ثمار القيامة فى حياتنا

اهنئكم أحبائى بعيد القيامة المجيد الذي نحتفل به في باكر كل يوم وفي أيام الاحاد وفي زمن الفصح لمدة خمسين يوما ، بل ويجب ان نحيا القيامة كل ايام حياتنا فنحن ابناء القيامة والمسيح القائم من بين الأموات ،الذي مات من اجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا . لقد انتصرالمسيح بقيامته علي الخطية والشيطان والموت ووهب الحياة للذين في القبور. قام الرب يسوع المسيح منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، ولكي يهبنا الشجاعة والقوة في مواجهة الشر والشيطان والموت والخطية وليحيينا حياة أبدية بقيامة المجيدة ان الله الكلمة المتجسد الذي سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بسقوطها فى الخطية وطردها من الفردوس ، برحمتة الغنية أراد لنا بالإيمان به وبقيامته ان نقوم معة في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. ومن بين عطايا القيامة الكثيرة فى حياتنا انها تجعلنا نحيا فى حياة السلام والقوة والفرح والرجاء . القيامة نبع للسلام .. شتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب وحتي بعد ان اجتمعوا كانوا في خوف ورعدة ولكن دخل اليهم الرب يسوع وهم في العلية والابواب مغلقة وقال لهم سلام لكم (و لما كانت عشية ذلك اليوم و هو اول الاسبوع و كانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع و وقف في الوسط و قال لهم سلام لكم). (يو 20 : 19) . تحول الخوف الي شجاعة ،والضعف الي قوة، والارتباك الي سلام، وجال الرسل يكرزون ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من اجل تبريرنا ان كل من يؤمن بالقيامة مدعوا الي حياة السلام (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم و لا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة . ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله ، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو31:8-38. القيامة مصدر قوة للمؤمنين ... فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر علية الرب بصليبة وقيامتة ، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي اخزت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور(و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع و نعمة عظيمة كانت على جميعهم). (اع 4 : 33) نعم نحن الذين أخذنا قوة الروح القدس وثمارة لا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير (لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم و تكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية و السامرة و الى اقصى الارض). (اع 1 : 8).لقد أعطانا الرب القائم من الأموات قوة من العلاء { ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات و العقارب و كل قوة العدو و لا يضركم شيء} (لو 10 : 19). وها نحن نحيا على رجاء مجئيه الثانى { و حينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة و مجد} (مر 13 : 26) نحيا شهود للقيامة ونثق فى وعود الرب الحى الى الابد { فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا }(مت 14 : 27). الفرح الروحى ثمرة القيامة المجيدة .. أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح . كان قال لهم قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) يو 20:20. وأتخذ التلاميذ من الأيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( و ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا و باطل ايضا ايمانكم.ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. (1كو 15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة .هكذا راينا الرسل بعد ان تعرضوا للضرب امام المقاومين (و اما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه (اع 5 : 41).وهكذا يوصينا الأنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة ( فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة)(رو 12 : 12). نحيا ثمار القيامة .. قيامة الرب يسوع من بين الأموات تبث فينا روح الفرح والسلام والقوة والثبات وكما سار ابائنا الرسل علي درب سيدهم مقتدين به علينا أن نعرف المسيح وقوة قيامتة وشركة الآمه . نحن نسير علي ذات الدرب والله قادر ان يقودنا في موكب نصرته لنحيا أيماننا ونشهد له لنكون أبناء وشهودأ للقيامة ،لنكون دعاة سلام وعدل وحرية ونبذل من وقتنا واموالنا وحياتنا في خدمة الجميع . نعمل على المشاركة الإيجابية والفاعلة والمستمرة فى بناء مجتمع تسوده روح القيامه والفرح والقوة والسلام .إن قيامة السيد المسيح القوية، سكبت فى البشرية قوة القيامة ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا القيامة { فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله}. (كو 3 : 1). اذ اقدم لكم احبائنا ارق التهاني بعيد القيامة المجيد فاننى أصلى معكم للذى أبطل الموت وانار لنا الخلود والحياة ان يشرق فينا بشمس بره لنرى ونعاين ونحيا أمجاد القيامة وسلامها وافراحها وقوتها ورجاء الحياة الإبدية . نصلى من أجل كل نفس لتقوم من سقطاتها وتحيا حياة النصرة على الخطية والشر والفساد وعلى كل أغراءات العالم الشرير حتى ما نعاين أمجاد القيامة وحياة الدهر الاتى . نصلى من أجل الكنيسة رعاة ورعية لتعيش كنيستنا بمؤمنيها مفاعيل القيامة وأفراحها وليقدس الرب كل المؤمنين به ليكونوا ابناء القيامة والفرح والسلام ونحيا على رجاء حياة الدهر الأتى . نصلى من أجل بلادنا لتقوم من كل كبوة وتنجح بقوة القيامة فى عبور أيامها الصعبة لتصل بمواطنيها الى حياة العدل والمساواة والرخاء والحرية . ليحيا كل مواطن أنسانيته وكرامته ولنساهم جميعا فى خلق مجتمع حر وديمقراطى يأمن فيه الناس على حياتهم ومستقبلهم . المسيح قام ... بالحقيقة قام القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
30 مايو 2019

أقامنا معه

لقد قام السيد المسيح من الأموات قيامة لا يعقبها موت. أما نحن فنموت بالجسد ونرقد إلى مجيء الرب، وحينئذ نقوم بأجسادنا نفسها، ولكن في وضع مختلف، حيث يخرج الأبرار إلى قيامة الحياة الأبدية، والأشرار إلى قيامة الدينونة إذًا فعبارة معلمنا بولس الرسول: "أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف 2: 6) لا تؤخذ بصورة حرفية كما لو كانت شيئًا قد حدث وانتهي حاليًا، كما قالقداسة البابا شنوده الثالث نيح الله نفسه لأن الأبرار سوف يقومون في اليوم الأخير، أما السيد المسيح فمكتوب عنه أنه "باكورة الراقدين" (1كو 15: 20) "والباكورة" لا تعني إطلاقًا "الكل". فلو كان الكل قد قام بالفعل وانتهي الأمر، فكيف يعتبر السيد المسيح باكورة الراقدين؟!إن عبارة "أقامنا معه" ينبغي أن تُفهم بطريقة روحية كما يلي: أولًا: إنها وعد بالقيامة لكل من يؤمن ويثبت في المسيح فيغلب "هذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئًا بل أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 39). و"من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 54). ثانيًا: إننا في المعمودية قد صرنا متحدين مع الرب بشبه موته وبشبه قيامته (انظر رومية 6): فنحن في المعمودية ننال قوة الموت مع المسيح وقوة القيامة معه "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو2: 12) فالقيامة المقصودة هنا هي قيامة الحياة في البر والنصرة على الخطية. كما قال معلمنا بولس الرسول عن الله: "يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو 2: 14). وهذه هي القيامة الأولى أما القيامة الثانية فهي قيامة الراقدين في المسيح في اليوم الأخير "حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25). ثالثًا: لا ينبغي الخلط بين القيامة الأولى والقيامة الثانية، كما لا ينبغي الخلط أيضًا بين الموت الأول والموت الثاني الذي تكلم عنه سفر الرؤيا والمقصود به الهلاك الأبدي،لذلك فمن يحيا في القداسة "فلا يؤذيه الموت الثاني" (رؤ 2: 11). رابعًا: نفس الأمر ينطبق على الصعود: فإن عبارة "أجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لا تعني أننا صعدنا إلى السماء، بل كما يقول القداس الغريغوري(أصعدت باكورتي إلى السماء أظهرت لي إعلان مجيئك، هذا الذي تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله). المسألة كلها ينبغي أن تفهم بطريقة روحية ولا داعي للمزايدة لأن القديس بولس الرسوليقول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1) أي أن الإنسان الذي يتمتع ببركات القيامة يشتاق إلى الأمور السمائية. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
31 أكتوبر 2020

المقالة الخامسة عشرة في ذكر الآباء المتوفين

يوجعني قلبي فتوجعوا معي يا إخوتي العبيد المباركين، تعالوا فأسمعوا أن نفسي توجعني وجوانحي تؤلمني، أين الدموع ؟ وأين التخشع ؟ حتى أحمِ جسمي بالدموع والزفرات. من ذا ينقلني ويخلصني من مكان غير مسكون ؛ حيث لا يوجد ألبته صوت أبناء البشر ؛ حيث يكون الصمت وعدم جلبة، حيث لا يكون رهج يقطع الدموع، ولا مفاوضة شعب تعوق البكاء.فكنت أرفع صوتي وأبكي لدى الإله بعبرات مرة، وأقول بزفرات: أشفيني يارب لكي أبرأ ؛ لأن قلبي يوجعني فوق الإفراط ؛ وزفراته لا تتركني لحظة أن أنال راحة. لأنني أعاين قديسيك كذهب منتخب، تأخذهم من هذا العالم الباطل إلى نياحة الحياة. بمنزلة الفلاح الفهيم العاقل الذي إذا رأى الأثمار بالغة حسناً يقطعها بإسراع لئلا تضرها عوارض ما وتفسدها.هكذا أنت أيها المخلص تجمع المصطفين العاملين أعمالهم ببر ؛ ونحن الوانيين والمسترخين بالنية تبقينا في قساوتنا وثمرنا لا يتغير عن ماهيته. لأن ليس له نية ليبلغ في الأعمال بلوغاً حسناً ؛ ويقطف كما يليق ؛ ويجعل في مخزن الحياة ؛ لأن ثمرنا ليس له دموع لتوصله إلى تناهي البلوغ ؛ ولا تخشع لتتناهى نضارته من نسيم العبرات.ولا تواضع ليظلله من الحر الكثير، ولا هجر قنية لينتقل من الأمور المضادة، ولا محبة اللـه الأرومة القوية الحاملة الثمر، ولا عدم الاهتمام بالأمور الأرضية، ولا سهر، ولا عقل متيقظ في الصلاة.فعوض هذه الأشياء الحسنة ؛ والفضائل الصالحة له أضدادها غيظ مذموم، وغضب ييبسان الثمر لئلا ينمو فينتفع به، وكثرة قنية، والضجر العظيم ينقلانه إلى أسفل.هذه المصائب كلها تشتمله ؛ ولا تتركه ينتهي إلى البلوغ كما يليق ليستوي ؛ ويصلح لصاحبه الفلاح السماوي.ويلك ويلك يا نفس تكلمي وأبكي إذ فقدت بسرعة الآباء الكاملين ؛ والنساك الأبرار.أين الآباء ؟ أين الكاملون ؟ أين القديسون ؟ أين المستفيقون ؟ أين المتيقظون ؟ أين المتواضعون ؟ أين الودعاء؟ أين الصامتون ؟ أين الساكتون؟ أين المتورعون ؟ أين العادمون القنية ؟أين المتخشعون المرضو اللـه الذين كانوا يقفون في الصلاة النقية قدام اللـه كملائكة منيرين يبكون حتى يبلوا الأرض بعبرات الخشوع الحلوة ؟ أين المحبو اللـه الموعبو محبة ؛ الذين لم يقتنوا شيئاً على الأرض ؛ بل حملوا صليبهم ؛ وأتبعوا المخلص أتباعاً دائماً ؛ وسلكوا في الطريقة الضيقة متأملين حذرين أن يسقطوا في الهفوات.أو في برية غير مسلوكة ؛ وفاقدة الماء ؛ ومظلمة ؛ بل سلكوا طريق الحق الممهد ؛ طريق وصايا الرب ؛ سائرين في الطريق المملوء استنار ؛ إلا وهو أوامر المسيح ؛ خادمين اللـه بسيرة حسنة وبحرارة، حزناء باختيارهم في العالم الباطل.فلهذا أحبهم اللـه جداً ؛ وضمهم إلى ميناء الحياة ؛ وإلى الفرح الخالد وليستبشروا هناك ؛ ويتنعموا في فردوس النعيم ؛ وفي خجلة الختن الباقي ؛ لأنَهم ساروا من هنا بفرح إلى الإله القدوس ومعهم المصابيح معدة.فليس فينا نحن فضيلة أولئك ؛ ولا نسكهم؛ ولا حميتهم ؛ ولا مسكهم؛ ولا ترتيبهم ؛ ولا ورعهم ووداعتهم وتخشعهم ؛ ولا زهدهم في القنية ؛ وليس لنا سهرهم، وليست فينا محبة اللـه ؛ ولا تحنن الإله ؛ ولا تألم الأعضاء.لكننا متنمرون غير مستأنسين، ولا يحتمل بعضنا بعضاً ألبته، فألسنتنا هي محمية ؛ نتكلم بِها على بعضنا البعض، كلنا نلتمس الكرامة ؛ ونؤثر التشرف ؛ ونبتغي الراحة لأنفسنا ؛ ونحب القنيات.نحن مسترخون غير مثابرين على الصلوات، أقوياء في الهذيان وفي الدوران غير خاضعين، ضعفاء في السكوت، نشيطون إلى التنعم، مقطبون في الحمية والمسك، باردون في المحبة، حارون في الغضب، عاجزون في الصالحات، حرصون في السيئات.ترى من لا ينتحب، من لا يبكي على محبتنا الموعبة رخاوة، إن أولئك الآباء إذ صاروا قبلنا مرضين للرب خلصوا أنفسهم، ما كانوا متراخين، ولم يتخذ الكاملون فكرين لكن فكراً واحداً وهو كيف يخلصون.وكانوا مرآة صافية للناظرين، وكان الواحد منهم يستطيع أن يبتهل إلى اللـه من أجل أُناس كثيرين ؛ واثنان منهم إذا وقفا أمام اللـه في الصلوات النقية كانا يقدران أن يستعطفا الإله المتعطف كما يليق عن ألوف أناس.ويلك يا نفس في أي زمان أنت.ويلنا يا أحبائي إلى أية حمأة المساوي بلغنا ؛ ونحن نريد أن ينكتم أمرنا؛ ولكون ناظر النفس لا يتيقظ من كثرة العمي والتنزه فلذلك لسنا قادرين أن نتأمل الحزن المنصوب.وها الآن الأبرار والصديقون يختارون ؛ ويجمعون إلى ميناء الحياة ؛ لكي لا يعاينوا الحزن والشكوك التي تتبعنا من أجل خطايانا. كان أولئك ينتحبون ونحن نتناعس، أولئك يجمعون ونحن نتناوم، أولئك يحفظون ونحن ننجذب إلى العالم الباطل، أولئك يذهبون إلى اللـه بدالة ونحن نتنزه على الأرض. حضور الرب قد وقف على الأبواب ونحن نتشكك ونتقسم، الصوت السماوي متهيئ أن يبوق بأمر الرب ويزعزع الكل بصوته المفزع فينهض الموتى ليستوفي كل أحد نظير عمله. قوات السماوات مستعدة وقوفاً في مواكبهم ؛ أيوافوا بتقوى أمام الختن إذا جاء بمجد في سحب السماء ليدين الأحياء والأموات ؛ ونحن غير مصدقين.أترى كيف نكون يا إخوتي في تلك الساعة المخوفة ؟ كيف نعتذر إلى اللـه هناك عن توانينا في خلاصنا ؟ إن لم نحرص الآن ونبكي بوقاحة ونتوب توبة حسنة بتواضع نفس ووداعة كثيرة، فكم كل واحد منا مزمع أن ينتحب في ضغطته ؟وإذا تندم يقول بدموع غزيرة: ويلي أنا الخاطئ، ماذا داهمنى بغتة ؟ كيف عبر عمري وغاب عني بالجملة ؟ كيف سُرق زماني أنا المتنزه الطموح ؟ أين تلك الأيام الهادئة التي قضيتها في التنزه حتى أتوب بمسوح ورماد ؟ لكن لا ينتفع من كثرة هذه الأقوال.وإذا شاهدنا القديسين يتطايرون بمجد في السحب ؛ سحب الأهوية لاستقبال الرب ملك المجد ؛ ونعاين ذاتنا في ضغطة عظيمة. ترى من منا يستطيع أن يحتمل ذلك الخزي والتعيير المض ؟فلنفيق يا إخوتي ؛ فلنستفق يا أحبتي، ولنتيقظ أيها المحبو اللـه، ولننهض يا خلان اللـه.أيها الأولاد المحبوبون من الإله الآب، لنصغين إلى ذاتنا ؛ ولنجمعن أفكارنا قليلاً من هذا العالم الباطل ؛ ولنبحث أمام اللـه بعبرات غزيرة متضرعين بوقاحة وحرص وزفرات قلب ؛ لينجينا من النار التي لا تطفأ، والعذاب المر، لئلا نفارق السيد الحلو الذى أحبنا وبذل ذاته على الصليب من أجلنا.وأنا غير المستحق الخاطئ، أتضرع إليكم وأطلب إلى جماعتكم ؛ أن تذرفوا من أجلي دموعاً في صلواتكم وطلباتكم النقية ؛ طالبين لي التخشع لأبكي معكم ؛ وليستضئ قليلاً قلبي الأعمى.وأطلب إلى الإله المخلص القدوس ؛ لكي ما يعطيني نشاطاً وحرصاً فأتوب ما دام يوجد وقت تقبل فيه الدموع ؛ وأخلص معكم. يا إخوتي أنا غير مستحق الحياة، يا أحبتي أطلب إليكم أن تقبلوا استغاثة إفرآم الخاطئ أخيكم المسترخي ؛ ولنحرص كلنا أن نستغفر الإله القدوس ما دام لنا زمان ؛ لأن ها الرب قد وقف على الأبواب ليفني العالم الباطل.وله السبح إلى الأبدآمـين هذا هو اليوم المتقدم والمشرف ؛ فلنسبح بتشريف أسرار الابن الوحيد ؛ ولنصرخ بالتسبيح في الكنيسة التي هي عروس المسيح ؛ مشيدين بانتصار الآباء الأبرار ؛ ولنرتل مدائح القاطنين القفر ؛ واصفين جهاد الذين تركوا المدن ؛ وآثروا بشوق أن يسكنوا البرية لمنفعة كافة الذين يسمعونه ؛ لكي بصلوات الآباء الأبرار ؛ وبصلوات السامعين يخلص المتكلم. لأن الآباء الأبرار لم يبتعدوا منا إذ اشتقنا إليهم ؛ ولم نفارق جلالهم كأنَهم غرباء عنا لأنَهم يبتهلون دائماً من أجل هفواتنا.وليسوا ذوي مقامات دنيئة بل مشرفون ولا حقيرين بل مكرمون، ولا فاقدي العلم بل علماء لأنَهم كانوا معلمين لكل الناس بأعمالهم الصالحة لأنَهم كانوا قد تعلموا من سيدهم أن يجولوا الجبال مغتذين كاغتذاء الوحوش.كانوا تامين مملوءين عدلاً ؛ وإذ صاروا أعضاء الكنيسة لم يفصلوا أنفسهم من الرعية لأنَهم أولاد الاستنارة المقدسة ؛ ولم ينقضوا الناموس بل حفظوا الكهنوت ؛ وحفظوا الوصايا ؛ ولم يقاوموا الشريعة بل كانوا حارين في الأمانة.وحين كان الكهنة المكرمون يقفون قدام المائدة المقدسة يقربون الخدمة كانوا هم أول من يمدون أيديهم فيقبلون بأمانة جسد السيد الذي كان معهم دائماً.كانوا كحمام طائر في العلاءِ، نصبوا مساكنهم في الصليب ؛ تائهين في مواضع مقفرة كالغنم.فحين سمعوا صوت الراعي عرفوا في الحين سيدهم الصالح، كانوا تجاراً قد خرجوا يلتمسون الدرة النفيسة، كانوا مجتهدين مختبرين في جهاد العبادة الحسنى.أصغوا إلى مسامعكم ؛ أميلوا آذانكم حتى أصف لكم سيرة الآباء القاطنين البرية، أجمعوا فكركم وسافروا به معنا إلى وسط الصقع المقفر فسنشاهد هناك عجباً عظيماً ؛ ومجداً ؛ ولنذهبن في طرفة فنسطر رسوماً صالحة وعجيبة رسوم سيرتِهم.فإن الشوق إليهم يضطرني كثيراً أن أذهب فأعرف من كنوز سيرتِهم، وأرهب أن أتقدم إليهم سراً ؛ وإذا حضرت عندهم ولو مدة يسيرة وأراهم يحنون ركبهم ليبتهلوا إلى اللـه ؛ يستطيعون أن يجعلوني أنا الموجود الضعيف متأيداً متوطداً.إذا مدوا أيديهم ورفعوها إلى السماء ؛ يقوموا نطقي لكي ما أمدحهم بأمانة، إذا تضرعوا يقف معقولي ثابتاً ويفرح بوداعتهم، وكذلك لساني يتلذذ إذا تنغم بوصف سيرتِهم.إذا سكب واحد منهم سحابة دموع عن هفواتي فللحال يستجاب له، أولئك القديسون شابَهوا المسيح نفسه، واقتنوا البيوت في البرية لأنه لا يمنع من كنوزه الصالحة الذين يقصدونه في الساعة التاسعة والعاشرة ؛ بل يعطيهم أولاً بما أنه سيد صالح كإعطاء الأجرة للفاعل الذي عمل في الساعة الحادية عشرة في كرمه بنشاط ؛ فقد فتح المخزن والغنى يعطي للمريدين أن يتقدموا ويتسربلوا بالمجد الذي كانوا يلتمسونه دائماً.فلنتخذ رسماً حسنة شريفة ؛ ونصير مشابِهين لسيرتِهم، فمن يريد أن يحرص ويذهب فيلبس الحلة التي لهم ويستغنى بثروتِهم.ومن قام عندهم يبدأ في الحين أن يعطي للذين يسألونه طلباتِهم، لأنَهم يعطون لكافة من يسألهم، ويمنحون الكل المواهب التي اقتنوها.فلنتقدم فنأخذ منهم عطية نفيسة صلاة وترتيلاً، نأخذ محبتهم التي هي أشرف وأرفع من جواهر كريمة وزبرجداً شريفاً، وعوض اللؤلؤ فلنأخذ أمانتهم القوية المشرفة التي من أجلها صاروا تائهين في الجبال والآكام والمغائر والثقوب.هب لي يارب قوة وتأييداً للساني لئلا ينغلب من تعب سيرتِهم ولأصف شيئاً من جهادهم البهي، فلهذه الحال إذا نَهضنا فلنطرح أسلحة الشيطان ونعطف قلبنا ونجعل لنا أجنحة حمامة ؛ ونطير فنبلغ حتى نشاهد سيرتِهم.لأنَهم تركوا المدن وضوضاءها ؛ وتاقوا إلى الجبال والبراري أكثر منها، فنمضي فنشاهد مساكن أولئك، وكيف هم جالسون كالموتى في القبور، نذهب فنعاين تنعم الذين يتنعمون بفرح بين الجبال.نمضي فنبصر الماقتين للعالم والمؤثري التصرف في البراري أكثر جداً، نذهب فنشاهد أجساد أولئك كيف قد تسربلت بشعورهم، نمضي فنعاين مسوحهم التي لبسوها بسرور ممجدين اللـه، نذهب فنشاهد وجوههم كيف بتقطيبها قد ضاعفوا بِها نفوسهم. نمضي فنبصر الملائكة معهم مهللين ومرتلين بسرور جزيل ؛ نذهب فنشاهد طاساتِهم الممزوجة بدموعهم، نمضي فنبصر موائدهم مملوءة دائماً من البقول البرية، هلموا فلنبصر حجارة أولئك التي يضعونَها تحت رؤوسهم.فلنذهب ونأخذ من شعور القديسين ؛ لنتخذ السيد متعطفاً علينا، إن شاهدهم لص يجثوا ساجداً لأنَهم متدرعوا الصليب دائماً.إذا أبصرت الحيوانات الوحشية مسوحهم ؛ للحين تبتعد منهم ناظرين عجباً عظيماً، كل ما يدب يدوسونه بأرجلهم ؛ لأنَهم لابسون ومحتذون أمانة العدل.إذا أبصرهم الشيطان في الحال يفرق منهم ويعج بتوجع هارباً في الحين، لأنَها تكسرت ربوات فخاخ نصبها وراءهم ؛ ولم يمكنه بالجملة أن يضرهم لأنَهم لم يكونوا مسترخين مثلنا نحن الجهال بل منتصبون بشهامة في محاربة العدو إلى أن سحقوه تحت أقدامهم إلى النهاية، وسحقوا أفكاره واغتيالاته، ولم يجزعوا من كافة حيلة.فكان إن أراهم غنى لم يعتدوا به شيئاً بل يحتقرونه ويطئونه كالصخرة، لأن الغنى كان لهم في السماوات مع الملائكة القديسين.والجوع ما كان يحزنَهم لأنَهم كانوا يغتذون من خبز المسيح النازل من السماوات القدسية، إن العطش لم يلهبهم لأن المسيح كان لهم في أنفسهم وفي لسانَهم عين الحياة. لم يستطع الخبيث أن يزعج فكراً واحداً من أفكارهم ؛ لأنَهم وضعوا أساس أمرهم على الصخرة.وقطنوا المغائر والكهوف كأنَهم في القصور المزخرفة، والجبال والروابي التي كانت تكتنفهم كانوا يؤثرونَها بمنزلة أسوار عالية، وكانت الأرض والجبال لهم مائدة، وعشائهم كانت الحشائش البرية، ومشربَهم اللذيذ الماء من الأودية، وخمرهم الماء من ثقوب الصخور.وكانت لهم كنائس ألسنتهم التي بِها كانوا يكملون صلواتَهم الاثنتا عشر ساعة التي يشتمل عليها النهار، كانت لهم صلاة إلى سيدهم، والتمجيد الذي كانوا يرتلون به في الجبال والمغائر كان يقدم إلى اللـه ذبيحة حسنة مقبولة. هم كانوا كهنة لأنفسهم.ويشفون بصلواتِهم أمراضنا لأنَهم شفعاء لنا كل حين،لم يعقلوا رؤيات عالية، ولا كانوا يلتمسون التصدر في المجالس لأن شرفهم كان التواضع. صاروا مشابِهين للسيد المسيح الذي تمسكن من أجلنا نحن الأشقياء.لم يعطوا أنفسهم نياحاً في العالم إذ كانوا منتظري النياح الذي هناك.فلنصيرن متشبهين بالقاطنين في الجبال ؛ ومشاركين لسيرتِهم، لأن أولئك كانوا جائلين مع الوحوش كأنَهم وحوش، وكالطيور كانوا يطيرون في الجبال، يرعون كالآيلة مع الوحوش الوحشية.ومائدتِهم كانت مستعدة دائماً ؛ لأنَهم كانوا يرتعون العشب الأخضر والحشائش بمداومة ؛ جائلين في الجبال كسروج واضح ضيائها، وكان الذين بشوق كثير يقتربون إليهم يستضيئون بضيائهم.كان الآباء الذين في البرية سوراً منيعاً ؛ فلذلك أي موضع كانوا يسكنونه يجعلونه أميناً أنيساً، إلى أي صقع انتهى واحد من الآباء يصير جميع الموضع الذي يحيط به أنيساً موعباً سلامة.كانوا يتطايرون إلى الروابي نظير جمع الحمام ؛ ومثل النسور في الجبال الشامخة، لا يتنعم رؤساء العالم بالقصور والسقوف المذهبة كما يسر هؤلاء بالجبال والمغائر، وربما الملك يضيق به البلاط أما هؤلاء فواسعة عليهم ثقوب الأرض ورحبة كثيراً.الثياب الشعرية التي لبسها الآباء الأبرار وابتهجوا بِها أكثر من الملابس البرفيرية ؛ فهذه رثت وبليت، والمسح من أجل صبر الآباء القديسين بُجل ووقر، لأنَهم رفضوا الكبرياء وآثروا التواضع الجزيل، مقتوا كل شرف العالم الباطل ؛ وها هم يشرفون من كافة الناس من أجل غزارة تواضعهم ووداعتهم.فالملوك ما اقتنوا مثل هذه الراحة ؛ نظير الراحة التي أقتناها الآباء في البرية، لأن المسيح كان بَهجتهم، رعوا في البرية الحشائش كالوحوش كانوا ينتظرون الفردوس المطرب.إذا ضعفوا من الجولان في الجبال كانوا يضجعون على الأرض كأنَهم في نعيم لذيذ، إذا ناموا كانوا يقومون بإسراع كأنَهم أصوات أبواق ملوكية يسبحون المسيح المشتهى، وكانت مواكب الملائكة معهم دائماً وتحصنهم وتحفظهم كل وقت، ونعمة السيد كانت معهم سرمداً.ولم يخدعهم العدو، وحين كانوا يحنون ركبهم يصنعون قدامهم طيناً وينشدون من عبراتِهم غدراناً، إذا ختموا تسبيحهم يقوم السيد وعبيده يخدمون مرادهم.إذا حلك الظلام ؛ في الحين يرفعون أجنحتهم ؛ ويطيرون في كافة المسكونة، لأنَهم لم يكن لهم مسكن ظاهر ؛ لأن مسكن الآباء القديسين الحقيقي هو عدن، حيث تغرب لهم الشمس هناك يحلون، وحيث ما يلحقهم الليل هناك يجعلون منزلهم.ما كانوا يذكرون قبراً ؛ لأنَهم كانوا موتى ؛ وإنصلبوا للعالم بالشوق إلى المسيح ؛ لأنه حيث كان أحدهم يسكن يصير له ذلك الموضع قبراً.وكثيرون منهم إذا أحنوا رؤوسهم في الصلاة ؛ تنيحوا بِهدوء أمام السيد، آخرون استندوا إلى صخرة ؛ وسلموا نفوسهم إلى سيدهم، آخر بينما كان يتمشى في الجبال مات وصار له الموضع قبراً ومدفناً معاً.آخر دفن ذاته بارتسام الشكل فقبض بنعمة سيده، آخر بينما كان يرعى خضرة السيد نعس فتوفى في مائدته، آخر حين كان واقفاً في تلاوة التمجيد خطفت منه نعمة نسمته.آخر بينما هو واقف في الجبال مرتلاً ومتضرعاً ختم الصلاة بنفسه، كانوا منتظرين النهاية القدسية، الصوت الذي ينهض فيزهرون كالأزهار الفائحة نسيم الطيب.إذا أمرت الأرض أن تبرز الموتى يينعون في الحين ويزهرون كالسوسن الأبيض، وحينئذٍ السيد عوض العمل الكثير والتعب الذي احتملوه من أجل محبة المسيح يعطيهم الحياة الدائمة سرمداً.وبدل شعورهم يمنحهم إكليلاً مضفوراً شريفاً، وعوض المسوح التي شقوا بلبسها يعطيهم حلة العرس المجيدة، عوض الحشائش وضيقة الماء يصير لهم المسيح مطعماً ومشرباً، وبدل ثقوب الأرض التي سكنوها يمنحهم المسيح الفردوس المعظم، ولكونَهم لم يأثروا أن يكون لهم حِرز في العالم هو يخول لهم السرور العظيم.أنه غير ممكن أن نوضح بالكلام الفرح الجزيل الذي يحصل فيه كافة القديسين ؛ الذين باختيارهم حزنوا وضيقوا على أنفسهم في هذا العالم، الذين ناصبوا وجاهدوا الآلام النجسة ؛ وغلبوا العدو ؛ وحفظوا وصايا الإله العلى.فلذلك يطوب الملائكة القديسين ؛ ويقولون لهم: مغبوطون أنتم الذين من أجل شوق المسيح دبرتم مركبكم تدبيراً سديداً في الأرض بفطنتكم ؛ وبغزارة صبركم، وقومتم وصايا المسيح السيد الصالح بحق.فلذلك وصلتم إلى الميناء الصاحي واتخذتم المسيح الذي تُقتم إليه، نَسر معكم أيها المغبوطون لأنكم نجوتم من فخاخ العدو ؛ وجئتم إلى المسيح الذي كللكم وصرتم وارثين ملكه، وحين يرى الخبيث نفسه مغلوباً يجلس فينتحب ويقول ببكاء:الويل لي أنا الشقي ؛ وماذا أصابني أنا المُحطم ؟ كيف غُلبت ؟ أني أنا سبب هذا الأستخزاء، لأني أنشأت معهم الحرب بإلحاح كثير، ولما هُزمت من المعركة الأولى والثانية كان يجب أن أفطن أن المسيح معهم.فالآن إذ حاربت القديسين العجيبين فازداد ثوابِهم بذلك وغُلبت، فانْهزمت بخزي عظيم ؛ ملطخاً رأسي بالدماء من جراحاتي ؛ لأنني نصبت الفخاخ لاقتنصهم ؛ فأخذوها وكسروا بِها رأسي، ونشابي الحاد الذي أرسلته إليهم تناولوه بدهاء وقتلوني به.أنا حاربتهم بآلام مختلفة ؛ وهزموني بقوة الصليب، فبواجب تألمت بِهذه أنا الجزيل الغباوة، إذ أوضحت المجاهدين بغير اختياري مدربين مختبرين، لأنه كان سبيلي أن أرتدع من آلام المسيح لأنه هدم كافة قوتي، كنت عملت كل الأشياء حتى يُصلب ؛ فبموته دفعني إلى الموت.وهذا الأمر أصابني نظيره من الشهداء؛ إذ صرت عاراً وخزياً وضحكاً، لأنني حركت الملوك، وأعددت لكي ما إذا عاينوها يُذهلون ويجحدون المسيح، فليس أنَهم لم يُذهلوا فقط من آلام العذاب المختلفة بل إلى الموت اعترفوا بالمسيح.هكذا الآن لما أردت أن أغلب هؤلاء بالقتالات غُلبت فانْهزمت بخزي عظيم ؛ ولن أستطيع أن أحمل العار الذي حل بي أنا المتشامخ بالعظائم، تحطم عزي وكافة اقتداري من أناس حقيرين.أما بعد فلست أعلم ماذا اصنع أو بماذا أعتذر، إن الحقيرين والأميين قد أخذوا إكليل الظفر وأنا الشقي احتضنت بالخزي، أظلميت تحيرت نفذت قوتي.ماذا أعمل أنا الشقي ؟ وماذا أصنع ؟فأهرب إذاً من هؤلاء المجاهدين الشجعان ؛ وأذهب إلى أصدقائي المتوانيين بنيتهم ؛ حيث لا يكون لي تعب ؛ ولا أحتاج لحيل.لأنني آخذ منهم رباطات وأشدهم بِها ؛ وإذا قيدتَهم بالقيود التي يسرون بِها يكونون فيما بعد تحت يدي ؛ ويحصلون لي مثل عبيد، ويعملون دائماً مشيئتي باختيارهم.وإذا غلبتهم أعود إلى ذاتي قليلاً مفتخراً كبطل ظافر ؛ فإنَهم وإن كانوا يسقطون إلى الهوة لكن مع هذا أتلذذ أنا بِهلاكهم، وأسر إذا اقتدتَهم إلى طريق التهلكة ليكونوا لي مشاركين في النار التي لا تطفأ.فإذ قد عرفنا يا إخوتي ضعفه ؛ فلنصغين إلى ذاتنا مغايرين الآباء ؛ فإنَّا إن سلكنا الطرق التي سلكوها ؛ فسنجد فيها يسوع المسيح مرشداً وموازراً إيانا ؛ فإذا أبصر العدو معنا المسيح النور الحقيقي فهو لا يجترئ بالجملة أن ينثني بنظره إلينا، لأن النور الذي فينا يعمي عينيه.وكما تقدمت فقلت لكم أيها الإخوة المحبون للمسيح أقول: احرصوا بنا أن ننقي قلوبنا حتى نجذب إلينا معونة نعمة المخلص حتى لا يقتدر العدو علينا، لأن السفهاء الأغنياء يرومون أن يعطوه قوة علينا بإبعادنا من اللـه بمخالفتنا وصاياه المقدسة ؛ ليجدنا العدو عراة من النعمة ؛ فيقتادنا ويرشدنا إلى طريقه.فأتضرع إذاً وأتوسل إليكم دائماً ؛ أن نَهرب من الخبيث مبتعدين منه ؛ ولنحل ونفك القيود التي قيدنا بِها باختيارنا ؛ ملتجئين إلى المسيح حاملين نير تحننه الصالح الخفيف ؛ حتى إذا سلكنا في طرق وصاياه الصالح نصل إلى المدينة التي أعدها اللـه للذين أحبوه. ويليق المجد والكرامة وعظم الجلالة بالآب والابن والروح القدس ؛ إلى أبد الدهور. آمين. مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل