المقالات

12 أغسطس 2021

شخصية مريم العذراء والدة الإله ج2

مريم العذراء والدة الإله مريم في بيت لحم:- إن كان الله له مطلق السلطان في مقاصده، فله أيضاً مطلق السلطان في اختياره لتلك الأواني التي تحقق مقاصده. ولأكثر من سبعمائة عام قبل ميلاد المسيح، تنبأ ميخا النبي بميلاد المسيح في بيت لخم: "أما أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل". وكانت هذه نبوة عن مكان ميلاد المسيا، وقد اقتبسها رؤساء الكهنة والكتبة في إجابتهم عن السؤال الذي طرحه هيرودس عليهم – أين يولد المسيح؟. ولكن كان بيت مريم في الناصرة في الجليل، وكان الوقت يقترب لميلاد طفلها القدوس، وهكذا: "في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة (العالم أو الإمبراطورية الرومانية). وبناء على هذا القرار تحرك يوسف (ومعه مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى بابنها)، لكونه من بيت داود وعشيرته، وصعد من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية في مدينة داود التي تدعى بيت لحم. ولم يكن الإمبراطور الروماني يدري كثيراً عن نتائج هذه الفكرة التي طرأت على ذهنه. كما لاحظ أحد الكتاب أن "هذا العمل كان لتحقيق قصد الله العجيب، لكي يولد المخلص الملك في قرية – كانت بحسب شهادة الله لابد أن يتم فيها هذا الحدث". وما يلفت الملاحظة أكثر أنه على الرغم من صدور هذا القانون، والذي بموجبه صعد يوسف ومريم مع كثيرين أيضاً إلى مدينتهم ليكتتبوا هناك، غير أن الاكتتاب قد تم بعد ذلك بفترة "عندما كان كيرينيوس والياً على سورية". كم عجيبة حكمة الله وكمال طرقه! فيوسف كان عليه أن يأخذ مريم امرأته إلى بيت لحم، ويحرك الله الإمبراطور ليدفع إمبراطوريته للاكتتاب فيصعد يوسف إلى بيت لحم. يا له من برهان أكيد أن الله يمسك بزمام الحكم في يديه ويحرك قلوب الناس حيثما يشاء أن يمليها. والمسيحي يؤمن ويعرف ذلك وهو يستريح بسلام إزاء كل أعمال الناس ونشاطها، وإزاء كل التشويش والاضطراب والصراعات التي تجري هنا وهناك.وبينما كان يوسف ومرين في بيت لحم، أن مريم "ولدت ابنها البكر فقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" (ع 7). وليس غرضنا في هذا الجزء أن نتناول موضوع التجسد، ولكننا بالحري نتكلم عن تاريخ مريم الشخصي. ونتجاسر أن نقدم لأحدهم بعض التأملات على هذا الحدث العجيب، وسر الأسرار فقال: "إن ابن الله ولد في هذا العالم ولكنه لم يجد مكاناً هنا. وإن كان جميع الناس لهم بيوت ولهم أماكن ولو في فندق غير أن ابن اله لم يجد مكاناً غير مذود. وهل عيثاً يسجل الروح القدس هذه الحادثة؟ كلا، فليس مكان لله ولا لأمور الله في هذا العالم. وهل نجد ما هو أكثر كمالاً غير تلك المحبة التي جعلته ينزل إلى الأرض. ولكنه بدأ في مذود وانتهى بالصليب، وبين البداية والنهاية كل الطريق لم يكن له أين يسند رأسه". ونحن كمؤمنين بكل خشوع وتعبد في حضرة إلهنا نتأمل في الطريقة التي بها "الله ظهر في الجسد" نعمة ربنا يسوع المسيح الذي من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره. وإذا كانت هذه الأمور هكذا فليتنا نتذكر أنه لكي يتمم مقاصد محبته ويفتدي شعبه سواء كان إسرائيل أم الكنيسة، كان لزاماً عليه أن يرفض في حيته ويصلب في موته. إن الطفل المضجع في الذود هو "غرض كل مشورات الله، وهو الممسك والوارث لكل الخليقة، المخلص لجميع الذين يرثوا المجد والحياة الأبدية". ولا عجب فإن مريم كانت محتجة كل هذا الوقت. ولا كلمة تسجل عنها لما كانت تشعر به أو تفكر فيه أو تقوله، والحق أنها كانت مختفية وراء مجد ابنها. مريم والرعاة:- وإذ نشير إلى أولئك الأتقياء الذين اختارهم الله ليتسلموا إعلان ولادة المخلص الذي هو "المسيح الرب"فذلك بسبب ارتباطهم بما تسجل في قصة مريم. فإن الله في هذا الوقت لم يمنح عظماء الأرض هذا الإعلان بل إلى فقراء شعبه والمتألمين الذين كان هؤلاء الرعاة معدودين منهم. فالأخبار والإعلانات الإلهية تعطى فقط للقلوب المعدة إعداداً إلهياً ولهذا فإننا نؤمن بأن هؤلاء الرجال البسطاء كانوا ممن ينتظرون فداء في أورشليم (انظر ع 38). وإذا كانوا ساهرين ليلاً على قطعان أغنامهم فقد أرسل لهم الملاك حاملاً بشائر الفرح العظيم لجميع الشعب، كما أعطاهم علامة للمصادقة على إيمانهم "تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود". وحالما أنهى رسالته سرعان ما "ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله قائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".ولنترك للقارئ التقي أن يتأمل هذه الكلمات التي رنم الملائكة بها والتي ترينا على الأقل أن كل مقاصد الله لبركة شعبه إسرائيل تتحقق في شخص ابنه المحبوب، ولكن دعونا نتتبع هؤلاء الرعاة الذين في بساطة إيمانهم دون أن يتساءلوا عن هذا الحق الذي سمعوه ولكنهم قالوا بعضهم لبعض "لنذهب الآن إلى بيت لحم، وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في مذود". ويا له من منظر ملأ عيونهم بالتحية له! ربما لم يدركوا المغزى الكامل لما رأوه أو مجد هذا الصبي. ولكنهم رأوه بقلوب ساجدة بدون شك. وليست هناك كلمة قيلت منهم ولا من مريم ولا من يوسف،ذلك لأنهم كانوا مثبتين عيونهم على المخلص المسيح الرب وهو مضجع في مذود. ولكن كان لا بد لهم أن يكونوا قد تكلموا، فيعد العبارة المتعلقة بشهادتهم "في الكورة" ونتيجة هذا إذ قيل "وكانت مريم تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها". فإذا ربطت هذا مع نهاية فقرة عدد 57 نستطيع أن نقول أن مريم كانت ذا نفس هادئة متأملة ومتجاوبة. فالاختيار لمثل هذه الإرسالية وبهذا التكليف يصبح من الصعوبة أن يكون بخلاف هذه الشخصية. إن أقل شعور تجاه صبي كهذا أقول أنه يجب أن يكون في رهبة حضور الله، وهنا يقصر الكلام عن التوضيح والإنسان يجب أن يعرف أكثر عن أفكارها وهي تحملق في وجه هذا الصبي العجيب الذي قال عنه أشعياء بالنبوة "ويدعى اسمع عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام". ولكن يا لها من نعمة حظت بها مريم، ومع ذلك فليست هي غرض السماء بل ابنها وهو غرض مشورات الله، الذي به استعلن مجد الله وتثبت وصار نافعاً في هذا العالم. ونحن نتعجب من السمات الجميلة التي اتصفت بها مريم والتي تتفق مع تقواها وسلوكها. مريم في الهيكل:- نتبين في كل من شخصية مريم ويوسف هذه الصفات التقوية التي نلحظها في انتباهها الشديد لدقائق كلمة الله سواء في أمر ختان الصبي القدوس أو في تطهير مريم، فقد كانت طاعتها لأوامر الناموس واضحة وصريحة (انظر لاويين 13). وكذلك في تقديم يسوع للرب "كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب".وكان لا بد أن يمضي أربعون يوماً بعد ولادة الصبي قلما تظهر مريم في هيكل أورشليم. وفي هذه الفترة كانت قد تمت زيارة المجوس أو حكماء المشرق كما وردت في إنجيل متى. وفي هذا المشهد كما في مشهد زيارة الرعاة أيضاً لم تتخذ مريم دوراً ظاهراً بل كانت متوارية في الظل بإرادتها، وكانت في شركة مع الله – على الأقل بقدر قياسها، لذا كانت تعرف المجد الآتي لذاك "المولود ملك اليهود"، فلم تندهش كثيراً عندما رأتهم يخرون ساجدين له أو عندما فتحوا كنوزهم وقدموا له هداياهم – ذهباً ولباناً ومراً – كانت فرحة لكونها الإناء المختار لولادته، ولكن كان عليها أن تتعلم أنه بحكم هذا الارتباط والاندماج بمسيح الله فلا بد أن يلاقيها الاضطهاد من إله هذا العالم. ومن تلك اللحظة التي ولد فيها هذا الصبي ابن الله فإن التنين (أو الشيطان) الذي كان يترقب تلك اللحظة سعى أن يبتلعه. صارت مريم ويوسف وكذلك الطفل يسوع غرضاً لعداوة الملك الشرير ولكنهم كانوا تحت غطاء الحماية الإلهية والإرشاد الذي دفعهم للهروب إلى مصر. وبعدما عادوا إلى أرض إسرائيل إلى الجليل إلى منزلهم الأصلي استمتعا بهذا الشرف والامتياز الذي لا يقدر لخدمته – ذاك الذي لم يكن أقل من ابن الله.وإذ نتذكر تلك الحوادث لنستكمل القصة، والآن لنتأمل هذا المشهد في الهيكل. كتب ملاخي: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه" نعم لقد أتى "وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس". كانت أورشليم كعادتها – شعبها يبيع ويشتري النساء تتمم واجباتها المنزلية والرجال يلازمون حرفهم اليومية. كما كان ملكهم الأدومي المتعطش للدماء والقاسي والحزين والبائس ولكنه كان يعمي أتباعه بسخاء وعظمة صروحه المشيدة، عاملاً على إرضاء شهواته الدنيئة. وهكذا كان الجميع في جهل تام بهذه الحقيقة العجيبة أن الله قد افتقد شعبه، والمسيا الممجد الذي تنبأ له الأنبياء والذي يمتد ملكه إلى كل الأرض (انظر مزمور 72) كان في وسطهم وقد حمل إلى تخوم الهيكل المقدس. ولكن كيفما كان اتجاه الأمة وحالة عدم إيمانهم فإن الله يضمن دائماً معرفة ابنه المحبوب بالصورة التي يستحضره بها. وفي هذه الحالة أعد الله قلوب قليلين كانوا ينتظرون فداء في أورشليم للترحيب بمسيحه واختار الله اثنين من هؤلاء لينظراه بأعينهم في ذلك الوقت كانت مريم ويوسف يجتاز شوارع المدينة ومعهم هذه الوديعة الثمينة، وفعلاً كما كان يفعل أي قديسين يهود بسطاء في أحوال مشابهة لهذه الظروف. ودخلا إلى المكان المقدس دون أن ليلاحظهما أحد أو يعطيهما اهتماماً، ودون أن يعرفا شيئاً عما أعده الله أو ما سيفعله. وكما كتب الإنجيلي "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان. وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل" وجدنا هنا واحداً تحت السيطرة الكاملة للروح القدس، وقد دعاه الله وأعده لكي يأخذ ابنه على ذراعيه عندما دخل مريم ويوسف بالصبي يسوع ليصنعا له حسب عادة الناموس.يا له من مشهد عجيب فعلاً إذ يشغل انتباهنا حقاً لما فيه من فائدة ونفع لنا قبلما نستكمل موضوعنا. ليتنا نتذكر ونحن نتأمل هذا المشهد أننا نقف على أرض مقدسة. ونقرأ أن سمعان "أخذه على ذراعيه" أخذه من يدي أمه. مشهد عجيب! فهذه الأم التقية والمكرسة تضع طفلها بين ذراعي سمعان الشيخ. إن سمعان نال هذا الامتياز الثمين ليحمل على ذراعيه هذا الطفل الذي تتحقق وتتكمل فيه كل مشورات الله!.ولكن من هو هذا الصبي؟ إنه الكلمة الذي صار جسداً المكتوب عنه "في البدء كان الكلمة، والكلمة كانت عند الله، وكان الكلمة الله" (يوحنا 1: 1) وهو "صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة: فإنه فيه خلق الكل، ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أو رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء والذي فيه يقوم الكل". وهو الذي "فيه سر أن يحل كل الملء" (كو 1: 15 - 19). إنه هو الابن "الذي جعله وارثاً لكل شيء. الذي به عمل العالمين.. وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 2و3) ومن جهة أخرى باعتباره مولوداً في هذا العالم فقد كان هو نسل المرأة ونسل إبراهيم وابن داود. كل هذه الأمجاد وغيرها الكثير، فهو أقنوم إلهي تنازل وصار جسداً، إذ تدور حوله وتشع وتلمع من هذا الصبي المقدس الذي وضعته مريم بين ذراعي سمعان. ليتنا نحملق جيداً وبكل خشوع في هذا السر الإلهي، فكلما نظرنا بعمق أكثر كلما انحنت قلوبنا تعبداً وخشوعاً في حضرة ذاك الذي هو عطية الله التي لا يعبر عنها وأمام نعمة لا يسبر غورها ومحبة فائقة المعرفة.لقد وقف سمعان والصبي على ذراعيه أمام الله، وبقلب فائض بارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل". لقد تحققت كل رغائبه، وانقطعت كل علاقة له بالأرض حالما امتلك خلاص الله، وكان مستعداً أن ينطلق بسلام. مثل موسى أيضاً عندما وقف على الفسحة ورأى الأرض التي أعطاها الله لشعبه، هكذا سمعان والصبي المقدس على ذراعيه مركز مشورات الله وتطلع إلى الأمام إلى الوقت عندما يستحضر الأمم إلى النور ويصبح المسيح مجداً لشعبه إسرائيل.وكان يوسف وأم الصبي يتعجبان من الكلمات التي قالها سمعان عنه، ذلك أنهما كانا لا بد أن يعرفا الأمور جزئياً. ونحن كذلك بشكل عام نأتي تدريجياً إلى معرفة الحق بكل قوته – ذلك الحق الذي نعترف نحن به. وتبع ذلك أمرين فإن الارتباط بالمسيح في هذا العالم يستحضر البركة والألم معاً. ونجد هنا مريم مثالاً على ذلك. فإن سمعان "بارك" الله، والآن يباركهما أي يوسف ومريم، ثم يتجه نحو مريم مخاطباً إياها قائلاً "ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم، (وأنت أيضاً يجوز في نفسي كسيف)، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة". وهكذا فإن الله في نعمته ولطفه يستخدم عبده سمعان ليعد مريم بطريق طفلها – طريق الأحزان والرفض – ومن يشك أن هذا القول إن صب أساساً عندا وقفت عند صليب يسوع لتنظر أوجاعه وآلامه ألم يكن في ذلك اختراق للسيف في نفسها أيضاً؟ وفي طريق الله التي نجتازها كم من رحمة تحوطنا إذ نقترب – ليس دفعة واحدة بل – بالتدريج إلى نصيبنا من الأحزان، ونجد أنها عندما تقع علينا تظهر "لمعان محبته"! لا يمكن لمريم أن تنسى هذه الكلمات ولكنها كانت تحفظه "متفكرة به في قلبها"، ولابد أنها كانت دائماً تضع هذه الأقوال أمام الله في تأملاتها وصلواتها. ومن خل حياتها نجد أنها عاشت تحت ظل الصليب، وبالتأكيد فقد كان لها التعويض الكافي والمؤازرة وهي في رفقة ابنها. لابد أنه كان أمامها الكثير الذي لم تقدر أن تتركه ولكنها بالتأكيد كانت تستريح في معرفة أن يسوع هو مسيا المخلص الذي معها. ولم يوجد في كل الأرض من منح هذا الامتياز الذي لا ينطق به وتلك البركة – فلأجل خاطره ومحبة ل فقد أمكنها أن تعاين المستقبل وتترك بين يديه كل شيء اختاره لها في هذا الطريق.ونتبين فقر يوسف ومريم من الحادثة العرضية عندما قربوا ذبيحتهم عند تقديم يسوع. ونقرأ في اللاويين وبخصوص تطهير المرأة عند ولادتها: "وإن لن تنل يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر" (ص 18: 8). لم تكن مريم أن تنال يدها فتحضر شاة وروح الله يلفت انتباهنا أن ربنا قد ولد في ظروف مذلو وحياة متواضعة من البداية، نعم ومن قبل أن يأتي إلى الأرض كان فكره أن يتذلل ويتواضع، فأي أم لا تريد أن تحيط طفلها بكل وسائل الراحة والترف طالما تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولكن كل شيء يتحدد بحكمة إلهية، إذ نرى ليس فقط ظروف ولادة ربنا بل أيضا كل طريقه في هذا العالم الذي لم يجد فيه أين يسند رأسه. وهذا يطبع فينا، كلما تفكرنا في ذلك نعمته التي لا ينطق بها.إذا انتهت طقوس الهيكل مع أقوال سمعان النبوية، "ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب" تركوا الهيكل وخرجوا من بواباته ومعهم هذا الكنز الثمين و "رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة". ممارسين أعمالهم اليومية، وهم يمتلكون سراً إلهياً لم يعفه أحد في الناصرة بخلافهم. وللحديث بقية
المزيد
11 أغسطس 2021

إكرام السيدة العذراء

يكفي قولها الذي سجله الإنجيل (هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني) (لو48:1). وعبارة (جميع الأجيال) تعني أن تطويب العذراء هو عقيدة هامة استمرت من الميلاد وستبقي إلي آخر الزمان. ولعل من عبارات إكرام العذراء التي سجلها الكتاب أيضًا قول القديسة اليصابات لها (وهي شيخة في عمر أمها تقريبًا): (من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي. هوذا حين صار سلامك في أذني، أرتكض الجنين في بطني) (لو44:1). والعجيب هنا في عظمة العذراء، أنه لما سمعت اليصابات سلام مريم أمتلأت اليصابات من الروح القدس (لو41:1). مجرد سماعها صوت القديسة العذراء، جعلها تمتلئ من الروح القدس. والعذراء لم تنل الكرامة فقط من البشر، وإنما أيضًا من الملائكة. وهذا واضح في تحية الملاك جبرائيل لها بقوله (السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء) (لو28:1). وعبارة(مباركة أنت في النساء) تكررت أيضًا في تحية القديسة اليصابات لها (لو43:1). ونلاحظ أن أسلوب مخاطبة الملاك للعذراء فيه تبجيل أكثر من أسلوبه في مخاطبة زكريا الكاهن (لو13:1). وهنا نبوءات كثيرة في الكتاب تنطبق علي السيدة العذراء، ومنها (قامت الملكة عن يمينك أيها الملك) (مز9:45). وفي نفس المزمور يقول عنها الوحي الإلهي (كل مجد ابنة الملك من داخل) (مز13:45). فهي إذن ملكة وابنة الملك.. ولذلك فإن الكنيسة القبطية في أيقوناتها الخاصة بالعذراء، تصورها كملكة متوجة، وتجعل مكانها باستمرار عن يمين السيد المسيح له المجد. والكنيسة تمدح العذراء في ألحانها قائلة (نساء كثيرات نلن كرامات. ولم تنل مثلك واحدة منهن). وهذه العبارة مأخوذة من الكتاب (أم29:31). والسيدة العذراء هي شهوة الأجيال كلها، فهي التي استطاع نسلها أن يسحق رأس الحية) محققًا أول وعد لله بالخلاص (تك15:3). والعذراء من حيث هي أم المسيح، يمكن أن أمومتها تنطبق علي كل ألقاب السيد المسيح. فالمسيح هو النور الحقيقي (يو9:1). وهو الذي قال عن نفسه (أنا هو نور العالم) (يو12:8). إذن تكون أمه العذراء هي أم النور. أو هي أم النور الحقيقي. وما دام المسيح قدوسًا (لو53:1) تكون هي القدوس وما دام هو المخلص، حسبما قيل للرعاة (ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب) (لو11:2). وحسب أسمه (يسوع) أي مخلص، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21:1). إذن تكون العذراء هي أم المخلص. ومادام المسيح هو الله (يو1:1) (رو5:9) (يو28:20). إذن تكون العذراء هي والدة الإله. ومادام هو الرب، حسب قول اليصابات عن العذراء (أم ربي) (لو43:1). إذن تكون العذراء هي أم الرب. وبنفس القياس هي أم عمانوئيل (مت23:1) وهي أم الكلمة المتجسد (يو14:1). وإن كانت العذراء هي أم المسيح، فمن باب أولى تكون أمًا روحية لجميع المسيحيين. ويكفي أن السيد المسيح وهو علي الصليب، قال عن العذراء للقديس يوحنا الرسول الحبيب (هذه أمك) (يو27:19). فإن كانت أمًا لهذا الرسول الذي يخاطبنا بقوله يا أولادي (1يو1:2). فبالتالي تكون العذراء هي أم لنا جميعًا. وتكون عبارة (أختنا) لا تستحق الرد. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون أمًا للمسيح وأختًا لأحد أبنائه المؤمنين باسمه..! إن من يكرم أم المسيح، إنما يكرم المسيح نفسه. وإن كان إكرام الأم هو أول وصية بوعد(أف2:6) (خر12:20) (تث16:5). أفلا نكرم العذراء أمنا وأم المسيح وأم أبائنا الرسل؟! هذه التي قال لها الملاك (الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. لذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعي ابن الله) (لو35:1). هذه التي طوبتها القديسة اليصابات بقولها (طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب) (لو45:1). والتي جميع الأجيال تطوبها.. وعبارة (مباركة أنت في النساء) التي قيلت لها من الملاك جبرائيل ومن القديسة اليصابات، تعني أنها إذا قورنت بكل نساء العالم، تكون هي المباركة فيهم، لأنه لم تنل واحدة منهن مجدًا نالته العذراء في التجسد الإلهي. ولا شك أن الله قد اختارها من بين كل نساء العالم، لصفات فيها لم تكن تتوافر في واحد منهن. ومن هنا يظهر علو مكانتها وإرتفاعها. لذلك لقبها اشعياء النبي بلقب (سحابة) أثناء مجيئها إلي مصر (أش1:19). قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
10 أغسطس 2021

العفة والطهارة في حياة السيدة العذراء والآباء الشهداء

حياة العفة والطهارة من أهم مقومات الحياة الروحية فهي التي تساعد الإنسان في جهاده الروحي وبناء حياته الروحية بناءً سليمًا، وعلى أساس صخري لا ينحل ولا ينهدِم أمام عواصف الحياة وصدمات التجارب إن العفة تساعد الإنسان على تكوين علاقة قوية بين الإنسان والله عن طريق الصلاة وعلى عكس ذلك مَنْ يتهاون فيها تكون مُعطلًا قويًا في حياته وصلاته وذلك كما قال الأنبا موسى الأسود "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته"وهذا ما يحدث بالفعل فالذي يسلك أي سلوكًا شاذًا أو منحرفًا لا يستطيع أن يقف للصلاة فكيف يقف أمام الله بهيكل مُنهدم ومُدنس وفاسد "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16-17) هذه العفة تميزت بها السيدة العذراء مريم وعاشت طوال حياتها بطهارة. لقد عاشت السيدة العذراء مريم بتولًا طاهرة في بيت خطيبها يوسف النجار، وذلك رغم عقد الزواج الذي عقده ودوّنه لهم كهنة الهيكل فهي أمام الشريعة وأمام المجتمع متزوجة ليوسف النجار هي صبية في سن الثانية عشر من عمرها، وهو شيخًا يُقارب الستين من عمره فهي كانت بمثابة الابنة أو الحفيدة معه في بيته، وهو كان يرعاها ويعولها لذلك حينما جاء الملاك ليبشرها بحَبَلها للسيد المسيح قائلًا لها"ها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 31-34) هذا الموقف كان خطيرًا جدًا بالنسبة لها فهي تعرف نفسها جيدًا، وتعرف مدى حفاظها على نفسها وطهارتها فهي لم تقترب لرجل، ولم تسمح لأي رجل حتى يوسف نفسه أن يقترب إليها (فكيف يكون لها هذا؟)، ولم تطمئن لذلك إلاَّ حينما عرفت من الملاك أن هذا الحَبَل ليس من إنسان بل هو من الله "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العلى تُظَلّلُكِ" (لو1: 35). وقد عاشت السيدة العذراء بتولًا طوال حياتها حتى بعد ولادتها للسيد المسيح لم تنجب أولادًا بعد أن ولدته الولادة المعجزية، وهذا هو إيماننا الأرثوذكسي السليم في دوام بتولية السيدة العذراء(بتول قبل الزواج، وقبل الحَبَل بالسيد المسيح، وبعد ولادتها للسيد المسيح) فقد عاشت السيدة العذراء حياة البتولية والعفة طوال حياتها حتى فارقت الحياة إلى الحياة الأبدية وأصبحت السيدة العذراء مَثلنا الأعلى الذي نحتذي به في التمسك بحياة العفة والطهارة رغم كل إغراءات العالم وشروره وانحرافاته. فالطهارة هي حياة تشبه حياة الملائكة لأن الله خلق الحيوان بجسد وغرائز بدون روح، وخلق الإنسان بجسد وروح، وخلق الملائكة أرواحًا نورانية فهذا المخلوق المتوسط وهو الإنسان إذا سَلَك حسب غرائزه الجسدية وأهوائه الشهوانية تحوّل إلى حيوان، وإذا سَلَك بالروح ولم ينغمس في شهوات الجسد صار ملاكًا وهو ما زال على الأرض وعن ذلك يقول القديس يوحنا الدرجي"مَنْ غَلَبَ جسده فقد غَلَبَ طبيعته، ومَنْ غَلَبَ طبيعته فقد صار فوقها، ومَنْ صار فوق الطبيعة الإنسانية فقد شارك الطبيعة الملائكية"ويقول القديس كبريانوس الشهيد مُخاطبًا بعض العذارى "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة أن تتمتعن بما سيكون لكّن في السماء بعد القيام لأنكن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة" ويقول الآب يوحنا كاسيان "إنه لا توجد فضيلة تعادل تشبيه البشر بالملائكة مثل فضيلة العفة، لأن البشر يعيشون بواسطة العفة وهم في الجسد كمَنْ لا جسد لهم وكأنهم أرواح مجردة" والأكثر من ذلك أن هؤلاء البشر الذين يعيشون حياة العفة والطهارة، يكونون بدرجة أعلى من الملائكة، الذين ليس لهم أجساد تشتهي ضد أرواحهم وهنا أوضح نقطة أنه يوجد فرق كبير بين البتولية والعزوبية فالبتولية تختلف اختلافًا كبيرًا عن العزوبية في أنها مكرسة ومخصصة من أجل الله فقط، فهي ثمرة حبه الكامل، لأنها تحمل معنى روحي أسمى من العزوبية ولها قيمة مقدسة فالإنسان الذي كرّس بتوليته لله يختلف عن الإنسان الأعزب، الذي لم يتزوج لأنه لم يستحسن امرأة ما في الزواج، أو أنه قد يرى أن العزوبية أكثر راحة من تحمّل المسئولية وتحمّل مسئولية زوجة وأولاد، أو أنه يريد أن يعيش مُتحررًا من الأعباء أو قد يكون إنسان ذو شخصية أنانية مُحبة لذاتها، فهو لا يريد أن يفيد أحدًا بل يريد أن يأخذ باستمرار، فيرفض رباط الزوجية والقيود (وذلك حسب تخيله الشخصي) والبعض قد يختارون العزوبية نتيجة صدمة معينة، فيمتنعون عن الزواج نهائيًا ليس حبًا في البتولية، ولكن رد فعل مُعاكس لهذه الصدمة (في شخصية معينة كثرة فك الخطوبات عدم الصدق والصراحة من الطرف الآخر) وهنا أتذكر قول للقديس "جيروم" مُوجّه للأمهات التي ترفض أن تبقي ابنتها عذراء مثال السيدة العذراء: "لماذا تغتاظين وتئنين إذا بقيت ابنتك عذراء؟ هل تحزنين لأن ابنتك اختارت أن تكون زوجة للملك وليس للعبد؟ لقد جاءت عليك بامتيازات عظيمة لقد أصبحتي الآن حماة الرب"لذلك نجد أن الآباء القديسين والشهداء أحبوا هذه الحياة وفضلوها على كل شيء.. فنجد شهداء نالوا إكليل الشهادة من أجل حفاظهم على عفتهم، وتساووا في الإكليل مع مَنْ ناله من أجل حفاظهم على الإيمان والعقيدة. القديسة "فبرونيا العذراء":- عندما حدث أن "مروان بن محمد الأموي" عندما استغاث بالبشموريين لمقاومة الخراسانيين في القرن الثامن بعد الميلاد، أطلق لهم حرية النهب والسلب، فكان من ضمن ضحاياهم أحد أديرة العذارى في نواحي أخميم وبينما كانوا ينهبونه رأوا راهبة صغيرة جميلة جدًا اسمها "فبرونيا"، جاءت من الشام، وترهبت في ذلك الدير، وكان لها ثلاثة سنوات فأخرجوها من الدير رغمًا عنها، وسبوها دون غيرها لجمالها وبدأوا يتشاورون بخصوصها البعض يقول نقدمها هدية للخليفة، والبعض الآخر يريد أن يقترعوا فيما بينهم عليها وبينما هم يتباحثون رفعت هي قلبها إلى الملك الحقيقي الحافظ عهده ورحمته للذين يحبونه بكل قلبهم، وألقت بذاتها بين يدي الله تبارك اسمه تبكي وتطلب خلاصها من هؤلاء القوم الأشرار، وحفظها من الدنس ولو أدى ذلك إلى قتلها وفي الحال فكرت في طريقة عجيبة للخلاص مما أحاط بها إذ طلبت مقابلة رئيسهم ولما حضر أخبرته أنها ستقول له سرًا عظيمًا بشرط أن يتركوها فوعدها بذلك فقالت له إن أسلافنا كانوا حكماء واكتشفوا سرًا سلّموه لآبائنا، ولم يعرفه سواهم وهذا السر هو أنه يوجد زيت حينما تُتلى عليه الصلوات ونُدهن به لا نخاف الموت ولا السيف ونضمن الحياة ولقد عرفت أنا هذا، وأن التجربة والامتحان هما أعظم شاهد، وأنني مستعدة أن أدهن رقبتي وأنت تضربني بسيفك بكل قوتك لترى نتيجة ذلك، أو إن أردت تدهن أنت رقبتك وأضربك أنا!! فخاف هو على نفسه وقال لها: ادهني أنتِ رقبتك وأضربك أنا بسيفي، ففرحت هي جدًا لأنها كانت لا تخاف الموت بل تشتهيه أفضل من الحياة في الجسد مع الدنس إذ بذلك ستنال الحياة الأبدية، وطلبت منه أن تذهب إلى الكنيسة أولًا لتحضر الزيت وتُصلي، فسمح لها مع مراقبتها فذهبت أمام صورة أمنا العذراء الطاهرة مريم، وصلّت بحرارة لكي يُعينها الله بشفاعتها على حفظ بتوليتها، ثم أحضرت من زيت القنديل ودهنت عنقها، وأعطته كمية من الزيت أيضًا، وقالت له خذ من هذا الزيت، وها أنا قد دهنت رقبتي فاضربني بكل قوتك، وسترى النتيجة بنفسك ففرح هو واستل سيفه وضرب عنقها بكل قوته، ففي الحال انفصلت رأسها عن جسدها وتدحرجت على الأرض فذهب القائد والجند واندهشوا من شجاعة تلك العذراء ومحبتها للعفة، وندموا على ما فعلوا ثم تركوا كل ما كانوا قد سلبوه من الدير، ومضوا متأثرين لما حدث. القديسة "بوتامينا":- وأمامنا القديسة "بوتامينا"، وكيف فضلت أن تُحرق بالنار، ولا تنزع ثيابها منها عند الحرق والعذاب. القديسة "أربسيما العذراء":- كيف طرحت الوالي على الأرض.. الذي كان يريد أن يفعل بها شيئًا دنسًا، والنتيجة أنه أمر بقلع عينها وقطع رأسها. الشاب العفيف:- والشاب العفيف الذي عندما ربطوه وقيدوه لكي تفعل معه إحدى الساقطات الخطية اتقدت فيه نار الوصية وحملته غيرته أن يهلك عضوًا واحدًا من جسده ولا يترك جسمه ونفسه للهلاك الأبدي، فقرض لسانه وبصقه في وجه تلك المرأة الشريرة بدماء كثيرة، وللحال وقع الرعب في قلبها وارتعدت من رجل الله القديس، متفكرة أنه مجنون، وسرعان ما هربت بخوف عظيم تجر أذيال الفضيحة وهرب هذا الشاب من فِعل خطية الزنا رغمًا عن إرادته. فها آباءنا الشهداءقد تمثلوا بالسيدة العذراء أمنا كلنا في حفظ بتوليتهم. فالآن هيا بنا أيها الشباب.. نتمثل بأمنا العذراء وآباءنا الشهداء والقديسين،في حفاظنا على عفة جسدنا وفكرنا،ونحيا في طهارة كاملة رافضين كل مغريات العالم وشهواته الدنسة ناظرين إلي السماء وما فيها فالسماء ليس فيها شيئًا نجسًا بل كل مَنْ يحيا فيها يحيا بطهارة وعفاف طالبين معونة ربنا يسوع المسيح إلهنا الحنون الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
09 أغسطس 2021

علاقة العذراء مريم بآباء وأنبياء العهد القديم

فى القطعة الثامنة من ثيئوتوكية الأحد تورد الثيئوتوكية ملحمة جميلة من سلامات العذراء مريم وعلاقتها مع آباء وأنبياء العهد القديم الذين اشتهوا أن يروا السيد المسيح – المولود من العذراء مريم – ولم يروه وأن يسمعوا كلمات النعمة الخارجة من فيه ولم يسمعوا ، فماتوا على رجاء الخلاص الذى سيتممه لهم فى ملء الزمان ، حتى جاء المسيح أو المسيا المنتظر مولودا من العذراء مريم وتمم كل نبواتهم وأنعم لهم بالخلاص ومسح دموعهم وحول حزنهم إلى فرح . تخاطب الثيئوتوكية السيدة العذراء قائلة : السلام لك يا مريم خلاص أبينا آدم : بعد أن سقط آدم فى المعصية وأكل من ثمرة الشجرة المنهى عنها ، وتحقق فيه العقاب الإلهى " أنك يوم تأكل منها موتا تموت ( تك 2 : 17 ) لم يتركه الله فى موته أو فى يأسه من الخلاص بل سمع الوعد المبارك بالخلاص من فم الله وهو يخاطب الحية قائلا : " اضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ( تك 3 : 15 ) " . ونلاحظ أنه كما تشير النبوة إلى المسيح الذى سيسحق الشيطان تشير أيضا إلى أمه القديسة فهو " نسل المرأة " . " فإذا كنا كلنا نولد من إمرأة ورجل ، وإذا كان آدم قد جاء لا من إمرأة ولا من رجل ، وإذا كانت حواء قد جاءت من رجل بلا إمرأة ، فالمسيح جاء من إمرأة دون رجل " ولذلك دعى " نسل المرأة " . والذى عزى آدم فى محنته أن هذه المرأة التى ستلد المخلص الذى سيسحق رأس الحية ويخلصه من سقطته ستكون من نسله هو ، لأن العذراء مريم هى إبنة آدم مثل كل الناس الموجودين على الأرض . لقد مات آدم مطمئنا بعد سماعه وعد الله بالخلاص ، وفى ملء الزمان جاء المسيح " آدم الثانى " مولودا من إمرأة من بنات آدم ليخلص آدم وبنيه من مصيرهم المرعب ، وفعلا لما مات الرب يسوع على الصليب نزلت روحه إلى الجحيم متحدة بلاهوته وأخرجت آدم الحزين وكل بنيه الذين ماتوا على الرجاء وأدخلتهم إلى الفردوس . وتقول ثيئوتوكية الأثنين فى هذا الموضوع " آدم بينما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته ( القطعة 1 الربع 1 ) ولبش الأثنين يقول : " لأن آدم أبانا الأول بيدى الله الخالق . بمشورة حواء أمنا الأولى أكل آدم من ثمرة الشجرة . فجاء على جنسنا وكل الخليقة سلطان الموت والفساد . ومن قبل مريم والدة الإله أرجع آدم إلى رئاسته مرة أخرى ( أرباع 2 – 5 ) " . وهكذا كما أن ثمرة شجرة معرفة الخير والشر كانت سببا فى سقوط آدم وموته واغترابه من الله أصبح المسيح – ثمرة بطن العذراء مريم – وهو الثمرة المحببة أو عنقود الحياة الذى حملته الكرمة الحقانية مريم بدون غرس ولا سقى ولا تفليح ، أصبح سببا فى خلاص آدم ورجوعه إلى الحياة الأبدية . السلام لك يا مريم تهليل حواء عندما أخطأت حواء وأطاعت الحية وأكلت من الشجرة المنهى عنها ، ورفضت الأعتراف بخطيتها وغوايتها جاء إليها العقاب الإلهى قائلا : " تكثيرا أكثر أتعاب حبلك . بالوجع تلدين أولادا ( تك 3 : 16 ) " هذا إلى جانب طردها مع زوجها من الفردوس وذهابها بعد الموت إلى الجحيم مما أثار أشجانها وحرك حزنها . ولما جاء المسيح الذى هو من نسل المرأة وصنع الفداء العظيم على الصليب وسحق رأس الحية حسب الوعد الإلهى : " وأضع عداوة بينك ( الحية ) وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه " ( تك 3 : 15 ) . نزل المسيح إلى الجحيم وحول حزن حواء إلى فرح ونقلها مع آدم وجميع الصديقين الذين ماتوا على رجاء إلى فردوس النعيم حيث الفرح والتنعم ، حيث هرب الحزن والكآبة والتنهد . وفى قطعة " تناف " ، وهى مديح القيامة فى التسبحة تقول : " كل الأفراح تليق بك يا والدة الإله لأن من قبلك أرجع آدم إلى الفردوس ونالت حواء الزينة عوض حزنها وأخذت الحرية دفعة أخرى من قبلك والخلاص الدهرى " . وليست حواء – أم العذراء مريم – هى وحدها نالت الفرح والتهليل بل كل جنس النساء ، فيقول لبش الأثنين " لأن من قبلها ( أى من قبل مريم ) وجدت النساء دالة أمام الرب ( ربع 11 ) " . ويحلو لبعض الآباء أن يطلقوا على مريم العذراء لقب " حواء الثانية " . السلام لك يا مريم فرح الأجيال كل الأجيال فرحت ومازالت تفرح بالقديسة مريم ، وفى القطعة السادسة من ثيئوتوكية الخميس تقول : " لأنها مكرمة جدا عند جميع القديسين ورؤساء الآباء لأنها أتت لهم بمن كانوا ينتظرونه " " وكذلك الأنبياء الذين تنبأوا من أجله بأنواع كثيرة وتشبيهات شتى بأنه يأتى ويخلصنا " " والرسل معا لأنها والدة الذى كرزوا به فى كل المسكونة " . " والشهداء المجاهدين لأنه قد خرج منها واضع جهادهم الحقيقى ربنا يسوع المسيح " وما زالت الأجيال وستزال تكرمها وتطوبها مصداقا لقولها : " هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه " ( لو 1 : 48 – 50 ) . انها فرح جميع الأجيال : أولا : لأنها ولدت المسيح ابن الله الذى خلص العالم من سلطان الشيطان والخطية والفساد . ثانيا : لجل شفاعتها المقبولة لدى ابنها الحبيب ، والمعجزات الكثيرة التى تعملها للمؤمنين من شفاء أمراض وحل مشاكل وانقاذ من الضيقات ، مما يجعل الناس يفرحون بالعذراء وينذرون لها النذور ويقيمون لها التماجيد فى كل زمان ومكان . السلام لك يا مريم فرح هابيل البار : قدم هابيل للرب قربانا من أبكار غنمه ومن سمانها ، أى قدم ذبائح دموية حيوانية مؤمنا أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ، وشاعرا بإحتياجه الشديد إلى مخلص يكون فى هرق دمه تكفير وغفران وفى موته تبرير وتطهير . ولما رأى الله إيمانه المستقيم وشعوره المتضع قبل ذبيحته " نظر الرب إلى هابيل وإلى قربانه " ( تك 4 : 4 ) ففرح هابيل لما قبل الله ذبيحته . وكما قدم هابيل ذبيحة من أعز ما عنده ، من أبكار غنمه ومن سمانها ، قدمت العذراء مريم ابنها الوحيد الحبيب ذبيحة كفارية عن خلاص العالم كله " فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة " وتنسم الرب رائحة الرضا ، ورفع غضبه وسخطه عن العالم . لما قتل هابيل ظلما ومات طاهرا انتظر مع الأبرار الآخرين مجىء الفادى والمخلص الذى ولد من العذراء مريم ، ثم صلب على الصليب ، ومن هناك نزل إلى الجحيم وأزال حزن هابيل البار من جراء انتظاره الطويل للمخلص ، ثم نقله وكل الأبرار إلى فردوس النعيم مما زاد فرحه وتنعمه ، ويقول الرسول بولس عن خلاص المسيح ودمه المسفوك على الصليب " إلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل ( عب 12 : 24 ) " –ودم المسيح أفضل من دم هابيل لأن دم هابيل طلب الأنتقام" صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض ( تك 4 : 10 ) " ، أما دم المسيح فطلب الصفح والغفران " يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ( لو 23 : 34 ) " . السلام لك يا مريم خلاص نوح : نقول فى ذكصولوجية العذراء لرفع بخور باكر " الروح المعزى الذى حل على إبنك فى مياة الأردن كمثال نوح . لأن تلك الحمامة بشرتنا بسلام الله الذى صار للبشر ، وأنت أيضا يا رجائنا اليمامة العقلية أتيت لنا بالرحمة وحملته فى بطنك ، أى يسوع المولود من الآب ولد لنا منك وحرر جنسنا " . ومعنى ذلك أنه كما أن الحمامة حينما أطلقها نوح من الفلك رجعت بعد قليل وفى منقارها غصن رمز السلام والطمأنينة وزوال الخطر بنزوح مياة الطوفان عن الأرض ، مما جعل نوح ينزل من الفلك هو وكل من معه ويقدم للرب ذبائح شكر وسلامة على خلاصه وخلاص أسرته وكل ما كان معه من حيوانات وطيور ، ثم عمر الأرض ونما وكثر . كذلك العذراء مريم الحمامة الحسنة أتت لنا بالرب يسوع المسيح رئيس السلام ، فصنع فى الأرض سلاما وصالح ذرية نوح مع الله خالقهم صانعا الصلح دم صليبه . + نوح بفلكه خلص ثمانى أنفس من الغرق أى هو وأفراد أسرته فقط ، أما العذراء مريم فقد قدمت المسيح فلك النجاة الذى خلص العالم كله من طوفان بحر الخطية وشرورها التى تغرق الناس فى العطب والهلاك . السلام لك يا مريم نعمة إبراهيم : أعطى الله لإبراهيم نعمة الإيمان بغزارة " آمن إبراهيم بالله فحسب له برا " ( رو 4 : 3 ) . كان إيمانه قويا يهزأ بالمستحيلات ويستهين بالمعوقات . لما أمره الله بالخروج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه إلى الأرض التى سيريه إياها " خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ( عب 11 : 8 ) " ولما وعده الله بميلاد اسحق آمن بوعد الله رغم وجود بعض معطلات الإنجاب لديه ولدى زوجته سارة لشيخوختهما المتأخرة " وإذ لم يكن ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مماتا إذ كان ابن نحو مائة سنة ، ولا مماتية مستودع سارة ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالإيمان معطيا مجدا لله ، وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) . ولما أمره الله بتقديم اسحق ابن الموعد ذبيحة لم يعارض بل قام باكرا وبقلب شجاع عزم على تنفيذ أمر الله بحذافيره ، ويقول الرسول : " بالإيمان قدم إبراهيم اسحق وهو مجرب ، قدم الذى قبل المواعيد ، وحيده الذى قيل له أنه بإسحق يدعى لك نسل إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من بين الأموات " ( عب 11 : 17 – 19 ) . هكذا كان إيمان العذراء القديسة مريم . كان إيمانها بسيطا وقويا . بشرها الملاك بأنها ستحبل وتلد إبنا دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، ورغم غرابة الخبر استفسرت من الملاك استفسارا بسيطا قائلة " كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا "( لو 1 : 34 ) ولما عرفت أن هذه مشيئة الرب وتدبيره خضعت بإيمان واتضاع قائلة " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك " ( لو 1 : 38 ) . لما أمر الملاك يوسف بأن يأخذ الصبى وأمه ويهرب إلى مصر أطاعت فى اتضاع وتسليم ، ولما أمرها الملاك بالرجوع إلى فلسطين فعلت نفس الشىء . كانت العذراء من نسل إبراهيم ، وكانت نسلا صالحا ، والنسل الصالح يكون سبب نعمة لآبائه وسبب فرح وسرور لهم حسب قول الحكيم فى الأمثال ( أم 10 : 1 ) ، فالعذراء مريم كانت سبب نعمة وفرح لأبيها ابراهيم ، وسبب اكرام وتبجيل له على مدى الأيام فنقول فى القطع المعقب العربى فى عشيات شهر كيهك هذا المرد الذى يتكرر فى كل قطعة : " السلام لك ثم السلام لك ونسألك يا أم المحبوب أن تحظينا فى مظال آبائك إبراهيم واسحق ويعقوب " . الرب يسوع ابن العذراء مريم أخرج ابراهيم من الجحيم ونقله إلى الفردوس وجعل حضنه مكان راحة وتعزية لكل المؤمنين الراحلين ، فتقول الكنيسة فى صلواتها على المنتقلين : " نيح نفوسهم جميعا فى حضن آبائنا القديسين ابراهيم واسحق ويعقوب " . السلام لك يا مريم خلاص اسحق القديس : + حملت سارة اسحق ابن الموعد وهى عجوز سنها 90 سنة بعد أن مات مستودعها ( رحمها ) وانقطعت عنها عادة النساء ، ويقول الرسول فى ذلك " وإذ لم يكن ( ابراهيم ) ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده إذ صار مماتا اذ كان ابن نحو مائة سنة ولا مماتية مستودع سارة ، ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالأيمان معطيا مجدا لله وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) . هكذا حملت العذراء مريم المسيح ابن الله بطريقة إلهية فى مستودعها الصغير البكر دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، وكلاهما طرقتان للحمل تمجدان الله وتشهدان بقدرته الفائقة وتدبيره العالى حقا يارب " ما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الأستقصاء " . + عندما ولدت سارة اسحق وأصبحت أما لأبن الموعد فرحت وابتهجت قائلة : " قد صنع الله إلى ضحكا ، كل من يسمع يضحك لى ، ودعت اسمه اسحق أى ضحك " . هكذا العذراء مريم عندما حملت بالمسيح كلمة الله وتأكدت أنها أصبحت أما للمسيا المنتظر الموعود به لخلاص الله ، والذى كانت كل فتاة يهودية تتمنى أن تكون أما للمسيا المنتظر ، عندما تأكدت من ذلك فرحت وابتهجت وطفقت تسبح الرب قائلة : " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس " ( لو 1 : 46 – 49 ) " . + بناء على أمر الله أخذ ابراهيم ابنه الشاب اسحق وذهب به إلى جبل المريا ، وهناك أوثقه ووضعه على المذبح وهم بذبحه ، وهنا تدخل الله وناداه قائلا " لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا . فرفع ابراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا فى الغابة بقرنيه . فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن إبنه " ( تك 22 : 12 ، 13 ) " لم يذكر الكتاب من أين أتى الكبش ولا كيف أمسك فى الشجرة بقرنيه ، ونحن نعتقد أنه بمعجزة إلهية أخرجت الشجرة – على غير طبع الأشجار – هذا الكبش الذى أصعده إبراهيم محرقة بدلا عن ابنه اسحق . والذى يؤيد نظرتنا هذه أن الكتاب لم يقل أن الكبش كان موثقا أو مربوطا فى الشجرة بقرنيه كأن يكون مربوطا بحبل أو غيره ، ولكنه قال أن الكبش كان ممسكا فى الشجرة بقرنيه ، أى أن قرنيه كانا ممسوكين فى الشجرة أو ملتصقين بها . وكما أخرجت الشجرة الكبش على غير الناموس الطبيعى للأشجار ، هكذا العذراء مريم ولدت السيد المسيح له المجد بتدبير إلهى وسر لا يدركه العقل ، ولدته وهى عذراء بدون زرع بشر وذلك على غير طبيعة النساء ، وكما قدم إبراهيم ذلك الخروف محرقة وفداء عن إبنه هكذا أصعد المسيح ذاته على مذبح الصليب ذبيحة محرقة عن جنس البشر وصنع على الصليب فداء عظيما كحمل الله الذى يحمل خطية العالم كله . وللحديث بقية [ منقول من كتاب روحانية التسبحة – ج 7 – للقمص بقنتيوس السريانى ]
المزيد
08 أغسطس 2021

السيدة العذراء الأم الحنون

الكنيسة تقول عن العذراء أنها أُم قادرة رحيمة مُعينة كيف تتمتع بأُمومة السيدة العذراء ؟ الكنيسة تقول عنها أُم المعونة والرحمة والخلاص إنها أُمنا كلنا ” سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله “ كيف تكون العذراء أُمنا ؟ ربنا يسوع تجسد في بطنها وأخذ جسد حقيقي من لحمها ودمها يسوع ابنها وابنها هو ابن الله الكلمة هو الله الظاهر بالجسد هو اللاهوت المُتحد بالناسوت والناسوت المُتحد باللاهوت هو جسد ربنا وإلهنا ومُخلصنا يسوع إذاً هي أُم المسيح ونحن أعضاء في جسده إذاً هي أُمنا تستطيع أن تقول أن كل واحد منا جزء من جسد المسيح الذي العذراء أُمه إذاً هي أمي إذاً نحن لا نُكرم السيدة العذراء لأنها قديسة فقط بل لأنها والدة الإله طفل اسمه أبانوب كان شفيعه أبانوب وعيد استشهاد القديس أبانوب 31/7 وكانت أُسرته تتشفع بالسيدة العذراء وأرادت أن تصوم صوم السيدة العذراء من بداية الشهر أي أُسبوع أكثر من الصوم الذي حددته الكنيسة الطفل أبانوب كان عُمره ثمانية سنوات فقال لأسرته هل سنصوم أُسبوع أكثر في صوم السيدة العذراء ؟ إذاً فلنصم يوم أو اثنين للقديس أبانوب لأنه شفيعي وخصوصاً يوم عيده إن كانوا قد أرادوا يصوموا فترة أطول فليصوموا لكن الكنيسة لا تقول كذلك لا تصوم لقديس ولا حتى السيدة العذراء لأنها قديسة نحن نصوم للسيدة العذراء ليس لأنها قديسة بل لأنها والدة الإله فصارت أمنا كلنا فعندما نُكرمها نُكرم الله يسوع المسيح نحن نصوم لها لأنها أم الله الحي يسوع المسيح الإله الحقيقي في صلاة المجمع في القداس نقول ” آبائنا الأطهار رؤساء الآباء والأنبياء والرسل والمُبشرين والإنجيليين والشهداء والمُعترفين “ كل فئة في كلمة واحدة السبعين رسول في كلمة واحدة ومارجرجس ومارمينا وأبو سيفين وكل الشهداء في كلمة واحدة أما السيدة العذراء فنقول ” وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حينً والدة الإله القديسة الطاهرة مريم التي ولدت لنا الله الكلمة بالحقيقة “ كل هذه الألقاب للسيدة العذراء لأنها أمنا كلنا أم الكنيسة وأم يسوع أم المؤمنين نقول عن السيدة العذراء حواء الجديدة لأن حواء الأولى هي أم كل البشر لكن للأسف كانت سبب السقوط والخطية جاءت العذراء وصارت أم كل البشر وصارت سبب تمتعنا ببركة الخلاص بدم ابنها الحبيب يسوع فصارت أمنا كلنا وعندما نبعد علاقتنا بالعذراء أو نلغي الشفاعة أو نقول إنها علبة أخذنا منها قطعة الذهب صرنا خسرانين لأنها ليست علبة وأخذنا منها الذهب لأنه لم يدخل جسدها كامل وأخذناه منها كامل بل أخذ جسده منها تكون داخلها لذلك نُسمي بطن السيدة العذراء ” المعمل الإلهي “ ومادامت هي المعمل الإلهي صارت أم لنا لأنها ولدت الله الكلمة بالحقيقة العذراء أم تشعر بنا لأنها أم ذهبت عرس قانا الجليل ليس لمجرد الحضور فقط أو لتقول إحضروا لي هذا أو ذاك أو لتنقد الناس لا بل ذهبت تخدم لأنها أم ودخلت المكان الخاص بأهل العُرس والمُعدين له وشعرت أن هناك مشكلة فقالت لابنها ” ليس لهم خمر “ ( يو 2 : 3 ) شعرت باحتياجات أولادها لأنها أم لا ترى الإحتياج وتصمُت بل تشترك في الإحتياج وتقدم البديل وتحل الإحتياج وتشفع لابنها وتقول له ليس لهم خمر حتى أن الآباء يقولون إنها مازالت حتى الآن تقف وسطنا وتطلب عنا لابنها يسوع وتقول وتشفع عن الكل وتقول ليس لهم خمر لا تُخرجهم إلا ولهم خمر لا تصمت عنهم بل فرحهم بخمرك نحن نقدم له ماء وهو يقدم خمر نحن نقدم له شئ بارد وهو يقدم شئ ساخن حلو نحن نقدم له فتور وهو يقدم لنا حرارة نقدم له شئ بلا قيمة وهو يقدم لنا شئ له قيمة نقدم له شئ بلا طعم أو مذاق وهو يقدم لنا شئ له مذاق حلو ليس لهم خمر يا يسوع لا تتركهم في فتورهم قلوبهم مُتعبة ونفوسهم حزينة يا يسوع إخرجهم من ههنا فرحين يا يسوع ليس لهم خمر يقول لها يسوع سأُعطيهم أم تنظر لاحتياجات أولادها وتشترك معهم في فقرهم وضعفهم واحتياجاتهم طوبى لمن تمتع بأمومة السيدة العذراء أُم القديس مارمينا لم يكن لها طفل وكان اسمها أفومية تذهب إلى الكنيسة وتنظر إلى صورة السيدة العذراء وتقول لها أرجوكِ أعطيني طفل أنتِ أُم تتوسل لها وكأنها تتكلم مع حقيقة وتسمع صوت العذراء تقول ” آمين “ أم تحب أولادها وتساعدهم وتقدم لهم احتياجاتهم ليس لهم خمر يعطيها أُم قادرة رحيمة مُعينة قد يقول البعض إنها انتقلت من الحياة ولا تشعر بنا هي فوق ونحن تحت ولا نصل إلى الله إلا به هو فلا نضع وسيط بيننا وبينه نقول له كيف وهي الشفيعة الأمينة لجنس البشر هي تقف دائماً أمام يسوع تشفع في جنس البشر ونحن في صلواتنا نقول لها ” إسألي الرب عنا ليغفر لنا خطايانا “” نسألِك أيتها الشفيعة المؤتمنة “أنتِ أُم لا يمكن أن تري احتياجنا وتصمُتي إن قال لك أحد هي ماتت تقول له كيف لا تشعر بنا ؟ أليس المُنتقل يشعر بنا ؟ نحن لدينا إيمان أن المُنتقلين ينتقلوا من أتعاب الجسد ويأخذون قيامة قوة حياة جديدة هكذا العذراء أخذت قوة حياة جديدة إن كان هذا حال آبائنا المُنتقلين فكم تكون قوة السيدة العذراء بعد انتقالها ؟ تخيل الآن قُوِّتها أُم حنونة تشفع عن احتياجات أولادها وصلواتهم السيدة العذراء تُصعد صلواتنا لابنها الحبيب من أنتِ ؟ تقول أنا أُمه أراد شخص أن يوظف ابنه في شركة كبرى يملكها رجل مسيحي فطلب من أب كاهن يعرف صاحب الشركة أن يتوسط له فقال له الأب الكاهن أنه لا يعرف صاحب الشركة ذاته لكنه يعرف والدته فقال الرجل لقد ضمنت الوظيفة لابني لأنه قد يطلب من صاحب الشركة فيعتذر بأنه ليس لديه وظيفة خالية لكن لو طلبت أُمه منه سيوافق حتى وإن لم يكن لديه وظيفة خالية ويوظف الابن أُم لها دالة عند ابنها لابد أن نتمتع بدالة السيدة العذراء عند ابنها الحبيب جيد أن تُنادي دائماً يا أُمي يا عذراء فهل أمي التي عاشت معي مجرد أن تنتقل للسماء تنساني ؟ أو أنساها ؟ لا بل علاقتنا معاً تزداد ارتباط إخوتنا البروتُستانت عندهم اعتقاد بأن الشخص مجرد أن ينتقل من هذا العالم ينتهي أمره معنا تقول لهم العذراء قالت ليسوع ليس لهم خمر فصنع لهم خمر يُجيبون لأنها كانت مازالت حية موسى النبي عندما كان يطلب من الله أي شئ كان الله ينفذه له يقولون لك هذا عندما كان موسى حي لكن مجرد أن يموت الشخص إنتهى الأمر نسألهم عندما يموت الشخص هل تزداد قُوِّته أم تنقُص ؟ هل ينتهي ؟ هل صلته بأحبائه تنتهي ؟ بالطبع لا بل تزداد قُوِّته وصلته بأحبابه نسألهم هل بعد موته يظل حي ؟ هو بعد الموت حي أم لا ؟ إن كان غير المسيحي يقول عن الأموات ” أحياء عند ربهم “ أي موجودين فكيف تنفصل علاقتهم وصلتهم عن أحبابهم هل تتخيل أن آبائنا الكهنة إن سمح الله أن يختارهم لسفر خارج البلاد أنهم ينسونا ونحن ننساهم ؟ بالطبع لا سنظل نتذكرهم وهم يتذكروننا وتظل صلتنا بهم قائمة هكذا المُنتقلين تظل علاقتنا بهم متصلة هل الذين انتقلوا ننساهم ؟ سيكون ذلك خطأ منا في حقهم لذلك نصنع لهم تذكارات ونذكرهم في القداسات ونشعر بهم بل ونستغل شفاعتهم السيدة العذراء شفيعة أمينة تشفع عن ضعفات أولادها أمام يسوع كما كانت حواء أم البشرية لكن الله قال لها كفاكِ الآن سآتي بالعذراء أُم للبشرية لأنكِ أنتِ جلبتِ الخطية للبشرية أما العذراء فهي أُم ابني الحبيب الذي به سُررت كما كانت حواء سبب لجلب الخطية كانت العذراء وسيلة لأن يأتي الابن الحبيب الذي به أتى الخلاص للبشرية لابد أن نشعر بالعذراء في حياتنا وأن تكون في وجداننا المتنيح أبونا بيشوي كامل كان كثيراً ما يصرخ ويقول يا ستي يا عدرا يا أُمي يا عدرا وعندما كان الألم يشتد عليه جداً كنت تسمعه وهو يصرخ يا ستي يا عدرا يا أُمي يا عدرا أي كان يُنادي العذراء فتعرف إنه متألم جداً لكنه بيتشفع بالعذراء جميلة الكنيسة عندما تجعلنا في كل صلاة نُصليها نتذكر العذراء وكذلك في كل قداس وتقول لها ألحان ” إفرحي يا مريم “ ” بشفاعة والدة الإله “ لأنها صارت جزء من نسيج عبادتنا لأنها أُم لنا وتشترك في احتياجاتنا قيل أن مجموعة من الراهبات كن واقفات للصلاة فرأين راهبة غريبة واقفة معهن في الصلاة لكن رأين معها مصابيح مُنيرة تقوم بتوزيعها على الراهبات الواقفات ولاحظن أن بعض منهن وزعت عليهن مصابيح غير مُضيئة فسألتها الراهبة الرئيسة لماذا هؤلاء أعطيتهنَّ مصابيح غير مُضيئة وهؤلاء أعطيتهنَّ مصابيح مُضيئة ؟ فقالت لها اللاتي أخذن مصابيح مُضيئة هن من جئن للصلاة باشتياق وحرارة قلب واللاتي أخذن مصابيح غير مُضيئة هن من أتين للصلاة كروتين فسألتها الأم الرئيسة واللاتي لم يأتين للصلاة ؟ قالت هؤلاء ليس لهنَّ مصابيح السيدة العذراء واقفة وسطنا ترى قلب وفكر كل واحد منا وتساعد كل واحد منا ليقدم صلاة أكثر حرارة وأكثر قبول أمام ابنها الحبيب يسوع أُم أُم حتى في الضيقات يُحكى أنه أثناء حرب 67 أن قُنبلة أُلقيت على كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك ورأى شخص غير مسيحي أن سيدة تلقت القنبلة في حجرها وألقتها بعيداً عن الكنيسة فانفجرت إنفجار بسيط مجرد شرار أحدث كسور في زجاج الكنيسة فقط أما زجاج صورتها فلم يتأثر شهادة والذي يذهب إلى كنيسة العذراء حتى الآن يرى هذا الزجاج في المقصورة وصورتها أُم سهرانة ونحن نائمين نحن لا نعرف أن نعمل أي شئ وهي تعمل عنا هي تشفع في البشر وتقول لابنها إنتظرهم هم أولادك قلوبهم تحبك فتأنَّى لذلك يُقال إنها تكون حزينة في هذه الأيام وتقول لأن أولادي غير تائبين وأحزنوا ابني الحبيب في أحد المرات ظهرت لبعض الأطفال وكانت تبكي فسألوها لماذا تبكي ؟ أجابتهم لأن الناس خاطيين فقالوا لها لا تبكي فقالت لهم عندما يتوبوا الناس أفرح سألوها إذاً ماذا نفعل نحن ؟ قالت لهم أنا لا أظهر لأي شخص لكني ظهرت لكم لكي أعطيكم رسالة تبلغوها للناس قولوا لهم ” الوقت قريب وأنتم تلهون وأنا لا أكف عن الشفاعة لأجلكم عند ابني الحبيب “ مثل شخص ليلة الإمتحان يترك كُتبه ويجلس ليشاهد فيلم في التليفزيون وأبويهِ يتحايلان عليه ليترك الفيلم ويجلس للإستذكار والمراجعة هكذا السيدة العذراء تحايلنا قائلةً توبوا الوقت قريب أُريدكم فرحين لا تلهوا الآن لحظات وفترات قليلة وتنسون الأبدية لا أريد أن أراكم فرحين بالأبدية أُم تعرف احتياجات أولادها أُم قادرة رحيمة مُعينة تُساعد أولادها قيل أنه كان هناك مريض في أحد المستشفيات وكان معه في الحجرة شخص مريض غير مسيحي وكان المريض المسيحي متألم جداً يرقد على جنب واحد لا يستطيع الحركة أو تغيير وضعه فأُصيب بقُرح فِرَاش دون أن يدري وبدأ الميكروب يأكل جسده وفي ليلة جاءت له العذراء وغيَّرت وضعه وغيَّرت له فرِاشه ثم وضعت ملآة على رأسه كأنه في وضع صلاة وفي الصباح إستيقظ فوجد نفسه في وضع لم يكن موجود عليه ليلاً فقال أنه كان يتخيل أنه يحلم وأنه أتته سيدة ليلاً وأيقظته وقالت له ” سلامتك “ وبدِّلت له الفراش وأرته جراحه وقالت له إنها العذراء لكنه غير واثق إن كان هذا ما حدث حقيقة أم حلم ؟ والجميل إنها قالت له أريدك أن تتشفع بي دائماً وأن هناك ما يُحزنني منك فقال لها ما هو يا ستي يا عدرا ؟ قالت له أنت لا تأتي لسهراتي – سهرات كيهك – أريدك أن تسهر سهراتي إذاً هي مُنتبهة لنا في الكنيسة وتعطي مصابيح لأولادها وفي الصباح قال له الشخص الغير مسيحي أن هناك سيدة أتته الليلة فقال المسيحي وأنت أيضاً ؟ قال الغير مسيحي نعم سأله المسيحي وما شكلها ؟ فقال المريض الغير مسيحي نفس المواصفات التي رآها المريض المسيحي وأضاف وقال إنها قالت له اسمها هي ” ستنا مريم “ وسلِّمت عليه وربتت على كتفه وسألته إن كان محتاج لشئ العذراء أم هل تعرف معنى كلمة ” أم “ ؟ أي مصدر كل أمومة صلي مع العذراء واشعر إنها أمك يا لفرحك هل يحلم أحد بأن تكون العذراء أمه ؟ عندما يكون الشخص أمه مهتمة به وتسهر على راحته وتُلبي احتياجاته يفرح بها .. فما بال أن تكون العذراء أمك ؟ يا لفرح الكنيسة بأمومة العذراء التي تعطي كل احتياج دون تقصير لأنها قادرة نحن نقول لها ” أنتِ هي سور خلاصنا يا والدة الإله “ أنتِ تحمينا وتحرسينا كلما اقتربت من يسوع اقتربت من أمه وكلما اقتربت من أمه اقتربت ليسوع لأن الاثنين واحد لذلك عندما تدخل في عِشرة حلوة مع يسوع كرامة العذراء تزداد عندك جداً كنيستنا أدركت كرامتها عند يسوع فعملت لها تماجيد وثيؤطوكيات وصوم وتسبحة لأنها سور الخلاص هي الشورية والقبة هي عصا هارون وقسط المن وتابوت العهد و لأنها مملوءة صفات جيد أن تفرح بأمومة العذراء لك ضع لها صورة في حجرتك وكلِّمها واشعر بها وتشفع بها واجعل بينك وبينها مشاعر وعندما تسقط في الخطية تشعر إنها حزنت منك وعندما تتوب تشعر إنك فرَّحتها لذلك نقول لها ” لأنه ليس لنا دالة ولا حُجة ولا معذرة من أجل كثرة خطايانا فنحن بكِ نتوسل إلى الذي وُلِدَ منكِ يا والدة الإله العذراء “ أنا غير قادر على الوقوف أمام ابنك لأني أخطأت في حقهِ كثيراً أرجوكِ أنتِ أم حنونة إشفعي فيَّ من أجل التوبة والنجاة هل يليق أن تصوم صوم العذراء ولا تتمتع بأمومتها ؟ هل يليق أن تظل علاقتنا بها نظرية حتى بعد صومها ؟ لا الكنيسة تضع لك صورتها نموذج وتعمل تسابيح وتماجيد لتُزيد عشرِتك معها وتخرج من صومها وأنت أكثر صلابة وأعمق عِشرة معها كانت سيدة تقية لها ابنة مغتربة في التعليم وكانت الابنة مُقبلة على فترة الإمتحانات وأرادت أن أمها تكون معها في الإمتحانات فجمعت الأم كل احتياجاتها وسافرت للإبنة وفي أثناء فترة الإمتحانات التي امتدت خمسة عشر يوماً قالت الأم فجأة لقد نسيت شئ مهم جداً لم أُحضره معي وأريد أن أرجع لأُحضره وسألتها الإبنة ما هو الشئ المهم الذي تريد العودة من أجله وتتحمل مشقة السفر ؟ قالت الأم لقد نسيت صورة السيدة العذراء لقد كانت صورة للعذراء تعودت الأم أن تقف أمامها وتكلمها بكل همومها ورأت الإبنة أن هذا أمر لا يستدعي العودة لكن الأم ظلت طوال الخمسة عشر يوم حزينة وأخيراً بعد فترة الإمتحانات عادت لبيتها حيث صورة العذراء التي تحبها ومجرد أن فتحت بابها جرت نحو الصورة وشعرت أن العذراء تحضنها عِشرة وأُمومة وإحساس ليست مجرد صورة لا لابد أن تكون وجود حقيقي للعذراء تكلمها وتُقيم لها تماجيد وتشعر بها السيدة العذراء ليست فكرة نظرية بل جعلتها الكنيسة تماجيد وصوم لابد أن تعرفها وتقول لها” نُعظمك يا أم النور الحقيقي “ وتُصبح ممارسة ونذكرها في صلواتنا وقداساتنا ولترى المشاعر التي يحتاجها الابن من أمه ويكبر الابن ويظل في نظرها طفل تسأل عن احتياجاته التي قد لا يسأل عنها غيرها هل أكلت ؟ نمت ؟ مُستريح ؟ قد لا تفكر الزوجة في هذه الأسئلة رغم إنها أقرب العذراء لا تسأل أكلت أو شربت أو نمت لكنها تسأل هل تُبت ؟ هل تناولت وفرحت ؟ صليت ؟ إعترفت ؟ سبَّحت ؟ عِشت الوصية ؟ أليس الذين قالوا ليسوع هوذا أُمك تطلبك قال لهم من هي أمي واخوتي ؟ ” لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأُختي وأُمي “ ( مت 12 : 50 ) السيدة العذراء تريدنا أن نكون مثلها نسمع كلام الله ونحفظه ما الذي يفرح العذراء ؟ توبتنا وعبادتنا وصلواتنا فرحها بعبادة نقية قدِّم لها أجمل ما تملُك قدِّم قلب مرفوع وذهن نقي وعبادة نقية تخيل إنها عندما تأخذ منك شئ جميل تُقدمه وتُصعده لابنها الحبيب وتفتخر وتقول له خذ هذه الصلاة صلاة فلان وتسابيح فلان وهذه تماجيد فلان وهذا صوم فلان و أم قادرة تعطي نجاة للكنيسة لذلك لها كرامة كبيرة تخيل الكنيسة بعد صعود رب المجد وحلول الروح القدس كانت السيدة العذراء أم للكنيسة يجتمعون حولها ويأخذون إرشادها وتُعالج لهم مشاكلهم وتستر عليهم كأم لا يستطيع أحد أن يقدم لنا ما تقدمه العذراء لنا تخيل لما تقدم لك بركات وأنت لا تعرف كيف تأخذها وتفرح بها ؟! خسارة ليتك تتمتع بأمومة السيدة العذراء أمنا كلنا والشفيعة الأمينة لجنس البشرية والأم القادرة الرحيمة والمُعينة ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
07 أغسطس 2021

القديسة مريم والخطايا الفعلية

اعتقد بعض الآباء مثل ايريناؤس وأوريجينوس ويوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم لم تعش بغير خطايا فعلية، لكن آرائهم لا تمثل التقليد المريمي المتسع في الكنيسة الأولى. تعتقد الكنيسة في قداسة مريم الفريدة في نوعها التي تفوق الخليقة السماوية، حتى الشاروبيم والسيرافيم. لقد أمضت حياتها في قداسه كتابوت العهد الحقيقي المصنوع من خشبٍ لا يسوس، مغطى بالذهب من الداخل والخارج. فيما يلي بعض مقتطفات لكتابات بعض الآباء في هذا الشأن: إكراما للرب لا أقبل سؤالاً واحدًا يمس موضوع الخطية بخصوص القديسة مريم العذراء القديس أغسطينوس كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة مكرمة جدا وممجدة هي صورة جمالهاعاشت حكيمة ومملوءة حبا لله لم تتدنس قط بشهوات رديئة، بل صارت في استقامة منذ طفولتها في الطريق الحق بغير خطأ أو تعثر!القديس يعقوب السروجي جاء كلمة الآب من حضن الآب،وفي حضن آخر لبس جسدًا،جاء من حضن إلى حضن امتلأ الحضنان النقيان به مبارك هو هذا الذي يسكن فينا! القديس أفرام السرياني القديسة مريم والخطايا الأصلية إذ تعمقت جذور محبة الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة مريم تتطلع إليها بكونها أكثر قداسة من كل الخليقة السماوية لكنها في نفس الوقت هي عضو طبيعي في الجنس البشري. فنحن لا نعزلها عن البشرية، مدعين أنها ولدت بغير الخطية الجدية، كما لو كانت ليست من زرع بشري.هذه هي الحقيقة التي أعلنتها الثيؤتوكية التالية " يا لغنى الله وحكمته،الرحم الذي تحت الحكم أنجب أولادا بغير ألم المخاض،صارت ينبوع الخلود،أنت عمانوئيل بغير زرع بشر،ليحطم فساد طبيعتنا" هكذا تضع الكنيسة حدا فاصلا بين حياة القديسة قبل لحظة التجسد (كابنة آدم الوارثة للحكم)، وبعدها (تقدست بالكمال للتجسد الإلهي)، ففي ثيؤتوكية أخرى نقول"الروح القدس ملآك تمامًا،ملأ كل جزء في جسدك ونفسك،يا مريم والدة الإله!" أعلنت القديسة مريم بنفسها فرحتها بالله مخلصها، إذ كانت هي أيضا محتاجة للخلاص. في هذا يقول القديس أمبروسيوس"إذ أراد الرب أن يخلص العالم بدأ عمله بمريم، حتى أنه خلال الخلاص الذي أعد للجميع، تكون هي الأولى تنعم بثمرة الخلاص المقدم بواسطة الابن[1]". ويقول القديس أغسطينوس"من آدم خرجت مريم، التي ماتت بسبب الخطيئة آدم مات بسبب الخطيئة أما جسد الرب النابع عن مريم فمات ليحطم الخطيئة[2]". أخيرا فإن هذا المفهوم الأرثوذكسي حفظ كنيستنا بعيدا عن كل مبالغة أو خلط بين ما يخص السيد المسيح وأمه. فإننا لا نجد لاهوتي أرثوذكسي يدعو القديسة مريم "شريكة في الخلاص coredemptrix كما لا نقدم لها بعبادة بل تكريمًا ومديحًا بمعنى آخر في الكنيسة الأرثوذكسية يوجد حد فاصل بين المسيح والقديسة مريم أمه، فلا ينسب لها ما يخص السيد المسيح. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
06 أغسطس 2021

مَثَلُ البـــذار

«وَقَالَ: هكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا يُلْقِي الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ، لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلاً نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ. وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرَ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ» (مر4: 26–29). بذار ملكوت الله يُلقيها الإنسان -يسوع المسيح- ، هو الزارع الزرع الجيّد، في الأرض -التي هي الإنسان المأخوذ من تراب الأرض-، وإذ تضرب البذرة الحيَّة، بذرة الحياة الأبدية، جذورها في قلب الإنسان وتتمكّن منه، تنمو، وتنمو كلّ يوم إلى حياة أبدية. هذا النمو هو استمرار الحياة بروح المسيح، روح القيامة، وهو نمو مضطرد وتجديد مستمرّ. ولكن ما يؤكِّد عليه الرب أنّ النموّ يبدو واضحًا جليًّا كلّ يوم، ولكن كيف ينمو النبات هذا ما لا يمكن أن تسجّله بالملاحظة، أنت تنام وتقوم والنبات ينمو من يوم إلى يوم، إنّه سرّ الحياة.كثيرون حاولوا رصد نمو الملكوت الأبدي في حياتهم في القلب والعقل، ففشلوا وصاروا فى سَجس الضمير، أو وصلوا إلى عقلانيات وتأويلات فلسفية ليس لها شبع. النمو هو عمل الروح، وامتداد الروح، وانتشار الملكوت «مَنْ عَرَفَ (قاس) فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟» (رو11: 34)، ليس بالكيل، «وَلاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (زك4: 6).الإيمان ينمو، والمحبّة تنمو، وروح الصلاح وعمل مسرّة الله ينمو، الاتضاع ينمو، والرجاء ينمو. كلّ فضيلة تنمو. كيف ينمو ملكوت الله؟ أعطِ مكانًا، خبِّئ بذار الملكوت في القلب فلا تخطفها طيور السماء، تعهّدها بالسهر وسقي الرّوح. أمّا مِن جهة كمال النمو وبلوغ الثمر، فيحتاج الأمر إلى الصبر. للزرع وقت وللحصاد وقت. الزرع ينمو قليلاً قليلاً.. كقول الرسول: «انْمُوا فِي النِّعْمَةِ» (2بط3: 18)، وأيضاً «نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ الْمَسِيحُ» (أف4: 15)، وأيضاً تنمو «إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ» (أف4: 13) لذلك نقول إنّ عدم النمو في حياتنا في المسيح يُنذر بالخطر. قال المرنم: «لِكُلِّ كَمَال (تمام) رَأَيْتُ حَدًّا (منتهًى)، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا» (مز119: 96). فأنت تبدأ في تنفيذ الوصية وتنمو وتنمو، ولا نهاية للنمو، لأنّك قاصد الحياة الأبدية التي لا نهاية لها.تبتدئ بعمل المحبّة وتحيا فيها، تحبّ الرب إلهك، وتحبّ قريبك، وتدرِّب نفسك كلّ يوم، وتنمو في المحبّة وممارستها الفائقة. وكلّما تقدّمتَ تحسِب ذاتك أنّك لم تبلغ بعد إلى الكمال فتسعى و«تنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَتمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (في3: 13). هكذا كلّ وصايا الرب وجميع الفضائل المسيحية. إنّها زرع ملكوت الله في القلب.. تنمو وتمتدّ، تكبر وتُكثر.الساعين في الطريق لا يستعجلون الثمر.. سيحصل في حينه كقول الرسول: «لاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ» (غل6: 9). نحتاج إلى صبرٍ كثير، حتى ينضُج الإنسان من جهة معرفته بملكوت الله، وإدراكه لمشيئة الله وتدبيره من جهة خلاصنا. لذلك امتلأت سِيَر الآباء القدّيسين بالصبر في الجهادات، والسهر والدموع وتكميل التوبة وأعمال النسك وكثرة الفضائل. وفي نهاية سيرتهم تكاثرت ثمار الملكوت كشهادة حيّة كقول الرب في هذا المثل. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
05 أغسطس 2021

شخصية مريم العذراء والدة الإله

مريم العذراء والدة الإله أليس كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم، ومع ذلك فغالباً ما يخشى المرء أن يتناول موضوع هذه الشخصية التي نالت تقديراً عظيماً وبركة عجيبة بين نساء العالمين. وهناك سبب آخر ربما يعوق الكثير من المؤمنين في دراسة امتيازاتها وصفاتها، هذا السبب هو الوثنية التي جرفت معها الملايين الكثيرة من المسيحية المعترفة. وليس من ترياق لعلاج هذا الميل الوثني – الذي يُحزن كثيراً روح الله ويهين الرب نفسه – سوى التأمل فيما أنشدته هذه الأنية المختارة، هذا النشيد أو التسبحة المحفوظة لنا في الأناجيل. وهذا هو العمل الذي نقوم به بحسب قيادته لنا، بغرض أن نفهم فهماً جيداً، كما نتعلم من الروح القدس، نعمة الله العجيبة التي أفرزت تلك المرأة الفقيرة لهذه الكرامة التي لا يُنطق بها، وأيضاً ثمار تلك النعمة المستعلنة في إيمانها البسيط بالرب غير المتزعزع وفي تقواها وحياتها المتواضعة.ومن الملفت للنظر أننا نجد كلمات مريم وأعمالها مسجلة فقط في أناجيل لوقا ويوحنا، بينما في متى تُذكر مريم مع تفاصيل أخرى بالارتباط مع ميلاد يسوع في هذا العالم ولا تتجاوز أكثر من ذلك. ويوسف في هذا الأناجيل يبرز بشكل واضح فتنحدر سلسلة نسب يسوع من خلاله إذ يُحسب أنه ابن داود (ص 1: 16 و 20). وتبقى مريم الإناء المختار والمُعد من الله لامتياز لا يوصف لتصبر إناء تُقدم يسوع في وسط إسرائيل. ذاك الذي يخلص شعبه من خطاياهم، كما كتب هذا الإنجيلي "وهذا كله كان لكي يتم من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانيوئيل الذي تفسيره الله معنا".لقد تمت هذه النبوة وولد الطفل، وضياء مجده أشرق بلمعان من خلال مريم. ومن ثم نقرأ في الإصحاح التالي إذ قيل خمس مرات "الصبي وأمه" ولا يقال "الأم والصبي". فكيف يقال ذلك ما لم يكن هذا المولود ليس أقل من عمانوئيل – الله معنا؟ هذه الحقيقية متى فهمت كما ينبغي فإنها تخمد وراءها إلى الأبد الرغبة في تعظيم مريم فوق ابنها، كما علم الرب بنفسه في موضع آخر عندما أظهرت واحدة ممن أعجبها ما سمعته وأدهشها كلامه فقالت له "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما" فأجابها "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو 11: 27 و 28). إنها ليست المرأة التي حظيت نعمة عظيمة ولكنه "نسل المرأة" الذي سحق رأس الحية، وهو ذاك الذي استغلت به كل مقاصد الله واكتملت. إنه هو ابن الله المحبوب وليس مريم الذي أمكنه أن يملأ قلوب شعب الله بالتسبيح والتعبد. إرسالية جبرائيل إلى مريم:- وعندما نأتي إلى إنجيل لوقا فإن تحتل مكانة بارزة في قصة الميلاد. أما التدريب الذي اجتازه يوسف في هذا الأمر فلا يرد عنه شيئاً هنا. إذ يقال هنا فقط أن مريم "عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم" (ص 1: 27). ويُنسَب لها أنها كانت تسكن الناصرة حيث أُرسِل الملاك جبرائيل من الله. وإذ كانت جالسة في المنزل، كما يتضح من هذه الكلمات "فدخل إليها الملاك"، قبلت منه التحية التي حياها بها – "سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك مباركة أنت في النساء". وجبرائيل هذا هو "الواقف قدام الله" (ع 19) والذي معه السر الإلهي بخصوص العذراء المختارة ونتبين من طبيعة تحيته لمريم أنه بمقدار النعمة المتفاضلة مع البركة التي تفردت بها بين نساء العالمين – والتي نالتها من الله. أيضاً نجد من كلماته مدى سرور إذ يشترك في أفكار الله.أما مريم فعندما رأت الملاك – الذي ظهر لها في صورة رجل بلا شك (انظر ص 24: 4) "اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية". لقد تفكرت في داخلها في كلمات جبرائيل ما مغزى ومعنى تلك الكلمات. ويمكننا أن ندرك ذلك جيداً إذا أعدنا على ذاكرتنا صفاتها ومركزها – فقد كانت امرأة تقية تخاف الله، وكيفما كانت سلسلة نسبها فقد يبدو أنها عاشت في ظروف متواضعة. فالتواضع والوداعة والإيمان هي السمات البارزة في حياتها الروحية. ولذلك فإنها اضطربت عند سماعها كلامه، وفكرت في داخلها، لا بالذهن الطبيعي تجاه شكوك ولادتها، بل بالحري كانت حيرة نفسها في معنى خطاب الملاك لها. وبما لها من بصيرة إلهية معطاة لها ونتبين ذلك في مشاعرها، فإن جبرائيل بدأ أول كل شيء أن يهدئ عقلها وحيرتها، لكي يعدها لتشترك في هذه الأمور العجيبة والتي جاء خصيصاً لذلك، مؤكداً لها أنها وجدت نعمة أمام الله. نقول أن إرسالية جبرائيل كانت لإعدادها. فما لم تصبح النفس في سلام وحرية تجاه الأمور الإلهية لا يمكنها أن تتمتع بها بعد (قارن دانيال 10: 19).ويا لها من رسالة سلمها جبرائيل "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى" ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه: ويملك على بيت يعقوب على الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (ع 31 - 33).ولأن موضوع تأملنا هنا شخصية مريم، فإننا لا نريد أن نسهب في الحديث عن هذا السر الذي لا يوصف وهو تجسد ربنا ومخلصنا المبارك، كما لا نريد أن نتوقف هنا عند هذه الألقاب المتعددة والأمجاد الكثيرة الممنوحة له. ولكننا نقول أولاً أن مجد شخصه متضمن في اسمه الكريم "يسوع" ومعناه "الله المخلص". وثانياً فإن كل ألقابه ترتبط بالأرض وبتمجيده على الأرض فهو "ابن العلى" و "ابن داود" الذي سيسود إلى الأبد على بيت يعقوب – هذا باعتباره وارث لحقوق داود الملكية، فهو رب داود كما أنه ابن داود كما يستحضر أمامنا في هذه النصوص. ولعل القارئ لا ينسى أن هذه المواعيد جميعها تنتظر تحقيقها عن قريب، ولابد أن تتم، وستتحقق بشكل غير قابل للخطأ بقوة اله بحسب مقاصده الأزلية. ربما يقيم الملوك أنفسهم ويتآمر الرؤساء معاً ضد الرب وضد مسيحه، ولكن كيفما كان تمرد الشعوب ورؤسائهم فإن الله في مقصده الذي لا يتزعزع أقام ملكه على صهيون جبل قدسه. وسيحكم إلى أن يضع جميع أعدائه تحت قدميه.وعندما وعد الله إبراهيم بابن فان سارة ضحكت في نفسها متشككة ولم تعرف قوة الله القادر على كل شيء صاحب الوعد. كما أن زكريا وقع في مشكلة الشك عندما قبل إعلاناً من جبرائيل بأن امرأته أليصابات ستحبل وتلد ابناً. ومريم أجابت الملاك "كيف يكون هذا؟" وعلى الرغم من أن ما وعد به كان خارج النظام الطبيعي، إلا أنه في حالة مريم لم يكن مثل الحالات السابقة مرتبطاً بعدم التصديق في التساؤل الذي طرحته. وهذا نجده من الحقيقة التي كان على جبرائيل أن يجيب عليها إجابة كاملة معلناً شيئين أولهما الحبل المعجزي لربنا المبارك وثانيهما أن الطفل المولود به يدعى ابن الله، وبحسب المزمور الثاني فهو ابن الله المولود في هذا العالم. ولكن لكي يقوي الإيمان المعطى لها من الله والذي نراه فيها فإن جبرائيل يعلنها أيضاً بنعمة الله المعطاة لإليصابات نسيبتها، وإذ يعطيها الأساس الذي لا يتغير لكل إيمان فإنه يقول لها "لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله". فالله لا يمكن أن يكون هو الله ما لم يكن هكذا، وأيضاً كما علم الرب نفسه "كل شيء مستطاع لدى المؤمن". وهذا هو الدرس الذي تتعلمه مريم الآن داخل أعماقها، وكما تظهر من إجابتها "ها أنا أمة الرب" (أي عبدته) "ليكن لي كقولك".وليس فقط أن مريم تعلمت أنه بدون الله ليس شيء مستحيلاً، ولكنها أيضاً بنعمة الله قدمت نفسها طوعاً وبدون تحفظ، بالتأكيد فقد تم ذلك بقوة الروح القدس لأجل تتميم إرادته المباركة. وفي كل الكتاب لا نجد إيماناً له تقديره دون ارتباطه بالخضوع التام. إنها لا تستطيع أن تتجاهل النتائج الممكن حدوثها في هذا العالم. ونتعلم من متى أنها صارت موضوعاً للشك والامتحان حتى من يوسف لكن الإيمان لا يجادل ولا تتملكه الحيرة ولكنه يستند ببساطة على الله، في يقين أنه إذا دعانا لأي خدمة أو حرضنا للسير في أي اتجاه فإنه يقودنا ويؤازرنا كيفما كانت التجربة أو الاضطهاد. إن سكون النفس التي استقرت على إرادة الله لهو شيء يفوق التعبير، وهذا هو الميراث التي تمتعت به مريم في ذلك الوقت. إن النعمة الممنوحة لها كانت بلا حدود ولم تكن أقل من النعمة التي مكنتها أن تقبل بروح هادئة ووديعة. وفي هذا الصدد أيضاً كما في اختبارها إناء لولادة يسوع فإن جميع الأجيال يطوبونها. زيارة مريم لأليصابات:- وحينما يكون هناك عمل لنعمة في النفوس فإنها تتجمع معاً بروابط الحب الإلهي – وهذا ما حدث مع مريم وأليصابات. فقد أعلن جبرائيل لمريم أن الله افتقد نسيبتها أليصابات، لكي تقوم بما كان يجب عليها أن تؤديه، سواء فهمت معنى الرسالة كاملة أم لا. وأصبح لديها الشعور أن لها صديقة واحدة يمكنها تسكب معها نفسها ولذلك "قامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات".وإذا كانت محملة بهذه الأخبار – التي قيلت لها. وهي تحكي عن أمانة الله لكلمته وعن تلك المحبة التي لا تنطفئ من نحو شعبه، فلم يكن أمامها غير أن تذهب مسرعة. ترى أي أفكار كانت تملأ قلبها المتعبد الساجد وهي تسرع في إرساليتها! وهي كواحدة من النساء القديسات من يهوذا والتي عرفت الكتب المقدسة جيداً التي تتحدث عن الملك الآتي ومجد تلك المملكة. إنها أقوال مثل: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك. صوت مراقبيك. يرفعون صوتهم يترنمون معاً لأنهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب إلى صهيون. أشيدي ترنمي معاً يا خرب أورشليم لأن الرب قد عزى شعبه فدى أورشليم" (أشعياء 52: 7 - 9) أو أيضاً "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زكريا 9: 9). إن كلمات الملاك عينها التي تكلم بها نجحت في أن تذكرها بهذه النبوات المجيدة ليفيض قلبها بالتسبيح فهي كعذراء متواضعة ارتبط بها تتميم تلك النبوات.وزيارتها لأليصابات كانت من الرب، وهذا رأيناه من التحية التي استقبلت بها – هذه التحية كانت دافعاً لتثبيت إيمانها بشكل ملحوظ. وحالما سمعت أليصابات سلام نسيبتها تذكرت حالتها الخاصة، وفي الحال امتلأت بالروح القدس وأوحى لها أن تعلن البركة لتلك التي ميزها الرب بنعمته "وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني. ارتكض الجنين بابتهاج في بطني: فطوبى للتي آمنت أن يتم لها ما قيل من قبل الرب".وقبل أن نتناول إجابة مريم لأليصابات، هناك ملاحظات قليلة في هذه الكلمة. أليصابات إذ "امتلأت من الروح لقدس" صارت في شركة تامة مع أفكار الله تجاه مريم. كان جبرائيل قد قال لها: "مباركة أنت في النساء"، والآن أليصابات تقول لها: "مباركة أنت في النساء" وتضيف أيضاً "ومباركة هي ثمرة بطنك". وإذا انفتحت عيناها بقوة الله، رأت كما رأى الله فنطقت بذات تقدير الله لتلك التي اختارها لهذه الميزة المتفردة. وإذ امتلأت بالروح في تواضع ووداعة اعترفت بمجد مريم بنعمة الله. وأكملت قائلة "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟". وهي نفسها إذ كانت غرض رحمة الله فإنها اتخذت المكان المتداني أمام تلك التي ستصبح أماً للرب.ليت هذا التعليم يتغلغل بعمق في قلوبنا. فمتى كان روح الله عاملاً في نفوسنا فإن كل حسد وخصام وغيرة ستختفي. وستنساب المحبة بلا عائق وكذلك التواضع الذي هو ثمرة المحبة. ثم أنها بعدما وصفت تأثير سلام مريم عليها، فهي تعلن الصفة الثالثة لتلك البركة. فقد بوركت مريم لأنها غرض رحمة الله، وبوركت أيضاً باعتبارها إناء لتجسد ربنا، كذلك بوركت بسبب إيمانها – الإيمان الذي يتخطى المصاعب ويستريح على قوة الله الفائقة. وهي كإبراهيم، لم تتزعزع بالشك في وعد الله ولكنها تقوت بالإيمان معطية مجداً لله. وهي إذ تمسكت بكلمة الله لم تتردد متحققة أن الذي وعد هو قادر أن يتمم. وبهذه الطريقة أكرمت الله، كما تلقت تأكيداً إلهياً على شفتي أليصابات بأنه سيتم لها عن هذه الأمور من قبل الرب. أنشودة مريم The Magnificat:- هذه هي كلمات مريم وقد وضعناها هنا أما القارئ لكي يدقق بعمق أكثر من معانيها الإلهية وجمالها الصحيح: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع لي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم آباءنا لإبراهيم نسله إلى الأبد" قال كاتب معروف: "من الملاحظ أنه لم يقال أن مريم كانت مملوءة من الروح القدس". ويكمل الكاتب قائلاً: "ويبدو لي أن هذا كان تمييزاً مكرماً لها. فقد افتقد الروح القدس أليصايات وزكريا بصورة استثنائية. ومع أننا لا نشك أن مريم كانت تحت تأثير روح الله، فقد كان تأثيراً داخلياً أكثر ويرتبط بإيمانها وتقواها وكذلك بعلاقات قلبها مع الله (والتي تكونت بسبب إيمانها وتقواها) واستطاعت أن تعبر عن نفسها أكثر من يجيش في حاسياتها ففاض من تلك الفتاة المتواضعة الشكر لأجل النعمة المقدمة لها، ولكن يرتبط تسبيحها وشكرها رجاء وبركة إسرائيل". هذه الملاحظات ستساعدنا في التأمل في ترنيمة الحمد وهذه والتي يمكن أن نصفها بحق "أفراح إسرائيل بالمسيح المعطى لهم". فبينما كانت أقوالها هذه نابعة من المشاعر التي تغمر قلبها بواسطة الروح القدس، فإن مشاعرها أيضاً كانت تتفق وتتجاوب ع النعمة الممنوحة لها والتي ميزتها، فمع كونها خاطئة إلا أنها صورة لإسرائيل (انظر عدد 54).وبنظرة سريعة على هذه التسبحة نجدها ذات طابع يهودي، فهي لا تتجاوز إبراهيم ونسله. وفي هذا الصدد يمكن مقارنتها بتسبحة حنة التي هي أيضاً لم تصل إلى ما وصلت إليه مريم من جهة مواعيد الله لإبراهيم ولكنها تتكلم عن معاملات الله في شعبه وتوقع الانتصار والخلاص الكامل عندما يتدخل الرب "مخاصموا الرب ينكسرون. من السماء يرعد عليهم. الرب يدين أقاصي الأرض، ويعطي عزا (أو قوة) لملكه ويرفع قرن مسيحه". أما مريم فمن الجهة الأخرى تنظر إلى الخلاص إذ يتحقق في شخص ذاك الذي سيولد – ولذلك تقول "عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأب".هناك شيئان يدفعاننا إلى ملاحظتهما في ترنيمة مريم: أولاً أنها تنسب كل شيء إلى الله، وثانياً أنها تتخذ مكاناً باعتبارها لاشيء على الإطلاق، ولذلك ترنمت بنعمته. وبخصوص هاتين النقطتين فإننا لا نتغاضى عن تقرير هذه الكلمات: "لقد اعترفت بالله مخلصها بالنعمة التي ملأتها بالفرح، في الوقت الذي فيه اعترفت بصغرها وأنها لاشيء أبداً. ولذلك فمهما كان يتطلب من قداسة للإناء الذي يستخدمه الله فقد وجدناه حقاً في مريم – كانت عظيمة فقط بالقدر الذي أخفت فيه نفسها إذ كان الله كل شيء لها. ومتى حاولت أن تجعل شيئاً فهذا معناه أنها تفقد مكانها، وهذا ما لم تفعله. وقد حفظها الله لكي تستعلن نعمته استعلاناً كاملاً. ليتنا جميعاً نعطي الانتباه لهذا التعليم المبارك ومن المستحيل أن النعمة يكون لها السيطرة التامة على نفوسنا ما لم نأخذ مكاننا الحقيقي أي لا شيئيتنا أمام الله."ويستطيع القارئ أن يفهم لغة ترنيمة الحمد هذه إذ استوعب تلك الأفكار. وعندما يكون هناك عمل حقيقي لروح الله في نفوس شعبه فإن قلوبهم ترتفع إلى المصدر الذي تأتي منها بركتهم. وهكذا مع مريم فقد كان أول ما انطبع في فكرها عندما افتقدها الرب بنعمته التي لا توصف "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باله مخلصي". لقد اندمجت فرديتها في الحال بعمل روح الله العظيم في إسرائيل، ولذلك ابتهجت بإله إسرائيل ومخلصه. صحيح أنها تكلمت عن نفسها في العدد التالي وقالت أن الله نظر إلى اتضاع أمته (أو جاريته) وأن جمع الأجيال ستدعوها الطوبة، ولكن هذا باعتبارها فقط الإناء المختار للبركة الآتية لإسرائيل. إنها فكرة خلاص إسرائيل من حالتهم المتدنية التي ملأت نفسها عندما قالت "لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس". وتضيف للتو "ورجمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه". وترينا فضلاً عن ذلك أن إسرائيل كمختار الله هو الذي كان يملأ ذهنها – إسرائيل الذي كان يتكلم عنه بلعام بانحصار عندما قال أن الله لم يبصر إثماً في يعقوب. ولا رأى انحرافاً في إسرائيل – إسرائيل بحسب قصد الله وأفكاره.وتقدم لنا الثلاثة أعداد التالية مبادئ أعمال الله بالنعمة وما يجب أن تكون عليه النفس أساساً لتتجاوب مع النعمة وما يجب أن تكون عليه النفس أساساً لتتجاوب مع النعمة. فالمستكبرون بفكر قلوبهم والأعزاء وهم على الكراسي والأغنياء والشباعى ولا يمكنهم أن يقفوا أمام الله القدوس في دينونته. ولكن لهؤلاء الفقراء يكرز بالإنجيل دائماً وللمتواضعين والأدنياء يرفعهم الله وللجياع يملأهم بالخيرات. والرب نفسه يعلن ذات الدرس عندما قال "طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله. طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون. طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون..." ثم يتحول إلى الجانب الآخر ويقول: "ولكن ويل لكم أيها الأغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم. ويل لكم أيها الشباعى لأنكم ستجوعون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون" (لوقا 6: 20 - 26). ليت هذه الكلمات الجادة تعمل بأقصى قدر وبصورة متسعة على تشجيع وتعزية الفقراء والمتألمين والمذلين من شعب الله، كما تكون أيضاً تحذيراً عالياً ومتوالياً للذين يطلبون الشبع والغنى والمجد في هذا العالم.وتختتم مريم تسبحتها بلغة أشرنا إليها قبلاً "عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد". إن الإيمان هو البرهان أو الإيقان بالأمور التي ترجى، ومريم في تلك اللحظة عاينت تتميم كل مقاصد الله بالنعمة لشعبه الأرضي. حقاً فقد كان كل شيء آمناً ومستقراً في شخص ذاك الذي سيولد في هذا العالم. كما هتفت الملائكة بتسبحتها في الإصحاح التالي "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام للذين سر الله بهم".واستمرت مريم ثلاثة أشهر مع نسيبتها العجوز ثم عادت إلى بيتها. ويزيح الكاتب الستار عن تلك العلاقة الروحية والشركة بين هاتين القديستين ولا شك أنهما كانتا مشجعتين لبعضهما في الإيمان والفرح بالرب. وانتهت الزيارة وعادت مريم إلى بيتها "لتتبع طريقها بكل تواضع لتميم مقاصد الله". كان هذا المنزل هو البقعة التي على الأرض تجتذب اهتمام السماء وتتركز فيها. وللحديث بقية
المزيد
04 أغسطس 2021

حَيَاتنا سلسلة اختبارات

كل إنسان منا يجتاز في حياته مجموعة من الاختبارات، يتوقف عليها تقييم شخصيته، وتحديد مكانه في الأبدية.ليس المهم في نوع الاختبار أو مدته، إنما في عمقه ودلالته. يوحنا المعمدان مثلًا، كانت فترة اختباره قصيرة، ربما لم تتعدَّ سنة أو أقل. ولكنه عبّر فيها على نجاح هائل في الخدمة، وتواضع وإنكار ذات، وشجاعة وجرأة، وثمر وفير. من أجل ذلك، اكتفى الله بتلك الفترة القصيرة من الاختبار، وشهد له بأنه أعظم من ولدته النساء وأخذه إليه، وهو في حوالي الثانية والثلاثين من عمره..كانت فترة اختبار قصيرة. ولكنها كانت كافية.. نفس الوضع بالنسبة إلي فترة اختبار القديسين مكسيموس ودوماديوس، اللذين انتقلا إلى الفردوس في شبابهما. وكذلك القديس ميصائيل السائح الذي وصل إلي درجة السياحة وهو في حوالي الخامسة عشرة من عمره.أيتساءل أحد ويقول: لماذا يا رب تأخذ مثل هذه النفوس الطاهرة، في تلك السنة المبكرة؟! ويكون الجواب: لقد نجحوا في اختبارهم، وكان كافيًا عليهم ما بذلوه من جهاد.. وبالمثل كان الاختبار لبعض الشهداء والمعترفين..لقد تم اختبار إيمانهم وثباتهم فيه، واحتمالهم من أجله.. ربما في أيام أو شهور. وكان ذلك كافيًا فنالوا إكليل الشهادة.على أنه بصفة عامة، قد تؤخذ الحياة كلها كاختبار. لأن البعض قد تمر عليه فترة ضعف أو فتور، لا تدل على طبيعة حياته كلها، وقد تعينه النعمة على تصحيح مسيرته. والله تبارك اسمه – لا يفاجئ الناس بالموت وهم في حالة سقوط، بل يعطيهم فرصة للتوبة.. كما حدث مع القديس أوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية، والقديسة بيلاجية. وهكذا يقول الكتاب «انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ..» (عب13: 7).والاختبار الذي يجتازه الإنسان قد يكون سهلًا أو صعبًا. آدم وحواء اُختُبِرا بوصية عدم الأكل من شجرة واحدة. أما أبونا إبراهيم فأخذ وصية أصعب: أن يخرج من أهله وعشيرته وبيت أبيه (تك12) إلى حيث لا يدري. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8). وهكذا نجح في الاختبار، وباركه الله. ثم دخل في اختبار أصعب، وهو قول الرب «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ» (تك22: 2). ولم يتردد هذا القديس في طاعة الأمر، فنال بركة أكثر، وأنقذ الرب اسحق.أما أبوانا الأولان، إذ فشلا في الاختبار، نالا عقوبة من الله، وطردهما من الجنة، وحُكم عليهما بالموت، لولا أن أُنقِذا بالفداء.المهم إذًا ليس هو نوع الاختبار، إنما موقف الإنسان منه. سواء كان اختبارًا واحدًا أو عدة اختبارات.يوسف الصديق اُختُبِر بعداوة إخوته له وبيعهم له للإسماعيليين (تك37: 28). فلم يحقد عليهم، بل على العكس أحسن إليهم وقال لهم «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا» (تك50: 20). وجُرِّب بأن يكون عبدًا في بيت فوطيفار. فلم يتذمر وأخلص كل الإخلاص، ونجح ونال الثقة حتى صار وكيلًا لفوطيفار في كل بيته..اُختُبِر يوسف أيضًا بإغراء سيدته له، فرفض ذلك ونجح في الاختبار. واُختُبِر أيضًا بإلقائه في السجن ظلمًا، فلم يحتج. وكانت النتيجة أن رئيس السجن ترك كل شيء في يديه. وخرج من السجن ليكون الثاني في المملكة، ويكون «أَبًا لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّدًا لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (تك45: 8).هناك أنواع كثيرة من الاختبارات ومصادرها. بعضها من حسد الشياطين. مثلما حسد الشيطان أيوب الصديق، الذي «أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ» كما كان كاملًا ومستقيمًا. وبسماح من الله ضربه بالتجربة الأولى، ففقد كل أبنائه وكل ثروته. ولكنه نجح في هذا الاختبار وقال «الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أي1: 21).وكان الاختبار الثاني لأيوب أصعب من الأول، فضُرِب في صحته، وفقد أيضًا كل شيء، حتى احترام أصحابه، واحترام زوجته.. وصبر أيوب، وباركه الله. وأعاد إلي كل شيء وأكثر، وبارك عمره فمات شيخًا وشبعان أيامًا (تك42: 10-17). وقال عنه القديس يعقوب الرسول «هَا.. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ» (يع5: 11).وقد يأتي الاختبار من مضايقات الناس، أو اضطهاداتهم. مثل عصر الاستشهاد الذي اُختُبِرت به الكنيسة في أيام الدولة الرومانية، وكيف صمدت الكنيسة ونجحت في الاختبار، فجعلها الله تمتد إلى أقاصي الأرض، ومنحها المواهب وصنع المعجزات. وجعل الله ذلك الاضطهاد يُختَم بمرسوم ميلان للحرية الدينية الذي أصدره قسطنطين الملك سنة 313م.أما سوء المعاملة فهو اختبار آخر، قد يحدث في محيط العائلة، أو في جو العمل بين الرؤساء والمرؤوسين، أو حتى في جو المجتمع عمومًا. ويُعرَف به معدن الإنسان، ومدى احتماله أو هياجه...والاختبار عمومًا: إن نجح فيه الإنسان ينال الإكليل. وفي سفر الرؤيا (رؤ2، 3) في رسائل الرب إلى الكنائس السبع، نرى أمثلة كثيرة من هذه الإكاليل التي أعدها الله للغالبين. فكل من يغلب، أي من ينجح في اختباره، له مكافأت عند الله في الحياة الأبدية، وربما في الحياة الأرضية أيضًا. يقول القديس بولس الرسول «وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا» (2تي4: 8).الاختبار ذكره الرب في مثل البيتين: اللذين كان أحدهما مبنيًا على الصخر، والآخر مبنيًا علي الرمل (مت7: 24-27). الاختبار جاء إلى كلٍّ من النوعين (الجيد والرديء). قيل في ذلك الاختبار «فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ». فالبيت المبني علي الصخر لم يسقط. أما المبني علي الرمل، فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا.إذًا لابد أن يستعد الإنسان لملاقاة الاختبار الذي سيتعرض له: يستعد بالإيمان القوي، وبالقلب النقي، وبشركة الروح القدس... وبهذا لا يتزعزع، بل يظل صامدًا. وبالأكثر ينمو في النعمة.إن اختبار كل شخص، هو أمر نافع له ولغيره. ففي الاختبار: كما يُختبَر هو في إرادته وعمله، فهو أيضًا يَختبر عمل الله معه، وتدخُّل النعمة في حياته، ويزداد خبرة بالحياة الروحية وبحروب الشياطين، وبالتجارب والانتصار عليها.إن القديس الأنبا أنطونيوس – بوحدته في البرية، وبكل ما قد تعرض له من تجارب – نال خبرة وقوة، بل نال سلطانًا على الشياطين. وهكذا بعد أن عاش تلميذه بولس البسيط فترة معه، أرشده بأن يعيش في الوحدة لكي يختبر حروب الشياطين...ومن كل هذا، صارت اختبارات الآباء وخبراتهم، دروسًا لنا جميعًا استفدنا بها. ونتعمق بها في المعرفة كلما قرأنا سير القديسين. بل إننا نستفيد أيضًا من قصص سقوط الآخرين كذلك، لنعرف أسباب الفشل ونتائجه، لكي نحترس من تلك الأسباب ونستعد لمواجهتها.إن الاختبار قد يمس أحيانًا نقطة الضعف في الإنسان. مثال ذلك قصة الشاب الغني، الذي كان قد حفظ الوصايا منذ حداثته. ولكن كانت له نقطة ضعف وهي محبته للمال. وهكذا عندما اختبره الرب بقوله «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (مت19: 21). قال عنه الكتاب «مَضَى حَزِينًا». وفشل في الاختبار «لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ».إذًا أبحث عن نقطة الضعف التي فيك، وأعمل علي علاجها، لئلا يأتيك الاختبار من هذه النقطة بالذات.وقد يُختبَر الإنسان بالأمراض، أو بالضيقات. ليظهر من هذا الاختبار: هل هو يتذمر، أو يفقد إيمانه بمراحم الله؟ أم هو يقابل ذلك بهدوء وبشاشة وصلاة؟ أم هو في حالة المرض يستعد لأبديته؟ أو هو في حالة الضيقات يقول مع بولس الرسول «لِذلِكَ أُسَرُّ بالضِّيقَاتِ» أو يقول معه «كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ» (2كو6: 10). إنه اختبار.وقد يُختبَر إنسان بعدم استجابة صلاته، أو بتأخر استجابتها. بولس الرسول اختبر بعدم استجابة صلاته، عندما طلب أن تُرفع عنه الضربة التي أصابته في الجسد «لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ». بل استبقى الله تلك الضربة، وقال له «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي» (2كو12: 8، 9). ونجح القديس بولس في الاختبار، وشكر الله على نعمته (1كو15: 10).أما عن تأخر الله في الاستجابة. فمثلما تأخر الله في منح إبراهيم ابنًا. وكانت النتيجة أنه لجأ إلى الطرق البشرية، فأخذ هاجر لينجب منها...وقد يكون الاختبار بالسلطة أو المال. فهناك بعض الناس إن ارتفع قدرهم بسلطة نالوها، ترتفع قلوبهم من الداخل، وينظرون إلى غيرهم من فوق، وتتغير معاملتهم لهم!! ولهذا قال القديس أنطونيوس إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الاهانة.. والمال أو الغنى مثل الكرامة أيضًا. قال الشاعر:لما صديقي صار من أهل الغنى أيقنت أني قد فقدت صديقيالمواهب هي اختبار آخر: هل يرتفع بها القلب أم يحتفظ بتواضعه؟ مثال ذلك الذين يفتخرون بموهبة الألسنة (إن كانت حقًا، ويظنوها علامة على الملء!!) أو قول الكتاب عن هاجر، إنها «وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا» (تك16: 4). قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل