المقالات

31 ديسمبر 2020

لوم النفس ج2

6- يقود إلى الإتضاع:- الذي يلوم نفسه ، يصل إلي الإتضاع وانسحاق القلب ، ولا يكون كبيراً أو باراً في عيني نفسه ، لأنه بلوم لنفسه يدرك نقائصه وضعفاته . الشخص المتضع ، باتضاع يصل إلي لوم النفس . والذي يلوم نفسه ، يصل بذلك إلي الإتضاع .كل واحد من هاتين توصل إلي الأخرى ، لأنهما مراتبطان . إن بدأت بأي منهما يمكن أن تصل إلي الأخرى . وكل واحدة منهما . تكمن الأخرى في داخلها . إذ كيف يمكن لإنسان أن ينتفخ ، أو يفتخر بنفسه ، أو يكون باراً في نظر نفسه ، بينما أخطاؤه ماثلة أمام عينيه ؟! يتذكرها فتنحني نفسه في داخله و المتضع الذي يلوم نفسه ، لا شك يشفق علي غيرة أنه يدرك تماماً ضعف النفس البشرية أما هجمات الشيطان وحيله ودهائه وإغراءاته ، لذلك فإنه يعذر كل من يسقط ، ولا يقسو عليه مطلقاً في أحكامه ، متذكراً قول القديس بولس الرسول " اذكروا المقيدين ، كأنكم مقيدون معهم " " اذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد "( عب 13: 3) . من أجمل الأمور في الحياة الروحية ، أنك تكون شديداً علي نفسك ، تلومها في كل خطأ . وعلي العكس من الناحية الأخرى ، تكون شفوفاً علي المخطئين ، تحاول أن تعذرهم بقدر ما تستطيع ... وكما يقود لوم النفس إلي الإتضاع ، يقود أيضاً إلي الدموع ... 7- يقود إلى الدموع:- لذي يتذكر خطاياه ، ويحزن عليها ، ويبكت نفسه عليها ، يؤهل لموهبة الدموع . والدموع تغسل نفسه من كل خطية ، وتجعله منسحق القلب . قريباً إلي الله . أما الذي لا يلوم نفسه ، فعيناه باستمرار جافتان ، مع قسوة في القلب ... المرأة الخاطئة ، في تذكرها لخطاياها ، بللت قدمي الرب بدموعها في بيت الفريسي . وكانت دموعها مقبوله أمام الله ، فنالت المغفرة ... ونحن نتذكر دموع هذه المرأة في صلاة نصف الليل ، فيصرخ القلب قائلاً " أعطني يارب ينابيع دموع كثيرة ، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة .." ( لو 7: 38) . من فوائد لوم النفس ، أنه يؤدي إلي التوبة ، وإلي الإتضاع والانسحاق و الدموع . كذلك هو يؤدي إلي الصلح و السلام مع الناس . 8- الصلح والسلام مع الناس:- الذي يلوم نفسه يمكنه أن يعيش في سلام دائم مع الناس .حتي إن حدث خلاف ، فبلوم النفس يسهل أن يتم الصلح . إن الخصومة تشتد ، حينما يصر كل من الطرفين علي موقفه، ويبرر نفسه مدعياً أن الحق في جانبه ، وأن الجانب الأخر هو المخطئ . أما إن سلك أحدهم باتضاع ، وأتي بالملامة علي نفسه في هذه الخصومة ، حينئذ ما أسهل ان يتم الصلح ... فالخصم لا يحتمل أن يسمع منك عبارة " حقك علي . وأنا غلطان "أو قولك له " أنا آسف جداً ، لأني آلمتك أو أحزنتك " ( ... وكما قال الحكيم" أن " الجواب اللين يصرف الغضب "( أم 15: 6) . إن كثيراً من الذين يعاتبونك ، أو غالبية الذين يعاتبونك ، أو كل الذين يعاتبونك ، إنما يريدون أن يسمعوا منك كلمة واحدة ، تلوم بها نفسك ، وتعطيهم الحق ، فينتهي الموضوع عند هذا الحد . وإلا فإن تبرير النفس يقود إلي العناد . والعناد يشعل الخصومات . إن الذي يلوم نفسه ، لا يعاند ، ولا يقاوم ، ولا يخاصم ، ولا يجادل كثيرا ، ولا يرد علي الكلمة بمثلها أو بما هو أقسى ... إنما يسلك مسالماً للناس ، مراضياً لخصمه مادام معه في الطريق ... ( مت 5: 25) . إن شيطان الغضب ، وشيطان الخصومة ، شيطان العناد ، وشيطان الكبرياء ، كل أولئك يقفون في حيرة كل الحيرة أمام الشخص الذي عنده فضيله لوم النفس ، لا يعرفون كيف ينتصرون عليه . بل هم يصرون علي أسنانهم في غيظ ، مهزومين أمام هذا الذي لا يبرر نفسه أبداً ، ولا يغضب من أحد ولا يخاصم ولا صيح ، وبالجواب اللين و الكلمة الطيبة ، وجلب الملامة علي نفسه يحل كل خصومة ، ويصرف كل غضب إنه يعيش وديعاً هادئاً مسالماً ، يحبه الكل فهو لا ينازع أحداً ، ولا يسمح لنفسه أن يغضب من احد ، مهما كان الحق في جانبه ، لأنه يلوم نفسه قائلاً : إن غضبت من هذا الإنسان وثرت عليه ، أكون قد فقدت فضيلة الوداعة ، وفقدت الاحتمال الحب وفضيلة السلام مع الناس ... وأكون بهذا مخطئاً .وهكذا يلوم نفسه لا علي أخطاء أرتكبها ، إنما علي أخطاء يحذر نفسه الوقوع فيها وبهذا يكون حريصاً ومحترساً ، وتتقدم نفسه نحو الكمال . وهذه فائده أخري من فوائد لوم النفس فإنه : 9- يفتح أبواب الكمال والنمو:- لوم النفس يساعد علي التقدم في الحياة الروحية . لأن كل شئ يلوم الإنسان نفسه عليه يحاول أن يتخلص منه ، ويتنقى منه ، وهكذا يتقدم في حياته الروحية وينمو .كذلك يلوم نفسه في فضائلة ، مقارناً إياها بمستويات أعلي .كل فضيله يمارسها ، بدلاً منه ... نراه يقارن حالته بما وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة ، فيري أنه لا شئ إلي جوارهم ، وأن كل ما فعله تافه وبسيط ، ولا يقاس بتلك القمم العالية ... فيلوم نفسه ويدفعها إلي قدام نحو الكمال ، فينمو ... وهكذا كان يفعل القديس بولس الرسول إذ يقول : ليس إني نلت أو صرت كاملاً ولكني أسمع لعلي أرك ... أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ، ولكني أفعل شيئاً واحداً ...ونسأله ما هو ؟ فيجيب أنسي ما هو وراء ، وأمتد إلي ما هو قدام ( في 3: 12، 13) لا يقصد أنه ينسي الخطايا التي في الماضي ، فقد كان يذكر دائماً أنه كان مضطهداً للكنيسة ... إنما هو ينسي كل الفضائل التي أتقنها من قبل ، لكي يمتد إلي ما هو قدام ، ساعياً نحو الغرض . وفي كل فضائله كان يلوم نفسه بعبارة " لست أحسب نفسي أني قد أدركت ".لهذا السبب ، كانا القديسون يعترفون بأنهم خطاة .حقيقة واضحة ندركها كلما تأملنا في بستان الرهبان ، أو سير القديسين ، أو صلواتهم : يعترفون باستمرار أنهم خطاة ، بل ويبكون علي خطاياهم ... ونسأل أنفسنا ماذا كانت خطايا القديسين ، وهم في ذلك السمو ؟ إنها ليست فقط خطايا الماضي التي غفرها الرب لهم ::: إنما بالأكثر ، نظرهم إلي الفارق الكبير الذي بينهم وبين الكمال المطلوب ، فيقول كل منهم مع الرسول لست أحسب نفسي أني قد أدركت ( في 3: 13) وهكذا بلوم النفس علي حالتها ، كان القديسون يمتدون نحو الكمال أما الذي لا يلوم نفسه ، أو يرضي بحالته التي هو فيها ، فإنه قد يعيش جامداً مجمداً في الوضع الذي هو فيه ، لا يتحرك منه إلي قدام ... لا يفكر في وضع افضل ، ولا يسعي إلي درجة أعلي ،لأنه راض عن نفسه بما قد وصل إلية ... ! مثل الذي استقر علي مجموعة من المزامير يصليها ، وانتهي به الأمر عند هذا الحد دون ان يفكر في إضافة شئ ، ودون أن يفكر في عمق الصلاة ، وحرارتها وما يمتزج بها من حب وإيمان وأتضاع ... والامتداد علي يعمق صلته بالله أكثر ...! ليتنا فى آخر هذا العام أجلس إلي ذواتنا ، ونفكر في خطايانا ، ونلوم أنفسنا علي عيوبنا ونقائصنا ، ونقارن ما وصلنا إليه بالمستويات العليا التي وصل إليها القديسون ... ولا نعذر أنفسنا مهما كانت الظروف ، بل نبعد عن تبرير الذات ، لأن هذا لا يرضي الله ، ولا ينقينا ، ولا يقودنا إلي التوبة ... وفي كل ذلك نربط لوم النفس بفضيلة هامة جداً وهي : 10- الحكمة والافراز:- ينبغي أن يرتبط لوم النفس بالحكمة والإفراز فلا يكون مجرد لوم ظاهري بعيد عن الاقتناع الداخلي ، لأن هذه الفضيلة ليست مجرد لسان ، إنما هي فضيلة قلب . كذلك ينبغي ألا يقودنا لوم النفس إلي اليأس و التعب النفسي ، إنما في كل لومنا لأنفسنا نحرص علي هذا أن يكون لوم النفس ، ممزوجاً بالرجاء نلوم أنفسنا علي أخطائها ، ونحن مملوءون رجاء في التخلص من هذه الأخطاء . ونلوم أنفسنا علي ضعفها ولنا ملء الرجاء في قوة الله العاملة معنا المعينة لضعفنا ونلوم أنفسنا علي ضعف مستوانا ، ولكن في رجاء " نمتد إلي قدام " نقول " لست أحسب أني قد أدركت "، وفي فمنا أيضاً عبارة الرسول " ولكني اسعي نحو الغرض اسعي لعلي أدرك " نلوم أنفسنا لأننا سقطنا . ولكن يقول كل منا أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني ( في 4: 13) إذن قف في ختام هذا العام لكي تعد خطاياك أمام الله ، وتبكت نفسك عليها أمامه ، وتطلب عنها مغفرة ...وفي ليلة رأس السنة ، وكلما نقول " يارب أرحم " عدداً من المرات في كل مرة أذكر خطية من خطاياك ، في ندم عليها ، طالباً العشار فتبرر قل ذلك في انسحاق قلب ، وليس في روتينية أو شكلية . وأذكر العابرة التي قالها القديس الأنبا أنطونيوس الكبير "أن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله وإن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله" أذكرها جميعاً إذن ، وأطلب من الله قوة ، حتي تنتصر عليها في المستقبل . وفي لوم لنفسك أذكر أيضاً إحسانات الله إليك ، واشكره . وأبدأ العام بالشكر:- مجرد أن الله أعطاك عاماً جديداً ، أمر يستحق ان تشكره عليه ، لأنه أعطاك فرصة للتوبة ، أو لتحسين مستواك الروحي والاهتمام بأبديتك في بداية العام أيضاً ، أذكر إحسانات الله إليك تذكرها جميعاً واحدة ، واشكر الله عليها . وأذكر مزمور الشكر ( مز 103) الذي قال فيه داود النبي " باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته ". وتأمل أيضاً في عبارات صلاة الشكر ولا تشكر فقط علي إحسانات الله إليك في العام الماضي ، إنما ايضاً في كل أيام حياتك . وكذلك إحساناته إلي أحبائك (1) له المجد إلي الأبد آمين قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كيف نبدأ عاما ً جديداً
المزيد
30 ديسمبر 2020

لوم النفس ج1

هوذا نحن علي أبواب عام جديد ، ومن المعروف أن كل إنسان يحب أن يبدأ عامه الجديد بالتوبة و النقاوة ، وطبعاً يبدأه بالاعتراف . وهذا الأمر يحتاج منه إلي جلسة مع نفسه لكي يحاسبها ويلومها علي أخطائها . لذلك أحب أن أقول لكم كلمة مختصرة عن فضيلة لوم النفس . لأن الذي ليست له فضيلة لوم النفس ، لا يعرف أن يجلس مع نفسه وإن جلس مع نفسه لا يستفيد . ومادام لا يلوم نفسه ، إذن فسوف لا يعترف بخطاياه ، وبالتالي سوف لا يتوب ، ويظل العام الجديد كسابقه ، بنفس أخطائه ! لذلك أود أن أكلمكم عن أهمية لوم النفس ، وعن الفضائل التي يحصل عليها الإنسان من لومه لنفسه . 1- معرفة حقيقة النفس:- الذي يلوم نفسه ، يستطيع أن يعرف حقيقة نفسه كثير من الناس نفوسهم مغلقة بالتبريرات والعذار والفهم الخاطئ . وهم لا يلومون أنفسهم ، لأنهم يدللون أنفسهم ، ويعذرون أنفسهم في كل شئ . أنهم لا يقبلون إطلاقاً أن يأتوا باللائمة علي أنفسهم ، لذلك لا يعرفون حقيقة ذواتهم . وقد تبقي ذات كل منهم جميلة في عينيه ، علي الرغم من كل نقائصها ! مثل هذا الإنسان ، الذي لا يلوم نفسه ، وبالتالي لا يعرف حقيقة نفسه ، هو محتاج أن ياتية اللوم من الخارج هو في مسيس الحاجة إلي إنسان من الخارج يلومه ، ويعرفه حقيقة نفسه ويفهمه أخطاءه ومواضع الزلل في تصرفه ، بل ويعرفه مقدار عمق خطيئته ، ويبكته عليها مادام ضميره لم يبكته . وقد فعل الله مع داود ، حينما أرسل إليه ناثان ، ليلومه ويعرفه كم هو مخطئ ، ويقنعه أن يقول " أخطأت إلي الي الرب "( 2صم 12: 13 ) . وفي مرة أخري ، لم يكن داود يلوم نفسه ايضاً ، فأرسل له الله أبيجابل لتعرفه مقدار الخطأ الذي كان هو مزمعاً أن يقع فيه ، لكي تمنعه عن ذلك . وفعلاً .استجاب داود وقال لها " مبارك عقلك ، ومباركة أنت ، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي نفسي "( 1صم 25: 23) . إذن إن الإنسان لا يلوم نفسه علي أخطائه ، بعد فعلها ، أو علي أخطائه التي هو مزمع أن يفعلها ، فقد يرسل له الله من يلومه ، كما أرسل أبيجايل وكما أرسل ناثان . ولكن الأفضل أن يكون القلب من الداخل سليماً ؟، فيلوم الإنسان نفسه . ولذلك قال القدس مقاريوس الكبير أحكم يا أخي علي نفسك ، قبل أن يحكموا عليك . إن حكمت علي نفسك ، فأنك سوف تعرف حقيقتها وكم هي خاطئة . وإن عرفت حقيقة نفسك ، فإنك سوف تدينها وتحكم عليها . هذه توصل إلي تلك كل إنسان لم يحكم علي نفسه ، ولم يلم نفسه ، هو إنسان لم يعرف نفسه بعد : لم يفحصها ، لم يحاسبها ، لم يكن صريحاً معها . هناك فائدة أخري للوم النفس ، وهي : 2- عدم إدانة الآخرين:- إن الذي يلوم نفسه ، ينشغل ، ينشغل بها وبتقويمها وفي خجله . وفي أخطائها ، لا ينظر إلي خطايا غيره . وفي ذلك قال القديسون الذي ينشغل بخطاياه ، لا يكون له وقت يدين فيه خطايا أخيه إن استطاع أن يبصر الخشبة التي في عينيه ، يخجل من التحدث عن القذي التي في عين أخيه ... وغنما كلما تحدث عن غيره ، ويقول : هذا أفضل ، وهذا أبر مني ومهما كانت خطايا فلان ، فإن خطاياي أنا أكثر وأبشع ... أما الشخص البار في عيني نفسه ، فإن يجلس ويلوم الآخرين ! وربما في نقائصه وعيوبه ، يأتي باللائمة علي غيره فإذا أخطأ يأتي باللائمة علي الناس ، وعلي الظروف ، وعلي البيئة ... علي الناس الذين أوقعوه في الخطيئة ، كما حدث لآدم إذ ألصق السبب في خطيئة بحواء ... وقد يلصق الإنسان السبب ، بالظروف المحيطة ، كما برر إيليا هروبه بقوله للرب " قتلوا أنبياءك بالسيف ... وهم يطلبون نفسي ليأخذوها "( 1مل 19: 14 ) ... وقد يلصق السبب بالبيئة ، كما حدث أن آبانا إبراهيم قال عن زوجته سارة إنها أخته ! ثم حاول أن يغطي ذلك بقوله " أني قلت : ليس في هذا الموضع خوف الله البتة ، فيقتلوني لأجل إمراتي "( تك 20: 11) . ولوم كان إبراهيم يلوم نفسه ما قال هذا . وكذلك لو كان أبونا آدم يلوم نفسه ، ما لام حواء ، ولو كان إيليا النبي يلوم نفسه ، ما لام الظروف ولكن الإنسان يلوم غيره ويدينه ، لكي يبرر نفسه لأنه لا يريد أن يلوم نفسه ، ولا يريد ان يلومه الناس ، فيلصق خطيئته بغيره ليخرج هو بريئاً ...!كثيرون يغسلون أيديهم بالماء ، كما فعل بيلاطس ؟! خير للأنسان أن يلوم نفسه ، من أن يبرر نفسه والذي يلوم نفسه ضعفه ، فيعذر غيرة ولا يدينه حدث للقديس موسى السود ، الذي رفض أن يدين راهباً مخطئاً عقد له مجمع لإدانته . حمل هذا القديس علي ظهره كيساً مملوءاً بالرمل ومثقوباً . ولما سئل في ذلك قال " هذه خطاياي وراء ظهري تجري وقد جئت لإدانة خطايا أخي .." ! الذي يلوم نفسه ، إن سئل عن خطايا شخص آخر ، يقول لسائله : اسألني عني خطاياي أنا . أما ذلك الإنسان فهو أبر مني . أخاطئ هو ؟ لست أعلم ( يو 9: 25). الذي يلوم نفسه ، لا يقسو في الحكم علي خطايا الآخرين ، كما فعل الفريسيون الذين طلبوا رجم المرأة الخاطئة ، فقال لهم السيد المسيح من كان منكم بلا خطية ، فليقذفها أولاً بحجر ( يو 8 : 7) ذلك لأن الذي يقذف بالحجارة ، إنما يظن في نفسه أنه بلا خطية ، أو علي الأقل يكون في ذلك الحين ناسياً لخطاياه ، وليس في وضع من يلوم نفسه . اما الذي الأقل يكون في ذلك الحين ناسياً لخطاياه ، وليس في وضع من يلوم نفسه . اما الذي يلوم نفسه ، فإنه يقول في فكره " من أنا حتي ألوم الناس ؟ أنا الذي فعلت كذا وكذا ... الأولي بي أن أصمت مادام الله قد سترني ... تري لو سمح الله أن أنكشف ، أكنت أستطيع أن أتكلم . هذا عور من يضع خطيئته أمامه في كل حين ( مز50) . ولكن للأسف فإن كثيرين ، من أجل راحة نفسية زائفة ، أو من اجل كبرياء داخلية ومجد باطل ، وليس من أجل أبدتهم ، لا يحبون أن يتذكروا خطاياهم ،ولا أن يلوموا أنفسهم ، كما لا يقبلون أن يأتيهم اللوم من آخرين ! ... يحبون أن ينسوا خطاياهم ، وفي نفس الوقت يذكرون خطايا الناس ...! وما الفائدة لهم من كل هذا ، سواء في السماء أو علي الأرض ؟! لا شئ . حقاً ما أجمل قول القديسين إن دنا أنفسنا ، رضي الديان عنا . من فوائد لوم النفس أيضاً : إصلاح الذات وتنقيتها . 3- إصلاح الذات وتنقيتها:- الذي يلوم نفسه ، يكون مستعداً لإصلاح ذاته ما دمت أعرف أن هذه خطية ، يكون عندي إذن استعداد لكي أتركها . ولكن كيف يمكن لإنسان أن يترك شيئاً ، مادام لا يلوم نفسه إطلاقاً علي عمله ؟! إذن لوم النفس يسبق بلا شك تنقية النفس من أخطائها . هو خطوة أولي التوبة أما تبرير الذات ، فهو الذات ، فهو شيطان يلتهم التوبة ويفترسها .إن وجد الشيطان إنساناً يلوم نفسه ، ويريد أن يترك الخطية ويتوب ، يحاول الشيطان أن يخرجه من هذا النطاق الروحي ، ويقول له : لا تظلم نفسك بلا داع . في أي شئ أخطأت ؟ إن الموقف كان طبيعاً جداً . لك عذرك في هذا الأمر . والمسئولية تقع علي فلان وفلان . أو أن الظروف كانت ضاغطة . و الضغوط الخارجية نفسك بلا سبب ...! هذا هو كلام الشيطان ، أسلوب تبرير الذات . أما القديسون فيقولون في كل ضيقة تحدث لك ، قل هذا بسبب خطاياي إنك لن تخسر شيئاً إذا لمت نفسك . بل إن هذا يقودك إلي التوبة إن كنت مخطئاً ، وينميك روحياً إن كنت بريئاً . في إحدى المرات زار القديس الباب ثاوفيلس جبل نتريا ، والتقي بأب الرهبان المتوحدين في هذا الجبل ، وسأله كأب عن أعظم الفضائل التي أتقنوها طول ذلك الزمان في الوحدة القديس أب رهبان نتريا صدقني يا أبي لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان باللائمة علي نفسه في كل شئ ... فائدة أخري للوم النفس ، وهي أنه يساعد علي الاعتراف : 4- المساعدة على الإعتراف:- ما هو الاعتراف في معناه الروحي ؟ الاعتراف هم أن يدين الإنسان نفسه يدين الإنسان نفسه أمام الله ، في سمع الأب الكاهن ، لينال المغفرة فإن كان الإنسان يلوم نفسه ، كيف سيعترف إذن وكيف ينال المغفرة ؟ الخطوة الأولي هي بلا شك ، أن يدين نفسه فيما بينه وبين نفسه ، في داخل قلبه وداخل فكره . حينئذ يمكنه أن يعترف بهذه الخطية أمام الله في صلواته ، ثم يمكنه أن يعترف بها أمام الكاهن ... أما الذي يفقد الخطوة الأولي ، التي هي لوم النفس ، فمن الطبيعي أنه سيفقد باقي الخطوات ... ولذلك ، فالذي لا يلوم نفسه ، لا يعترف ... علي الأقل لا يعترف بالنقط التي لا يلوم نفسه عليها ... وقد يجلس مع أب الاعتراف وقتاً طويلاً ، ومع ذلك لا يعترف ... وكيف ذلك ؟ بعض الناس تتحول اعترافاتهم إلي شكوي ، ضد غيرهم ! هم يشكون ظروفهم ، في البيت أو في العمل ، أو في الكنيسة ... مثل زوجه تجلس مع الأب الكاهن لتعترف ، فتحكي سوء معاملة زوجها لها . فتعترف بخطايا زوجها ، وليس بخطاياها هي . أو تعترف بمشاكل ومتاعب تحيط بها . أما نفسها فلا تقول عنها شيئاً ، لأنها لم تجلس أولاً لكي تلوم نفسها قبل الاعتراف ! وهناك من في اعترافه ، يدين أب الاعتراف نفسه ! يقول له : أنت يا أبانا مقصر في حقي ، لا تفتقدني ، لا تهتم بي ، لا تعطيني تداريب روحية ، لا تحل مشاكلي ، لا تتابع حياتي الروحية ، لا تصلي لأن خطاياي ومشاكلي مازالت كما هي باقية ... أنت يا أبي لا تسأل عني ..! فهل هذا يمكن أن نسميه اعترافا ؟! حيث ينسي الإنسان نفسه ونقائصها ، ولا يلوم نفسه ... بل يجعل سبب ضعفاته ، عدم اهتمام أب الاعتراف به . فيلوم أب الاعتراف ، بدلاً من أن يلوم نفسه ...ثم بعد ذلك يطلب تحليلاً ... ! تحليلاً عن ماذا ؟! إننا نريد أن تبدأوا هذا العام بالاعتراف السيلم بلوم النفس أمام الله ، في اقتناع كامل بكل أخطائها ونقائصها ، وبدون تقديم أعذار أو تبريرات للتخفيف من ثقل خطاياها ... ولا نقف أمام الله لنشكو غيرنا ، إنما لنشكو أنفسنا التي تعدت كثيراً علي وصاياه لذلك أجلسوا إلي أنفسكم وحاسبو ، وفتشوا علي نقائصكم حاولوا أن تبصروا كل ما فيكم من عيوب ، لكي تستطيعوا أن تتخلصوا منها وتتنقوا ... فالجلوس مع النفس هو تمهيد للوم النفس . ولوم النفس هو تمهيد للاعتراف والتوبة . وهذا ما نريد أن نبدأ به عامنا الجديد ...نلوم أنفسنا أمام ذواتنا ، أمام الله ، وأمام الأب الكاهن ... وهكذا لوم النفس يقودنا إلي المغفرة . وهذه فائده أخري . 5- يقود إلى المغفرة:- ما الذي يغفره لك الله ؟ هو ما تعترف بأنك أخطأت فيه أما الذي تقول انك لم تخطئ فيه ، طبيعي إنك لا تطلب عنه المغفرة ، وبالتالي لا تنال مغفرة عنه إن كان في واقعه خطأ . إن كنت تعرف أنك مريض ، فسوف تسعي إلي الطبيب لكي تشفي ... وأما إن أصررت علي أنك سليم وصحيح ، فحينئذ ستسمع قول الرب لا يحتاج الإصحاح إلي طيبي ، بل المرضي ( مت 9: 12) إن العشار الذي لام نفسه وقال " إني خاطئ " أسحق أن يخرج من الهيكل مبرراً ، بعكس الفريسى الذي لم يجد شيئاً يلوم عليه نفسه فقال : أشكرك يارب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاضعين الزناة ( لو 18: 11) حقاً ما الذي يمكن ان يغفره الله لهذا الفريسى ( البار ) ؟! آيه خطيئة يغفرها لهذا البار في عيني نفسه ، الذي لم يعرض خطيئة واحدة أمام الله طالباً عنها مغفرة ... لو كان خاطئاً مثل العشار ، لكان يطلب الرحمة مثله . ولكنه يفتخر قائلاً إنني " لست مثل هذا العشار ". لم يعترف بخطايا تحتاج بخطايا تحتاج غلي غفران ، ولم يطلب غفراناً . فأبعد نفسه عن المغفرة وعن التبرير بدم المسيح . كذلك لم يقل الكتاب إن الله قد برر الابن الأكبر ، الذي هو أيضاً لم يجد شيئاً يلوم عليه نفسه ، بل أكثر من هذا غضب وألقي اللوم علي أخيه وعلي أبيه فقال له " أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أخالف وصيتك . وجدياً لم تعطني قط لأخرج مع أصدقائي ..." ( لو 15: 29) . حقاً أية مغفرة تعطي لمن يقول : قط لم أخالف وصيتك ونفس هذا الابن لم يطلب مغفرة ، لأنه لم يجد في تصرفاته خطأ واحداً يحتاج إلي مغفرة !! أما أخوه الأصغر فقد تبرر لأنه لام نفسه وقال لأبيه " أخطأت إلي السماء وقدامك . وليست مستحقاً أن أدعي لك أن تدعي لك أبناً .." إذن أن كنت لا تدين نفسك فأنت تبدو باراً في عيني نفسك ، بينما السيد المسيح قد قال ما جئت لأدعوا أبراراً ، بل خطاة إلي التوبة ( مت 9: 13) . وبهذا تكون خارج نطاق المسيح / ولم يأت لأخلك إنه جاء من أجل الخطاة . جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ( لو 19: 10 ) . جاء من أجل المرضي ليشفيهم . جاء ليبشر المنكسري القلوب ... فهل أنت من هؤلاء ؟ إنك تكون منهم في حالة ما تلوم نفسك وتدينها . أما أن كنت تري نفسك باراً ومحقاً ولا عيب فيك فكأنك تقول لا شأن لي بدم المسيح وكفارته إن دم المسيح هو لمحو الخطايا . أعترف إذن بخطاياك ، لكي يكون لك نصيب فيه ولكي ينضح عليك بزوفاه فتطهر ، وتنال المغفرة . لماذا تبعد نفسك عن دم المسيح وفاعليته ؟! علي أنني أقول لكم في هذا المجال ملاحظة مؤلمة وهي كثيرون يقولون إنهم خطاة . وداخلهم لا يعترف بهذا كلمة " خاطئ " قد يقولها الواحد منهم عن نفسه ، بشفيته فقط ، ليبدو متضعاً . ولكنه في داخل نفسه غير مقتنع بأنه مخطئ . وأن قلت له إنك مخطئ ، يثور عليك ، ويدافع بشدة عن نفسه ونحن لا نقصد ان يلوم الإنسان ملامة باطلة زائفة فهذه الملامة الشكلية الباطلة ، هي غير مقبولة أمام فاحص القلوب و الكلي .. إنما حينما نقول لك أن تلوم نفسك . نقصد أن تكون مقتنعاً في أعماقك اقتناعا كاملاً بأنك مخطئ . وهذا اللوم الحقيقي للنفس هو الذي به تستحق المغفرة ... لوم النفس يقود إلي المغفرة . ويقود إيضاً إلي الإتضاع ... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كيف نبدأ عاما ً جديداً وللحديث بقية
المزيد
29 ديسمبر 2020

محاسبة النفس

نحن الآن في آخر العام ، ونريد أن نبدأ عاماً جديداً . ما تزال أمامنا بضعة أيام ، نريد أن نختم بها عامنا هذا ، الذي إن لم نكن قد جعلنا سيرته صالحة ، فعلي الأقل : ليتنا ننتهي من هذا العام بنهاية صالحة . فكيف إذن ننهي عامنا هذا ونبدأ آخر ؟ يحتاج كا منا إلي جلسة هادئة مع نفسه ما أكثر ما ينشغل الناس بحفلات رأس السنة وبرامجها والإعداد لها ، بحيث يكونون في مشغولية وزحام ، وفي لقاءات واهتمامات ، لا تعطيهم فرصة علي الإطلاق للجلوس مع أنفسهم . وربما في هذه البرامج يسمعون محاضرات عن أهمية الجلوس مع النفس ، دون أن يكون لهم وقت للجلوس مع النفس . أما أنتم فليتكم تجدون وقتاً أو ترتبون وقتاً ، في خلوة وهدوء ، تنفردون فيه بأنفسكم تفتشون هذه النفس ، وتفحصونها ، هي وظروفها كلها تكون جلسة حساب ، وربما جلسة عتاب ، أو جلسه عقاب ... وتكون جلسة تخطيط للمستقبل ، تفكير فيما يجب أن تكونوا عليه في العام المقبل ، في جو من الصلاة ، وعرض الأمر علي الله ، لكي تأخذوا منه معونة وإرشاداً ... جلسة يناقش فيها الإنسان كل علاقاته ، سواء مع نفسه أو مع الآخرين أو مع الله ، بكل صراحة ووضوح ويحاول أن يخرج من كل هذا بخطة جديدة للعام الجديد خطة عمل ، أو خطة عملية ، ومنهج حياة ... كما حدث للابن الضال : إذ جلس إلي نفسه ، وفحص حالته ، وخرج بقرار حاسم لما ينبغي عليه أن يعمله . أقول هذا ، لأن كثيراً من الناس يعيشون في دوامة ، لا يعرفون فيها كيف يسيرون أو إلي أين يسيرون يسلمهم الأمس إلي اليوم ، ويسلمهم اليوم إلي غد ، وهم في متاهة الأمس و اليوم و الغد ، لا يعرفون إجابة من يقول لهم : إلي أين ؟أناس يعيشون في غيبوبة عن روحياتهم وابديتهم ‍ وخط سيرهم ليس واضحاً أمامهم . وربما يهتمون بتفاصيل كثيرة ودقيقة . وكلن الهدف تائه من أمامهم . والخيوط التي تشدهم إلي واقعهم هي خيوط قوية ، كأنها سلاسل لا ينفكون منها لذلك هم في حاجة إلي جلسة هادئة مع النفس ، يفحصون فيها كل شئ ، بكل صراحة ، ويصلون إلي حل ... إني اعجب من أشخاص يأخذون عطلات من أعمالهم لأسباب كثيرة ، وربما لزيارة أو مقابلة أو لسفر أو رحلة ، أو لمجرد الراحة أو الترفيه عن النفس .... بينما لم أسمع عن أحد أنه أخذ عطلة من عمله ، لكي يجلس مع نفسه و يفحصها ..‍ ولكي يحاسبها علي عام طويل : ماذا فعلت فيه مما يرضي الله ، وماذا فعلت مما يغضبه ؟ إن بداية عام هي مناسبة هامة لمحاسبة النفس كثيرون من الروحيين يحاسبون أنفسهم في مناسبات معينة : قبل الإعتراف و التناول مثلاً ، أو في نهاية كل يوم ، أو بعد عمل معين يحتاج إلي فحص من الضمير . أما جلسة الإنسان في نهاية العام ، فهي حساب إجمالي أو حساب عام ، يتناول فيه الحياة كلها ربما يفحص الخطايا المتكررة و المسيطرة في حياته الخطايا التي تكاد تكون عنصراً ثابتاً في اعترافاته ، ونقطة ضعف مستمرة في حياته . ويفحص ما هي أسبابها ودوافعها ، وكيف يمكن أن يتخلص من هذه الأسباب ، وكيف يحيا بلا عثرة . إن الله عليه العمل الأكبر في تخليصه ، ولكن لا شك أن هناك عملاً من جانبه كإنسان لابد يعمله ، ليكون في شركة مع الله وقد يفحص الإنسان صفاته الشخصية التي يتميز بها وماذا ينبغي من هذه الصفات أو يستبدل بغيره ؟ وهل تحولت بعض الخطايا إلي هادات له ، أو إلي طباع أو صفات ثابتة... كإنسان مثلاً ، أصبحت في صفاته حساسية زائدة نحو كرامته ، فهو يغضب بسرعة لأي سبب يحس أنه يمس هذه الكرامة ... وصار هذا فيه ، أو صفة ثابتة ... وهو محتاج أن يغير هذا الطبع ، ويتخلص من هذه الحساسية ، ويصير واسع لطيفاً ومحتملاً ... هنا يفحص الصفة كلها مجرد عارضة من قصص غضبه ... ليت جلستك مع نفسك تكون مرآة روحية لك ... تعطيك صورة عن نفسك ، صورة طبيعية تماماً بغير رتوش ، بغير دفاعا بغير تبرير ، بغير مجاملة للذات ، بغير تدليل للذات . إنك قد تتأثر إذا كشفك إنسان وأظهر لك حقيقتك ، التي قد يجرحك معرفة الناس لها . ولكن لا تكون في مثل هذا التأثر ، إذا ما كشفت نفسك بنفسك ، لكي تعرفها فتصلحها . ولكي تكشف أمراضها فتعالجها . لذلك فلتكن جلستك مع نفسك ، مثل أشعة تعطي صورة حقيقة للداخل ، وتكشف ما يوجد فيه . لتكن جلستك مع نفسك ، جلسة ضمير نزيه أو جلسة قاض عادل ، يحكم بالحق ، جلسة صريحة ، حاسمة ، وحازمة . وحاسب نفسك في صراحة ، علي كل شئ : خطايا الفكر خطايا القلب و الرغبات و المشاعر ، خطايا اللسان ، خطايا الجسد ، خطاياك من جهة نفسك ومن جهة الآخرين ... علاقتك مع الله ، وتقصيراتك في الوسائط الروحية ... الخطايا الخاصة بوجوب النمو : هل أنت تنمو روحياً أم حياتك واقفة ؟ لا تترك شيئاً في حياتك دون أن تكشفه لتعرفه ، فتتخذ موقفاً تجاهه أجلس إلي نفسك لتقيمها ، وتعيد تشكيلها من جديد أهتم بروحك ، وراجع حياتك كلها . لا تقل " هكذا هي طباعي " أو هكذا هي طبيعتي " . كلا . فالذي يحتاج فيك إلي يتغير ، ينبغي أن يتغير . وليست طباعك شيئاً ثابتاً ، فكما اكتسبتها يمكن أن تكتسب عكسها . أما طبيعتك فهي صورة الله ومثاله . وكل ما فيك من أخطاء ، عبارة عن أشيئا عارضة . فارجع إلي صورتك الإلهية ، فهي طبيعتك الحقيقية . أمسك شخصيتك ، وأعد تشكيلها من جديد ، في هذه الجلسة المصرية التي تجلسها مع نفسك . والصفات الجديدة التي تلزمك ، أبحث كيف تقتنيها ، ولو بتداريب تغضب عليها إرادتك ، وتصارع فيها مع الله ليعينك وليكن العام الجديد ، عاماً جديداً في كل شئ أحرص في جلستك مع نفسك ، التي تجلس فيها مع الله ، أن تخرج منها وقد تغير فيك كل ما يجب تغييره من أخطاء ونقائض . تخرج منها بخط سير جديد في الحياة ، وبطباع جديدة ، يحس بها كل من يختلط بك وحاول أن توجه كل طاقاتك توجيهاً سليماً ...فمثلاً توجد في داخل نفسك طاقة عصيبة ، يمكن أن توجهها نحو نفسك في أخطائها ، ويمكن أن توجهها نحو الناس . فاحرص أن يكون توجيهها سليماً ، بعيداً عن الذاتية ، خالصاً من أجل الله ، وبأسلوب روحي لا أخطاء فيه . وفي داخلك أيضاً توجد طاقة حب ، حاول أن تجعلها تسير بتوجيه سليم ، فتكون لك أولاً ، وللخير ثانياً ، وللناس في نطاق حب الله وحب الخير . وأحرص في جلستك مع نفسك أن تجعل هذه الطاقة لا تنحرف . ولا تجعل حباً علي حساب حب ... كذلك كل مواهبك التي منحك الله إياها ، فلتكن موجهة توجيهاً سليماً لله والخير . كالذكاء مثلاً ، هو موهبة من الله . لا تتخذه للأضرار بغيرك ، أو للفخر والكبرياء ، أو لمجرد الانتصار في الجدل و المناقشة ، أو لتنفيذ رغباتك الخاطئة وليكن العام الجديد عاماً منتصراً في حياتك أستعرض في جلستك مع نفسك النواحي التي تنهزم فيها روحياً . وقل لنفسك ينبغي أن أحيا حياة النصرة ظن فلا أنهزم في كذا وكذا ، بل يقودني الرب في موكب نصرته ، ويعطيني الوعود التي وعد بها الغالبين ( رؤ2،3) . ليكن عاماً فيه نمو روحي ، وتقدم وصعود إلي فوق ولذلك قرر في جلستك ، أن تبعد عن العثرات وكل إنسان له في حياته ما يعثره شخصياً ، فالفحص ما هي عثراتك ، وابعد عنها " إن كانت عينك اليمين تعثرك ، فاقلعها والقها عنك ... وإن كانت يدك اليمني تعثرك ، فاقطعها والقها عنك ..." ( مت 5: 29، 30 ) . إلي هذا الحدة يريدنا الرب أن نبعد عن العثرات . فكن حاسماً في هذا الأمر . وكما تبعد عن العثرات ، أحرص أيضاً أنك لا تكون عثرة لغيرك وتذكر قول الرب أذكر من أين سقطت وتب ( رؤ2: 5) وفي ذلك لا تتساهل مطلقاً ، ولا تسامح نفسك ولا تدللها . وإن احتاج القيام من سقطتك ، أن تؤدب نفسك وتعاقبها حتي لا تعود إلي أخطائها ، فكن شديداً في تأديبك لنفسك . وخذ حق الله كاملاً منها . لأنه ينبغي أن تحب الله أكثر من نفسك . لأنه قال : من ضيع نفسه من أجلي يجدها ( مت 10 : 39) وقال إنه من أجله ينبغي أن تبغض حتي نفسك (لو 14: 26) . فبذلك تحفظها لحياة أبدية حاسب نفسك وبكتها . ولكن إحترس من شيطان اليأس كن حكيماً في محاسبتك لنفسك ، وحيكماً في تبكيتها وتأديبها . وإن وجدت في محاسبتك لنفسك أن الكآبة القاتلة ستملك عليك ، وتدفعك إلي اليأس ، تذكر حينئذ مراحم الله ، ووعود ، وتحويله الخطاة إلي قديسين ... حينئذ يمتلئ قلبك بالفرح الروحاني ، كما قال الرسول : " فرحين في الرجاء "( رو12: 12) . وفي جلستك مع نفسك ، لا تركز فقط علي التوبة ، إنما تذكر أيضاً أنه مطلوب منا القداسة والكمال ، فقد أوصانا الكتاب قائلاً كونوا قديسين كونوا كاملين " نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أياً قديسين ... لأنه مكتوب : كونوا قديسين لأني أنا قدوس " ( 1بط 1: 15، 16) . وقال الرب أيضا " فكونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل "( مت 5: 48) . إن التوبة هي مجرد الخطوة الأولي إلي الله . وهناك خطوات أخري كثيرة بعدها ، لنصل إلي حياة الكمال . فيجب ألا نركز علي التوبة وحدها ، وإلا كان جهادنا كله في التخلص من السلبيات ، دون أن ننتقل علمياً إلي الإيجابيات إن ترك الخطية هو نقطة الابتداء وعمل المبتدئين فلا نقف إذن عند هذه النقطة ، وإنما - نتجاوزها سائرين نحو القداسة . اما إن كنا لم نصل بعد إلي عمل المبتدئين هذا ، فنحن إذن لسنا أعضاء في جسد الرب كما أراد لنا أن نكون ... إن كنا ما نزال نقع ونقوم ، وبعد أن نقوم ، نقع مرة أخري ، فنحن لم نصل إلي التوبة بعد . لا يا أخوتي لا يجوز أن تسير الأمور هكذا لا يجوز أن نقضي حياتنا في مرحلة التوبة ليس من صالحنا ان نقضي عمرنا كله ، صراعاً ضد الخطية ، وجهاداً للوصول إلي التوبة . إنما علينا أن نسرع في الطريق لنصل إلي الله ، ونتمتع بعشرة الملائكة و القديسين ... وننمو في درجات القداسة وفي طريق الكمال وليكن هذا العام مباركاً عليكم ... يعطيكم الرب نعمة فيه ، توصلكم إليه . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
28 ديسمبر 2020

لنبدأ بدءاً حسناً

الله ضابط الكل.. تمضى الايام والسنين من عمرنا ونحن ننظر الى المستقبل بعيون الرجاء فى غدا افضل، ورغم كل الظروف السياسية والدينية والاجتماعية المتغيرة التي مرت وتمر بها بلادنا ومنطقتنا والعالم من حولنا فنحن نثق ان الله ضابط الكل والكون لا يحدث شي فى عالمنا وحياتنا الا بارادته او بسماح منه. وعلينا ان نعمل فى توافق مع مشيئة الله لنا ونسعى الى تحقيق ارادته فى حياتنا لكننا وبالرغم من ذلك ايضا لا نستطيع ان نضبط أو نتحكم فى المتغيرات التي تجرى حولنا لكننا نعلم ان الله ضابط الكل يجعل كل الاشياء تعمل معنا للخير { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). و سواء على المستوى الفردي او الجماعي نعلم ان الله قادر ان يجعل الامور تسير نحو تحقيق ارادته مهما اراد الناس بنا شرا كما قال يوسف الصديق لاخوته الذين باعوه حسدا { انتم قصدتم لي شرا اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا }(تك 50 : 20). لقد اراد اخوة يوسف ان يتخلصوا منه وقالوا لابيهم كذبا ان وحش ردئ افترسه وباعوه عبدا ولكن الله كان معه واخرج به مصر وشعبها واهله معهم من مجاعة عظيمة. ونحن نثق ان يد الله المقتدرة والحكيمة تعمل معنا ولاجل خلاصنا وان كان علينا ان نمر باوقات ضيق او نشرب كأس الصبر والمر من يده فهي لعلاجنا وخلاصنا { يشددان انفس التلاميذ ويعظانهم ان يثبتوا في الايمان وانه بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت الله} (اع 14 : 22). فنحن نعلم انه ورغم الضيقات فاننا سنغلب بالله الساكن فينا { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33) التوبة وتنفيذ ارادة الله ... يجب ان نقدم لله توبة عن خطايانا وذنوبنا التي فعلناها بارادتنا او بغير ارادتنا والخفية والظاهرة ونعمل ان تكون توبتنا شاملة مختلف جوانب حياتنا ومستمرة للنفس الاخير ونعمل على التخلص من ضعفاتنا فى ضوء نعمة الرب الغنية ولهذا شدد السيد المسيح على أهمية التوبة للخلاص والنجاة { ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} (لو 13 : 3). ويحثنا الانجيل على التوبة التي هي الاقلاع عن الشر والخطأ والتصميم على عدم الرجوع اليه واصلاح نتائج الخطأ والاعتراف به ومن ثم السعي للنمو فى طاعة الله وتنفيذ ارادته فالله يريد خلاصنا جميعا { الذي يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4). الله يريد لنا ان نكون قديسين{ لان هذه هي ارادة الله قداستكم } (1تس 4 : 3). وهو يعمل فينا بنعمة روحة القدوس وبكلمته المقدسة ليدفعنا الى حياة الكمال وتنفيذ مشيئته { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 :13) فهل نستجيب لعمل النعمة وتبكيت الروح القدس لنا لنتوب عن خطايانا ونسير فى طريق البر؟. لنبدأ بدءاً حسنا... اننا في بدء كل يوما جديد نصلي قائلين ( لنبدأ بدءاً حسناً) فهل نعمل بجدية وصدق ليكون كل يوم بدايه حسنة او مواصلة للسعى فى طريق الكمال المسيحي الذى دعانا الله اليه، كما ان بداية عام جديد هو مناسبة جيده لبداية حسنة فلا نشاكل اهل هذا العالم فى سعيهم وراء شهواتهم الجسدية أو متع العالم وبريقه بل نسعى الى عمل ارادة الله فى حياتنا { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). علينا ان نسعى فى التخلص من العادات والسلوكيات الخاطئة فى حياتنا ونكتسب بالجهاد كل ما هو حسن ومرضى لله { اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا }(في 4 : 8). حياتنا غربة ونحن سفراء للملكة السماء ... يجب ان نعلم اننا هنا على الارض فى فترة غربة جئنا فيها لاداء رسالة سامية ومهمة جليلة فنحن ليسوا لعبة فى يد الظروف او الناس او الاحداث بل نحن سفراء للمملكة السماء { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله }(2كو 5 : 20). نحن رسل سلام ومصالحة فى عالم منقسم ومتصارع ولكي نحيا فى سلام يجب ان نكون فى صلة واتصال دائم مع رئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع وان يكون هدفنا هو تنفيذ ارادته وسماع صوت كلامه فالسفير الناجح فى مهمته يقوم بتمثيل بلده فى البلد المضيف ويعمل وسط المتغيرات الكثيرة على تحقيق مصالحها واعلاء شانها وكحلقة اتصال بين البلد المضيف وبلده الاصلي يجب ان يكون امينا كحلقة اتصال بينهما. فهل نحن سفراء صالحين للملكة السماء. متأصلين فى بلادنا وسنستمر... اننا ورغم اننا لسنا غرباء او وافدين على بلاد الشرق الاوسط كمسيحيين بل متجذريين فى بلادنا منذ الاف السنين، ارتوت ارضنا بدماء اجدادنا وتخضيت ارضنا بعرقهم وجهادهم بتنا اليوم نشعر بالاغتراب أكثر فأكثر فى بلاد كانت مهد المسيحية وقلبها النابض وستبقى هكذا الى ان يرث الله الارض وما عليها، نشعر ايضا بثقل المسئولية الملقاة على عاتقنا لنكون ملح الارض ونور للعالم كما دعانا السيد المسيح { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس.انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت 13:5-16). لقد عانى مسيحيوا الشرق عبر تاريخهم الطويل للحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية والاجتماعية فى تعاون وبذل مع اخوتهم فى الوطن وكنا نظن ان الربيع العربي سيأتي بما هو أفضل للجميع ولكن اذ اقبل علينا شتاء أصولي فعلينا ان نعمل بالاكثر على الانفتاح على مجتمعاتنا بروح المحبة والتعاون ونحن نعى انتمائنا الى اوطاننا متمسكين بالبقاء فيها كخيار لا رجعة فيه ونبنى انفسنا وابنائنا على الإيمان الاقدس الذى اليه دعينا { واثقا بهذا عينه ان الذي ابتدا فيكم عملا صالحا يكمل الى يوم يسوع المسيح} (في 1 : 6). اننا نضع ثقتنا فى الله الامين والقادر ان يحفظ حياتنا وكنيستنا وبلادنا كخميرة مقدسة وكنور لا يوضع تحت مكيال بل على منارة ليضئ لكل من هم فى البيت ليرى الناس اعمالنا الصالحة ويمجدوا ابانا الذى فى السماوات. خطة للنمو الروحي والعملي ... على المستوى الفردي والاسرى والكنسي لابد ان نضع خطة لحياتنا تدوم وتستمر فى متابعة يومية واسبوعية وشهرية وسنوية لكي ننمو فى النعمة والحكمة والقامة لدى الله والناس. يجب ان نسعى الى التميز والتفوق الروحي والدراسي والعملي وفى علاقاتنا الاجتماعية والروحية مع الله والناس. فلا مكان فى عالم اليوم للكسالى والخاملين ونحن نواجه منافسة حادة ومصاعب اقتصادية جمة فعلينا ان نتقدم ونأخذ بايدي بعضنا البعض فى السير فى خطى العلم والمعرفة وفى نفس الوقت العلاقة القوية والواثقة بالله فالانسان القوى روحيا والمرتبط بالسماء هو قلعة حصينة لا ينال منها الشيطان وقواته الشريرة شئ بل هو ضرورة لمجتمعه وكنيسته واسرته وياتي بالثمار الكثيرة لفائدته ولبنيان ملكوت السموات. القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
27 ديسمبر 2020

عُمق قراءات الأحد الثالث من شهر كيهك

زيارة السيدة العذراء للقديسة أليصابات مزمور العشية (مز132: 13، 14) "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ: هذِهِ هِيَ رَاحَتِي إلى الأَبَدِ. ههُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا"يتكلم هذا المزمور عن صهيون، وهو يشير هنا بصهيون إلى السيدة العذراء التي يحل فيها كلمة الآب، وهي التي اشتهاها أن يحل فيها وتكون له مسكنًا.. لأن راحة الآب فيها إلى الأبد، ولذلك سينزل الابن ويسكن فيها، لأنه هو اشتهى حسنها وجمالها. إنجيل العشية (مر1: 23-31) "وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ قَائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَيَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَمَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ! فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!» فَصَرَعَهُ الرُّوحُ النَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا"هذا الفصل من الإنجيـل يتحدث عن تطهيـر السيد المسيح للشـعب الإسرائيلي من الأمراض ومن الأرواح النجسة، وهذا الشعب مُمثَّل في الرجل الذي به روح نجس، وكذلك عندما نسمع قصة شفاء حماة سمعان من الحمى جاء المسيح مخلص العالم ليُطهر الكل، ويشفي كل مـرض وكل ضعف في الشعب.. جاء ليُقيم الطبيعة الساقطة، ويُحيي الطبيعة الفاسدة التي تسلَّط عليها إبليس ووضع هذا الفصل من الإنجيل في عشية الأحد الثالث.. هو إعلان بـأن الذي بُشِّرت به السيدة العذراء هو الله الشافـي الأمـراض بكل أنواعها. هذا الطفل الذي لم يكتمل نمـوه بعد وهو مازال في بطن أمــه، والذي سوف يسجد له يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه.. أيضًا هو الله القـادر على كل شيء.. الذي جاء ليُخلص ويُطهر الشعب من كل شيء. مزمور باكر (مز 85: 7، 8) "أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ. إِنِّي أَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ اللهُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ، فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ" فهو يطلب هنا من الرب أن يرينا الخلاص الذي دبره للبشرية.. اشتياقـًا لرؤيتنا للمخلص المسيح الرب.. الخليقة كلها مشتاقـة لخـلاص إلهنـا، فتطلب أن يعطيها الخلاص، ويريها الرحمـة.. لأن إلهنا إله السلام سيعطي كل أتقائيه وشعبه السلام.. كما قالت الملائكة في بشارتها المفرحة بالميـلاد "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14). فالله هو المتكلم لشعبه وأتقيائه. إنجيل باكر (مت 15: 21-31) "ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى جَانِب بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُل وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ حَتَّى تَعَجَّبَ الْجُمُوعُ إِذْ رَأَوْا الْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَالشُّلَّ يَصِحُّونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْعُمْيَ يُبْصِرُونَ. وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ"يتكلم هذا الفصل عن المرأة الكنعانية التي ذهبت للسيد المسيح صارخة له وقائلة "ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا". فهذا الفصل يوضح إبراء المخلص لمرضى شعبه.. بدليل ذلك عندما قال لها: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب. فَقَالَتْ: نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!ولأن الكلب من الحيوانات النجسة فكان اليهود يعتبرون الكنعانيين نجسين مثل الكلاب لأنهم ليسوا من شعب إسرائيل.. فأراد السيد المسيح أن يُذكرها بفكر اليهود عنهم بما أنه يهودي، وليوبخ اليهود أيضًا على مفاهيمهم الخاطئة والمعاملات السيئة التي كانوا يُعاملون بها الشعوب الأخرى، وليذكرها أيضًا بوضعها بالنسبة لليهود لم تُجادل المرأة في هذه المعاملة السيئة التي كانوا يُعَامَلون بها اليهود بل قالت: "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" فأوضحت للكل خضوعها واتضاعها وقبولها أنها تُعامل معاملة الكلاب مع كل ذلك آمنت أن السيد المسيح هو شافي الأمراض، وهو الذي سيشفي ابنتها المجنونة.. فمدح السيد المسيح إيمانها، وتسليمها الكامل، وخضوعها، وأعطاها سؤالها بعد أن مدحها قائلًا "عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!"، ولم يكتفي بذلك بل قال لها "لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ" البولس (رو 4: 4-24) "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا. كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال: «طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً». أَفَهذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضًا؟ لأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا. فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ، بَلْ فِي الْغُرْلَةِ! وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ. وَأَبًا لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ الإِيمَانُ وَبَطَلَ الْوَعْدُ: لأَنَّ النّاموسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ. لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ:«هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا فِي الإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ ¬ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتًا، إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ ¬ وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا». وَلكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ، بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ"يتحدث البولس عن إيمان إبراهيم بالله واحتساب هذا الإيمان برًا، فيوضح هنا الإيمان بما سيتم في المستقبل.. كمثل إبراهيم الذي آمن بمواعيد الله وهذا ما حدث مع السيدة العذراء حينما آمنت بكلام الله المبعوث لها عن طريق الملاك في بشارته لها "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لو 1: 35)فأجابت السيدة العذراء الملاك قائلة "لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو 1: 38). وهذا ما حدث مع أبونا إبراهيم إذ يقول "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ" (رو 4: 13)، "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ" (رو 4: 18) ويستكمل مُعلمنا بولس الرسول موضحًا إيمان إبراهيم "وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 20-22) ويقصد هنا بهذا الفصل أن يربط بين إيمان إبراهيم بنسله الذي سوف يأتي منه السيد المسيح، وبين إيمان السيدة العذراء التي منها سيأتي نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك 3: 15). الكاثوليكون (1يو 2: 7-17) "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَق فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ"هنا يعطي يوحنا الرسول وصية جديدة للشعب وهي "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (ع 8) ثم يستكمل كلامه معهم قائلًا "مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ" (ع 9، 10)، وبهذه الوصية يوضح لهم الفرق بين النور والظلمة.. لأن نور العالم سوف يأتي ليُبدد الظلمة التي يحيا فيها الشعب، ويبدد الظلام الذي تحيا فيه البشرية. الأبركسيس (أع 7: 35-50) "هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ. هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالًا حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا. الَّذِي لَمْ يَشَأْ آبَاؤُنَا أَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ لَهُ، بَلْ دَفَعُوهُ وَرَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ قَائِلِينَ لِهَارُونَ: اعْمَلْ لَنَا آلِهَةً تَتَقَدَّمُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ! فَعَمِلُوا عِجْلًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ. فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ، وَنَجْمَ إِلهِكُمْ رَمْفَانَ، التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ. وَأَمَّا خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا أَمَرَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى أَنْ يَعْمَلَهَا عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ رَآهُ، الَّتِي أَدْخَلَهَا أَيْضًا آبَاؤُنَا إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا مَعَ يَشُوعَ فِي مُلْكِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ وَجْهِ آبَائِنَا، إِلَى أَيَّامِ دَاوُدَ الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَنًا لإِلهِ يَعْقُوبَ. وَلكِنَّ سُلَيْمَانَ بَنَى لَهُ بَيْتًا. لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي، كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ أَلَيْسَتْ يَدِي صَنَعَتْ هذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا؟"يتكلم سفر الأعمال في هذا الفصل عن موسى والعليقة قائلًا "هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (ع 35) فموسى كان يرمز للسيد المسيح، والعليقة هي رمز للسيدة العذراء ويقول أيضًا "هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ" (ع 36، 37). فهو هنا يشير إلى مجيء السيد المسيح. وبعدها تكلم عن خيمة الشهادة التي كانت معهم في البرية والتي صنعها موسى كقول الرب. هذه الخيمة كانت ترمز للسيدة العذراء فقد حَل الله بلاهوته في بطن السيدة العذراء كما كان يحل مجده على الخيمة وهو يختم حديثه قائلًا "لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي" (ع48) فالسيد المسيح استراح في بطن السيدة العذراء وتجسد منها.. لأنه كما نقول في ثيئوطوكية يوم الأربعاء qeotokia "تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ". مزمور إنجيل القداس (مز 85: 10، 11) "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا. الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ". هذا المزمور يوضح تجسد السيد المسيح في كونه بتجسده.. صالح الكل السمائيين مع الأرضيين.. في أن الرحمة والحق التقياعدل الله (الحق) تقابل مع الرحمة في تجسده، وعندما صُلب على الصليب تلاقى الكل.. فالحق هو السيد المسيح "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يو 14: 6)، خرج من الأرض (أخذ جسدًا من السيدة العذراء) والبر الذي هو عدل الله تطلع من السماء.. فهو يُعلن خلاص البشرية بتجسد السيد المسيح. إنجيل القداس (لو 1: 39-56) "فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ. فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا"يتحدث إنجيل قداس اليوم (الأحد الثالث من شهر كيهك) عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات نسيبتها بمجرد سماع خبر حبلها بالقديس يوحنا المعمدان.. فعندما بشَّر الملاك جبرائيل الواقف أمام الله والدة الإله بالحبل المقدس وأراد أن يثبت لها صدق ما يقول بقوة الحجة والبرهان لكي تصدقهُ ولا تشك فيما يقول لها.. قال لها "وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لو 1: 36، 37) لذلك بعدما انصرف من عندها الملاك ذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا لكي ترى الأمر ماذا يحدث؟ ولتقوم أيضًا بواجب التهنئة ومشاركة أليصابات فرحتها بحبلها بعد أن كانت عاقرًا فلما دخلت السيدة العذراء بيت زكريا سلَّمت على أليصابات "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (ع 41)فلم يكن ابتهاج الطفل يوحنا في بطن أمه من طبيعته أو من نفسه لأن لم يكن في مقدرته أن يفكر في أن يبتهج أم لا.. بل حدث هذا من فعل الروح القدس الذي ملأه وهو في بطن أمه عندما سمع صوت سلام السيدة العذراء لأمه فأليصابات نفسها فهمت معنى ارتكض الجنين في بطنها وأن التي أتت إليها ليست قريبتها فقط وإنما هي أصبحت أم ربها لذلك صرخت "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي" (ع 43، 44) وعندما أحست أليصابات بالروح القدس.. بأن الطفل الذي حبلت به القديسة مريم هو رب الكل، وأن الذي في بطنها هي هو عبده ورسوله كما سبق وقيل في البشارة به.. صرخت قائلة "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (ع 43)، وكأنها تسأل كيف تستحق أن تأتي أم ربها إليها، وصرخت بعد ذلك بأن مجرد سماع صوت سَلاَم مريم إليها تحرك الجنين بِابْتِهَاج في بَطْنها وختمت أليصابات بالقول "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (ع 45)، فهي بهذه العبارة تعطي الطوبى للسيدة العذراء التي آمنت بكلام الملاك ولم تشُك فيه.. وهي هنا كأنها تؤكد على حقيقة الإيمان وهي "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب 11: 1) بعد أن أعطت أليصابات الطوبى لمريم رأت السيدة العذراء أن ترد هذا المديح لمستحقه، وينبوعه، ومصدره وهو الرب "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ" (ع 47) فهي تُسبح وتعظم الرب لأنه أعطاها كرامة لا تستحقها، لأنه رفع مقامها لأن تصبح أم الرب ولم تقتصر مريم على إظهار شكرها لربها بشفتيها بل عبرت أيضًا في ابتهاجها بالروح أيضًا إذ قالت "َتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (ع 47) فدعت الله مخلصها فهو الرب الذي يُخلص شعبه من خطاياهم ومن الموت المحكوم عليهم به، وأوضحت بذلك سبب شكرها لله إذ قالت"لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (ع 47) فهي تقصد هنا أن الله نظر إلى ذلها ورفعها من مكانها الوضيع لكي تصبح أن للرب (أي جعلها والدة لابنه) وهكذا نسبت كل ما نالته من نِعَم إلى فضيلة الاتضاع ثم بعد ذلك تنبأت السيدة العذراء عن تقدير وتكريم جميع الشعوب لها بما استحقت أن تناله من نِعَم فقالت "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" (ع 48)، وهذه الطوبى حدثت بالفعل عندما طوبتها المرأة التي سمعت تعاليم السيد المسيح المحيية بعدما أخرج الشيطان من الرجُل الأعمى الأخرس صرخت المرأة قائلة "طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا" (لو 11: 27). واستكملت السيدة العذراء كلامها في تمجيد الله بتعداد أعمال قوته فقالت أنه "صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ" (ع 51). فالزراع هنا كناية عن القدرة في العمل.. يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتني "يَمِينُ الرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ الرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ" (مز 118: 16)، وكما قال إشعياء "هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ" (إش 40: 10) فالرب هو الذي شتت المستكبرين بفكر قلوبهم وأذلهم.. فالله يقاوم المستكبرين ويعطي المتواضعين قوة "اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (1بط 5: 5) فالإنسان عندما يعتمد على قوته وذراعه البشري ويستكبر ويستبد بالله ويتجاسر على الله كما فعل فرعون مصر ولذلك قالت السيدة العذراء"أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ" (ع 52)، وهذه العبارة هي نفس المعنى الذي جاء في سفر صموئيل "الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ" (1صم 2: 7، 8)، وكذلك ما قاله داود المرنم "الْمُقِيمِ الْمَسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، الرَّافِعِ الْبَائِسَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِيُجْلِسَهُ مَعَ أَشْرَافٍ، مَعَ أَشْرَافِ شَعْبِهِ" (مز 113: 7، 8)أخيرًا قالت السيدة العذراء في ختام تسبحتها "عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً" (ع)، أي أنه أعانهُ بكل الطرق في كل زمان وفي أي مكان..فقد دبَّر حياته وهو في البرية أربعين سنة حين أعال شعب إسرائيل بعد خروجه من مصر، والآن أيضًا تعهده بالخلاص عن طريق المُخلص الذي وعدهم به وهو الإله الذي سيتجسد منها.ثم أقمات السيدة العذراء في بيت أليصابات ثلاثة أشهر الفترة المتبقية لها في حملها لكي تلد يوحنا المعمدان.. وذلك لخدمتها وإكرامًا لها لأنها كانت امرأة عجوز.. ثم عادت بعد ذلك إلى بيتها قبل أن تلد أليصابات حتى لا يخدم سيد الكل يوحنا في مولده .وعندما نتأمل الخط الروحي الذي يربط القراءات الخاصة بهذه المناسبة نجد أن مزمور العشية يتحدث عن اختيار المخلص للسيدة العذراء أن يحل في أحشائها "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ" (مز 132: 13) ثم يحدثنا إنجيل العشية عن تطهير المخلص للشعب من الأرواح النجسة والأمراض ليعد له شعبًا مبررًا وفي مزمور باكر يتحدث على لسان المرأة الكنعانية التي سيتحدث عنها الإنجيل قائلًا "أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ" (مز 85: 7) فهي التي صرخت له في إنجيل باكر قائلة "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" (مت 15: 27)، فاستحقت أن تسمع "يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!" (مت 15: 28) فتحدث الإنجيل عن إبراء المخلص لمرض شعبه.ثم تحدث البولس عن الإيمان (إيمان إبراهيم) "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 18، 20-22)، وهذا ما حدث بالفعل مع السيدة العذراء "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45) ويأتي الكاثوليكون ليوضح لنا أن "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (1يو 2: 8) فيوجه نظرنا إلى قرب مجيء نور العالم، وبطلوع النور تنقشع الظلمة وتتبدد ثم يحدثنا سفر أعمال الرسل (الإبركسيس``Pra[ic ) عن موسى وأمر العليقة التي تشير إلى السيدة العذراء وكلامه عن المسيح "هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (أع 7 : 35) وأخيرًا يُحدثنا إنجيل القداس عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات، وإعطائها الطوبى "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45)، وتسبحتها المشهورة "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (لو 1: 46، 47).فليعطنا الرب أن نتمتع بخلاصُه المُقدَّم لنا.ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
26 ديسمبر 2020

المقالة الثالثة والعشرون في البتولية وصفاتها

إن بولس الرسول المشير الفاضل يعلمنا كلنا قدر بتولية النفس وطهارتها، ويحتسب درجة البتولية أفضل وأعلي من العالم لأنه قال: من له امرأة يهتم في كيف يرضي امرأته فأما المستسير بالبتولية فيهتم في أن يرضي الرب. فذاك الاهتمام يؤدي إلي العذاب وهذا يؤدي إلي الحياة الخالدة، فالطوبى للإنسان الذي يهتم في أن يرضي الرب ويحفظ جسده طاهراً ليصير هيكلاً مقدساً طاهراً للمسيح الملك. أيها الإنسان قد صرت باختيارك هيكلاً للـه لا بإلزام وغضب بل بإثرة ونشاط، وقد عرفت أن من يكن إنساناً للإله العلي يسكن روح اللـه فيه فإن كان منظفاً نقياً يقدسه ليكون استعماله مأثوراً لسيده، أسمع يا أخي المخلص ما أقول لك وأكتب ألفاظ حقارتي في قلبك، منطق ذاتك وتضرع بأمانة صافية مهذبة ورجاء ومحبة، أنتصب كالرجل الشهم لتحفظ هيكل اللـه من سائر الأفكار الدنسة والنجسة المزروعة من العدو، صر بجملة نفسك غنياً معايناً بمداومة تجارب العدو لأن تجارب الخبيث تتقاطر دائماً لتجد إنساناً مسترخياً ومتنزهاً لتفسد هيكل جسد ذاك الشقي لئلا يكون مأثوراً لاستعمال سيده، فأحذر علي نفسك لئلا توجد قابلاً بذاتك تجارب العدو، أتجهل أيها الأخ من هم المحاربون الخبثاء والمجلبون الأفكار الدنسة والشهوات الرديئة هم ” الغضب والاضطراب، السخط والمماحكة، وعبودية الآلام ” فهؤلاء هم المجربون الذين لا يخجلون، والأردياء الذين لا يكفون ولا يشبعون من الشر وإذا غلبوا يدارك برازهم دائماً لأن أصل الشهوة وقح لا يخزى، أقتلع أيها الأخ أصل الشهوة من قلبك لئلا ينبت ويينع فلو قطعتها ربوات مرات تنبت بقدر ذلك إن لم تقتلع بالجملة جدرها ، جاهد متواتراً لتكون هيكلاً للـه بلا دنس وبلا عيب، إن هيأت هيكلك للـه فالإله القدوس يعطيك عوضه الفردوس المطرب لنياحتك، صر بانتصارك علي الآلام والأفكار الدنسة حافظاً هيكلك قديساً ليكون بَهياً للـه ومقبولاً، أصغِ إلي ذاتك ألا تُدخل في الهيكل عوض السيد الأقدس الطاهر العدو النجس فيفسد هيكلك لأنه عدو ماقت الخير فإنه وقح فاسد الخلق لا يخجل تنتهره مراراً كثيرة وتخرجه إلي خارج وهو يتواقح فيلاكم ويزاحم ليدخل، أما اللـه الغير محدود الطاهر القدوس فما أبتعد هو بل أنت طردته، إذ أدخلت الدنس وصرفت القدوس، أبغضت الملك وأحببت المارد، أبعدت عين الحياة وتقلبت في الحمأة، عدمت النور وشاركت الظلمة، من أجل رخاوتك أسلمت ذاتك إلي العدو النجس، إن الإله القدوس أثر أن يسكن في هيكلك دائماً أما أنت فأحزنت السيد الصالح الرب الذي لا يشبع منه، التائق أن يعطيك ملكه لأن الصائرين هياكل لا عيب فيها وطاهرة يسكن اللـه فيهم، فإن آثرت أن يسكن اللـه في هيكل جسدك كافة أيامك التي تعيشها علي الأرض فاللـه القدوس يسكنك في فردوسه في النور الذي لا يقاس والحياة التي لا تموت إلي أبد الدهر بفرح عظيم وينجيك هناك، أتراك سمعت هذا أو قرأته أن يوماً واحداً في نور ملك اللـه كألف سنة في هذا الدهر، أفتح قلبك أيها الأخ وأقبل أن تشتاق إلي اللـه كافة أيامك فإن الاشتياق إلي اللـه هو حلاوة واستنارة وسروراً دائماً، إن صبوت إليه دائماً يسكن فيك سرمداً، إن اللـه غيور طاهر وقدوس يسكن في نفس الذين يتقونه ويصنع مراد الذين يحبونه، أتؤثر أن تكون للـه هيكلاً نظيفاً لا عيب فيه، أتخذ أيقونته في قلبك دائماً وأعني بأيقونة اللـه لا المرسومة بألوان الأصباغ علي ألواح خشب أو علي شئ آخر بل تلك الصورة المزخرفة العجيبة في النفس المرسومة فيها بالأعمال الحسنة بالأصوام بالحميات بالمسك بالاعتدال النفيس بالاسهار والصلوات، فألوان صورة السيد السمائي هي اعتدال الفضائل الأفكار النقية التعري من الأرضيات مع الطهارة والوداعة جميعاً، لا يكلل في العالم أحد خلواً من جهاد، وفي سيرة النسك بغير حرص وجهاد لا يمكن أحد أن ينال الإكليل الذي لا يذبل والحياة الخالدة، لأن هذا العالم يضاهي جلبة فالمجاهدون الكاملون بوداعتهم يضعون ذاتهم في المقام بلا خوف، أما المسترخون والخبثاء فيهربون برخاوتهم من الجهاد، فالمجاهدون الكاملون النساك وذوو الحمية والنسك قدام أعينهم الفردوس المطرب منتظرين كل حين أن يتمتعوا بكافة الخيرات في النور المؤبد والحياة الفاقدة الموت، أفتؤثر أن تجاهد وتظهر كاملاً ألبس الفضائل كثوب وإذا لبست فضيلة فجاهد ألا تنزعها، أرهب الخمر لئلا تفضحك وتعريك من الفضائل كما عرت الصديق في القديم، أتعرف قوة الخمر أم لا ؟ أسمع أنا أخبرك: نوح الرجل الصديق والبار البهي في الجيل الفاسد الذي أستحق أن يسمع من اللـه أقوالاً ومدائح لأن اللـه قال له: إياك وحدك شاهدت صديقاً في هذا الجيل الفاسد، هذا الصديق الذي غلب طوفان المياه غُلِبَ من نبيذ قليل ونام، إن المياه التي لا توصف كميتها ما غلبته والخمر اليسيرة كشفت جسد الصديق الصائر رئيس آباء الأمم، وهذا النبيذ أيضاً أسترق لوط البار في نومه لأنه سرق به من أبنتيه وحملتا منه بضد الطبيعة. الصديقون والأبرار ما شفقت عليهم الخمر، فأنت الشاب الحقير كم أولى بِها أن تغلبك، أرهب النبيذ لأنه لا يشفق علي الجسم ألبتة بل يضرم فيه نار الشهوة الرديئة، لا يتراخى جسمك بحرارته لئلا تقتنص من قبل الأفكار الرديئة والدراسة القبيحة فتكون غير فاعل بشركة الجسد وبالعقل تشارك الهذيذ الردئ، إن الخطية نفسها ضلال وصنم فإن تقدمت تمسك منها وتندم كل حين وتعانق كل وقت أصنام الخطيئة المتخائلة لناظر الذهن فتتخيل معاينتها وتكثر مناجاتها، وإذا ذقت حلاوة دراستها ترخي فكرك وتنغلب إنغلاباً لا يبرأ، وتخطئ خطأً لا يستوضح فيصيح الناظرون يشاهدونك واضحاً حاوياً كافة الوداعة وأنت في ضميرك تتعذب باطناً متندماً حزيناً بلا انقطاع لأن للإنسان ضميراً يوبخه وعادة الشهوة الرديئة المألوفة حين تكمل يتبع الحزن أثارها فيرى وجهه بالزي الظاهر وديعاً وهو من داخل لا دالة له بالكلية قدام اللـه، ترى من لا يبكي وينوح ومن لا يحزن إنه في طرفة عين واحدة يتراخى الفكر فتخطئ حينئذ إلي اللـه عمداً وتطرد منه الموهبة السماوية أعني الطهارة والبتولية، لأنه حينما يكون هيكل الجسد قديساً وطاهراً يسكن فيه الإله الأعلى فإن أنفسد الهيكل وتدنس في الحين يتركه السيد، وعوض النور السمائي والأقدس يدخل الدنس ويقطن مستوطناً تدخل لذة الشهوة الرديئة وتدنسه كل وقت، ترى من يخطر هذا في قلبه بغير دموع وهو أن الإله القدوس رفض الهيكل وسكنته الشهوة الرديئة، أتعرف ذلك فأبتعد منه لأنه من أين وإلي أين سقط إن من أصابه ذلك لا يشبع من الدموع والزفرات، من أنغلب برخاوته في الجهاد ورأى آخر غالباً في الجهاد والصراع مشهوراً بالأكلة والرايات وظافراً والجماعة يمدحونه محيطين به، تكتنفه ندامة موجعة ويعذب ذاته الحزن، فيقول في نفسه لِمَ في لحظة واحدة أنغلبت للفكر وهربت من الجهاد، فها الذين أكملوه في مجد عظيم ومدائح جسيمة وأنا أختفي بخجل لأني أنهذمت منه، كذلك يوم المجازاة إذا أبصر المسترخون والخطاة الصديقون والأبرار بسرور عظيم بعضهم في الفردوس وآخرين في الملك، آخرين في السحب يتطايرون في النور، وهم في النار التي لا تطفأ والظلمة القصوى، حينئذ تحدق بِهم ندامة عظيمة مرهوبة، وبكاء لا ينفع. فلذلك أطلب إليك يا أخي المحبوب أن تصير مشابِهاً للآباء الكاملين القديسين الذين لا عيب فيهم، أسلك علي آثار الآباء السائرين بالبتولية الطاهرة، وبالنسك المهذب، والصلاة والصوم حب النسك تُقْ إلي الصلاة مخاطباً السيد لأن كل صلاة نقية مقدسة تخاطب بها السيد، صلاة المشتاقين إلي اللـه ترتقي متواتراً بفرح عظيم إلي السماء والملائكة ورؤساء الملائكة يبتهجون بِها ويقيمونَها أمام عرش السيد الأقدس العالي سيد الكل وحينئذ يكون السرور، حين يقدمون قدام اللـه صلوات الصديقين الوادين للـه. أحرص إذاً أيها الأخ كي تصير مضاهياً سيرة الآباء القديسين وفضائلهم، أسلك في طريق سيرتهم، إنسك نظيرهم إنسك بالمعقول، إنسك بالروح، إنسك بالجسد، إنسك بالزي، في الطعام، باللسان، بالناظر، بالفكر، بالضحك، لتستبين في كل شئ كمجاهد كامل، أصغِ إلي ذاتك وأحذر أن توجد إذا صليت متنزهاً طموحاً، إذا أنتصبت تصلي إلي اللـه فقف بخشية ورعدة، أطرح من قلبك وما يحوط به الفكر والاهتمام بسائر الأرضيات، صر بكليتك أجمع في ساعة الصلاة ملاكاً سمائياً وجاهد أن تكون صلاتك مقدسة ونقية بلا وسخ ولا عيب حتى إذا بلغت الأبواب السمائية وقرعت للحين تفتح لها، وإذا أبصرها الملائكة ورؤساء الملائكة يستقبلونها كلهم مسرورين ويقدمونها إلي عرش السيد الطاهر الأقدس والشاهق، صر كل وقت في ساعة الصلاة كالشاروبيم والساروفيم ماثلاً أمام اللـه. أيها الأخ أدرس هذه الأقوال وترنم بها بخشية وبهجة فإنها ترزق النفس أغذية روحانية، وتنتزع منها مرارة العالم الباطل وتحليها وتخففها من ثقل المهمات الأرضية والأمور الوقتية، كل ما سمعته أحرص أن تحفظه بعقلك دائماً فيرتاح اللـه فيك وتجد دالة في الساعة المرهوبة المرعبة إذا جاء المسيح ليجازي كل أحد نظير عمله. له المجد دائماً وعلينا رحمته آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
25 ديسمبر 2020

زيارة واحد هادفة

زياره رعويه: هي أول عمل للمسيح بعد بشارة العذراء. " قامت بسرعه إلي الجبال إلي مدينه يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت علي إليصابات" (لو1: 40) (هدف الزياره) ودار الحوار الجميل. + زياره المسيح ليوحنا: زياره الجسد للجسد، ولكنها تلاقي الأرواح لبعضها!! + زياره فريده أشبعت يوحنا في البطن! + زياره عمل وإمتلاء! زياره وجد فيها المسيح مكان لراحته داخل عائله تقيه! + مع أنهم أقرباء: " هوذا أليصابات نسيبتك" (لو 1: 36) وحسب السنكسار بنات خالات، ولكن الموضوع هو أسمي بكثير... زياره عمل إلهي صرف... بدليل: + المسيح المُحب للوحده والإنفراد في الصحراء لم يزور يوحنا الذي عاش في الصحراء 30 سنة. + لقد زار الأنبا أنطونيوس الأنبا بولا وتحدثا عن عظائم الله، وأشبعا بعضهما البعض. لماذا لم يلتقي المسيح بيوحنا قبل الخدمه وذهب إليه في الصحراء ليقدم له دروس خاصه للخدام؟ + هو قال: كنت مسجونًا فزرتموني (مت 25: 36). ولكنه لم يزور يوحنا في السجن، وعندما أرسل يوحنا تلاميذه إلي المسيح ليسألوه: " هل أنت المسيا؟ قال لهم: " أنظروا وأسمعوا وقولوا له" (لو7: 22) مع أنه خطط لزياره أرض مصر، ولقاء السامريه، وتأخر لزياره حبيبه لعازر حتي مات. أثبت يوحنا نفسه: حينما قال " إني لم أعرفه. ولكن الذي أرسلني قال لي: حينما تري السماء مفتوحه والروح مستقر عليه فهذا هو" (لو3:21، 22) فهل قال له وهو في البطن؟ أم روح الله أعطاه المعرفه؟ أم كان له أحاديث في الصلاه مع الله؟ هدف الزياره: زياره العظيم. لأعظم مواليد النساء (لو7: 28). زياره روحيه من العهد الجديد ليلقي أخر شعاع للعهد القديم (تسليم وتسلم) ممثله في أليصابات المتقدمه في الأيام مع الصبيه التي سيشرق منها شمس البر علي كل المسكونة. زياره هدفها: إتمام نبوه: عند رجوع تابوت العهد كان داود النبي كل سته خطوات يقدم ذبيحه راقصًا أمام الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... فجاء المسيح إلي يوحنا في الشهر السادس ليعلن يوحنا أمامه راقصًا فرحة البشريه لقدوم الذبيحه الحقيقية. هدفها الخدمه: دفن الذات... لقد مكثت مريم عند أليصابات (ثلاثه أشهر = ثلاثه أيام) ثم رجعت إلي يوسف ليشك فيها، فحملت الصليب مبكرًا إلي أن قام المسيح، أي حملته علي يديها وسط تهليل وفرح السمائيين مع الأرضيين! زياره إمتلاء: فكما نقول في المديح: مد السيد القدير يده. وضعها علي يوحنا داخل الجوف كأنه عمده بالروح، وباركه لكي يقدر يوحنا أن يعمد ويضع يده علي التائبين ويعطيهم المغفره. مثال راهب أسقف يقدر أن يرهبن، وحامل إسكيم رهبنه له حق أن يعطي لأخرين. إمتلأت أليصابات بسلام مريم فصرخت أول صرخه بالروح القدس تعلن أن هذا هو المسيح = أخر صرخه للمسيح علي الصليب ليعلن قد أُكْمِل. وصلت أليصابات للقمه.امتلأت بالروح فأفاضت تسبحه جميله، وحركت مشاعر العذراء الممتلئه نعمه لتفيض تسبحه أجمل وأعمق. من أهداف الزياره: أخذت أمنا العذراء حريه للإنطلاق بالروح، ونطقت بتسبحه كشفت فيها إتضاعها وإبتهاج روحها ورحمه الرب لكل الأجيال، وأعلنت المجئ المُشبع لكل الجياع وسند الرب للفتيان (اسرائيل الجديد). لأنها لم تقدر أن تعلن هذا أمام الملاك، وتستحي أن تقول هذا أمام يوسف النجار أو عامه الشعب وكأن الرب هيأ لها فرصه وحيده... سؤال لأمنا أليصابات: + هل امتلأت بالروح مرهً واحدهً في هذه الزياره؟ أم كانت هناك زيارات بالروح ونموًا للإمتلاء؟ فتقول لنا: تعالوا نقرأ ما كتبه ابني بولس الرسول لروميه (4: 17): " أننا أبناء لأبونا إبراهيم ونسلك في خطوات إيمانه، الذي هو أب لجميعنا، كما هو مكتوب إني قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة (تك 17: 5، 6). + لم يضعف في الإيمان: (رو 4: 19) بل كان الرب أمامه، وكأنه قبل داود النبي الذي وجد نعمه أمام الله، وألتمس أن يصنع مسكنًا لإله يعقوب، ولكن سليمان بني له بيتًا، مع أن العلي يريد أن يجد له مكان في قلوبنا (أع 7: 46 - 48) فتعلمت من أبونا أن أكون قريبه من الرب بالإيمان وأستريح به وهو فيَّ. + لم يشك في وعد الله: (رو4: 20) فلم أشك في كلام أنبيائه. ويقول (1 يو 2: 13) " كتبت إليكم أيها الأباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء ". + " تيقن وتقوي بالإيمان معطيًا مجدًا لله" (رو 4: 20) فعند مثول العذراء أمامي، وثقت وأخذت قوه وأعطيت مجدًا لله، فأمتلأت من روحه، وقلت لها: " من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ؟ طوبي لمن أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب." (لو 1: 43 – 45) من أين لي أن يأتي ربي إليَّ، بل يسكن عندي ثلاثه أشهر بل يملأ إبني بروحه وزوجي بنعمته. الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
24 ديسمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس الفتية الثلاثة

ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة" دا 3: 25" مقدمة لست أعلم لماذا يطلق الناس عليهم على الدوام الثلاثة فتية؟... من الحق أنهم وصلوا إلى بابل، وهم فتيان صغار فى طراوة العمر وربيع الحياة، لكن من المؤكد أنهم تقدموا مع الزمن، وتجاوزوا - على الأغلب - الخامسة والثلاثين، عندما واجهوا امتحانهم الأعظم أمام أتون نبوخذ ناصر، ولقد وصفوا فى القصة سبع مرات بأنهم « رجال »... ومع ذلك فأنت لا تكاد تذكرهم رجالاً أو شيوخاً، بل هم فى ذهنك مع الدوام الفتيان الثلاثة هل توقف الزمن هنا ليمنحهم شباباً خالداً لا يمكن أن ينال منه الضعف أو الوهن أو العجز بأية صورة من الصور!!؟ فى الحقيقة، إن الشباب روح قبل أن يكون جسداً، وما أكثر الذين يعيشون فى جسد الشباب وهم شيوخ، … وما أكثر الشيوخ الذين يحملون روح الشباب مهما امتدت بهم الحياة أو ناء ما تحت الوهن أو الضعف الجسدى!! … والثلاثة الفتية كانت أسماؤهم العبرية مرتبطة باللّه – فحنانيا يعنى « اللّه حنان »، وميشائيل يعنى « من مثل اللّه!!؟.. » وعزريا « اللّه يعين». وحاول السبى أن ينسيهم هذا الارتباط بتغيير أسمائهم، وإضافة آلهة الكلدانيين إلى أسمائهم الجديدة، فأخذ حنانيا اسم « شدوخ » أو « أمر آخ » وآخ كان معبود القمر عند البابليين أو كما ندعوه الآن « سدراك » وميشائيل أضحى « ميشخ » أو تحول: « من مثل اللّه » إلى « من مثل آخ » وهو عندنا الآن ميخائيل، والثالث وكان اسمه « عزريا » وقد أعطى « عبد نغو » وعبد نغو معبود العلم عند البابليين،... على أن هذا التغيير فى الأسماء، لم يغير نبضة واحدة من نبضات قلوبهم التى تنبض باسم إلههم الواحد القديم، وبارتباطهم به فى الحياة أو الموت على حد سواء!!.. ولقد اكتسب هولاء الرجال شبابهم الخالد، فى قصة التاريخ، وها نحن نتابعهم اليوم فيما يلى: الثلاثة الفتية وسبب ظهورهم لسنا بحاجة إلى تكرار ما أشرنا إليه فى الحديث عن دانيال - ونحن نتحدث عن شخصيته - إذ أنه الفتى الأول إلى جانب هؤلاء الثلاثة فى المسرحية التى ظهرت على أرض بابل عندما سار هذا الفوج الأول من المسبيين إلى السبى، وعلى الأغلب ما بين عامى 605 و604 ق.م.، وكان الغلمان الأربعة فى سن واحدة قدرها البعض بخمسة عشر عاماً، وقدرها آخرون بسبعة عشر عاماً، فإذا كان الأمر كذلك، وعلى ما تتجه إليه الترجمة السبعينية، أن أتون النار حدث فى العام الثامن عشر من حكم نبوخذ ناصر عندما صنع الملك البابلى تمثال الذهب تخليداً لانتصاراته العظيمة، وتمجيداً لآلهته « بيل »، فإن الفتيان الثلاثة يكونون قد واجهوا التجربة بعد سماعهم بخراب أورشليم ومجئ الفوج الكبير اللاحق لهذا الخراب من المسبيين أى حوالى عام 685 ق.م.، أو بعد الخامسة والثلاثين من أعمارهم، فى سن الرجولة الواعية الكاملة، وقد أخذ إلى السبى الملكان يهوياكين وصدقيا، وكان إرميا فى أورشليم، ودانيال فى بابل، ويبدو أنه كان غائباً فى مهمة ما عن المدينة!!ولعله من اللازم أن نشير إلى أن إرميا كان قد تنبأ بأن مدة السبى ستكون سبعين عاماً، وقد حذر الشعب من الإصغاء إلى الأنبياء العرافين المدعين كذباً الذين دأبوا على خداعهم بأن اللّه سيرجعهم سريعاً إلى بلادهم، وطلب إليهم أن يبنوا بيوتاً ويغرسوا جنات، ويتزوجوا، ويصلوا لأجل البلاد التى هم فيها لأن وقتاً متسعاً لهذه كلها، لابد أن ينقضى قبل رجوعهم.. كان الكثيرون من المسبيين ينظرون إلى السبى كشر مطلق سمح به اللّه الذى تركهم ونسيهم، ولكن الحقيقة كانت على عكس ذلك، إذ أنه سباهم لأنه يفكر فيهم ويحبهم ويقصد لهم آخرة فياضة بالسلام والرجاء: « لأنه هكذا قال الرب. إنى عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامى الصالح بردكم إلى هذا الموضوع لأنى عرفت الأفكار التى أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب، أفكار سلام لا شر لأعطيكم آخرة ورجاء، فتدعوننى وتذهبون وتصلون إليّ فأسمع لكم. وتطلبوننى فتجدوننى إذ تطلبوننى بكل قلبكم، فأوجد لكم يقول الرب وأرد سبيكم وأجمعكم من كل الأمم ومن كل المواضع التى طردتكم إليها يقول الرب، وأردكم إلى الموضع الذى سبيتكم منه » " إر 29: 10 - 14 "على أنه من الواجب مع ذلك، أن نتعرف على حياة المسبيين وشعورهم العميق فى السبى، ولسنا نظن أن هناك مزموراً حزيناً يضارع فى حزنه، المزمور المائة والسابع والثلاثين، ومع أن كاتبه مجهول (ويعتقد البعض أنه من سبط لاوى).. ومع أننا لا نستطيع أن نقبل بحال ما روح العنف والقسوة التى كانت سمة العهد القديم فى الانتقام، والتى جاءت فى ختام المزمور«أذكر يارب لبنى أدوم يوم أورشليم القائلين هدوا هدوا حتى إلى أساسها يابنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذى جازيتنا طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة »... إلا أننا مع ذلك ندرك إحساس المسبيين، والعواطف الوحشية التى تتملك الأسير وهو يرى رد فعل المعاناة التى عاناها، واشتدت عليه،... غير أن روح االمسيح يمنعنا الآن من مثل هذا الأسلوب، وقد صلى هو لصالبيه من فوق الصليب، مرتفعاً فوق الحقد والضغينة باسمى لغة سمعها الإنسان على الأرض: «إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » " لو 23: 34 " وفى الوقت عينه، من اللازم أن نتحسس مشاعر الفتية الثلاثة من هذا المزمور،... لقد كانوا على ولاية بابل، وعندما بلغهم خراب مدينتهم علقوا أعوادهم على الصفصاف، ولم تنقطع الدموع من عيونهم!!... ومع أن بابل كانت أجمل مدينة فى الدنيا فى ذلك التاريخ، كانت مدينة الحدائق المعلقة التى جمعت أبهج ما يمكن أن تمتلئ به العين، وكانت المدينة الممتلئة بالأنهار والغدر ان تتدفق منها الحياة تدفقاً، وأشجار الصفصاف ترتفع عالية شامخة ترسل ظلالها البعيدة هنا وهناك، لكن جمال المدينة نفسه، كان عذاباً لمشاعرهم وعواطفهم، كلما ذكروا بلادهم الخربة التعسة التى أضحت أطلالا وأنقاضاً!!... لقد كانت بابل قفصاً من ذهب، طلب إلى الطائر السجين أن يغرد ويرفع صوته وهو داخله بالأغنية والطرب!!ولم تكن المأساة أن يمتنع الطائر الأسير المهاجر عن الغناء،... بل طلب إليه أن يغنى أغنية لإله غريب، وهنا الطامة الكبرى، بل هنا البلاء الذى لا يعد له بلاء آخر، لقد كان على الثلاثة الفتية، أن يستبدلوا أعوادهم بأعواد أخرى، ومزاميرهم بمزامير أخرى، ويهللوا فى وقت نكبتهم، بالترنيم لإله غريب!!صنع نبوخذ ناصر تمثالا عظيما من ذهب، تصوره البعض ذهباً خالصاً، وتصوره آخرون خشباً مغشى كله بالذهب، وارتفاعه ستون ذراعاً أو ما يقرب من ثلاثين متراً، وعرضه ستة أذرع أو ما يقرب من ثلاثة أمتار، وقد ظن البعض أنه تمثال نبوخذ ناصر نفسه، والأرجح أنه تمثال لآلهته، وقد دعى لتدشين التمثال القادة والرؤساء وحكام الولايات، فاجتمع جمع غفير من كل القبائل والأمم والألسنة، وكان لابد أن يكون الثلاثة الفتية الموكلون على أعمال ولاية بابل، بين الحاضرين!!.. ومن الواضح أن دانيال لم يكن بالمدينة، وإلا لكان القائد أو رجل الطليعة.. وكان على زملائه الآخرين أن يواجهوا الامتحان هذه المرة بمفردهم،... وواجهوه على النحو العظيم الذى أثار التاريخ بأكمله!!. الثلاثة فتية والشكوى ضدهم عند سماع الموسيقى لامست جميع الرؤوس الأرض، إلا ثلاثة رؤوس لم تنحن للتمثال لأنها لا يمكن أن تنحنى إلا للّه وحده، وسارع الكلدانيون بالشكوى لنبوخذ ناصر، ولعل هناك أكثر من سبب لهذه الشكوى، بل لعل بعضها يختفى وراء البعض الآخر، ومع أنها قد تكون الأسباب الحقيقية، لكنها مع ذلك تلبس مسوح غيرها من الأسباب،... ولو أننا حاولنا أن نحلل أسباب الشكوى لرأيناها أولا غيظ الرأس المنحنى من الرأس الذى لا يعرف الانحناء لبشر، والناس دائماً يبحثون عن الرؤوس المتساوية ولا يقبلون رأساً يرتفع فوق رؤوسهم ليكشف ضعفهم ونقصهم وهزالهم وهزيمتهم،.. ولو أننا بحثنا الصراعات القاسية فى كل العصور والأجيال، لرأينا الكثير منها لا يزيد عن تناطح الرؤوس، وتصارع الرياسات، وتقاتل المناصب،... وما من شك بأن الحسد لعب دوره العظيم فى هذا المجال، فالثلاثة الفتية ليسوا كلدانيين وأعمال ولاية بابل بين أيديهم، هم غرباء أجانب، لم يكتفوا بأن يزاحموا الوطنيين فى مراكزهم، بل أكثر من ذلك يرأسونهم ويسودون عليهم،... فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم عقبة كأداء فى طريق الفساد والرشوة والانتهازية والوصولية التى عاشوا عليها، أو يحلمون باستغلالها، والكسب الحرام من ورائها،... تبين لنا مدى االحنق والغيظ، وانتهاز الفرص للاضرار بهم والإيقاع بأشخاصهم، والأمل فى إسقاطهم من الحياة العالية المرتفعة التى وصلوا إليها!!... ومن المتصور أيضاً أن هذا كله استتر وراء الغيرة على الدين، فمن هم هؤلاء الذين يجرؤون على رفع رؤوسهم تجاه « بيل » معبود نبوخذ ناصر ومعبودهم؟!.. وأنهم ينبغى أن يكونوا أوفياء أمناء تجاه آلهتهم العظيمة التى ينبغى أن ترتفع على كل الآلهة التى يتعبد الناس لها فى الأرض!!.. كانت شكوى الكدانيين على الثلاثة الفتية خليطاً من البواعث الدفينة والظاهرة، التى تمتزج فى حياة الناس، وتكون حقدهم وتعصبهم وضغينتهم وانتقامهم دروا بها أو لم يدروا على حد سواء!! الثلاثة الفتية وولاؤهم للّه كان ولاء الثلاثة الفتية للّه نموذجاً من أروع نماذج الولاء فى كل العصور ويخيل إلى أن هناك علاقة بين أسمائهم العبرية، وهذا الولاء، ويمكن أن نأخذ صورة منها، فاسم أحدهم « ميشائيل »... أو « من مثل اللّه!!؟ أو من هو الإله الذى يمكن أن يكون نداً ومثيلا للّه!!؟ لا أحد!!... وهيهات أن يكون له مثيل بين الآلهة أو تماثيلها وأنصابها أيضاً!!.. فليصنع نبوخذ ناصر تمثالا لبيل، وليطلق على ميشائيل اسم ميشخ أو من هو مثل « آخ » معبود القمر،... فهذا أمر لا يقبله ميشائيل، حتى ولو تحول أشلاء تذروها الرياح، فمن مثل اللّه عنده؟!!.. ومن فى السماء أو الأرض يدانى اللّه أو يقاربه؟..!! ألم يغن موسى فى بركته التليدة: « ليس مثل اللّه يايشورون. يركب السماء في معونتك والغمام فى عظمته. الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت » " تث 33: 26 و27 "... وألم يقل إشعياء: « فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس » " إش 40: 25 " بمن تشبهوننى وتسووننى وتمثلوننى لنتشابه " " إش 46: 5 ".. وألم يهتف ميخا: « من هو إله مثلك غافر الإثم، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه، » " ميخا 7: 18 "... وقد كان ممتنعاً على الإسرائيلى لهذا السبب أن يحاول تصوير اللّه فى أية صورة أو نصب أو تمثال يتقرب به إليه، ومن ثم جاءت الوصية: لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق، وما فى الأرض من تحت، وما فى الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأنى أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء فى الجيل الثالث والرابع من مبغضى » "خر 20: 4 و5 "... والعبرانى بهذا المعنى لا يقبل أن يرى آلهة بجانب اللّّه، أو تمثالا أو صورة يتقرب بها إليه، مهما بلغت ذروة الفن أو الجمال،... لأنها - فى أفضل الحالات - ليست إلا مسخاً لجلاله الفائق الحدود!!... فإذا أضفنا اسم «حنانيا » إلى اسم ميشائيل، نعرف سبباً آخر للولاء للّه، فنحن لا نعظم اللّه لمجرد أن عظمته لا تحاكيها أو تدانيها أية عظمة أخرى، وهو أعلى من السموات التى ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقه!!... إن السبب الثانى للولاء هو حنوه ومحبته وجوده وإحسانه، إذ أنه اللّه الحنان المشفق الرحيم الجواد، الذى يمطر علينا بالإحسان والعطف والمحبة والرأفة!!.. لقد أدرك الثلاثة الفتية حنان إلههم فى قلب الأسر والسبى والمتاعب والالام، فهو لم يكتف أن يجنبهم أهوال الاستعباد التى كان يمكن أن تطحنهم طحناً، كعبيد أسروا فى الغزو والحرب، بل رفعهم وعظمهم وجعلهم سادة على مستعبديهم، وقادة فى ولاية بابل،... فإذا جئنا إلى عزريا أو « اللّه يعين » أدركنا أن اللّه لم يتخل عن شعبه فى وقت المأساة والضيق، بل كان على العكس، أقرب ما يكون إليهم، وهم لا يدرون،...: « وقالت صهيون قد تركنى الرب وسيدى نسينى. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك. هوذا على كفى نقشتك. أسوارك أمامى دائما ».. " إش 49: 14 - 16 "ولست أظن أن الولاء المسيحى للّه يعرف أسباباً أفضل من عظمة اللّه، وحنوه، وعنايته التى ظهرت فى شخص يسوع المسيح مخلصنا، وعندما أوقد الشيطان أتونه العظيم ضد الكنيسة، وأثار عليها أرهب وأشنع صور الاضطهاد عادت مرة أخرى بطولة ميشائيل وحنانيا وعزريا فى آلاف الآلاف الذين غنوا فى قلب الأتون المحمى سبعة أضعاف وصار ناراً مشتعلة بحبهم العظيم للّه فى يسوع المسيح الرب والمخلص!!فإذا تحولنا من سر الولاء إلى مظهره، رأيناه أولا فى الشجاعة الخارقة، وهل يمكن أن يعرف العالم شجاعة أعلى وأسمى من شجاعة الشهيد الذى تبدو الصورة الأولى لشجاعته فى انتصاره على نفسه، قبل أن ينتصر على إنسان أو مخلوق آخر؟!، وعندما ينتصر الإنسان على نفسه فإن ألف نبوخذ ناصر لا يستطيعون أن يفعلوا معه شيئاً. عندما هدد الإمبراطور يوحنا فم الذهب، قائلا إنه يستطيع أن يفعل ضده الكثير، قال له القديس القديم،: إنه أعجز من أن يفعل معه شيئاً، وإذ قال هل: أنفيك... قال الذهبى الفم: إن أى مكان ترسلنى إليه، سأجد هناك صديقى الذى لا تستطيع أن تفصلنى عنه!.. وإذ قال له: آخذ ثروتك أجابه: إنك لا تستطيع، لأن لى كنزاً فى السماء لا تصل إليه يدك!!.. وإذ قال له: أقطع عنقك... كان الجواب: يوم تفعل ذلك فإنما أنت تحرر الطائر السجين من القفص الذى حبس فيه... وأدرك الإمبراطور أن إنساناً كهذا لا يمكن قهره على الإطلاق،.. كان انتصار الفتية الثلاثة، أولا وقبل كل شئ، انتصاراً على النفس، فلم يعد واحد منهم يفكر فى الشباب الذى يترصده الموت على أرهب صورة،... ولم يعد واحد منهم يفزع من أجل المنصب الذى يوشك أن يضيع، ولم تعد الحياة بجملتها، بما فيها من متعة وجلال، ومجد أرضى، تساوى قلامة ظفر، تجاه مجد اللّه وجلاله وعظمته وخدمته!!.. ألم يأت بعدهم بمئات السنين من قال: « والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيداً بالروح لا أعلم ماذا يصادفنى هناك، ولكننى لست أحتسب لشئ ولا نفسى ثمينة عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التى أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة اللّه » " أع 20: 22 - 24 "؟!عندما انتصر الفتية الثلاثة على أنفسهم، استطاعوا الانتصار على الامبراطور العظيم الطاغية،... ومن العجيب أن ثلاثة عزل من كل سلاح، يقفون أمام أعظم إمبراطور فى عصره، الامبراطور الذى دانت له الدنيا، وقهر الممالك، وأذل أعناق الرجال،... ولعل هذا الامبراطور فى معركته مع الفتية لم تقع عينه قط على من هو أجرأ أو أشجع منهم على الإطلاق، كيف لا، وهم ينادونه باسمه دون تملق أو زلفى أو خوف أو فزع أو مداهنة أو رياء، ومن غير إضافة أى لقب،... وفى الواقع، لا يمكن أن تعرف الدنيا فى كل الأجيال، جرأة كجرأة الشهيد الذى يخوض معركة الحق من أجل اللّه!!كانت المعركة بين نبوخذ ناصر والفتية، هى ذات المعركة القديمة، بين المنظور وغير المنظور، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الأمانة والحماقة، ومن المؤكد أنه لم يكن هناك تكافؤ بين الطرفين، فحسب النظرة البشرية كانت الكفة أرجح بما لا يقاس نحو رجل يملك قوة الدنيا بأكملها بين يديه، وبين ثلاثة من الأسرى المنبوذين الذين لا حول لهم ولا قوة وما هم إلا ثلاث من النمل تحت أقدام فيل رهيب ضخم ولكن حسب النظرة الأعمق، هم المسلحون بقوة رب الجنود إله إسرائيل!!فإذا عدنا ننظر إلى القوة التى يمتلكونها نجدها أشبه بدرجات سلم متصاعدة، أما الدرجة الأولى التى تمس الأرض فهى أنهم ثلاثة معاً وليسوا واحداً،... ومع أن كثيرين من أبطال التاريخ ذهبوا إلى معاركهم منفردين وراء ذاك الذى قال « دست المعصرة وحدى » " إش 63: 3 "... لكن المسيح نفسه، وهو القادر على كل شئ وله فى جثسيمانى أن يحس بوجود تلاميذه معه، وقال لبطرس وابنى زبدى،: « أمكثوا هنا واسهروا معى » " مت 26: 38 ".. « أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟ " مت 26: 40 " كان من أقسى ما عانى فى جثسيمانى وحدته تجاه أكبر معركة مرت فى التاريخ،... وما أجمل أن يجد الإنسان منا فى لحظات المحن والمتاعب والتجارب والآلام، من يؤنسه بكلمة أو يبتسم له أو يشجعه أو يعينه بأية صورة من الصور،... وقد وجد الفتية الثلاثة هذا التشجيع فى الشركة التى تربطهم فى الإيمان والمصير!!.. عندما وقف لاتيمار مع صديقه ردلى وقد حكم عليها بالموت حرقاً... قال لاتيمار لزميله: تشدد فإننا سنضئ اليوم فى انجلترا كمشعل بنعمة اللّه لن ينطفىء أبداً!!وكانت الدرجة الثانية من السلم يقين الفتية بأنهم يدخلون معركة نبيلة شجاعة من أعظم وأروع المعارك على ظهر هذه الأرض، وقد سبق فى دراستنا للشخصيات أن أشرنا إلى ما قاله جورج فرند سبرج وهو قائد من أعظم القواد الألمان لمارتن لوثر، وهو يدخل باب مجمع ورمس لمحاكمته التليدة الرهيبة: « أيها الراهب المسكين... إنك ذاهب إلى معركة أنبل وأعظم من كل المعارك التى خضتها أنا، أو أى واحد من القادة، فإذا كانت قضيتك عادلة فتقدم باسم اللّه »... وكما تقدم الثلاثة الفتية العظام، تقدم مارتن لوثر إلى معركة الإصلاح التى لم تغير تاريخ أوربا فحسب، بل غيرت التاريخ المسيحى كله!!على أن الدرجة العليا فى السلم، كانت يقين الفتية أنهم لا يدخلون المعركة منفردين،... إذ لم يكن هذا هو الاختبار الأول لهم، فقد سبقت لهم النجاة من يد الرجل البطاشة، عندما أعلن اللّه لدانيال على صورة معجزية خارقة للعادة حلم نبوخذ ناصر وتفسيره،... إنهم يؤمنون بإله قوى قادر على كل شئ، وعندما يرون نبوخذ ناصر أمامهم، فى ضوء اللّه، يضحى العاتية الجبار أقل من نملة تدب على الأرض، وهم لذلك يخاطبونه بدون لقبه، قائلين: « يانبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر، هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته »... " دا 3: 17 و18 " وجند الطاغية كل قواه وسلطته، فالأتون يحمى سبعة أضاف، الفتية يقيدون، وأقوى رجال الحرب يقذفون بهم فى قلب الأتون، والنار الملتهبة فى شدتها وعنفها تقضى على القاذفين!!.. الثلاثة الفتية ونصرهم العظيم فى معسكرات الاعتقال الشيوعية، قبض على جمع من الشباب، وكانوا عشرين على ما أتذكر، ودخل الضابط الشيوعى، وعدهم قائلا أنتم عشرون وقال شاب: لا، بل نحن واحد وعشرون، وعد الضابط مرة أخرى،... وقال: أنتم عشرون. ورد عليه نفس الشاب: بل واحد وعشرون، وإذ أعاد العد، قال: ومن هو الواحد والعشرون!! فأجاب الشاب: إنه الرب يسوع المسيح!!.. وإذا كان المسيح معنا فى كل وقت، فإنه أدنى إلينا وألصق بنا ونحن فى الأتون،... ومن اللازم أن نشير إلى أن الثلاثة الفتية كانوا يؤمنون بالنصر، سواء عاشوا أو ماتوا!!.. فإذا عاشوا فهم شهود قدرته، وإذا ماتوا فهم أوفياء لمحبته، ومن المثير أن نبوخذ نصر قذف بهم موثقين، فإذ به يراهم محلولين يتمشون فى وسط الزتون، وما بهم ضرر ومعهم رابع شبيه بابن الآلهة،... لقد أخطأ الرجل أعمق الخطأ، سواء فى فهم قيودهم، أو فى فك هذه القيود،... لقد ظن أن يقيدهم بحبال البشر وما درى أن قيدهم الحقيقى هو حب اللّه، الذى يعيشون من أجله، ويموتون فى سبيله،... ولقد ظن أن النار ستأتى عليهم وعلى قيودهم معاً، وما عرف أو أدرك أنهم أحرار، يتمتعون بأكمل صور الحرية رغم قيودهم، أحرار فى ذلك الذى حل قيودهم وفكها، وسار معهم داخل الأتون الملتهب، دون أن ينالهم أدنى ضرر، إذ هو القائل: « فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً » " يو 8: 36 "ولا حاجة إلى القول إن القصة تتكرر فى كل عصور التاريخ بهذه الصورة أو تلك، من أتون التجارب ونيران الاضطهاد والمصاعب، ولكن ابن اللّه يظل هناك على الدوام، لا يتغير ولا يتبدل، مهما كانت النتائج التى تتمخض عنها الأحداث، وقد اشتعلت النيران طوال ثلاثة قرون فى مطلع التاريخ المسيحى، وحمى الأتون سبعة أضعاف،... ولكن المسيحية خرجت من قلبه، وجوليان الإمبراطورى يصيح: لقد غلبت أيها الجليلى!!... إن الدرس العظيم الذى يعطيه الثلاثة الفتية للعالم، إلى جانب الولاء المطلق للسيد، هو اليقين الذى لا يتزعزع فى جوده وحبه،... وفى وجوده على صورة خارقة عجيبة تفوق الإدراك والوصف، وتحير العقول وتذهلها كما تحير نبوخذ نصر وتعجب هو والمرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك وهم يرون « هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسادهم، وشعرة من روؤسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم " دا 3: 27 "!! هل لنا مثل هذا الإيمان، مهما تغيرت أو تلونت ظروف الحياة... ومهما أحاطت بنا الصعاب والمتاعب؟!!.. تحدث هنرى ورد بيتشر عن أبيه، وكان خادماً للّه، وقد مرت به ظروف قاسية صحية ومادية فى كثير من الأوقات، قال الابن: لا أنسى أننا كنا نتناول الشاى فى المطبخ، وإذا بأمى تقول لزوجها، وكانت هادئة وديعة،... لا أعلم كيف نواجه المصروفات والفواتير، وهى تخشى أن تموت فى بيت من بيوت العجزة المسنين،... وأجاب الزوج قائلا: ياعزيزتى: لقد وثقت باللّه طوال أربعين عاماً خلت، ولم يخذلنى قط طوال هذه السنين،... وأنا لست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه!!.. وقال بيتشر الابن: لقد أيقظتنى هذه العبارة، وكانت لى أفضل قانون للإيمان،... لقد اجتزت فى بكور أيامى بين المرض والفقر وألوان المتاعب والضيقات، دون أن تغيب عن ناظرى، أو يتباعد رنينها عن أذنى: « لقد وثقت باللّه أربعين عاماً، ولست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه »!! إنحنى نبوخذ نصر، إنحنى الملك العظيم أمام ملك الملوك ورب الأرباب، وسجل أمام اللّه والتاريخ فى مواجهة الأتون: « تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد نغو، الذى أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم. فمتى قد صدر أمر بأن كل شعب وأمة ولسان يتكلمون بالسوء على إله شدرخ وميشخ وعبد نغو فإنهم يصيرون إرباً إباًً وتجعل بيوتهم مزبلة إذ ليس إله آخر يستطيع أن ينجى هكذا.. حينئذ قدم الملك شدوخ وميشخ وعبد نغو فى ولاية بابل » " دا 3: 28 - 30 "نعم، وليكن اسمه مباركاً إلى أبد الآبدين آمين فآمين!!...
المزيد
23 ديسمبر 2020

غلطة العمر

كل إنسان معرض للخطأ, وقد يخطئ. وجلَّ من لا يخطئ ولكن غلطة معينة قد يرتكبها شخص, وتظل محفورة في ذهنه, لا ينساها, وقد لا ينساها له الآخرون... هي غلطة لا علاج لها, وتستمر نتائجها إلى مدى طويل. إنها غلطة العمر خيانة يهوذا مثلًا: لا شك أن ذلك الشخص كانت له أخطاء كثيرة في حياته. ولكن خيانته كانت هي الحدث الأكبر في كل حياته. ولم ينسَ له التاريخ تلك الخيانة, بل صارت مثلًا يُضرب, وقد هلك بسببها... كانت هي غلطة العمر بالنسبة إليه... مثل آخر: فتاة لها العديد من الأخطاء ومن العلاقات. ولكنها في إحدى المرات استسلمت للشهوة, وفقدت بكوريتها وحملت سفاحًا, سواء احتفظت بالجنين أو أجهضته... تظل هذه الغلطة تلاحقها طول حياتها, لا تنمحي من ذاكرتها مهما حاولت أن تخفى معالم الخطأ بطرق ملتوية. وإذا عُرفت عنها سقطتها, لا تغفرها لها أسرتها, ولا يغفرها لها المجتمع. إنها غلطة العمر. أو تلميذ في الجامعة, غش في الامتحان النهائي, وضُبط وتم فصله عامًا. وتخرّج أخيرًا. ولكن واقعة فصله بسبب الغش, تظل تلاحقه وتطارده في مستقبل حياته, وتصبح سبّة في تاريخه يتذكرونها له في كل وظيفة يتولاها ويعايرونه بها إن حدث منه خطأ آخر.. لقد كانت غلطة العمر. رئيس دولة كبيرة هو كلنتون Bill Clinton. كانت له مواهبه, ونجح في الانتخابات, وصار رئيسًا لأمريكا. وكان له محبون ومعجبون كثيرون به, وبدأ بنجاح في سياسته. ثم وقع في خطيئة مع مونيكا, وأمكن التشهير به, وأنكر واعتبرت المحكمة إنكاره كذبًا على القضاء. وانتهى الأمر بأن ترك رئاسة أمريكا, ولكن السمعة الرديئة لم تتركه, بل مُنع من ممارسة المحاماة. وكانت خطيئته مع مونيكا وإنكاره لذلك, هي غلطة العمر. وصارت درسًا للأجيال... مثل آخر في عالم الرياضة, هو مارادونا Diego Armando Maradona لاعب الكرة الشهيرة الذي كاد أن يصبح أسطورة في تاريخ كرة القدم بسبب فنه وتوالى انتصاراته... وقع في غلطة واحدة وهى أنه صار يتعاطى منشطات ثم مخدرات... وكانت النتيجة أنه أوقف مسيرة تاريخه, وفقد بطولته على الرغم من ملايين المعجبين به... وكانت غلطة العمر.أو شاب في منتهى القوة, وفي قمة نجاحه وتفوقه في كل مجال يعمل فيه, حتى صار موضع إعجاب كثيرين وكثيرات... حدث في مرة أنه سقط مع إحدى المعجبات في خطية جنسية. ولم يكن يدرى أنها مصابة بالإيدز, وانتقل المرض منها إليه. وأخذت صحته تتدهور ولم ينفع معه علاج. وفقد شبابه وقوته وعمله ومستقبله, بسبب هذه الغلطة الواحدة. ولكنها كانت غلطة العمر.رجل أعمال ناجح جدًا, واستطاع أن يكوّن ثروة كبيرة, وصارت له سمعة ممتازة واسم مرموق, بفضل مواهبه العديدة وإخلاص في عمله, وحزمه في الإدارة. ثم حدث أنه جرب القمار وكسب, وأعاد الكرّة ولكنه على مائدة الميسر خسر كل شيء... خسر ماله وسمعته ورهن أملاكه ثم باعها. وهكذا فقد كل ما كانت له من ثروة. وذلك بسبب غلطة واحده هي لعب القمار, ولكنها كانت غلطة العمر. وأبً كان يبذل كل جهده من أجل راحة أسرته ورفاهية كل أعضائه, ويسهر الليل والنهار في سبيل ذلك. ولكنه للأسف الشديد لم يكن له وقت يقضيه مع أولاده, ليشرف على تربيتهم بنفسه. وشرد الأبناء بعيدًا. الابن انضم إلى أصدقاء السوء, وابنته وقعت في حب شاب وتزوجته زيجة غير شرعية, إذ لم تجد الحنان الكافي من أبيها. وخسر الأب أسرته التي تعب كثيرًا من أجلها. وكان ذلك كله بسبب غلطة واحدة هي عدم تفرغه لتربية الأولاد. وكانت هذه بالنسبة إليه هي غلطة العمر. وفي مجال السياسة والحرب, ما أكثر الملوك والقادة والزعماء الذين أضاعوا تاريخهم كله من أجل غلطة رئيسية في سياستهم, لم يحسبوا حسابًا لنتائجها الخطيرة, ولكنها كانت غلطة العمر, مع إنهم كانوا في مجد وعظمة, ولكنهم فقدوا كل شيء... فلنابليون العظيم Napoléon Bonaparte غلطة حرب سببت له الهزيمة بل أيضًا انتهت بالقبض عليه وإذلاله. وهتلر Adolf Hitler الذي كاد في وقت من الأوقات أن يصبح أسطورة... وشاوشسكي في حكمه وقلة حكمته... كل هؤلاء أضاعتهم غلطة العمر إن فشل الإنسان عمومًا لا يرجع إلى أن حياته كلها كانت أخطاء. وإنما غلطة واحدة خطيرة يمكن أن تضيعه...!إن كوبًا مملوءًا بالماء, تكفى لتعكيره نقطة واحدة من الحبر تسقط فيه. وكذلك صحة قوية يكفى ميكروب واحد خطير أن يقضى عليها... لذلك يجب على كل إنسان أن يكون حريصًا جدًا في حياته ويبتعد عن مثل هذه الأخطاء. لأن ثقبًا واحدًا في سفينة الحياة قد يؤدى إلى غرقها... ومن الله الرحمة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل