المقالات

04 فبراير 2021

شخصيات الكتاب المقدس المرأة الشونمية

وفي ذات يوم عبر اليشع إلى شونم، وكانت هناك امرأة عظيمة... مقدمة تختلف مقاييس الناس اختلافا بينا كبيراً حول تحديد من هو العظيم في هذه الأرض!! ولاشك أن الكثيرين جداً يحكمون على العظمة بالنظر إلى الظاهر في الإنسان، فالإنسان عظيم على قدر المظهر الذي يعيش به بين الناس، وهذه العظمة، ليست في الواقع إلا عظمة القشور، وقد رفضها المسيح وهو يتحدث عن عظمة المعمدان قائلاً: «لكن ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك.... الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...»، ولو كانت القشور هي العظمة الحقيقية، لخرج لا الرسول بولس أو التلاميذ فحسب، بل لخرج المسيح نفسه الذي لم يكن له أين يسند رأسه.. وقد يقيس آخرون العظمة، على قدر ما يملك الإنسان من نفوذ أو سيطرة أو استبداد أو طغيان، ومن ثم جعلوا في القمة بين العظماء، جبابرة الحروب أمثال الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم، أو من وصفهم السيد بالقول: «إن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم».. وقد يرى آخرون العظمة في المفكرين والفلاسفة ممن يرفعون مصابيح النور ومشاعل المعرفة هداية للحائرين في الطريق الإنساني المظلم، ومن ثم عدوا في مقدمة العظماء سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة القدامى والمحدثين، ووجد من قاس العظمة عند المخترعين والمكتشفين والعلماء من رواد الطريق إلى الحضارة والمدنية والرفاهية بين الناس، لكنني أعتقد أن العظمة الحقيقية تبدأ من عظمة الإنسان على نفسه، وانتصاره على ما في أغوارها من باطل، والعثور على معنى وجوده ورسالته في الأرض، والخدمة والتضحية والبذل، وقد كانت الشونمية بهذا المعنى واحدة من العظيمات اللواتي سطرت عظمتها في وحي الكتاب بأحرف بارزة جليلة، وقد يكون من الخير والحق أن نتأمل قصتها العظيمة فيما يلي من صور: من هي الشونمية لم يذكر الوحي لنا اسم المرأة، ولا نعلم سوى أنها من قرية شونم، والتي كانت تقع على بعد خمسين ميلا إلى الشمال من أورشليم، وإلى سبعة أميال إلى الجنوب من المدينة التي عرفت فيما بعد بالناصرة والتي عاش فيها المسيح مخلص العالم، ومع أننا لا نعرف الكثير عن حياة هذه المرأة، إلا أننا نعلم أنها كانت من الطبقة المتوسطة الغنية، وأن بيتها كان من البيوت الظاهرة في القرية، بل وربما أغناها وأيسرها، وأن لقمة العيش كانت سهلة وميسورة، وأنها كانت تملك أرضًَا، تدر عليها الوفير من العيش والحياة، وأنها يوم اضطرت إلى الهجرة لمجاعة طارئة رد الملك لها أرضها المغتصبة، والحياة كانت هادئة وطيبة للمرأة، حتى أن أليشع عندما سألها عما اذا كان يعوزها شيء، ردت بأنها ساكنة في وسط شعبها، لا تقلق أحدا، ولا أحد يتعرض لها بالإقلاق أو المضايقات أو الترفع على من حولها من القرويين أو الريفيين كما يفعل بعض الثراة أو الأغنياء من أهل الريف، بل يبدو أنها كانت امرأة وديعة مجبولة على روح الوداعة والتواضع، وكانت المرأة لها أكثر من ذلك الكرم القروي الطبيعي غير المتكلف، فهي لا تعطي فحسب، بل تسر بالعطاء والجود والكرم، وعلى وجه الخصوص الضيوف العابرين في الطريق، والغرباء الذين يحتاجون إلى معونة ومساعدة، على أن المرأة تميزت أيضًا بالتقوى العميقة الصادقة، فكل حركاتها وسكناتها، وكل مشاعرها وعواطفها، وكل ما صدر عنها من أفعال أو انفعالات كانت تكمن وراءه روح امرأة تقية عميقة التقوى، تخاف الله وتحبه، وتقبل منه الآلام والآمال، بوداعة وتسليم ورضا وخشوع وسكينة وحب!! ولعل هذه كلها هي التي أعطتها ذيوعًا وشهرة أكثر من زوجها، الذي أخذ مكانه في الظل إلى جوار شخصيتها القوية العظيمة الواضحة!!.. الشونمية ومظاهر عظمتها وإذا كانت الشونمية، توصف في المعنى العام بالمرأة العظيمة إلا أن مظاهر عظمتها قد ظهرت على وجه الخصوص في بعض المواقف الموثرة البطولية في عرض حياتها وسيرتها، ويمكن أن تراها بوضوح فيما يلي: عظمة التقوى رغم الحرمان من السهل على الإنسان أن يتصور التقوى تسير سيرها المطرد المستمر، مع نجاح الإنسان أو خيره، أو سلامته، أو مدى ما يتمتع به من دسم أو وفرة، ومع أن المرأة الشونمية كان لها الكثير، لتشكر الله عليه، وتغني بالحمد لجلاله، إلا أنها رغم ذلك كانت محرومة من أغلى ما كانت تحن إليه المرأة اليهودية في ذلك الوقت، بل أن هذا الحرمان كان يصور في كثير من الأوضاع والصور، كغضب الله أو قسوته أو شدته، عندما تكون المرأة عاقرًا لا تنجب أو تلد، ولعلنا نذكر المذلة التي كانت تفيض بها مشاعرها من هذا القبيل، ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال سارة ورفقة وراحيل وحنة وغيرهن من النساء، ألم تؤثر راحيل الموت على حياة العقم وعدم الإنجاب، وألم تبك حنة في مرارتها القاسية في بيت الله لأنه لم يكن لها ولد!! ولعل الشونمية التي ظلت سنوات كثيرة بلا ابن، قد بكت مرات بلا عدد أو حصر وهي أمام الله في الصلاة، أو في عزلتها من الناس، أو ربما أمامهم، وهي تنشد الولد أو تحن إليه، ولكنها مع هذا كله لم يعرف منها أو عنها قط حياة التذمر أو التمرد أو الشكوى أمام الله والناس، لقد كانت في حرمانها المرأة التقية الزكية الإحساس المفعمة بالتسليم والسكينة والرضا لقضاء الله وأمره، كما كانت بعد مجيئة، ذات المرأة الممتلئة بكل عرفان وشكر وحمد لرحمته وإحسانه وجوده، بل لعلها كانت تقول مع أيوب، عندما تتعرض للإحساس بتجربة لتذمر «هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئًا فقط أزكي طريقي قدامه...» أجل كانت المرأة في كل عقهما، وبكل عمقها، مظهرًا عظيمًا لتقوى المحرومين من هذا أو ذاك أمام الله.. عظمة الخدمة دون انتظار الأجر ولعل المظهر الثاني لعظمة هذه المرأة كانت روح الخدمة التي تتملكها، دون أدنى تفكير في رد أو جزاء بشري، لقد خدمت أليشع وتعبت في خدمته، على النحو الذي أثار الرجل وحرك مشاعره، فناداها، يطلب إليها أن يرد بعض المعروف مقابل ما سبب لها من انزعاج واهتمام ومتاعب، ولكن المرأة تجيب بأنها لا حاجة لها إلى شيء وهي ساكنة آمنة في وسط شعبها، لقد أوغلت في خدمتها إلى أليشع حتى أنها بنت له في بيتها علية يأوى إليها كلما جاء أو عبر الطريق، دون أن تنتظر جزاء أو شكراً، سوى احساسها العظيم بلذة الخدمة نفسها اللذة التي لا يستطيع أن يدركها سوى أولئك الذين خرجوا من نفوسهم إلى الآخرين، ومن الأثرة إلى الإيثار، ومن محبة الذات إلى محبة الجميع، كل من يمد يده إلى المتعب والغريب والضائع والمشرد والبائس والباكي وما أكثرهم في كل زمان ومكان على ظهر هذه الأرض!!.. عظمة السلام رغم وقوع الكارثة على أن المرأة تبدو في أروع صور العظمة عندما يموت ولدها الوحيد، قرة عينها، وبهجة قلبها، والذي جاء بعد ما ذكرنا من الحرمان القاسي لسنوات متعددة طويلة، والذي عاش سنوات بلغ فيها مرتبة الصبي، التي تجعله يخرج من البيت ويذهب لأبيه في الحقل، أو يجري هنا وهناك كما يجري سائر الأولاد اللاعبين الضاحكين مثله وفي سنه، وقد جاءت الضربة مفاجئة وغير متوقعة إذ كانت ضربة شمس وهو عند أبيه في الحقل، وكانت مسرعة وقاسية ومذهلة، فما أسرع ما يصل الصبي إلى أمه، حتى يموت قرب الظهيرة في حجرها، وهنا يقف الإنسان أمام مشهد من أدق وأقسى المشاهد التي يمكن أن يراها المرء في حياة الناس، كيف تواجه المرأة الكارثة وتتصرف إزاءها! لقد تحولت في دقائق ولحظات إلى أعظم صورة يمكن أن تتصورها من العظمة في مواجهة الفاجعة والآلام، ومع أن المرأة في العادة لا تنصرف بمفردها في مثل هذه المواقف التي تهزم أصلب الأعواد وأشجع القلوب، إلا أنها مع ذلك حرصت على ألا يعلم زوجها شيئًا عن الأمر، إذ قصدت أن تلوذ برجل الله والذي لم يكن في بيتها بل كان في الكرمل على بعد عشرة أميال على الأقل، وإذ يستفسر الزوج عن سر ذهابها تجيب بكلمة واحدة: سلام... وعندما تقترب من النبي، ويفزع إذ يراها مسرعة إليه فيرسل جيجزي بسؤال واحد: أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد تجيب أيضًا بكلمة واحدة: سلام! وكيف يمكن أن يكون هناك السلام للنفس التعسة الحزينة المرة المفجوعة بل للنفس التي راضت حياتها على الصورة الأولى من غير ولد، وكان يمكن أن تستمر هكذا حتى استيقظ فيها الأمل بمجيء الغلام الذي أضحى هو الحياة بل أهم من الحياة عندها؟ كيف يمكن أن يكون السلام وقد كانت في قصتها الأولى كمن يسير قريبًا من الأرض لا يهتز إذا سقط عليها، ولكنه سرعان ما يصعد إلى أعلى الأدوار ليسقط، ولا يترضض فقط، بل ليتهشم تهشيمًا، ويضحي أشلاء تذروها الرياح، وكيف يمكن للإنسان أن يصل إلى السلام عندما يعصره الألم، وينضح بالتعاسة والدموع! هذا موقف من أندر المواقف وأقساها، ولو أن المرأة واجهته بما لم تواجهه امرأة أخرى إذ تغلق على ولدها ولا تذرف دمعة، ولا يعلو صوتها بتشنج أو نحيب، بل تذهب بصمت مليء بالمرارة إلى رجل الله، لكانت من أعظم النساء اللواتي عرفن في مواجهة الصدمات بشجاعة وصلابة وصبر في هذه الأرض، لكن المرأة ارتفعت فوق المرارة والآلام والتعاسة والأحزان التي لا توصف بشيء أسمى وأعلى وأمجد!!... لقد كانت أشبه بالطائر المرتفع الذي يشق طريقه إلى أعلى السموات مرتفعًا فوق الغيوم والسحب والأمطار ليواجه الشمس المشرقة الرائعة العظيمة، لقد واجهت المرأة المحنة بإيمان عجيب، قل أن يكون له نظير أو مثيل في حياة الناس، لقد آمنت أن الولد الذي جاء بمعجزة، سينهض من الموت ويقوم أيضًا بمعجزة، وقد حول هذا الإيمان نارها الملتهبة سلاماً وعذابها الذي لا يوصف هدوء وسكينة، لايمكن أن تكون من صنع الإنسان أو من قدرة ذاتية عنده، بل من روح الله وشخصه المبارك الذي لا يترك المؤمن، بل يجتاز معه الأتون المحمي سبعة أضعاف ويخرجه منه على نحو خارق من البهاء والجمال والعظمة على مشهد من الجميع ويصورة تذهب مضرب المثل كلما ذكرها الناس كواحدة من أقسى التجارب في حياة البشر على هذه الأرض!! وهل هناك عظمة يمكن أن تداني هذه العظمة في مواجهة المحن والآلام. الشونمية وجزاؤها المبارك كانت الشونمية، وهي تأخذ جزاءها من الله، أشبه بذلك القديس الذي تذكر القصة الخيالية أن الله طلب منه أن يختار أية عطية سيمنحها له المولى مهما كانت غالية وعظيمة وكريمة وأبي القديس وهو يقول الله: لقد أعطيتني ياسيدي فوق ما أطلب أو أحتاج، وأنا أسير إحسانك وجودك، ولا يعوزني قط شيء من الخير، وأجابه الله: ولكني أريد أن أعطيك أكثر فاطلب ما تشاء أو تريد!.. وقال الرجل: إذا كان ولابد يا مولاي!! فاني أرجو أن تعطيني أن أفعل الخير دون أن أحس إني فعلته أو قمت به!! وقال الله له: ليكن لك ذلك!.. وكان الرجل يسير فإذا وقع ظله على مريض شفي وبريء دون أن يشعر!! ولعله من الملاحظ أن المرأة لم تطلب الولد عندما سألها أليشع ولكن الولد جاء نتيجة ملاحظة جيحزي، إن البيت خال من ابن! لقد قدمت المرأة خدمتها وترحيبها وعطاياها تحت إحساسها العميق، بأن هذا ليس من واجبها فحسب بل هو امتيازها الأعظم أيضًا، ورأى الله أن المرأة أقرضته وأعطته وهو لا يقبل أن يكون مديونًا لأحد، وهو إذ يعطي إنما يعطي أضعافاً مضاعفة لا يمكن أن توازن بما يقبل أو يأخذ، ألم يقل السيد: «من يقبل نبيًا باسم نبي فأجر نبي يأخذ ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ ومن سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره».. وهل ضاع أجر المرأة، ألم تأخذ الولد، ولم تأخذه مرة واحدة في الحياة. بل أخذته مرتين؟ وألم تأخذ خيرًا سابقًا ولاحقاً لما قدمت لرجل الله من ضيافة أو كرم، عندما فاض عليها الله بالخيرات الكثيرة في بيتها، وعندما حفظ الله لها أرضها طوال المجاعة التي استمرت سبع سنوات، واغتصب الغاصبون حقلها، فلم يرد لها الملك الحقل عندما صرخت إليه فحسب، بل رد لها أكثر من ذلك غلاته التي أخذت طوال فترة غيابها عن شعبها وبلادها، طوال السبع السنوات من المجاعة القاسية. أيتها الشونمية العظيمة! هل يتعلم الناس، وهم يبحثون عن العظمة كيف تكون أصلا في العادي من الحياة في السماحة والجمال والدعة والخدمة بينهم، قبل أن تكون في طلب الخوارق والعجائب والمعجزات، والله على استعداد أن يعطي هذه وتلك، لمن يعيش ويحيا كما عشت وحييت، وكنت بحق في الحالتين كما ذكر الوحي «وفي ذات يوم عبر أليشع إلى شونم وكانت هناك امرأة عظيمة».
المزيد
03 فبراير 2021

الغش والخداع

ما أكثر أنواع الغش والخداع وعلى الإنسان الحكيم أن يحترس منها جميعًا. وقد يُخدع بها البسطاء. وللأسف حتى العقلاء أحيانًا ينخدعون إن بالغوا في ثقتهم بالآخرين، ولم يفحصوا، ولم يدققوا كما ينبغي. وبخاصة لأن كثيرًا من الذين يخدعون الغير أذكياء، غير أنهم يستخدمون ذكاءهم في الخطيئة أو الشر. وسنحاول هنا أن نتحدث عن بعض أنواع الغش والخداع: 1- الغش في تقديم المعلومات:- وذلك بأن يقدم الشخص مفهومًا مخالفًا للحقيقة: بأن يعرض أنصاف الحقائق، أو أجزاء من الحقائق، لأن ما يخفيه سيُظهر عكس ما يقول. أو يقدم أسبابًا ثانوية أو تمرَضية بدلًا من الأسباب الأساسية. أو يذكر بيانات كاذبة لتصديقها اعتمادًا على الجهل بحقيقة الموقف. أو يستخدم وسائل تكنولوجية حديثة في فبركة الأخبار أو فبركة الصور، وما أكثرها في هذه الأيام. أو أنه يخدع غير الدارسين بذكر معلومات يدعى نسبتها إلى مصادر لا يكون في مقدورهم الإطلاع عليها والتأكد منها. أو ينشر أخبارًا بعناوين مثيرة، بينما من يدقق في قراءة المحتوى لا يجده يثبت ذلك وما أكثر الطرق في الخداع بالمعلومات الخاطئة أو المبالغ فيها إلى حد بعيد، ولكنها تترك تأثيرها في من لا يتقن الفحص والعمل على تقصى الحقائق، أو من لا يجد وقتًا لذلك. 2- الجاسوسية هي لون آخر من الخداع:- وذلك على مستوى الدول وليس مجرد الأفكار. ويعمل في هذا المجال أشخاص مدربون تدريبًا دقيقًا، ولهم قدرة على التخفي، والظهور بغير حقيقتهم، والإدعاء بأنهم مواطنون مخلصون. ويعرفون كيف يندسّون في الأوساط التي يريدون كشفها للعدو، بحيث لا يلاحظهم أحد... وغالبًا تمضى عليهم مدة طويلة دون أن تظهر حقيقتهم. وبالنسبة إلى البعض ربما لا تظهر حقيقتهم على الإطلاق إلا بعد رحيلهم أو فوات الفرصة. وهم أيضًا مزودون بأجهزة تساعد على أداء مهمتهم، سواء في التصنت أو التصوير أو طريقة إرسال المعلومات... 3- الغش عن طريق التزوير:- هناك أشخاص لهم دراية عجيبة في تزوير الإمضاءات، أو تزوير الأختام، أو تزوير الوثائق الهامة بوجه عام... وربما يستخدمون التزوير في حسابات البنوك، أو في الشهادات والبطاقات. أو قد يسرقون بطاقة شخص ويستخدمونها لشخص آخر. أو يقومون بتزوير شهادات يقدمونها إلى المحاكم لكسب قضية معينة. أو قد يكون التزوير لكسب المال، أو للانتقام من شخص معين، أو الإيقاع به، وما إلى ذلك.. 4- التزوير في العملية المالية، وفي المعاملات المالية:- كأن يقوموا بتزوير ورقة مالية من فئة الجنيه، أو من فئة الدولار. ولا يستطيع كشف ذلك إلا الخبراء المتخصصون أو من تعاملوا مع ذلك. ولكن عامة الشعب قد لا يستطيعون أن يفرقوا بين العملتين المزيفة والسليمة.ومن جهة التزوير في المعاملات المالية: من يحاول أن يقدم تقريرًا مزورًا عن ذمته المالية، أو عن موقفه من الضرائب المطلوبة منه، أو موقفه من الجمارك... لكي يفلت من مطالبة الدولة له... 5- الغش في التجارة، وفي البيع والشراء:- مثل الغش في المكاييل والموازين والمقاييس، أو الغش في نوع البضاعة، أو عرض بضاعة فاسدة كأنها بضاعة سليمة، أو الغش في الثمن، أو تقديم بضاعة يقولون إنها (مضروبة). أو شيء على أنه جديد بينما يكون قد سبق استعماله. أو الغش في بيع عقار يكون ملكًا لآخر، والشاري لا يدرى، أو يكون مرهونًا أو عليه ديون لم تدُفع.ولعل من أخطر أنواع الغش، الغش في الأدوية وبخاصة التي تتوقف عليها حياة المريض، أو يتوقف عليها علاجه... 6- الغش في الزواج:- كأن يتزوج شخص امرأة على أنها بكر، وهى ليست كذلك، أو قد فُضّ غشاء بكارتها وعولج ذلك شكليًا بطريقة الخداع. وهذا النوع من الغش يمكن أن يُحكم فيه قضائيًا ببطلان الزواج.أو قد يقدم طالب الزواج شهادة (عدم موانع) تكون مزورة، أو يكون مرتبطًا بزيجات أخرى ويخفيها... أو مريض بمرض خطير ومُعدي ويخفيه، أو مصاب بعجز جنسي كامل ويخفيه وهناك أنواع خداع أخرى قد لا تنكشف إلا بعد الزواج هذا كله غير خداع آخر يحدث داخل نطاق الزيجة، ربما تكون من نتائجه ما يُسمى بالخيانة الزوجية... 7- الغش في المودة وفي الإخلاص:- ليست كل مودة يظهرها الإنسان لغيره تكون مودة خالصة نقية. فقد تكون أحيانًا مظهرية وتكشفها الأحداث فيما بعد، أو لا تنكشف مختفية وراء ألوان من الرياء أو النفاق أو الخداع. وفي كل ذلك لا يكون الشخص مخلصًا لمن يتظاهر بمحبته أو بالولاء له. ويظهر هذا أيضًا في تملق بعض الموظفين لرؤسائهم وللمسئولين عنهم في العمل أو في الهيئات التي ينضمون إليه ومن أمثلة المودة الزائفة، ما يظهره شاب نحو فتاة من الحب، أو من رغبته في الزواج بها، حتى تطمئن إليه وتصدمه ثم يتخلى عنها أخيرًا بعد فترة من الخداع والكلام المعسول. ويكون ما أظهره من مودة أو حب، إلا لونًا من اللهو أو الشهرة وليس غير..! ولعل أخطر نوع من المودة الزائفة، الذي يكون في حقيقته عدوًا، وفي خداعِ يبدو كأنه صديق. وعنه قال الشاعر: ويا لرُبّ خدّاع من الناس تلاقيهِ يعيبُ السمّ في الأفعى وكل السمّ في فيهِ 8- هناك أيضًا الغش في الامتحانات:- وهذا أمر معروف ويحدث كثيرًا بين تلاميذ المدارس. أما بالنسبة إلى الكليات الجامعية، فمن الصعب أن يكون هناك غش في الامتحان الشفهي أو العملي. ولكن يمكن أن يحدث الغش في الامتحان التحريري هناك أنواع أخرى من الغش والخداع، ربما تظهر مثلًا في من يخدع الناس بالبر والتقوى وهو غير ذلك تمامًا، أو من ينسب إلى نفسه معلومات تكون لغيره، كما يحدث في السرقات الفكرية أو الشعرية لكنني أكتفي بما قلته الآن بإيجاز، فموضوع الغش والخداع واسع ومتفرع ومتنوع، مما لا يسمح به المجال. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
02 فبراير 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (19) الإيجابية المسيحية

مفهوم الإيجابية المسيحية وضرورتها .. + المبادرة للخدمة وعمل الخير .. الايجابية بالمفهوم المسيحى تعنى المبادرة الشخصية وعمل الخير والمشاركة والاضافة فى الناتج العام لحياة الاسرة والكنيسة والمجتمع، والحركة الديناميكية الفاعلة والنجاح والتميز فى مختلف مجالات، سواء فى الحياة الروحية او العملية أوالأجتماعية أوالوطنية بما يبنى الأنسان وكنيسته ومجتمعه ومستقبله السمائى ، اما السلبية والتى تعنى الأنعزال والتقوقع وعدم المشاركة فهى عدم تحمل المسئولية وعدم الأمانة فى الوزنات المعطاة لنا من الله . ان إيماننا المسيحي يدفعنا الى المحبة والبذل والإيجابية وان نكون نورا للعالم وملحا فى الارض{ انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16. + الإيجابية المسيحية تعنى التقدم الى الأمام .. ان المؤمن يسير فى الطريق الى الله بتقدم مستمر فى حياة التوبة والنمو الروحى والعملى وان ينسى ما هو وراء متعلماً منه وبانياَ عليه ويمتد الى قدام سعياً إلى التقدم والنجاح. ان الأنسان كائن أجتماعي بطبعه لا يستطيع ان ينعزل عن مجتمعه الذى يعيش فيه، لقد اصبحنا نحيا فى عصر السموات المفتوحة والتلفاز والنت والتلفون المحمول نتصل ونتواصل مع الآخرين فى قارات شتى. ومن العلاقات الاسرية المحدودة نمتد لنصل الى العلاقات العائلية والاجتماعية فى المجتمع المحيط بنا وفى نطاق الدراسة والعمل والمواصلات والشارع ، تشعبت العلاقات وتعقدت وتباينت ويعتمد مدى نجاحنا فى الحياة على مدى قدرتنا الإيجابية على كسب الأصدقاء والتاثير على الناس . كما اننا فى أمس الحاجة للتأقلم مع المتغيرات الكثيرة الحادثة على مجتمعاتنا بروح إيجابية منفتحة على الأخر ، تقبله وتحبه وتتعاون معه للتغلب على المشكلات الى تواجهنا فى مختلف نواحي الحياة . فهو شهادة حية لإيماننا الاقدس دون تواكل أو هروب من مواجهة التحديات { فاجبتهم و قلت لهم ان اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني }(نح 2 : 20) لقد اعطانا الله نعمة العقل والحكمة ووهبنا السلطان ان نعمل فى الارض ونفلحها ونتغلب على التحديات بالحلول الموضوعية والعملية بالعمل والعرق والدم والكفاح، فما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا .ان الماضى والتاريخ كتبه الابطال والقديسين والعاملين بامانة واخلاص وابداع وهكذا الحاضر والمستقبل يعمل مع من يعمل، فهل نريد ان ننهض من رقاد الكسل ونبنى مسقبلاً أفضل ؟ علينا ان نبدع ونعمل بإيجابية نحو مستقبل أفضل لنا ولابنائنا من بعدنا. + الإيمان هو قوة إيجابية دائمة وثقة فى الله وأنفسنا .. الإيمان هو ثقة ويقين فى الله الذى يقوينا ويهبنا القوة والقدرة { فاجاب وكلمني قائلا هذه كلمة الرب الى زربابل قائلا لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود} (زك 4 : 6). نعم نستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينا . فاننا نستطيع ان نتنبأ بمستقبلنا المشرق بان نصنعه يوماً فيوم ، لا نستكين للضعف او الخوف أو الانعزال او السلبية والانطواء بل نعمل لبناء الحاضر والمستقبل ونساهم فى مساعدة للغير بما يدخل السعادة على قلوبهم ونصنع مستقبلنا بايماننا بالله وبما وهبه لنا من نعمة التفكير والعمل والنجاح وذلك دون ان نخطئ بل فى محبة روحية طاهرة ومقدسة للجميع . ولكن علينا ان نكون حكماء فالايجابية لا تكون اندفاعاً بغير دراسة وافية، وهنا يكون التريث اتجاهاً إيجابياً. والبعد قد يكون موقفاً إيجابياً إذا كان إفلاتاً من الشر أو منعاً لكارثة. والصمت يكون موقفاً إيجابياً إذا قُصِدَ به عدم الغضب او الاساءة الى الآخرين . فالإيجابية تفترض اتفاق الوسيلة مع الغاية الطيبة وإلاَّ فقدت معناها. فلا يصحُّ أن ننشد الحق بوسائل تتنافى معه، أو أن نتحرك فنسحق الآخرين، أو أن نهتم فنقتحم خصوصية الآخرين ونعتدي على حريتهم. نحن مدعوين الى الأيجابية فى كل مراحل حياتنا ومجالاتها فالأنسان كل لا ينقسم ، ونحن نحتاج لبعضنا البعض ونتكامل ونتعاون معاً من أجل الصالح العام . النجاح يقود الى تكامل الشخصية ونموها ، ليقل الضعيف فى المسيح بطلاً انا. ليقل الاطفال نحن أحباء المسيح والمستقبل أمامنا ، وليقل الشباب نحن قوة المجتمع ، ويقول الرجال نحن صناع التقدم ، وللنساء الدور الأعظم فى الأنجاب والتربية وتسليم الإيمان والمساهمة الايجابية فى البيت والعمل وليقل الشيوخ نحن عنصر الخبرة والحكمة التى يجب ان يستفيد منها الابناء والاحفاد دون تسلط او تعامل سلطوى بل فى سعى لتنمية مواهب وأمكانات كل أحد وتعاون وتكاتف من أجل النهوض بأنفسنا وأسرنا وكنيستنا ومجتمعنا . السيد المسيح والإيجابية المسيحية .. + الله يبادر ويسعى بالمحبة نحو البشرية .. ان الله هو المبادر ومعلم الأيجابية الباذلة والمحبة نحونا . شاء فخلقنا ومهد لنا الحياة الكريمة { وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض. فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم .وباركهم الله و قال لهم اثمروا واكثروا واملاوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض} تك26:1-28. وارسل لنا الانبياء عونا فى طريق الخلاص وعندما تباعد الانسان عن الله وضل بادر وأتى الينا الله متجسداً فى المسيح يسوع وفى خدمته كان يجول يصنع خيراً وبدون مقابل وكان الدافع وراء ذلك هو المحبة { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية . لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم} يو 14:3-17. ويسوع المسيح هوهو أمس واليوم والى الابد مازال يعمل ويريد أن يعمل بنا ومعنا من أجل خلاصنا وخلاص الآخرين وهو قادر ان يذيل ضعفنا وخوفنا وقادر كلما أقتربنا اليه ان يعطينا النعمة والقوة والحكمة لنعمل وننجح ، وما علينا الأ ان نواجه التحديات والصعاب ونسعى للتغيير للأفضل { فاجبتهم وقلت لهم ان اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني } (نح 2 : 20). + إيجابية السيد المسيح فى خدمته وتعاليمه .. لقد جاء عن السيد المسيح فى الإنجيل {وكان يسوع يطوفالمدن كلها والقرى يعلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب} (مت 9 : 35). راينا فى ايجابية يذهب الى المرضى ليقدم لهم الشفاء { وكان هناك انسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة.هذا راه يسوع مضطجعا وعلم ان له زمانا كثيرا فقال له اتريد ان تبرا .اجابه المريض يا سيد ليس لي انسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما انا ات ينزل قدامي اخر. قال له يسوع قم احمل سريرك وامش} يو5:5-8. وينادى لزكا العشار ليذهب معه الى بيته ويخلصه من محبة المال { فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع ونزل وقبله فرحا. فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10.بل ذهب الى السامرة من ان ان يخلص المرأة السامرية وهناك آمن به كثيرين رافعاً حاجز العداوة بين اليهود والسامريين .كما انه فى تعاليمه أمتد بالمحبة لتشمل الاعداء والمسيئين { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك.وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48. وقدم أعظم مثالاً عملياً على تلك المحبة عندما طلب من الآب السماوى المغفرة للذين صلبوه { فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34). + وقد قدَّم الرب نفسه مثالاً لِمَا أوصى به لكي نتبع خطواته (1بط 2: 21). فهو صاحب رسالة كلَّفته بأن يُخلي نفسه من مجده وينزل إلى البشر آخذاً صورة عبد مثلهم (في 2: 7). وجال بينهم يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس (أع 10: 38). وجال منادياً للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، ومُرسلاً المنسحقين في الحرية (إش 61: 1؛ لو 4: 18). وهو لم يعرف الراحة بل ظل يعمل كأبيه الصالح (يو 5: 17)، وكانت كلماته خلاصاً للخطاة وعزاء للمتعبين، وتبكيتاً للمتصلفين والمرائين والمعلِّمين الكَذَبَة. وفي كل ما عمل وتكلَّم{لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر} (1بط 2: 22)، وألزم نفسه بكل ما علَّم به. فعاش متجرِّداً بلا كيس ولا مزود (لو 10: 4؛ 22: 35)، ولم يكن له أين يسند رأسه (مت 8: 20؛ لو 9: 58). وهو قد أحب الجميع ومن أجل خلاصهم مضى إلى الصلب، ولم يسْعَ لإنقاذ نفسه بل أطاع حتى الموت (في 2: 8). فالمسيح هو لكل المؤمنين مثال المحبة، والبذل والعطاء، والتجرُّد، والاتضاع، والخدمة، والاحتمال، والجهاد، والغفران والتسامح، والطهارة. + يطالبنا السيد المسيح باستثمار مواهبنا ووزناتنا وتنمية أمكانياتنا بايجابية وفعالية. ففي مَثَل الوزنات كأفا الرب الذين تاجروا وربحوا بوزناتهم وعاقب الذى طمر ما لديه ولم يستخدمه { وكانما انسان مسافر دعا عبيده و سلمهم امواله. فاعطى واحدا خمس وزنات واخر وزنتين واخر وزنة كل واحد على قدر طاقته وسافر للوقت.فمضى الذي اخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات اخر. وهكذا الذي اخذ الوزنتين ربح ايضا وزنتين اخريين. واما الذي اخذ الوزنة فمضى وحفر في الارض واخفى فضة سيده. وبعد زمان طويل اتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات اخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلمتني هوذا خمس وزنات اخر ربحتها فوقها.فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك.ثم جاء الذي اخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني هوذا وزنتان اخريان ربحتهما فوقهما.قال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك.ثم جاء ايضا الذي اخذ الوزنة الواحدة وقال يا سيد عرفت انك انسان قاس تحصد حيث لم تزرع و تجمع حيث لم تبذر.فخفت ومضيت واخفيت وزنتك في الارض هوذا الذي لك.فاجاب سيده وقال له ايها العبد الشرير والكسلان عرفت اني احصد حيث لم ازرع واجمع من حيث لم ابذر.فكان ينبغي ان تضع فضتي عند الصيارفة فعند مجيئي كنت اخذ الذي لي مع ربا.فخذوا منه الوزنة واعطوها للذي له العشر وزنات. لان كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. (مت 14:25-29). هكذا يدعونا الكتاب الى العمل {إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً} (2تس 3: 10)، ان التواكل والبطالة من الخطايا التى تحتاج الى توبة وعلاج .فعلينا ان نعمل ونستثمر وزناتنا ونؤدِّي واجبنا على قدر ما نستطيع {لا بخدمة العين كمَن يرضي الناس... وكل ما فعلتم، فاعملوا من القلب، كما للرب ليس للناس}(كو 3: 23،22)، ودون أنتظار للمكافأة أو المديح من أحد {لأنك تُكافَى في قيامة الأبرار} (لو 14: 14)، «عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث، لأنكم تخدمون الرب المسيح» (كو 3: 24). + في وصايا المسيح، اكتملت النعمة والحق ، وعمل على أقتلاع الخطية في جذورها ومن مهدها وبلغ نمو الانسان الروحى درجة الكمال ، واتسع قلب الإنسان ليشمل في اهتمامه وحبه كل البشر، متجاوزاً حواجز العرق والجنس والدين وغيره. فوصية {لا تقتل} بلغت الكمال الروحى {مَن يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحُكْم} وبمحبة الاعداء ، و {لا تزن} أكملتها الوصية {مَن ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه}؛ و {لا تحنث، بل أوفِ للرب أقسامك} أكملتها الوصية {لا تحلفوا البتة}؛ و{عين بعين وسن بسن} أكملتها الوصية {لا تقاوموا الشر، بل مَن لطمك على خدِّك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً}؛ و{تحب قريبك وتبغض عدوك} أكملتها الوصية {أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم}. ان المسيح الايجابى جاء لكى يعلمنا المحبة الكاملة واظهر التسامح كموقف أقوى من الانتقام والعنف، وجعل المحبة تصرع العداء والاعداء وتحولهم الى اصدقاء . والمؤمن المولود من الروح وُهب الحياة الجديدة التي فيها يستطيع أن يحب الوصية ويطيعها وينجح في تنفيذها بنعمة من فوق، فلا تصير كلاماً كما هي لغير المؤمنين أوالسالكين حسب الجسد. اننا مخلوقين فى المسيح يسوع لاعمال صالحة {لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها (اف 2 : 10). القاعدة الذهبية فى التعامل... يقدم لنا السيد المسيح له المجد قاعدة ذهبية فى التعامل الإيجابى مع الآخرين {وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا} (لو 6 : 31) . فلان الله خلق الإنسان وهو يعلم ما بداخل الانسان ولان كل منا جُبل على محبة نفسه علمنا الله ان نحب قريبا كإنفسنا { تحب قريبك كنفسك }(مت 22 : 39). وقريبنا هنا هو كل انسان أخ لنا فى البشرية وعلينا ان نحبه محبة روحية صادقة ونعمل لخيره ولا نريد له أذى أو ضرر ولا نشتهى شيئا مما له { لانه لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وان كانت وصية اخرى هي مجموعة في هذه الكلمة ان تحب قريبك كنفسك} (رو 13 : 9).{ فان كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب تحب قريبك كنفسك فحسنا تفعلون} (يع 2 : 8). وكما تريد ان يعاملك الناس لابد ان تكون انت مبادرا فى معاملتهم هكذا أيضاً.لان هذا هو جوهر الإيمان فى التعامل مع الآخرين { فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم لان هذا هو الناموس والانبياء} (مت 7 : 12). انت تريد ان يحترمك ويحبك الناس فعليك ان تبادر باحترامهم ومحبتهم ، وتريد ان يستمع اليك الآخرين عندما تتحدث ويقدرونك كما انت بشخصيتك وافكارك ومعتقداتك فهكذا يجب ان تكون انت معهم. انت تريد ان يقبلك الناس كما انت فاقبلهم كما هم { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7) وحتى عندما تخطئ تريد ان يلتمس لك الآخرين الاعذار والمبررات فهل تفعل انت هكذا ؟ . يجب ان تبادرالى التعامل الإنسانى الراقى حتى وان لم تجد رد الفعل المناسب من البعض . فانت تتصرف بناء علي قيمك وأخلاقك وليس بردود الافعال . ونحن فى مجتمع قد نجد العنف فيه ينتشر يجب ان نتحلى بالإخلاق الفاضلة والمبادئ الساميه فان العنف لا يوقفه العنف والكراهية تزيدها الكراهية اشتعالاً فالنار تطفأ بالماء لا بمزيد من الحطب { ان جاع عدوك فاطعمه خبزا وان عطش فاسقه ماء} (ام 25 : 21) هكذا جاء السيد المسيح ليقدم لنا تعاليم سامية تهدف الى نشر الخير والمحبة وتجعلنا نتشبه بالله خالقنا وابينا السماوي {لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). اننا عندما نتسامى فى تعاملنا مع الآخرين عن رد الفعل الغاضب ونقدم محبة لمن يسيئون الينا فاننا نكسبهم ونحولهم من دائرة الاعداء الى اصدقاء . القبول والأحترام والمحبة في التعامل.. اننا قد نختلف او نتفق فيما بيننا فى الميول والثقافات والاراء وربما فى الاعراق أوالاديان ونتيجة لذلك قد نختلف او نتفق فى نظرتنا الى الأمور ومعالجتنا للمشكلات ولكن يجب ان نقبل بعضنا البعض ونحترم الآخر مهما كان رايه أو جنسه او معتقده الدينى او السياسى وهذا ما عمله وعلمه السيد المسيح لنا . لابد ان نقبل الغير وندعهم يعبرون عن رايهم وليس معنى هذا ان نتبنى اراء الاخرين او نوافقهم عليها ولكن علينا ان نصل معهم بالحوار والاحترام والقبول الى القواسم المشتركة التى نتفق عليها بدون تعصب او انغلاق مما يصل بنا الى فهم أشمل وأعم للغير ويثرى حياتنا بتبادل وتنوع الاراء. ان القبول يمتد بنا الى بناء جسور من الأحترام والتعاون المشترك بيننا لنصل لحلول مرضية لكل المعضلات التى تواجهنا . نتعلم ان نقبل الناس كما هم لا كما نريد ان يكونوا فالانسان لن يكون الإ نفسه وعندما ننطلق من مبدأ القبول نصل الى الأحترام والتفاهم والتعاون ونكسب الناس ونؤثر فيهم . الأحترام المتبادل بين الناس دليل على رقي المجتمع وأنسانية الإنسان . ولان الله خلق الأنسان على صورته ومثاله فلا يجبره حتى على عبادته بل منحه العقل ليعبده بحرية والتزام ومسئوليه او حتى ينكر وجوده . ولكن نجد البعض يجعل نفسه الهاً بل ويعطى نفسه حكم الإله والقاضى والمنفذ لاحكام الله كما يصورها هو لنفسه فى كراهية وحقد وباسم الله!. ويتفشى فى مجتمعاتنا النظرة الضيقة المتعصبة التى لا تقبل من هو مختلف عنه بل والاخطر ان تعمل على نفيه وانكار حقوقه. ويتم فى غياب العدالة والقانون تفشي ظواهر العنف وأعمال العنف والجريمة . الاحترام ينبع اذاً من أحترام الإنسان لنفسه وايمانه بكرامة الأنسان بغض النظر عن معتقده الدينى او رايه السياسى او عرقه او جنسه . ان أحترامنا للاخرين يجعلنا نكرمهم ونستمع اليهم حتى ان أختلفنا فى وجهات النظر لا نسفه او نستهزئ بارائهم .الأحترام يجعلنا نصغى للناس ونتفهمهم ونقدرهم . نحترم الكبار كاباء وامهات والتى هى أول وصية بوعد لكى تطول ايامنا على الارض ويكون لنا الخير، نحترم الصغير لينشأ سليم النفس يتلقى الاحترام ويمنحه. نحن جميعا وان تعددت أجناسنا وأعراقنا ومعتقداتنا من اب واحد هو أدم وأم واحدة هى حواء، وتقاس عظمة الأنسان بخلقه وتقواه وحسن معاملته وأحترامه لنفسه وغيره، ويتقدم بنا الاحترام الى معرفة أعمق بالاخرين وتقديرهم واكرامهم لنصل الى محبتهم وخدمتهم . المحبة والإيجابية ... ان رسالتنا كمؤمنين هى ان نحب الإخرين محبة روحية مقدسة {وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا} (يو 13 : 34). لقد جاء مسيحنا القدوس ليقدم للبشرية الله المتسع بالمحبة لكل البشرية ليختبرها ويعيشها ويحياها كل أحد . وكل من يلتقى مع الله ويختبر محبته يتسع قلبه فيحب الجميع دون تمييز، بل على العكس يشعر بحاجة البعيدين عن دائرة المحبة الإلهية للقلب المتسع بالمحبة والترفق حتى لو أظهر البعض منهم عنفاً أو متاعب له ولاحبائه . المحبة لا تسقط ابدا لان الله محبة لكن يختلط الأمر فى أذهان البعض لاسيما الشباب والبعيدين عن الله فلا يميزوا بين المحبة التى من الله والميل العاطفى او الشهوة والأنانية التى تعطى صورة مقدسة لدوافع غير مقدسة اما المحبة الروحية فهى غاية الوصية { اما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). المحبة الحقيقية هى محبة مقدسة طاهرة الروحية التي تسعى لخلاص وخدمة الناس وتقربهم الى الله . لقد تصور قديما شمشون الجبار ان دليلة تحبه ولكنها لم تكن علاقتهما علاقة محبة حقيقية بل شهوات عابره تحولت الى خيانه وغدر وسلمته الى إيدى أعدائه ليعاملوه معاملة الحيونات عندما أباح لها بسر قوته { فقالت له كيف تقول احبك و قلبك ليس معي هوذا ثلاث مرات قد خذلتني و لم تخبرني بماذا قوتك العظيمة }(قض 16 : 15). ان روح الله القدوس يستطيع ان يقدس دوافعنا وينميها ويوجهها متى أطعنا عمله داخلنا . اللطف والعطاء والغفران والإيجابية .. ما من احد يريد ان يعامله الأخرين بالقسوة والعنف . والأنسان اللطيف المهذب يبقى دائما وابدا محبوباً مرغوباً من الناس، وكما يقول الإنجيل {الجواب اللين يصرف الغضب و الكلام الموجع يهيج السخط} (ام 15 : 1). فعليك باللطف والكلام اللين وطول البال مع الناس لتربحهم وتريحهم وكما يقول أحد الأمثال " ان طبق من العسل يصطاد من الذباب أكثر من برميل من العلقم" انت بالابتسامة تقول لمن هم أمامك : (انى أحبكم ، انتم تمنحونى السعادة ). وهذه السعادة تنتقل اليك ايضا عندما تقدمها للاخرين تاخذها ايضا منهم فكن بشوشاً وتذكر ان وجهك لا تراه الا فى المرآة أما الناس فيرونه دائما . قدم لهم منه ابتسامة طيبة وقدم لهم الكلمة الطيبة ومن القلب المحبة الصادقة ان اردت ان تكون محبوباً وتذكر ان {حديث الاحمق كحمل في الطريق وانما اللطف على شفتي العاقل} (سير 21 : 19).فكن لطيفا فى كلامك وتعاملاتك مع الجميع . + من الاشياء التى تسعد الآخرين التعامل بروح العطاء والأنفتاح على الاخرين . والعطاء لا ينطبق فقط على الأشياء المادية بل والمعنوية ايضا .ان كلمات التقدير هى عطاء ومحبة لها مفعول السحر فى تغيير القلوب والهدية حتى ولو بسيطة فى وقتها المناسب شئ هام يعبر عن محبتك وتقديرك وأحساسك بالأخرين { الهدية حجر كريم في عيني قابلها حيثما تتوجه تفلح} (ام 17 : 8). ان خدمتك للأخرين وقت حاجتهم اليها عمل رحمة تأخذ عليه الأجر السمائى وتربح به النفوس {في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون و تعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} (اع 20 : 35). تذكر اعياد ميلاد اصدقائك ومناسباتهم الخاصة وعبر لهم عن أمتنانك وسعادتك بمعرفتهم وكن كسيدك الذى جاء عنه {جال يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس } (اع 10 : 38). لنحيا نحن ايضاً نصنع خيراً ونرسم البسمة على الشفاة ونكون كالنسمة التى تلطف الجو لا كالريح العاصفة التى تثير العناء . + وما من أحد منا عندما يخطأ فى حق الغير الا ويرجو منهم التماس العذر له ومسامحته سواء حدث ذلك عن عدم معرفة او سهواً او حتى فى ساعة غضب أو ضعف . فلماذا تنصب نفسك عزيزى ديانا للآخرين ، تذكر يا عزيزى قول الإنجيل {و متى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم }(مر 11 : 25)، {ولا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم} (لو 6 : 37). من شيم العظماء ان يلتمسوا الاعذار للمخطئين ومن صفات المتواضعين ان يلوموا أنفسهم متى حدث منهم الخطأ ويعتذروا فى أدب لمن أساؤا اليه وهذا التواضع يرفعهم فى أعين الله واعين الناس . هكذا فعل داود النبى مع شاول الملك ومع شمعى بن جيرا من اجل ذلك ارتفع فى عين الله وحتى فى اعين أعدائه { فلما فرغ داود من التكلم بهذا الكلام الى شاول قال شاول اهذا صوتك يا ابني داود ورفع شاول صوته وبكى . ثم قال لداود انت ابر مني لانك جازيتني خيرا وانا جازيتك شرا. وقد اظهرت اليوم انك عملت بي خيرا لان الرب قد دفعني بيدك ولم تقتلني. فاذا وجد رجل عدوه فهل يطلقه في طريق خير فالرب يجازيك خيرا عما فعلته لي اليوم هذا. والان فاني علمت انك تكون ملكا وتثبت بيدك مملكة اسرائيل} 1صم16:24-20. فان اردنا ان نحصل على الغفران من الله ومن المحيطين بنا يجب علينا ان نقدمه فى عفو عند المقدرة ، وفى صبر وطول بال ولطف نتعامل مع الاشخاص سريعى الغضب . ولنثق ان أحوج الناس الى التعامل باللطف واللين من فقد أعصابه ومن ضاقت به السبل واحوج الناس الى الأبتسامة هو الأنسان المحزون . الذي يريد التعزية والمشاركة الوجدانية الصادقة . مجالات الإيجابية المسيحية ... الإيجابية الروحية ... العلاقة الجيدة مع الله ومحبتة والنمو فى معرفتنا الروحية هو بدء لكل نجاح ، لقد كان يوسف مع الرب فكان رجلا ناجحاً ، والله يريد منا ان نكون { غير متكاسلين في الاجتهاد حارين في الروح عابدين الرب} (رو 12 : 11). لا يكفي الكلام بل يجب تكون هناك حرارة وغيرة وأمانة وقوة وتميز في العمل. يجب ان نكون ايجابيين فى علاقتنا بالله ، فى صلواتنا واصوامنا وتوبتنا وفى وعمل الخير نحو بيت الله والمحتاجين . الايجابية تعنى حياة العمق والامانة نحو خلاص النفس والاخرين. نعمل بجد وأجتهاد لان لنا أعداء روحيين {اصحوا و اسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو} (1بط 5 : 8).فيجب ان نقاومه راسخين فى الإيمان فيهرب منا نحن يجب ان ننمى وزناتنا ونستثمرها من اجل بناء ملكوت الله على الأرض ومن أجل ان نبرهن على ان أيماننا لا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق .ولان كل واحد سيأخذ اجرته حسب تعبه فيجب ان نجاهد من أجل الأجر الأرضى والسمائى . عبادتنا لله ليست عبادة شكلية بل هو بالروح والحق {لأن الحرف يقتل ولكن الروح يُحيي} (2كو 3: 6)، والرب ييعلمنا {إني أريد رحمة لا ذبيحة} (مت 9: 13؛ 12: 7). فالشكلية والحرفية تقتل الوصية لأنها تُفرغها من مضمونها. فالذين عشَّروا النعنع والسذَّاب والكمون ولم يبالوا بالحق والرحمة والإيمان، وقد ادانهم الرب إذ اهتموا بالقشور وتركوا أثقل الناموس (مت 23: 23؛ لو 11: 42). والعبادة القاصرة على أداء فرائض وطقوس وتخلو من الحب وتسليم الحياة لا تؤدِّي إلاَّ إلى نمو الذات لان الله روح { الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا }(يو 4 : 24). من أجل هذا جاهد ابائنا القديسين وعبدوا الله بالروح والحق فى تواضع قلب وجالوا مبشرين بمحبة من أحبهم ، قدموا صومهم وصلواتهم وأتعابهم واموالهم وخدمتهم وعرقهم ودمائهم فليسأل كل واحد وواحدة منا نفسه : ماذا يمكننى ان أقدم من أجل الله ؟ + يعلمنا السيد المسيح إيجابية الصبر المسيحي والصمود أمام التجارب والشدائد واحتمال الآلام بشكر كعلامة عضوية حقيقية في جسد المسيح، والتزام بتبعيته، برجاء مسيحي يتجاوز الزمان الحاضر. مما ينشئ سلاماً فى الضيق والتجربة، ولا يدع المؤمن يتألم حزناً أمام الموت أو الفشل أو الخسائر؛ تلك الاتجاهات السلبية التى تنشي مؤمنين مهزومين داخلياً. الرب يحث مؤمنيه على الصمود إلى النهاية: {الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص} (مت 10: 22). والقديس بولس يُعلن لنا {فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا} (رو 8: 18)، ويُطالب الجميع {لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم}(1تس 4: 13). الإيجابية فى الاسرة ... الإنسان المسيحى هو عضو حى فى أسرته وكنيسته ، ويجب ان يكون مشارك بايجابية من أجل سعادتهم . يجب ان نغرس المشاركة والايجابية والمسئولية منذ الصغير فى ابنائنا وبناتنا ، لقد تربى موسى فى بيت فرعون ولكن رضع لبن الايمان من أمه وبهذا الايمان رفض ان يحيا فى قصر فرعون وانحاز الى شعبه ولو تسبب ذلك فى قضائه سنوات هاربا من وجه فرعون ليعده الله ليقودهم فى البرية ويخلصهم من عبودية فرعون {بالايمان موسى لما كبر ابى ان يدعى ابن ابنة فرعون. مفضلا بالاحرى ان يذل مع شعب الله على ان يكون له تمتع وقتي بالخطية. حاسبا عار المسيح غنى اعظم من خزائن مصر لانه كان ينظر الى المجازاة. بالايمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك لانه تشدد كانه يرى من لا يرى}.(عب24:11-27) . أيجابيتنا فى الأسرة تجعلنا مشاركين بفعاليه وتفاهم وتفهم فى سعادة كل فرد فيها ، ومشاركين فى الحوار البناء والفعال من أجل خيرها . نعم نحن نستطيع ان نعمل الكثير من اجل اسرتنا ، نجاحنا فى الدراسة مصدر سعادة للأسرة ، التعاون والخدمة والشكر عليها مهم فى سعادتها ، التشجيع للصغار والضعفاء والمحتاجين له عامل مهم فى تنمية ونجاح ابنائنا ، الكبير قبل الصغير يحتاج للتشجيع والتقدير والانصات يطلق الطاقات الكامنه فينا ، كانت أم توماس أديسون مشجع له بعد ان اُتهم بالغباء ودافعت عنه وشجعته فجعلت منه مخترعاً ومكتشفاً وعالماً كما كانت الأم مونيكا تسعى لخلاص ابنها أغسطينوس ولم تكتفى بالصلاة بل ذهبت وراه من أفريقيا الى ميلانو فى إيطاليا حتى انه عندما رأى القديس امبروسيوس اسقف ميلانو دموعها قال لها (ثقى يا ابنتى ان ابن هذه الدموع لن يهلك) واستجاب الله لصلواتها ودموعها وتاب أغسطينوس وأصبح قديساً . الأيجابية الكنسية ... سواء كنا رعاة أو رعية ، خداما او مخدومين فأنه يجب علينا أن نكون متشبهين بابينا السماوى الذى يريد لنا ان نشترك معه فى العمل ونحتمل الاخرين { محتملين بعضكم بعضا في المحبة } اف 4:1 . الأيجابية تمنحنا الأنقياد لروح الله ، روح الخدمة الحارة والأفراز والتمييز والسعى نحو خلاص أنفسنا وخلاص الأخرين والصلاة من أجل سلام الأسرة والكنيسة والوطن وأعضائه، والمشاركة في مجالات الخدمه في الكنيسة تستوجب ان نعيش في سلام ونعكف علي كل ما هو للسلام عاملين بقول الرب { طوبي لصانعي السلام لانهم ابناء اللة يدعون } مت 9:5 . يجب علينا ان نخدم بايجابية هادئه فى أنكار للذات وتواضع قلب بلا تحزب ولا تشويش { حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل امر ردي } يع15:3.{فانكم انما دعيتم للحرية ايها الاخوة غير انه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا} (غل 5 : 13). كونوا يا أحبائى مشاركين فى صلوات الكنيسة وأنشطتها ، الكنيسة هى أماً لنا ولا يستطيع أحد ان يقول ان الله أبى دون ان تكون الكنيسة اماً له ، فشاركوا فى مختلف مجالات الخدمة حسب ما يناسب ميولكم وقدارتكم ، فانتم أعضاء فى جسد واحد ولابد أن تبنوا بعضكم بعضاً. الإيجابية الأجتماعية والوطنية ... ان الكتاب المقدس يدعونا ان نكون نوراً فى العالم { انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل ولايوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل يضعونه على المنارة ليضى لكل من فى البيت فليضئ نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا اباكم الذى فى السموات } (مت 5 : 16-14) . المسيحى ملحاً فى الارض يعطى المجتمع مذاقاً روحياً ويمنحه أستنارة ً ، يجب ان نكون شهوداً لإيماننا بالله ومحبته وعدله وان نشهد للحق بحكمة ، المسيحى الحق ضرورة لا غنى عنها فى مجتمعه يبذل ويخدم ويكون أميناً فى عمله وخدمة مجتمعه فى محبة وعطاء المسيحى يفهم ان عليه واجبات تجاه مجتمعه وله حقوق يطالب عنها بجراءة وقوة ، هو كعضو فى المجتمع يعرف ان يسير بحكمة بين السعى فى طريق السلام والمحبة دون ان يتنازل عن الحق والعدل يسعى للعيش الكريم والمشترك ولكن لا يشترك فى أعمال الظلمة غير المثمرة بل يدينها ويقاوم الظلم والجور. - ان يوسف الصديق فى تعامله مع اخوته اولا وتعامله مع المجتمع الذى يعيش فيه ثانياً يعلمنا كيف نتعامل بايجابية وفعالية، ان حياة يوسف الصديق تمثل السلوك الايجابي الذي لا يعرف اليأس وسط الفشل ولا يعرف الكسل وقت الضيق ولا يعرف البغضة و الكراهية وقت الظلم ، وكيف كان يتعامل في السجن وكيف يقدم الخدمه لكي من احتاج منه الخدمه حتي لو كانت الخدمه المقدمه هي تفسير الاحلام . وعندما اصبح الرجل الثاني بعد فرعون خدم مصر بامانه و قابل الاساءه بالاحسان والرضا وتعامل مع اخوته علي انه يتعامل مع الله الذي انقذه من ايديهم ومن امرأة فرعون ومن السجن. الكتاب المقدس يعلمنا ويحثنا على المشاركة الأيجابية فى العمل الوطنى والاجتماعى والسياسى لنكون إيجابيين ومشاركين فى بناء حاضرنا ومستقبلنا بناءاً على ما يمليه علينا ضميرنا والحس الوطنى والسياسى لكل مؤمن فينا. فان لم نشارك فى العمل السياسى لن يكون لنا ثقل او وزن او مصير . ولن تمنح لنا الحقوق هبات بل الحقوق تنتزع بالعمل والعرق والكفاح . يجب ان نقوم بواجبنا بامانة وحق ونقوم بما هو واجب علينا لنحصل على حقوقنا غير منقوصة. لقد عانت كنيستنا ومؤمنيها من الظلم فى ظل عدة من الحقب التاريخية ولن ينصفنا الحاضر او يكون لنا مستقبل بدون العمل الإيجابى العام والسعى الى المساواة والمواطنة والعدالة بين جميع ابناء الوطن الواحد . - نصلى من قلوبنا الى الله ... يا الهنا الحبيب المتحنن نعلم انك تصغي لصلاتنا دائما نتضرع اليك ان تنظر بعين الرحمة والحب الى مصرنا وكنيستنا وشعبنا وترفع عنا البلاء والظلم والغلاء وتكون مع اولادك في كل مكان ليتم قولك { مبارك شعبي مصر} . حل بسلامك في ارض في مصر باركها واجعلها دائما ارض سلام . {وأما أنا فحاشا لى أن أُخطئ الى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق المستقيم} 1 صموئيل 12:22 . اننا ننتظر ذراعك القوية لكي تنتشلنا من وتهبنا الأمن والأمان فانت معيننا ورجائنا وليس لنا سوي رحمتك ومحبتك لنا لقد دعوتنا ابنائك فبدالة البنوة وأعمل معنا من أجل مستقبل بلادنا وشعبها . أعمل يارب واشترك معنا فى كل عمل صالح لنعمل كل من موقعة ومنصبة وقدرته من أجل سلام العالم الذى يعانى الحروب والكراهية والامراض والفقر والجهل فى كثير من البلاد والاماكن . + اليك نرفع الصلاة ياربنا والهنا يامن أحببت الأنسان وأكرمته بنعمة العقل والروح والمشاعر . ولم تجبره على عبادتك بل تريد ان يحبك بنفس راغبة وبقلب طاهر وبإيمان بلا رياء. ايها الاله الرحوم الذى يصبر على البشرية فى بعدها وجحودها ونكرانها ملتمساً لنا الاعذار بالجهل وعدم المعرفة من أجل ان تقودنا باللطف وطول الأناة الى التوبة والرجوع اليك . أعطنا ان نتعلم منك . نرجع اليك بالتوبة ونصلى اليك في كل حين طالبن عفوك ورضاك ومصلين ان تهبنا قلباً محبا للأخوة ليس للصالحين فقط بل وللخطاة والمسيئين . فانت ايها الأب الصالح تشرق شمس برك على الابرار والاشرار وتمطر على الصالحين والطالحين . فهبنا قلبا محبا يعامل الاخرين بالمحبة واللطف والوداعة + ان كنا نريد ان يحبنا الناس فعلمنا يارب ان نحبهم وبدافع المحبة نصلى ونسعى من أجل خلاصهم ، المحبة تحتمل وتصبر ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها . المحبة لا تسقط أبدا . فهبنا يارب ان نتعلم كيف نقدم المحبة الطاهرة الروحية المقدسة ، ومن أجل الفوز برضاك لا أنتظاراً للمعاملة بالمثل ، دعنا نجول نصنع خيراً مع الجميع . واذ نبذر المحبة والخير فانها تنمو وتثمر ثماراً صالحة ، ولابد ان نحصد في الوقت المناسب خيرا ورحمة . + اننا اذ نرجو منك الغفران نتوب عن خطايانا واخطائنا . ومن أجل الحصول على الغفران منك نصلى ان تعلمنا ان نغفر ونسامح ونصفح عن المسيئين الينا والذين يبغضوننا ، متعلمين منك أيها الرحيم الغفور ، المتأني فى العقاب ، البطئ الغضب ، يا من علمتنا {واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم و صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم و يطردونكم} (مت 5 : 44). وان كان ذلك ليس فى مقدورنا كبشر نسرع الى المعاملة بالمثل بل وفى بعض الأحيان نسرع للعنف ، لكن نحن نثق فى عمل نعمتك فى داخلنا وقيادة روحك القدوس القادر ان يغير طبيعتنا الضعيفة خالقاً فينا أنساناً جديداً يسرع بايجابية للعمل بوصاياك ويُسر بالسير فى رضاك . لا طمعاً فى الثواب ولا خوفاً من العقاب بل لنكون ابناء لابينا السماوي كما علمتنا قائلاً {فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} (مت 5 : 48) { كونوا قديسين لاني انا قدوس} (1بط 1 : 16)، أمين . القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
01 فبراير 2021

أنْبَا أنْدْرَاوُسُ أُسقُفُ دِمْيَاط (رُوَّاد مدارس أحد إسكندرية)

لمدينة الإسكندرية تاريخٌ ناريّ في الغيرة الإلهية على مدى الأجيال المتعاقبة،وقد استمرت كمركز إشعاع كرازي لخدمة مستنيرة ومنيرة في إيقاظ الحِسّ والإدراك لدوائر واسعة من حولها بالامتداد.أيضًا للإسكندرية تاريخٌ عطريٌ ونورانيٌ في بشارة الكلمة والتعليم، طَبَعَ ملامحه على مدارس الأحد فيها، لتصير مدرسةً للروحانية الأرثوذكسية واللاهوت؛منذ بدايات مدرستها القُدسية الأولى.. ومنهجاً للأخلاق والسلوك الإنجيلي، فكراًومنهجاً وتلمذة آبائية واحدة، وممارسة لحياة الأسرار والذبيحة الواحدة نفسها.لذلك نفخر أننا رأينا وعاصرنا تقوى الخدام وقداسة سيرتهم وعمق معرفتهم الاختبارية، وحفظهم لجدة الإيمان العامل؛ الذي عَبَّروا عن مساره من (أورشليم المخدع - إلى أورشليم النفس - ومنها إلى أورشليم المحيط الخاص).فأنتجت مدارس الأحد السكندرية أيضاً للكنيسة ثمارًا من أفخر الثمار؛ والذين من بينهم القمص موسى البسيط «المتنيح أنبا أندراوس أسقف دمياط »، صاحب الهِمّة والغيرة التي دفعته أن يذهب إلى ضواحي الإسكندرية لخدمتها؛ بأُفُق متسع وبالتحلي بمواهب الروح القدس؛ التي انطبعت على وجهه الملائكي، الذي كان كل من يتطلع إليه وهو في الجسد؛ يرى فيه إطلالة وجه المسيح في الوجود التاريخي؛ويستمع إلى صوته الروحاني العذب؛ منشداً نشيد الأبدية بالأفراح التي ارتسمت على وجهه؛ وطعام الحق خارج من فيه؛ وشرابه الروح الذي يعطيه؛ ونَسِيمه رائحة التقديس التي أغنته عن كل عوز خارج عنه... تاركاً لكُرَّاسات خَطِّيَّة مكتوبة؛كتب فيها التسبحة بقيثارة قلبه العفيف؛ وحنجرته ذات الأوتار؛ عارفاً ما يقوله؛ومزيَّنا بالبهجة المثلثة الطوبىَ؛ أحلى من العسل في حضرة مليكنا؛ الذي دعاه لملكوته وقَصَّر عنه لكي يستريح. لذلك سبق وشهد له قدامىَ الخدام بعد رُقاده؛إنه تدرب على روح السفر والترك؛ روح العبور والغُربة؛ روح الانتقال والارتحال؛للاستعداد المبكِّر للرحيل.كان خادمًا نابغة؛ عاش التقليد الكنسي، وذهب إلى القرى البعيدة؛ مكرِّساً حياته على مذبح البتولية الطاهر في نذر الرهبنة؛ من دون أي تغيير أو استحداث زمني متغير؛ حتى صار ناسكاً وراهباً أسقفاً في الكنيسة الفاخرة، وثمرةً ناضجةً أينعت في حقل مدارس الأحد؛ لتُعِدَّ أجيالاً واعدةً؛ أساقفة وكهنة ورهباناً وخداماًوأراخنة ومؤمنين؛ جميعهم متعلمين من الله. هؤلاء الرواد صاروا علاماتٍ على الطريق؛ جعلوا القديم جديداً؛ والماضي أصبح حاضراً بقوة التجديد والإحياء والنمو؛لأنهم ربيع دائم لا ينطفئ سراجُهُ.وُلد نبيه عزيز موسى في ۱٠ أبريل ۱٩۳٠ م وخدم في مدارس الأحد منذ عام ١٩٤٥ م - تخرج من كلية هندسة (جامعة الإسكندرية) سنة ١٩٥٢ ؛ ثم ترهبن عام ١٩٥٥ م بإسم الراهب موسى السرياني البسيط - عُيِّن سكرتيراً للبابا كيرلس السادس عام ١٩٦٠ م - رُسِم أسقفاً عام ١٩٦٩ م، خدم في اجتماع الشباب الخاص بالإسكندرية عام ١٩٤٧ م بكنيسة العذراء محرم بك. والدُهُ المهندس عزيز وإخوته القمص رويس عزيز والقمص انطونيوس عزيز (بمطرانية البحيرة).اهتم بفروع مدارس الأحد في منطقة غيط العنب وكرموز وكوم الدكة؛ وزامله في خدمتها د. بهجت عطالله والخادم جلال فوزي؛ حتى صار أميناً لخدمتها. تخرَّج من كلية هندسة الإسكندرية عام 1952 م، صَمَّم نافورة مياه باب شرقي بالإسكندرية ونفَّذها؛ ونال عنها مكافأة قدرها ٣٠جنيهاً.عاش راهباً وظل راهباً ومتوحدًا يعيش في سيرة ملائكية مُفعَمة بالمحبة والتسامح والمصالحة؛ متمسكًا بما عنده؛ حتى صار الشبه الإلهي يلمع ويضيء في أفعاله؛وبَقِيَتْ سيرة خدمته تشعّ بنورها؛ يسير على نَسْجِهَا الغروس الجُدُد؛ ويكون المزكَّوْن ظاهرين.كتب رسالة لخادم صديق له يقول فيها:- «لا أحب أن أتدخل في مشاكل أَنْأىَ بنفسي عنها؛ لأن خدمة المسيح فرح وسلام.. أسكبُ نفسي أمام الله كي يحل فيَّ الهدوء، ويُبعد عن خدمة أولاده كل شر، ولا يسمح أن نضيِّع وقتنا؛ فيصبح الجو غيرالجو. هذه الخدمة تكونت بالعرق والتعب؛ وعَصَرَتْ الخدامَ فيها التجاربُ؛ وأكلوا خُبْز الوجع. لذلك لازم نتعلم أن تغيب الشمس ويغيب معها شر اليوم؛ لنستيقظ على توبة وفرح ورجاء لا يُخزىَ .«انتقل أنبا أندراوس الأسقف البسيط تلميذ وخادم مدارس الأحد إلى المجد في غروب يوم ٤ أغسطس ١٩٧٢ م عن عمر ٤٢ سنة، وأحدثت نياحته – (اختطافه بغتة) - أَثَراً عميقاً في قلوب الشعب الذين يذكرونه؛ بالذِكر الحسن كخادم أمين وبسيط؛ مغمور بمحبة الله؛ وقد رأوا فيه وداعة المسيح وهدوءه.. يذكرون سيرته كناسك من طراز نادر في وادي الريان؛ وكراهب وسكرتير للقديس البابا كيرلس السادس؛ وكراعٍ يجتاز في المدن والقرى؛ متجولاً في براري بلقاس ودمياط وكفر الشيخ؛ ليخدم حتى وقت إصابته بالحُمَّى الشديدة التي سبقت خروج نفسه من جسده؛ ولأنه ليس عند الله ما هو من قبيل الصدفة؛ فقد انطبق عليه ما جاء في سفرالحكمة لسليمان الحكيم «أما الصِّدِّيق فإنه وإن تَعَجَّلَه الموتُ؛ يستتر في الراحة .»هذا وقد وُضع جسده في مدفن الأساقفة بدير الشهيدة العفيفة دميانة بالبراري؛ نيَّح الله نفسه الطاهرة؛ ونفَّعنا بصلواته وبركة سيرته. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
31 يناير 2021

التوبة (13) القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح

مفهوم التوبة.. التوبة هى عودة الانسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة . واقلاعه عن الخطية وعدم الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية والشيطان واعماله . لغوياً فى اللغة العربية ، تاب اي عاد الى ثوابه او رشده . كما قال الإنجيل عن الابن الضال { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا.اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك}(لو 15 : 17- 18). اما التوبة في اللغة اليونانية ، في مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس" . اي العقل فمعناها ( ميتانيا) اي تغيير الذهن والفكر والسلوك . انها تحولاً في فكر الانسان وسلوكه وحياته . تغيير الفكر وتجديد الذهن من اجل ان يكون لنا فكر المسيح المقدس والاعمال الصالحة . والتوبة بذلك تحمل معانى الندم على العيش بعيدا عن الله والاصرار على عدم العودة الى الخطية . قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بحيل الشيطان ومصادقة الاشرار وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله الذى يدعونا للتوبة كآب صالح { ارجعوا اليٌ ، ارجع اليكم } ملا7:3 . ويبدأ التغيير فى حياته ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع الى الخطية وهذا ما راينا فى حياة قديسى التوبة كداود النبي والقديس اغسطينوس ومريم المصرية وغيرهم ، لم يعودا الى الخطية وقاوموا حتى الدم مجاهدين ضدها . التوبة هى الوسيلة المتاحة لنا من الله لمحو الخطايا .. يقدم الله للبشرية علاج للخطية فى الايمان به وخلاصة وعمل روحه القدوس فينا ليبكتنا على الخطية ويحثنا على عمل البر ويدفعنا الى الرجوع اليه بالتوبة : { هلم نتحاجج يقول الرب ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف }(اش 1 : 18). { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). التوبة لازمة لكل واحد وواحدة منا لانه من منا بلا خطية {الجميع زاغوا و فسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس و لا واحد }(رو 3 : 12). وعندما اخبروا السيد المسيح عن الجليليون الذين قتلهم هيرودس وهم يقدمون الذبائح لله { وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. فاجاب يسوع وقال لهم اتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم اتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} لو 1:13-5. هكذا جاء القديس يوحنا المعمدان ليعد الطريق أمام الرب منادياً بالتوبة بقوة { وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي.فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم.والان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.وساله الجموع قائلين فماذا نفعل.فاجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا.وجاء عشارون ايضا ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل.فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم . وساله جنديون ايضا قائلين وماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا احدا ولا تشوا باحد واكتفوا بعلائفكم} لو7:3-14. التوبة هي تغيير يتم بعمل النعمة واستجابة الخاطئ ..وهذا التغيير عمل متبادل من الانسان الخاطئ بالوعى والارادة والاصرار على الاصلاح والتغيير والندم على الخطأ وبقوة وعمل النعمة فينا لكي نتغير ونتحرر من سلطان ابليس وقبول الله لنا واعلان محبته وسلامه فينا { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). الله يدعونا الى التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا . الله يريدنا أن نعود إليه، و يستقبلنا فرحا ، ويرد الخاطئ إلى مكانته الأولى {فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون }(لو15: 22-24). كابناء لله يريد لنا الخلاص {الذي يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4) . {أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها} (إش43: 25). {قد مَحَوتُ كغَيمٍ ذُنوبَكَ وكسحابة خطاياكَ. اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ} (إش22:44). لان الله صالح ورحوم يعد بالغفران والقبول للراجعين اليه { فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا. هل مسرة اسر بموت الشرير يقول السيد الرب الا برجوعه عن طرقه فيحيا. واذا رجع البار عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير افيحيا كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطا بها يموت} حز 21:18-24. فالتوبة الحقيقية هي عودة من خدمة الشيطان وحياة الخطية والنجاسة الى الاحضان الابوية والبنوة لله.ان التوبة هى اعلان لرحمة الله وقبوله للتائبين وأظهار محبته لهم وسعيه لخلاص الانسان من اجل هذا قال احد القديسين : ( ان الله لا يسألنا لماذا أخطئنا ولكن يسألنا لماذا لم تتوبوا) .لقد راينا كيف ان التوبة استطاعت ان تمنع حكم الله بالهلاك على أهل مدينة نينوي قديما { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي و قيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء.وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم.لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك.فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} يون 5:30-19. وعندما أخطأ داود النبى وتاب الي الله معترفا بخطئه فغفر له الله { فقال داود لناثان قد اخطات الى الرب فقال ناثان لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت} (2صم 12 : 13).اننا اذ ندرك نتائج الخطية المهلكة لابد ان نتوب.. ولا نعود نخطئ مرة أخرى. ان الخطية ضعف وانهزام وعدم ضبط للنفس وهى موجهة ضد الله فهى كسر وتعدى وعصيان لوصاياه وهى موت أدبى وانفصال عن الله القدوس كما انها تفقد الانسان سلامه { اما الاشرار فكالبحر المضطرب لانه لا يستطيع ان يهدا وتقذف مياهه حماة وطينا . ليس سلام قال الهي للاشرار (اش 57 : 20-21). ان الخطية تقود للحزن والكأبة والياس والانتحار ولهذا نرى أعلى نسب للامراض النفسية والانتحار فى البلاد التى يسودها الالحاد والاباحية . فالخطية تمرر حياة الانسان وتفسد وتسئ الى العلاقات بين الناس وتجلب الامراض والعار { البر يرفع شان الامة وعار الشعوب الخطية }(ام 14 : 34). وللنظر حولنا الى مدمني الخمور والمخدرات والشهوات والاشرار ونتأمل كم تحط الخطية من قدرهم وتعبث بحاضرهم وتجعلهم يسيرون بلا هدف وعلاوة على ذلك ينصب عليهم غضب الله بالاضافة الى الهلاك الابدي الذى ينتظرهم ان لم يتوبوا { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم و اظلم قلبهم الغبي.وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء.وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الانسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات.لذلك اسلمهم الله ايضا في شهوات قلوبهم الى النجاسة لاهانة اجسادهم بين ذواتهم.الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الابد امين} رو18:1-25. السيد المسيح ودعوته الى التوبة لقد جاء السيد المسيح ليدعونا الى الإيمان والتوبة { ابتدا يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات} مت 17:4.{ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل }(مر1 : 15). لقد وجه اليه الكتبة والفريسيين النقد لموقفه المترفق والقابل للخطاة والعشارين ، كان رده {فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى.فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} مت 12:9-13.وعندما دخل الى بيت زكا العشار ليبيت تذمر الكتبة والفريسيين علية فكان جوابه لهم انه جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك {فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع ونزل وقبله فرحا.فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف.فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10. السيد المسيح قابل الخطاة .. لقد تجسد كلمة الله بالحقيقة وجاء الى العالم وصلب وقام من اجل خلاص البشرية الخاطئة وسعيه لرجوعهم اليه وضرب لنا الامثال عن قبول الله للخطاه وخلاصهم واهم هذه الامثال ما جاء فى انجيل لوقا البشير الاصحاح الخامس عشر عن الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال وترينا هذه الامثال كيف يفرح الله برجوع الخطاة سواء ضلوا عن جهل او لعدم سهر واهتمام الراعى او الاسرة او بدافع الطيش والتهور، وفى كل الحالات يسعى الله الى خلاصنا . لقد حمَّل السيد المسيح الرعاة مسئولية إضاعة الخروف الضال. وحمَّل الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال كان باب التوبة مفتوحًا، والعودة المفرحة مطلوبة، وسعي الله والكنيسة لعودة الخطاة موجود، ويبقى دور الإنسان الخاطئ نفسه فى التوبة والرجوع .ان الله يبحث عن الضال بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي البراري القفرة. والكنيسة توقد له سراج الروح القدس وتصلى من اجله وتفرح لرجوعه ، وتفتش باجتهاد عن الخاطئ بروح الرعاية الحانية حتى تجده، أما الخاطئ فمطلوب منه أن يرجع إلى نفسه ويقارن حالته السيئة بسبب الخطية بحالته قبل السقوط ، ويقوم سريعًا ويذهب إلى أبيه، ويعترف أمامه بخطاياه، ويفرّح السماء والملائكة بعودته سالما { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} لو 7:15. السيد المسيح يدافع عن الخطاة ويحررهم .. راينا كيف دافع الرب يسوع المسيح عن المرأة الخاطئة فهو المحبة الحانية والرحمة الغافرة المحررة { وقدم اليه الكتبة والفريسيون امراة امسكت في زنا ولما اقاموها في الوسط. قالوا له يا معلم هذه المراة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول انت.قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض.ولما استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر.ثم انحنى ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض. واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الاخرين وبقي يسوع وحده والمراة واقفة في الوسط.فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المراة قال لها يا امراة اين هم اولئك المشتكون عليك اما دانك احد.فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك اذهبي ولا تخطئي ايضا} يو 3:8-11. نعم من منا بلا خطية لهذا يجب ان نترفق بالخطاة ونتأنى ونعلن لهم محبة الله ليتوبوا ويرجعوا وتمحي خطاياهم . السيد المسيح هو الرحمة المعلنه لنا ودمه الثمين الذى سفك على الصليب كفارة لخطايانا { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2) . {في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا }(1يو 4 : 10). جال السيد المسيح يبحث عن خلاص الخطاة .. يصنع خيراً ويشفى المرضى ويقيم الساقطين ويبحث عن الضالين . راينا كيف سار من الصباح الباكر حتى الظهيرة ليخلص المرأة السامرية ويقودها للاعتراف الحسن والتوبة مبيناً ان من يشرب من ماء الشهوة والخطية لا يشبع { اجاب يسوع و قال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا. ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية} يو 13:4-14. وهو الذى قال على لسان حزقيال النبى قديما { انا ارعى غنمي و اربضها يقول السيد الرب.واطلب الضال واسترد المطرود واجبر الكسير واعصب الجريح واحفظ السمين والقوي وارعاها بعدل } حز15:34-16وعلى الصليب كما تنبأ اشعيا النبى قديما رايناه مجرحا لاجل معاصينا ومسحوق من اجل آثامنا وبجراحاته وصلبه شُفينا{ احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح و كنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه } أش 4:53-7. وكما تنبأ عنه القديس يوحنا المعمدان { وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم }(يو 1 : 29). رايناه على الصليب يقدم ذاته فداءاً عنا ويغفر حتى لصالبيه { يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34). الرسل وكرازتهم بالإيمان والتوبة .. اوصى السيد المسيح تلاميذه الاباء الرسل بعد القيامة ان يكرزوا باسمه للتوبة { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم} لو 44:24-47. وهكذا راينا الرسل بعد صعود السيد المسيح وحلول الروح القدس عليهم يبشروا بالتوبة والايمان وبعظة واحدة للقديس بطرس آمن ثلاثة الاف نفس { فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع ايها الرجال الاخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس} أع 37:2-38. وبعد شفاء المقعد عند باب الهيكل راينا الرسل ينادوا بالتوبة والايمان {فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل} (اع 17 : 30). هكذا لخص القديس بولس الرسول أمام رعاة الكنيسة كيف قضى حياته كارزاً بالتوبة {شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة الى الله والايمان الذي بربنا يسوع المسيح }(اع 20 : 21) . وكان يشهد امام اليهود والامم والكبير والصغير على نعمة الله المحررة والمغيرة والقادرة ، فامام اغريباس الملك وزوجته والوالى الرومانى بين لهم كيف ظهر له السيد المسيح وغيره من شاول مضطهد الكنيسة الى بولس الرسول المجاهد من أجل نشر بشارة التوبة والخلاص { فقلت انا من انت يا سيد فقال انا يسوع الذي انت تضطهده. ولكن قم و قف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما وشاهدا بما رايت وبما ساظهر لك به.منقذا اياك من الشعب ومن الامم الذين انا الان ارسلك اليهم. لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين.من ثم ايها الملك اغريباس لم اكن معاندا للرؤيا السماوية.بل اخبرت اولا الذين في دمشق وفي اورشليم حتى جميع كورة اليهودية ثم الامم ان يتوبوا ويرجعوا الى الله عاملين اعمالا تليق بالتوبة} أع 15:26-20. من اجل هذا رايناه فى تواضع ودموع يقول { صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا (1تي 1 : 15). وينبهنا ان لا نستهين بغنى لطف الله وامهاله علينا بل يجب ان نسرع الى التوبة {ام تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم ان لطف الله انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4). من اجل هذا يقول القديس باسليوس : (جيد ان لا تخطئ وان اخطأت فجيد ان لا تؤخر التوبة وان تبت فجيد ان لا تعود للخطية وان لم تعد فاعرف ان ذلك بمعونة الله وان عرفت ذلك فجيد ان تشكر الله ). ان الله يدعونا الى عدم اليأس او قطع الرجاء.. فباب مراحم الله مفتوح دائما للراجعين اليه فقد تنبأ الانبياء عن السيد المسيح { يخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} مت 18:12-21. فهو الذى جاء ليطلب ويخلص من قد هلك . ان الشيطان يعمل باستماتة ان يوقعنا فى اليأس من جهة أمكانية بعدنا عن الخطية لنستمر فيها أو من جهة قبول الله لنا ، لكن علينا ان نتمسك بالرجاء وبرحمة الله ونقوم ونرجع الى الله ونقول { لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم اذا جلست في الظلمة فالرب نور لي }(مي 7 : 8).فلا تيأس من نفسك بل أطلب من الرب ان يهبك القوة والقدرة والتوبة { توبني فاتوب لانك انت الرب الهي} (ار 31 : 18). والله هو معين من ليس له معين ورجاء من ليس له رجاء وهو كالسامرى الرحيم يبحث عن الانسان الذى جرحته الخطية ليضمد جراحاته ويعالجه ويضمه الى كنيسته لتعتنى به وهو كراعي صالح يتكلف بكل نفقات خلاصنا. لقد غفر لبطرس نكرانه وجحوده ورده الى رتبته مرة اخرى كما غفر لهارون رئيس الكهنة قديما اشتراكه فى صنع العجل الذهبى وعبادته بدلا من عبادة الله الحي بهذه الرحمة نتمسك ونتغني { الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة.لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر.لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا. لانه مثل ارتفاع السماوات فوق الارض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يتراف الاب على البنين يتراف الرب على خائفيه.لانه يعرف جبلتنا يذكر اننا تراب نحن} مز 8:103-14. كيف أتوب ؟ محاسبة الذات .. ان حساب الذات ومعرفة اننا مخطئين تجاه الله بخطايانا هو بداية التوبة { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). هكذا فعل الابن الضال بعد ان أخذ نصيبة من ميراث ابيه وبدده فى ارض الخطية وجاع ولم يجد ما يشبعه حتى من أكل الخنازير كرمز للخطية { فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته. وبعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف. فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدا يحتاج. فمضى والتصق بواحد من اهل تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير.وكان يشتهي ان يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تاكله فلم يعطه احد. فرجع الى نفسه و قال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز و انا اهلك جوعا.اقوم و اذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك.ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا اجعلني كاحد اجراك . فقام وجاء الى ابيه واذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه و قبله. فقال له الابن يا ابي اخطات الى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. فقال الاب لعبيده اخرجوا الحلة الاولى والبسوه و اجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه.وقدموا العجل المسمن و اذبحوه فناكل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون} لو 12:15-24. يجب ان نفكر فيما حصدناه فى البعد عن الله ونصارح أنفسنا والله ونقف أمامه فى خشوع ودموع.. القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
30 يناير 2021

محبتنا للقديسين وإكرامنا لهم

اليوم فى عيد الأنبا أنطونيوس ، أتأمل معكم إكرام كنيستنا للقديسين . فى الواقع أن كل أبناء الكنيسة القبطية يحبون القديسين محبة كبيرة، ربما لا توجد فى أية كنيسة أخرى.انظروا إلى أعياد القديسة العذراء مثلا، وأعياد مار جرجس ، وأعياد الملاك ميخائيل ، والأنبا أنطونيوس ، والقديسة دميانة، والأنبا رويس والأنبا بيشوى ، والأنبا موسى الأسود ، ومكسيموس ودوماديوس… كم ترون فى زحام الناس ومحبتهم وتشفعهم بالقديسين…! كم من قديسين تركوا العالم ، ولكن العالم لم يتركهم ولا نسيهم.هم أمامنا فى كل حين ، نقابل حياتهم بوفاء عميق. وفاء نحو آباء عاشوا فى غير زماننا . ولكنهم ما زالوا فى قلوبنا وفى أفكارنا . أنها مشاعر وفاء، ومشاعر حب نحو الآباء.وحب الآباء الروحيين فضيلة راسخة فى أبناء كنيستنا . سواء الآباء الأحياء. أو الذين انتقلوا منهم … نقابلهم جميعا بكل توقير لأبوتهم، ولحياتهم ، وذكراهم. ولا يفهم الآباء خطأ ، ما قد فهمه البعض من عبارة: " لا تدعوا لكم أبا على الأرض". فهذه العبارة قالها السيد المسيح للرسل الإثنى عشر فقط ، لا لعامة الناس ، على اعتبار أن الرسل وخلفاءهم ليس لهم آباء على الأرض . أما بقية الناس فلهم آباء.يوحنا الرسول يقول: " يا أولادي، أكتب لكم هذا لكي لا تخطئوا" (1 يو 2: 1 ). وبولس يصف تيموثاوس بأنه" الابن الحبيب" ( 2تى 1: 2). وتيطس " الابن الصريح حسب الإيمان " (تى 1: 4) . ويقول لفليمون :" أطلب إليك لآجل أبني أنسيموس الذي ولدته فى قيودي "( فل 10). ويقول لأهل غلاطية " يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضا"( غل4: 19). ويقول لأهل كرونثوس" أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل " ( كو 4: 14 – 17 ). وبطرس الرسول يقول :" مرقس أبني "( 1بط 5: 13 ).الأبوة الروحية موجودة إذن فى الكنيسة ونحن نحب آباءنا.وهناك رابطة كبيرة بيننا، وبين الذين فى الفردوس.رابطة بين أهل العالم الحاضر والأخر . وهذه الرابطة مستمرة . إكرام القديسين دليل على وجودها . فالله ليس إله أموات . وإنما إله أحياء.ونحن نشعر أن هؤلاء القديسين ما زالوا أحياء ، وأنهم يعيشون بيننا، ونتحدث إليهم تماما كما نتحدث إلى الأحياء.يقف إنسان أمام أيقونة العذراء أو مار جرجس أو الأنبا أنطونيوس ، ويطلب، ويتكلم فى دالة، ويعاتب أيضا.نحن لا نشعر إطلاقا أن القديسين قد فارقوا عالمنا ، أو انتقلوا منه أو انتهوا…! كلا ، بل نشعر بوجودهم باستمرار.ونذكرهم ليس فى أعيادهم فقط، بل فى كثير من صلواتنا .القديس الأنبا أنطونيوس مثلا ، لا نذكره فقط فى عيده ، إنما يذكر فى مجمع الآباء فى كل قداسات الكنيسة . وليس فقط فى القداسات ، إنما أيضا فى تسبحه نصف الليل كل يوم فى الأبصلمودية ، نذكره مع آبائنا جميعا نحن لا ننسى آباءنا أبدا ،مهما نسى الغير آباءهم وأجدادهم . أنها كنيسة تتسم بالوفاء وحب الآباء وفى ذكرنا للقديسين وإكرامنا لهم ، إنما نعلن إيماننا بالأبدية، وبأن الحياة لا تنتهي بالموت ، وإنما لها امتداد بعد الموت لولا شعور كل واحد منا ، بأن الأنبا أنطونيوس لا يزال حيا’ يشفع فينا ويشعر بنا ’ ما كنا نحتفل به الآن ، ونردد له الألحان …! أنحتفل بحفنة تراب ؟ كلا ،بل بحياة. إننا نحتفل بكائن حي، نثق بأن حياته مستمرة ، فى الأبدية. وهذا يعطينا أيضا ثقة ، بأن حياتنا ستبقى مثل آبائنا وفى إكرامنا للقديسين، إنما أيضا نكرم الفضيلة ، التى عاشوها.الذين يكرمون رجال العلم ، إنما يكرمون العلم أيضا والذين يكرمون الأبطال، إنما يكرمون البطولة فيهم ، والذين يكرمون الأذكياء ، إنما يكرمون الذكاء ضمنا. كذلك الذين يحبون القديسين ويكرمونهم، إنما يحبون القداسة فيهم ويكرمونها نحن نحب القديسين، لأن فى حياتهم صفات نحبها . والكنيسة فى إكرامها للقديسين، إنما تكرم صفات القداسة فى أشخاصهم . حينما نقرأ كتابا روحيا، نطلع على مبادئ وأفكار روحية.أما فى حياة القديسين ، فنرى المبادئ الروحية ممثلة عمليا.ونثق أن الفضائل ليست أمورا نظرية، بل هي واقع ملموس، فنطمئن ونثق أن طريق الكمال ممكن التنفيذ وحياة قديس كالأنبا أنطونيوس تعلمنا أشياء كثيرة .تعطينا فكرة كيف أن الإنسان يمكنه أن يكتفي بالله ، ومعه لا يحتاج إلى آخر، ولا يعوزه شئ . بحيث يستطيع أن يترك الكل من أجل الرب ، الذي يصير له الكل فى الكل .وتعلمنا سيرته أيضا، كيف يمكن أن الإنسان يجلس وحده، فلا يمل ولا يسأم ولا يضجر، لأن قلبه مع الله فى كل حين شبعان بالرب تعطينا حياته مثالا عمليا عن الصداقة مع الله ، والعشرة مع الله، التى تملأ القلب وتملأ الفكر ، وتملأ الحياة ، فيقول مع المزمور :" معك لا أريد شيئا على الأرض ". إنها حياة:" الانحلال من الكل . للارتباط بالواحد " آي ينحل من كل أحد ،ومن كل شئ لكي يرتبط بواحد هو الله وما أكثر الفضائل التى نراها عمليا فى حياة هذا القديس. فى المعرفة، فى الإفراز، فى التواضع ، فى الهدوء والسكون . فى الوحدة فى محبة الله، أترى أنسانا يحوى كل هذا فى حياته؟! لأجل هذا قلت لكم أن القديسين عينات ممتازة من البشرومحبتنا وإكرامنا للقديس الأنبا أنطونيوس ، تعنى أيضا محبتنا لحياة الصلاة والتأمل والنسك، التى اتصفت بها حياة الرهبنة.لو لا إعجاب الناس بهذه الحياة النسكية والتأملية التى عاشها الأنبا أنطونيوس ما كانوا يبنون الكنائس والمذابح على أسمه، وما كانوا يرسمون له الأيقونات، ويقيمون له الأعياد وإكراما للقديسين يعنى أيضا لله نفسه لأنه قال : من يكرمكم يكرمني . ومن يقبلكم يقبلني … ولأننا نحب الله ، لذلك نحب أولاده الذين أحبوه والكنيسة فى إكرامها للقديسين، وزعت أعيادهم على مدار السنة فى كل يوم من أيامنا ، تحتفل الكنيسة بعيد أحد القديسين. أو بعض القديسين ، لا يخلو يوم من تذكار قديس ونحن نحتفل بهؤلاء القديسين فى أيام انتقالهم من هذا العالم ،فى يوم الوفاة أو يوم الاستشهاد ، لأنه اليوم الذي أكمل فيه القديس جهاده على الأرض… وكما قال الرسول: " انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم"(عب13: 7).هؤلاء القديسون الذين نحتفل بهم ، إنما هم عينات ممتازة. إن كل من يحيا حياة الإيمان ؛ يسميه الكتاب قديسا.يكتب القديس بولس الرسول إلى :" القديسين الذين فى أفسس"( أف 1: 1) وإلى :" جميع القديسين فى المسيح يسوع الذين فى فيلبى"( فى1: 1) ويختم رسالته إليهم بعبارة " يسلم عليكم جميع القديسين "( فى4: 22). ويكتب أيضا إلى :"القديسين الذين فى كولوسى " (كو1: 2). ويخاطب العبرانيين بقوله:" من ثم أيها الأخوة القديسون، شركاء الدعوة السماوية"( عب 3: 1) . لأشك أن كل مؤمن، نزع الإنسان العتيق، ولبس المسيح فى المعمودية( غل3: 27). وسكن فيه الروح القدس ، وعاش فى طاعة الرب ؛ وفى ممارسة أسراره المقدسة، هو قديس لكننا هنا لا نتكلم عن القداسة العادية ، إنما نقصد العينات الممتازة، التى ارتفعت روحيا فوق المستوى العادى كالأنبا أنطونيوس هؤلاء جاهدوا كثيرا لكى يصلوا إلى هذه القداسة. وكل جهاد لهم ، إنما برهنوا فيه على محبتهم لله، وعلى أنهم مستعدون لبذل كل جهد من أجل الثبات فى الرب وهذا لا يمنع من أن البعض ولدتهم أمهاتهم قديسين، أو كانوا فى بطون أمهاتهم قديسين مثال ذلك يوحنا المعمدان الذي قيل عنه:" ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس"( لو1: 15). والذي أحس بالمسيح فى بطن مريم ، فإرتكض يوحنا بابتهاج فى بطن أمه فرحا بالمسيح (1: 43 ) ومثال ذلك أيضا أرميا النبي ، الذي قال له الرب :" قبلما صورتك فى البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيا للشعوب"(أر 1: 5) هذه عينات نادرة، مستوى عال وهبة من الله.أما الأنبا أنطونيوس، فهو شاب ولد فى أسرة عادية، غنية. ولكنه ، وانتصر على عقبات كثيرة، حتى وصل. مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد
29 يناير 2021

القديس أنطونيوس ومحبته لله

لما ملكت محبة الله على قلب القديس أنطونيوس ، أنتزع الخوف تماما من قلبه حتى من الله نفسه، ما عاد يخاف واستطاع أن يقول لتلاميذه ، تلك العبارة المشهورة عنه[ يا أولادي ، أنا لا أخاف الله] فلما تعجبوا قائلين[ هذا الكلام صعب يا أبانا ] أجابهم[ ذلك لأنني أحبه. والمحبة تطرح الخوف إلى خارج] ( 1يو 4: 18) حقا أن الحياة الروحية يمكن أن تبدأ بمخافة الله ، كما قال الكتاب " بدء الحكمة مخافة الله "(أم9: 10) وبالمخافة ينفذ الإنسان الوصايا ولكنه إذ يمارس الحياة الروحية ، يجد فيها لذة ومتعة، فتزول المخافة ويبقى الحب وكلما نما الإنسان فى محبته لله ولوصاياه، حينئذ " المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" والقديس الأنبا أنطونيوس ، عاش فى هذه المحبة : بدأ بها ، فدفعته إلى الوحدة ثم نما فيها ، حتى وصل إلى قممها لولا محبته لله ، ما استطاع أن يحيا فى الوحدة فمحبة الله إحدى الصفات الجوهرية التي ينبغي أن يتميز بها من يطلب الوحدة . وكما نقول فى صلاة القسمة عن آبائنا السواح والمتوحدين " وسكنوا فى الجبال والبراري وشقوق الأرض ، من أجل عظم محبتهم للملك المسيح"هذه المحبة هي التي دفعتهم إلى سكنى الجبال ، لكي يتفرغوا لعشرة الرب الذى أحبوه من أجل هذه المحبة ، ترك القديس كل شئ ، لأن الله عنده هو أثمن وأغلى من كل شئ ، ومن كل أحد . ولأن محبة الله تشجع القلب ، فلا يحتاج إلى محبة أخرى تسنده أو تعزيه محبة الله هي الدافع إلى الوحدة ، وهي الدافع إلى الصلاة أحب القديس الله . ومن محبته له أنفرد به ، وأصبح لا يستطيع أن يفارقه ، ولا يستطيع أن ينشغل عنه بشخص أخر . وكما قال الشيخ الروحاني فى ذلك [ محبة الله غربتني عن البشر وعن البشريات]. ومن محبته له ، وجد متعه روحية فى مخاطبته والتحدث إليه ، كما يقول داود النبي " محبوب هو أسمك يا رب ، فهو طول النهار تلاوتي "، وكما نقول فى التسبحة" أسمك حلو ومبارك ، فى أفواه قديسيك" أن عمق الرهبنة هو فى معناها الإيجابي الالتصاق بالله . أما معناها السلبي : البعد عن العالم، فهو مجرد وسيلة ما أحلى قول داود النبي " أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب "( مز73). وكيف يلتصق الإنسان بالرب ، أن كان بكل مشاعره وفكره منشغلا بالعالم وما فيه؟!ومحبة الله ، كما قادت للوحدة والصلاة ، قادت إلى الزهد لأن الشخص الذى يذوق الله وحلاوة محبته ، يبدو كل شئ آخر تافها أمامه . وأمام حلاوة الله ، يفقد كل شئ آخر قيمته ، ويصبح باطلا وقبض الريح. وكما قال بولس الرسول " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لأربح المسيح" (فى 3) . وهنا نجد الزهد ليس مجرد عمل تغصب ، يغصب فيه الإنسان نفسه على ترك مقتنيات العالم وملاذه من أجل الله ، إنما هو اقتناع عميق بتفاهة كل شئ . وهذا الاقتناع نتيجة لمحبة القلب لله وهكذا يرى الإنسان أن كل متع العالم لا تشبعه، فيزهدها ، لأن قلبه قد أنفتح على محبة أكبر ، وأعمق ، وأسمى ، هي محبة الله ، التي تضاءل أمامها كل شئ آخر . ومن الناحية المضادة، إن ملكت محبة العالم على قلب إنسان ، نزعت منه محبة الله ، ولذلك يقول الرسول أن " محبة العالم عداوة الله "ونحن نسأل أنفسنا كيف استطاع القديس أنطونيوس ، أن يسكن وحده فى تلك المغارة البعيدة؟ وكيف أحتمل البعد عن كل عزاء بشري ؟ وكيف وجد شعبة فى الوحدة ؟ الجواب هو أنه كان شبعانا بمحبة الله ، فلم يعوزه شئ الوحدة بالنسبة إليه ، لم تكن وحدة مطلقا ، وإنما كانت فى حقيقتها عشرة مع الله ، ومع ملائكته عشرة ألذ من عشرة البشر ، ومن المجتمعات البشرية.وعشرته مع الله جعلت المحبة تنمو فى قلبه ، فحينما كان يلتقي بالناس ، كان يلتقي بهم فى حب. وكانت معاملاته لتلاميذه مشبعة بروح الإتضاع والود ، من ثمار الحب الذى فيه وهكذا لم تكن وحدته انطواء ، وأنما حبا ومع محبته للقديس بولس البسيط ، طلب إليه أن يسكن وحده ، لفائدته الروحية لأنه كان يحبه حبا روحيا ، يدفعه إلى أن ينمى محبة التلميذ لله ، ولو فارقه إنها محبة لا تلصقه به شخصيا ، وأنما تلصقه بالله ، الذى يحب المعلم والتلميذ كليهما معا ، أنطونيوس العظيم وبولس البسيط… مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد
28 يناير 2021

القديس أنطونيوس ومحبة الوحدة والسكون

أننا لا نستطيع أن نتأمل حياة الأنبا أنطونيوس فى يوم عيده ، دون أن نتذكر حياة الوحدة والسكون التي عاشها ، وثمار هذه الحياة فى حياته وفى تعاليمه لقد ذكر عنه القديس أثناسيوس الرسولى أنه قضى ثلاثين سنة، وقد أغلق على نفسه فى وحدة كاملة، لا يرى فيها وجه إنسان وفى هذه الوحدة اختبر ثمار السكون ، فى خلوة كاملة مع الله . وأمكنه أن يفرغ ذهنه من تذكارات العالم وأخباره وتفاهاته، لكي يملأ هذا الذهن بالله وحده ، فلا يفكر إلا فيه وفى مذاقته لحلاوة السكون نصح أولاده فيما بعد ، خوفا عليهم من أن يتبدد سكونهم خارج البرية، فقال[ الراهب فى الدير كالسمكة فى البحر ، لا تحيا خارج مياهه] وحتى حينما عاش معه القديس الأنبا بولس البسيط بضع سنوات ، يتتلمذ عليه ، ويحيا تحت ظل صلواته، طلب إليه أن يدخل إلى البرية ويحيا وحده [ ليجرب حروب الشياطين ]إنه الدرس الأول الذى أخذه الأنبا أنطونيوس [ أن كنت راهبا ، فأدخل إلى البرية الجوانية]… وكان هذا هو الدرس الذى يقال لكل راهب ، فى أن يتعلم الهدوء[ اجلس فى قلايتك ، والقلاية ستعلمك كل شئ] إن القديس الأنبا أنطونيوس هو الذى وضع أساس الرهبنة الأصيل. والنظام الذى وضعه هو الذى بقى أكثر من غيره… أكثر من حياة الشركة التي كانت تعتمد على رئيس حازم قوى كالقديس باخوميوس مثلا ، يديرها بدقة وجدية ، ويعاقب من يكسر قوانينها … فإذا لم توجد هذه الرئاسة انتهى قيام الرهبنة تبعا لذلك … وهكذا انتهت كثير من أديرة القديس باخوميوس.أما القديس أنطونيوس فكان يبنى الراهب من الداخل ، بمحبة الوحدة والسكون ، أكثر مما يبنيه بقوانين صارمة تحفظ طاعته كان يبنى قلب الراهب ، لا مجرد إرادته … وتصرفه كان يميت العالم داخل قلبه، ولا يقتصر على إماتة التصرفات العالمية فى سلوكه وهذه الإماتة كانت تأتى أولا بالوحدة ، بالبعد عن الكل ، لحفظ العقل فى السكون وتأتى ثانيا بانشغال الفكر والقلب بالله فى حياة السكون . ما أجمل قول مار أسحق [ إن مجرد نظر القفر ، يميت من القلب الحركات العالمية]. فى البرية تربى موسى قبل عمله الرعوي أكثر مما " تهذب بكل حكمة المصريين". وإلى البرية نقل الله أبانا إبرآم ، حيث تدرب على حياة الخيمة والمذبح ، أي الغربة والشركة مع الله . وفى البرية تدرب إيليا ، على جبل الكرمل . وفى البرية تدرب أيضا يوحنا المعمدان ، أعظم من ولدته النساء . وربنا يسوع المسيح أيضا أحب البرية والجبال ، وترك لنا فى ذلك مثالا ، حتى كما كان يختلي فى جبل الزيتون ( يو 8: 1) ويقضى الليل فى الصلاة ، نفعل نحن أيضًا وهكذا عاش الأنبا أنطونيوس ، ليس أياما ، وإنما الحياة كلها عاش بعيدا عن المدن ، وما فيها من صخب وضجيج وضوضاء ، وأيضا بعيدا عما فيها من دوامة المشغوليات ، التي لا تعطى فرصة لجلوس الإنسان مع نفسه أو جلوسه مع الله حقا ، لقد سألت نفسي مرة : لماذا خلق الله كل هذه الصحراوات؟ هذه الصحراوات الواسعة، وهذه الجبال والتلال ، فى كل قارة من القارات ، تمثل الهدوء والوحدة ، بعيدا عن صخب المدن أليس فى كل هذا إيحاء ، يشير إلى الناس بحياة الهدوء ؟! وكان السيد المسيح يأخذ تلاميذه إلى موضع قفر ، حتى تتركز حواسهم فى كلامه، ولا تنشغل بالمناظر والأفكار إن كل إنسان فى الدنيا ، مهما تعمق فى الحياة الروحية … هو محتاج إلى فترات هدوء ، يجلس فيها إلى الله، وإلى نفسه يهدأ بعيدا عن المشغوليات ، وبعيدا عما تجلبه الحواس من أفكار … وفى هدوء يأخذ من الله ، وأيضا يفحص ذاته ، ويأخذ من أعماق أعماقه ، حيث يسكن الله أيضا . هذا هو أول ما يجذبنا ، فى الحياة العميقة التي عاشها قديسنا وحياة السكون هذه، لها دلالتها الروحية الكثيرة فليس كل إنسان يستطيع أن يحيا حياة السكون فى البرية. وإن استطاع ذلك بضعة أيام أو أسابيع ، فلا يستطيع أن يحيا فى البرية العمر كله ، إلا إن كانت له دوافع روحية راسخة ، كما كان للقديس أنطونيوس . فما هي هذه الدوافع؟ أول صفة تلتزمها حياة البرية ، هي الزهد أن الذي يحب العالم ، تجذبه أمور العالم ، فلا يستطيع أن يبقى فى البرية إذ يشتاق إلى ما تركه فى العالم من أمور محببة إلى نفسه . وكما قال الكتاب : " حيثما يكون كنزك ، فهناك يكون قلبك "( مت 6: 21) . إنما يحيا فى البرية ، الإنسان الذى مات قلبه عن العالم موتا حقيقيا . بمقدار ما يكون قلبه مائتا عن العالم ، هكذا يكون ثباته فى البرية أيضا إذن الموت عن العالم ، يسبق بالضرورة الحياة فى البرية والقديس الأنبا أنطونيوس كان قلبه قد مات عن العالم وكل رغباته : ترك الأهل والبلد والمال والجاه والعلم وكل شئ . ولم يعد يشتهى شيئا عالميا ، لذا استطاع أن يسكن فى مقبرة ، وأن يسكن فى القفر وأن يحتمل الجوع والعطش والوحدة كذلك السكنى فى البرية تحتاج إلى شجاعة قلب يصلح لها قلب لا يخاف … لا يخاف الوحدة ، ولا الظلام ، ولا الوحوش والدبيب ، ولا الشياطين … وهكذا كان الأنبا أنطونيوس ، لقد تعرض لحروب مخيفة جدا . وكان الشياطين يظهرون له فى هيئة وحوش مفترسة ، تصيح بأصوات مرعبة، وتهجم عليه. ومع ذلك لم يخف ، بل وقف صامدا أمامهم … كذلك هاجموه لما كان فى المقبرة ، وضربوه ضربا مبرحا جدا ، ولم يهتز إطلاقا . وفيما بعد أصبحت الشياطين هي التي تخاف الأنبا أنطونيوس ، وأخذ قوة من الله على طرد الشياطين هذا هو الأنبا أنطونيوس رجل البرية ، وأبن الجبال ، صاحب القلب القوى الذى لا يخاف ، الذى عاش فى الجبال وحده عشرات السنوات ، لا يؤنسه سوى الله السكنى فى البرية أيضا يلزمها إنسان يعرف كيف يقضى وقته حسنا ، بحيث لا يمل من فراغ يحيط به فالوحدة ليست مجرد عمل سلبي ، هو البعد عن العالم ، أو الموت عن العالم ، إنما هي عمل إيجابي فى الحياة مع الله والالتصاق به ، ومذاقه حلاوته والعشرة معه. وهذا هو الهدف الأساسي من الوحدة ، التي تعتبر مجر وسيلة للالتصاق بالله . وأن كانت الوحدة هي الإنحلال من الكل ، فإن مار أسحق يقول [ الإنحلال من الكل ، للارتباط بالواحد] والأنبا أنطونيوس عاش حياة الصلاة وحياة التأمل ، منشغلا بالله كل وقته ، فكرا وقلبا ، فلم يمل ، ولم يعد محتاجا إلى عزاء بشرى يسليه. وصارت الوحدة بالنسبة إليه متعة روحية ، بسبب العشرة الإلهية التي شغلت حياته ولم يعش وحده فى البرية ، وانما كان الله معه عرف أن " الحاجة إلى واحد "، ونجح فى الارتباط بهذا الواحد ولما عاش فى حياة السكون ، دخل السكون إلى قلبه أيضاوكما قال مار أسحق :[ بسكون الجسد ، نقتنى سكون النفس ] هدأت حواسه ، وهدأت أفكاره، وهدأ قلبه من الداخل ، وهدأت ملامحه أيضا ، وصار مصدرا للسلام لكل من يتصل به . وفيه أحب الناس هذه الحياة الهادئة الساكنة المملوءة بالسلام بمرور الوقت زالت من فكره كل التذكارات القديمة التي عاشها فى العالم ، وأخذت نقاوة فكره تنمو شيئا فشيئا، حتى لم يعد فى فكره سوى الله وحده. أو محيت من ذهنه كل العالميات ، إذ لا استعمال ، ولا جديد يضاف إليها ، بل لا جديد سوى الأمور الإلهية التي رسخت فى ذهنه ، وملكته كله وفيما بعد، حينما سمح أن يكون له تلاميذ ، وزوار ، لم يكن يكلمهم إلا عن الله وحياة الروح. فصارت حياته كلها مركزة فى الله، فكرا، وشعورا وكلاما ومات العالم من حوله استطاع أن يحول الأرض التي عاش فيها إلى سماء ، وأن يحول أبناءه الرهبان إلى ملائكة أرضيين أو بشر سمائيين أما أنتم يا أخوتي ، فإن كنتم لا تستطيعون أن تسكنوا الجبال فعلى الأقل لا تحرموا أنفسكم من الخلوة والسكون على قدر طاقتكم ولو بضعة أيام كل سنة ، أو يوما كل أسبوع ، أو ساعة كل يوم ، أو بضعة دقائق كل ساعة انفضوا ضجيج العالم من آذانكم ، وغوصوا داخل أنفسكم ، واكتشفوا فى أية الطرق أنتم سائرون ، وماذا على كل منكم أن يفعل وأجلسوا مع الله ، وخذوا منه معونة ولا تجعلوا الفترة تطول بكم وسط ضجيج العالم ، حيثما استطعتم أن تنسحبوا من هذا الضجيج، انسحبوا بسرعة وإن لم تستطيعوا أن تنسحبوا منه موضعيا، فعلى الأقل انسحبوا منه موضوعيا فلا تشتركوا فى أعماله وأحاديثه كونوا كغرباء فى الموضع الذى لا يناسبكم حديثه. لا تشتركوا فى الكلام ، أن لم يمكنكم تغيير دفته. وفيما أنتم صامتون ، اسرحوا بأفكاركم فى الله وملكوته ، دون أن يشعر أحد وهكذا تحتفظوا بقلوبكم مع الله ، سواء كنتم فى خلوة أو مع الناس ، كما قال عن ذلك (الشاعر): كنت فى مجتمع أو خلوة أنا وحدي ، يستوي الأمران عندي لي طريق مفــرد أحببتـه عشـت فيه طـول هـذا العمر وحدي المهم أن محبة السكون تكون فى القلب ، وكإحدى نتائجها تتكون الرغبة فى الاختلاء بالله ، حتى وسط مشغوليات المجتمع ونصيحتي أنكم لا تأخذون أمور العالم بعمق لا تجعلوا أمور العالم تستقر فى عمق اهتمامكم ، بحيث تستولي على ذهنكم ، ويطيش فيها فكركم وقت الصلاة…!وفى محبتكم للوحدة ، لا تنفروا من الناس ومحبتهم، بل انفروا من الأخطاء … لأن هناك فرقا بين الوحدة والانطواء والقديس الأنبا أنطونيوس كانت حياته حبا للوحدة، حبا فى الله ، ولم تكن انطواء ولا كراهية للناس أو عجزا فى معاملتهم فكلما سمحت الفرصة ، كان يفيض حبا على الناس ، وكانت معاملاته تتميز بالطيبة والوداعة واللطف… مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد
27 يناير 2021

القديس أنطونيوس أعطى أم أخذ ؟

لا شك أن القديس أنطونيوس قد أعطى الرب كل شئ إنه حسب الوصية:" مضى وباع كل ما له وأعطاه للفقراء "…أعطى الرب ثلثمائة فدان من أجود أطيان بنى سو يف .وأعطى الرب أيضا ما كان ينتظر من مركز وجاه كوريث لوالده. وأيضا زهد فكرة الزواج وما كان يمكن أن ينجبه من أولاد . وكذلك زهد كل ما فى الدنيا من علم ومعرفة ومتع وصلة بالناس ومع كل ذلك يلح علينا السؤال : هل هذا القديس قد أعطى أم أخذ ؟ أم أعطى فأخذ ؟… وننتقل من هذا السؤال إلى سؤال آخر يتبعه هل الرهبنة عطاء أم أخذ ؟ أم هى عطاء يتحول إلى أخذ ؟ أو عطاء يكافأ بأخذ؟ الأخذ فيها أكثر من العطاء؟ * هذا القديس أعطى الله قطعة أرض (300 فدان). ولكن الله أعطى الأرض كلها ، والسماء أيضا… فأصبح له فى كل بلد من البلاد أديرة، وكنائس ، وأماكن مقدسة . وأصبحت له كل البرية أيضا، وكل الأديرة التى على أسماء قديسين آخرين ، لأنه أبو الرهبنة فى العالم كله. فهل أعطى أم أخذ؟ أنني حينما أرى الأراضي والأملاك الموقوفة على دير الأنبا أنطونيوس فى مصر وحدها . أرى أنها أكثر مما تركه القديس الأنبا أنطونيوس فى قمن العروس …! بالإضافة إلى أرض الأحياءوانظروا إن كلمة ربنا يسوع المسيح لم تسقط أبدا ، حينما قال " من ترك أبا أو أما … أو أخوة أو أخوات ، أو زوجة، أو مقتنيات من أجلى، يأخذ مائة ضعف فى هذا العالم ، وملكوت السموات" ( مر 10: 29) لعل البعض حينما أعطى القديس أنطونيوس أرضه للرب ، قالوا عنه: مسكين ، ضيع نفسه وأرضه وثروته ومستقبله…! بينما يرد الرب عليهم قائلا: من أضاع نفسه من أجلى يجدها " (مت 16: 25) ويقول الكتاب للأنبا أنطونيوس :" مناك ربح عشرة أمناء"( لو 19: 16). ماذا ترك القديس أيضا غير الأرض ؟ هل ترك أولادا؟! لنفرض أن الشاب أنطونيوس ، بدلا من الرهبنة تزوج وأنجب ، كم من أبناء كان سينجب ؟ خمسة؟ عشرة؟ عشرين ؟… هودا له الآن آلاف من أبنائه الرهبان فى كل جيل ، يصل عددهم إلى ملايين منذ بدأ الحياة الرهبانية فى أواخر القرن الثالث حتى الآن … يضاف إلى ذلك ملايين من أبنائه الروحيين مثلكم ، من غير الرهبان حقا أن السيد المسيح حينما قال أن يعوض:" مائة ضعفا" كان منكرا لذاته فى كرمه ، لأنه أعطى بآلاف الأضعاف بل قد جعل الله هذا القديس يتخطى حدود المكان والزمان هذا الذي ترك بلده ، وتوحد فى الجبل لأجل الله ، تاركا العالم لأجله ، أصبح العالم كله يتحدث عنه . اسمه وصل إلى أقطار المسكونة كلها . لا توجد قارة من قارات العالم الست ، لا تعرف الأنبا أنطونيوس ! اسمه تخطى حدود قريته ، بل حدود مصر ، بل حدود أفريقيا ، حتى فى أيامه… وأصبح له أولاد وأديرة وكنائس فى كل موضع . وأصبحت له أماكن مقدسة لا تعد . حقا ، هل أعطى أم أخذ ؟! وماذا أعطى القديس الأنبا أنطونيوس أيضا للرب ؟ هل أعطاه عمرا؟ هو ذا الله جعل حياة الأنبا أنطونيوس تتخطى الزمان ! كثيرون تنتهي حياتهم فى الأرض بوفاتهم ، وينساهم جيلهم بعد حين ، وتناسهم الأجيال . هــو ذا قـــد مـــر أكثر من 16 قرنا على نياحة الأنبا أنطونيوس ، وما زال حيا بيننا حتى الآن ، حيا فى مبادئه ، وفى تعاليمه ، وفى أولاده ، وفى النهج الذي أختطه ، وفى ذاكراه... إنه من الأسماء الخالدة التى لا تنسى . إنه روح كبيرة، أكبر من الموت . لم يستطع الموت أن ينهى رسالتها . فلم تقتصر حياته على جيله، بل تختطه عبر الأجيال ، ولا تزال بيننا . إنه صاحب حياة بدأت ولم تنته عند رهبنة كل راهب ، يصلون عليه صلاة الأموات( أعنى المنتقلين) . على اعتبار أنه مات عن العالم . ولكن قديسنا هذا بموته عن العالم، دخل فى الحياة التى لا تنتهي ، وما زال بها حيا بيننا أتراه أعطى الله حياة كرسها له ، أم أخذ حياة لا تنتهي؟! هل لأجل الله أيضا ترك جاها وسلطانا وعظمة وشهرة؟ إذ كان أبوه بالجسد ذا جاه وعظمة يورثها لأبنه… هناك وأتخيل لو بقى القديس أنطونيوس فى مكان أبيه، آي مستقبل كان ينتظره ؟ أتراه كان سيصير عمدة البلدة قمن العروس ؟ أو أعظم رجل فى المركز أو فى محافظة بنى سو يف، مدى حياته، ثم ينساه الناس ، كما نسوا أسم أبيه على الرغم مما كان له من عظمة وجاه وغنى…! هو ذا الأنبا أنطونيوس فى جيله ، يرسل إليه الأمبروطور قسطنطين يطلب بركته، ويأتيه الفلاسفة والنبلاء من كل مكان يطلبون حكمته . وينال شهرة لم ينلها أحد. وتسميه الكنيسة: " العظيم الأنبا أنطونيوس ". أتراه حقا فى هذه النقطة ، أعطى أم أخذ ؟! ماذا ترك أيضا لأجل الله ؟ أتراه ترك الكهنوت ؟ فلم نسمع أنه نال من درجات الكهنوت أو رئاسة الكهنوت ولكن هو ذا أولاده صاروا بطاركة وأساقفة .بل أن البابا البطريرك فى أيامه ( القديس أثناسيوس الرسولى) كان أحد أولاده الروحيين . وجميع بطاركة العالم يسجدون فى مواضعه المقدسة ويطلبون بركاته وكل رتب الكهنوت ، مهما علت ، تطلب فى القداس الإلهي صلوات الأنبا أنطونيوس ، وتتشفع به الكل يعتبرون أنفسهم أولاده صدقوني ، لو أكتشف قطعة قماش صغيرة ، ثبت أنها من ثوب للأنبا أنطونيوس لتنافس عليها كل بطاركة العالم وكهنته ورهبانه ترك الأنبا أنطونيوس الكهنوت ورئاسته . فصار كل رجال الكهنوت من أولاده. أتراه فى ذلك أعطى أم أخذ ؟! حقا أن الله يعطى أكثر مما يأخذ ، بما لا يقاس يأخذ حبة قمح ، ليعطيك سنابل مملوءة قمحا. يأخذ نواة بلح ، ليعطيك نخلة، تحمل آلافا من ثمار البلح وللأسف ، البعض يحجمون عن العطاء . تطلب الكنيسة من أم أن تعطى أبنها للرهبنة أو الكهنوت ، فتبكى وتمرض كأن كارثة ستحدث ! تعجبني جدا فى الأمهات ، القديسة حنة أم صموئيل النبي . لم تنجب أبناء . ولما وهبها الرب صموئيل ، أعطته للرب وكان وحيدها ! فأعطاها الرب أولادا آخرين كثيرين ، لعلكم لا تذكرون أسماءهم ( 1صم 1: 22 ). أما الابن الذي أعطته للرب فهو الوحيد الذي خلد أسمه، وعرفت هى به أنها " أم صموئيل"أعط أذن للرب ، وسيرد لك أضعافا ، دون أن تطلب أو تنتظر. الأنبا أنطونيوس أعطى حياته للرب ، وليس فقط أملاكه. فماذا حدث؟ أعطاه الرب بدلا من هذه الحياة الأرضية، حياة روحية خصبة. حياة أبدية مثمرة فى ملكـوته ، أعطــاه أيضــا حياة أبنائه… بل أن الأنبا أنطونيوس ذاته، تحول إلى رمزأصبح ليس مجرد شخص ، وإنما صار رمزا ، رمزا لحياة الوحدة والصلاة والتأمل والزهد والنسك ، رمزا لحياة الرهبنة بكل ما فيها من فضائل وروحانيات . وكما قيل فى إحدى القصائد. أنت رمــــز لحـــياة طهـــرت أشتهي الخــالق يوما أن تكــون أصبح رمزا لحياة الهدوء والسكون، رمزا للحياة التى تتخلى من الكل لكى ترتبط بالواحد، الحياة السامية المقدسة التى لا تنشغل بتفاهات العالم وكل متعه، لأنها تفرغت لله وحده... أعطى راحته وهدوءه، وتعرض لحروب الشياطين وإيذائهم بالتخويف ، بالضرب، بالتشكيك ، فى صورة وحوش ، فى صورة نساء ، بأصوات مرعبة ، فى وحدة بلا أنيس...!ولكن الله أعطاه الاحتمال، والقوة، والانتصار ، وعدم الخوف، وأعطاه سلاما داخليا عجيبا، وأعطاه مهابة روحية، بحيث صارت الشياطين هى التى تخافه وترتعب من قوته الروحية، صارت له موهبة إخراج الشياطين. أتراه فى كل ذلك أعطى أم أخذ؟! كذلك فى تركه العمران وسكناه القفر، هل أعطى أم أخذ؟ يبدوا ظاهريا أنه ترك بهجة العمران ، ودخل فى وحشة القفر . من أجل الرب . ولكن الرب جعل القفر عامرا بهذا الملاك الأرضي . وحول البرية إلى سماء ، كواكبها هم هؤلاء الملائكة الأرضيون. وصار هذا القفر مكانا مقدسا يأتيه الناس من أقاصي الأرضي ليتبركوا حتى بترابه ، وصار جبل انطونيوس جبلا مقدسا وبرية انطونيوس صارت برية مقدسة. وكل شبرا داسته قدماه، باركه الرب ببركه خاصة. وفجر له فى القفر عين ماء . هل حقا أعطى أم أخذ ؟! إن الناس يشتهون بركة بريته أكثر من كل مباهج العمران الله يعطينا طبعا أكثر مما يأخذ منا . ولكن ولكن المهم أن نبدأ نحن بالعطاء . ولا نفكر حينما نعطى أننا نعطي. وأيضا لا نفكر أننا سنأخذ عوضاإن من يجعل علاقته بالله علاقة طلب مستمر وأخذ ، هو إنسان متمركز حول ذاته . أما الإنسان الروحي ، فأنه يعبر عن حبه لله ، بالبذل المستمر ، ويقول للرب : " من يدك أعطيناك" ( 1 أي 29: 14 ). بل في تقديمه شيئاٌ لله ، يشعر بتفاهة ما يقدمه، إذا ما قورن بما أخذه منه هوذا مثل من خارج الرهبنة ، هو موسى النبي لا شك أنه ترك قصر فرعون ،و " أبى أن يدعى أبن ابنة فرعون"وترك كل خزائن مصر "، وصار راعي غنم فى البرية… تراه خسر أم كسب ؟! لقد ترك الأمارة فإذا بالرب يقول له : " جعلتك إلها لفرعون "( خر 7: 1) . وإذا بفرعون يتوسل أكثر من مرة إلى موسى ، طالبا منه أن يصلى عنه ، الضربات. وكان واضحا أن موسى ، فى موقف أقوى من فرعون … ثم صار موسى قائدا لشعب بأسره ، وأصبح رجل معجزات ، يشق البحر ، ويفجر من الصخرة ماء . لا شك أن موسى قد أخذ أكثر مما أعطى ، بما لا يقاس إن علاقتنا بالله هي علاقة أخذ مستمر ، بلا عطاء هل تقول أنك تعطى الله وقتا للصلاة؟ كلا ، إنك لا تعطى وقت الصلاة بل تأخذ بركة ونعمة ، وتنال عملا من الروح القدس داخلك ، وبركات لا تحصى الله أعطاك أسبوع عمر ، وأنت تقدم له يوما من هذا الأسبوع الذى وهبك إياه، فهل أنت تعطى ؟! كلا بل أنت تأخذ بركة هذا اليوم . وكما يقول الكتاب أن : " السبت قد أعطى للإنسان "( مر 2 : 27) القديس انطونيوس، حينما أعطى حياته لله ، لم يكن يفكر إطلاقا أنه سيأخذ كل ما أخذه، وما جال ذلك بفكره.وفى نفس عملية العطاء بالنسبة إليه ، كانت عملية أخذ أخذ فيها بركة الجلوس مع الله ، وبركة حياة السكون والتأمل . وأخذ فيها بركة هذا الطقس الملائكي . وأخذ النعمة الكبرى التي عملت فيها حتى استطاع أن يصمد فى الوحدة إنه لم يقل إطلاقا : " سأعطي الله صلواتي ". بل كان شعوره: أريد أن أتمتع بالله والوجود معه ، وأن يعطيني الله هذا الشرف وهذه المتعة ، متعة الوجود فى حضرته شعور الإنسان بأنه يعطى الرب ، شعور خاطئ روحيا فنحن باستمرار نقترب إلى الله، لكي نأخذ ثم ، من نحن حتى نعطى الرب ؟! ومن هو الرب الذى نعطيه؟ الله مالك السموات والأرض ، وخالق السموات والأرض ، وصاحب كنوز النعم التي لا تحد ولا تفرغ … هل من المعقول أننا نعطيه؟! الأرملة التي أعطت رجل الله إيليا حفنة دقيق وقليل زيت ، هل أعطت أم أخذت ؟ انظروا، هوذا :" كوز الدقيق لا يفرغ ، وكوز الزيت لا ينقص " طول مدة المجاعة ( 1مل 17: 14) . وهكذا الأنبا أنطونيوس ، علمنا أن الحياة الروحية هي أخذ دائم من الله ، أخذ بركة، ومتعة، فى كل عمل روحي ولو لم يكن القديس أنطونيوس ، يأخذ متعة روحية ، فى كل أيام حياته فى البرية ، أتراه كان يستطيع الحياة فى القفر ؟! لو لم يكن يأخذ نعمة وقوة ، أتراه كان يستطيع مقاومة كل حروب الشياطين، فى كل عنفهم وكل حيلهم…؟! إنه كان يعيش جوار النعم كلها ، يغترف منه بالليل والنهار ، نعمة ، وقوة، وبركة، ومتعة روحية كان ممكنا للشاب أنطونيوس ، بالغنى الكثير الذى ورثه، أن يتعلم ، ويأخذ من العالم معرفة وعلما وشهادات دراسية ولكنه من الله أخذ معرفة عميقة ، ما كان ممكنا للعالم أن يعطيها… معرفة كانت تذهل كل فلاسفة وعلماء عصره وكان الناس يأتون من أقاصي الأرض ، لكي يسمعوا من فمه كلمة منفعة ، أو كلمة حياة ، يخلصون بها إنها كلمات أخذها من الله ، لها عمقها ، ولها قوتها وفاعليتها وتأثيرها ، وليست معرفتها من النوع الذي يعطيه العالم لقد فضل أن يعيش فى جهالة مع الله ، تاركا علم العالم." فأعطاه الله فما وحكمة"( لو 21: 15) . وأعطاه علما يفوق الكل فانذهل علماء الأرض من هذا (الأمي) . فهل الأنبا أنطونيوس أعطى أم أخذ ، وهوذا العالم كله يستفيد من تعاليمه ولأنه رفض من أجل الله معرفة العالم ، أعطاه الله علما روحانيا ، علما إلهيا … أعطاه علم معرفته ليس فى الأمور النسكية فقط ، وإنما حتى فى اللاهوتيات أيضا وقد أفحم الأريوسيين لما نزل إلى الإسكندرية ، وكان لكلماته تأثير عميق . ويعتبره العلماء أستاذا للقديس أثناسيوس أن الله حينما يضع كلمة فى فم إنسان ، يزود هذه الكلمة بقوة وتأثير وفاعلية، لا يستطيع أحد أن يقاومها كان الأنبا أنطونيوس جهازا جيد التوصيل لكلمة الله ، ولنعمة الله ، ولبركة الله ، وللسلام الممنوح من الله كان إنسانا يأخذ من الله ، ويعطى للناس ، نفس القوة لقد فرحت السموات ، لما وجدت على الأرض هذه الآنية المختارة، التي تستطيع أن تحمل نعمة الله للناس ، وفى نفس الوقت تحتفظ ببساطتها وهدوئها ، دون أن ترتفع ، ودون أن تنتفخ … ولم تكن كلمات هذا القديس فقط هي التي تفيض نعمة ، وإنما كانت حياته أيضا كذلك ، وكانت هكذا ملامحه كان كل إنسان يرى الأنبا أنطونيوس ، يحب أن لا يفارقه. كان وجهه يفيض بركة، وحديثة يفيض نعمة ، وحياته تفيض روحا … لذلك لا نعجب لتلمذه الذى قال له:[ يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي …] بالنسبة إلى الله ، كان القديس أنطونيوس يأخذ باستمرار وبالنسبة للناس ، كان هذا القديس يعطي باستمرار، كسيده ولقد أعطاه الله الكثير ، لما زهد كل شئ ، لأجله أعطاه موهبة المعجزات والآيات والعجائب ، فكان يشفى المرضى ، وكان يخرج الشياطين وكان الناس يقصدونه لا من أجل المعرفة الروحية فقط ، والبركة، وأنما أيضا لأجل معجزاته هل هذا يقارن بما تركه من مال أو جاه أو أهل ؟!إنه لما أغمض عينيه عن المال ، فتحهما الله للرؤى السمائية فكم من مرة رأى ملائكة، وكم من مرة تحدث معهم؟!لقد ظهر له ملاك يشرح له كيف يصلى ويعمل ويقاوم الملل. والملاك هو الذى سلمه قلنسوة الرهبنة وفى إحدى المرات رآه تلاميذه ناظرا إلى السماء وساهما، فعرفوا أنه رأى شيئا، فسألوه . فأخبرهم عن نياحة الأنبا آمون أب جبل نتريا ، إذ رأى روحه يزفها الملائكة بالتهليل إلى السماء طوباك أيها القديس الأنبا أنطونيوس ، إن عينيك اللتين رفضتا أن تنظرا إلى المال ، وهو ملقى على الرمال ، صارتا تنظران الملائكة وأرواح القديسين ، أيها البار المفتوح العينين … وماذا أيضا؟ قال القديس الأنبا أنطونيوس :[ أبصرت مرة فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض ، فألقيت نفسي أمام الله وقلت : يارب، من يفلت منها ؟ . فأتاني الصوت من السماء " المتواضعون يفلتون منها "]طوبى لهاتين الأذنين اللتين أغلقتهما أمام أغاني العالم وطربه وأحاديثه، فاستحقتا أن تسمعا صوت الله في هذه المناسبة وغيرها ، وأن تسمعا تهليل الملائكة وهم يحملون روح الأنبا آمون حقا ، كلما نترك شيئا لأجل الله ، نأخذ أضعافا، وبنوعية أفضل، " ليس بكيل يعطى الروح "( يو3: 24) إنه يعطى بلا حدود إن الذى ترفض من أجله خزائن العالم ، يفتح أمامك خزائن السماء والمواهب الروحية ، كما حدث للقديس الأنبا أنطونيوس ، الذى ترينا حياته ، مقدار عمل الله فى النفس البشرية لقد ترك الزواج والنسل الجسدي ، انظروا عدد وحلاوة أولاده من أولاده القديس مقاريوس أبو الإسقيط ، والقديس الأنبا آمون أب جبل نتريا ، والقديس ببنوده رئيس أديرة الفيوم ، والقديس إيلاريون مؤسس الرهبنة فى سوريا وفلسطين . ومن أولاده الأنبا بولس البسيط ، والأنبا بيساريون ، والأنبا سرابيون ، والأنبا شيشوي … وكثيرون حقا" ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد " وسعى خيامك لأن أولادك يصيرون أكثر من ذات البعل ( أش 54: 1) إنني لا أستطيع أن أدخل فى جزيئات ، وأقول أن الأنبا أنطونيوس ترك من أجل الله مالا ، أو أرضا ، أو وقتا ، أو زواجا أو أولاداأنما هو أعطى الله الحياة كلها ، كذبيحة طاهرة قدامه. فأخذ الله هذه الحياة ، وقدسها وباركها وزودها بالمواهب ، وأعطاها للعالم عندما يقول الله :" يا أبني ، أعطني قلبك"( أم 23 :26) ، هل تظنون أنه يريد أن يأخذ هذا القلب؟ كلا ، بل هو يريد أن يملأ هذا القلب حبا وبركة وبرا . ويريد أن يأخذ هذا القلب فيطهره من كل خطية ، ويجعل روحه القدوس يسكن فيه … كمن يقول لك :" أعطني جيبك الفارغ لأملأه خيرات ". أهو يأخذ أم يعطى؟ عندما تعطى الله قلبك ، إنما تعطى فراغك ، والله يملأ تعطى ضعفك وتأخذ قوة الله . كمن يعطى العشور، لتفتح له كوى السماء ، ويفيض اله عليه حتى يقول كفانا كفانا(ملا 3: 10).تقدم لله ، أعطه إرادتك، ليعطيها قوة ، ويرجعها إليك منتصرة… أتكون إذن تعطى أم تأخذ ؟! مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل