المقالات

19 يوليو 2020

الخادم والمفقودين ج2

سبق أن تحدثنا عن خدمة المفقودين ورأينا مقدار أهميتها...إذ أنها تُعتبر من أهم الخدمات التي نكاد نهملها مع كثرة انشغالاتنا رغم ضرورتها، وقد تعلمنا من مخلصنا الصالح في أثناء خدمته كيف يبحث عن التائهين والمتروكين والمنسيين.+ ومعه نجد كل النماذج.. فالبعض ذهبوا اليه مُقدِّمين إرادتهم له مثل الأبرص وزكا العشار. والبعض انتظرهم مثل الابن الضال. والبعض ذهب إليه محمولًا بأيدي الآخرين مثل المفلوج. والبعض الآخر ذهب هو إليهم لعدم قدرتهم على المجيء بأنفسهم مثل مريض بركة بيت حسدا، وكذلك السامرية التي سافر من أجلها وجعل من مكانها محطة هامة له لابد أن يجتاز منها، وجعل لقاءها مكافأة لتعبه، وتودّد اليها لتفتح قلبها وتكلمه.. فتعب مع واحدة، فأحضرت له مدينة...وهنا يعلمنا أن نذهب ونطلب ونساعد المفقودين والمطروحين والهالكين.+ تعلمنا من رعايته في سفر حزقيال كنموذج للراعى الأمين «اطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر الكسير وأعصب الجريح وأبيد السمين والقوي وأرعاها بعدل» (حز34 : 16). ويستمر في تحذيرنا: «المريض لم تقوّوه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لم تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم» [٢-٤]، إذ يتحول قلب الخادم عن الاهتمام بالمخدومين إلى ذاته فيرعى مصالحه الخاصة، ويعمل لحساب كرامته الشخصية أو ممتلكاته أو راحته الجسدية... عوض أن يهتم باحتياجاتهم ومصالحهم. إنه لا يُبالي بالمريض أو المجروح أو المكسور أو المطرود أو الضال، بل يهتم بأنانيته. مثل هذا لا يُحسَب راعيًا بل أجيرًا، يطلب الأجرة لا البنوة، بل وأحيانًا يُحسَب لصًا يسرق الرعية عوض أن يصونها ويسندها.+ يوجد أجراء يعملون في الكنيسة، يقول عنهم الرسول بولس: «يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح» (في٢: ٢١). ماذا معنى: "يطلبون ما هو لأنفسهم"؟ أي لا يحبون المسيح مجانًا. لا يطلبون ما هو لله بل يطلبون المنافع الزمنية، يفغرون أفواههم للربح، ويولَعون بطلب الكرامة من الناس. متى اشتهى أي خادم أمورًا كهذه، وكان يخدم الله لأجل نوالها، فإنه مهما يكن هذا الإنسان يُحسَب أجيرًا ولا يقدر أن يحسب نفسه بين الأولاد، لأنه عن مثل هؤلاء قال الرب أيضًا: «الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم» (مت٦: ٥)...الأجراء موجودون أيضًا بيننا، لكن الرب وحده يفرزهم، ذاك الذي يعرف القلوب هو يفرزهم، وإن كنا أحيانًا نستطيع أن نعرفهم، لأنه لم ينطق الرب باطلًا في حديثه عن الذئاب: «من ثمارهم تعرفونهم» (مت٦: ١٧).+ ولنتعلم من القديس بولس الرسول كيف نذكر أناسًا ونحن باكين، ولنتعلم كيف ننذر بدموعنا من لا نستطيع الوصول اليهم، فمهما ابتعدت المسافات تظل الأيدي مرفوعة من أجلهم، ولا نفتر عن أن ننذر بدموع كل واحد، فتجذبهم بحبال محبتك، ولا تطمئن ولا تسكت إلّا وقد رجعوا إليك... القس أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
18 يوليو 2020

المقالة السادسة في مشابهة الأمثال،وفي المخافة الإلهية

من يؤمن بابن اللـه له حياة دائمة، من يؤمن بابن اللـه لا تتعرقل خطواته ولو سلك في النار لا يحرقه اللـهيب، من يؤمن بابن اللـه كما قال الكتاب: تجري من بطنه أنَهار ماء حي.الحطب الكثير ينمي اللـهيب ومخافة اللـه تكثر المعرفة في قلب الإنسان والعمل يحقق العلم.فق كثيراً إذا كنت تزرع بزار سيدك لئلا يخلط فيه زارع الزوان شيئاً من بذوره لأنه له عادة أن يعمل في الخير الشر، فلنطلب من الرب النعمة ليعطينا معرفةً وفهماً لنتيقظ في كل شيء.الكور يختبر الفضة والذهب ويصفيهما وتقوى الرب تُهذب أفكار الناس وتنقيها.الصائغ الجالس وراء السندان يعمل أواني حسنة نافعة كذلك مخافة اللـه تجرد كل فكر خبيث من القلب وتنظفه وتبرز ألفاظاً بمعرفة.فلنعطِ مجداً لمن منحنا مخافته في قلوبنا لأنه هو الذي يفيد الإنسان علماً.بدء الحكمة تقوى الرب ؛ والفهم صالح نافع لكل من يعمل به.العبادة الحسنة للـه بدء حسن، الحكيم يحفظ وصايا المسيح ومن يسلك فيها لا يخزى إلى الأبد ؛ ومن يهملها فذاك جاهل ورجائه باطل. من يحفظها بتحقيق فذاك قد أنتقل من الموت إلى الحياة ؛ ولا يعاين إلى الأبد ظلاماً ؛ وفي يوم وفاته يجد دالة ونعمة، وملائكة أتقياء يرشدون نفسه، وأساسه على الصخرة التي لا تتزعزع ويصير وارثاً للحياة الخالدة.هذا هو المغبوط لأنه عرف أن يصنع مشيئة خالقه، إذا ضُربَ البوق يستعد الجيش للحرب لكن في أوان الجهاد ليس الكل محاربين.كثيرون عباد بالزي وقليلون هم المجاهدون. في وقت التجربة تظهر دربة العابد وخبرته. قبل الوفاة لا تغيظن أحداً وقبل الموت لا ييأس أحداً. لا تقل عن ذاتك إنكَ صدِيق ولا عيب لك قدام اللـه فإن الأشياء التي نسيتها أنت تلك ظاهرة قدام اللـه.يجب أن نتيقن إننا إن صبرنا له يكون لعملنا ثمر. أشاء أن أكون عاملاً وممدوحاً عند الإخوة أكثر من أن أكون مخالفاً للوصايا ومرفوضاً عندهم. من يتعلم ويعرف كل كتاب ويعرض عن وصايا المسيح يُضرب جلدات كثيرة، ومن يعمل مشيئة الرب فذاك يحسب رجلاً كاملاً، ليس المكان يجعل الإنسان تاماً بل الفرز ‘ الإفراز ’.فليكن للضعفاء موضع معتدل الحد. من هو الرجل الكامل ؟ هو من يحب الرب بالحقيقة وقريبه كما يحب نفسه، أتقِ الرب فتجد نعمة لأن خشية الرب تولد أحوالاً وعادات تتقوم بِها الفضائل، فأما عدم المخافة فتنتج غيرة مرة ومحكاً ونظائرهما. مخافة الرب ينبوع الحياة، مخافة الرب تثقف عقلاً عاقلاً، مخافة الرب صيانة للنفس، مخافة الرب تعطي للمتقي الرب نعمة في كل تصرفه، مخافة الرب مدبرة للنفس، خشية الرب تضىء النفس، مخافة الرب تذيب الخبث تقوى الرب تنقض الآلام، مخافة الرب تنمي المحبة.خشية الرب تجفف كل شهوة رديئة، مخافة الرب تقطع اللذة، خشية الرب مأدبةً للنفس لأنَها تبشرها بآمال صالحة، مخافة الرب تقلد طرق السلامة، خشية الرب تملأ النفس من الروح القدس وتعطيها لواء ملكوت السماوات. ليس في الناس أعظم قدراً من المتقي الرب، المتقي الرب يضاهي نوراً يرشد الأكثرين إلى الخلاص، المتقي الرب يشابه مدينةً حصينةً موضوعةً فوق الجبل ومن قدام وجهه يتفرق الجن الخبثاء، النفس التي تخاف الرب مغبوطة لأنَها تتقدم فتبصر أمامها القاضي العادل كل حين، إن كنت تتقي الرب فأحفظ وصاياه فلا تخزى. يوجد من يترك موضعه من أجل فضيلة ويوجد من يخلي مكانه التماساً للبطالة وعدم الخضوع، ويوجد من يضطهد من أجل ميراث ويوجد من يفحص عن أشياء كثيرة مريداً أن يتعلم الحكمة ؛ ويوجد من يستفحص عن معجمات كثيرة ابتغاء للسبح الباطل. ويوجد من يحاضر ويجاهد من أجل محبة المسيح ويوجد من يجري ويجتهد من أجل المجد الفارغ، يوجد من يخضع ويطيع من أجل وصية المسيح ومن يخضع ويذعن من أجل درجة وفائدة قبيحة. يوجد من يمدح قريبه من أجل استرضاء الناس ومن يمدح قريبه من أجل وصية المسيح، يوجد من يثلب قريبه من أجل نَهم البطن ومن يواضع ذاته من أجل وصية المسيح. يوجد من يثلب ذاته من سفاهة ؛ ومن يكون شديداً من أجل محبة الفضة، يوجد من يعمل كثيراً من أجل الصدقة ومن يعمل في وقت لا يجب أن يعمل وفي أوان العمل لا يعمل. يوجد من يرتل ويصيح في وقت لا يجب ذلك وفي وقت الترتيل يسكت أو يكلم قريبه كلاماً بطالاً، يوجد من يسهر وقت لا يصلح السهر وفي وقت السهر يتذمر. قد كتب أن الجحيم والهلاك ظاهران عند اللـه فكيف لا تكون قلوب الناس ظاهرة عنده. بدء السيرة الصالحة الدموع في الصلاة أما استماع الكتب الإلهية فهو ابتداء العقل المقسط. ربوات كتب في أذان الجاهل تحسب لا شيء ومن هو الجاهل إلا المتهاون بمخافة الرب. قد كتب أن قلب الحكيم يقبل الوصايا، وأعطي الحكيم شيئاً فيكون أوفر حكمة، أعرف المقسط المحق وعلمه فيزيد في قبولك. الابن المؤدب يكون حكيماً والجاهل يستعمل خادماً. ذوو الغنى العاجزون يصيرون محتاجين أما ذوو الجزالة فيتأصلون في الغنى، الحكيم إذا خشى جنح عن الشر والجاهل إذا وثق بنفسه يختلط بالأثمة. الحاد الغضب يبيع بغير مشاورة والرجل العاقل يحتمل أشياء كثيرة، أكرم الرب فتكون مناهجك ممهدة، أكرم الكاهن والشيخ لتوافى إليك بركة أفواههما، أكرم الشيوخ لأنَهم قد خدموا المسيح كثيراً، أكرم إخوتك لأنَهم عبيد المسيح لكي ما تُحَب منهم. يا أخي إن أحببت السكوت فستعبي غناك بسكون، من يهرب من سكوت قلايته يتخيل الأمور الأرضية، والمهتم بالصناعة يشتهي الأشياء المعدة للقديسين في السماوات. الرب قد تقدم فعرف أفكار العابد إذا اشتهى الكهنوت، فالكهنوت درجة عظيمة إذا أُكملت بلا دنس. الملك المحب للمسيح يُطَوَب لأنه خلف تذكاره للبركة ومدحه في السماء وعلى الأرض، والملك الكافر لا يعرف في حياته حكمة وإذا توفي فقد ترك ذكره للعنة وعاره لن يمحى إلى الأبد. كرسي المؤمن مثبت إلى الدهر، القاضي المبتغي العدل تباركه أفواه الصديقين، والظالم لا تُرحم نفسه لأنه لم يعمل على الأرض حُكماً عادلاً، قد كتب من يُغضِب فقيراً يصنع لذاته أسواء كثيرة. لا تغضب فقيراً لأنه مسكين، ولا تشتم عليلاً أمام الباب لأن الرب يحكم حكومته لأنه قد كتب أنقذ المأخوذين إلى الموت، ولا تُسلم عبداً إلى يدي سيده لئلا يلعنك فتبيد وتَهلك، لأنه قد كتب من يشمت بالهالكين لا يتزكى ومن يتحنن عليهم يُبَارك. المؤمن له العالم وأمواله أجمع، والغير مؤمن لا فلس له، من يرحم مسكيناً يقرض اللـه ونظير عطيته يجازيه، فقد كتب ميزان كبير وصغير ومكاييل مثناه نجسة عند اللـه كلها، من يحفر حفرة لقريبه يسقط فيها. أتقي الرب فينقذك في اليوم الشرير. الملك الحسن التدبير يهتم بمواني البحر، والمجرب في الفهم لا يتوانى في حدود حصونه والفريقان كلاهما يشرفان في الملك لكثرة تدريبهما ويقظتهما. الملك المؤمن يتذكر كل حين الدينونة الدهرية ؛ ومن يتذكر القاضي العادل لا ينسى حرية النفوس التي في الشدائد والضيقات والمحصورة في المحابس والمنافي. الطوبى للرجل الذي يقتني بالسلطان الوقتي المجد الباقي لأن من هو اليوم ملك غداً يتوفى، ومن يعمل مشيئة الرب يثبت إلى الأبد، الطبيب الحاذق في تجربة الأمور يصير مجرباً، التنعم الكثير يولد آلاماً وأمراضاً، والعمل المتعب فيه تعب في الحاضر وبعد التعب ينتج عافية وصحة. أيها العابد لا تشتهي لحماً ولا تشرب خمراً للسكر لئلا يتلف ذهنك ولا تفني منك المهمات العالمية، أكسح النخلة فتسموا إلى العلا وأجتز من النفس الأمور العالمية فتعلوا إلى الفضيلة. من يُقرَف أو يُظلَم فيحتمل فهو يشبه من قد حبس سبعاً في قفص، أما من يخاصم فيشبه من يفسد ذاته. أمر حسن أن توجد في الصلاة الجامعة قبل الكل وتركك إياها من قبل انتهائها من غير اضطرار ليس حسن، أصبر أيها الأخ وأسمع الكتب الإلهية لكي ما تنتفع لأن كما أن السائر في الحر حلوٌ عنده كأس ماءٍ بارد هكذا الأقوال الإلهية تندي النفس. إن شئت أن تسمع فأصبر ؛ وإن سمعت ستكون حكيماً، وإن كنت تحتمل بتثقل ثقل استماع الكلام فكم بالحري العامل فمن هنا تعرف ذاتك إنك متوانٍ. إذا دخلنا إلى بيت اللـه فلا يكون ذهننا طموحاً يتنزه بل فليشتغل إنساننا الباطن بنظر اللـه والصلاة، وإذا صلينا وقلنا يا أبانا الذى في السماوات فلنتحرز أن تخطر لنا الأفكار شيئاً آخر فتزعج ذهننا وتكدره. وإذا وقفت في الصلاة فأعرف بين يدي من أنت ماثل ولتكن نفسك وقلبك كله ناظراً إليه تفهم ما أقوله، إذا أخذ إنساناً بيده صرة دراهم ومضى إلى الموسم ليبتاع بقراً هل يتأمل الخنازير ؟ وإن أراد أن يبتاع حميراً، هل يتفرس في الكلاب ؟ أليس كل فكره منتصب في الأشياء التي يشتهيها لئلا يسخر به فيضيع الذي بيده باطلاً. وإن كان الأخ الواقف إلى جانبك مريضاً بالجسم ويتفق له أن يسعل أو يبصق كثيراً فلا تتضجر منه لكن اذكر أن كثيرين بذلوا ذاتَهم لخدمة سقماء ومجروحين. وإذا كنت معافى في جسمك فلا تترفع لكن خف فإن كل إنسان في يدي يسوع المسيح مخلصنا مثل معزفة كثيرة أوتارها في يدي الرجل. وقد كتب أن أنظار الأشرار دائماً تتقبل الأسواء ؛ والصالحين فستكون كل حين في مناهج الحياة التي فيها معقولات ؛ الفقيه ليجنح عن الهاوية ويخلص، لأنه قد كتب أن الغير مؤدب لا يحب اللذين يوبخونه ولا يخاطب الحكماء. ومن يشتم فقيراً يخطئ، ومن يرحم المسكين يطوب إذ قد كتب إن سقط عدوك فلا تشمت به ولا تعجب بعثراته فإن الرب يبصر ذلك فلا يرضيه ويصرف نظره عنك. من يصم أذنه لئلا يسمع الضعفاء سيستغيث ولن يوجد من يسمعه. لا تفتخر بالأمور التي في غد فإنك لا تدري ماذا يولد اليوم الآتي، لا تعمل سوءاً فلا تدركك المساوئ، لا تحب أن تغتاب أحداً لئلا تنتزع فإنه قد كتب من يجاوب كلاماً قبل أن يسمع فذلك سفاهة له وعار، لا يفرح الأب بالابن العادم الأدب، والابن المتأدب يكون حكيماً. الحكمة ليست بكثرة تعلم الكتب بل كما كتب بدء الحكمة تقوى اللـه ؛ ومعرفة الشريعة إنما هي العزم الصالح ؛ الأمانة تنتج العزم الصالح والعزم الصالح يولد أنْهار ماء حي ومن يقتنيه يشبع من ماءه. بغير زيت لا يوقد السراج وخلواً من الأمانة لا يمكن أن يقتنى العزم الصالح لأنه قد كتب من يقصي الأدب يمقت ذاته، ومن يحرز التوبيخات يحب نفسه. لا تتكردس بسرعة إلى الخصومة لئلا تندم في أواخرك، الاسم الممدوح مأثور أكثر من الغنى الجزيل، والنعمة الصالحة أكثر من الفضة والذهب. بغير صبر لا يبنى البرج وبلا معرفة لا تقتنى فضيلة، ليس للصبر وزن يعادله إن أمتزج به التواضع، موهبة الصبر تعطى من الرب للذين يحبونه والذين يتمسكون بِها ينقذون من غموم كثيرة. الجاهل يكثر أقواله ومن يشفق على شفتيه يكون فقيهاً، العابد العاقل إذا بعث في خدمة يذهب بزي جميل والذين يبصرونه يعطون للرب مجداً، والجاهل أو السكران يفضح زيه في القرى بقباحة فيخجل رئيسه وإخوته. عدم التقوى يولد فكر الحداثة ؛ وخشية الرب تجعل الشباب شيوخاً، أكرم الرب ولا تفتن عالمياً، ماثل صموئيل النبي فإنه أرضى اللـه ونفع الناس، وأولئك الذين عدموا التقوى سقطوا بالسيف. لا تعطي الشاب الجموح دالة ولا تطلق شيخاً أن يفعل أفعالاً غير واجبة فإن المتقي الرب يهتم بشعبه. التورع والتواضع والمحبة تعلي رأس العابد، وفي أوان افتقاده يلمع شارقاً، بغض أو حسد مخبوء في ورع هو ماء مر في آواني ذهب فأطرح فيه عود الحياة فيحلوا لأن الماء حليت من العود فيضمحل منه كل اغتيال الغاش. بصليب مخلصنا يسوع المسيح تضئ المحبة عين الذهن ومن يحب العداوة والمحك فذاك يضاهي من يدخل يده بمداومة إلى جحر أفعى. الدودة في الخشب كالسبح الباطل في العابد وألم محبة الفضة في قلب الإنسان، لا تعلِ ذاتك لئلا تسقط وتجتلب لنفسك هواناً لأن الرب يعضد الورعين ويذل الخطاة إلى الأرض، من يعلِّ ذاته يصنع لنفسه هواناً، ومن يخدم قريبه بتواضع يشرف. من يتحنن على قريبه في يوم حزنه يتحنن الرب عليه في كل حين لأن رحمة الإنسان كخاتم معه. رُب إنسان إذا ما استولى على شيء يظهر رحوماً ووديعاً ثم إذا نال سلطاناً ينتصب نشيطاً يأمر ويوعز بلا تمييز فإن انتزعت منه الرياسة لا يستطيع احتمال الأوامر المأمور بِها منه فذلك كجاهل لم يعرف ضعفه. يا أخي في كافة أعمالك تذكر أواخرك فلا تخطئ إلى الأبد، لا تعجب بكلامك ولا تتغطرس بل واضع ذاتك فإن طائلة المنافقين نار ودود. أقتني خشية اللـه لترهبك الشياطين لأن الأشياء المصنعة دائماً باطلة، إن آثرنا كلنا أن نأمر ونترأس فمن هو المأمور والمطيع، إن اشتهينا كلنا الكرامة فمن يزرع الكرامة. الرجل الحكيم يستعفي من أن يأمر لا من أن يؤمر مكملاً وصية القائل: من يشاء أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً ؛ ومن يريد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً ؛ كما أن ابن الإنسان ما جاء ليُخدَم بل ليَخْدُم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. إذ اُنصبت مديراً فلا تشمخ بل صر بين الإخوة كواحد منهم. كرر التفكر في أتعابك القديمة وأعرف أن أُولئك قد تصرفوا في مثل تلك الأتعاب ولا تتوانى بِهم بل أهتم فإنه قد كتب أن شرف الملك بالأمة الكبيرة، وبنقص الشعب ينصحق المقتدر. الإنسان الطويل الأناة كثير الحظ في العقل والصغير النفس جاهل جداً، نصلي أن نؤهل لموهبة فإذا أهلنا لها نتهاون بِها، من يهتم بأخيه بتأديب الرب ووعظه تكون نفسه حسنة الرضاء عند الرب، ومن يتهاون بحياته يخطئ إلى اللـه. لا تفرح بنقص أدب إخوتك لأنك لا تأخذ من الإهانة شرفاً ؛ ولا تحسد نجاح إخوتك فإن الكتاب يقول: ليس لي أعظم من هذا الفرح أن أسمع عن أولادي سالكون في الحق. وقد كتب: أن الذين لا سياسة لهم يسقطون كالورق. والخلاص إنما هو في المشاورة الجزيلة، إن كان الأخ عالماً فلا تُحزن روحه إن سلك سلوكاً باراً لكن كما استبان ليعقوب وجه لابان السرياني هكذا فليبصر وجهك. أفأنت تدعي عالماً فأعرف ذاتك من أعمالك لأنه كما أن الجسم بغير روح مائت كذلك العالم خلواً من العمل باطل، علامة السيرة أن الفضيلة في الشاب العابد هو الابتعاد من كثرة النبيذ ومن إكثار الكلام بتواضع. ومن يحب هذين لا يكمل سيرة ذات فضيلة، لا تلزم أخاك أن يشرب خمراً للسكر وإن كان قد ذاقه في مدة من الزمان، لأن المركب يصلح للسفر زماناً طويلاً وإذا صدم لحظة فيكسر. ولتحب نفسك شاباً وديعاً لكن لا تضع عليه ثقلاً يفوق طاقته كي تنجى بالرب نفسه وإذا ظهر رئيس الرعاة تأخذ إكليل المجد الذي لا يضمحل. حصن بيتك من كل جانب ولا تسمح أن ينقب في بدء تحصنك أياه لئلا يدخل اللص من النقب فيسلب منزلك وتكون أنت سبباً لهلاكك. أعطي المحتاج ولا تقل أنه لا يحتاج أهتم به لئلا تدان كالغير ودودين ولا رحومين. فلنسمع يا إخوتي من القائل: إذ لنا قوت وكسوة فلنكتفي بِهما. فالذين يريدون أن يستغنوا يقعون في تجربة وفي فخ، وفي شهواتٍ كثيرةٍ غبيةٍ ومضرةٍ تغرق الناس في الفساد والهلاك لأن أصل الشرور كلها محبة الفضة. بكل طاقتك أكرم أباك ولا تجعل فرائض الذي ولدك بالرب منقوضة فإنه بِهذه الحال لا يتقوى عليك الجن الخبثاء المتجبرون، واضع نفسك قدام الرب جداً فتجد نعمة فإن منازل الشتامين يقتلعها الرب وينصب عوضهم الودعاء. ولا تعيرون إنساناً راجعاً عن الخطية ؛ ولا تشتم رجلاً في شيخوخته لأن الشيوخ شاخوا منا، ولا تتوانى عن عليل لأنه قد كتب: من يصم أذنه لئلا يسمع من المرضى يستغث ولا يجد من يسمعه ويسير ممقوتاً في مسكنه. من يحمل قولاً من بيت إلى بيت فهو فاعل مخزي فالرجل العاقل يستعمل الصمت. لا تدخل إلى قلاية أخيك قبل أن تقرع بابَها فإنه لا يوافق الاضطراب للصمت. المدبر الفهيم يدهن نفوس إخوته بوعظ الرب وتعليمه والمتهاون يخسر، أمنح الشيوخ كرامة من أجل الرب ومن أجل أنَهم أوفر من الإخوة علماً، لا تلزم الشيوخ بالعمل فإنَهم قد سحقوا بالنسك بشرة حداثتهم، الضمير يكفي لمن يتقي الرب. من يمكنه أن يعمل ويأكل باطلاً ليس بإنسان صالح إذ الرسول يقول: حفظت لكم ذاتي غير مثقل وأحفظ. وقد كتب الطوبى للرحومين فإنَهم يرحمون. لا تظلم قريبك محتجاً بالمكان فإن الكنيسة ليست بالعُمْدَان بل بالناس لأنه قد كتب: ويل لمن يحتشد لذاته أشياء لم يكن له منها شيء فإن الذين يثلبونه ينهضون بغتة ويتيقظ عليه المغتالون ويصير لهم جدوى يختلسونَها. من يبني منزله من الظلم إنما يبني لِذاته شهادة الهلاك لأن القديسين مقتوا كل طريقة ظالمة، عطب عظيم صبي في كنونيون ” شركة ” سيما إن كان ليست في الوسط سياسة وليس من يربي. مغبوط من يرضي اللـه، الراعي الذي ينام خارج حظيرة الغنم لا يسبب لذاته خسارة يسيرة لأن فرح الذئاب رقاد الرعاة. إن تواضع الأخ تحت يدك فأفطن أنه ليس من أجل خشيتك تذكر إذاً الرب وما صبر من أجلك ولا تسىء إليه، لا ترغب في ربح فيه خسارة للنفس لأنه ماذا أكرم من النفس قدراً. عابد مسكين يسكن بتواضع أفضل من عابد موسر يتصدق بتكبر وتشامخ. لا تربطن ذاتك بعهد مع الأخ بل فليكن لك ألفة بمخافة اللـه. يا عابداً أحذر أن تؤثر أن ترضي الذين يعقلون المعقولات العالمية فتضيع سيرة العبادة بل كن موسوماً بمخافة اللـه طول النهار. العابد المتذمر يخسر كثيراً ومن يحتمل بأناة يرث الفرح. لا تسأموا يا إخوتي فأننا لا نريد أن نكون في هذا العالم دائماً، كل ما يصنعه الإنسان من أجل الرب فهو ربح له لأن الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة واللـه يبطلهما جميعاً. أيها العابد إن أصغيت إلى ذاتك فترحم ذاتك أولاً ثم تفرح الذين يحبونك لأن الحكمة تقول: يا ولدى إن كنت حكيماً فستكون حكيماً لذاتك ولقريبك وإن ظهرت رديئاً فتعرف المساوئ وحدك. أيها العابد أفهم ما أقول لا يكن لك من خارج وفي القلاية هياج لئلا تشابه القبور المبيضة التي تبين من ظاهرها بيضاء ومن باطنها مملوءة عظام الناس والنجاسة لأن في كل مكان الإله الواحد الذي له المجد إلى أبد الدهور. آمين. أطرح فكر الكبرياء قبل أن يذللك، أهدم فكر ترفع القلب قبل أن يهدمك، أحزن الشهوة قبل أن تغمك ؛ لا تعيرن أخاً لا جلوس له في قلايته لئلا تسقط في ألمه. إن جلست مع شيخ كبير لا تحدث بفضائله فقط بل تشبه بسيرته لأن هذا نافع لك. أيها العابد أطل أناتك على مبتدئك فإن الأشياء كلها مستطاعة عند اللـه. المبتدئ الذي ليس له أتضاع ليس له سلاح بإذاء المعاند ومن هو هكذا يتهشم كثيراً. من يشتهي راحة جسده يصطنع لذاته أوجاعاً كثيرة أما الطويل الروح فيخلص. المدبر الفهيم لا يستحقر استماع مفاوضة المبتدئ مع من هو أعظم منه والعالم يستفحص تحرير كلام المبتدئ إلى من هو أكبر منه. من يكثر أقواله في الكنونبون يكثر لنفسه خصاماً وبغضاً ومن يحفظ فمه يُحَب. يا أحبائي جليلة هي الطاعة الصائرة من أجل اللـه ؛ فبهذا أعرف الطاعة التي يرضي اللـه بِها، الطاعة الصائرة من أجل اللـه هي مملوءة قداسة. جاهد إلى الموت عن ذاتك ولا تستحي من سقطتك فقد يجتلب خجل خطيئة وربَّ خجل يتجلب شرفاً ونعمة. يا حبيبي إن سقطت في مرض فأذكر القائل: يا ولدي لا تسأم من تأديب الرب ولا تنحل إذا وبخت منه فإن الرب يؤدب من يحبه ويجلد كل ابن يقبله. مرض أخ في وقت ما وقال في ذاته: ويلي أنا الخاطئ أنني عازم أن أصارع هذا الألم. ولما صار معافى سقط أيضاً في ألم أخر أصعب من الأول، وقال ذلك القول أيضاً لكنه لم يظهر سريعاً ألمه لإنسان بل كان يطلب من الرب رأفةً ليهب له عافيةً من المرض وقوة من العلة. إن أتى إليك روح الضجر لا تدع له مسكناً عندك بل قاتله بالصبر، لا يقنعك الفكر قائلاً: أنتقل من مكان إلى مكان فإنك إن تنازلت لهذا الفكر فلا تثبت في موضع قط، فقد كتب بماذا يقوم الشاب طريقه ؟ بحفظه أقوالك. بِهذا يخلص. خاصة المتصرف مع إخوة بأن يقتني مخافة اللـه والعفة في نَهاية غايتهما اللتين منهما تتولد المحبة والفرح والسلامة والطاعة وطول الروح والمسك والصبر وكل المناقب اللائقة بالمسيحيين. ويصير سريعاً إلى الاستماع بطيئاً في التكلم ممسكاً عن الغيظ لأن غضب الإنسان لا يصنع عدل اللـه ؛ ويكون بصيراً كمن لا يبصر إلى الأمور الغير نافعة ولا موافقة. وسامعاً كمن لا يسمع الأشياء التي لا تغني ؛ ويجعل ذاته أدنى وأخر الآخرين فيجد راحة، لأن من يواضع ذاته يرتفع ومن يرفع ذاته يوضع. إن بدأت أن تأمر بأمر ولا تتعب بقدر طاقتك فسيصير لك تعباً عند الأواخر لأن ليس كل وقت يهب هذا الريح نفسه لكن للرياح تغيرات وتنقل. فلهذا نحتاج أن نعود ذاتنا على العمل لأننا لا نعرف ماذا ينتج اليوم الآتي ؛ فليكن قدام عينيك دائماً القائل: لا تدينوا لئلا تدانوا لأنه بالدينونة التي بِها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. لِمَ تبصر العود الذي في عين أخيك ولا تتأمل الخشبة التي في عينك أيها المرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر أن تخرج القذاء من عين أخيك ؛ وبلا محال أنك ستجد نعمة قدام الرب والناس. لا تطلق لعينيك أن تطمحا ولا تتأمل تَصَفح جمالاً غريباً لئلا يتناولك معاندك بعينيك. لا تغاير سيرة المتوانيين بل سيرة المزينيين بكل فضيلة. يا أخي لا تتعربس فإن الأشياء الصائرة خارج مخافة اللـه ليس فيها شيء أخر إلا لؤم وندامة، مغبوطة النفس التي تخدم اللـه بتحقيق فإنَها ستجد نياحتها من عند اللـه في أواخرها. توني قليل ينتج خطيئة عظيمة، ويقظة يسيرة تسترجع خسارة كبيرة، أمر مفضل أن تأكل بالرب وتشكر له من أن لا تأكل وتدين الذين يأكلون ويشكرون الرب. إذا جلست على المائدة فكل خبزاً ولا تغتاب قريبك لئلا تأكل لحم أخيك بالاغتياب. لأنه قد كتب: “الذين يأكلون شعبي في إغتذاء الخبز ولم يدعوا الرب”. إذا كنت معافى بالأمانة فكل كل شيء يقدم لك بالرب ؛ فإن قدم لك طعاماً ما لا تشتهي أن تأكله فلا ترده إذا كان أكثر الجلوس معك يريدون أكله ويشكرون الرب. وإذا جلست على المائدة فكل أكلاً لائقاً بالإنسان ولا تحول نظرك حولك كمن لا أدب له. قال أخ لست أستعفي للصون من أكل اللحم لأن كل ما يراه اللـه جيد وليس شيء نجس إذا أخذ بشكر لأنه يتقدس بقول اللـه والتضرع، لكن قد كتب لا يوافق للجاهل أن يتنعم. وعدم أدب للعابد أن يأكل قرصاً صحيحاً والكسر موضوعة قدامه، لا تستحقر الكسر فإن الرب قال لتلاميذه أن يجمعوا الكسر التي فضلت لئلا يضيع منها شيء. أيها الحبيب إن أنغلب أخ وأنصرف من موضعه وبعد ذلك ندم وأراد أن يرجع فلا تمنعه بل أولى بك أن تعزيه وتلاطفه ليعود لأنك لا تعرف ماذا ينتج اليوم الوارد ؛ فلا يجب أن تستحقر مثل هؤلاء كملعوب بِهم بل يجب بالحري أن تعتنق أمرهم أكثر من المعافين من المرضى. إذا سكنت مع إخوة فلا تصر لأحدهم سبباً من أن يفارقهم لئلا تدان في ذلك العالم، وتحرز جداً من أن تقلق أحداً فلا تفرز من ملكوت السماوات مع صانعي الشكوك. إن مرض أخوك فأتعب معه لتؤهل أن تسمع من الرب في ذلك اليوم: ” إذ قد صنعت إحساناً بأحد إخوتي هؤلاء الحقيرين فبي فعلته”. من يتوانى بعليل يغيظ من أدبه، ومن يشمت بسقطة أخيه سيسقط سقطة مذهلة. لا تقل اليوم أخطئ وغداً أتوب ؛ لكن الأوجب أن تتوب اليوم لأننا لا نعلم إن كنا ندرك الغد. يا أحبائي إذا أخطأنا فلنتب فإن الرب يقبل توبة التائبين بالحقيقة، أيها الأخ لا تقل أن هنا قتال وضيقة وهناك راحة وعدم هم، من هو الذي يقاتلنا إن كنت تعرف ؟ أليس هو عدونا المحال. أسمع منذ الآن ماذا يقول في خبر أيوب ” قال الرب للمحال: من أين أقبلت؟ حينئذ قال المحال للرب: من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها”. فأعرف أن الشيطان موجود أينما مضيت وأثبت إذاً في المكان الذي دعيت إليه وناصب المحال فيهرب منك، وأقترب إلى اللـه فيدنوا منك. من يحب الذهب لا يتزك ومن يحب الرب يبارك، من يتوكل على الذهب يسقط ومن يتوكل على الرب ينج. الويل لمن يدخله عدم الأمانة وفقد التقوى ونقص الرأي وقلة المعرفة والجهالة والوقاحة فسيكون حظاً للثعلب. مغبوطة النفس التي تسكن فيها خشية اللـه، من لا يرضى أن يخدم سيداً واحداً سيخدم كثيرين، ومن لا يحتمل أن يخضع لرأس واحد سيخضع لكثيرين في أماكن متباينة، من لا يثبت في عمل صناعة واحدة سيتهشم في أعمال مختلفة. من يزين ثيابه يضر نفسه ؛ لأن الثياب الجزيلة أثمانِها تعيب نفس العابد والثياب الحقيرة تنفعه. إن الكبرياء والجسارة وعدم الحس وفقد الخجل وعدم الإفراز تعيب العابد عيباً خبيثاً. عيب العابد العين الطامحة لأن العابد الطامح يجمع أوجاعاً كثيرة لمن يتبعها. إن لم تمسك من أن تطمح بعينيك فلا تشق يمَّ العفة مستوية، عيب الرجل أن يسكر بالنبيذ رأيت كثيرين ولم أشبههم به. العابد المفتخر بقوته سيفه أول خزيه وعاره أن يفتخر بقوته لأن المفتخر ينبغي بالرب أن يفتخر. الجاهل في الضحك يعلي صوته، وأجهل منه من يمشي ويحرك كتفيه وساعديه معاً تحريكاً بتألم. وعلامة نقص الأدب في العابد أن يرفع جانب مزرته الأيسر رفعاً بألم، العابد المتأدب يتورع في كل شيء. الألم المبوق في الإنسان يعوده أن يحلف بفمه، لا تجعل لفمك عادة الحلف لئلا تتكاثر جهالتك وعوض العدل تجمع لذاتك خطية. شرف العابد أن يتقي الرب ويحفظ وصاياه، شرفه أن يواضع ذاته للكبار والصغار، شرفه الإفراز والتواضع، مجده عدم الحقد والصبر والتيقظ في كل عمل صالح. لا تحتقر شيخاً إن أراد أن يجىء إلى تعب العبادة لأن الرب لم يطرح الذين عملوا من الساعة الحادية عشرة ؛ فانك لا تعلم إن كان إناء مختار. إن أحببت الكبرياء فقد صرت من حظ الشياطين، إن أحببت التواضع فقد صرت من حظ السيد المسيح. إن اقتنيت الفضة ستنصرف من هنا فارغاً، وإن أحببت عدم القنية فلا تعدم الغنى السماوي. إن أخفيت في قلبك ألم الحقد فقد صرت خزانة للغضب وعدم المعرفة والحزن ويستحيل منظر وجهك لأنه قال: إن طرق الحقودين مؤدية إلى الموت. الرجل المترفع الرأي يحزن كثيراً والمتواضع يفرح بالرب كل حين. استعلاء الرأي يبتغي في كل حين إكراماً وتواضع الذهن لا يشمخ ولا يحزن من هوان لأنه ينتظر الثواب من اللـه. من يخفي في قلبه حقداً يشبه من يربي حية في حجره. لا تعطي قلبك حزناً لأن حزن العالم يصنع موتاً والحزن الذي من أجل اللـه يصير سبب حياة دهرية. يا حبيبي أطلب الرب بكل قوتك لتخلص نفسك ؛ ولا تسكن الرذيلة في قلبك، وكما أن الحاجز يرد نَهضة المياه هكذا الرذيلة ترد المعرفة من القلب. إن ابتغيت العدل تأخذه وتلبسه مثل تاج الشرف، العابد المشتبك بأمور العالم يخسر كثيراً، ومن يصبر في الأتعاب النسكية لن يخسر أصلاً. من يعطف فكره إلى الأشياء العالمية بعد زهده ومفارقته إياها فلا يفضل شيئاً على غيره، ومن يظن أنه يلعب بالأمرين جميعاً فإنه يخادع ذاته لأنه قد كتب أن اللـه لا يخادع. لأن الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد. يا عابداً لا تجل بنظرك في شوارع المدينة ؛ ولا تطف في أسواقها لئلا يلتقيق عارض قتزلق نفسك إلى الهلاك. التشامخ يعمي عين الذهن ؛ وأما التواضع بالمحبة فيضيئها ؛ لأن الرب يعلم الودعاء طرقه. يا أخي لا تتورط في حمأة الطين، وأبعد ذاتك من إنسان سالك في عدم التقوى. ردىء للرجل أن يتوكل على ذاته ؛ ومن يتوكل على الرب يسلم، من يزين ثيابه وينظفها متكبر، المتكبر نسر بلا جناح، المتواضع ساعٍ خفيف ومثل رامٍ يصيب الإشارة. كما أن الحديد يدق كل شيء ويضمره هكذا التواضع الذى من أجل اللـه يفني حيل العدو ويبيدها. كما أن البوق للبوقي والسلاح للجندي هكذا هو التواضع للعابد. أيها الأخ بادر أن تدخل مختاراً في الطريقة الضيقة قبل أن تدخل قسراً فيما هو أضيق منها. فخر الإنسان العالمي أن يطوف متنزهاً، وفخر العابد أن لا يعبر فكره أسكفة بيته. أسمع يا حبيبي إن المجاهد إذا جاهد يطبق فمه ؛ فأطبق أنت فمك من الأقوال الزائدة فتكون لك راحة. قيل من يجد الحكمة هو عظيم الشأن لكنه لن يفوق المتقي الرب. المبتدئ شيء عظيم لكنه ليس مثل الصبور. المحل الأول جسيم لكنه ليس مثل من يتمم. لا تحب الراحة البشرية لئلا تجد فيها خسارة روحانية. لا تفحص عن الأمور التي ليست لك لئلا تضيع التي لك. لا تكد ذاتك في عمل لا حد له لأن كل الأشياء التي تعمل بحد وترتيب نافعة حسنة. من لم يقتني مخافة اللـه في قلبه ولو أكل كل يوم لبناً وعسلاً لا يستطيع أن يسكت. الإنسان المؤمن يحتمل بشهامة، أثبت في نير الرب الصالح لتفلت من نير هذا العالم الفاقد الصلاح والثقيل. لا تداوم المضي إلى قلاية أخيك. إن كان لك كتاباً نافعاً وسمعت أن أخاً يريد أن يستعيره فأعطيه إياه بلا حسد. وإذا استعرت أنت هذا الشىء يا حبيبي فأحفظه باهتمام وأدفعه إلى صاحبه بسلام. أن استعرت من الكنونيون كتاباً فلا تطرحه في قلايتك متهاوناً به بل أحفظه وأطبقه باهتمام بما أنه شيء للـه. الجسور يُخجل رئيسه وإخوته ؛ والعابد الحكيم يتورع. النسك يذيب الجسد وكثرة الأكل يكثف الذهن. لا يكمل ترتيب العمل بغير حزن، إذ يعطى العابد صبراً في قلايته ؛ لكن مخافة اللـه ؛ وذكر الموت ؛ والتعاذيب ؛ والعمل ؛ والصلاة ؛ ودراسة الكتب الإلهية ؛ أفضل من أن يفني الساعات ويشتغل بالكلام الباطل الذي منه تتولد الوقيعة. لا تجرب أخاك باختلاقك أقوالاً مضحكة لئلا تُدفع إلى الشدائد لأنه قد كتب من يماحكك بأقواله لا يسلم من أن يجعل ذاته ممقوتاً برداءة عقله، ومن يحب الذين يحبونه أي ثواب له إذ الرب يقول ” أليس العشارون والخطاة يعملون هذا الأمر بعينه “. الإنسان الجاهل يقلق نفوس الإخوة، والطويل الأناة يتقي الرب بمحبة. لا تستثقل بالتعب الشبابي، ولا توافق شيخاً لا فهم له، الشيوخ الفهماء هم بعد اللـه عصمة الإخوة. إن مسك العينين والبطن واللسان هما تقويمة عظيمة. الإنسان المتزايد في الرحمة يتلألأ كالمصباح. كمن يكنز لنفسه خيرات هكذا من يمدح قريبه في غيابه. أتقِ الرب فتجد الخيرات. لا تسلك مناهج الخطاة بل أقتفِ طرق الصديقين. إن أحببت طريق العدل ستجد الحياة الدائمة. إن أحببت الصمت ستقطع سير مركبك بسكون. إن أحببت السكون صرت محبوباً من الكل. إن رددت عينيك لئلا تبصر أشياء غرارة ستجد أفكاراً نقية. إن ثبت على المسك والحمية فقد ألجمت شيطان الزنا. إن أحببت المسكنة فقد طرت شيطان محبة الفضة. من يكنز ذهباً في قلايته إنما يكنز آلام استعلاء الرأي وعدم الطاعة. من يخزن لذاته صلوات وصدقات يستغنَ لدى اللـه. إن قوماً آخرين اكتنزوا لذاتِهم أموالاً ؛ فأنت أخزن لنفسك صلوات وصدقات. آخرون يفرحون بالأصوات والأغاني الموسيقية ؛ فأفرح أنت بالترنم والتهليل وبالتمجيد للرب. آخرون يسرون بالبطر والسكر ؛ فأجذل أنت بالمسك والقداسة. آخرون يطربون باللذات ؛ فأفرح إذا صنعت مشيئة الرب. آخرون يسرون بشرف فارغ ؛ فأبتهج أنت بالرب الذي أعد لك وللذين يحبونه إكليل المجد. الإنسان المحب للمسيح هو برج لا يحارب، والتام في المحبة هو سور لا ينقب. إن أردت أن تدرس ماشياً فأدرس صامتاً فيهرب السبح الباطل. جيد هو تقويم من يغلط ولا يضحك عليه. الرياح القبلية تخبط البحر ؛ والحمق يزعج فكر الإنسان. الطويل الأناة يطرد الغضب ؛ وحيث يوجد غضب فقد سكن الغيظ. يا حبيبي إن لم تشأ أن تبني فلا تنقض المناقب المبنية. إذا لم تريد أن تنصب فلا تقلع الغروس المنصوبة. يا أخي إن لم تشاء أن تسكت فلا تقلع رأي الذين يسكتون. يا أخي إن لم تريد أن ترسل للرب تسابيح فلا تبطل الذين يسبحون. الغني إذا تكلم يصمت الكل ويرفعون كلامه إلى السحب ؛ واللـه يخاطبنا بالكتب المقدسة فلا نريد أن نسكت ونسمع لكن واحد يتكلم وأخر يتناعس وأخر تجول أفكاره خارجاً، فماذا يقول الكتاب ؟ ” من يرد مسامعه لئلا يسمع شرائع العلي فصلاته ترفض “. المتواني يستعجل في الصلاة ليسمع آمين، والمتيقظ إذا صلي لا يضطرب، فليكن بعيداً منا المقول بالنبي: ” أنت قريب من شفاههم بعيد من قلوبِهم “. لا تُقلق أخاً ولا توافقه في خطيئة لئلا يسخط الرب عليك ويسلمك في أيدي الأشرار. الطوبى للإنسان الذي لا يفتن على قريبه ولا في أمر واحد من الأمور فإن ثوابه كثير في السماوات. من يتجسس بلا تمييز ولا إفراز يشكك كثيرين. إن لم يضع الإنسان أولاً خطاياه بين عينيه في كل موضع فلا يمكنه أن يسكت. الطوبى لمن يبتدئ بسيرة جيدة ويكملها بمرضاة الرب فقد كتب: ” من يكرم أباه يسر بأولاده وفي يوم صلاته يسمع منه “. من يشرف أباه تطول أيامه وفي يوم وفاته يجد نعمة، أكرم أباك بالقول والفعل لترد إليك البركة منه، لا تتشرف بإهانات أبيك فلا يكون لك من الهوان شرفاً. إن شرف الإنسان إنما هو من إكرام أبيه، وعار الأولاد أم ذات هوان. أيها العابد عوض والديك بالجسد لك من ولدوك بالرب وبالروح ؛ الذين يرشدونك إلى الحياة الدهرية. يا أخي أسمع القائل: يا ولدي تمم أعمالك بوداعة فتُحب من الإنسان المقبول، بمقدار ما أنت عظيم بمقدار ذلك واضع ذاتك فتجد لدى الرب نعمة لأن قدرة الرب عظيمة، ومن المتواضعين يشرف ويمجد، مصيبة الكبرياء ليس لها شفاء لأن نصبة الخبث قد تأصلت فيها. ثلاثة أنواع تكثر الضلال والغرور والرابع ليس صالحاً: ( 1 ) عدم الطاعة للشاب. ( 2 ) وشيوخ يحسدون نجاح الشاب. ( 3 ) والمتورع إذا جنح إلى الأشياء الظالمة. ( 4 ) والرئيس إذا أحزن نفوس الإخوة بغير معرفة. أربعة أشياء تكنز شرف المناقب والخامس صالح قدام اللـه والناس. ( 1 ) ألفة الإخوة بوداعة وعدل. ( 2 ) وأخ يعظ أخاه بمخافة اللـه. ( 3 ) وشاب يخضع للشيوخ مثل أسياد له. ( 4 ) ورئيس يحب إخوته كما يحب ذاته. ( 5 ) ويهتم بخلاص نفوسهم. بالحقيقة إن الكبرياء رديئة للرجل، على كل حال يا حبيبي لا تحب الكبرياء فليست فيها منفعة، كل ألم إذا أُهتم به ينال البرء أما ألم الكبرياء هو شر صعب الشفاء لأنه يطرح دواء البرء ويركب لذاته سماً قاتلاً لا يوجد في عبيد السيد المسيح. فخر العابد الكلام الصادق المرتب حسناً، ومن يحب المزاح والخلاعة فهو جاهلاً. عيده حفظ وصايا المسيح وعزاؤه اجتناب فعل الشر، فرحه السفر إلى الرب، وفخره مخافة الرب. ما أمكنني أن أشارك فلسفة العالم بل أسأل الرب أن يمنحني نعمة مع غفران الخطايا أفضل من الزبرجد والياقوت، وأجل قدراً من خوابي مملوءة ذهباً، وأرفع سمواً من كثرة علم هذا العالم. أشكرك أيها الرب فأنك لم تعدمني طلبتي ولم تعرض عن ابتهال عبدك العاطل لأنك أنت هو رجاء اليائسين ومغيث الذين لا عون لهم.فليكن اسم عظمتك مباركاً إلى دهر الدهورآمين مار إفرآم السريانى
المزيد
17 يوليو 2020

أبواب الجحيم لن تقوى عليها

«وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟»… فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ… أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت 16: 13-18). أبواب الجحيم: وردت الكلمة المترجمة «الجحيم» في العهد الجديد 11 مرة، تُرجمت في جميعها لكلمة «هاوية»، وفي هذه الآية فقط لكلمة «جحيم». إذاً فالمقصود هنا أبواب الهاوية، هذه التي ارتعب منها الملك حزقيا: «أنا قلتُ في عزِّ أيامي أذهبُ إلى أبواب الهاوية» (إش 38: 10). والهاوية هي العالم السفلي، عالم الأشرار والأرواح الشريرة. التي يقول عنها سفر الرؤيا: «فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ» (رؤ 6: 8)، فالعدو الأخير هو الموت، والهاوية أي عالم الشر تخضع له. أما الربُّ يسوع فيقول: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ، وَكُنْتُ مَيْتاً، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤ 1: 17-18)، أي أنَّ له السلطان المطلق على الهاوية والموت. وماهي أبواب الهاوية؟ الأبواب في التقليد الشرقي في الكتاب المقدس هي رمز الحُكم والسلطة القضائية. فكان لوط يجلس في أبواب سدوم (تك 19: 1) كعضو في جماعة القضاة في المدينة. وعرض بوعز قضيَّته في أبواب بيت لحم، حيث مجلس القضاء (راعوث 4). وكان مَن عليه قضية قتل بدون عمد أن يهرب إلى أبواب إحدى مدن الملجأ لينال الحماية (يش 20: 4). كما أن أبشالوم عندما تمرد على أبيه داود، كان يقف بجوار طريق باب المدينة ليحكم للشعب (2صم 15: 2) فأبواب الجحيم أو الهاوية هي تعبير عن أكبر سلطة لعالم الشر تواجه الكنيسة، ومهمتها السيطرة على الكنيسة والهيمنة عليها. ولكن ما سبب قوة الكنيسة، هذه التي اقتناها الله بدمه (أع 20: 28)؟ السبب يرجع إلى الأساس الذي بُنيت عليه، فهذا ما أوضحه الرب يسوع: وعلى هذه الصخرة، صخرة الإيمان بلاهوت الرب يسوع، أبني كنيستي. فإن كان البيتُ مبنياً على الصخرة (مت 7: 24) فلن تزعزعه الأمواج ولن تؤثر فيه الرياح. وإن كانت هذه الصخرة هي الرب يسوع نفسه (1كو 10: 4)، وهو نفسه الأساس الذي بُنِيَت عليه الكنيسة (1كو 3: 11)، فلن تستطيع كل قوى الشر المنظورة وغير المنظورة أن تؤثر فيه، بل هو دائمًا يقودُنا في موكب نصرته. والنهاية يخبرنا بها سفر الرؤيا: «وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ» (رؤ 20: 14)؛ تمهيداً لرؤية السماء الجديدة والأرض الجديدة، ذلك الوصف البديع لأورشليم السمائية (رؤ 21). نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد
16 يوليو 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين إِنْجِيلِ لُوقَا

1- بين لو 9 : 54 – 65، اصحاح 12 : 49 ففى الاول التمس يعقوب ويوحنا ان تنزل نار من السماء لاحراق قريه فى السامره فزجرهما المسيح، وفى الثانى قال (جئت لالقى نارا على الارض). فنجيب : ان المخلص اراد بالنار فى الثانى القداسه التى ستحرق قش الدنس والفساد فيكون بين كلاهما صراع عنيف ويجب على المؤمن ان يحارب حتى ينتصر. 2- وبين لو 23 : 26، يو 19 : 16 و17 ففى الاول ان رجلا قيروانيا اسمه سمعان كان اتيا من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع وفى الثانى (فاخذوا يسوع ومضوا به فخرج وهو حامل صليبه الى الموضع الذى يقال له موضع الجمجمه حيث صلبوه). فنجيب : ان المسيح اذ لم يقو على حمل الصليب سخر سمعان ليساعده على حمله، وليس معنى ذلك ان الصليب رفع عن المسيح، كلا بل كان سمعان مساعدا اياه فقط فلا فرق اذن بين القولين. 3- وبين لو 23 : 56، يو 19 : 39 و40 ففى الاول ان النساء كن ينون تحنيط جسد المسيح وفى الثانى ان يوسف ونيقوديموس حنطاه. فنجيب : ان النساء افتكرن ان تحنيط يوسف ونيقوديموس لجسد السيد المسيح لم يكن تماما نظرا لظروف وقت تحنيطه فاردن ان يكملن تحنيطه كما يليق بمقام المخلص الذى يعتبرن كل الاعتبار. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
15 يوليو 2020

مركز الله في الخدمة ج2

4- الله هو الذي يعطي القوة والتأثير لقد أمر السيد المسيح تلاميذه ألا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو49:24). وماذا كانت تلك القوة؟ لقد قال لهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع8:1). وفعلًا لم يخدموا إلا بهذه القوة التي أخذوها من الروح القدس.. فإن كنت لم تأخذ قوة من الروح القدس، فبأي قدرة يمكنك أن تخدم؟! 5- إعداد الخدام هنا ولعلنا نسأل: كيف يكون إعداد الخدام للخدمة؟ كثيرون يعدونهم بالمناهج: مناهج تربوية، ودروس في الكتاب وفي التاريخ، وفي العقيدة وفي الطقس، مع تداريب عملية تحت إشراف. وكل هذا نافع، ولكنه ليس كل شيء.. ولا هو قبل كل شيء. إنما.. لابد من الإعداد الروحي، الذي يمتلئ فيه الخادم من روح الله، ليأخذ منه ما يعطيه.لا يأخذ منه فقط الكلام، وإنما أيضًا القوة والروح والتأثير، كما يأخذ منه كذلك الحب العميق الذي يحب به المخدومين ويسعى به إلى خلاصهم بكل اجتهاد.لقد قال بطرس الرسول كلمة في يوم الخمسين. نخست القلوب. فآمن ثلاثة آلاف من اليهود، إذ نخسوا في قلوبهم. واعتمدوا في ذلك اليوم (أع41:2) فكيف حدث ذلك؟ هل كلمة عادية تحدث كل هذا التأثير؟ كلا. وإنما كانت الكلمة تحمل قوة، تحمل روحًا، وتحمل أيضًا لسامعيها قدرة على التنفيذهناك فرق بين إنسان يقول لك كلامًا، فتقتنع به، ومع ذلك تشعر بعجزك عن التنفيذ، وبين إنسان آخر يعطيك الاقتناع ومعه القدرة على العمل.المسألة ليست مجرد ثقافة أو لباقة أو قدرة على التخاطب. إنما روح يصل إلى السماع مع الكلام الذي يصل إلى أذنيه إذن تحضيرك للدرس هو تحضير نفسك روحيًا لكي تكون في حالة روحية، تملأ فيها النعمة قلبك، وتمنحك مع الكلمة قوة وتأثيرًا. وتستطيع أن تحضر الله معك، يدخل إلى الفصل. وهو الذي يتكلم على لسانك، وهو الذي يعمل في القلوب وفي الإسماع. ويشعر السامعون إن الله كان معهم أثناء الكلمة. ويقولون: حقًا إن هذه الكلمة مملوءة من روح الله.. كنا نشعر أثناءها أن روح الله يحرك قلوبنا. ويشعل إحساساتنا ومشاعرنا. الخادم الحقيقي هو إنسان حامل الله (ثيؤفورس) مثل لقب القديس أغناطيوس الأنطاكي. إنه يحمل الله معه أينما سار. وينقله إلى الناس، إنه إنسان عاش مع الله. وذاق حلاوة العشرة مع الله. وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس. ويقول لهم "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز8:34) لذلك نقول إن هناك فرقًا بين الخدمة والتدريس التدريس هو توصيل المعلومات إلى العقول من شخص تربوي خبير بطرق التعليم. أما الخدمة في توصيل الناس إلى الله عن طريق شخص روحي لا يعطيهم مجرد معلومات، إنما يعطيهم روحًا، ويعطيهم حبًا لله ولملكوته عندنا في مدارس الأحد مدرسون كثيرون ليسوا خدامًا عندنا كثيرون يقرأون الكتب، ويمتلئون بالمعلومات. ولهم قدرة على تفهيم الآخرين هذه المعلومات. ولكن هل هذه هي الخدمة؟! إن هذا تعليم وليس خدمة.. أما الخدمة فهي روح ينتقل إلى السامعين فيشعلهم بمحبة الله. وهكذا يكون الخادم: يوصل الروح والحب، وليس مجرد الكلام إنه شخص يحب الناس وينقل إليهم محبة الله إنه ثابت في الله. وبالتالي ثابت في المحبة، لأن الله محبة (1يو16:4). والله يدرب خدامه على الحب، لأن الحب عنصر لازم للخدمة، بدونه تصبح الخدمة مجرد نشاط. والمحبة التي في القلب هي التي تخدم. ولا تستريح حتى توصل كل نفس إلى قلب الله إن كنت لم تصل إلى هذه المحبة، فأنت لم يتم إعدادك بعد للخدمة ولكن أية محبة؟ نجيب تحب الناس كل الحب، كما يحبهم الله. تحبهم لأنهم أخوتك، ولأنهم أولاد الله. تحب خلاص أنفسهم، وتحب أرواحهم لكي توصلها إلى الله. تحب الكنيسة التي هي جسده وتحب الملكوت الذي هو متعة الناس بالله. ومن كل قلبك تريد أن الجميع يحبون الله، لأنه هو قد أحبهم أولًا (1يو19:4) الخدمة ليست مجرد معرفة تنتقل من عقل إلى عقل، إنما هو روح وحياة يمتصها المخدوم من الخادم.. من خادم يحل الله فيه، وينتقل حبه إلى السامع، فيشعر بنفس الحلول ومسكين هو ذلك الخادم البعيد عن الله، أي فراغ يقدمه لسامعيه؟ وكيف يقدم الله للناس وهو لم يختبره؟!وما أجمل المثل القائل: فاقد الشيء لا يعطيه. ونود هنا أن نقدم مثالًا من سفر الرؤيا يوضح علاقة الرب بالكنيسة وبالخدام. 6- مثال المنائر والكواكب قال القديس يوحنا الرائي إنه أبصر الرب في وسط سبع منائر من ذهب هي السبع الكنائس، ويمسك في يمينه سبعة كواكب هي ملائكة الكنائس (رؤ1:2) (رؤ20:1) والرؤيا تشرح كيف أن الله في وسط الكنيسة "الماشي في وسط السبع المنائر الذهبية. أليس هو الذي قال "حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت20:18). أو ليست هذه هي صورة خيمة الاجتماعفي وسط الشعب كله.. والله يكون في وسط الكنائس عاملًا ومدبرًا ومقويًا، ومعطيًا كلمة للمتكلمين أنه النور الحقيقي. وبنوره تنير هذه المنائر السبع إنه الزيت المقدس الذي تتشبع به الفتيلة، فتضئ في المسرجة. وهو عصارة الحياة التي تسري في الكرمة، فتنتعش وتنمو وتثمروهو الذي يمسك الخدام في يمينه، ويحركهم حيث يشاء يمينه هي التي تتحرك بهم، فَيُخَيَّل إلى الناس أن الخدام هم الذي يتحركون.. وفيما هم في يمينه، يغني كل خام بمزمور داودقائلًا: "يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتني" (مز117). وإن كان الخادم في يمين الله فلا يمكن أن يشرد أو ينحرف أو يضل. لأنه لا يتحرك من ذاته، بل يمين الله هي التي تحركه. عليك إذن أن تتأكد من وضعك إن لم تكن في يمين الله، فلا يمكنك إذن أن تخدم إذن إعداد الخدام في جوهره هو وضعهم في يمين الله، فيعمل بهم، ويتحرك بهم من موضع إلى موضع، كمجرد أدوات طيعة في يديه. كل منهمطينة ناعمة لينة، طيعة في يدي الفخاري العظيم، يصنع بها آنية للكرامة (رو21:9). إنها الخدمة الفعالة الناجحة والخادم يحاول باستمرار أن يستمد قوة من الله تتجدد فيه كل يوم إنه يصلي باستمرار ويقول إن العالم صعب كما ترى، يزخر بفنون متعددة من الفساد. ومن أنا حتى أقاوم المنجذبين إليها؟ أنت يا رب الذي تستطيع أن تمنح القوة لي، ولهؤلاء السامعين، فأعطني كلمة من عندك، وأعطني حكمة أسلك بها، واحفظني حتى لا أكون عثرة لأحد. أنت ترشدني وترشدهم. تعلمني وتعلمهم، ترعاني وترعاهم، وتقودني وإياهم إلى المراعي الخضراء وينابيعالمياه الحية وكما قال القديس أوغسطينوس "إنني أبدو معلمًا لهم، ولكنني تلميذ معهم في فصلك. وقد أبدو راعيًا لهم، ولكنني واحد منهم في قطيعك". بهذا تدخل الله معك إلى الخدمة، ويكون الدرس الذي تلقيه، هو درس من الله لك ولهم. درس في محبة الله والالتصاق به وهكذا يكون الله هو الدرس وهو أيضًا المدرس وبهذه تكون الخدمة عبارة عن نعمة من الله تعمل في إنسان من أجل إنسان آخر، لتربط كليهما بالله. أو تكون الخدمة هي شركة الروح القدس حيث يشترك الروح مع الخادم من أجل المخدومين، وإن كانت الخدمة هكذا، فماذا يكون التكريس إذن؟! التكريس هو نمو في الحب، حتى يصبح القلب كله لله، والوقت كله لله، في مناجاته أو خدمته ولكن ماذا عن الذين ينهمكون في الخدمة، حتى تنسيهم الله؟ هؤلاء لم يفهموا الخدمة بمفهومها السليم، وظنوها مجرد دروس ومعلومات!! أو مجرد أنشطة وحركة! أو هم قد انشغلوا بالوسيلة عن الهدف! أو جعلوا ذاتهم هي محور الخدمة، وبعدوا بالخدمة عن الله نفسه الخدمة ليست مجرد معرفة. فالمعرفة كانت أول حرب للإنسان لذلك حينما اشتهى شجرة المعرفة (تك3) وأكل منها، فصار جاهلًا. لأنه اشتهى "معرفة الخير والشر" وليس معرفة الله، الذي نقول له في القداس الإلهي "أعطني فضل معرفتك" هذه المعرفة التي قال عنها ربنا يسوع المسيح لله الآب" هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو3:17). والاقتصار على المعرفة يخرج علماء وليس متدينين ما أكثر الذي يعرفون. ويعلمون ويشرحون، وحياتهم خالية من الله! وإن جادلتهم في شيء يضجون ويثورون، ولا تبدو في ملامحهم صورة الله! ما أكثر العلماء، ما أقل القديسين.. ومع ذلك نحن نحب المعرفة. ولكن أية معرفة؟ معرفة الله ومعرفة طرقه، كما قال داود النبي الرب "علمني طرقك، فهمني سبلك". وأيضًا المعرفة المتواضعة التي لا تنتفخ (1كو1:8). والمعرفة التي هي مجرد وسيلة تقود إلى الله. لأن كثيرين ملأوا عقولهم وعقول الناس بمعلومات ينطبق عليها قول الكتاب "الذي يزداد علمًا يزداد غمًا" (جا18:1). فابحث معلوماتك من أي نوع هي؟ البعض ظنوا الخدمة مجرد أخلاقيات لا روحيات والأخلاقيات موجودة في الفلسفة أيضًا، وخارج نطاق الدين، كما في الفلسفة الرواقية مثلًا. وتجدها في بعض الديانات البدائية، كما في الهندوسية والبوذية. ولكن هناك فرقًا بين الأخلاقيات والروحيات. فالواحدة منها قد تكون مجرد سلوك، بينما الأخرى فيما روح الإنسان تتعلق بروح الله. وما أكثر ما نجد إنسانًا مهذبًا، ولكن لا علاقة روحية بينه وبين الله. إذن في الخدمة هناك مستويات تتطور من مجرد المعلومات، إلى الأخلاقيات إلى الروحيات والإلهيات. فمن أية الأنواع أنت وخدمتك؟ وهل تحرص في خدمتك أن تربط مخدوميك بالفكر، أم بالمجتمع، أم بك أنت؟ أم تربطهم بالله. هل تعلمهم مجرد الخلق الكريم، أم تدربهم على القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب، وعلى نقاوة القلب التي يصبحون بها صورة الله، ويؤهلون لسكنى الله فيهم، بالإيمان..؟ الفضائل لازمة، ولكنها ليست منفصلة عن الله، وكذلك المعلومات. وما أقوله في ذلك عن الخادم في الكنيسة، أقوله أيضًا عن الأب والأم في البيت. فهل التربية المنزلية هدفها إيجاد أبناء مؤدبين هادئين، أم إيجاد أبناء الله، تربطهم بالله علاقة حب، وعلاقة طاعة وانتماء، ليكونوا مقدسين له فكرًا وجسدًا وروحًا. ولهم سلوك طيب نابع من محبتهم بالله وملكوته. ويعدون أنفسهم باستمرار لسكنى الله فيهم هذا المنهج هو الذي يدخل في التدريس فيعطيه وروحًا. 7- أمثلة في التعليم من الكتاب المقدس 1. في الكتاب المقدس هل تقدم فيه معلومات، أم قصة الله مع الناس في محبته ورعايته واحتماله؟ أتحكي قصص الكتاب كما تحكى روايات من التاريخ المدني؟ أم تركز على الله ومعاملاته. الله الذي أحب البشر قبل أن يوجدوا، ومن أجل هذا خلقهم. وفي محبته رعى وهدى وفدي. إنه عمانوئيل الذي تفسيره "الله معنا"(متى23:1). وما الحديث عن الخلق، سوى حديث عن محبة الله الخالقة، وعن قدرة الله الفائقة، وعن حكمة الله المدبرة، التي رتبت للإنسان كل شيء قبل أن يخلقه الله.. 2. وإن تحدثنا عن الخطية والتوبة، أيكون حديثًا عن الله؟ فالخطية ليست مجرد فساد وضلال، إنما هي بالأكثر انفصال عن الله، وتمرد على الله. والتوبةليست مجرد إصلاح السيرة، إنما هي بصورتها السليمة تصالح مع الله ورجوع إلى الله، وتغيير المسيرة من محبة العالم إلى محبة الله وهكذا تكون الدعوة إلىالتوبة: لماذا تحيا بعيدًا عن الله، محرومًا منه؟! اقترب إذن إليه وتمتع به وبعشرته، كما يقول المرتل "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب". 3. وعلى هذا النحو فكيف يكون تدريس سير القديسين؟ هل هو مجرد سرد لتاريخ حياتهم وأعمالهم؟ أم كيف أعد الله هذه النفوس، حتى وصلت إلى ذلك المستوى العالي؟ وكيف قواها وحفظها؟ وكيف أحبوه هم من كل القلب وظهرت هذه المحبة في حياتهم. هل قصة القديس هي قصة حياتهن أم هي حكاية الله داخل هذا الإنسان؟ أو هي قصة عمل الله فيه، ومحبة الله له، ومحبته هو لله. وكما لخص بولس الرسول تاريخ حياته بقوله "لأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل20:2). أنستطيع إذن أن نحكي سيرة القديسين بدون حياة الله فيهم؟! بدون المواهب التي من الله، وقيادة الله لهم في موكب نصرته (2كو14:2). وقصة الحب الإلهي الذي أغناهم عن محبة الأقرباء والأصدقاء والمعارف. وكما قال الشيخ الروحاني "محبة الله غربتني عن البشر والبشريات". 4. والنعيم الأبدي: هل نصفه بعيدًا عن البشرية؟! هل هو مجرد سماء، ومجرد نعم وملكوت، وأورشليم السمائية؟ وهل هو جنة؟ أم النعيم السمائي هو التمتع بالله نفسه، هو العشرة الدائمة مع الله ومع القديسين الذين أحبوه هو تحقيق لقوله الإلهي "حيث أكون أنا، تكونون انتم أيضًا" (يو3:14) إنه "سكنى الله مع الناس" (رؤ3:21). 5. وبنفس الأسلوب يكون تدريس اللاهوت والعقائد والطقوس فلا تكون مجرد معلومات عقلية جافة، إنما تكون حديثًا ممتعًا عن الله، يشعر فيه سامعوك أنك "ناطق بالإلهيات" بأسلوب شيق ممتع يعمق محبتهم لله. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
14 يوليو 2020

كتاب كيف أتخذ قرارًا؟

سمات الحكمة الإلهية يحدد لنا معلمنا يعقوب سمات الحكمة الإلهية فيقول "أما الحكمة التي من فوق فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء " (يع3: 17). إذن، فالحكمة الإلهية تتسم بما يلي:- 1- طاهرة: أي نقية من كل خطية، بعكس الحكمة البشرية الملوثة بالضعف البشرى والطمع والأغراض الشخصية... 2- مسالمة: أي فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشرى المجرد، يعنى العجرفة والكبرياء، ويقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات والمهاترات... 3- مترفقة: أي أنها طويلة الأناة، طويلة البال، تجعلك تحاور في هدوء وصبر حتى تريح الآخرين وتريح نفسك، دون تسرع أو تطير أو تعسف أو ثورة. 4- مذعنة: أي تجعلك قابلا لتصحيح موقفك، فاتحا صدرك للرأي الآخر مهما بدًا مضايقًا أو مناقضًا لك، فهي تعلمك أن تذعن للحق، والحق هو الله، وكتلميذ للرب تتفاهم في هدوء عارضًا رأيك في وداعة، منتظرًا آراء الآخرين ونقدهم، مستعدا للتنازل عنه حين يبدو لك ضعف الرأي أو خطأه. 5- مملوء رحمة: أي أنها حانية رقيقة غير متكبرة على الآخرين، بل تحس بأحاسيسهم، وتحترم مشاعرهم، وتحنو عليهم حتى في أخطائهم أو ضعفاتهم كي تقودهم إلى فكر المسيح. 6- وأثمارًا صالحة: وما هي أثمار الحكمة الإلهية إلا ثمر الروح من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غلا5: 22، 23)؟ 7- عديمة الريب والرياء: أي خالية من التشكك والوسوسة، إذ يكون الإنسان واثقا من فكر الله، وقادرا على تمييز مشيئته "كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانهم" (اف1: 17، 18) " من اجل ذلك لا تكونوا أغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب" (اف5: 17). "وهذا أصليه: أن تزداد محبتكم أيضًا، أكثر فأكثر، في المعرفة، وفي كل فهم، حتى تميزوا الأمور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح" (في1: 9، 10). وهي أيضًا حكمة عديمة الرياء، ليس فيها غش ن ولا كذب ولا التواء، ولا يظهر الإنسان فيها ما لا يبطن، بل بالحري يكون واضحا ومستقيما ونقيا، أمام الله والناس، في السر والعلانية. هذه هي سمات الحكمة الإلهية، وهي عكس الحكمة البشرية، التي لوثتها الخطية فصارت سبب غيرة مرة، وتخرب وتشويش، وكل أمر رديء... ذلك لأنها أرضية (أي نابعة من العقل الترابي المهتم بالترابيات)، نفسانية (أي نابعة من الانفعالات والغرائز والعواطف والعادات والاتجاهات الخاطئة التي تموج بها النفس)، وشيطانية (أي مقودة بروح إبليس، العامل في أبناء المعصية)... (اقرأ يعقوب 3: 13-18). خطورة الحكمة البشرية:- من هنا كان لابد للإنسان من أن يتخذ قراراته في الحياة اليومية حسب مشيئة الله وفكر المسيح، ومن خلال قنوات محدودة نستعرضها في الفصول التالية. وهذا أمر في غاية الأهمية، فلا شك أن استسلام الإنسان لفكره أو شهواته أو حكمته المحدودة، أمر خطير يورد الإنسان موارد التهلكة، لأنه " توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت " (ام16: 25)، فلا تكن إذن " حكيما في عيني نفسك " (ام3: 7)، وذلك:- 1- لأنك محدود في إمكانياتك الفكرية... 2- ومحدود في قدراتك التنفيذية، فقد تقتنع بشيء ما، ولكنك لا تستطيع الوصول إليه. 3- ومحدود في معرفة ما هو لصالحك، فالحياة مليئة بالمنعطفات والمتاهات. 4- ومحدود في معرفة المستقبل والغيب، فقد تختار ما هو صالحًا الآن، ثم يثبت انه غير صالح في المستقبل، مثالا لذلك قد تختار شريكة حياة معينة وتتشبث بها، ولا تعرف ماذا قد يصيبها في المستقبل... 5- لهذا فالأفضل أن تعترف بضعفك ومحدوديتك، وتتفاهم مع الله طالِبًا منه أن يقود سفينة حياتك فهو: 1) الآب الحنون الذي يحبك، صانع الخيرات... 2) وهو القادر على كل شيء، ضابط الكل... 3) وهو العالم بمسار حياتك، وحياة غيرك، حتى النفس الأخير، بل حتى الأبدية. ومن هذا المنطلق الثلاثي: الحنان، والاقتدار، والعلم، يسلم الإنسان نفسه في ثقة ورضى واقتناع، ليختبر كل يوم عجبًا من فيض حنان الرب! يمكنك يا أخي الشاب أن تعاند مشيئة الله وتتمسك بفكرك الخاص، لكن ثق أن هذا الطريق مهلك، وفاشل. ويمكنك أن تستطلع مشيئة الله في كل أمر، فتسير في نور المسيح، ومساندة النعمة، وحراسة الإله، فتثمر وتنجح وتعود فرحا. لقد أراد الرسول بولس أن يبشر في آسيا، فمنعه الروح. قصد أن يذهب إلى بيثينية، فرفض الروح أيضًا. فنام في هدوء في ترواس منتظرا إعلانات الله، ولما رأى الرجل المكدوني يناديه قائلًا "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (اع16: 9) ذهب إلى اليونان، ونجح هناك مؤسسا خمسة كنائس مباركة. "العناد كالوثن" (1صم15: 23)، لأنه عبادة للذات، أما "الانقياد بالروح" (رو8: 14) فهو كفيل بان يجعلنا أولاد الله، وما أعظمه من مركز! نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
13 يوليو 2020

بين فكر الله وفكر الإنسان

أبدأ بالآية «لأن مَنْ عرف فكر الرب؟ أو مَنْ صار له مشيرًا؟» (رو11: 34)، وهنا يكشف الكتاب عن الفارق الكبير بين معرفة الله ومعرفة الإنسان، وبين صلاح الله وصلاح الإنسان، وبين قداسة الله وقداسة الإنسان، ورؤية الله ورؤية الإنسان... وهكذا نرى بوضوح شديد تميُّز الله في صفاته المطلقة، وصفات الإنسان المحدودة والقاصرة..لذلك يحتاج الإنسان إلى التقرُّب إلى الله لكي يقوده فكريًا، وبالتالي يستفيد من فكر الله.. من هنا جاءت فكرة «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله» (رو8: 14)، بمعنى انتماء الإنسان لله وارتباطه به واحتياجه لقيادة روح الله له، حتى يتغير فكر الإنسان ليأخذ فكر الله ويعيش به. وممكن أن نشبّه الفرق بين فكر الله والإنسان، بالفرق بين الطبيب ومريضه، وبين فكر المعلم وتلميذه، وبين فكر الأب وابنه الطفل الصغير، وبين فكر القائد المدبّر حسنًا ومَنْ ينقاد به.. وهكذا يشعر الإنسان باحتياجه لفكر الله، يطلبه في الصلاة، ويتعرف عليه من الكتاب المقدس.ولكن كيف يستفيد الإنسان من فكر الله؟ وكيف ينال هذا الفكر؟ وما هي وعود الله في ذلك؟ وأبدأ بوعود الله: 1- «وأعطيهم قلبًا واحدًا، واجعل في داخلكم روحًا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأعطيهم قلب لحم» (حز11: 19)، والمقصود هنا التغيير الذي يحدث في القلب من الداخل، الذي منه جميع مخارج الحياة. وهذه إمكانية لا يملك إعطاءها إلّا الله فقط. وهذا القلب الجديد والروح الجديد يمنح الإنسان إمكانية الفكر الجديد، بل الطبيعة الجديدة في المعمودية، والفكر المتجدد الذي يدوم.2- وعد آخر «لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر، بخوافيه يظلّلك وتحت أجنحته تحتمي» (مز91: 3-4)، ومكتوب أيضًا «لأنه بجناحيه يظلّلك، وتحت جناحيه تحتمي» ( مز91).. أي أن الطائر بخوافيه (وهي منطقة البطن بما فيها من ريش ناعم) يخفي صغاره ويعطيهم الدفء والحنان والاطمئنان، فيحميهم من الحشرات الصغيرة ومن المخاطر المحيطة. والله يشبّه نفسه بهذا الطائر ويقدم هذا المثال الحقيقي والطبيعي لكي نشعر كأبناء لله بمدى حرصه على حمايتنا وحفظنا، فلا تستطيع أي قوى شريرة أن تضرّنا أو تؤذينا. هذه الثقة في الله تقودنا في كل الظروف المحيطة بنا والمتغيرة والمتلاحقة، منها الطبيعي كالوبأ، ومنها بسبب خطايانا. ومن صلواتنا في القداس الإغريغوري: "ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة" ويقصد أدوية روحية كالتوبة وطاعة كلمة الله، وما قدمته الكنيسة لنا من أسرار مقدسة تُحيينا. وهكذا نختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو12: 2)؛ والإرادة هي تلاقي الفكر مع المشاعر، فتكون الإرادة والمشيئة المقدسة كثمرة حقيقية للسلوك الروحي المقدس والمفرح.مما سبق نرى فكر الله من حيث وعوده المملوءة محبة للإنسان، والتي بها يعبّر الله عن محبته للإنسان، ومدى رغبته أن يقود المؤمن فكريًا وروحيًا وإراديًا، في كل وقت وفي كل مراحل حياة الإنسان، منذ ميلاده وفي صباه وشبابه وحتى شيخوخته، ويبقى لخلاصه مدى طاعته وخضوعه لإرادة الله وفكر الله، وكل هذا لينعم بمحبة الله وحراسته له وحفظه من شرور العالم وحروب الشيطان وباقي ضغوط العالم والمجتمع عليه، وسيبقى فكر الله مضيئًا من خلال الأب الروحي الذي يرشد ويقود ويوجه دائمًا. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
12 يوليو 2020

كرازة بولس الرسول

كان عند بولس الرسول رغبة حارة في كرازة اليهود؛ لأنه قبل أن يؤمن بالمسيح كان متعمِّقًا جدًا في دراسة الديانة اليهودية، وفي مقدمتها أسفار العهد القديم. فهو فريسي ابن فريسي (أع23: 6)، وتتلمذ على يدي غمالائيل (أع22: 3) من كبار معلمي اليهود. ولكن النعمة الإلهية حوّلت ما لديه من إمكانيات إلى فهم عميق للتدبير الإلهي في حياة الشعب الإسرائيلي منذ دعوة الله لأبينا إبراهيم، والدخول معه في العهود والوعود المختصة بالخلاص. واستطاع أن يتصدى لتيار التهوُّد في المسيحية، أي منع التمسُّك بحرفية الديانة مثل موضوع الختان إلى حرية مجد أولاد الله في سر المعمودية. هو لم يقصد أن يغيّر جوهر الديانة اليهودية، بل أن يبرز أن جوهرها هو خلاص الله في المسيح.ولكي يؤكّد بولس الرسول محبته لليهود وسعيه لأجل خلاصهم بالرغم من كرازته لليهود لكي يؤمنوا بالمسيح أنه قال «إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ. الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاِشْتِرَاعُ والْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ. وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ» (رو9: 2-5).اليهود كانوا يتمسكون بأعمال الناموس كعهد الختان، وكتقديم الذبائح الحيوانية لمغفرة الخطايا، وخدمة الكهنوت الهاروني بالوراثة. وبولس الرسول كان يوضّح لهم أن الختان لم يعد ختان الجسد بقطع جزء منه؛ بل «خِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ» (رو2: 29) الذي يتم في المعمودية لقطع الإنسان العتيق «عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ» (رو6:6). وأن الذبائح الحيوانية كانت رمزًا لذبيحة الصليب التي بها تم خلاص البشرية من حكم الموت الأبدي لكل من يؤمن ويعتمد. وأن خدمة الكهنوت الهاروني قد أبطلها كهنوت المسيح الذي قال الرب عنه «أقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ، أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ» (عب7: 21).ولكن السيد المسيح كان قد أعدّ بولس الرسول لكرازة الأمم حتى أنه صار له لقب «رَسُولٌ لِلأُمَمِ» (رو11: 13). وبالرغم من رغبته الحارة في كرازة اليهود، إلّا أنه قد استقبل توجيهات من الرب قال عنها: «وَحَدَثَ لِي بَعْدَ مَا رَجَعْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي الْهَيْكَلِ أَنِّي حَصَلْتُ فِي غَيْبَةٍ. فَرَأَيْتُهُ قَائِلًا لِي: أَسْرِعْ وَاخْرُجْ عَاجِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ شَهَادَتَكَ عَنِّي. فَقُلْتُ: يَا رَبُّ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفًا وَرَاضِيًا بِقَتْلِهِ وَحَافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمَ بَعِيدًا» (أع22: 17-21). وقال أيضًا: «وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ وَقَفَ بِهِ الرَّبُّ وَقَالَ: ثِقْ يَا بُولُسُ لأَنَّكَ كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا» (أع23: 11).وقد تأكّد ذلك من قَبل الكنيسة في لقاء بولس الرسول مع الآباء الرسل يعقوب أخي الرب وبطرس ويوحنا في أورشليم، إذ كتب في رسالته إلى أهل غلاطية «فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ» (غل2: 9). نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
11 يوليو 2020

المقالة الخامسة فى النسك والتعزية الكثيرة والخشوع

للمريدين أن يخلصوا يضرنى الوجع أن أتكلم وعدم الاستحقاق ينهرنى كى أصمت والأوجاع تكلفنى أن أتكلم وخطاياى تحضنى على السكوت فإذ قد اكتنفت من الأمرين جميعاً فالأوفق لى أن أتكلم لكي ما أنال الراحة من أوجاع قلبى لأن نفسى توجعنى وعيناى تشتهيان الدموع فمن يعطى لرأسى ماءً ولعينى عين دموع فأبكى نَهاراً وليلاً على كلوم نفسى وعلى رخاوة الموعظة الصائرة فى أيامنا لأن نفسى مملوءة جراحات ولا تعلم لأن تعظمها لا يسمح لها أن تتأمل كلومها لتشفى لأن ذلك كان وحده عظة فى أيام آبائنا لأنَهم أشرقوا كالشمس وكالنجوم فى كافة الأرض سائرين بِها فى وسط القرطب والأشواك أى بين الهراطقة والناس المنافقين مثل جواهر كريمة ولؤلؤ جزيل ثمنه الذين من أجل مسكهم الجزيل وسيرتِهم الصعبة صار الأعداء أنفسهم متشبهين بِهم، لأن من كان يشاهد تواضع رأيهم ولا يتخشع، أو وداعتهم وصمتهم فلا يتحير أى محب للمال كان يعاين عدمهم للقنية ولا يصير مبغضاً للعالم، أى متغطرس ومستكبر كان يرى سيرتِهم الحسنة ولا ينتقل إلى التواضع وأى خبيث ودنس كان يبصرهم فى الصلاة واقفين ولا يظهر فى الحين عفيفاً وطاهراً، وأى سخوط أو غضوب إذا كان يخاطبهم فلا ينتقل إلى الوداعة ههنا جاهدوا وهناك ابتهجوا لأن اللـه يُمَجَد بِهم، والناس ابتنوا وانتفعوا، فأما العظة التى لنا فقد جعلتنا نترك الطريق المستقيم ونعشق الهوى لأن ليس أحد يترك الأموال من أجل اللـه، ولا أحد يزهد من أجل الحياة الأبدية، وليس أحداً وديعاً ومتواضعاً، ولا ساكن الأخلاق ومبتعداً من السب أو صبوراً على القذف بل الجماعة سخوطون ومجاوبون، والكل عاجزون وغضوبون، ومتزينون بالثياب، الكافة معجبون وللشرف محبون، والجماعة محبون ذاتَهم لأن الذى قد جاء ليُوعَظ فقبل أن يُعَظ يَعظ، أو قبل أن يُعَظ يُعَلِّم، وقبل أن يَتَعَلَّم يشترع فرائض، وقبل أن يتهجى في الكتب يصنع كتباً، وقبل أن يُطِيع يُرام أن يُطَاع، وقبل أن يُؤمَر يأمر، وقبل أن يُعاتَب يشترع العتاب إن كان شيخاً يأمر بتأمر وتعظم، وإن كان شاباً يُجَاوِب، وإن كان موسِراً للخير يطلب إكراماً، وإن كان مسكيناً يسأل عن الراحة، وإن كان صانعاً ينظف أصابعه ويصون تنضيدها من لا يبكى يا أحبائى على التعليم الذى لنا لأننا قد زهدنا فى العالم ونعقل المعقولات الأرضية، الفلاحون قد زهدوا فى الأرض والمظنون أنَهم روحانيون قد ارتبطوا بِها، لا نعرف يا إخوتى إلى أين قد دعينا، وإلى أى أمر جئنا دعينا إلى المسك والحمية ونشتهى الأطعمة الطيبة، وجئنا إلى العرى ونخاصم من أجل ثياب ناعمة، دعينا إلى الطاعة والوداعة ونجاوب متنمرين، نقرأ ولا نعرف، ونسمع ولا نعقل القول الذى فى ذاتناإن صادف إنسان فى الطريق بغتة قتيلاً تستحيل نضارة وجهه، ويجزع قلبه، ونحن نقرأ أخبار الرسل المقتولين والأنبياء المرجومين ونظنها قيلت عبثاً ولم أقول عن الأنبياء والرسل فقط بل نسمع عن الإله الكلمة نفسه عُلِقَ على خشبة من أجل خطايانا وقُتِلَ ونحن نضحك ونتنزه، الشمس لم تحتمل شتيمة السيد فنقلت بَهاءها إلى الظلمة، ونحن لا نشاء أن ننتقل من ظلمة رذيلتنا فلنطهر ذاتنا يا أحبائى ليسكن الإله فينا وننال مواعيده، ولا نشتم اسمه القدوس الذى دعى علينا، ولا يجَدف من أجلنا على اسم إلهنا، فلنشفق على ذاتنا متفهمين أن اسمنا قد أتفق مع اسم المسيح، لأنه هو المسيح ونحن ندعى مسيحيين الروح هو الإله ونحن صرنا روحانيين، لأنه حيث روح الرب فهناك الحرية، فلنحرص أن ننال هذه الحرية، ولنخطر بذهننا لأية سيرة قد أُهلنا عالمين أنه إلى عرشه دعانا فلنحب ذاتنا ولو مثل ما أحبنا هو، ولنشتاق إليه ليشرفنا اصغوا إلى ذاتكم لئلا نطالب بطائلة مضاعفة يوم الدينونة. قد انفصلنا من العالم ونعقل معقولات العالم، استحقرنا الأموال ونَهتم من أجلها، هربنا من الأشياء البشرية ونحن نطلبها، ونخشى من أن يدهمنا بغتة ذلك اليوم ونوجد عراه وأشقياء وغير مستعدين فتندم أنفسنا لأن هذا الأمر نفسه أصاب الذين كانوا على عهد نوح، وفى أيامه كانوا يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون، يبيعون ويبتاعون إلى أن جاء الطوفان فأهلك الكل إن الأمر يا إخوتى عجيبٌ جداً أنَهم كانوا يعاينون الحيوانات البرية ملتئمة كانت تتقاطر جمعاً واحداً، الفيلة كانت تتقاطر من بلاد الهند وفارس ؛ والأسد والنمور تجتمع مع الغنم والمعزى ولا تآزى والدواب والطيور تتوافى من غير أحد يسيرها وتحل حول السفينة بحرص وهذه كانت فى أيام طويلة ونوح نفسه كان يعمل السفينة بحرص، ويهتف إليهم توبوا فلم يرتدعواوكانوا يشاهدون متعجبين من اجتماع البهائم والحيوانات البرية، فلم يتخشعوا ليخلصوا فلنرهبن يا أحبائى لئلا يصيبنا نظير هذه لأن المكتومات قد كملت والعلامات المقولة لها انقضت، وما تبقى شيء آخر سوى أمور عدونا معاند المسيح لأنه كما في مملكة الروم يجب أن تكمل الأشياء كلها فمن يشاء أن يخلص فليحرص أن يريد أن يدخل إلى الملك، فلا يتوانى من يشاء أن ينجى من نار جهنم فليجاهد فرط الجهاد، ومن يريد ألا يطرح فى الدود الذى لا يرقد فليتيقظ مستفيقاً، ومن يريد أن يستعلى فليتواضع، ومن يشاء أن يتعزى فلينح. ومن يحب أن يدخل الخدر ويبتهج فليأخذ مصباحاً بَهياً وزيتاً فى وعائه، ومن ينتظر أن يتكئ فى ذلك العرس فليقتنِ حلة منيرة. فإن مدينة الملك هى مملوءة سروراً وابتهاجاً، موعبة نوراً وحلاوة نابعة لذة وحياة أبدية للساكنين فيها.فمن يحب أن يساكن الملك، ويستوطن مدينته فليسرع لأن النهار قد مال ولا يعلم أحد ماذا يلتقى فى الطريق، لأنه مثل مسافر يعرف بُعد مسافة الطريق فأضجع ونام إلى قرب المساء ثم أنتبه وأبصر النهار قد مال.فلما أبتدأ بالمشى تدارجته بغتة الغيوم والبرد والرعود والبرق محتفة بالهواء فاشتمله الغيوم من كل جهة، وتضايقت حياته لأنه لا يستطيع الوصول إلى المنزل ولا يستطيع أن يعود إلى موضعه.هكذا يصيبنا نحن إن توانينا واضطجعنا فى أوان التوبة لأننا نحن سكان وراحلون، فلنحرص أن ندخل إلى مدينتنا وموطننا بعزاء نحن يا إخوتي تجار روحانيون طالبوا الجوهرة الجزيلة قيمتها التى هي المسيح مخلصنا، الفخر والكنز الذي لا يُسلب فلهذا فلنقتنه بحرص كثير فمغبوط ومثلث السعادة من قد حرص أن يقتنيه، شقي من توانى أن يقتنى صانع الكل.أو لا تعلمون يا إخوتي أننا أغصان الكرمة الحقيقية التي هي المسيح. فأحذروا إذاً أن يوجد أحد غير مثمر، فإن أب الحق هو الفلاح الذى يعمل هذه الكرمة، والذين يعطون ثمراً يطهرهم ليأتوا بثمر ؛ والذين لا يأتون بثمر يقطعهم ويرميهم خارج الكرم ليحرقوا بالنار.فتأملوا ذاتكم حذرين أن توجدوا غير مثمرين فتقطعوا، وتلقون فى النار ؛ فكذلك نحن بذار جيد زرعه المسيح سيد المنزل صانع السماء والأرض، وأوان الحصاد قد حان والحصادون بأيديهم المناجل منتظرين إشارة السيد، فاحظروا أن يوجد أحدكم زواناً فيُشد حزمناً ويحرق بالنار الدهرية.ألا تتفهمون يا إخوتى أننا مزمعون أن نعبر لجة مرهبة.فالذين هم تجار حاذقون وحكماء مستعدون، وتجارتِهم بأيديهم منتظرون هبوب الرياح ليسيروا ويبلغوا إلى ميناء الحياة، وأنا ومن يشابِهنى نتنزه بلا كسب ولا فائدة.ليس لنا شيء موضوع فى ذهننا لنعبر به هذا البحر ونخشى أن تَهب الرياح بغتة، ونوجد غير مستعدين فيقيدونا ويرمونا من المركب، وسنبكى هناك على ونيتنا ناظرين إلى آخرين مبتهجين مسرورين ونحن فى وجع وحزن لأنه فى تلك الميناء يفتخر كل أحد بتجارته وثروته.فأخشى يا أحبائى أن تخرجنا آلام الجسد خارج الحذر إذ نحن من خارج لابسين زياً لأن الذى من خارج يعرف أين هو قلبنا وعقلنا.التزين وتنظيف الثياب يوضحان أننا مجردون من ذلك المجد مفتكرون فى الأشياء الأرضية، وأثرة التشرف تدل أننا معجبون، والتلذذ بالأطعمة يدل أننا شرهون البطن، والونية توضح أننا عاجزون.ومحبة الاقتناء توضح أننا لا نشتاق إلى المسيح، والحسد يخبر أننا ليس لنا محبة فى ذاتنا، وغسل أرجلنا ووجوهنا يدل على أننا عبيد الآلام، لأن القلب يشتاق إلى شيء والأشياء التى يودها القلب يتلوها اللسان، وشفاهنا تستوضح مكتومات قلبنا.متى أنفتح الفم ولا باب له ولا حراسة يخرج كلامنا بلا تحفظ، وبأقوالنا نسلب متاع قلبنا لأن فماً لا يحفظ أسرار القلب يسترق أفكاره والرؤيات التى يظن أنَها باطنة تشتهر بالفم، والنتائج التى يظن أنَها لا ترى تبصر، التلذذ بالمثالب يوضح أننا موعوبون بغضاً.فلا ينخدعن أحد بالورع الظاهر فإنه يخدع ذاته وأخاه، من يظن أنه يخدع بالورع الظاهر فتصرفه يظهر كذب ورعه.إن شئت أن تعرف أفكار القلب فتقدم إلى الفم ؛ ومنه تعرف بأى شيء تَهتم ؟ وعلى ماذا تحرص ؟ أعلى الأشياء الأرضية أو على المناقب السماوية. على الأمور الروحية أو على الأشياء البشرية.من أجل اللذة اهتمامك أو من أجل الحمية، بِهجر القنية تَهتم أو باستكثارها، بالتواضع أو باستعلاء الرأى، بالمحبة أو بالبغضة، لأن من كنز القلب يخرج الفم اهتماماته، وهذيذ اللسان يوضح إلى ماذا يشتاق إلى المسيح أو إلى أمور العالم الحاضر.والنفس التى لا ترى تبصر بأفعال الجسد ما هى إن كانت صالحة أو خبيثة لأنَها صالحة بطبيعتها وتنتقل إلى الشر بالنية المتسلطة على ذاتِها لكن لعل أحداً يقول إن الآلام الطبيعية والذين يعملونَها لا جناح عليهم.أصغ إلى ذاتك ولا تنسب حسن اختراع الإله الصالح إلى زلة الجنوح فإنه قد صنع البرايا كلها حسنة جداً وزين الطبيعة بسائر الصالحات، فمن يجع إذاً لا يذنب إن أكل بمقدار لأن الجوع طبيعي، وإذا عطش إنسان كذلك وشرب قدر كفافه فلا يخطئ لأن العطش طبيعي.إذا نام أحد فلا يخطئ إن لم ينم بلا مقدار ويرخي ذاته ويدفعها إلى النوم ؛ حقاً أن النوم الذي لا مقدار له عادته تغلب الطبيعة لأن العادة والطبيعة هما كارزان بحظوظ كل واحد منهما بل فالطبيعة توضح العبودية، والعادة تشهر النية لأن منهما كلهما تتضح كيفية الإنسان. فالنية هي مسلطة على ذاتِها فهي مثل فلاح تطعَّم في ذاتِها عادات رديئة وصالحة كما تشاء.أما العادات الرديئة فتطعمها هكذا تطّعم في الجوع نَهم البطن، وفي العطش كثرة الشرب وفى النوم الرخاوة وفى النظر الرؤية الرديئة وفى الحق الكذب.وكذلك تطعم الفضائل الصالحة هكذا فى الإغتذاء المسك، وفى العطش الصبر، وفي النوم السهر، وفى الكذب الحق، وفي النظر التعفف، وفى التأمل لحظة عين، فهي مثل فلاح تقتلع العادات الرديئة وتطعم الفضائل الصالحة فتغلب الطبيعة.فأرض عملنا هي الطبيعة، والفلاح هي النية ؛ والكتب الإلهية هم المشيرون، والمعلمون يعلِّمون فلاحنا أية عادات تقلع وأية فضائل صالحة تُنصب ؛ فما دام فلاحنا مستفيقاً وحريصاً من قبل تعليم الكتب الإلهية فهو قوي لأنَها تعطيه ” الكتب الإلهية ” من غصونِها فهماً وقوة فضائل صالحة ليطَّعم في شجرة الطبيعة.الأمانة فى عدم الأمانة، ورجاء فى عدم الرجاء،ومحبة في البغض، ومعرفة فى عدم المعرفة، وحرصاً فى التواني ومجداً ومديحاً في عدم الشرف، وعدم موت في الأمانة، ولاهوتاً فى الناسوت.فإن شاء وقتاً ما فلاحنا بتعظمه أن يترك المعلم والمشير عليه أعني الكتب الإلهية، يوجد تائهاً ويصادف نتائج خبيثة جامعاً عادات لا نفع فيها ويطعم فى الطبيعة التطعيمات التى خارج الطبيعة.أعني عدم الأمانة، وجهالة ؛ وبغضاً ؛ وحسداً ؛ وكبرياء، وسبح باطل ؛ وأثرة الشرف ؛ ونَهم البطن ؛ وخصومة ؛ ومجاوبة ؛ وأشياء أخرى أكثر من هذا لأنه لما تَرك المشرع تُرك منه.فإن تندم وعرف ذاته وسجد للمشترع الشريعة قائلاً: قد أخطأت إذ تركتك. يقبله المشترع السنة فى الحين بتعطفه على الناس ويمنحه فقهاً واقتداراً صالحاً ليعمل أيضاً أرض فلاحته وطبيعته، ويقتلع منها العادات الرديئة وينصب عوضها الفضائل الصالحة.بل ويمنحه أكلَّة ويعطيه جوائز ومدائح هكذا كما قلت ؛ أنه يجوع بالغريزة فيحتمي ويصبر ؛ ويعطش لكنه يصبر ؛ يشتهي لكنه يغيف ؛ يثقل بالنوم أو يشتمله عجز فى تمجيد السيد، لكنه إذا سهر يكلف نفسه في تسبيح اللـه. وكذلك يكلل إذا غلب الطبيعة وأقتني الفضائل.فالمجد إذاً لتعطفه والشكر لصلاحه، والسجود لتحننه، أي رب رؤوف هكذا، أي أب رحوم هكذا، أي أب هكذا يحب مثل سيدنا الذي أحبنا نحن عبيده، ويهب لنا كل شيء ويدبر أمورنا، ويشفي جراحات نفوسنا بكثرة صنوف الأدوية ؛ ويتمهل علينا إذا خالفناه.ويشاء أن يخلصنا كلنا، ويشاء أن يصيرنا وارثين ملكه، ويريد أن تُمدح خيريته إذا شفت الأمراض السهلة الشفاء والحقيرة، لأن الأسقام الثقيلة والصعب شفائها هو يشفيها !فيشفى جراحات العاجز بنفخة فمه لدراسته بتمجيده، ويصفح عن خطايا الخاطئ باستنهاضه إياه إلى النشاط، ويسمع من السقيم سريعاً لئلا تصغر نفسه، ويمنح الطويلة أناتَهم والقارعين أبوابه دائماً الموهبتين كلتيهما أي الشفاء والثواب.لأنه يقدر أن يشفي جراحات نفوسنا كلها وينقلها غصباً إلى الحرية لكنه لا يشاء لئلا تعدم نيتنا المدائح التي منه، ونتوانى أن نستغيث به لمعونتنا ونصرتنا، فلمحبته إيانا ورأفته بنا قد اقتادنا وأنار أعين ذهننا منحنا المعرفة وأذاقنا محبته لنطلبه بلا تقصير.الطوبى لمن ذاق محبته وأعد ذاته أن يمتلئ منها دائماً فإنه إذا امتلأ من مثل هذه المحبة لا يقبل فى ذاته محبة أخري، يا أحبائي من لا يحب مثل هذا السيد من لا يسجد ويشكر لصلاحه.أي اعتذار لنا في يوم الدينونة إن توانينا ؟ أم ماذا نقول له ؟ أنقول ما سمعنا وما عرفنا ! أو ما عملنا ! ماذا ينبغي أن يعمله ولم يعمله بنا ؟ ألم ينحدر إلينا من العلو الذى لا يُقَدَر ! وألم ينزل من حضن الآب المبارك ! أما شوهد الغير المرئي منا، وإذ هو غير مائت ألم يتجسد من أجلنا أو ما لطم ليعتقنا.يا للعجب الموعب خوفاً ورعباً أن يداً طبيعية خُلقت من طين الأرض لطمت خالق السماء والأرض، ونحن الأشقياء والأدنياء ترابيون ومائتون ورماد ولم نحتمل كلمة بعضنا من بعض.هو غير مائت ؛ ألم يمت من أجلنا ليحينا، أو لم يُدفن لينهضنا معه، فكَنا من رباطات العدو وربطه، وأعطانا سلطاناً أن ندوسه، متى استغثنا به ولم يجيبنا، أو قرعنا بابه ولم يفتح لنا وإن تباطأ وقتاً ما أليس ذلك ليُكثر ثوابنا.أيها الحبيب لِمَ زهدت فى العالم ؛ ألكي تطلب نياحة جسدانية، وبدل العرى أتبتغى حلة، وعوض العطش أتبتغى شرب الخمر.دعيت إلى المحاربة ؛ وتروم أن تتقابل مع أعدائك بدون أسلحة، عوض السهر تنحدر إلى النوم، وعوض البكاء والنحيب تبذل ذاتك للضحك، وبدل المحبة تحوي بغضاً لصاحبك.جئت إلى الطاعة وأنت تجاوب، جئت لترث مُلكاً وأنت تعقل المعقولات الأرضية، وعوض التواضع والوداعة تشتمل بالتعظم والتكبر.ماذا تقول له فى ذلك اليوم ؟ أتقول أننى تواضعت من أجلك ! وتمسكنت وتعريت، وجعت وعطشت من أجل محبتك من كل نفسي، وأحببت قريبي كنفسي.لا تستهجل أن أقوالك وأفكارك ليست غير مكتومة، وضميرك هو الناظر إياك، إن كذبت لا تجهل أنه لا يوبخك، أو لا تعلم أن البرية كلها تقف أمام مجلسه بخوف ورعب شديد وتحوط به ألوف ألوف وربوات ملائكة رؤساء ملائكة ؟وإن كنت تفتكر أن تكذب وتقول قد احتملت من أجلك مثل جسامة هذه الأشياء، أحذر أن تبدى طائلة كبيرة عن أعمالك الخبيثة وعن كذبك فق من نومك وعد إلى ذاتك، أجمع أفكارك وأنظر أن النهار قد مال.أفهم هذا المعنى أيها الأخ، إن إخوتنا الذين كانوا معنا بالأمس يكلمونا ليسوا معنا اليوم لأنَهم دعوا إلى ربِهم وربنا ليريه كل واحد منهم تجارته.ها أنتم قد عرفتم أمور أمس الماضي وأمور اليوم، كيف مضي أمس كزهرة صباحية واليوم هو كفى مسائي، فتأمل أمتعة تجارتك إن كانت قد نَمت فائدتِها من أجل اللـه، لأن أيامنا تجوز مثل مشي ساعي.الطوبى لمن يتجر وينمي بضاعته يوماً فيوماً، ويجمع فوائد الحياة الدائمة. لِمَ تتوانى أيها الحبيب، لِمَ تضجع وقد سكرت بالضجر كسكرك من النبيذ، ماذا تميز فى ذاتك إنك تجعل لك منزلاً فى هذا الدهر.لأنه مثل أثنين مسافرين أتفق أحدهما مع الآخر فى الطريق، وكل واحد منهما ذاهب إلى منزله فلما أدركهما كلهما المساء نزلا فى الفندق الذى بلغا إليه، ولما صارت الغداة فارق أحدهما الآخر، وكل واحد منهما يعرف ما له في منزله إما غنى وإما فقيراً، إما نياحة إما حزناً.هكذا نحن فى هذا العالم فإن هذا العمر يضاهي مسكناً ومنه نفترق ذاهبين إلى موضعنا عالمين ما لنا أمامنا لأن كل واحد منا لا يجهل ما تقدم فأنفذ إلى السماء.كما أقول إن كان أرسل صلاة بدموع، أو سهراً نقياً، أو ترتيلاً، أو تخشعاً، أو مَسْكَاً بتواضع الرأي، أو زهداً فى الأمور الأرضية أو محبة بلا رياء تتوقان إلى المسيح.إن كنت سبقت فأرسلت هذه فثق إنك ستمضي إلى نياحة وراحة، وإن كنت ما أرسلت ولا واحدة من هذه فَلِمَ تغيظ قريبك في مسكن الاغتراب لأنك غداً تفارقه، لِمَ تتكبر، لِمَ تتعظم، لِمَ تحزن. أتريد أن تحمل المسكن معك، لِمَ تَهتم من أجل ثياب وملابس وطعام فالمعطي البهائم غذائها ألا يغذيك أنت الذي تمجده.يا من ترجوا أن تصير وارثاً أتَهتم بثياب وملابس، يا من قد أمت ذاتك من العالم أتعقل المعقولات الأرضية، لِمَ تغيظ الطبيب بأنك تريد أن تبرأ وفي زمان مداواتك تخفي جراحاتك ؛ وتدعى على الطبيب أنه ما أبرئك.قد أُعطيت وقتاً للتوبة، وأنت تتواني فى التوبة. فماذا تدعى على المشترع السنة أإنه أجتلب الموت لما تَهاونت ؛ أتراك تقول للموت دعني أتوب.فق أيها الحبيب متيقظاً فإن تلك الساعة كالفخ تأتي إليك وحينئذ يشتمل ذهنك ذهول، وتقول: كيف جازت أوقاتي ؟ وكيف عبرت أيامي فى حال تنزهى فى الأفكار الغير واجبة ؟وما المنفعة أن تفتكر بِهذه وقت الموت، ولا يسمح لك أن تعود إلى هذا الدهر منذ الآن ضع عقلك فى المقولات وليدخل فى مسامعك أقوال الرب، إن كنت تصدقه لأنه هو قال إنك تعطي فى ذلك اليوم جواباً عن كل كلمة بطالة.يخزينا هذا الفصل إن كان ذهننا مستفيقاً ؛ فالذي يتفهم المكتومات ولا يسمع المقولات فهو يضاهي كوز مياه يقبل الماء ولا يحس إنه يجوز فيه.ترى من لا يبكى، ومن لا يرى، ومن لا يحزن، ومن لا ينذهل، إن سيد الدنيا كلها يهتف بذاته، وبعبيده الرسل والأنبياء، ويكرز صارخاً وليس من يسمع.وما هي الأشياء التي أشار إليها ؟ العرس معد قال والمسمنات قد ذبحت والختن جالس بعظم جلاله ومجده فى الحجلة يستقبل المقبلين إليه بفرح.الباب قد فتح، الخدام متسارعون، فأعدوا قبل أن يُغلق الباب لئلا تبقوا خارجاً ولن يوجد من يدخلكم، ومع ذلك لا يحترس أحد بل يضجع ويهتم بِهذا الدهر، فالكتب الإلهية نكتبها خطاً مستوياً إلا أننا لا نشاء أن نكمل الأوامر التى فيها.ترى من هو الذى يسافر بلا زاد في طريق بعيده كما نشاء نحن أن نترك زادنا ههنا ولا نأخذ معنا شيئاً للسفر، فمغبوط من يسافر للرب بدالة حاملاً زاده بلا احتياج إلى غيره.فها العشر عواتق نائمات والعبيد يتجرون وينتظرون سيدهم عالمين أنه قد أخذ الملك وهو آتي باقتدار ومجد جزيل فيكلل عبيده الذين تاجروا حسناً بالفضة التي قبضوها منه، ويقتل أعدائه الذين لم يريدوا أن يملك عليهم.أنه في النوم الذي يشتمل طبيعة الناس في نصف الليل يصير من السماء بغتة دوي عظيم ورعود مرهبة، وبروق مفزعه مع زلزلة.يذهل بغتة الراقدون، ويتذكر كل أحد أعماله التي عملها إن كانت صالحة أو طالحة.ويقرعون صدورهم صائحين على مضاجعهم لأنَهم ليس لهم موضع يهربون إليه أو يختفون فيه، أو يندمون على ما عملوا، لأن الأرض تتزلزل، والرعود ترعب والبروق تُذهل، وظلمة عميقة تطوف بِهم.هكذا تكون تلك الساعة تزعج الأرض كلها كبرق حاد مدلهم لأن الصور يبوق بخوف من السماء وينهض الراقدون وينتبه الهاجعون منذ الدهر لأن هذه السماوات مع كافة قوتِها تضطرب والأرض تتموج كلها كالبحر مرتعدة من اتجاه مجده.لأن ناراً مرهبة تتقدم سعيرها أمامه تنظف الأرض من الآثام التي دنستها ويفتح الجحيم أبوابه الدهرية، ويبطل الموت وتراب الطبيعة البشرية المتماسي إذا سمع صوت البوق يعيش ويحيا لأنه بالحقيقة يكون ذلك عجباً.يرى مستعجباً كيف بطرفة عين،كما أن السمك الكثير الذى يذهب ويجىء ويتقلب فى البحر، هكذا كثرة عظام الطبيعة البشرية التي لا تحصى ينزع كل واحد منها طالباً مفصله، وإذا نهضت تحاضر كلها وتقول المجد لمن جمعنا واستنهضنا بتعطفه على الناس. وحينئذ يبتهج الصديقون ويُسر الأبرار، والنساك الكاملون يتعزون من تعب نسكهم، والشهداء والرسل والأنبياء يكللون.الطوبى لمن أستحق أن يرى تلك الساعة كيف بمجد يخطف فى السحب لاستقبال الختن الذى لا يموت ؛ وكافة الذين أحبوه وحرصوا أن يتمموا مشيئته،كما قد عظم كل واحد جناحه ههنا هكذا يطير إلى شواهق الأعالي، بمقدار ما نظف كل واحد ذهنه وصفاه هكذا يبصر مجد اللـه. وبقدر ما أشتاق الإنسان إليه هكذا يتملى شبعاً من محبته، ويتعجب في تلك الساعة آدم الأول إذا أبصر العظائم والمرهوبات.كيف قد حضر منه ومن قرينته ما لا يحصى من كثرة الأجناس، وإذا تكاثر تعجبه لكونه من طبيعة واحدة وخليقة واحدة صاروا فى الفردوس وفي الجحيم متواترين بمجد الإله الخالق، والمجد للحكيم وحدة.يا أحبائي لقد تذكرت تلك الساعة وارتعدت، وتأملت تلك الدينونة المفزعة فانذهلت، وذلك السرور الذي في الفردوس فتنهدت وبكيت حتى لم يبقى فيَّ قوة لأبكي أيضاً، لأن أيامي عبرت في التواني والتنزه. وفي الأفكار النجسة أكملت سنين حياتي.كيف سرقت ولم أعلم ؟ وكيف عَبَرت ولم أحس ؟ فأيامي فنيت وآثامي تكاثرت، ويلي ويلي يا أحبائي ماذا اصنع بخزي تلك الساعة إذا طاف حولي الذين يعرفوني، والذين لما أبصروني فى هذا الزي طوبوني وأنا من داخل مملوء إثماً ونجاسة، متناسي الرب فاحص القلوب والكلى.بالحقيقة أن هناك الخزي والافتضاح، والشقي هو الذي يخزى هناك. أيها الصالح العطوف أستحلفك برأفتك آلا توقفني على اليسار مع الجداء التي أغاظتك، ولا تقل لي لستُ أعرفك، بل أعطيني بحنانك بكاءً دائماً وتخشعاً، وأعطي قلبي تواضعاً وطهره ليصير هيكلاً لنعمتك المقدسة لأننى وإن كنت خاطئاً ومنافقاً لكنني قارعاً بابك بمداومة، وإن كنت عاجزاً ووانياً لكنني في طرقك سالكاً .يا إخوتي الأحباء أتضرع إلى ألفتكم أن تجزموا على أن ترضوا اللـه ما دام موجوداً، أبكوا قدامه نَهاراً وليلاً في صلواتكم وترنيمكم لينقذكم من ذلك البكاء الذي لا ينقضي، ومن تقعقع الأسنان، ومن نار جهنم، ومن الدود الذي لا يرقد، ويفرحكم في مملكته في الحياة الخالدة حيث يهرب الوجع والحزن والتنهد.حيث لا يحتاج أحد دموعاً ولا توبة حيث لا مخافة ولا رعدة، حيث لا فرق ولا تفاضل، حيث لا يوجد المحارب والمعاند، حيث لا خصومة ولا سخط، حيث لا بغض ومعاداة.ولكن ذلك كله مملوء فرحاً وسروراً وابتهاجاً ومائدة مملوءة أطعمة روحانية أعدها اللـه للذين يحبونه، فمغبوط من يؤهل لها، وشقي من يعدمها.فأطلب إليكم يا أحبائي أن تسكبوا علىَّ تحننكم، وتشفعوا عني ساجدين لابن اللـه الوحيد الصالح العطوف ليصنع معي رحمة وينجيني من غزارة مآثمي ويسكنني حول مساكنكم في ساحات الفردوس المبارك الوارثين إياه حتى أصير جاركم.لأنكم أنتم الأولاد المحبوبون وأنا كالكلب المرفوض، انفضوا لي فتات موائدكم فيتم علىَّ الفصل المكتوب: ” والكلاب تشبع من فتات المائدة المتساقط “.نعم يا أحبائي اسكبوا علىَّ صلواتكم، وهلموا أن نحرص من أجل حياتنا فإن الأشياء كلها تعبر كعبور الظل، ولنبغض العالم والأشياء التى فى العالم والاهتمام البشري، ولا نتخذ هماً آخر سوى الاهتمام بخلاصنا كما قال ربنا” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ أو ماذا يعطي الإنسان فدية عن نفسه “.أيها الإخوة نحن تجار روحانيون فلنتشبه بالتجار العالميين، فالتاجر يحسب كل يوم ربحه وخسارته، فإن خسر يحرص ويهتم كيف تُرد خسارته.كذلك أنت أيها الحبيب في كل صباح ومساء وغدوه تأمل بمبالغة كيف تتجر تجارتك، وفي كل عشية أدخل إلى قلبك، وتفكر وقل في ذاتك أتراني أغضبت اللـه في شيء ؛ أو تكلمت كلمة بطالة أو جدفت.أتراني أغضبت أخي، أو اغتبت أحداً ؛ أتراني تخيل ذهني الأمور التي في العالم، أم ترى جاءت إلىَّ شهوة بشرية فقبلتها بتلذذ وانغلبت للهموم الأرضية أم خسرت في هذه الدنيا.فأحرص أن تترك هذه التأملات تَهذأ بك لئلا تخسر فى هذه، وإذا صار الصباح أدرس في هذا وقل ترى كيف عبرت هذه الليلة أربحت فيها تجارتي أترى سهر عقلي مع جسمي، أدمعت عيناي دموعاً في إحناء ركبتي، أو جاءت إليَّ أفكار خبيثة ودرستها بتلذذ.فإن إنغلبت في هذه فأحرص أن تشفيها، وأقم حافظاً في قلبك لئلا تصاب بِهذه نفسها.إن اهتممت هكذا فستسلم تجارتك وتصير مرضياً للـه، ولنفسك نافعاً. اصغ إلى ذاتك وأحذر أن تدفع ذاتك إلى الونية والرقاد فإن ابتداء الهلاك تمرد النية.تأمل النحلة وابصر سرها العجيب كيف تجمع صناعتها من أزهار الأرض المشتتة أنواعها وتأمل ذميم قدرها فإنه لو اجتمع كافة حكماء الأرض وفلاسفة المسكونة لما قدروا أن يلخصوا ويصفوا حكمتها.إن كيف تبني من الأزهار القبور وتدفن فيها أولادها وإذا أحيتها تأمرها بعد ذلك مثل أمر رئيس القواد وتسمع كلها صوتِها وتتطاير فإذا تطايرت تعمل وتملأ تلك القبور أطعمة حلاوتِها حتى أن كل فقيه يشاهد أتعابَها يمجد الإله الباري منذهلاً قائلاً: يا لحكمة وهبت لطائر ذميم.كذلك أنت يا حبيبي صر مثل تلك وأجمع من الكتب الإلهية غنى وكنزاً لا يسلب إلى السماوات ؛ لأن رؤساء الأرض إذا أراد أحدهم أن يسافر إلى بلدة بعيدة يرسل قدامه غلمانه مع ثروته لكي يوافي إلى راحة معدة فيرتاح.كذلك أنت أيها الحبيب أرسل غناءك إلى السماء لتُقبل في مساكن القديسين، ولا تتوانى في هذا الزمان القصير لئلا تندم إلى الدهور التي لا انقضاء لها. ألم تسمع الرب يقول: سيكون لكم في العالم حزن. وقال أيضاً: بصبركم تملكون أنفسكم. فإن كنت أنت برخاوتك وونيتك تشتاق أن تَهرب من حزن هذا الدهر ومن الصبر وتحب اللذة البشرية فَلِمَ تسلب نير المسيح الصالح النفيس من أجل رخاوتك وتَهجوا بأنه صعبٌ وثقيلٌ، ولا يمكن أن يُحمل، وتعطي ذاتك للهلاك.من ذا يرحمك وأنت تقتل نفسك، ومن يترأف عليك، لأنك قد أخذت أسلحة المسيح التي تحتاج أن تحارب بِها العدو فأنفذت السيف في قلبك، فإن كنت تتباهى بِهذه الحياة فرجاؤك باطل، وانتظارك فارغ.ماذا يصلي فمك إلى اللـه ؟ وما هي الوسيلة التي تطلبها منه ؟ أَنياحة هذا الدهر، أو الحياة التي لا تفنى ولا تشيخ.إن طلبت هذه الأشياء الوقتية والغير ثابتة فإن السارق والزاني أفضل منك ؛ لأنَهما يصليان ليخلصا ويطوباك لأنك سائر بِهذه السيرة بكذب، وأنت قلت أحببت النور وأبغضت الظلمة وتركت ملكوت السماوات وتَهتم بالأمور الأرضية.أحسبت يا شقي أن الإله الصالح المتعطف ينكر تعبك، وهو الذى منحك قوة ونعمة وخشوع قلبك وهو يعطيك ثوابك، والأشياء كلها منه وأنت تتعظم، وهو يطالب بأجرة الأجير من الذين ينكرونَها عليه.أفينكر أجرة دموعك، وخشوعك ! حاشا لأن الذي قال: اطلبوا تجدوا ؛ اقرعوا يفتح لكم. أيصير كاذباً حاشا، أذهب يا شقي مَنْ الذي حسدك، مَنْ الذي مكر عليك. أليس هو المعاند المبغض الخبيث الذي يحرص ألا يجعل أحداً يبلغ إلى السماوات.فمنذ الآن عد إلى ذاتك، ولا تمقت نفسك، أفتح عيني ذهنك وأبصر الذين معك كيف يجاهدون، كيف يحرصون وهم ماسكون مصابيحهم، وفمهم يسبح ويمجد الختن الذي لا يموت، وأعينهم تتأمل جماله، وأنفسهم نضرة بَهجة.تأمل أنه قد قرب ولا يبطئ، لأنه سيجىء ويفرح الذين ينتظرونه، سيصير بغتة صوت ها هو الختن آتٍ فيجئ الذين معك بفرح ومصابيحهم معهم مضيئة، وحللهم منيرة فإذا سمعوا صوته القائل:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.فبعد أن يصير الصوت تقول لهم: يا إخوتي هبوا لي زيتاً قليلاً لأن مصباحي ها هو ينطفئ.فتسمع منهم لعله لا يكفي لنا ولك، أمضي إلى الباعة وأشتري، فتمضي متندماً ومغموماً ولا تجد ألبته زيتاً لتبتاعه، لأن الأرض كلها ترتعد كما يتموج ماء البحر من تجاه مجده.فتقول حينئذ منتحباً أمضي وأقرع ومن يعلم إن كان يفتح لي، فإذا مضيت لتقرع لا تجد أحداً يجاوبك.فتلبث تقرع أيضاً، فيجاوبك من داخل قائلاً: حقاً أقول لك أنني لست أعرفك من أنت أنصرف عني يا عامل الإثم.وفي حال وقوفك هناك يأتي إلى أذنك صوت السرور والابتهاج، وتعرف صوت كل واحد من رفقائك، فتتنهد وتقول: ويلي ويلي أنا الشقي كيف عدمت هذا المجد الذي لإخوتي واُنتزعت من رفقتي الذين كنت طول زمان حياتي معهم والآن ميزت منهم.أصابني هذا بواجب لأن أولئك كانوا يمسكون ويحتمون، وأنا كنت أجدف ؛ أولئك كانوا يرتلون، وأنا كنت أتفرج صامتاً ؛ أولئك كانوا يحرصون في إحناء الركب، وأنا نائم، أولئك كانوا يصلون، وأنا أتنزه. أولئك كانوا يواضعون ذواتِهم، وأنا أتكبر أولئك كانوا يحتقرون ذواتِهم، وأنا أتزين.لهذا الآن أولئك يسرون، وأنا أنتحب ؛ أولئك يبتهجون، وأنا أبكي. فق إذاً أيها الشقي قليلاً متأملاً محبة اللـه للناس التي لا تتجاوز نَهايتها، ولا تضجع في خلاصك، أطلبه فيصبح لك سريعاً خلاصاً، وأستغث به فينصرك، أعطيه لتأخذ مائة ضعف.وإذا كان الصك الذي لا نفس له يهتف بما مكتوب فيه بتأدية الديون فكم أولى بالإله الصالح أكثر أن يعطي للذين يطلبونه نعمه المعهودة بالكتائب التي يتمنى أن تزداد رباءً على رباءٍ ؛ ونعمة اللـه الكثيرة تكثر أجرة صلواتنا وطلباتنا.فلا تضجع ولا يطرأ عليك الاهتمام بالأمور الأرضية ؛ ولا تدفع ذاتك إلى اليأس ؛ فإن اللـه من أجل تحننه يقبلك وينصرك أنت وكافة الذين يبتغونه بكل قلوبِهم.فتقدم إليه بلا خجل، وأسجد له بتنهد، أبكي وقل: ” يا ربي ومخلصي لِمَ تركتني ترأف عليَّ فانك أنت العطوف وحدك، خلصني أنا الخاطئ فإنك أنت الغير خاطئ وحدك لتنشلني من حماة مآثمى لئلا أنغمس فيها إلى أبد الدهور.أنقذني من فم العدو فإنه مثل سبع يزأر مريداً أن يبتلعني، أنْهض قوتك وهلمَ لتخلصني، أبرق ببرقك وشتت اقتداره لينذهل ويهرب من أمام وجهك لأنه ضعيف عن الوقوف أمامك، وأمام وجه الذين يحبونك، لأنه إذا رأى علامة نعمتك فيجزع منك ويتنحى عنهم خازياً فالآن أيها السيد أعني فإني إليك لجأت “.إن ابتهلت إليه هكذا واستغثت به من كل قلبك للحين يرسل مثل أب صالح ومتحنن نعمته إلى معونتك، ويكمل كافة مشيئتك.يا حبيبي نعم تقدم ولا تضجع، ولا تنظر إليَّ أنا الواني المضجع لأنه يخزيني خزي وجهي إذ أقول ولا أعمل، وأعظ ولا أفهم.لكن صر مشابِهاً للأباء الكاملين الروحانيين وأتبع رسمهم، ولا تبتدئ بالأمور العالية جداً التي تفوق قدرتك ولا يمكنك أن تتممها، ولا تبتدأ بالأفعال الحقيرة جداً ليكثر توانيك.ولا تسمن جسدك لئلا يحاربك، ولا تعوده على اللذات البشرية لئلا يصير ثقلاً لنفسك ويحدرها إلى أسفل أعماق الأرض ؛ لأنك إن بذلت ذاتك لإكمال مشيئته فإنه سيترك الطريق المستوية ويمشي في الهوة، ويقبل بسهولة كل فكر نجس، ولا يتعفف.وإن ضيقت عليه فوق المقدار وآلمته يصير ثقلاً لنفسك ويسودها ويشملها الكآبة والضجر.وتصير سخوطة وعاجزة في دراسة التسبيح والصلاة والطاعة الشريفة، فدبر ذاتك بمقدار جيد معتدل.قل لي أما رأيت قط موقف السباق ؟ أو ما رأيت قط مركباً في البحر ؟ لأن الخيل إذا لهدها أحد بلا مقدار تخور من الجري، وإن رخا لها بلا مقدار تمد الركب وتطرحه.وكذلك المركب في اللجة إن أُوسق فوق حد وسقه يمتلئ من الأمواج، ويغرق وإن سبح مخففاً بلا وسق تقلبه الرياح سريعاً. نظير هذا المقياس النفس والجسد، إن ثُقلاَ بلا مقدار بالأشياء المقدم ذكرها يسقطان، فلهذا جيداً أن تبتدئ، وتتمم وترضي اللـه، وتنفع ذاتك وقريبك.أنتم يا رعية المسيح المباركة، ونجوم المسكونة، وملح الأرض، أيها النساك الكاملون والمحبون على الأرض السيرة الملائكية، إن تعبكم وقتي والمجازاة والمدائح أبدية، وتعبكم يسير والنياحة والكمال بلا هرم.وبمقدار ما تجاهدون بنشاط في تقويم الفضيلة بقدر ذلك يشتغل عدوكم غيظاً ويخبئ لكم فخاخاً متلونة.فأصغوا إذاً لذاتكم حذرين من مكامنه، لأنه خلواً من جهاد لا يكلل أحد، بل ونعمة اللـه لا تتخلى عمن يحارب ويجاهد بنشاط.فإن أرخى أحد ذاته، وعجز أن يفتح فمه ويستدعى النعمة لنصرته ليجعل العلة ذاته لا النعمة كأنه لم يعاين منها، لأنه يكون مثل واحد يديه صحيحتين وأمامه كثرة أطعمة موضوعة فيعجز أن يمدها ويملأ ذاته من الخيرات المنصوبة لديه، فمن ذاته تكون خيبته وخسارته.هكذا العابد الذى له تجربة النعمة والخبرة بِها فإذا توانى في الاستغاثة بِها والتملي من حلاوة أطعمتها فهو يضر ذاته ولا يحس.يشبه العابد جندياً برز إلى الحرب وقد دجج جسده من كل جهة بجملة أسلحة وهو متيقظ إلى الغلبة ومجاهد لئلا يكسبه محاربه بغتة فإن وجد غير متحفظ فيأخذه، كذلك العابد إن أضجع وتوانى يقتنصه عدوه بسهولة.لأنه يخطر له أفكاراً نجسة فيقبلها بتلذذ ؛ أعني أفكار استعلاء الرأي والسبح الباطل والحسد والوقيعة ونَهم البطن، والنوم الذي لا يشبع منه، ومن هذه يقوده إلى اليأس وأثرة المساوي.وإن كان مستفيقاً كل حين متيقظاً يجذب نعمة اللـه لمعونته ويتخذها ويعلم كيف يرضيه، فيصير في ذاته ممدوحاً ومادحاً ويكون مثل إنسان ينظر في مرآة فيرى ويُرى.كذلك النعمة أينما تجد راحة وتسكن في إنسان فتختبره وتختبر منه لأنه خلواً من معونتها لا يقدر القلب أن يكتفي بذاته، ولا أن يمتلئ تخشعاً، ولا أن يعترف للسيد كما ينبغي لكنه يبقى مسكيناً ومحتاجاً وفقيراً من الحسنات ؛ وتسكن فيه الأفكار النجسة والممقوتة كما يسكن البوم في الأماكن الخربة.فإذا استدعاها ” النعمة ” إنسان لتجئ فتضئ ذهنه وتضطره ليقتنيها ساكنة معه، ومعينة لذاته، فبها يقوم كل فضيلة، ويستضئ منها، فيستطيع أن يتأمل تكوُن الدهر المستأنف وجمال صورته، لأنَها تصير له سوراً حصيناً، وتحفظه من هذا الدهر لحياة الدهر الآتي.أصغ إذاً مسامعك فأكن لك أيها الحبيب مشيراً صالحاً إن اشتهيت الحياة الخالدة، وتطويب ربك، قل لي لِمَ تغسل وجهك بماء لترضي قريبك إنك ما نبذت آلام بشرتك بل أنت مستعبد لها، إن أردت أن تغسل وجهك فأغسله بالدموع والبكاء ليشرق بمجد اللـه والملائكة القديسين.لأن الوجه المغسول بالدموع هو جمال لا يضمر لكن لعلك تقول لي: إن وسخ وجهك يخجلك.فأعلم إذاً أن وسخ رجليك ووجهك مع نقاوة قلبك يلمع أكثر من الشمس بين يدي اللـه والقديسين.ولِمَ تضحك بلا تحفظ ويسود عليك الضحك وقد أُمرت أن تنوح، من أين هذا ؟ لأنك لا تشتاق إلى تطويب الرب، ولا تخيفك تعاذيبه، فالمجرب يستطيع أن يعظ غير المجربين، والتاجر الذي سقط بين اللصوص يأمر المسافرين بالتحفظ والتحرز.فإذ قد جربت أنا بجزء من التجربة أقول لفهمك لأنني تحرزت قليلاً، ومن أجل رخاوتي أوقعتني الونية في الأمر نفسه، فلهذا أشير عليكم يا رعية المسيح المأثورة أن لا تعدموا من أجل آلام الجسد ولذة العالم مجد اللـه، وتتغربوا من سرور الخدر الذي لا تبلى بَهجته، عالماً أن تعب النسك هو مثل نوم وارد، ونياحة المكافأة هي لا تنقضي، ولا تنعت.فأصغِ إلى ذاتك لئلا توجد واقعاً من الحظين كلاهما وتؤدي طائلة عنهما جميعاً، لكن أحرص أن تقتني الفضيلة التامة الموشاة بكافة المناقب التي يحبها اللـه ؛ فإنك إن اقتنيتها فلا تغيظ اللـه قط، ولا تعمل بقريبك سوءاً.فهذه تدعى الفضيلة ذات النوع الواحد، وهي حاوية في ذاتِها جمالاً، وتكون كافة الفضائل مثل تاج الملك، وهذه قد تكون غير تامة، وغير مختبرة إن كانت تنقص واحدة من المقومات المحصورة في الفضيلة. وتضاهي نسراً عظيماً طائراً في الأعالي فلما أبصر في الشرك طعاماً انحدر وأنقض عليه بسرعة فإذ رامَ أن يختطف الصيد تعلق بطرف مخلبه.وبذلك العضو الصغير رُبطت كافة قوته، وفيما هو يظن أن كافة جسمه معتوق وخارج من الشرك فيجد بالحقيقة أن قوته كلها قد قيدها الشرك.والفضيلة مثل هذا القياس إن رُبطت بأحد الأمور الأرضية تموت وتنقسم وتَهلك ولا يمكنها أن ترتقي إلى العلو إذ قد سمرت بأمر أرضي وتقيدت به.فمن له دموع فليجئ وليبكِ، ومن لا يمكنه التخشع إذا عبر فليتنهد على هذه الفضيلة أنَها بعد أن ارتقت إلى السماء وبلغت إلى أبواب الملك أنفسها لم تقدر أن تدخل.كما قلت أيها الحبيب أن قوماً قوموا هذه الفضيلة بربوات أتعاب ووشوها مثل تاج الملك ؛ فلما ارتبطوا بأمر أرضي هلكوا ووقفوا خارج المُلك السماوي.فصن ذاتك إذاً وأحذر أن تشتبك في شيء مثل هذا وتدفع ذاتك إلى العدو، وتحل الفضيلة العجيبة التي اقتنيتها هكذا أو تنقضها بأتعاب مثل هذه جزيلة فتمنعها من الارتقاء إلى السماء، وتقيمها أمام الخدر خازية، لكن أعطيها دالة أن تدخل بصوت عالٍ مبتهجةً نائلةً ثوابِها.يا للعجب إن سبع يُربط بشعره ويجول إلى هنا وهناك، هكذا هذه الفضيلة إذا رُبِطت باهتمام أرضي تتهرى إلى الأرض ويذل شرفها لأن هذه الفضيلة تُشَبه بالسبع.فق إذاً أيها الحبيب ؛ وحرك ذاتك ؛ وأقطع الشعرة الحقيرة كي لا يضحك عليك مثل ذلك القوي الذي قتلَ بالفك في لحظة عين ألوفاً وحرر ذاته وقتل أعدائه ورد الظفر إلى اللـه ونقلت طلبته ذلك الفك عيناً نابعاً.فذلك الذي قوم مثل هذه المناقب قدر جسامتها سلم نفسه بانتزاع شعره بسفاهته إلى الأعداء، وقيد قوته المرهوبة والعجيبة جداً.فأنت الآن أصغ إلى ذاتك، ولا تربط مثل هذه الفضيلة بعمل ردىء ما أرضي بل حررها من كافة الأشياء الضارة وجهزها إلى السماء.ومثل غواص يغوص في العمق ليجد الدرة الجزيل ثمنها والشائع ذكرها إذا وجدها يصعدها إلى أعلى المياه، ويثبت على الأرض عارياً ومعه ثروة جزيلة.كذلك جرد ذاتك من كل أدناس العالم، وألبس هذه الفضيلة وتزين بِها وتيقظ نَهاراً وليلاً لئلا تتعرى منها، فإن النفس التي اقتنتها لا يمكن أن يحيلها شيء ولا واحد من الأسواء يغيرها، لا من جوع تتغير أو من عري أو ضجر أو مرض أو مسكنة أو اضطهاد ما أو محبة أخرى كاذبة إذا كانت متيقظة.فبمثل هذه المقدم ذكرها تنمو أكثر وتكلل، وتنجح لدى اللـه دائماً ويتباهى جمالها فالموت نفسه لا يستطيع أن يشينها، وإذا خرجت من الجسم تقبلها مبتهجة الملائكة من السماوات ويدخلونَها إلى أبي الأنوار. المجد والجلالة للإله المتعطف وحده. صلاة أتضرع إلى خيريتك أن تشفي كلوم نفسي وتضئ عيني ذهني لأتأمل تدبيرك فيَّ ؛ وإذ قد تسفه ذهني فليطيبه ملح نعمتك، ماذا أقول لك يا ذا العلم السابق، والفاحص القلوب والكلى ؟أنت وحدك تعلم أن نفسي كالأرض الفاقدة الماء، قد عطشت إليك وتاق إليك قلبي لأن الذي يحبك حباً دائماً تشبعه نعمتك.فكما سمعتني دائماً لا تعرض الآن عن وسيلتي فإن ذهني هو مثل أسير لك، وإياك يطلب.أيها المخلص الحق أرسل إذاً نعمتك لكي إذا جاءت تشبع جوعي، وتروى عطشي إليك أشتاق وأعطش يا نور الحق، وآتي بالخلاص أعطيني طلباتي وأقطر في قلبي نقطة واحدة من محبتك لتتقد كاللـهيب في قلبي وتحرق أشواكه وقرطبه، أي الأفكار الخبيثة التي فيه.بما انك إله أعن الإنسان الحقير بسماحة ودعة وكثرة إحسان، لأنك أنت الصالح ابن الإله الصالح.وإن كنت أنا خالفت وأخالف لأنني ترابي وابن ترابي لكن يا من ملأت الجرار من بركتك أرو عطشي، يا من أشبعت الخمسة آلاف من خمسة خبزات أشبع جوعي.أيها العطوف الصالح، يا من قبلت فلسي الأرملة ومدحتها أقبل طلبة عبدك، وامنحني وسيلتي لأصير هيكلاً لنعمتك، وتسكن فيَّ وتكبح ذهني كبحاً كأنه بلجام لكي لا أضل فأخطئ إليك وأخرج من نورك ؛ بل أهلني أن أدعى وارثاً لملكك وأقدم غماراً موعبة خشوعاً واعترافا بشفاعة كافة قديسيك، اسمع ابتهالي يا من لم تزل مباركاً من الكل. آمين. أطلب إليكم أن تستيقظوا في هذا الزمان القصير وتجاهدوا في هذه الساعة الحادية عشرة ؛ فإن المساء قد حان ومعطي الأجرة سيوافي بمجد ليقضي كل واحد نظير أعماله.فأحذروا أن يتوانى أحدكم في تقويم الفضائل فيضيع منحة أجرة المخلص التي لا تحصى ؛ فإن العابد يضاهي حقلاً مزروع لفلاح وهو ينمو بالأمطار وبتخالف النداء، وحامل ثمر السرور.فإذا بلغ إلى أوان الثمر جعل الفلاح في اهتمام أكثر لئلا يفسده برد أو وحوش برية إلى أن يصل إلى حصاد الغلة فينقل الفلاح إلى المخزن ثمر أراضيه فرحاً مسروراً شاكراً للرب.كذلك العابد ما دام في هذا الجسد ينبغي له أن يهتم من أجل الحياة الأبدية، ويتعب في النسك إلى يومه الأخير لئلا يتوانى فيحاضر بلا فهم إلى أمر لا منفعة له فيه بل لكي إذا أكمل سعيه يحمل إلى السماء مثل الفلاح ثمرات أتعابه جاعلاً بذلك للملائكة فرحاً وسروراً.فلا يضجعنَّ أحدكم أو يدهش من التجارب ؛ بل فليعضد القوي الضعيف وليعز النشيط الصغير النفس، ولينهض المستفيق المضبوط بالنوم، وليعظ الثابت في ترتيبه من لا ترتيب له، ولينتهر الممسك من لا تحفظ له ولا ترتيب.وهكذا بالمسيح المخلص يؤازر كلنا بعضنا بعضاً ؛ ونخزي العدو مصارعنا، ونمجد إلهنا، ونسر الملائكة القديسين، وينتفع منفعة عظيمة الذين يبصروننا ويسمعون الأوصاف عنا.لأن عسكر الملائكة القديسين مثل جماعة العباد الذين ذهنهم شاخص إلى اللـه كل حين على حالة واحدة.ومجاوبة الأخ قريبه بمحبة مثل العسل والشهد في الفم.وكمحل الماء البارد للعطشان في وقت الحر محل كلام التعزية عند الأخ في أوان حزنه.وكما أن إعطاء أحد يده للواقع لينهضه ؛ هكذا ينهض لفظ الوعظ وكلام الحق النفس والوانية والسائمة. الزرع الجيد وحسن النمو في أرض سمينة كالأفكار الصالحة في نفس العابد.سد وثيق في بناءٍ كطول الروح في قلبه أوان الترتيل، غرارة ملح على رجل ضعيف كالنوم وهم العالم على العابد.الأشواك وكثرة القرطب في زرع جيد كالأفكار الدنسة في نفسه، من به داء السرطان ويداوى ولا ينال البرء كالحقد في نفس العابد، الدودة التي تنخر الخشبة وتفنيها كالعداوة التي تبتلي قلبه.السوس يقرض الثوب ويفسده والوقيعة تدنس نفسه، المتكبر والمتعظم كشجرة مرتفعة وبَهية ولا ثمر فيها، الحسود المتنافس كثمر بَهي من ظاهره ومتهرئ باطنه، مجاوبته بغضب تزعج ذهن قريبه كما يكدر عيناً صافية من يطرح حجراً فيها.من يقلع وينقل شجرة مثمرة يفسد ثمرها ويزيل ورقها كذلك من يترك موضعه وينتقل إلى مكان آخر، بناء لا أساس له على صخرة كمن لا صبر له على الأحزان.من يتكلم في أوان الترتيل مثل إنسان واقف أمام الملك وهو يخاطبه فيناديه نظيره في العبودية فيترك مخاطبة الملك العجيبة والشريفة ويفاوض نظيره في العبودية. فلنفهم يا إخوتي أننا بين يدي من نحن ماثلون لأنه كما أن الملائكة واقفون برعب كثير يقضون التسبيح للباري ؛ هكذا يجب علينا نحن أن نقف بجهاد في أوان الترتيل، وأن لا تكون أجسامنا واقفه وذهننا يتخيل ويتصور أمور العالم، فلنجمع أفكارنا ليكون لنا فخر عند إلهنا ونصطبر على تجارب عدونا لنشرف.فخر العابد الصبر في الأحزان، فخر العابد طول الأناة مع المحبة، فخر العابد عدم القنية وتواضع الرأي، والبساطة تشرف قدام اللـه والملائكة.فخر العابد السكوت والسهر بتخشع ودموع، فخر العابد أن يحب اللـه من كل قلبه وقريبه كما يحب نفسه، فخر العابد مسك الأطعمة واللسان، وإذا وافقت أقواله أفعاله يقيم في موضعه ولا ينتقل مثل صخرة تصدمها الرياح، ومثل مسمار في أمواج البحر.ويلي يا أحبائي فإني قد صرت مثل منفاخ كور الحداد الذي يمتلئ ويتفرغ ولا يستفيد من الرياح شيئاً لأنني سردت فضائل رعية المسيح ولا أعرف في ذاتي شيئاً منها المجد لعظمته وصلاحه.يا إخوتي إن أقتنص أحدكم بالأفكار النجسة فلا يتوانى ويبذل ذاته لليأس بل فليكن قلبه أمام اللـه وليتنهد بعبرات وليقل: يارب أنْهض وأصغ إلى حكمي يا إلهي وربي انظر إلى طائلتي يارب دني كعدلك لأنني أنا صنعة يديك ؛ فلِمَ أهملتني وأعرضت عني ؛ لِمَ تصد بوجهك عني وتنسى مذلتي لأن العدو قد أضطهد نفسي وأذل في الأرض حياتي وانغمست في حمأة العمق وليس لي قيام فلتدركني نعمتك لئلا أهلك.إن داومت هكذا تستغيث به ؛ للحين يرسل المحب الناس نعمته إلى قلبك ويعزيك من الحزن المؤلم والمتعب.فلا نتوانى إذاً ولا نضجع إذ لنا سيد مثل هذا متحنن يترأف علينا ما دمنا هنا، ويخلصنا ويغفر آثامنا، من لا يتعجب أنه بدموع ساعة قصيرة يخلص وأنه في هذه الساعة الحادية عشرة نفسها يغفر هفوات عددها ربوات، وكذلك يشفي ربوات جراحاتنا.وإذا شفى يعطي أيضاً أجرة الدموع لأن هذا هو المألوف من نعمته أنَها بعد أن تشفي تضاعف الأجرة، فلنحرص أن نبرأ يا إخوتي هنا بترأف وترحم نعمته وهناك ليس كذلك.هناك عدل وانتصار ومجازاة لكل المفعولات، هناك إبراهيم المتحنن ظهر غير متحنن على الغني ولا رحوم ؛ والذي تضرع من أجل أهل سدوم لم يتضرع من أجل خاطئ واحد ليرحم.فلا نربطن ذهننا بالأمور الأرضية لكن فلنحرص أن نصير نظير الآباء القديسين، ولا نخل منا سيرتَهم لئلا نعدم شرفهم ؛ فلنحرص أن نكلل مع التامين فإن لم نبلغ أن يكون حظنا مع التامين فعلى الأقل أن نمدح مع الآخرين.الطوبى لمن يجاهد أن يكلل مع التامين وشقي من لا يمدح مع الآخرين، مغبوط من يؤهل للإكليل ولميراث القديسين وللصوت القائل:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.يا إخوتي أي اعتذار لنا إن توانينا الرجل العالمي ربما له عذر بأنه مرتبط بالعالم، فنحن ماذا نقول ؟ فأخشى أن يكون الذين يمدحوننا هنا يستهزئون بنا هناك. لا يحل لنا الرقاد واهتمام العالم لئلا تمرمرنا النار الخالدة والدود الذي لا يرقد فلنفيقن قليلاً ونبكي لننجوا من النار الأبدية، آلا تصدقوا قول المخلص أن وروده يكون كالبرق بغتة ؛ فلنرهب من أن يدركنا بغتة ونحن غير مستعدين فتندم نفوسنا على ونيتنا ولا ينفعنا ذلك شيئاً صدقوني يا إخوتي إن الساعة الأخيرة هي ؛ احذروا أن يتم فينا قول النبي: ويل للذين يشتاقون إلى يوم الرب. وأصغوا إلى ذواتكم حذرين أن نوجد مثل ذلك العبد الذي جاء مولاه فوجده متنعماً فجعل حظه مع الكافرين وشطره نصفين، بل فلنطلب بوقاحة ولجاجة لينقظنا من الظلمة وصرير الأسنان ويؤهلنا لملكه. صلاة:- إليك أتضرع أيها المسيح مخلص العالم أنظر إليَّ وارحمني، ونجيني من كثرة مآثمي فإنني قد أنكرت سائر الصالحات التي صنعتها معي منذ حداثتي لأنني كنت أمياً وللفهم عادماً فجعلتني مملوءاً علماً وحكمة وتكاثرت عليَّ نعمتك فأشبعت جوعي وبردت عطشي وأضأت ذهني المظلم وجمعت من الضلال أفكاري. فالآن أسجد وأتضرع إلى تعطفك الذي لا يوصف معترفاً بضعفي سكن عني أمواج نعمتك وأحفظها لي في ذلك اليوم ولا تسخط عليَّ أيها الكلي الصلاح لأني لا أحتمل فيضانَها، قد اجترأت على التهجم بِهداية صورة الآب وشعاع المجد الذي لا يوصف ارحمني منها فإنِها كالنار تلهب كليتي وقلبي ؛ أعطيني إياها هناك وحصلني في ملكك إذا صنعة عندي منزلاً بظهورك مع أب صلاحك المبارك نعم أيها السيد الآتي بالحياة وحدك أعطيني طلبتي وأحجب مآثمي عن معارفي ذاكراً عبراتي التي ذرفتها قدام شُهدائك القديسين لتترأف عليَّ في تلك الساعة الرهيبة واسترني تحت أجنحة نعمتك نعم أيها السيد أوضح فيَّ أنا الخاطئ تعطفك الذي لا ينطق به واجعلني لذلك اللص مشاركاً ؛ الذي صار بكلمة واحدة وارثاً للفردوس ؛ وأدخلني إلى هناك حتى أبصر أين اختفى آدم وأقرب لتعطفك مجداً لأنك استمعت لعبراتي وغفرت كافة آثامي ضع عبراتي قدامك يارب كوعدك ليخز عدوي إذا رآني في صقع الحياة الذي أعددته لي رأفاتك ويظلم خائباً إذا رآني فى الصقع الذي هيأته لي رافاتك من أجل تحننك نعم يا سيدي غير الخاطئ وحدك والمتعطف أسكب عليَّ صلاحك الذي لا يوصف، أعطيني ولكافة الذين يحبونك أن نسجد لمجدك في ملكك، وإذا تنعمنا بجمالك نقول المجد للآب الذي خلقنا، والمجد للابن الذي خلصناوالمجد للروح الكلي قدسه الذي جددنا إلى كافة أبد الدهورآمين مار إفرآم السريانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل