المقالات

22 سبتمبر 2020

عيد رفع الصليب

برقُ رعدِ النعمة الإلهيّة “إشارة الصليب” لماذا نرسم إشارة الصليب؟ وماذا نفهم من رسمها؟ سمعنا في قراءات غروب عيد رفع الصليب، وفي تراتيل السحر، إشاراتٍ إلى حوادث في العهد القديم مثَّلت رمزاً للصليب المقدَّس. أوّلها الكلام عن يونان النبيّ حين بسط يديه في جوف الحوت البحري بشكل صليب فرسم الآلام الخلاصيّة بوضوح، ولمَّا خرج من جوفه في اليوم الثالث مثَّل القيامة بعد ثلاثة الأيّام. كما أشارت التراتيل إلى موسى لمَّا ضرب بالعصا مستوية ثمَّ مخالفةً فرسم بها الصليب وشقَّ البحر الأحمر وأجاز فيه إسرائيل ماشياً. وأيضاً إلى تلك العصا التي ضرب بها الماء المرّ في مارة فحوَّله إلى ماءٍ عذبٍ للشعب العطشان. لكن أوضح وأجمل صورة هي تلك، عندما رفع موسى الحية النحاسية في البرية ليُشفى بها كلّ من ينظر إليها من لدغ الأفاعي آنذاك. وهذه الحيّة ترمز للمسيح المصلوب الذي حمل شكل بشرتنا لكنّه كان خالياً من الخطيئة كما الحيّة النحاسيّة كانت خالية من السمّ. وصار وهو إنسان علَّة حياةٍ وشفاءً لكلّ إنسانٍ. تتكرّر الصور والحوادث في العهد القديم التي تمثّل حدث الصليب. فيشوع بن نون حين طارد أعداءه رفع يديه إلى الربّ بشكل صليب ولم تغب الشمس حتّى قضى عليهم برمّتهم. كمثل يسوع حين بسط يديه على الصليب فقُضي على شوكة الخطيئة و سبي الجحيم وتمّ كلّ شيء.هكذا إذاً، كان رسم إشارة الصليب في العهد القديم يسبق حدثاً خلاصيّاً يتدخّل بعده الله بشكل جذريّ في حياة الناس. وخير دليل على ذلك ما تمَّ بعد صلب المسيح.لذلك نرسم إشارة الصليب عندما نشكر، على عبارة المجد للآب والابن والروح القدس. نرسم إشارة الصليب عندما نأكل وعندما نشبع، بعد الاستيقاظ وقبل النوم، عند الخروج من المنـزل وعند الدخول إليه. قبل الدرس وبعده… وقد تترافق إشارة الصليب في حياتنا اليوميّة مع أغلب التصرّفات، والحركات، والكلمات، وليتها ترافقها كلّها، فتباركها وتنقيها وتصفيها. ونرسم إشارة الصليب في الخِدَم الليتورجية، في الزواج، عند الإكليل، فنرسم بالأكاليل الصليب، وتُعطَى البركة في كلّ خدمة بإشارة الصليب، فيُبارك الماء وكلّ عنصر ليتورجيّ من نبيذٍ وخبزٍ وغيره بإشارة الصليب… إشارة الصليب باختصار هي نداء لاستدرار النعمة الإلهيّة.ما نستنتجه إذن، من كلّ الحوادث في العهد القديم التي رسمت بها إشارة الصليب، كما ورد سابقاً، ومن رسم إشارة الصليب في حياتنا اليوميّة وحياتنا الليتورجيّة المسيحيّة، هو أنَّ إشارة الصليب هي أولاً برقٌ يسبق رعدَ النعمة الإلهيّة وحضور قوّتها. وثانياً أنَّ رسم إشارة الصليب يتوسّط واقعَين: الأوّل هو الواقع القديم، والذي هو كما رأيناه في كلّ تلك الأمثلة، واقعَ خوفٍ أو حاجة، أو عطش، أو تعب، أو خطيئة أو إلخ… أي واقعَ الإنسان القديم. أمَّا الواقعُ الثاني يأتي بعد رسم إشارة الصليب فهو واقعُ الإنسان الجديد المرتوي بدل العطشان، والقوي بدل الضعيف، إنّه واقع النعمة التي تكمُلُ في ضعفنا.إشارة الصليب حدث يستدر النعمة الإلهيّة نستخدمها لقلب واقع قديم إلى حدث جديد. إشارة الصليب طعنة موجهة إلى إنساننا القديم، ونفخةُ حياة لقيامة إنساننا الجديد بالمسيح. إشارة الصليب انقلاب تحقّقه النعمة الإلهيّة التي طلبناها حين نرسم إشارة الظفر إنباءً بها.“فلصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدَّسة نسبّح ونمجّد”.آميــن من كتاب سفر الكلمة (الجزء الثاني) مدونة المطران بولس يازجي للروم الارثوذكس
المزيد
21 سبتمبر 2020

تأملات في عيد الصليب المجيد

المسيحية والصليب المسيحية والصليب هما أمران متلازمان ، وصنوان لا يفترقان .. فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعا أو معلقا ، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين .. ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية ، بل هو قلبها وعمقها واعلان لعظمة محبة الله للبشر فلقد تأسست المسيحية على أساس محبة الله المعلنة لنا بالفداء على الصليب ، وعندما نتكلم عن قوة الصليب لا نقصد قطعتى الخشب أو المعدن المتعامدتين ، بل نقصد الرب يسوع الذى علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعا ، والخلاص الذى أتمه ، وما صحبه من بركات مجانية ، نعم بها البشر قديما ، وما زالوا ينعمون ، وحتى نهاية الدهر ...والفكرة الشائعة عن الصليب أنه رمز للضيق والألم والمشقة والأحتمال .. لكن للصليب وجهين : وجه يعبر عن الفرح ، ووجه يعبر عن الألم . ونقصد بالأول ما يتصل بقوة قيامة المسيح ونصرته .. ونقصد بالثانى مواجهة الإنسان للضيقات والمشقات .. ويلزم المؤمن فى حياته أن يعيش الوجهين ،بالنسبة للمؤمن المسيحى ، فإن الصليب بهذه المفاهيم ، هو حياته وقوته وفضيلته ونصرته .. عليه يبنى إيمانه ، وبقوة من صلب عليه يتشدد وسط الضيقات وما أكثرها .. هذا ماقصده القديس بولس الرسول بقولـه : " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب ، مستهينا بالخزى .. فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم " ( عب 12 : 2 ، 3 (ملايين المؤمنين فى انحاء العالم عبر الأجيال حملوا الصليب بحب وفرح ، وأكملوا مسيرة طريق الجلجثة ، فاستحقوا أفراح القيامة ... هذا بينما عثر البعض فى الصليب ، وآخرون رفضوا حمله ، فألقوه عنهم . ولم يكن مسلك هؤلاء الرافضين سوى موتا إيمانيا وروحيا لهم " نحن نكرز بالمسيح مصلوبا ، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة . وأما للمدعوين يهودا ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله " ( 1 كو 1 : 23 ، 24 (كيف حملت الكنيسة الصليب .. هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن تدخل تحت عنوان " الكنيسة والصليب " الصليب لا يصف حقبة من حياة الكنيسة مضت وانتهت ، انه هو حاضر الكنيسة وحياتها ومستقبلها المعاصر لقد حملت الكنيسة الصليب واحتضنته وبه انتصرت على كل قوى الشر التى واجهتها وهذا هو نداء الرب يسوع المسيح للكنيسة بان تتبعه فتحمل صليبها كل يوم . ان الكنيسة تشهد للمصلوب والصليب وسط عالم وضع فى الشرير . عاشت الكنيسة ومؤمنيها كحملان بين ذئاب ففى إرسالية السبعين رسولا التدريبية ، حينما أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى ، قال لهم " اذهبوا ، ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب " ( لوقا 10 : 3 ) .والحملان صورة للمؤمنين بالمسيح فى وداعتهم وبساطتهم .. أما الذئاب فرمز لأهل العالم فى غدرهم وشرهم .. طبيعة الكنيسة كما أسسها المسيح وكما يريدها دائما . إن الحمل صورة للرب يسوع الذى قيل عنه إنه لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ..صورة للمسيح الوديع الذى دعانا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا .. المسيح حمل الله الذى بلا عيب يدعو كل من يتبعونه أن يكونوا حملانا . هكذا يقدمهم للعالم . والعجيب ، أنه فى النهاية – كما يقول القديس أغسطينوس – حولت الحملان الذئاب وجعلت منهم حملانا ويعنى أغسطينوس بذلك الشعوب الوثنية التى آمنت بالمسيح وتغيرت طبيعتها بفضل هذه الحملان . متجردة من المقتنيات " لا تقتنوا ذهبا ولا فضةولا نحاسا فى مناطقكم ، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا عصا " ( متى 10 : 9 ، 10 ) .." لا تحملوا شيئا للطريق " ( لوقا 9 : 3 ) ... هذا ما أوصى به السيد المسيح رسله وتلاميذه حينما أرسلهم فى إرساليات تدريبية .. لقد جردهم من كل شىء : من المال والطعام والثياب وحتى العصا التى يدافع بها عن نفسه فى الطريق الموحشة .. لقد جردهم من كل شىء ليكون هو لهم كل شىء . لا تحملوا شيئا للطريق : لأنه هو نفسه الطريق .. المسيح للنفس المؤمنة هو كل شىء .. هو غناها فمن التصق به وافتقر إلى شىء ؟ .. وهو غذاء النفس ، وكساؤها .. ألم يوصينا بولس الرسول أن نلبس الرب يسوع المسيح ( رو 13 : 14 ) . مشابهة لصورة ابن الله .. يصف القديس بولس الرسول أولئك الذين يحبون الله المدعوين حسب قصده أنهم " مشابهين صورة إبنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين " ( رومية 8 : 29 ) . .. وأحد أوجه الشبه مع ابن الله هو الألم ... يتنبأ إشعياء النبى عن السيد المسيح فيقول عنه أنه " رجل أوجاع ومختبر الحزن " ( إش 53 : 3 ) ... هذه صفة أصيلة فى المسيح المخلص . فلقد تجسد ابن الله من أجل فداء البشر ، والفداء استلزم الألم والصليب . وإن كان المسيح قد تألم ، فليس التلميذ أفضل من معلمه ، ولا العبد أفضل من سيده ( متى 10 : 24 ) . الصليب فى حياة المسيح : إن كان إشعياء النبى قد تنبأ عن المسيح أنه رجل أوجاع ومختبر الحزن ( إش 53 : 3 ) ، فإن هذه الآلام والأحزان لم تبدأ فى جثسيمانى ، بل بدأت منذ ولادته بالجسد ...لقد ولد الطفل يسوع وهو يحتضن الصليب ، وظل يحتضنه فى حب ويحمله حتى علق عليه عند الجلجثة .. ونحن وإن كنا نجهل معظم حياة الرب يسوع بالجسد حتى بدأ خدمته الكرازية فى سن الثلاثين ، لكننا نستطيع أن نتبين ملامح الصليب ونراها من خلال بعض المواقف . نرى الصليب فى مولده ، حينما ولد فى مذود للبهائم إذ لم يكن ليوسف ومريم موضع ( لو 2 : 7 ) ... نراه فى مذبحة أطفال بيت لحم ( متى 2 : 16 ، 17 ) ... وفى الهرب إلى مصر طفلا والتغرب بين ربوعها حتى مات هيرودس الملك الطاغية الذى كان يطلب نفس الصبى ليقتله ( متى 2 : 14 ، 20 ) . ويلخص بطرس الرسول مسلك المسيح واحتماله الآلام بقولـه " لأنكم لهذا دعيتم ، فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا ، تاركا لنا مثالا لكى تتبعوا خطواته .. الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر " (1 بطر 2 : 21 ، 22 ) .. قال رب المجد يسوع " إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى " ( متى 16 : 24 ) . وإن كان المسيح قد دعانا أن ننكر ذواتنا ، فلقد أنكر هو نفسه وأخفى لاهوته فى بعض المواقف ... فلقد أنكر نفسه حاملا الصليب حينما تقدم إلى يوحنا المعمدان كأحد الخطاة ليعتمد منه ( متى 3 : 13 ، لوقا 3 : 21 ) .. وأنكر نفسه فى تجربة إبليس له ( متى 4 : 1 – 10 ) ... وحينما قدم عظته على الجبل أفتتحها بتطويب المساكين بالروح والحزانى فى العالم ( متى 5 : 3، 4 ) ..كان المسيح يحتضن الصليب حينما شتم ولم يكن يشتم عوضا ، ولا يهدد ، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل (1 بط 2 : 23 ) وحين أنكر اليهود بنوته لأبيه السماوى . ( يو 6 : 42 ) .وحين وجه اليهود إليه أقذع شتائمهم أنه سامرى وبه شيطان ( يو 8 : 48 ) ، وأنه لا يخرج الشياطين إلا بقوة بعلزبول رئيس الشياطين ( متى 12 : 24 ) ...وحينما أتهمه الفريسيون والكتبة أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ( يو 9 : 16 ، 5 : 18 ) ...وفى غيرها كثير جدا كان المسيح يحتضن الصليب . أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال :" من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ( متى 10 : 38 ، 39 ) .." إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها " ( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ) ..." من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " ( لو 14 : 27 ) . كمبدأ عام فى حياة المؤمنين قال المسيح " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 24 ) ... " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى 7 : 13 : 14 ) ..أما عن تعليمه بخصوص الضيقات فقد قال :" فى العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 ) تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفونى . لكنى قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى أنا قلته لكم " ( يو 16 : 2 – 4 ) . " وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم " ( لو 21 : 16 – 19 ) . لكن لمن يحملون الصليب الوعد بالنصرة على الشيطان والعالم والتعزية والسلام الداخلى والدخول الى ملكوت السموات . تحت ظلال الصليب ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه . ان كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر ، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب ان يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية مريداً ان يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم . وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة . انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه ، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنى يارب ان أجاهد ضد الخطية وان أحمل صليبك بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى ويستعلن لنا قوة الصليب والفداء. القمص أفرايم الاورشليمى
المزيد
20 سبتمبر 2020

عيد الصليب

تعيد الكنيسة بعيد الصليب على مناسبتين يوم 17 توت ويوم 10 برمهات. وإن كان الأخير هو يوم اكتشاف الصليب ولكن لأنه يقع في أيام الصوم الكبير فاتفقت الكنيسة أن يكون العيد الثاني هو ثاني يوم تدشين كنيسة القيامة وهو الموافق 17 توت. وإن كان الصليب يأخذ قوته من عمل الفداء ولكنه أيضاً أداة الحب، وأداة الصلح، وهو العرش الذي صعد إليه الملك ليأخذ ملكوته، وهو المذبح الذي قدم رئيس الكهنة ذاته ذبيحة عليه. ومن هنا جاءت قيمة الصليب في تاريخ البشرية وقد ظل مختفياً مدة كبيرة من الزمن حتى ملك قسطنطين بقوة الصليب الذي ظهر له، وكانت الملكة هيلانة التي لها اشتياقات قوية لبناء الكنائس وانتشار المسيحية في العالم كله، لذلك استخدمها السيد المسيح لاكتشاف خشبة الصليب فقد أرسل لها عن طريق رؤيا يخبرها أن تذهب إلى أورشليم لتبحث عن خشبة الصليب. وفي نفس الوقت كلم أسقف أورشليم الإمبراطور قسطنطين بأن الصليب الذي أعطاه قوة الانتصار مختفي ولا يعرف أحد أين هو. فجاءت الملكة هيلانة وكلمت ابنها في هذا الأمر وقد وجدت عنده نفس الطلب. فذهبت ولم تعرف كيف تعثر عليه فأخذت تسأل عن مكان الجلجثة القديم فوصلت إلى شخص عجوز يهودي يعرف مكان الجلجثة وبعد أن ضيقت عليه بسلطانها حتى تكلم وأخبرها عن مكان الجلجثة. وقد كان الإمبراطور هادريان قد بنى عليه معبد وثني كما قلنا سابقاً. ثم عرفت أن الصليب مدفون في مزبلة بجانب الجلجثة فحفرت حتى وجدت ثلاثة صلبان ولم تعرف كيف تجد صليب المسيح من الثلاثة صلبان لأن واحد منهم للسيد المسيح والاثنين الآخرين للصين. فكانت هناك جنازة وميت محمول فوضعت الميت على الثلاثة خشبات وحين لمس الميت خشبة الصليب الحقيقي قام من الأموات فعرفت أن هذا هو صليب ربنا يسوع المسيح. وقد ذكر الآباء هذه القصة في أكثر من مكان، فذكرها أيضاً القديس أمبروسيوس أسقف ميلان 395 م.، وذكرها أيضاً القديس يوحنا ذهبي الفم وقال: "منذ أن دفنت خشبة الصليب لم يوجد من يعتني بها بسبب الخوف المحيط بالمؤمنين واهتماماتهم بما هو أكثر ضرورة ولكن لم يكن مكانه مجهولاً". ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: "بعد مرور خمسة وعشرون عاماً على الصليب صار الصليب في العالم كله افتخار لكل الكنائس". ويقصد هنا قوة الصليب. ويقول أيضاً: "لقد صلب المسيح حقاً ونحن لا يمكننا أن ننكر هذا لأننا مجتمعون الآن أمام خشبة الصليب". وهذا يؤكد على أن أيامه كانت خشبة الصليب قائمة في أورشليم. وقد كان لخشبة الصليب قصة أخرى تاريخية هامة جداً. ففي القرن السابع، أثناء حكم الإمبراطور هرقل اجتاح الفرس بلدان الشرق ومنها أورشليم، وكان هناك أمير فارسي يكره المسيحية فدخل إلى كنيسة القيامة ورأى خشبة الصليب وكانت موضوعة في برواز فضة وعلى قاعدة من ذهب فحاول أن يمسك بخشبة الصليب فاحترقت يداه وكان واقف بالكنيسة شماس فقال له:  "لقد احترقت يداك لأنك غير مسيحي".  فقال له الأمير: "إذن احمله أنت وتعالى معي". وأخذ الشماس والصليب وسافر إلى بلاد الفرس وأخفى الصليب وقتل الشماس. وكان الجيش الفارسي قد سبي من أورشليم كهنة وعائلاتهم ومنها ابنة كاهن كانت عيناها معلقتان على الصليب ورأت ما حدث. وتمر السنوات ويعود هرقل وينتصر على الفرس، وأخذ الإمبراطور يبحث عن خشبة الصليب في كل مكان إلى أن جاءت إليه ابنة الكاهن التي كانت ترى الصليب وما فعله الشماس وقالت: "أن الأمير حفر في حديقة قصره وأخفى الصليب وقتل الشماس". وفعلاً وجد هرقل الصليب وأعاده إلى القسطنطينية بإكرام كبير وعمل احتفالاً له في العاشر من برمهات أيضاً. والذين لا يفهموا معنى الصليب ولا يعرفوا قوته وعمله يقولون لنا أنتم تعبدون أداة تعذيب إلهكم، كيف تكرمون آلات التعذيب؟ ولهؤلاء نقول لقد كان الصليب قبل المسيح أداة للتعذيب والموت والعقوبة ولكنه صار وسيلة خلاص العالم كله من إبليس وبه رفع حكم الموت، وأيضاً به تم عمل المصالحة بين الأرض والسماء، وبيننا وبين إلهنا المحبوب الذي اقتنانا إلهنا بدمه من خلاله وصرنا أحباء وأبناء. وقد كان الصليب أقسي أنواع العقوبة قديماً لهذا قد صار أقوى صور الحب لأن مسيحنا احتمل أقسى أنواع العقوبة على الأرض لأجلنا. وقد اختار السيد المسيح الصليب لثلاثة أشياء أولاً: كان الصليب في فكر العهد القديم هو لعنة "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقتل وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المُعلق ملعون من اللـه" (تث 21: 22، 23) وهو قد جاء ليحمل خطايانا ولعناتنا كما قال معلمنا بولس الرسول: "إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: "ملعون كل من علق على خشبة" (غلا 3: 13)، فهو قد جاء لكي يحمل خطايانا ويقدم ذاته عوضاً لنا. ثانياً: ذبيحة الصليب هي الذبيحة الوحيدة التي يرى العالم كله من ينفذ هذا الحكم علناً ويرى الجميع أنه قد تم فيه حقاً حكم الموت. فهو حكم بالموت البطيء والذي يصلب يدفع ثمناً غالياً لأنه يموت بألم شديد. وهذا هو علامة الحب لأجلنا. ثالثاً: الصليب معلق بين الأرض والسماء ليكون هو السلم الذي به يصعد الأرضين نحو السماء كما أن المصلوب أيضاً يفتح أحضانه إلى أن يموت. وهذه الصورة هي أقوى صورة للحب ذبيحة تفتح أحضانها وتقدم بين الأرض والسماء. ولكن كان العهد القديم أيضاً يعطي إشارات بأن صورة الصليب هي صورة البركة أيضاً. فالصليب نفسه عقوبة اللعنة ولكن عمل الصليب هو البركة والقوة والمجد. فنرى موسى النبي يقف يصلي ويفتح يديه مثل علامة الصليب في حرب الشعب مع عماليق وينتصر الشعب طالما صورة الصليب قائمة أمام اللـه وينهزم حينما يغيب الصليب. وفي قصة ذبح اسحق نرى إبراهيم يضع حطب المحرقة على كتف ابنه ليحملها وهو صاعد ليقدمه ذبيحة كما حمل المسيح خشبة الصليب ليقدم ذاته ذبيحة. وفي عبور الشعب من مصر إلى أرض الموعد ورمز الملكوت أرسل الرب ضربة موت الأبكار لم ينقذ الشعب إلا دم خروف الفصح ووضع الدم على العتبة العليا والقائمتين لتكون علامة الصليب هي علامة الخلاص والتي تنجي من الموت. وكان خروف الفصح نفسه يقدم على سيخين متعارضين أي على شكل صليب ويقول المزمور: "الرب قد ملك على خشبة" (مز 95) وهي من النبوات العجيبة لأن في الفكر اليهودي عرش اللـه له صورة حسب رؤيا إشعياء وحزقيال بالمجد والكرامة والبهاء ولكنه يقول إنه يملك على خشبة. وقد تحققت هذه النبوة العجيبة بالصليب إذ ملك المسيح الإله المتجسد على خشبة الصليب، وصار ملكاً لكل النفوس التي أمنت واتحدت به. ولعل هناك من يشكك في موت المسيح على الصليب. وكان أول هؤلاء الفلاسفة الغنوسيين الذين صاروا مسيحيين فهم حسب فلسفتهم السابقة للمسيحية كانوا يحتقرون المادة وعلموا بفكرهم أن المعرفة تخلص. فرفضوا التجسد الإلهي ورفضوا الخلاص بالصليب. فقالوا إن سمعان القيرواني حين حمل الصليب بدلاً من السيد المسيح في الطريق وضع اللـه شبه المسيح عليه فقادوه ليصلب بينما المسيح صعد إلى السماوات أي أن المصلوب شبه لهم به والذي وضع الشبه على سمعان القيرواني هو اللـه لينجي المسيح نفسه. ولا أدري كيف لإنسان عنده عقل أن يؤمن بهذا الفكر الساذج وكيف لأحد أن يقتنع بهذه القصة الهزلية للأسباب الآتية: أولاً: الصليب نفسه هو عملية فداء من المسيح للبشرية كلها فكيف يقبل أن يصلب أخر نيابة عنه هو؟ ثانياً: أي شخص أخر يصلب بدلاً عنه تسقط فكرة الفداء والذبيحة الخلاصية وبالتالي سقط معها فكرة عمل اللـه لخلاص البشرية كلها بالتجسد ومعها أيضاً يكون كل التدبير الإلهي للخلاص بلا معنى والمسيحية نفسها بلا معنى. ثالثاً: وماذا عن النبوات التي تقول بأنه هو المخلص وخاصة ما قاله إشعياء النبي: "إن جعل نفسه ذبيحة إثم" (إش 53: 10)، والمزامير التي تتكلم عن الصلب مثل: "ثقبوا يدي ورجلي" (مز 22: 16) رابعاً: ولماذا هذه القصة الغريبة؟ فإذا كان الهدف هو ألا يصلب المسيح فكان يمكن أن يصعد المسيح إلى السماء دون أن يضع شبهه على آخر يصلبه. خامساً: وماذا عن كلمات المسيح عن نفسه أنه سيتألم ويصلب؟ وماذا عن قيامته؟ وماذا عن كلمات الرسل عن الصليب؟ وماذا عن المسيحية نفسها وقوة عمل المسيح فيها بالصليب؟ سادساً: وماذا عن التواتر والذين شهدوا بهذه القصة من اليهود والرومان قبل المسيحيين أنفسهم يقول مؤرخ روماني اسمه "تاسيثوس" عاش من عام (56 – 120 م.) في كتاب اسمه "الحوليات" عن حريق روما: "يقول نيرون أن المسيحيون هم المتسببون في حريق روما، والمسيحيون هؤلاء أخذوا الاسم من واحد حكم عليه بيلاطس بالموت صلباً". ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعاصر لأحداث الخلاص: "المسيح هو شخص حكم عليه بيلاطس البنطي بالصلب". وفيلسوف أخر اسمه "لوسيان" من أشهر فلاسفة الوثنية عام 100 م.: "المسيحيون لا يزالون إلى الآن يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صلب في فلسطين ويؤمنون أنه يدخلهم الجنة". ويقول فيلسوف أبيقوري اسمه "كلسوس" وهو يتهكم على المسيحية عام 170 م. في كتابه "البحث عن الحقيقة": "أولئك صلبوا إلهكم". وكُتب في أحد نصوص التلمود: "في ليلة عيد الفصح علق يسوع الناصري على الصليب". ولدينا الآن الكفن المقدس الذي عكف مئات العلماء بالتقنية الحديثة ببحث دقيق ليخرجوا للعالم أسرار عملية الصليب والقيامة ليكون شاهداً في زماننا أمام هؤلاء المشككين والملحدين. ونعود إلى أحضان كنيستنا ومسيحيتنا لنرى الرسل يخبرونا بقوة وعمل الصليب ويقول معلمنا بولس الرسول: "لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة!" (1 كو 1: 23)، ويقول: "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20)، ويخبرنا المسيح نفسه عن صلبه وقيامته كثيراً حتى بعد قيامته في حديثه مع تلميذي عمواس. وظل الآباء يكتبوا عن عمل الصليب منذ الكرازة الأولى للمسيحية حتى الآن فيقول مار أغناطيوس عام 107 م. في رسالته إلى سميرنا: "لقد تألم المسيح من أجلنا ليخلصنا". وفي رسالته إلى أفسس: "يسوع المسيح هو الذي صلب لأجلنا". ويقول القديس بوليكاربوس عام 155 م. في رسالته إلى فيلبي: "كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح. ومن لا يعترف بشهادة الصليب فهو من إبليس، ومن ينكر القيامة هو من الشيطان". والكنيسة في طقسها الرائع في عيد الصليب تعمل دورة الصليب، يدور الكاهن والشمامسة في الكنيسة ليعلنوا ملكوت المسيح بالصليب فيقفوا عند المذبح والأيقونات والأبواب ويتلون الألحان وفصول الكتاب المقدس التي تعلن عن ملكوت اللـه الذي فيه الخلاص والقديسين بالصليب. ولعل هناك أيضاً من يسمون أنفسهم مسيحيون ولكنهم لا يرسمون الصليب لأنه لا توجد آية في الكتاب المقدس تقول إن نرشم الصليب، ولهؤلاء نقول أن الصليب هو حياة القوة عند القديسين فهو قوة اختبار وحياة دائمة لكل من آمن بالمسيح. وكانت علامة الصليب هي قوة عبر العصور. فيقول القديس باسيليوس: "الرسل سلمونا أن نرشم الصليب ونقول باسم الآب والابن والروح القدس". ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: "الصليب ختمنا الذي نضعه بشجاعة على جبهتنا بأصابعنا ونرشمه على كل شيء". ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "صارت علامة الصليب ترسم على ملابس الملوك وتيجانهم، وترسم في الصلوات على المائدة المقدسة ليرتفع الصليب بكل قوة في كل مكان". ويقول البابا أثناسيوس: "بالصليب يستطيع الإنسان أن يطرد كل خداعات الشياطين". ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "الشيطان يفزع من الصليب لأنه يرى السلاح الذي به جرح والسيف الذي تلقى به الضربة المميتة". أحبائي اليوم عيد الصليب يقول البابا أثناسيوس: "أنه تذكار الانتصار فوق الموت والفساد". لذلك أفرح يا عزيزي لأن مسيحك الذي أحبك أعطاك اليوم قوة لا يمكن للعالم أن يغلبها. فأنت قوي بالصليب ولابد أن تشعر بوجودك الشخصي اليوم مع المسيح في الصليب. في لوحة شهيرة رسمها الفنان "رمبرانت" عن الصليب رسم فيها السيد المسيح مصلوباً ورسم حوله جموع كثيرة كانت حاضرة منهم من كان مشتركاً في صلبه ومنهم من كان حاضراً ويبكي. ولكن الغريب أن الفنان رسم نفسه أيضاً وسط هذه الجموع. القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبى سرجة مصر القديمة
المزيد
19 سبتمبر 2020

المقالة التاسعة في تقويم المستسيرين من العباد

بسيرة ذات ألم، ويبتغون الكرامات يا إخوتي أنا منذهل ومجروح بالحزن من أجل النبي القائل: ” انظروا أيها المتهاونون وأعجبوا “. فأولاً: أتحير من أجل ذاتي خاصة ؛ من قبل جهلي وعدم أدبي ؛ لأنني صرت طُرقاً لكل ألم ولكل خطيئة ؛ والعدو ربط فيَّ كل عضو، فينبغي لي أن أنتحب وأبكي على ذاتي من أجل الخزي الحاصل فيَّ. لأني أهتم بالأشياء التي للآخرين، وكان سبيلي أن أنتزع أولاً السارية التي في عيني ؛ ثم أعاين القذى الذي في عين أخي. إلا أن التهاون الصائر الآن في وقتنا يغيصني في الحزن جداً ؛ لأنني أبصر الونية المشتملة علينا الآن ؛ ولا يمكنني أن أحتمل بل أتوجع نظير القائل: ” رأيت الذين لا ذهن لهم فذبت “. لأن أية آلة لم ينصب لنا المعاند ؛ أو أية صناعة كثيرة أنواعها لم يمسكنا بِها، ويلي من لا يبكي على الأسواء المتشبثة بنا ؛ أصغوا إلى المقولات فإنني أتضرع إليكم أنتم الذين اخترتم هذه السيرة أن تصغوا وتفرقوا رعباً. لأننا قد لبسنا زي الملائكة ونحن نناجي المحال، إن الإسكيم ملائكي والسيرة عالمية، أَترى الملائكة في السماوات يسيرون بالمحك والغيرة كما نشاهد الآن فينا، لأنه قد تأصل فينا الحسد والغيرة والوقيعة. لأن المحال المكار قد نضح سمه بحال مختلفة في كل واحد منا ؛ وبصناعته يعرقلنا. فواحد قد قوم الصوم، وقد مُسِك بالغيرة والحسد، وآخر قد مسك ذاته من الشهوة الشنعاء ؛ وقُيد تقييداً بالسبح الباطل، آخر قد قوم السهر وقد أقتنص بالوقيعة. آخر قد أبعد الوقيعة ؛ وامتلأ من عدم الخضوع والمجاوبة، آخر قد مسك ذاته عن الأغذية ؛ وغرق بالصلف والتيه، آخر يواظب على الصلوات ؛ وينغلب من الغضب والغيظ. آخر قد قوم شيئاً يسيراً ؛ وهو مترفع على المتوانيين، وآخر قد قيدته الرذيلة ؛ وليس من يفهم. من أجل هذا يوجد في العبادة مماحكات وانشقاقات ؛ ويلي من لا يتنهد ؛ من لا ينوح على ضعف هذه السيرة الملائكية ؛ لأننا قد تركنا العالم ؛ ونحن نعقل معقولات العالم. طرحنا القنيان ؛ ولا نكف ولا نستقر من الخصومات. تركنا المنازل ؛ ونذوب بالاهتمام بِها كل يوم. ليس لنا غنى ؛ والكبرياء لا نتركها. أهملنا التزويج ؛ ولا ننتقل من الطغيان الباطل. من داخل نتواضع ؛ وبالنفس نلتمس الكرامات. عادمين القنية بالظن ؛ ومضبوطين باحتشاد المال. عادمين القنية بالكلام ؛ ومرتبطين بالذهن بمحبة الاقتناء. من لا ينوح على زهدنا وعلى ونيتنا، من يبصر ولا يعجب من صنائع العُباد ولا سيما المبتدئين والشباب، لأنَهم ما زهدوا بالقول ؛ ويتصلفون. وما خاطبوا أحداً بالإسكيم ؛ ويتعظمون. ما سمعوا التعليم ؛ ويعظون. لم يبصروا الدهاليز ؛ ويتصورون الأشياء التي داخل. لم يرتقوا الدرج ؛ ويطيرون نظير السحب. بالسواء لم يذوقوا النسك؛ ويتدرعون بالسبح الباطل. لم يسمعوا صوت الآذان ؛ ويربون. لم يجتمعوا بالرفقة الأخوية، ويتسيدون متمولين. لم يدخلوا أبواب الدير ؛ وقد صاروا يظنون ويذمون ويقطبون. فلا أفني الوقت لأن صنائعهم كثيرة ؛ وليس من يفهم ؛ ولا من يزهد من أجل اللـه ليبذل ذاته بالطاعة عبداً لأخوته ؛ لكن إن أنتهر ؛ يجاوب بمعاني من الخطابة. وإذا أطاع ؛ يشكك ذاته ولا يغاير العزم الصالح. ويرتب ذاته في الأشياء التى لا تنفع. ليس له ثلاثة أيام منذ زهده في العالم ؛ ويخاصم من شاخ في الإسكيم، إذ لا يريدون أن يطيعوا ؛ يخترعون لذاتَهم صنائع. إذ لا يحتملون حرارة الجسد ؛ ويتهم ويعادي بعضهم بعضاً، ما دخلوا تحت النير ؛ وينتهرون ويأمرون ويسخطون. أعمل هذا أيها الأخ ؛ فيقول: لا أعمله إن لم يجئ فلان. فلان متشاغل بدراسة الكتب ؛ فسبيلي أنا أن أثابر عليها. ولعله قبل زهده كان يعيش عيشة الفعلة، ولم يعرف في قديم أمره ما هي يمناه ويسراه، وفي حال مجيئه إلى الدير قد ظهر محباً للعلم ومترجماً. فلان الأخ مرتاح ؛ فينبغي لي أنا مثله أن أرتاح. يتفرج ؛ فسبيلي أنا أن أتنزه. يلبس حلة ؛ فيجب لي أن ألبس مثله. أخذ كرامة ؛ فينبغي لي أن أُكرم، قد مضى يحدث الآباء ؛ فسبيلي أن أفاوضهم. فوض إليه السلطان على الأمر الفلاني، أتراني لا أستحق أن أؤتمن أنا عليه. هذه الأمور التي يرضاها الشباب. هذا تواضع المبتدئين. هذه أتعاب وأثمار الزيتون الحديث نصبه. أبِهذا الجهاد يحرصون أن يرثوا الملكوت. من أجل هذا صاروا أعداء للـه. بِهذه الأشياء يظهر أننا لم نزهد بشىء يسير من سيرة العالم لأننا بالوهم زهدنا ؛ وبالحقيقة نعقل معقول العالم. وبالحقيقة ليس لنا اعتذار لأننا بالإسكيم عباد ؛ وبالخلق جفاه وعادمو الإنسانية. بالإسكيم متورعون ؛ وبالخلق قتّال. بالإسكيم والزي متواضعون ؛ وبالخلق مفسدون. بالإسكيم والزي محبون ؛ وبالسخاوة ماقتون. بالإسكيم صادقون ؛ وبالسمية معادون. بالشكل صائمون ؛ وبالقلب مجربون. بالإسكيم نساك ؛ وبالقلب متكبرون مجاهدون. بالزي أعفاء ؛ وبالقلب زناة. بالزي صامتون ؛ وبالقلب طامحون. بالزي ودعاء ؛ وبالخلق متعظمون. بالزي معزون ؛ وبالسجية شامتون. بالزي مشيرون ؛ وبالحال مراءون، بالزي هادئون ؛ وبالخلق ماكرون. بالزي غير حاسدين ؛ وبالخلق حسودين. بالزي ناصرون ؛ وبالشيمة دافعون. أترى من أين تعرض لنا مثل هذه الأمور ؟ سوى من كون ليس لنا محبة كاملة بعضنا لبعض، وليست لنا ألفة نقية ؛ وليس لنا تواضع حقيقي ؛ وليس لنا خوف اللـه أمام أعيننا. أننا نتهاون ونتغافل ونظن أن الوصية الخلاصية خرافة وهذيان، بكلمة اللـه تتشدد السماوات ؛ ونحن لا نقبله بصفة أخ. ذلك الفم المرهوب والغير مدرك والمرعب قال: ” من يشاء أن يكون فيكم عظيماً فليصر لكم خادماً “. ونحن قبل أن نعاين درجة الإسكيم نتكبر ويستعظم الواحد منا على الآخر ؛ ويطفر بعضنا على بعض، وكلنا عقلاء عند ذاتنا، كلنا مدبرون. كلنا متسلطون ؛ مرتبون ؛ منتهرون ؛ مفترضو الشريعة ؛ محبو الأمر والنهي ؛ مترجمون ؛ معلمون ؛ كلنا نأمر ؛ كلنا مهتمون ؛ قهارمة ؛ أولون. أترى لا يقنعكم قول الرسول بولس إذ يقول: ” إن كان الجسد كله سمعاً، فأين المشم ؟ “. إن كان الكل أولو الجماعة ؛ مدبرو ؛ الكافة مرتبون، فأين تفاضل ترتيب اللـه ؟ ومع هذا ألا يقنعكم أن تذعنوا للقائل: ” ليس أحد يأخذ الكرامة من ذاته إلا المدعو من اللـه “. أم كيف يقول أيضاً: ” أترى كلهم معلمون “. من أجل هذا رتب اللـه رئاسات وسلطات ؛ لأنه إن كان في السماوات كل أرواح الخدمة الغير بالين ولا مائتين لم يرضي اللـه أن يكونوا في رتبة واحدة ؛ بل رتب رؤساء وسلاطين وعظماء ؛ وكل واحد منهم لا يتجاوز رتبته ؛ وكافة الأشياء قد صارت بترتيب وثبات. فلِمَ نخاصم بعضنا بعضاً خصومات جائرة ؛ والملائكة ورؤساء الملائكة لا يتجاوزون الحدود المرتبة لهم. ونحن ندفع بعضنا بعضاً ؛ ويريد الواحد أن يكردس الآخر ؛ ويسابق بعضنا بعضاً قفزاً، ونزدري ونستصغر كأننا نستطيع أن نقوِّم شيئاً أكثر منهم. ترحماً لعماية الذهن. ألا تذعنون لقول القائل: كل أحد فليثبت في الأمر الذي دعي إليه. كيف تتقون القائل: ” إن من يعطى كثيراً يطالب بكثير “. لكي تقتنوا بِهذا تواضعاً. يا إخوتي لا نستكمل عمرنا بِهذه المناقص المذمومة، كمن ليس أمام أعينهم القضية المرهوبة. لا نسير كمن لا يزعمون أن يعطوا جواباً عن كل أمر، لا تصيروا عثرة وشكاً للذين هم من خارج، لا نضيفن خطيئة على خطايانا، لا يُفترَ على الإسكيم الجليل من أجل عدمنا الفهم، بل الأليق أن يُمدح بنا. فإنه ستوافي وتجئ تلك الساعة المرهوبة ولا تبطئ ؛ وفيها نكون بلا اعتذار، لأنه ماذا نستطيع أن نقول للـه ؟ وماذا احتجنا أن يصنعه بنا ولم يفعله ؟ هل ما رأينا الإله نفسه متواضعاً بصورة عبد لنتواضع نحن ونصير متواضعين، أما رأينا وجهه الأقدس الذي لا يصفه عقل مبصوقاً عليه لكي إذا شُتمنا وانتهرنا لا نتوحش ونتنمر، بل أما شهدنا ظهره مبذولاً للسياط لكي نخضع لمدبرينا، أو ما عاينا وجهه وقد لطم لكي إذا رفضنا لا نتنمر. هل ما سمعنا عنه أنه لم يناصب ولم يجاوب ؛ لكي لا نكون مستبدين برأينا ولا نجاوب. وأما سمعناه يقول: أنا لا أعمل من ذاتي شيئاً. حتى لا نصير نحن متعظمين مالكين مشيئتنا بذاتنا وحاوين السلطان على ذاتنا. بل ترى أما سمعناه قائلاً: تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب. لنصير نحن ودعاء ومتضعين القلب. لكننا نحن نحسد بعضنا بعضاً ؛ وننهش ونأكل بعضنا بعضاً. أي جواب نعطيه. أطلب إليكم لا من أجل الآلام البشرية نخرج من السعادة التي لا تنتهي؛ ولا من أجل الكرامة الوقتية نضيع المجد المؤبد، ولا من أجل المحك والغيرة والحسد نشجب في نار جهنم. قد التمست أن تخلص فلِمَ تفحص أمر قريبك، قد دخلت تحت النير فلِمَ توعز وترتب ليشتهر ثمر طاعتك. ثق فإنه لا مرتبة ؛ ولا كرامة ؛ ولا عظم شأن ؛ ولا بأن يقال لأحد أولاً وثانياً، ولا بأن يسمى مدبراً، ولا بأن يدعى أيها الشريف، ولا بأن يفوض إليه كرامة، ولا بأن يؤتمن على مرتبة يدخل بِهذه إلى ملكوت السماوات، أو يعطى صفحاً عن خطاياه، أو ينجى من التعذيب. بل هذه تُشجب وتُهلك. لكن التواضع ؛ والطاعة ؛ والمحبة ؛ والصبر ؛ وطول الروح ؛ تمنح ملكوت السماوات وتوابعه. لأنه لا يستطيع أحد أن ينجح ويوقر ويخلص إلا بالتشبه بالرب في الكل. أما قد سمعتموه قائلاً: ” ما جئت لأُخدَم بل لأَخدُم “. وأيضاً: ” ما جئت لأصنع مشيئتي بل مشيئة من أرسلني “. وأيضاً: ” من يعلي ذاته يوضع “. أو ما سمعتم كيف يطوب قائلاً: ” الطوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات “. أما سمعت أنك كنت إذا جلست تغتاب أخاك وكيف يوعد أنه سيوبخك تجاه وجهك، أما قد سمعتم أن من يبغض أخاه هو في الظلمة وأن المحال من أجل الجسد سقط من السموات. أو ما قد وعيتم أنه من أجل الكبرياء والمجاوبة هبط من أي مجد وشرف، وأن مريم أخت موسى من أجل كلمة تعيير أصيبت بالبرص. فلماذا ولنا مثل هذه الأنموذجات نسد آذاننا كما لأفعى، لا أعني الآذان الجسدانية بل آذان القلب، لأن هذه تتذكر لكن تلك لا تتذكر. لم لا تصدق القائل: ” أن من يثبت في المحبة يثبت في اللـه “. أتضرع إليكم يا معشر الرعية المنتخبة أن نستفيق ما دام لنا وقت، ولنتعفف ما دمنا في الإمهال. لئلا تفاجئنا تلك الساعة المرهبة المؤلمة ؛ فننوح بمرارة نادمين تندماً لا ينفع، لئلا نخزى بذلك الخزي العظيم أمام اللـه والملائكة والناس. ولنكف عن الخصومات ؛ ولا سيما نحن الحاويين الحواس الشبابية، تواضعوا بكل ما لكم من قوة لتستطيعوا أن تدركوا الكمال. قد علمتم كم كان لآبائنا من راحة وتحرز، وكم تواضع وتحفظ، وشقاء وازدراء بذاتَهم، فالآن الحرب عظيمة فلا نتهاون، ولا تظنوا أنكم قد وصلتم إلى الكمال ؛ إن الحاجة ماسة إلى تعب كثير وجهاد جزيل لننال الخلاص. لا تظنوا أن التزين الكثير أو سدل الثياب هو التعبد ؛ أو أن تكون يدا الإنسان بَهيتين ذلك يخلصه، أو حسن المنطق، أو ترجمة الكتب هو الكمال، أو كشف الرؤوس ؛ أو تسريح الشعور وتنظيفها بغير الفضائل الموافقة الملائمة التي لا تنحصر في لبس الإسكيم. لكن الإسكيم الذي يتبعه الخلق الجميل والأعمال ؛ لأن الإسكيم خلواً من الأعمال ليس شيئاً ؛ فلا تُهملوا الاهتمام ؛ ولا تتراخوا لأن الحاجة إلى تعب كثير كي نلجم الحداثة. فإن كنتم تستثقلون المقولات ؛ لكن ذلك لا يغمني لأنني أشاء أن تقبلوا مكاوِ لتزيلوا القبح وتنزعوا التماسي، ولا تظنوا إن كتمتم آلامكم ينساها اللـه ؛ فإنني أقول لكم إن الأفعال الخفية فيكم أستقبح أن أكتبها لأنني إن عملت ذلك لا تثبتون بل تَهربون. فلهذا أطلب إليكم أن تواضعوا ذاتكم بالطاعة بالمحبة بالحقارة بالإهانة، وبِهذه أطيعوا بعضكم بعضاً، وأخضعوا بالصوم بالصلاة بالسهر بالترتيب الممدوح، لا تكونوا في الخصومة أقوياء وفي الترنيم ضعفاء. لا تكونوا منتبهين إلى مناجات الأفكار وناظرين مثل وحوش، وفي الصلاة متناعسين وتغمضون عيونكم، لا تكونوا في الحديث الباطل أقوياء كالثيران وفي هذيذ تمجيد اللـه ضعفاء كالثعالب، لا تكونوا في حجج الخصومة غير مغلوبين وفي الأقوال الروحانية تتثآبون. لا تكونوا في اللعب أصحاء وإذا وعظتم تقطبون، لا تكونوا في النهار معافين بنهم البطن وفي الصلاة الليلية متمارضين، لا تكونوا في المحادثات جبابرة وفي الأعمال منحلين، لا تكونوا في أن تأمروا مكرمين وفي أن تؤمروا متنافرين. لا تكونوا ملتذين بأن تطاعوا وفي أن تطيعوا مقطبين، لا تكونوا في أن تأمروا صارمين وإذا أُمرتم تتذمرون، لا تكن الأيدي إلى الأصابع واللسان إلى الصدر، لا تكونوا إلى المائدة متسارعين وفي الأعمال متوانين. لا تكونوا في استدعاء النواظر إليكم متيقظين وفي أن تميزوا شيئاً صالحاً مظلمين، لا تكونوا بحضرة الإناث متأدبين ومع إخوتكم متنمرين، لا تكونوا في كثرة الغتذاء أقوياء وفي الصيام ضعفاء، لا تكونوا في شرب الخمر مسرورين وفي شرب الماء مقطبين ومكتئبين. لكنني أتضرع إليكم يا أولاد اللـه ؛ أن تتخذوا الغيرة النفيسة ؛ ومهما كان ممدوحاً صالحاً يختص بالمنفعة، اقتنوا أول كل المناقب التواضع ؛ المحبة؛ الخيرية ؛ الوداعة والدعة سامعين بعضكم لبعض. ولا تتخاصموا في شىء لا ينفع، وكونوا غير عاجزين في الصوم والصلاة لتستطيعوا أن تغلبوا الآمر الجسد ؛ لكي لا من أجل الآلام المنكرة نعدم مثل جسامة هذه الخيرات، لا نبتغِ الوقتيات فنضيع المجد الذي لا يفنى. أسرعوا وبادروا وما دمنا في الجسد فلنعمل المناقب التي ترضي اللـه، ولنحرص فقد حصلنا في شىء عظيم، فلا نُهمل الاهتمام فليس صراعنا بإزاء أناس مبصرين لكي ما إذا رأيناهم نتحرز منهم بل الذين يحاربوننا لا يرون. فلأجل هذا إن العطب عظيم للمتوانين ؛ وإذا غلبوا فلهم ثواب جزيل، فلنغلبهم بالحيل ولنصاففهم، فإذا حرضنا العدو على شره البطن فلنحاربه بالصوم، إن هيجنا إلى اشتهاء امرأة فلنستعمل الصبر ؛ ونمسك الحس ونَهرب من المكان. إذا أنْهضنا إلى الغيظ فلنتضرع بالسلامة، إن جعلنا أن نغضب فلنتخذ الوداعة، إن أنْهضنا إلى المقت فلنلاصق المحبة، إذا حصلنا إلى ابتغاء الإكرام فلنوضح رغبة الاستحقار. إذا حضنا إلى رغبة الشرف فلنتخذ الخفضة والدناءَة، إن خيل لنا أمور الاستعلاء فلنصور في ذهننا تواضع الرب، أن حرضنا إلى مغايرة أخينا فلنخطر ببالنا سقطة قايين. إن استنهضنا إلى الحسد فلنذكر هلاك عيسو ؛ إن حركنا إلى الاغتياب فلنسيج علينا الصمت، إن قاومناه هكذا يهرب ولا يثبت، وتوافي وقتئذ النعمة وتكللنا كما يليق بالظافرين. صدقوني يا إخوتي أنني مشجوب من جميع الأشياء التي وعظتكم أن تحفظوها فقد صرتم أتقياء وأنا متوحل بحمأة الخطايا. لكن بادروا أن تبتعوني بتوبتكم الجليلة، صدقوني أنني ما حفظت شيئاً مما قلته، زينوا أقوالي بأعمالكم وأنا متيقن أنكم ستوجدون بلا عيب وأنا سأُدان عن الأقوال التي أقولها ولا أعملها.لا نتوانى عن خلاصنا ؛ ولا نحسب المقولات مثل أمثال ؛ فإننا ما أوردنا شيئاً خارج المكتوبات والمقولات ليست كاذبة.فلنقبل زرع هذا القول ؛ ونثمر كالأرض الصالحة بعض ثلاثين وبعض ستين وبعض مائة، لكي ما إذا حملنا الأثمار وتسربلنا ببهاء الفضائل نفرح بربنا يسوع المسيح، وهو ينجينا في ملكوته.فإن له يليق المجدإلى أبد الدهورآمين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
18 سبتمبر 2020

الاضطهادات العشرة التي عبرت على الكنيسة في العصر الروماني

الاضطهاد الأول تحت حكم الإمبراطور نيرون سنة 64 م. الاضطهاد الثاني تحت حكم الإمبراطور دوميتيان سنة 81 م. الاضطهاد الثالث الذي بدأ في عصر تراجان سنة 106 م. الاضطهاد الرابع تحت حكم مرقس أوريليوس أنطونيوس عان 166 م. الاضطهاد الخامس الذي بدأ مع ساويرس عام 193 م. الاضطهاد السادس في عهد مكسيميانوس التراقي سنة 235 م. الاضطهاد السابع في عهد ديسيوس سنة 250 م. الاضطهاد الثامن على يد فاليريان الطاغية سنة 257 م. الاضطهاد التاسع في عهد أوريليان سنة 274 م. الاضطهاد العاشر في عهد دقليديانوس سنة 284 م. | بدء التقويم القبطي على رسم الشهداء موقف المسيحيين في وسط العالم في أيام الاضطهاد عدم مقاومة الشر الصلاة المحبة الارتباط السري بين الصلاة وقبول الآلام الاستعداد للآلام بفرح كيف أعدت الكنيسة أولادها للاستشهاد؟ إنَّ الاستشهاد اختبار تَقَوِي يومي يحيا فيه المؤمن، والكنيسة كجسد المسيح المُتألِم، يلزمها قبول سِمَات المسيح الرأس حتى تكون لها شَرِكة الحُب الحقيقي والوحدة التي بين العريس المُتألم وعروسه، بين الرأس والجسد (الأعضاء).لذلك الكنيسة العروس تُكمِّل نقائِص شدائِد المسيح بالألم (كو 1: 24) فالمسيح هو العريس والرأس وحجر الزاوية ولمَّا كانت الكنيسة أُم جميع المؤمنين، لذلك سلَّمت أولادها صراحة الإيمان، وجعلتهم يستعدون للمعركة الروحية غير واضعين أمامهم سوى مجد الحياة الأبدية وإكليل الاعتراف بالرب، غير مُهتمين بما يُقابلهم من عذابات، لأنها ستكون كتلك التي عبرت وانتهت ولأنَّ الحرب قاسية وشديدة تلك التي تُهدد جنود المسيح، لذلك هيَّأتهم ليشربوا كأس دم المسيح اليومي حتى يُعطيهم إمكانية تقديم دمهم مسفوكًا لأجله، لأنَّ من قال أنه ثابِت فيه ينبغي أن يسلُك كما سَلَكَ ذاك (1يو 2: 6).المسيح عريس الكنيسة ورأسها وأُسقفها هو الذي يُتوِج خُدامه الذين أُعِدَّت أفكارهم وحياتهم للاعتراف والاستشهاد... فهو لا يرغب في دَمِنَا بل يطلُب إيماننالهذا حرصت أُمنا البيعة المُقدسة على إعداد أولادها للاستشهاد لا بخوف كالعبيد بل بحُب كما يليق بأبناء أحرار، فيا لها من كنيسة مجيدة ومُطوبة تلك التي صار فيها دم الشُهداء مُمجدًا!!لقد كانت بيضاء قبل استشهاد هؤلاء العِظَام، والآن بعد أن أعدَّتهُم الكنيسة للشهادة فشهدوا، صارت قُرمُزية بدم الشُهداء، ولم يعُد ينقُصها زهور بيضاء ولا زنابِق حمراء.لذلك تُجاهد الكنيسة لتُعِد أولادها بجهاد عظيم غير مُتزعزِع لأجل المجد، فينال أولادها أكاليل بيضاء بجهادِهِم في غير زمن الاستشهاد، وينالون أكاليل قُرمُزية مُخضبَّة بدِماء شهادتِهِم في زمن الاستشهاد، عندئذٍ يكون في السماء لكلٍ منهم زهوره التي يتمجد بها جنود المسيح. دور الكنيسة في الاستعداد للاستشهاد كان دور الكنيسة الأساسي الذي قامت به أثناء الاضطهادات المُريعة التي صادفتها خلال الثلاثة قرون الأُولى، هو إعداد أبنائها لاجتياز تلك الاضطهادات التي كانت في عهد الأباطرة المُضطهدين:- (1) نيرون سنة 64 م. (2) دوميتيان سنة 81 م. (3) تراجان سنة 106 م. (4) أوريليوس سنة 161 م. (5) ساويرُس سنة 193 م. (6) مكسيميانوس سنة 235 م. (7) ديسيوس سنة 250 م. (8) ڤالريان سنة 257 م. (9) أورليان سنة 274 م. (10) دقلديانوس سنة 303 م. لكنه سالم الكنيسة منذ تَوَلِّيه سنة 284 م. حتى سنة 303 م. ومن إحصائية قام بها بعض المؤرخين للسنوات التي عاشتها الكنيسة تحت الحرمان والاضطهاد، تبيَّن ما يأتي:- القرن الأول سِت سنوات اضطهاد ، مُقابِل 28 سنة تسامُح. القرن الثاني 86 سنة اضطهاد، مُقابِل 14 سنة تسامُح. القرن الثالِث 24 سنة اضطهاد، مُقابِل 76 سنة تسامُح. القرن الرابِع 10 سنوات اضطهاد ، حتى صدور مرسوم ميلان. فالكنيسة عاشت تحت الحرمان والاضطهاد والمُطاردة ابتداءً من عصر نيرون سنة 64 م إلى سنة 313 م، حتى مرسوم ميلان السلامي الذي أصدره قسطنطين الكبير... ومع أنَّ الاضطهادات لم تكن بدرجة واحدة في العُنف، إلاَّ أنَّ الكنيسة من سنة 249 م حتى تملَّك قسطنطين الكبير ذاقت اضطهادات ومُطاردات ومذابِح عظيمة.وكانت الأجيال المُتلاحِقة تُدرِك تمامًا أنها تعيش تحت خطر الاستشهاد الذي ينبغي الاستعداد له... فكان هذا واجب الأساقفة وقادة الكنيسة من إكليروس وعلمانيين.فكانت تُلقِن أولادها إنهم مُجاهدون لأنَّ حياة المُجاهِد تستوجِب التدريب على النُسك والجهاد ويذكُر التاريخ والتقليد الكنسي أنَّ هناك شُهداء لم يكونوا مُستعدين ولا مُدربين لذلك عجزوا عن الشهادة، وكذلك نجد أنَّ القديس كبريانوس الأسقف والشهيد سنة 249 م يُؤكد على حمل سلاح الله.. فصار تدريب الكنيسة الروحي المُستمر هو الاستعداد للموت وتصفية النَّفْس وتكلَّم أيضًا العلاَّمة ترتليان عن مبدأ الاستعداد بقوله: يجب أن تجعل النفس تألف السجن وتُمارِس الجوع والعطش وتقبل الحرمان من الطعام حتى يمكن للمسيحي أن يدخل السجن، بنفس الكيفية كما لو كان خارجًا منهُ حالًا، فيصير تعذيب العالم لنا ممارسة عادية... فلنمضي للجهاد بكل ثقة دون جزع كاذِب، وليصير الجسد مُدرع بسلاح فيوجد يابسًا. لذلك نقرأ في سيرِة الشهيد يوحنا الهرقلي أنه عاش كيوحنا المعمدان بتولًا، والشهيد أنبا إيسي من صعيد مصر الذي فضَّل البتولية وحذا حذو أُخته تكلة. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج عن كتاب الاستشهاد في فكر الآباء
المزيد
17 سبتمبر 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ

1- بين اصحاح 1 : 17، 1 تى 3 : 16 ففى الاول قيل عن الله (اله ربنا يسوع المسيح) اى الاله الذى اتى المسيح ليعمل مشيئته وارسل المسيح وذهب المسيح اليه. او بعباره اخرى الاله الذى عرفناه اياه المسيح ولم نكن نعرفه قبلا كما عرفنا هو اياه بانه اله محبه ورحمه (الله لم يره احد قط. الابن الوحيد الذى هو فى حضن الاب هو خبر) (يو 1 : 18). 2- بين اصحاح 4 : 26 وبين عد 31 ففى الاول (اغضبوا ولا تخطئوا) وفى الثانى ينهى عن الغضب. فنجيب : ان معنى القول الاول (اغضبوا بشرط ان لا تخطئوا) اى يجوز لكم ان تغضبوا، لكن يجب ان تحترسوا من ان يقودكم الغضب الى الخطيه فيجب ان تمسكوه حتى لا يحملكم على تجاوز الحد الذى بين الحلال والحرام. اما الغضب المنهى عنه فهو الناتج عن الحقد او المقترن به وهو الضار. فلا يقال ان كل غضب حرام فى كل درجاته بدليل ان المسيح نظر الى المعترضين عليه بغضب (مر 3 : 5) وكثيرا ما نسب الغضب فى الكتاب المقدس الى الله ولانه غرس فى طبيعتنا ليعيننا على المحاربه بين الخير والشر فى العالم حتى اننا نقاوم الظلم وسلب الحقوق. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
16 سبتمبر 2020

إنه عالَم مشغول

إن الله -تبارك اسمه- يطل من سمائه على عالمنا، فيجده عالمًا مشغولًا. إنه عالم يجرى بسرعة، ولا يجد وقتًا يتوقف فيه ليفكر إلى أين هو ذاهب! وهو أيضًا عالم صاخب كله أحاديث وضوضاء ومناقشات وانفعالات، وقد فقد هدوءه إنه عالم مشغول على كافة المستويات: على مستوى الدول والأمم والجماعات والأفراد فالدول مشغولة بالحروب والسياسات والانقسامات، وبالفتن والدسائس والتدابير. والجماعات مشغولة بالصراعات والتشاحن، وبالثقافات التي تتصادم وتتزاحم ولا تتلاحم. والأفراد أيضًا مشغولون بالمشاكل الأسرية والمشاكل الاقتصادية، وبالصراع في ميادين الدراسة والوظائف والعلاقات الاجتماعية ووسط كل ذلك يقل العمل الروحي أو يضعف ويفتر، وتختفي العلاقة مع الله، ولا يفكر أحد تفكيرًا جديًا في مصيره الأبدي ولا في الاستعداد له. وإن قام للصلاة يكون ذلك بأسلوب شكلي روتيني لا روح فيه، حتى أن الله يقول كما قال عن اليهود في وقت ما "هذا الشعب يعبدني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" ويقف الشيطان مبتهجًا بمشغولية الناس، ما دامت هذه المشغولية تنسيهم أنفسهم، وتنسيهم إلههم، ولا تعطيهم فرصة للتأمل فيما هو لازم لحياتهم الأخرى، ولا تعطيهم فرصة للتأمل ولمحاسبة أنفسهم. وإن وجدوا وقتًا للهدوء يشغلهم بعمل إضافي، أو بدراسة معينة، أو بألوان من اللهو والتسلية والمتعة، أو يبحث عن مزيد من الرزق المادي. والمهم في كل ذلك أنهم لا يجدون وقتًا يتفرغون فيه لله خالقهم. مقنعًا أن تلك المشغوليات لازمة لهم اجتماعيًا أو ثقافيًا أو ماديًا لصلاح حالهم!! وإن اهتم شخص بالنواحي الدينية، يدخل معه الشيطان أيضًا في هذا المجال. فإما أن يحوّل له الدين إلى صراعات فكرية والى مجالات وفلسفة، أو يحوّل مسيرة تدينه إلى نزاع مع الذين يختلفون معه في المذاهب. أو يكتفي بأن يجعله يهتم بإلقاء دراسات أو محاضرات عن السلوك البار دون السير فيه. وهكذا يشبه لافتات الطريق التي توضح الطريق دون أن تسلك فيه، أو هو يشبه أجراس المعابد التي تدعو الناس إلى دخول المعبد دون أن تدخل هي فيه!! ويصبح التدين كلامًا، ولا يصير ممارسة أو حياة!!لا تظنوا أن الشيطان يغرى كل الناس بالخطيئة لكي يبعدهم عن الله... كلا، فإنه يفتن في طرق عديدة لإبعادهم. المهم عنده أن فكرهم لا يكون مع الله، ولا قلبهم أيضًا فهو يشغل البعض بالمال وكأنه الوسيلة الوحيدة لسعادته، ويشغل البعض الآخر بالمناصب والألقاب، فيسعى إليها بكل جهده ليشبع بها رغباته. كما أنه قد يشغل آخرين بالعلم أو بالسياسة، فيركزون في ذلك كل آمالهم. وهو يضخمّ قيمة المشغولية التي يحارب بها كل أحد لكي لا يتبقى له وقت يهدأ فيه إلى نفسه، ويفكر في الله وفي الحياة الأخرى والاستعداد لها وتصبح المشغولية لونًا من التخدير، يتوه به الإنسان عن نفسه، فلا يرى شيئًا مهما وذا قيمة سوى هذه المشغولية! أما حياته الروحية وصفاء قلبه ونقاوته، فلا يحسب لشيء من هذه حسابًا!!والشيطان -في كل ذلك- لا يكتفي بمشغولياتك الحالية، بل يحاول أن يضيف إليها مشغوليات أخرى، لكي ترتبك ويلهيك عن نفسك. وهو مستعد أن يقدم لك في كل يوم عروضًا ربما تكون سخية تغريك لكي تقدم لها أنت المزيد من وقتك واهتمامك وعاطفتك. وهكذا تعيش في جحيم الرغبات والمشغوليات التي تشعل مشاعرك وتشغلك والعجيب في كل ذلك والمؤلم أيضًا، انك لا تشعر بأنك قد أخطأت في شيء. وتقول لنفسك: أنا لم أكسر أية وصية من وصايا الله لا وقعت في الزنا أو النجاسة أو السرقة أو القتل وما شابه ذلك. أنا إنسان أعمل عملي بكل إخلاص وأتفرغ له... حقًا انك كذلك، ولكنك لم تعط من حياتك وقتًا لله ليكن الله يا أخي في مقدمة مشغولياتك، إن لم يكن هو شاغلك الوحيد. فعملك الروحي وصلتك بالله، ينبغي أن تكون باستمرار في مقدمة مشغولياتك وفي توزيع وقتك. واجعل خلاص نفسك في المقام الأول، ثم رتّب باقي مسئولياتك حسبما تكون أهميتها. وضع نصب عينيك باستمرار تلك العبارة الخالدة: "ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه..؟!"إن خسرت نفسك، ماذا يكون لك عوضًا عنها؟ وكل الذين ماتوا وتركوا هذا العالم، ماذا نفعتهم مشغولياتهم؟! ولما تركوا تلك المشغوليات بموتهم، هل ارتبك العالم، أم بقى كما هو بدونهم؟!. نصيحتي لك: ابدأ يومك بالله في كل صباح، قبل أية مشغولية أخرى. ونظّم وقتك بحيث لا تطغى أية مشغولية على الوقت الذي تقضيه مع الله. ولا تخرج من منزلك قبل أن تقوم بكل واجباتك الروحية. ولا تسمح لشيء أن يتفوق على روحياتك مهما كانت الأسباب أو الإغراءات، ومهما حوربت بقيمة وأهمية تلك المعطلات... ولا يصح أن تضحى بعلاقتك مع الله من أجل أي شيء أو أي شخص أيًا كان. وضع حياتك الروحية قبل كل المشغوليات، سواء من جهة الوقت أو جهة الأهمية واعلم أنك دائمًا تصرّف حياتك، حسب قيمة كل شيء في نظرك. وليس هناك شيء أكثر أهمية من مصيرك الأبدي، لأن كل شيء زائل، إلا البر والخير والعلاقة الطيبة مع الله وثق أن الله سيبارك كل وقت، إن أعطيت الباكورة له. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
15 سبتمبر 2020

من أين يأتي الشهداء بالقوة في مواجهة الموت؟

يرى الكثيرون أن مواجهة العذابات والموت هو أمر يفوق طاقة البشر، ويخشى الكثيرون من تلك المواجهة خوفًا من أن يضعفوا أو يخوروا أو ينكروا. ومن الصلوات التي نردّدها كثيرًا في ليتورجيات الكنيسة: "ثّبتنا على الإيمان الأرثوذكسي إلى النفس الأخير"، وهي شهوة قلب كل أحد أن يموت على إيمانه. ونرى أن الشخص ذاته الذي يحاربه الشيطان ويحارب ذويه بالخوف، هو نفسه يكتسب قوة غير عادية من الله في تلك الساعة. وقد وعد السيد المسيح قائلًا: «فمَتَى ساقوكُمْ ليُسَلِّموكُمْ، فلا تعتَنوا مِنْ قَبلُ بما تتَكلَّمونَ ولا تهتَمّوا، بل مَهما أُعطيتُمْ في تِلكَ السّاعَةِ فبذلكَ تكلَّموا. لأنْ لَستُمْ أنتُمُ المُتَكلِّمينَ بل الرّوحُ القُدُسُ» (مرقس13: 11). إن الاستشهاد هو عمل من أعمال الروح القدس، لا يستطيع شخص ما أن يُقبِل على الموت ما لم يعطه الروح القدس. وفي جنازات الشهداء الأخيرة، كان الناس يبكون وينوحون مثلما كانت مريم ومرثا (يوحنا11: 31)، وأهل طابيثا (أعمال9: 39)، والكثيرين الذين بكوا الآباء والأنبياء عند موتهم ودفنهم، وكذلك نقول في الاحتفال بالقيامة (مديح Tennau في تسبحة نصف الليل): "أسرعت النسوة باكرًا جدًا إلى قبرك، حاملات الطيب ينُحنَ"؛ وقد تركناهم يعبّرون عن البُعد البشري، واحترمنا مشاعرهم وبكاءهم ونحيبهم، ولم يطلب من أحد منهم أن يكفّوا عن البكاء. ولكن ما أن جاء موعد تلاوة قانون الإيمان حتى اختفت في لحظة تلك المظاهر البشرية، ليتحول الحزانى الباكون إلى جبابرة يعلنون إيمانهم بقوّة كالأسود، قوّة رجّت أركان المنطقة المحيطة وليس الكنيسة فقط! فنحن كبشر ضعفاء، ولكن كمؤمنين أقوياء. وكأني بالمصلين المشيِّعين يقولون: تلك عواطفنا وهذا إيماننا. ذكّرني ذلك بالشهيدة فيليستاس (رفيقة الشهيدة بربتوا) وكانت ما تزال موعوظة مقبلة على سر العماد، فلما قبضوا عليها وساقوها إلى موضع المحاكمة جاءتها آلام الوضع إذ كانت حبلى، فسخر منها الجنود قائلين: "ها أنت تتألمين من المخاض، فكيف ستحتملين التعذيب والموت؟!"، فأجابت بشجاعة إن هذه الآلام هي آلام بشرية والعمل البشري، وأمّا تلك فسوف يعينني الله فيها لأنه عمل إلهي: "إني أتألم الآن، أمّا غدًا فيتألم عني آخر هو سيدي يسوع المسيح. اليوم القوة الطبيعية تقاوم الطبيعة، وفي الغد تنتصر فيّ النعمة الإلهية على أشد ما أعددتم لي من التعذيب"، فهي كإنسانة تتألم، وكمسيحية تتحول إلى عملاقة. إن المسيح نفسه تألم بالجسد، وصبر على العذاب والموت. وفي الحادث الأخير اكتملت كافة أركان الشهادة، إذ سألوهم عن هويتهم الدينية ثم طلبوا منهم التخلي عن إيمانهم، فلما رفضوا قتلوهم، وبالتالي ماتوا على الإيمان، وهذا هو الجديد في الحاث الأخير مقارنة بحوادث أخرى، حيث لم تكن ثَمّة فرصة لمحاورة كل من بالكنيسة لسؤال الشهداء قبل قتلهم، فاكتفوا بأنهم مسيحيون يصلّون داخل الكنيسة وقتلوهم، وفي هذا ردٌّ على الذين يدّعون أن القتلى ليسو شهداء لأنه لم تتم مناقشتهم وإعطاؤهم الفرصة لينكروا، فينجوا بذلك من الموت. وفيما يتساءل بعض من ذوي الشهداء بخصوص بعض الضعفات للشهداء خلال حياتهم بالجسد، نقول إنه لا يوجد عبد بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض، ولو كان تائبًا معترفًا منذ ساعات. كما أن العديد من الشهداء في العصور الأولى كانوا وثنيين حتى لحظة استشهادهم، حين أعلنوا إيمانهم بشكل مفاجئ فأمر الوالي بقتلهم على الفور. وفي ضمير الكنيسة أن الاستشهاد معمودية، والمعمودية غفران لجميع الخطايا السابقة، ولا يوجد أعظم من أن يموت إنسان عن المسيح، فهو يظهر بذلك أيّة محبة لله في قلبه. إن الحياة ستنقضي مهما عاش الإنسان حتى ولو عاش عمر متوشالح (969 سنة) ولكن المهم هو مصيره الأبدي، لأن هذه الحياة مهما طالت فهي كنقطة ماء بالنسبة لبحر إذا ما قيست بالحياة الأبدية. وعن المعاناة في موتهم، فهي بلا شك أهون كثيرًا من معاناة شهور وسنين تحت وطأة الأمراض والجراحات والتنقل بين المستشفيات، وقد سمعت بنفسي من بعض المصابين أنهم في حالتهم هذه ورغم شكرهم لله لنجاتهم، ألّا أنهم يتمنّون لو كانوا قد انضموا إلى الشهداء الذين كانوا معهم في اليوم ذاته. قالت أم لابنتها أول أمس: إذا قابلكِ شخص وسألكِ عن ديانتكِ فلا تخفي بل أعلني أنك مسيحية، وإذا طلب منك أن تنكري المسيح فارفضي بشدة وتمسكي بإيمانك، ويمكن أن تشعري وقتها بضربة خفيفة بعدها تكونين في السماء مع بابا يسوع والملائكة وأطفال كثيرين. علينا أن نمارس حياتنا بشكل طبيعي في العمل والأسرة والخدمة، ولا نكرس كل الوقت والفكر في انتظار حادث جديد قد نُقتَل فيه، بل «إنْ عِشنا فللرَّبِّ نَعيشُ، وإنْ مُتنا فللرَّبِّ نَموتُ. فإنْ عِشنا وإنْ مُتنا فللرَّبِّ نَحنُ» (رومية14: 8). فخورون بهم. وفخورون بكم، ولا سيما الأمهات اللاتي ربَّينَ هؤلاء الشهداء على الإيمان المستقيم. وفخورون بالآباء الكهنة والخدام والخادمات الذين تعبوا في خدمتهم فكان هذا الثمر. ومثلما نسكب دموعنا ألمًا لفراقهم، نصلي إلى الله أن يسكب العزاء والهدوء والطمأنينة في قلوب الجميع.«مَنْ سيَفصِلُنا عن مَحَبَّةِ المَسيحِ؟ أشِدَّةٌ أم ضيقٌ أمِ اضطِهادٌ أم جوعٌ أم عُريٌ أم خَطَرٌ أم سيفٌ؟ كما هو مَكتوبٌ: «إنَّنا مِنْ أجلِكَ نُماتُ كُلَّ النَّهارِ. قد حُسِبنا مِثلَ غَنَمٍ للذَّبحِ». ولكننا في هذِهِ جميعِها يَعظُمُ انتِصارُنا بالّذي أحَبَّنا. فإنّي مُتَيَقِّنٌ أنَّهُ لا موتَ ولا حياةَ، ولا مَلائكَةَ ولا رؤَساءَ ولا قوّاتِ، ولا أُمورَ حاضِرَةً ولا مُستَقبَلَةً، ولا عُلوَ ولا عُمقَ، ولا خَليقَةَ أُخرَى، تقدِرُ أنْ تفصِلَنا عن مَحَبَّةِ اللهِ الّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا.» (رومية8: 35-39). نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس الاسقف العام المنيا وأبوقرقاص
المزيد
14 سبتمبر 2020

عائلة الله عبر التاريخ

عائلة الله عبر التاريخ لم يقف الشيطان الذي واجه السيِّد المسيح على جبل التجربة، مكتوف الأيدي أمام امتداد الكنيسة شرقًا وغربًا، فَرَاحَ يشِن عليها موجات من الاِضطهادات والمُقاومة، فحرَّك رئيس هذا العالم الملوك والأباطرة ضدهاوسجَّل سِفر أعمال الروح القدس (الإبركسيس``Pra[ic ) ما تعرَّضت له الكنيسة من أتعاب ”وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة“ (أع 8: 1).وأيضًا ”في ذلك الوقت مدَّ هيرودس الملك يديهِ ليُسِئ إلى أُناسٍ من الكنيسة فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف... وعاد فقبض على بطرس أيضًا... ولمَّا أمسكهُ وضعهُ في السجن“ (أع 12: 1-4).وتوالت الاضطهادات في عصر الدولة الرومانية من القرن الرابع الميلادي، أيام الأباطرة: نيرون (سنة 64 م)، تراجان (106 م)، وكان أشدها هولًا اضطهاد دقلديانوس (284 م)، وقيل أنَّ عدد الذين استُشهِدوا في عصره بلغ (144 ألفًا). وقال آخرون أنه (800 ألف)، ولكن بالرغم من أهوال الاضطهادات، ظلَّت كنيسة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا (أع 6: 7).لأننا إذ نصير مسيحيين، نرى مجد الآلام التي بها نتشبه بموته، لذلك استشهد القديسون عبر التاريخ اِختياريًا.وتميزت أسماء المسيحيين في القرون الأولى بأنهم التلاميذ، المؤمنون، المُختارون، القديسون.. وثمة أمر هام ينبغي أن نُشير إليه ألا وهو أنَّ الاسم علامة من العلامات الأساسية للشخصية، ولذلك سجل يوسابيوس القيصري أنَّ الشهيد سانكتوس Sanctus وهو شماس من كنيسة ڤيينا عندما سُئِل عن بلده واسمه، وهل هو عبد أم حُر، أجاب إجابة واحدة ”أنا مسيحي“ (ك 5: 1)، وسجل ذهبي الفم نفس الإجابة على نفس الأسئلة التي وُجِّهت إلى الشهيد لوقيانوس (عظة 46 في مدح الشهيد لوقيانوس: 2 – 6)، وهؤلاء الشهداء هم أهل العقيدة dogma الذين حفظوا وديعة الإيمان بالدم الذين ذهبوا إلى العالم أجمع وكرزوا بإنجيل الملكوت للخليقة كلها الذين دعوا العالم كله إلى شخص المسيح ابن الله الوحيد، الراعي والفادي والمُخلِّص، الذي ليس بأحد غيرهِ الخلاص، حيث ملكوت النور والفرح الأبدي الذي ليس من هذا العالم وهكذا تحالفت قُوى الشر مُجتمعة ضد المسيح والمسيحيين. فوقفت ضد الكنيسة، وتمت نبوة المُرنم ”قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه“، فماذا كانت النتيجة؟ ”الساكن في السموات يضحك بهم“ (مز 2). اضطهاد الوثنية للكنيسة المسيحية ما أعجب هذه الكنيسة الفتية!! فبعد كل هذا الذي تحملته، بقيت راسخة على مدى الدهور!! ما أكثر وأعتى العواصِف والتجارب التي حاولت أن تعصِف بها، لكنها في كثرِتها وعُنفوانها شهدت لاسم الله في الكنيسة من جيل وإلى جيل وحتى الآن، لصِدق نبوة المسيح مَلِكنا وربنا ورب الجميع، الذي وعدنا ”أنَّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها“ لقد مرت الكنيسة في عصور الاستشهاد بعشرة حلقات من الاِضطهاد وخرجت منها قوية مُرهبة كجيش بألوية، وقد اعتاد المؤرخون والكُّتاب المسيحيون منذ القرن الخامِس الميلادي تقدير الاضطهادات بعشرة أحقاب على مدى حوالي المائتين والخمسين عامًا خرجت منها الكنيسة وأبواب الجحيم حقًا لم تستطِع أن تقوى عليها ومن كثرِة المُعاناة التي تحمَّلها المؤمنون، كانت الكنائِس تُشيَّد على دِماء الشهداء (الجماعة الحيَّة)، واحتفظ لنا القديس چيروم باسم جميل لمبنى الكنيسة وهو (مجمع الشهداء) أو Conciliabula Martyrum.ويقول لكتانتيوس في دِفاعه عن المسيحية أنه في زمان اضطهاد دقلديانوس كان الوثنيون قد قرروا ”سفك دم المسيحيين حتى أنهم في فريچيا أحرقوا جماعة كاملة في الكنيسة حيث اعتادوا أن يجتمعوا“، ويسجِل أرنوبيوس نفس الكلام في دِفاعه ويقول ”لماذا تحرِق كُتبنا المُقدسة في النار؟ لماذا تُهدم كنائِسنا وتُحرق؟“. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج عن كتاب الاستشهاد في فكر الآباء
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل