المقالات

01 سبتمبر 2020

كما يشتاق الإيل (مزمور 42)

المزمــــــــــــور الثاني والأربعون هو أحد المزامير المعزية التي لا نكرّرها في صلوات الأجبية اليومية، لكنه مزمـــــــــور تحمل كلماته لنا الكثير من التعزيات وقت الضيق والآلام. ففي الآلام هناك من تصغر نفسه ويكتئب، وهناك من تقوده الآلام إلى شوق أكثر إلى الله!!!والإيل نوع من الغزلان تتميز بعدوها السريع، وبشوقها الدائم وبحثها الناجح عن أماكن المياه، وأيضًا يميزها نجاحها الدائم في مواجهة الأفاعي والتغلُّب عليها. فالإيل يستطيع أن يعدو بسرعة ويهاجم الأفاعي ويقتلها، وهذا يتركه في عرق وعطش، فيعدو بسرعة إلى أماكن المياه (والماء في الكتاب المقدس هو إشارة للروح القدس الذي قال عنه الرب يسوع: «من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 38)). أخيرًا يميّز الإيل أنها تتحرك في جماعات مستندة على بعضها البعض، كعلامة حب واحتمال للأخوة، فكل فرد في الجماعة يهتم بسلامة إخوته لكيما يعبروا الطريق معا!والمزمور يمثل شوق الإنسان إلى الله –رغم كل الآلام- بشوق الإيل إلى جداول المياه.كما يَشتاقُ الإيَّلُ إلَى جَداوِلِ المياهِ، هكذا تشتاقُ نَفسي إلَيكَ يا اللهُ. عَطِشَتْ نَفسي إلَى اللهِ، إلَى الإلهِ الحَيِّ: فالإنسان يقابل في حياته العديد من الأفاعي وهي تمثل حروب الشياطين، وهي على أنواع شتى، بعضها شر ظاهر وبعضها ذات بريق ملفت، لكن الإنسان الروحي لا ينخدع أبدًا بنعومة ملمس الأفاعي ولا بجمال شكلها، ولا يخشى الآلام التي تسبّبها له هذه الحروب، لكنها يواجهها ويهزمها جميعًا، ولا تزيده هذه الحروب والآلام إلّا شوقًا إلـــــــــــى الـــــــــرب وفرحًا به. مَتَى أجيءُ وأتَراءَى قُدّامَ اللهِ؟: وهذا هو شوق الإنسان الروحي، إنه يشتاق إلى أيّ وقت يصلي فيه، أو يخدم الآخرين، أو يسأل عن إخوته، فهذه كلها هي عمل للوجود في محضر الله. فالآلام لا تزيد المسيحي سوى شوق إلى الله ومحبة لإخوته!!! صارَتْ لي دُموعي خُبزًا نهارًا وليلًا: والخبز مهما كان يابسًا فهو موضوع شبع لصاحبه، فالإنسان المتمتّع بتعزيات الله تتحول ضيقات النهار -مهما كانت- إلى موضوع تعزيات ليلًا، إذ يضعها بدموع أمام الله في الصلاة، فالإنسان الروحي تتحول علاقته بالرب إلى علاقة شوق واختبار، فهو لا يعتبر صلواته واجبًا ثقيلًا عليه، بل يشتاق أن يجلس إلى الله وتكون آلام النهار خبز للليل، وما يصنعه معه الرب نهارًا يكون تعزية له ليلًا.إذ قيلَ لي كُلَّ يومٍ: «أين إلهُكَ؟»: وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، إذ يعيّرنا البشر: هذا هو إلهكم يترككم للآلام! لكن من يتأثر بكلام الناس لا يمكنه أن يحوِّل آلام النهار إلى تعزبة.هذِهِ أذكُرُها فأسكُبُ نَفسي علَيَّ: هذا هو رد فعل الإنسان الروحي تجاه الآلام وتعييرات الآخرين. أنا أتذكر تعيير العدو (الشيطان) لي، ولا أدع آلامي تلهيني، ولا تجعلني أتذمّر على الرب، بل أتخلّى عن ذاتي، ولا تصير نفسي ثمينة عندي، ولا أترك محبتي لذاتي تجعلني أضطرب، بل أتذكر ضعفاتي وخطاياي، وأقول لنفسي إنني مستحق للآلام، وأقدم توبة عن كل ضعفاتي، فتتحول آلامي إلى سبب للقائي مـــــــع الـــــــــــــــرب والتعزية به. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
31 أغسطس 2020

العاطفة والإعجاب

الإعجاب..! حيرة شاب... " إني معجب بها من أول مرة رأيتها، وأشعر نحوها بعاطفة رقيقة، وأودّ لو أرتبط بها مستقبلا... وكنّي لست أدري: هل هي مرتبطة بشخص آخر؟ أود لو كانت هي أيضاً تبادلني نفس المشاعر... ولكن كيف أتأكد من ذلك؟ لماذا لا اسألها غداً بعد انتهاء المحاضرة..؟ّ " وقلق شابة... " إنه حقاً شخصية جذّابة، فلم يحدث من قبل أن شُغِلتُ بشاب مثلما شُغِلتُ به، ولم يسبق لي أن جذب أحد انتباهي، أو استأثر بتفكيري مثلما فعل هو... حقاً إنه يكبرني سنّاً، ولكن ما المانع من أن أتزوج أستاذي في الجامعة؟ لقد حدث ذلك مع كثيرات غيري... ولكنني –للأسف- غير متأكدة من أنه يشاركني نفس المشاعر، حقاً إنه يعرف اسمي ولكن لا أظن أن هذا يكفي..! إني في حيرة من أمري...!!" كثيرا ما يحدث انجذاب إلى شخص من الجنس الآخر، وقد لا يكون انجذاباً من النوع الحسّي، إذ كثيراً ما ينجذب الفرد إلى شخصية الآخر، حيث يُعجَب بأسلوبه في التفكير والحديث ومعالجة الأمور، أو قد يُعجب برد فعله في موقف ما، أو قد يكون الإعجاب مزيجا من الانجذاب العقلي والعاطفي والجسدي بآن واحد. حاول تقييم إعجابك: ينبغي هنا أن ننظر إلى الأمر من الوجهة الإنسانية، ثم من وجهة النظر الروحية، وليجلس كل شاب وشابة مع نفسه، للإجابة على التساؤلات التالية: التقييم الإنساني للتعلق العاطفي: • لماذا أعجبت به (بها) بالذات ؟ • في أي مرحلة أنت من مراحل النمو النفسي والاجتماعي ؟ • ما هدف هذا الإعجاب في رأيك؟ وماذا أنت مُزمِع أن تفعل إن وجدت هذا الإعجاب مُتبادلاً ؟ • على أي مقياس بَنيتَ إعجابك؟ هل على المقياس العقلي أم على المقياس العاطفي؟ • هل تهدف إلى مزيد من توطيد العلاقة؟ وماذا سيكون في نظرك شكل العلاقة؟ • هل تفكّر في الصداقة أم في الارتباط؟ وإلى أي مدى أنت مستعد للزواج؟ • هل تعرف أبعاد علاقة الصداقة وإمكانية تطورها إلى أمور أخرى ؟ • هل ترى أن هذا الشخص يصلُح شريكا لحياتك؟ وهل تظن أن الاختيار للزواج يتم بمثل هذه السرعة؟ • ألست معي في أن الإبطاء في الاختيار يوسِّع مجال الاختيار، ويعطي فرصة أكبر لاختيار الشخص المناسب؟ • هل تعرف طباع هذا الشخص وإمكانية توافُقه معك، أم ما زلتَ منبهراً به دون الدخول إلى عمقه؟ التقييم الروحي للتعلق العاطفي: • ما موقفك من الجنس بوجه عام؟ ، ما نوع نظرتك إلى الجنس الآخر؟ • ماذا يُرضيك في الجنس الآخر؟ وعن أي شيء تبحث وأنت تتعامل مع الجنس الآخر؟ • لماذا لا تكون علاقاتك بالجنس الآخر علاقة عادية، حتى لا تَحِدّ من انطلاق قدراتك النفسية والروحية؟ لماذا لا تستفيد من تعامُلك بتلقائية مع الجنس الآخر لتنمية شخصيتك؟ • أين أنت من الله؟ هل بدأت الطريق الروحي؟.. إن الدخول في علاقة عاطفية قبل بداية الحياة الروحية يجعل تقييم الأمر مختلفاً تماماً.. • هل حدّدت أهدافك في الحياة؟ وهل تغيّرت هذه الأهداف لتصير أهدافاً روحية؟ • هل تعتقد أن الله يدبّر كل حياتك؟ وأن اختيار الشريك المناسب يهم الله وأنه يهتم به جداً؟ • هل تؤمن بتسليم الأمر لإرادة الله لكي يختار لك شريك الحياة، حيث أن هذا الأمر روحي لا جسدي، لأنه سوف يؤثر على الحياة الروحية تأثيرا إيجابياً أو سلبياً؟؟. • هل تضمن عدم تغيّرك أو تغيّر الطرف الآخر؟.. استمع إلى خبرات السنين من أناس بدءوا بالتعلق العاطفي بلا وعي، ثم اندفعوا نحو الزواج دون تعقّل. الإعجاب وأحلام اليقظة: من المفيد لنا كشباب، أن نضع حدّاً فاصلاً بين الحقيقة والخيال، كما ينبغي أن يكون تفكيرنا موضوعياً واقعياً دون أن نسترسل في أحلام اليقظة... " أنا معجب بها، وارسم أحلاماً وخيالات حولها، وأرتّب أحداثاً على أحداث... فقد خطبتها، وخرجنا معاً في نزهة رائعة.. وقد تزوجنا وعشنا معاً في بيتنا البهيج، وقد...، وقد...، وإذا بي أجد نفسي وقد عُدتُ إلى الواقع، وإذا بأحلامي تتبخّر.. لقد رأيتها مرة واحدة في إحدى الرحلات، ولا أعرف سوى اسمها..!!". إننا كثيراً ما نحاول أن نهرب من الحقيقة، ولا نريد أن نواجه الواقع، وبدلاً من ذلك نحاول أن نفتح مجالاً نستمتع فيه بتحقيق رغباتنا، ولو بصورة وهمية. وكثيرا ما نجد حالات تعلّق عاطفي من طرف واحد، حيث يفسَّر الشاب مثلاً تصرفات الفتاة تفسيراً يخدم رغباته الخاصة..فإذا ابتسمت، يتّخذ من ذلك دليلاً على أنها متعلّقة به عاطفياً..! وإذا سألته عن محاضرة سابقة يعتبر أنها تريد أن تُوجد مَداخل للحديث معه..! فإذا به يتعامل معها على هذا الأساس..!. الإعجاب بين الواقع والخيال: إنه لأمر طبيعي أن يُعجب الفرد بآخر من غير جنسه، فالميل الجنسي الهادف إلى التكامل مِنْحة وهبها الله لطبيعتنا البشرية حتى يمكن من خلالها أن يتحقّق بين الشاب والشابة الاستحسان المتبادل، ثم الإعجاب المتبادل، فالاقتناع العقلي، ومن ثم نشوء الحب اللازم للاختيار الزوجي والذي يدعّمه مزيد من التفاهم بين الشريكين. ولكن يمكن أن تتحرك الأحداث في غير إطارها الإنساني والروحي السليم.. فقد يبدأ الفرد بالإعجاب ثم تطغى العاطفة على العقل، فيرى الواحد فيمن يُعجَب به ملاكاً بلا أخطاء، ويراه في غاية الجمال واللطف، ومُنزّهاً عن العيب. بالطبع لا يوجد ذلك الإنسان الكامل الذي هو ( هي ) في غاية كل صفة من الصفات الإنسانية إلا في نظر شخص يُقيّم الأمور مدفوعاً بالعاطفة المتأجّجة التي تتجاهل كل الأخطاء والعيوب..!. وحينما تشتعل العاطفة فلن يسأل الفرد عن مدى التناسب فيما بينهما، وتتصاعد الرغبة في الارتباط " بالآخر" بأي شكل من الأشكال، سواء كان مناسباً لظروفهما الاجتماعية والعائلية والاقتصادية أم غير مناسب، وقد يتغاضى الفرد عن كل الاعتراضات، ويُسهِّل كل العقبات، متطلّعاً بشغف لأن " يحصل " على " الآخر" دون أن يدرك من "الآخر" سوى القشرة الخارجية، فلا يحاول الدخول إلى أعماقه.. وماذا تكون النتيجة؟. النتيجة علاقة عاطفية قد تؤدّي إلى زواج غير متناسب، بعده يستيقظ كلا الشريكين من نومهما العميق، حينما تتصادم الإرادتان، وتتنافر الرغبات، وتختلف الآراء، ويبدأ الصراع والتجريح..!. أين كان العقل وأنتما هائمان بالعاطفة العمياء كلّ نحو الآخر؟.. وهل الزواج مجرد عاطفة وجسد؟ أم هو كائنان عاقلان متوافقان متناسبان متناغمان، يعزفان معاً لحناً واحداً بلا نشاز؟ وهل يتوافق بعد الزواج من لم يتأكّدا من انسجام طباعهما قبل الزواج ؟ وهل تكفي العاطفة المشتعلة وحدها لتكوين كيان زوجي ناجح؟؟. العاطفة وحدها تخدع الفرد حتى ليظن أن من أعجب به، ربما من النظرة الأولى، يصلح شريك حياة، وربما يظن أن كلاّ منهما قد خُلق لأجل الآخر..! إعجاب ومجازفة! كم من شباب أضاعوا أوقاتاً مهمة من عمرهم من أجل تعلّق زائف غير واقعي من طرف واحد.. وكم من شباب اندمجوا في علاقات متبادلة مع الجنس الآخر، أضاعوا فيها سنوات كان يمكن الاستفادة بها في أداء أعمال مفيدة، ولم ينفع الندم بعد أن اكتشف كلّ منهما أن الآخر لم يكن يصلح له شريكاً، وأن علاقتهما كانت تحدياً للعقل والواقع، وإهداراً لحياتهما الروحية. إن فترة الشباب هي أغنى أوقات العمر إذا استثمرها الفرد في التحرك نحو النضج العقلي والعاطفي والاجتماعي والروحي.. لكن – للأسف – يوجد شباب كثيرون أصابهم القلق والتوتّر العصبي، والأرق ( قلة النوم )، وفقدان شهية الطعام من شدّة الحيرة بسبب رغبات لم تتحقّق، مما يؤدي أحياناً إلى الفشل الدراسي. لكن يوجد شباب لم يفشلوا دراسياً ولكنهم بسبب التعلّق الشديد بشخص من الجنس الآخر، تعطّل نموهم النفسي لأنهم بدلاً من أن يستفيدوا بتلك المرحلة الجوهرية من حياتهم في الانفتاح على مجالات الحياة المختلفة، والنمو العقلي بالثقافة البنّاءة، والنمو العاطفي بالتفاعل مع الآخرين بلا تخصيص ولا تركيز على شخص محدّد.. بدلاً من كل ذلك حاصروا أنفسهم بعواطف متقلّبة شاردة، وركّزوا عقولهم في البحث عن إرضاء الدوافع الأنانية، وهكذا تحوّلت العاطفة عندهم إلى ميل نحو الامتلاك، امتلاك الشخص الآخر والحصول عليه إرضاءً للكرامة الشخصية: " كيف تستعصي علىَّ هذه الفتاة؟ هذه أول مرة تهزمني فتاة..!! " ولا يخفي علينا خطورة هذا الاتجاه السلبي المنحرف على الزواج مستقبلاً، حيث تصبح النظرة إلى شريك الحياة نظرة نفعية حسّية متدنّية. الإعجاب الإيجابي: من خلال حياتنا اليومية سواء في الدراسة أو العمل أو الرحلات... إلخ، يمكن أن يلتقي الشاب والشابة، وهو أمر طبيعي وعادي، ويمكن أن يلفت أحدهما نظر الآخر بشخصيته المتميزة، وهذا أيضاً أمر طبيعي وعادي، ولكن ينبغي أن نضع في الاعتبار الحقائق المهمّة التالية: 1- ليس معنى الإعجاب بشخص من الجنس الآخر أن أحاول أن تكون لي علاقة خاصة معه، تمهيداً للارتباط به!.. لماذا لا يستمر الإعجاب إعجاباً دون أن يرتبط بمعانٍ عاطفية؟!. ينبغي ألاّ ننسى أن هناك شخصيات لها جاذبية عامة، أي تتمتّع بقدرة عالية على جذب انتباه كل من يتعامل معها.. فهل يفكر كل من يلتقي بمثل هذه الشخصيات أن يرتبط بها عاطفياً..؟! أليس هذا نوعاً من تحويل الأشخاص في نظرنا إلى أشياء نمتلكها ونحتفظ بها..؟!. 2- ليس معنى إعجابي بشخص أن يُعجَب هو بي بالضرورة..!، ألا يُعتَبر هذا تفكيرا أنانياً، ليس فيه احترام لحرية " الآخر " الذي من حقه أن يُعجَب أو لا يُعجَب ؟.. إنني كثيراً ما أفترض أو أتوهّم أني نِلتُ إعجابه حتى أبرّر لنفسي الخطوة التالية، أي تكوين علاقة معه. 3- لا مانع من أن أعجب بالآخرين، فكل إنسان فيه من الصفات ما يستحق الإعجاب، ولكن المهم هو رد فعلي للإعجاب.. يوجد رد فعل إيجابي، حيث يمكن أن أستفيد من صفات الشخص الذي أعجب به.. كيف يمكن ذلك؟.. إن إعجابي بصفة معينة في شخص، معناه أن هذه الصفة تنقصني وأريد أن أكتسبها، مثل صفة اللباقة وفن الحديث إن كان ينقصني ذلك، أو الصبر وطول البال إذا كُنتُ شخصاً غضوبا، أو الاهتمام بالآخرين إذا كُنتُ شخصاً أنانياً... إلخ. من خلال التفاعُل مع الشخص الذي أعجب به أستطيع أن أكتسب بعض صفاته، ومن الناحية الأخرى يُمكنني أن أساهم في تجلّي وازدهار صفات الآخرين الذين أعجب بهم، من خلال التعارُف بهم والتعامل معهم. لكن يوجد رد فعل سلبي لإعجابي بشخص ما، هو أن أحاول امتلاك هذا الشخص من خلال تكوين علاقة خاصة معه..! مندفعاً وراء عاطفتي دون تعقّل..! الإعجاب الواعي: إن الإعجاب يُحرّك العاطفة فتتولّد منها مشاعر الحب نحو الشخص الذي نُعجَب به، وبالطبع ليس في الإعجاب شيء خاطىء ولكن يكمُن الخطأ في انحرافه من "الآخر" إلى "الذات".. فبدلاً من أن أقدّم المحبة "للآخر" بلا أغراض شخصية، أتقرّب إليه بحثاً عن فائدة، وكأني أريد امتلاكه.. من هنا تنشأ العلاقات العاطفية الخالية من الحب الحقيقي، والتي لا يُحرّكها سوى الرغبة في امتلاك "الآخر"، أي النظر إليه كجسد ( كشيء ) بدلاً من تقديره واحترام حريته كشخص له كيانه المتميز. ليس هناك إذن، خطأ في أن أعجب بالآخرين، ولكن ينبغي ألا يُترجَم إعجابي إلى عاطفة مندفعة غير متروّية، أيضاً ليس هناك خطأ في العاطفة بحد ذاتها، ولكن ينبغي أن تُراعِي العاطفة الجوانب الأخرى من حياة الإنسان، فلا يندفع الفرد في إعجابه اندفاعاً يؤدي به إلى علاقة سابقة لأوانها، لا تهدف إلى تكوين رابطة زوجية وإنما تستهدف التسلية وإضاعة الوقت. الإعجاب وقرار الارتباط: أخي الشاب – أختي الشابة.. لا تجعلا العاطفة تسيطر عليكما، فالأمر يتطلّب نوعاً من التعقّل والتفكير والاستكشاف، قبل اتخاذ قرار الارتباط، فليس كل لقاء سطحي مع فرد من الجنس الآخر يمكن أن يكون بادرة لكيان زوجي ناجح، وليس كل علاقة تعارُف بين الجنسين تنبىء بارتباط زوجي متناسب، فليس الأمر بهذه البساطة. بناء على ذلك فإن قرار الارتباط يتطلّب تَعقُّلاً، ولابد أن يستغرق وقتاً فيه يدر كلّ من الطرفين طباع الآخر من خلال التفاعُل المشترك في كافة المجالات والمواقف والتعاملات، ووسط مجتمع الأسرة والأصدقاء، حيث يكتشف كلّ منهما.. إنما للعقل دور فعّال يساند العاطفة تجاه الآخر في ظروفه الطبيعية. ولأن الزواج المسيحي غير قابل للانفصام، فينبغي إذن، ألاّ يقرّر الفرد فيه بمثل هذه السرعة، ولا يحكُم فيه من خلال العاطفة وحدها، ويأتي إرشاد الله للمؤمن كي ينير له الطريق. غير أنه لا يُشترط أن يأتي الزواج نتيجة قصة حب رومانسي، على طريقة أفلام السينما، إنما يُكتفَى مبدئياً بوجود الارتياح الداخلي، فليست العاطفة المُشتعِلة وحدها مقياساً دقيقاً لنجاح الحياة الزوجية. إن الخبرة علمتنا أن التعلّق العاطفي الأهوج، أمر يدمّر الحب، و يشتّت العقل، ويفسد على الشباب حياتهم.. فلتكن إذن، علاقات الشباب متّزنة عاقلة، وينبغي ألاّ نفكّر في الارتباط إلا في الوقت المناسب، فلا نستسلم إلى الفكر القائل: " سوف تضيع مني هذه الفتاة ( الشاب) إن أنا انتظرت حتى أنتهي من دراستي الجامعية! " إن الله لا يتخلّى عن أولاده، بل يبارك اختياراتهم، ويقود خطواتهم في الوقت المناسب.. فلنتّكل على الرب، عالمين أنه يهمه جداً أن يكون الارتباط الزيجي مقدساً ليصبح الزواج طريقاً للملكوت السمائي، وإلا صار الزواج مجرد شكل للحياة الأرضية يموت بموتنا.. إن الزواج المسيحي ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو طريق خلاص مشترك يسلك فيه الزوجان في اتجاه الحياة الأبدية. إن المحبة المسيحية تدفع بالمؤمن كي يقدم قلبه وعاطفته للرب يسوع، بطاعة وخضوع لإرشاد روح الله، وبذلك تتقدّس العاطفة، فتَصدُر منها مشاعر المحبة والعطاء.. محبة " لا تطلب ما لنفسها " ( 1كورنثوس 13: 5 ).. وهكذا تتقدس المشاعر، وتتنقّى النظرة، ويرتقي الإعجاب فوق مستوى النفّعية والحسّ.فلنقدّم عواطفنا للرب يسوع كي يقدّسها، ويرتقي بمشاعرنا وانفعالاتنا ورغباتنا ويستخدمها لمجد اسمه القدوس.
المزيد
30 أغسطس 2020

الخادم وزمن الكورونا 1

بلا شك أنه في هذه الفترة تواجة الخدمة صعوبات كثيرة نظرًا لظروف مواجهة العالم لفيروس كورونا، مما أنشأ احتياجات مختلفة وغير تقليدية نحتاجها حاليًا للخدمة. ونحن نؤمن أنه طالما توافرت الغيرة والأمانة والمحبة، أنشأت معها الوسائل التي تخدم الهدف، حيث تتنوع الوسائل ويبقي الهدف واحدًا وهو خلاص كل أحد ومعرفة المسيح والامتلاء بالروح القدس، ولنتبع منهج معلمنا بولس الرسول حين قال: «صرتُ للكل كل شيء لأربح على كل حال قومًا».وحين نخضع لعمل الله، سيؤهّلنا ويعلّمنا الوسائل التي تمجد اسمه القدوس، فهو الذى يرسل ويهب المواهب ويعلم اللغات ويمنح الإمكانيات ويفتح الأبواب ويسد الاحتياجات.لذلك وجب علينا كخدام أن نصلي كثيرًا ليرشدنا الله إلى وسائل تناسب الظروف الحالية، فصار علينا مسئولية مضاعفة: كيف ننقل لأولادنا المخدومين الكنيسة والإنجيل وكل ما كنا نقدمه في خدمات التربية الكنسية، بشكل تفاعلي جذّاب؟ وإلا ما سبق وزرعناه في سنين كثيرة بتعب وشقاء يسرقه العدو ونحن نيام وبالتأكيد مجرد الوجود داخل الكنيسة له تأثير خاص لمسناه وتذوقناه ولا بديل عنه، ولكننا نواجه واقعًا وتحديًا لم يقتصر على بلادنا فقط، بل بلغ حوالى ثلاثمائة دولة في العالم.وهنا نعرض بعض الأفكار البسيطة لضمان وتسهيل الخدمة في زمن الكورونا:- 1- يجب ألّا نهمل الفئة التي لا يُتاح لها استخدام الإنترنت، بضرورة التواصل الشخصي والمتابعة الدائمة وتمكين المحبة العملية لها، خصوصًا وقد تشمل هذه الفئة أعضاء ضعيفة قد تحتاج إلى مجهودات أكبر لخدمتها وجذبها. 2- نشكر الله إذ سمح في فترة صغيرة رغم عدم سبق تأهيل الخدام لهذه المرحلة، إلّا أننا وجدنا غيرة وأمانة للتواصل مع المخدومين، وبدأوا يتعلّمون بل ويتقنون برامج الكثير منها ليس لهم بها سابق معرفة، إذ كانت محبتهم تدفعهم لتخطّي المعطّلات، وبدأوا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي إقامة الاجتماعات والخدمات في مواعيدها عن طريق برامج خاصة ( zoom - google meet - skype - skype meeting - streamyard- وغيرها من برامج)، تضمن الحضور والتفاعل بالصوت والصورة، وربما واستخدام كافة الوسائل التي نستعين بها في الخدمات مثل الفيديوهات والترانيم والألحان والعروض والنصوص، وصارت تُعقَد النهضات والمؤتمرات، بل وصار من الأسهل دعوة الآباء من مختلف الأماكن فذابت المسافات واقتربت القارات. 3- الاجتهاد في إيجاد البرامج الأسهل استعمالًا والأقل استهلاكًا لباقات النت المستخدمة، حيث يمثل هذا التحدّي عائقًا كبيرًا لمشاركة كثيرين. 4- يُفضَّل عمل صفحة للكنيسة على الفيسبوك وقناة على اليوتيوب لبثّ اجتماعات الكنيسة والاحتفال بأعياد القديسين وجميع المناسبات، ويتم الإعلان من خلالها عن كل اجتماعات وأنشطة الكنيسة. 5- التشجيع على متابعة ما يقدمه المركز الإعلامي من كلمات يومية مناسبة لهذه الفترة، وأيضًا متابعة ما يقدمة قداسة البابا تواضروس من تداريب ورسائل يومية هامة ونافعة، وأيضًا التشجيع على متابعة ما تقدمة قنوات الكنيسة من بثّ مباشر لصلوات ومناسبات هامة، وخصوصًا وقد بُذِلت مجهودات مضاعفة لمساعدة الشعب على التفاعل مع الصلوات والمناسبات الكنسية المتنوعة، وذلك بتكليف مجموعة خدام تضع الروابط وتنبّه عن المواعيد وتتابع التفاعل.وللحديث بقية... القس أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
29 أغسطس 2020

أمومة الكنيسة (2)

في حياة البشر كلمات قليلة في حروفها وعظيمة في معانيها، مثل كلمات : أسرة، وطن، علم، هواء... ومن بين هذه الكلمات كلمة "أُم" وهي من حرفين فقط، ويقولون إنها اختصار عبارة "الله محبة"، ولذا فهي كلمة غالية جدًا.والأم إذ تعطي الحياة، تحتل مكانة ممتازة في حياة الناس كما في تاريخ الخلاص. وهذا ما قصده آدم بتسمية امرأته "حواء" بمعنى أنها "أم الأحياء" (تكوين3: 20).والكنيسة التي استودعها المسيح إلى تلاميذه ورسله، عندما قال لبطرس الرسول في حضور التلاميذ «وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ» (مت16: 18-19)، ولئلا يظن أحدٌ ان هذا الكلام يخصّ بطرس الرسول فقط، رغم أن السيد المسيح قاله في حضور التلاميذ، ولكن اندفاع بطرس الرسول وإجابته السريعة جعلت المسيح يوجّه له الكلام، ولكن نفس هذا الكلام قاله السيد المسيح الى جموع التلاميذ في (متى18:18) «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.»وهكذا صارت الكنيسة بصيغة الملكية للمسيح «كنيستي» (متى16: 18)، ولذا نسمّيها: عروس المسيح أو كنيسة المسيح أو بيت الله أو بيت الملائكة أو بيت القديسين... الخ، وهو ما عبّر عنه أحد أبنائنا حين وضع كلمات الترنيمة المشهورة "كنيستي كنيستي كنيستي هي بيتي، هي أمي، هي سر فرح حياتي". وهذا تعبير بليغ عن وضعية ومكانة الكنيسة بالنسبة للإنسان القبطي.. إنها بيت، وأم، وفرح.أولًا: بيت لأن فيها الأبوة (سر الكهنوت )، وفيها الراحة والشفاء (سر مسحة المرضى). وثانيًا: أم لأن أسرتي وُلِدت فيها (سر الزيجة)، وأنا وُلِدت فيها (سر المعمودية)، وايضًا تثبّتُّ في عضويتها (سر الميرون). وثالثًا: فرح لأني في حضنها أتوب (سر الاعتراف)، وعلى مائدتها أتغذّى وأشبع (سر التناول) وأفرح.وهكذا صارت أمومة الكنيسة حاضرة من خلال أسرارها السبعة المقدسة، التي نمارسها على يد آبائها الأساقفة والكهنة، من جيل إلى جيل.وأمومة الكنيسة حاضرة دائمًا لأنها بكل فرح تلد كل يوم بنين وبنات، فالمرأة عندما تصبح أمًّا تتهلّل، وحواء عند ولادتها الأولى ابتهجت (تكوين4: 1)، وإسحق يذكّرنا بضحك سارة وفرحها ساعة ولادته (تكوين21: 6). والوصايا العشر تعلن أنه يحق للأم أن تجد لها عند أبنائها احترامًا مثل الأب تمامًا: «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ» (خروج20: 12). وأي تهاون في حق الأم أو الأب له عقاب قاسٍ:«وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلًا» (خروج21: 17)، و« كُلُّ إِنْسَانٍ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. قَدْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ» (لاويين20: 9)، وكذلك في سفر اللاويين (21: 18-21). أمّا في سفر الأمثال فيقول: «مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ» (أمثال20:20).وهذه الوصايا ليست للأمومة الجسدية أو الأبوة الجسدية فقط، ولكنها وثيقة الصلة بالأمومة الروحية أي أمومة الكنيسة، وبالأبوة الروحية أي آباء الكنيسة. وهناك خطورة بالغة على من يكسر هذه الوصايا ويستهين بها، ويشرح السيد المسيح ذلك للجموع قائلًا: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» (متى15: 10-11)، ثم قدم المثل الشهير «إِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ» (متى15: 14)، ويختم بقوله: «... مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» (متى15: 18).حقًا «فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ.َالإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ.وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ.لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى12: 33-37).أكتُب هذا بروح أمومة الكنيسة الصادقة، وخوفي الشديد علي من يستهينون بالكتابات والمقالات وما أكثرها، وهم لا يدرون ما يفعلون؟!.. بماذا ستجيب الديان العادل يوم الدين؟؟ لا تظن أيها الحبيب أنك مُصلح أو عالم أو مُعلّم، فهذه خدع شياطين. سوف ترتفع وترتفع وسوف تشتهر وتشتهر، وتظن أنهم يستمعون إليك، وأنت لا تدري أنه «قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ» (أمثال16: 18).هذه أقوال الله.. هل تصدقها؟ إيّاك تستهين بلطف الله.الكنيسة وأمومتها المتدفقة نحوك تحتمل وتصبر وتتأنى وتصلي من أجل كل شارد، حتى وان كان ابنها العزيز الذي تنتظر عودته ورجوعه وتوبته ونقاوة لسانه. تنتظره حتى يستيقظ من غواية الشيطان له. واستمع إلى كلمات القديس بولس الرسول الحاسمة وهو يناديك: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ،وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ،فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ.فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ،لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ،مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أفسس5: 14-16).من فضلك أعد قراءة الكلمات السابقة بتمعُّن.. إنها لك حتى لا يضيع عمرك باطلًا، وفي غفلة الحياة يأتيك الموت. استيقظ الآن وليس غدًا، واترك ماضيك الرديء وقلمك الشرير، وأعلم «مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ» (أمثال20:20). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
28 أغسطس 2020

أمومة الكنيسة

الكنيسة على مدار الأجيال هي "أم" ترعى مصالح أبناءها، ويهمها حياتهم الجسدية والروحية والنفسية، وأسرارها السبعة أساس إيمانها وتقواها عبر الزمن، وتاريخها شاهد على ذلك.وعدو الخير الذي يقوم من وقت لآخر لكي يشكّك في هذا الإيمان المستقيم بشائعات وهرطقات وأكاذيب وضلالات، ودائمًا الكنيسننة من خلال آبائها وشعبها تقف حائط صدّ ضد أي انحراف إيماني أو عقيدي، لأنها لا تعرف الإيمان فقط، بل تعيشه وتحياه كل يوم.والكنيسة المسترشدة بالروح القدس عليها مواجهة الظروف التي تتغير من زمن إلى زمن، وفي حدود ما قاله الآباء: "المسيحيون يقيمون سر الإفخارستيا، وسر الإفخارستيا يقيم المسيحين". المهم تقديم السر سواء في البيوت، في المغائر، في المقابر، في المزارع، في الكنائس... المهم السر.جسد ودم المسيح الأقدسان، أي حضور المسيح حقيقة لا مجازًا، وهما لا ينقلا أي عدوى لأنهما سر حياة، وحاشا لمن يقول غير ذلك.أمّا إجراءات تقديم السر فقد تغيّرت أشكالها عبر الزمان، وبقي الهدف هو إتاحة سر التناول كما هو، رغم اختلاف الوسائل والأساليب المستعملة لذلك.لقد كانت دعوة المسيح «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (متى 11: 28)، وأيضًا قال: «إني أريد رحمة لا ذبيحة» (متى 12: 7). ليس جميع المؤمنين المسيحيين أقوياء إيمانيًا، ولكن واجب الكنيسة أن ترعاهم وتساعدهم وتخدمهم. الكنيسة لا تخدم الأقوياء في الإيمان فقط، ولكن أيضًا ضعاف الإيمان وقليلي الإيمان ومحدودي الإيمان والخطاة من كل نوع، لأن المسيح لم يأتِ ليدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة، وقال: «لا يحتاج الأصحاء (الأقوياء) إلى طبيب بل المرضى» (مرقس 2: 17).الكنيسة تستمع إلى صرخة الإنسان الذي ينادي: "أعن ضعف إيماني"، ويجب أن تستجيب في ظل هذه الظروف الحاضرة.وقد استقرّ في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طريقتان لممارسة سر التناول وهما:الطريقة الأولى: الطريقة التقليدية والمعتادة والمعروفة في كل كنائسنا، حيث ممارسة صلوات وطقوس القداس الإلهي بأواني المذبح المُدشّنة.الطريقة الثانية: الطريقة البديلة وهي التي تُستخدم في مناولة المرضى في المنازل أو المستشفيات، وأيضًا مناولة المساجين في السجون. وقد تُستخدم هذه الطريقة الاستثنائية في الكنيسة عندما توجد أعداد كبيرة من المتناولين مع وجود كاهن واحد فقط. ولهذه الطريقة نصوص في الخولاجي المقدس وليست بدعًا ولا خروجًا ولا انتقاصًا لقدسية السر.وعلى نفس القياس نحن نستخدم في ممارسة السر المذبح الحجري المُدشَّن بالميرون المقدس، كما يمكن أن نستخدم أيّة مائدة خشبية أو غير خشبية ونضع عليها لوحًا مُدشَنًا بالميرون المقدس كوضع استثنائي لحين وجود مذبح ثابت ومُدشَّن، وهذا لا ينتقص من قدسية سر التناول على الإطلاق.في زمن تأسيس السر لم يكن هناك وباء عالمي يقضي على مئات الألوف من البشر ويصيب الملايين في معظم أقطار العالم. هذا زمن مرض. هذا زمن عدوى. هذا زمن إصابات. هذا زمن يحتاج وقاية وحرص بالغ.وفي تجربة السيد المسيح قال له الشيطان: «... إن كنت ابن الله فأاطرح نفسك من هنا إلى أسفل...»، وبينما السيد المسيح يقدر أن يفعل ذلك، إلّا أنه أجاب وقال له: «لا تجرّب الرب إلهك» (لو4: 12).الله ليس جاحدًا.. ولا قاسيًا.. ولا متبلِّدًا.. حاشا.الله رحيم بالإنسان ومتعطّف عليه ويرثي لحاله ولضعفه، ومكتوب: «فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم» (لوقا 6: 36).+ هذا زمن توبة وليس زمن كلام ومقالات... «وإن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لوقا 13: 5).+ هذا زمن ندم واستعداد وليس زمن عناد وقساوة... «قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة» (لوقا 22: 46).+ هذا زمن دموع وليس زمن استعراض ومناقشات... «يا رب نجّني» (متى 14: 30).لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟ (لوقا 9: 25). ماذا يستفيد كل من يكتب وينشر على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ويهاجم الكنيسة وآباءها وتدبيرها ويثير سجسًا وتعبًا بين الناس. غالبًا التوبة لم تعرف طريقها إليك. لك أقول: احترس! الموت على الأبواب، قد تُؤخذ نفسك في هذه الليلة. أبديتك أهم من أي شيء (لوقا 12: 20).في تاريخ الكتاب المقدس نرى القديس بولس الرسول يصير ضعيفًا ليربح نُفوس الضعفاء، وبالتالي فالكنيسة كأُم تطبّق قواعد المحبة خلال هذا الزمن الطارئ من انتشار الوباء بصورة عالمية، وتستخدم الطريقة الاستثنائية (طريقة مناولة المرضى)، وهي طريقة طقسية مذكورة في الخولاجي للقمص عبد المسيح المسعودي البراموسي (1902) بدلاً من الطريقة المعتادة والتي نرجع إليها بمجرد عودة الأحوال الطبيعية. هذا تجميد أو تأجيل للطريقة المعتادة وليس إلغاءً أو حذفًا. وهذا هو صوت الحكمة خاصة وإننا لا نعيش بمفردنا في هذا المجتمع، ويجب ألّا نكون سببًا في بلبلة أحد أو عثرة النفوس التي نحبها.إن الدعوة لاتخاذ إجراءات وقائية نتيجة الظروف الحالية ليس خروجًا عن الإيمان إطلاقًا، وها نحن نشهد بوفيات بالمئات وإصابات بالآلاف وانتشار شديد للعدوى، والوباء تعدى إمكانيات المستشفيات والأطباء والأجهزة...لم يعد لنا سوى طلب الرحمة من الله لكي يترأف علينا جميعًا وعلى بلادنا وكنيستنا وأبنائنا... قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
27 أغسطس 2020

كلمات رثاء عن قدس أبونا المتنيح القمص لوقا سيدراوس

ابي ومعلمي حين كنت أسمع عظاتك أجد تركيزي ذهب إلي أبعد من الكلمات فأسبح في نبرات صوتك وملامح وجهك لم يرحل من ترك لنا رائحة المسيح الذكية اذكر الكنيسة وأنت تعلم كل شئ أذكر كنيسة الإسكندرية وأنت تحمل في قلبك لها كل إخلاص مهما فارقتها اذكر ضعفي وليس لي إلا أن اردد ما طلبته في رحيل ابونا بيشوي كامل أن يهبك الله روحين من روحه مع المسيح ياابي ومعلمي المسيح قام القس أنطونيوس فهمى يعجز لساني عن التعبير عن مشاعري، في انتقال أبي المحبوب القمص لوقا سيداروس إلى مواضع الراحة والفرح والمجد الأبدي.. وإلى أن أتمالك نفسي وأكتب، سأنشر مقتطفات من كلمات عميقة لبعض محبيه وأصدقائه القدامى الذين عايشوه لسنوات طويلة، وتذوقوا معه محبة المسيح الفائقة. القمص يوحنا نصيف أبونا لوقا يامركبة اسرائيل وفرسانها لن نعود نراك في الجسد بعد اليوم، فقد طارت روحك العزيزة جدا الي مواضع النياح، وطلعت من البرية معطرة بالمر واللبان، ومحملة بكل أذرة التاجر. وها هي في لقاء العريس السمائي الذي كرست له حياتك، وخدمت مقادسه بالوقار كما يليق. وايضا تتعانق مع أبينا بيشوي كامل، بعد ان تحررتما من ثقل الجسد. وبعد أن قدمتما أبهي أيقونة للكهنوت السكندري، وأقدس وأنقي سيرة ومسيرة لخدام المسيح في الكهنوت القبطي. الذي تفتخر بكما ثيابه. أننا سنجتمع بالروح لنشارك مع أسرتك ومع كل شعوب المشارق والمغارب في وداعك في كنيسة ابوسيفين والانبا ابرام - Torrance, California يوم الخميس ٣ سبتمبر. وستبقي سيرتكما العطرة تتكلم بعد، لانها مصدر للتعليم والتسليم والاقتداء بالقول والعمل. حتي يوم مجيء الرب العظيم. القمص اثناسيوس فهمي جورج - الإسكندريّة أي وقت تدخل عنده تجد أنجيله مفتوح واول كلمه بعد السلام عليه هي آيه او تعليم من الكتاب المقدس ويسترسل في الكلام فتخرج من عنده بوجبة دسمه من كلمات الحياه مع شحنه غير عاديه من النعمة لتذهب لبيتك بفرح عاقدا العزم علي التمتع بتأملات كلمات الحياه الأبدية القمص جرجس سامي - نيويورك ربنا ينيح نفس أبينا الحبيب أبونا لوقا. بنا يعزينا جميعا. نعتبر أنفسنا من الذين أخذوا بركات عظيمة برؤية مثل هذه الأمثلة التي كنا نظن إنها المعتاد، ولكن مع الزمن اكتشفنا إن هؤلاء كانوا سفراء أخصاء للمسيح الذين أرونا صورته في حياتهم وجعلوا القداسة قريبة منا. ربنا ينيح نفس أبينا لوقا وأبينا وبيشوي ويطيل حياة أبينا تادرس من هذا الجيل الفريد. القس مرقس داود – شيكاجو ابونا لوقا القديس + الفكر الروحي العميق المشبع بروح الانجيل و التقليد الكنسي + الشخصيه الصريحه القويه في الحق مثل يوحنا المعمدان حيث لا مجاملات ضد الحق + المحبه الفياضه و الابوه العميقه + الشخصيه الجباره في مواجهة المرض و الموت بايمان راسخ و قوه مثل سيده في الامه + الاب الذي ترك لاولاده الكنز الروحي في تعاليمه و عظاته و سيرته + اذكرنا امام عرش النعمه و اطلب من الرب ان يعطينا من روحك بروحه القدوس. القس يوسف شحاتة - نيويورك قام عمود روحى جبار فى فردوس الابرار فى هذا اليوم ، ابونا الذى تعلقت ارواحنا به منذ الصغر ، من الصعب بل من المستحيل ان تصف روحاً ، هل استطيع ان اتكلم ؟ عن ماذا ؟ عن حياة بحالها ؟ عن فضائل مثلا ؟ كيف ابدا؟ عن عفتك؟ عن طهارة روحك الشفافة ، عن إحساسك بأولادك ؟عن البشاشة ام عن المخافة والرهبة الالهية الحالة فى وجهك وعينك العميقة الثاقبة تماما هى ملامح الرب يسوع الظاهرة ، عن انفعالك بالالحان وشرحك لروحها ؟ عن شخصيتك وذكائك وضحكك وتشبيهاتك و تعليمك الروحي الذى عشناه فيك وانت تتكلم عنه ، تربينا على عظاتك التى لم اسمع حتى هذه اللحظة مثلها عمقاً وتعليماً. منذ الصغر كنت اجرى على أمى فى المنزل راجعا من الكنيسة بعد القداس فرحا اقول لها ابونا النهاردة كلمنا فى العظة عن " لايتسلط على شىء" كلام كله رجاء وفرح ..كنت احكى العظة كل مرة لوالدىَّ من سن اعدادى لبساطتها وتأثيرها. وكنا ننتظر كل قداس " ابونا هيقول ايه " كم كنا محظوظين بك يا ابانا بوجود قدسك وقدس ابونا تادرس فى كنيسة السيدة العذراء بكليوباترا بعد الافراج عنكم بعد التحفظ والسجن . نارا مشتعلة غيرة ومحبة لربنا وخدمة وبذل لكل شخص للبعيد والقريب. عشت معنا اياما مرة وحلوة مثالا وقدوة وجرأة فى الحق ووضوح للهدف ... المسيح حب حب حب ... قوة خدمة لم نرى مثلها كنا ننتظر مجيئك من امريكا شهر فى السنة ، الكنيسة كلها تسمع كلمات ذهبية فى دقائق بمنتهى الشغف .. كان واضحا جدا انك كنت تصلى كثيرا قبل ان تفتح فاك ، لان كل كلمة كانت تؤثر وناخذها ونعيش بها، مع انك كنت قليل الكلام فى العموم. كم كنت راسخا فى ايام مرضك الاخير وكانت الكلمة الوحيدة التى تخرج من فمك نشكر الله نشكر الله ، استطعت بنعمة المسيح ان يخرج الله فيك من الآكل اكلا ومن الجافى حلاوة وابتدأت خدمة ابونا بيشوى كامل لمرضى السرطان وانت فى عز مرضك وتابعت تكوينها وكنت لازلت ترشد وتنصح كيف نبدأ وماهى روح هذه الخدمة وهدفها. صورتك وكلامك وتعليمك محفور فى ضمائرنا ايها الاب التقى المرهوب نياحا لروحك وفرحا للقديسين فى فردوس النعيم فى مساكن النور وبركة شفاعات وطلبات لا تنقطع لروحك الوثابة بالصلاة والتسبيح. هنيئاً لك ميراث الملكوت ، مبروك السما يا حبيبنا اكسيوس اكسيوس اكسيوس المسيح قام يا ابانا ومعلمنا البار اقبل اياديك ورجليك الطاهرة. القس بيشوي فخري – الإمارات ربنا يعزينا كان اب بمعنى الكلمة زي ما كان هو نفسه بيقول "كان مليان خير" ونشكر ربنا ربنا انه متعنا بانسان مليان خير وابوة.. كان يكفي النظر الى وجهه وعينيه.. القس جوزيف أنور - نيويورك "ولكن الآن قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين." (1كو 15: 20) اليوم باكراً جداً والظلام باق، قام مع الرب القائم حبيبنا الأب القمص لوقا سيداروس. لقد فارق الكنيسة المجاهدة لينعم بالخدمة في الكنيسة المنتصرة، فارق أرض الأموات ليسكن كورة الأحياء إلى الأبد. كم كانت محبتنا، صداقتنا، شركتنا تفوح برائحة المسيح الزكية. عشرة ترجع إلى عام 1965 ما قبل الرسامة، واستمرت إلى يوم دخوله إلى فرح سيده، تتلمذنا تحت أقدام حبيب المسيح أبونا بيشوي كامل، تعلمنا الكثير عند أقدام أحد عمالقة علماء الكنيسة الأب الحبيب القمص تادرس يعقوب – حفظ الرب حياته. تزاملنا أيضاً في زنزانة واحدة، كنا نتطلع إلى يوم الإفراج، أما الآن فقد نال إفراج من سجن الجسد، ليحيا في حرية مجد أبناء الله في المدينة التي لها الاساسات. كم يعز علينا فراقك إذ لن نراك بأعين الجسد، إلى أن نتقابل عند أقدام رب المجد، الآن لا تحتاج إلى مجمرة لترفع البخور، فصلاتك أمام المذبح الناطق السمائي تفوح بعطر ليس له مثيل، ولا يمكن التعبير عنه. لقد تكملت، وتجملت بالألآم في حمل صليب الخدمة، وتتوجت بحمل صليب مرض عجز أمامه العالم بكل تقدماته العلمية، أما حيث أنت الآن فلا مرض، لا آلام، لا أحزان بل فرح لا ينطق به ومجيد. لم تفرح بتدشين الكنيسة الجميلة التي بنيتها كعروس مزينة بكل أذرة التاجر، لكن ماذا يكون هذا الفرح بجوار أفراح الخدمة مع صفوف السمائيين والقديسين. نطلب تعزيات الروح القدس لتاسوني نادية، الشماس الغيور أرساني، خادمة القديسين ميرا، ولكل أفراد الأسرة الجسدية، والأسرة الروحية التي تسكن معظم بقاع العالم. اذكرنا أمام عرش النعمة إلى أن نلتقي في المجد. القمص صموئيل ثابت كنيسة مارمرقس شيكاجو
المزيد
26 أغسطس 2020

أهمية الوحدة للكفارة والفداء

إن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد ، هو أمر لازم وجوهري وأساسي للفداء . فالفداء يتطلب كفارة غير محدودة ، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة ، لجميع الناس في جميع العصورولم يكن هناك سوى تجسد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفارة غير محدودة فلو أننا تكلمنا عن طبيعتين منفصلتين . وقامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها لما كان ممكناً على الاطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشرومن هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين ، تقوم كل منهما بما يخصها ففي هذه الحالة ، موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفداء ولذلك نرى القديس بولس الرسول يقول " لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2) ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح . إن تعبير رب المجد هنا يدل دلالة أكيدة على وحدة الطبيعة ولزومها للفداء والكفارة والخلاص . لأن الذي صلب هو رب المجد طبعاً صلب بالجسد ولكن الجسد كان متحداً باللاهوت في طبيعة واحدة . وهنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص ويقول القديس بطرس الرسول لليهود " أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل . ورئيس الحياة قتلتموه " (أع3 :14،15) وهنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة ، وهذا تعبير ألهي ، فلم يفصل الطبيعتين مطلقاً في موضوع الصلب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفداء ويقول القديس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين " لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام " (عب10:2) وهنا في مجال آلامه ، لم ينس مطلقاً لاهوته ، إذ أنه من أجله الكل ، وبه الكل . هذا الذي قال عنه في موضع آخر " الكل به وله قد خلق " (كو16:1) والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له " أنا هو الأول وآلا خر والحى وكنت ميتاً" " وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين . ولى مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ1 : 17،18) . فهذا الذي كان ميتاً هو الأول والآخر ، وبيده مفاتيح الهاوية والموت . وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هنا وهو يتحدث عن موته إذن فالذي مات هو رب المجد ، ورئيس الحياة ، ورئيس الخلاص ، هو أيضاً الأول والآخرإنها خطورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص . ولعل البعض يقول : ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين متحدتين ؟! نعم يقول هذا . ويقول معه طومس لاون أيضاً : إن المسيح اثنان إله وإنسان ، الواحد يبهر العجائب ، والثاني ملقى للإهانات والآلام فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأي خلاص إذن نكون قد أخذناه ؟! هنا ونفحص موضوع : الطبيعة الواحدة والالأم:- حقا إن اللاهوت غير قابل للآلام . ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم ، كان متحداً باللاهوت فنسب الألم إلى هذه الطبيعة الواحدة غير المحدودة . ولذلك نرى أن قانون الإيمان الذي حدده مجمع نيقية المقدس يقول إن ابن الله الوحيد ، نزل من السماء ، وتجسد وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس وتألم وقبر وقام … فرق كبير بين أن نقول إن الناسوت وحده منفصلاً عن اللاهوت قد تألم ، وبين أن نقول إن نقول إن الابن الوحيد تجسد وصلب وتألم وقبر وقام . هنا فائدة الإيمان بالطبيعة الواحدة التي تعطى الفداء فاعلية غير المحدودة فهل تألم اللاهوت إذن ؟نقول إنه بجوهره غير قابل للألم … ولكن المسيح تألم بالجسد ، وصلب بالجسد . ونقول فى قطع الساعة التاسعة " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة …" مات بالجسد ، الجسد المتحد باللاهوت . فصار موته يعطى عدم محدودية للكفارة وقد قدم لنا الآباء مثالاً جميلاً لهذا الموضوع وهو الحديد المحمى بالنار مثال اللاهوت المتحد بالنا سوت : فقالوا إن المطرقة وهى تطرق الحديد إنما تضرب الحديد المحمى بالنار فتقع على الاثنين . ولكن الحديد يتثنى ( يتألم ) بينما النار لا يضرها الطرق بشيء ومع ذلك فهي متحدة بالحديد أثناء طرقه .وفى صلب المسيح يقدم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28:20) .ونسب الدم هنا إلى الله ، بينما الله روح ، والدم هو دم ناسوته . ولكن هذا التعبير يدل دلالة عجيبة جداً على الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد ، حتى أن ما يتعلق بالنا سوت يمكن أن ينسب في نفس الوقت للاهوت ، بلا تفريق إذ لا يوجد انفصال بين الطبيعتين إن انفصال الطبيعتين الذي ناد به نسطور لم يستطع أن يقدم حلاً لموضوع الكفارة والفداء . وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع ، كما لباقي النتائج أيضاً المترتبة على وحدة الطبيعة ونحن في التعبيرات العادية نقول فلان مات ، ولا نقول أن جسده فقط قد مات ، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود … والروح لا تموت وإن كان الهدف الأول من التجسد هو الفداء . والفداء لا يمكن أن يتم عن طريق الطبيعة البشرية وحدها ، إذن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد أمر جوهري لا يستطيع أحد أن ينكره . ولا يمكن أن يتم الفداء إن قلنا أن الناسوت وحده هو الذي له الآلام والصليب والدم والموت . انظر إلى الكتاب كيف يقول عن الله الآب " الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين " ( رو 32:8 ) وقوله أيضاً " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به "( يو16:3 ) . ويقول أيضاً " هو أحبنا أرسل ابنه كفارة لخطايانا " (1يو 10:4) إذن فالذي بذله الآب هو الابن ، والابن الوحيد ، أي الاقنوم الثاني ، الكلمة … ولم يقل بذل ناسوته أو أي شيء من هذا القبيل ، مع أنه مات على الصليب بالجسد ولكن هذا دليل كبير على وحدة طبيعة الله الكلمة ، وأيضاً أهمية هذه الوحدة من أجل عمل الفداء ويقول أيضاً في هذا المجال عن الله الآب ، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا ، الذي هو صورة الله غير المنظور(كوا:13-15) حينما يتحدث عن مغفرة الخطايا بدم المسيح ، ينسب هذا إلى الابن الذي هو صورة الله غير المنظور الذي له الملكوت . وهذا دليل آخر على وحدة الطبيعة واهتمام الكتاب بها في موضع الفداء ومثال آخر مشابه ، ظهر في حديث المسيح عن الكرامين الأردياء . يقول إن صاحب الكرم أرسل أخيراً ابنه لهؤلاء الكرامين فلما رأوا الابن … أخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه " (متى 21 : 37-39) وهنا ينسب الموت إلى الابن ، ولم يقل إلى ناسوته . فما أعمق هذا الكلام عن الطبيعة الواحدة . ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الأمثلة . نكتفى بهذا الآن في كل هذه الأمثلة نرى أن الكتاب – وعلى لسان السيد المسيح نفسه – لا يفصل مطلقاً بين طبيعة المسيح ناسوتياً أو لاهوتياً ، إنما يتكلم عنها كطبيعة واحدة ما يقوله عن ابن الله ، هو ما يقوله عن ابن الإنسان . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب طبيعه المسيح
المزيد
25 أغسطس 2020

قدسية العهد القديم

لاشك أن الموقف المسيحى والكنسى الأرثوذكسى من العهد القدم، هو أن كاتبه هو الروح القدس، وأن كتابه سجلوا هذه الأسفار مسوقين من الروح القدس، لا بمشيئتهم الشخصية فقط. فقد قال معلمنا بولس الرسول:“كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ” (2تى 16:3). وقال معلمنا بطرس الرسول: “لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (2بط 21:1).وقد أكد السيد المسيح نفسه، وأسفار العهد الجديد هذه القدسية،وهذه بعض الأدلة كأمثلة على ذلك: أولاً: من أقوال السيد المسيح 1- “لاَ تَظُنُّوا أَنِّى جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّى الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ” (مت 17:5-18). (والتكميل هنا معناه تكميل الهدف من الناموس وهو معرفة السيد المسيح، وتكميل الإنسان حتى يصنع الناموس، وذلك من خلال تجديد الطبيعة البشرية بالروح القدس. كذلك فهو تكميل الوصية حتى لا تقف عند حدود الفعل كالزنا والقتل، بل تصل إلى الدوافع الكامنة وراء ذلك كالشهوة والحقد). 2- “فَتِّشُوا الْكُتُبَ (كتب العهد القيم طبعًا فى ذلك الوقت) لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِىَ الَّتِى تَشْهَدُ لِى” (يو 39:5).. “تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ” (مت 29:22). 3- “إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ” (مت 8:19)، وهذا مأخوذ عن سفر التثنية (تث 1:24-4). 4- “لاَبُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّى فِى نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِى أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِى الْيَوْمِ الثَّالِثِ” (لو 44:24-47). 5- قال له الكتبة والفريسيون: “يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً. فَقَالَ لَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِىِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِى بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِى قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِى الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا” (مت 38:12-41).وهنا يتحدث الرب ليس فقط عن سفر يونان، الذى حاول البعض أن يعتبروه أسطورة خيالية، بل عن شخص يونان، وحوت يونان، ومناداة يونان، وأهل نينوى، وتوبتهم والرمز الواضحين يونان والسيد المسيح. 6- كذلك يتحدث الرب عن ملكة التيمن. التى أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان، وقال: “هُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هَهُنَا!” (مت 42:12).وهنا يتحدث الرب عن زيارة ملكة التيمن لسليمان، وعن حكمة سليمان.. وهذا كله فى العهد القديم. 7- حديث الرب عن الزواج من امرأة واحدة، وعن عدم الطلاق إلا لعلة الزنا، وكيف أعاد الرب الأمور إلى أصولها حينما قال: “مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا” (يقصد سهولة التطليق، وكيف أن التطليق سمح به موسى، من أجل قساوة قلوبهم). وكذلك حينما تحدث عن شريعة الزوجة الواحدة بقوله: “أَمَا قَرَأْتُمْ (فى العهد القديم طبعًا) أَنَّ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (مت 1:19-9). وواضح أن هذه كلها اقتباسات من أسفار العهد القديم، ودعوة إلى قراءة أسفاره: “أَمَا قَرَأْتُمْ”؟! 8- وفى امتداح السيد المسيح ليوحنا المعمدان، آخر أنبياء العهد القديم، تأكيد على قدسيته، وذلك حين قال: “مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ لَكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ هُمْ فِى بُيُوتِ الْمُلُوكِ. لَكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِىٍّ. فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِى كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِى الَّذِى يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ” (مت 7:11-11). وواضح أن الرب يقتبس من نبوات العهد القديم ما جاء عن تجسده الإلهى، وعن المعمدان كسابق له.وواضح أيضًا أن “الأصغر” هنا قد يكون السيد المسيح نفسه (لأنه أصغر سنًا من المعمدان بستة أشهر)، أو هو مؤمن العهد الجديد الذى لن يمر بالجحيم بل يدخل إلى الفردوس مباشرة، بعد أن فتح الرب الفردوس بصيبه، الأمر الذى لم يحدث مع المعمدان، إذ عبرت نفسه بالجحيم فى انتظار الفداء والفادى. 9- قال الرب لبطرس: “أَتَظُنُّ أَنِّى لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِى فَيُقَدِّمَ لِى أَكْثَرَ مِنِ اثْنَىْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ؟” (مت 53:6-54). هذه مجرد أمثلة بسيطة عن مدى تقديس رب المجدللعهد القديم: أسفارة وأنبيائه، ففى النهاية هو مسيح العهدين، والعهد القديم كان مرحلة فى طريق العهد الجديد، والروح القدس هو كاتب جميع الأسفار، عاصمًا كاتبيها من الزلل. ثانيًا: آيات من الأناجيل المقدسة هذا بحر مستفيض، فالأناجيل المقدسة اقتبست كمية ضخمة من آيات العهد القديم، لتؤكد لنا الارتباط العضوى والصميمى بين العهدين. فالعهد القديم كان التمهيد والأنين والنبوات، أما العهد الجديد فكان الفرح بالخلاص والمخلص، الذى فيه تحققت كل النبوات.وكمجرد إحصاء عن هذه الحقيقة: أ- إنجيل معلمنا متى : أورد 53 إقتباسًا من العهد القديم. ب- إنجيل معلمنا مرقس : أورد 36 إقتباسًا من العهد القديم. ج- إنجيل معلمنا لوقا : أورد 25 إقتباسًا من العهد القديم. د- إنجيل معلمنا يوحنا : أورد 20 إقتباسًا من العهد القديم. واترك للقارئ الحبيب، أن يقرأ هذه الأناجيل المقدسة ويسجل فى دراسة خاصة له هذه الاقتباسات، وهى واضحة وضوح الشمس..وهذه مجرد عينة بسيطة من إنجيل واحد هو إنجيل معلمنا متى: (1:1-17) (22:1-23) (5:2-6) (15:2) (17:2-18) (23:2) (4:4،7،10) (14:4-16) (17:5) (21:5) (27:5) (31:5) (33:5) (38:5) (43:5) (29:6) (4:8) (17:8) (40:10) (9:11-10) (14:11) (3:12-6) (17:12-21) (38:12-41) (42:12) (17:13) (8:15) (3:16-4) (11:17-13) (16:18) (3:19-9) (17:19) (4:21-5) (13:21) (16:21) (25:21) (42:21) (29:22-32) (32:22-40) (21:22-46) (31:26) (53:26-54) (56:26) (6:27-10) (35:27) (42:27) (46:27) ثالثًا: من رسائل الآباء الرسل حفلت رسائل البولس والكاثوليكون باقتباسات كثيرة من العهد القديم، مؤكدة الترابط العضوى بين العهدين، وهذه مجرد أمثلة، من رسالة واحدة هى الرسالة إلى رومية: 1- “لإِنْجِيلِ اللهِ. الَّذِى سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِى الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ” (رو 1:1-2). 2- “لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ” (رو 13:2). 3- “اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ” (رو 24:2). 4- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: لِكَىْ تَتَبَرَّرَ فِى كَلاَمِكَ وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ” (رو 4:3). 5- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ” (رو 10:3). 6- “فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ قَدْ وَجَدَ حَسَبَ الْجَسَدِ..” (رو 1:4). 7- “كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ..” (رو 12:5). 8- “الْمَرْأَةَ الَّتِى تَحْتَ رَجُلٍ هِىَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَىِّ..” (رو 2:7). 9- “الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّى وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاِشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ. وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ” (رو 4:9-5). 10- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ” (رو 13:9). 11- يقول الكتاب لفرعون: “إِنِّى لِهَذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ لِكَىْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِى..” (رو 17:9). 12- كما فى هوشع أيضًا: “سَأَدْعُو الَّذِى لَيْسَ شَعْبِى شَعْبِى وَالَّتِى لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً” (رو 25:9). 13- وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل: “وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ” (رو 27:9). 14- وكما سبق إشعياء فقال: “لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلاً لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ” (رو 29:9). 15- كما هو مكتوب: “هَا أَنَا أَضَعُ فِى صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى” (رو 33:9). 16- “لأَنَّ مُوسَى يَكْتُبُ فِى الْبِرِّ الَّذِى بِالنَّامُوسِ: إِنَّ الإِنْسَانَ الَّذِى يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا” (رو 5:10). 17- الكتاب يقول: “كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى” (رو 11:10). 18- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ” (رو 15:10). 19- لأن إشعياء يقول: “يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا” (رو 16:10). 20- “إِلَى جَمِيعِ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ وَإِلَى أَقَاصِى الْمَسْكُونَةِ أَقْوَالُهُمْ” (رو 18:10). 21- موسى يقول: “أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ” (رو 19:10). 22- إشعياء يتجاسر ويقول: “وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِى وَصِرْتُ ظَاهِرًا للَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّى. أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَىَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ” (رو 20:10-21). 23- ماذا يقول الكتاب عن إيليا، كيف توسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يارب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيت أنا وحدى، وهم يطلبون نفسى، لكن ماذا يقول الوحى؟ “أَبْقَيْتُ لِنَفْسِى سَبْعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ لَمْ يُحْنُوا رُكْبَةً لِبَعْلٍ” (رو 2:11-4). 24- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ” (رو 8:11). 25- وداود يقول: “لِتَصِرْ مَائِدَتُهُـمْ فَخًّـا وَقَنَصًا وَعَثْرَةً وَمُجَازَاةً لَهُمْ. لِتُظْلِمْ أَعْيُنُهُمْ كَىْ لاَ يُبْصِرُوا وَلْتَحْنِ ظُهُورَهُمْ فِى كُلِّ حِينٍ” (رو 9:11-10). 26- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ” (رو 26:11). 27- “مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟” (رو 34:11). 28- “أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِىَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِى يَقُولُ الرَّبُّ” (رو 19:12). 29- “لأَنَّ لاَ تَزْنِ لاَ تَقْتُلْ لاَ تَسْرِقْ لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ لاَ تَشْتَهِ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى هِىَ مَجْمُوعَةٌ فِى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (رو 9:13). 30- “لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَا حَىٌّ يَقُولُ الرَّبُّ إِنَّهُ لِى سَتَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ وَكُلُّ لِسَانٍ سَيَحْمَدُ اللهَ” (رو 11:14). 31- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَىَّ” (رو 3:15). 32- “لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِى الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ” (رو 4:15). 33- “إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ” (رو 8:15). 34- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِى الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاِسْمِكَ (ثم اقتباسات أخرى متتالية)” (رو 9:15). 35- “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: الَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ سَيُبْصِرُونَ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا سَيَفْهَمُونَ” (رو 21:15). 36- “السِّرِّ الَّذِى كَانَ مَكْتُومًا فِى الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ. وَلَكِنْ ظَهَرَ الآنَ وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلَهِ الأَزَلِىِّ لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ” (رو 25:16-26).تصور أيها القارئ الحبيب، كل هذه الاقتباسات من العهد القديم فى رسالة واحدة، فماذا نقول عن باقى الرسائل؟ إنها دراسة شيقة يمكنك أن تقوم بها، خصوصًا فى رسالتى غلاطية والعبرانيين.. لتدرك قدسية العهد القديم، والترابط العضوى بين العهدين.لهذا كان طبيعيًا أن يقول الرسول للقديس تيموثاوس: “وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ إنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِى فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِى فِى الْبِرِّ، لِكَىْ يَكُونَ إنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ” (2تى 15:3-17). تيموثاوس قارئها إلى الإيمان بالمسيح والخلاص به. – ولاحظ قول للقديس تيموثاوس الرسول: أن “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ” (2تى 16:3)، عجبى إذن على أناس ينتقصون من قدسية العهد القديم!! ألم يقل معلمنا بطرس: “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِىَ أَثْبَتُ، الَّتِى تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِى مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِى قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هَذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُك بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (2بط 19:1-21). ولاحظ أيها الحبيب فى هذا النص: 1- أن كلمات الأنبياء هى أثبت، أى أنها ثابتة وأثبت من كلام البشر. 2- أنه يوصينا أن ندرسها إذ أننا نفعل حسنًا إذا انتبهنا إليها. 3- أنها كسراج منير فى موضع مظلم. 4- أنها مرحلة تمهيدية تقودنا إلى المسيح كوكب الصبح. 5- أن كل نبوات الكتاب هى من الله وليس بعضها. 6- أن مشيئة الإنسان ليست هى الدافع للكتابة بل روح الله. 7- أنهم قديسون، كانوا مسوقين بالروح القدس. هل بعد ذلك نتساءل عن قدسية العهد القديم؟! رابعًا: من رسائل الكاثوليكون 1- فى رسالتى معلمنا بطرس الرسول وقد إقتبس معلمنا بطرس الرسول الكثير من آيات وأحداث العهد القديم مثل: 1- “الْخَلاَصَ الَّذِى فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِى لأَجْلِكُمْ” (1بط 10:1). 2- “رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِى فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِى لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِى بَعْدَهَا” (1بط 11:1). 3- “لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّى أَنَا قُدُّوسٌ” (1بط 16:1) مأخوذة من (لا 44:11). 4- “لِذَلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضًا فِى الْكِتَابِ: هَأنَذَا أَضَعُ فِى صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا، والَّذِى يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى” (1بط 6:2) إشارة إلى (إش 16:28). 5- “الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ” (1بط 10:2) إشارة إلى (هو). 6- “فَإِنَّهُ هَكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا..” (1بط 5:3-6). 7- “ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِى فِى السِّجْنِ.. أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى..” (1بط 19:3-20). 8- “لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِى سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ” (2بط 4:2). 9- “حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ” (2بط 5:2). 10- “رَمَّدَ مَدِينَتَىْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ” (2بط 6:2). 11- “وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ” (2بط 7:2). 12- “فَضَلُّوا، تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ” (2بط 15:2). 13- “لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِى قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ” (2بط 2:3). 2- وفى رسالة معلمنا يوحنا “لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ..” (1يو 12:3). ومعروف أن معلمنا يوحنا كتب رسائل دفاعًا عن ناسوت السيد المسيح، أنه ناسوت حقيقى ولكن بلا خطية، كما كتب إنجيله دفاعًا عن لاهوت السيد المسيح.. وقد كتب ذلك فى أواخر القرن الأول بعد أن سادت وإنتشرت الأناجيل الثلاثة الأولى، ورسائل البولس، والكاثوليكون، بما فيها من إقتباسات كثيرة من العهد القديم. ولقد لاحظنا إقتباساته الكثيرة فى سفر الرؤيا. لذلك فلا صحة لمن يحاولون تصوير منهج الرسولين بولس ويوحنا أنه مختلف عن بطرس ويعقوب. فالكل إقتبس من العهد القديم، ولكن الموضوعات تتنوع وتحتاج إلى أسلوب حديث مختلف، لكنه متكامل مع غيره، بدليل قول معلمنا بطرس عن رسائل معلمنا بولس: “كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِى الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ” (2بط 15:3-16).. وهذا يؤكد وحدة المنهج الرسولى، وخطأ من يحاولون التفريق بين الرسل. 3- وفى رسالة معلمنا يهوذا تتحدث عن أمور كثيرة من العهد القديم مثل: 1- خلاص الشعب من أرض مصر (يه 5) 2- والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم (يه 6). 3- وهلاك سدوم وعمورة (يه 7). 4- ومحاربة ميخائيل والشيطان (يه 9). 5- وطريق قايين، وضلالة بلعام، ومشاجرة قورح (يه 9). 6- ونبوة أخنوخ (يه 14). خامسًا: من سفر الرؤيا نجد فى سفر الرؤيا اقتباسات وإشارات كثيرة إلى العهد القديم مثل: 1- “وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ” (رؤ 6:1). 2- “وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، والَّذِينَ طَعَنُوهُ” (رؤ 7:1). 3- “عِنْدَكَ هُنَاكَ قَوْمًا مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ، الَّذِى كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِىَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِى إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا” (رؤ 14:2). 4- “هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِى مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ” (رؤ 5:5). 5- الأسباط المذكورة فى (رؤ 7). 6- “يَتِمُّ أَيْضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ” (رؤ 7:10). 7- الزيتونتان والمنارتان، هما شخصيتان من العهد القديم (رؤ 11). 8- المرأة المذكورة فى رؤيا (رؤ 12) هى الأمة اليهودية وهى أيضًا رمز العذراء الطاهرة. 9- الخروف الواقف على جبل صهيون، رمز انتصار الكنيسة على الشيطان (رؤ 14)، وكذلك سقوط بابل (الشعب الذى سبى بنى إسرائيل) رمز حروب الخطية وانتصار أولاد الله عليها. 10- “تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفَ” (رؤ 3:15). 11- سقوط بابل (الجديدة) رمز بابل القديمة التى سبت شعب الله (رؤ 10:18). 12- أورشليم الجديدة (رؤ 21). 13- شجرة الحياة (رؤ 22). وبعد.. فماذا نقول؟ أن مئات بل آلاف الاقتباسات من العهد القديم، وردت فى العهد الجديد، فهل يجوز أن نكابر ونفصل العهدين؟أو ننتقص من قدسية العهد القديم، وها آياته وأحداثه تملأ إصحاحات العهد الجديد؟! نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
24 أغسطس 2020

أمومة القديسة مريم والتجسد

لخص الأب يوحنا الدمشقي عقيدتنا في الثيؤتوكوس بقوله " هذا الاسم يحوي كل سر التجسد..." كما أعلن القديس غورغوريوس النزينزي ضرورة إعطاء القديسة مريم حقها في الأمومة كنتيجة لعقيدتنا في التجسد الإلهي، قائلا: "من لا يقبل القديسة مريم بكونها " الثيؤتوكوس" يقطع من اللاهوت. من يقول بأن السيد المسيح عبر في العذراء كما في قناة، ولم يتشكل بطريقة تحمل لاهوتيته كما ناسوتيته أيضا، فهذا يحسب شريرا.من يقول بأن السيد قد تشكل فيما بعد بسكنى الله فيه، فهذا يدان.من يتحدث عن ابن الله الآب بكونه آخر غير ابن مريم، وليس هو شخص واحد، فهو محروم من شركه التبني".حقا لم تعطى القديسة مريم ابنها شخصيته اللاهوتية أو طبعه الإلهي أثناء التجسد ومع ذلك فكما يقول القديس كيرلس هذا لا يقلل من حقها في التمتع بلقب "والدة الإله". فإن الأمهات الأخريات أيضا لا يهبن أولادهن نفوسهم ولا شخصياتهم ومع ذلك فهن أمهات حقا، ولسن أمهات للتجسد وحده، بل للشخص نفسه المخلوق بواسطة الله الحي في هذا التجسد. هكذا القديسة مريم هي أم يسوع الذي هو نفسه الله.لقد تسائل البعض لماذا اختار كلمة الله أن يولد من امرأة (غلا 4: 4)؟ ولم ينزل من السماء بغير جسد بشري أو على الأقل كان قد حمل جسدا سماويا من صنع يدي الله مباشرة (دون ولادته من امرأة)؟. 1- إذ أخذ جسدا في أحشاء العذراء مريم صار كلمة الله ليس فقط أنسانا وأنما عضوا في الجنس البشري من نسل آدم، من ذرية إبراهيم، من سبط داود الملوكي. خلال بنوته الحقيقية للقديسة مريم ربط نفسه بحقيقة وجودنا المتواضع. بمعنى أخر، خلال أمومة القديسة مريم سرى دمنا في عروقه حتى يسفكه غفرانا لخطايانا. 2- خلال أمومة العذراء لله أتحد الجانبان معا ليتصالحا: الله والإنسان. فقد أراد أن يخلصنا كرئيس كهنة كامل ووسيط بدخوله إلينا، كأخ لنا، وليس كغريب عنا. 3- يقرر القديس أوغسطينوس بأنه لو أن ابن الإنسان رفض التجسد في أحشاء العذراء، ليأست النسوة ظانات أنهن خليقة فاسدة. فخلال بنوته للقديسة مريم أعاد لهذا الجنس كرامته وأعلن صلاح كل الخليقة. أمومتها وكلمة الله:- يقول القديس أغسطينوس: "حبلت به مريم في ذهنها قبل أن تحبل به في جسدها". حقا مطوبة هي القديسة مريم لأنها قد اختيرت أما كلمة الله، لكنه قبل أن تحبل به جسديا حملته روحيا بالإيمان. فقد كانت مثالية في سماعها " الكلمة"، والإنصات لها وأطاعتها، وحفظها متفكرة بها في قلبها. لهذا يقول القديس أوغسطينوس: "أمومة مريم ما كانت بذي فائدة لها لو لم تحمل السيد المسيح في قلبها بفرح". أمومة النفس للسيد المسيح:- القديسة مريم كوالدة الإله تمثل الكنيسة التي يحمل أعضاؤها الله روحيا في قلوبهم. هكذا يتطلع أباء الكنيسة القديسون إلى الحياة الروحية للمسيحي بعد عماده كحالة نمو للمسيح نفسه في داخل قلوبهم التي تتسم بالأمومة. + كما يتشكل الطفل في الرحم، هكذا يبدو لي أن كلمة الله يتشكل في قلب النفس التي تقبل نعمة المعمودية لتدرك في داخلها كلمة الإيمان الأكثر مجدا والأكثر وضوحا. + يبدو أنه من الخطأ أن نتحدث عن تجسد ابن الله من القديسة العذراء ولا نشير إلى تجسده أيضا في الكنيسة... إذ يليق بكل واحد منا أن يعرف مجيء ابن الله في الجسد بواسطة العذراء الطاهرة، وفي نفس الوقت أن يدرك مجيئه بالروح في كل واحد منا. العلامة أوريجانوس + ما حدث لمريم التي بلا عيب حين أشرق فيها كمال اللاهوت الذي في المسيح يتحقق في كل نفس تمارس البتولية كمنهج لها.حقا لا يعود يأتي السيد ليحل حلولا جسديا "فإننا لسنا نعرفه بعد حسب الجسد" "2 كو 5: 6"إنما يسكن فينا روحيا ويحضر معه أباه كما أخبرنا في الإنجيل في موضع آخر. + جاء هذا الميلاد من الله، وهو يتحقق في كل وقت فيه يحبل بخلود الروح في قلب الإنسان الحي، فليعطى ميلادا للحكمة والعدل والقداسة والنقاوة الكاملة. بهذا يستطيع كل مسيحي أن يصير أما لذلك الذي هو جوهريا في كل شيء، إذ يقول ربنا نفسه " من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات فهذا هو أمي" (مر 3: 25، متى 12: 5). القديس غريغوريوس أسقف نيصص + (كل مسيحي) يحبل بالله في قلبه. القديس أوغسطينوس + تستطيع أن تكون أما للرب على مثال الطوباوية مريم التي استحقت بطهارة كهذه أن تكون أما لله. القديس جيروم + ينادى على النفس التي تبدأ في الاتجاه نحو السيد المسيح هكذا: " يا مريم "، أي تتقبل اسم المرأة التي حملت به في أحشائها، إذ تلده النفس بمفهوم روحي. + أحرص أن تتمم مشيئة الآب لكي تكون أما للمسيح " مر 3: 35" القديس أمبروسيوس + من يبشر بالحق يحسب فوق كل شيء أما للمسيح، إذ يلد ربنا الذي يحضره في قلوب سامعيه. يصير أما للمسيح إذ يوحي بحب ربنا في روح قريبة خلال كلماته له. البابا غريغوريوس + اسمعوا هذا يا رعاة الكنائس يا رعاة الله، ففي هذا الوقت يأتيكم الملاك مبشرا أياكم: أنه ولد لكم اليوم وفي كل يوم المسيح الرب!. العلامة أوريجين + الكنيسة في حالة تمخض إلى أن يتشكل المسيح ويولد داخلنا، فكل قديس يتمتع بشركة مع المسيح كأنما يولد المسيح فيه من جديد!. ميثودوسيوس حواؤنا الجديدة السلام للقديسة مريم، أم جميع الأحياء. نطلب إليك أن تشفعي فينا! ثيؤتوكية الثلاثاء اعتادت الكنيسة أن تلقب القديسة مريم "أم جميع الأحياء" و"أم الحياة الجديدة" و"حواء الثانية". فإن كانت حواء فقدت المعنى اللائق باسمها كأم كل حي (تك 3: 20)، إذ خلال عصيانها جلبت على أولادها الموت عوض الحياة وصارت "أم كل ميت"، فإن ابنتها القديسة مريم قد احتلت مركزها من خلال أيمانها وطاعتها وأتضاعها، وهكذا صارت بالروح القدس أم "الحياة"، تقدم لأبناء آدم "شجرة الحياة" ليأكلوا ويحيوا إلى الأبد. هذا وقد صارت القديسة مريم خلال التجسد أما لا للرأس فقط بل ولأعضاء جسده السري كقول القديس أغسطينوس، وهكذا تقبلت أمومة جامعة"للكنيسة". خلال هذا المفهوم يتطلع الآباء القديسون إلى أحشاء البتول كحجال العرس، فيه التقى العريس السماوي بعروسه أي الكنيسة الجامعة، متحدا بها. ففي هذه الأحشاء قبلنا السيد المسيح ابنها عريسا لنا وأخا بكرا، فقبلناها أما له ولنا.فيما يلي مقتطفات من أقوال الآباء عن اتحادنا بالعريس ابنها داخل أحشائها، فصارت أما لنا: + ارتبط الكلمة بالجسد، تزوج الكلمة بالجسد،وصارت أحشائك حجال هذه الزيجة السامية.إنني أكرر أن أحشائك هي حجال هذه الزيجة العلوية التي للكلمة مع الجسد، حيث" يخرج العريس من خدره"... القديس أغسطينوس + أعد الله الآب لله الابن عرسا،فحين كان في أحشاء البتول اتحد مع الناسوت،حيث أراد الله الكائن قبل كل الدهور أن يصير في أواخر الدهور إنسانا...هكذا ضم الكنيسة المقدسة إلى نفسه خلال سر التجسد... والآن فإن أحشاء العذراء الأم صارت خدر هذا العريس، إذ يقول المرتل: "جعل من الشمس مظلته، مثل العريس الخارج من خدره" (مز 68: 6) فقد كان بالحقيقة خارجا من خدره كالعريس من خدره موحدا الكنيسة إلى نفسه، خرج الإله المتجسد من رحم العذراء دائم البتولية. البابا إغريغوريوس هذه العلاقة التي قامت بين حواء الجديد وكل المؤمنين خلال التجسد قد أعلنت رسميا بواسطة آدم الثاني وهو على الصليب، إذ قال لحواء خلال الجديدة " يا امرأة هوذا ابنك"، وقال لمؤمنيه "يا يوحنا هوذا أمك". خلال الصليب تقبلنا حواؤنا الجديدة من أيدي الله! في هذا يقول العلامة ترتليان: " الله يعلم أنه ليس حسن للرجل أن يكون وحده، هو يعلم أنه جيد للرجل أن يكون له امرأة، ألا وهي مريم وبعد ذلك الكنيسة". لقد تقبلنا القديسة مريم حواؤنا فنقول لإلهنا مع آدم: "المرأة التي أعطيتني معينة لي، حوا الجديدة، أعطتني، لأكل من شجرة الحياة، أي من صليب أبنها".هذا ويرى العلامة أوريجانوس أن كل إنسان كامل يقدر أن يتسلم مع القديس يوحنا من الابن المصلوب القديسة مريم أما له، شارحا الكلمات: " هوذا ابنك" هكذا "الإنسان الكامل لا يعيش فيما لنفسه وحده بل يحيا المسيح أيضا فيه، ومادام المسيح فيه، لهذا يقال عنه لمريم: هوذا، ابنك المسيح!". المقارنة بين حواء والقديسة مريم:- ربما يعود أصل المقارنة بين حواء والقديسة مريم إلى بابياس أسقف هليوبوليس بآسيا الصغرى في أواخر القرن الأول الميلادي. ويعتبر القديس يوستين في القرن الثاني الميلادي هو الذي جذب الأنظار إلى هذه المقارنة في محادثاته مع ترفو Trypho، إذ يقول: ["صار (ابن الله) إنسانا بواسطة العذراء، حتى يمكنه أن يمحو المعصية التي كانت بإيحاء الحية، وذلك بنفس الطريقة التي نبعت منها هذه المخالفة... فحواء التي كانت عذراء وغير دنسة إذ حملت كلمة الحية داخلها أنجبت عصيانًا وموتًا، أما مريم العذراء إذ امتلأت بالإيمان والفرح ما أعلنه الملاك جبرائيل لها في البشارة بأن الروح القدس يحل عليها وقوة العلي تظللها والقدوس المولود منها يدعى ابن الله، وأجابت: ليكن لي كقولك (لو 1: 35)...] واضح في هذه المقارنة أن القديس يوستين ركز لا على القديسة مريم بل على المولود منها. وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان.هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.] وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]ويشير العلامة أوريجينوس إلى القديسة مريم بكونها قد أعادت الكرامة لجنس المرأة، هذه التي فقدتها خلال خطية حواء. في هذا وجدت المرأة خلاصها بولادة البنين (تي 2: 15). كما يقول أيضًا: ["الفرح الذي بوق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء.] [كما بدأت الخطية بالمرأة وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم واليصابات).] وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان. هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.] وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]وفي القرن الرابع يشير زينون أسقف فيرونا إلى هذه المقارنة بعرض جديد: [جرح الشيطان حواء وأفسدها، زاحفا بخداعه إليها خلال أذنها، هكذا بدخول السيد المسيح إلى أذن مريم تخلصت من كل رذائل القلب. لقد شفي جرح المرأة عندما ولد من العذراء.] أما القديس مار أفرام السرياني الذي قال [أن قيثارة الروح القدس هذه لن تبعث لحنًا أعذب مما تصدره حين تتغنى بمديح مريم.] فقد أعطي لهذه المقارنة بين حواء والقديسة مريم تطورًا جديدٍا، إذ يقول: [استترت حواء في بتوليتها بأوراق العار. أما أمك (القديسة مريم) فلبست في بتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع. قدمت قطعة من الملابس (الجسد) لذاك الذي يكسو الجميع.] [بالعين رأت حواء جمال الشجرة، فتشكلت مشورة القاتل (الشيطان) في ذهنها... أما مريم فبالأذن أدركت غير المنظور الذي جاءها خلال الموت. لقد حملت في أحشائها القوة التي جاءت إلى جسدها.] كما يقول أيضا: "لتصغ حواء أمنا الأولى، ولتقترب إلى.لترفع رأسها التي انحنت بالعار الذي لحق بها وهي في الجنة. لتكشف عن وجهها وتشكرك، لأنك نزعت عنها ارتباكها!لتحمل صوت السلام الكامل فإن ابنتها دفعت الدين عنها""الحية وحواء حفرا قبرا وألقيا بآدم المخطئ في الجحيم، أما جبرائيل فجاء وتكلم مع مريم،. هكذا فتح السر الذي به يقوم الأموات من جديد". "مريم هي جنة عدن التي من الله،ففيها لا توجد حية تضر...ولا حواء التي تقتل...إنما نبع فيها شجرة الحياة التي أعادت المنفيين إلى عدن". أخيرا فقد تكررت نظرة هؤلاء الآباء في كتابات القديسين أمبروسيوس وجيروم وأوغسطينوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس وغيرهم، نقتبس منها العبارات التالية: + دعيت حواء أم الجنس البشري أما مريم فهي أم الخلاص. القديس أمبروسيوس + بعد أن حملت العذراء وولدته لنا... انحلت اللعنة. جاء الموت خلال حواء والحياة خلال مريم. القديس جيروم + مريم اشتملت في حواء، لكننا عرفنا حقيقة حواء فقط، عندما جاءت مريم القديس أوغسطينوس + تطلعت مريم إلى حواء وإلى أسمها ذاته "أم كل حي، كشارة سرية عن المستقبل، لان "الحياة" نفسه ولد من مريم، وهكذا صارت "أم كل حي" لا نستطيع أن نطبق العبارة "أضع عداوة بينك وبين المرأة" تك3: 15 على حواء وحدها، أنما بالحقيقة تحققت عندما ولد القدوس الفريد من مريم بغير زرع بشر". القديس ابيغانيوس أسقف سلاميس + وجدت المرأة شفيعتها في المرأة. القديس أغريغوريوس النيصي الممتلئة نعمة سر الفرح: في البشارة حيا الملاك جبرائيل القديسة مريم بهذه الكلمات: " السلام (شيريه) لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء". لم تكن هذه بالتحية العادية كقول "يوم سعيد"، ولا حملت معنى "سلام" أو "شالوم"، إنما حملت كمال معنى الفرح. فإن الكلمة اليونانية لسلام هنا "شيريه". وقد ورد الفعل (شيرو) في الترجمة السبعينية للعهد القديم حوالي ثمانين مرة، ترجم نصفها "يفرح"، والنصف الآخر استخدم للتعبير عن فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم. استخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة إلى "ابنة صهيون" يسألونها أن تفرح جدا بل وتصرخ علانية، معلنين لها الخلاص الذي يتحقق بواسطة المسيا. "ترنمي يا ابنة صهيون، اهتفي... افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا ابنة أورشليم. الرب إلهك في وسطك جبار، يخلص..." صفنيا 3: 14، 17 "ابتهجي (شيريه) جدا من كل القلب والنفس يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك... ويسكن في وسطك" زكريا 9: 9 هوذا الملاك يحيى ابنة صهيون الحقيقية، القديسة مريم، ويدعوها إلى فرح قلبي داخلي،سره سكني المسيا، مخلصها وإلهها، في داخلها، فقد تمتعت بالأمومة لابن الله. يتجلى سر فرح القديسة مريم الذي نالته في لحظات التجسد بكل وضوح في الليتورجيات القبطية وتسابيحها وفنونها، الأمر الذي تعود إليه في الفصل الأخير. قداستها: ارتبطت فكرة قداسة القديسة مريم في ذهننا بأمومتها لله كما ارتبطت بدوام بتوليتها وصداقتها للمؤمنين وموقفها كرمز للكنيسة المقدسة. رأينا أن أمومة مريم لله إنما جاءت ثمرة تزاوج نعمة الله المجانية مع خضوع (مريم) المؤمنة وطاعتها لله. فقد تدخل الله بطريقة معجزيه لتحقيق التجسد الإلهي كعطية مجانية يهبها الله للناس (لو 1: 28-35) بهذه النعمة الإلهية المجانية اقتنت القديسة مريم كمالا (قداسة) للروح والجسد يهيئها لاستقبال السيد في أحشائها. قدستها نعمة الله وصيرتها قدس أقداس حقيقي يسكنه الله، سماء ثانية، أما للحياة والنور والواحد القدوس. هكذا خضعت العذراء – باسم البشرية- لرسالة الله وعمله (لو 1: 38) أما في لحظات التجسد فتقبلت القديسة مريم كمالا فريدا تحقق بحلول ابن الله واهب النعمة. + انفردت بدعوتها" الممتلئة نعمة"، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنيها أحد غيرها، إذ امتلأت بواهب النعمة. القديس أمبروسيوس + افرحي أيتها الممتلئة نعمة! يتنعم البشر، كل بنصيب من النعمة، أما مريم فنالت النعمة بكل فيضها الأب بطرس خريسولوجيس + حملت مريم (النار) في يديها، واحتضنت اللهيب بين ذراعيها. أعطت اللهيب صدرها كي يرضع، وقدمت لذاك الذي يقوت الجميع لينها. من يستطيع أن يخبر عنها؟! القديس أفرام السرياني + التحفت بالنعمة الإلهية كثوب، وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية، في القلب تنعمت بالزيجة مع الله، وتسلمت الله في أحشائها.! الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة تتأكد هذه الفكرة أي الارتباط بين قداسة مريم وأمومتها بشكل واضح في الألحان القبطية تعطيها أسماء كثيرة توضح قداسة الثيؤتوكوس + السلام (الفرح) للسماء الجديدة، التي أشرق منها شمس البر، رب كل البشرية! + السلام (الفرح) لمريم، الحمامة الحسنة، التي ولدت لنا الله الكلمة! أسبوع الآلآم + صرت أعلى من السماء، ومكرمة أكثر من الأرض وكل الخليقة التي عليها، إذ صرت أما للخالق. + ليس من يشبه والدة الإله، فإنك وأنت تسكنين الأرض أما للخالق. (بارالكس) لحن البركة 2- ارتبطت قداسة العذراء بدوام بتوليتها، كما ظهر ذلك بوضوح في مقالات آباء الإسكندرية عن البتولية. أما القديس أمبروسيوس فيقول: كانت بتولا لا بالجسد فحسب بل بالروح أيضا، فإن نقاوة ذهنها لم يمسها أي خداع! 3- يشعر المؤمن الأرثوذكسي بقداسة مريم لا بوحي تعاليم تسليمها من الكتب بل ثمرة طبيعية لصداقة شخصية ارتبط بها مع القديسة خلال حياته اليومية، فالقبطي المؤمن يشعر بالقديسة أما له، الملكة القديسة التي في السماء تسأل عن خلاصه. هي الأم القديسة التي تتوق إلى قداسة أبنائها. 4- أخيرا تحسب مريم كقديسة بكونها "ابنة صهيون" الممتلئة نعمة، ترمز للكنيسة المقدسة. هي مثال لعرس المسيح، جسده السري والكيان الروحي الذي أسسه الرب وملاه بالروح القدس. القمص تادرس يعقوب ملطى القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل