المقالات
14 يوليو 2022
شخصيات الكتاب المقدس عاموس
عاموس
" لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبى، بل أنا راع وجاني جميز "عا 7: 14 "
مقدمة
فى أوائل القرن التاسع عشر، هاجم واعظ أمريكى شعبى اسمه بطرس أكرز، تجارة العبيد، وكانت هذه التجارة فى ذلك الحين، مما يبيحه القانون، ولا يرى أغلب الناس فيها ضرراً أو شراً، على أن أكرز وأمثاله من المسيحيين، رأوا فيها وصمة عار فى جبين الإنسانية والمسيحية معاً، وأنه يجدر بهم مقاومتها مقاومة الحياة أو الموت،.. ووعظ بطرس أكرز عن الرق، وندد به، وأعلن أنه لابد سيسقط فى يوم من الأيام،.. وكان هناك شاب فى الاجتماع ينصت بكل جوارحه إلى كلمات الواعظ، وقد مست شغاف قلبه، وخرج من المكان ليؤكد لصديق له، أن شيئاً ما فى أعماقه، يحدثه عن الدور الذى سيلعبه فى هذه القضية التعسة، قضية الرق،... وكان هذا الشاب هو الرجل العظيم الذى عرف فيما بعد بمحرر العبيد « إبراهام لنكولن،.. ».كان لنكولن ابن حطاب وكان فقيراً معدماً، ولكنه كان فى الوقت نفسه أميناً صادقاً، نقى القلب، متسامحاً وديعاً، يدرك أنه لا يشترط بالضرورة أن يكون الإنسان غنياً أو متعلماً أو فيلسوفاً، أو ذا مواهب متعددة، حتى يختاره اللّه،... إنما المهم أن يكون نقى القلب، مطيعاً مستعداً أن يسير حيث يرسله السيد،.. كان عاموس النبى رجلاً فقيراً، إذ كان راعى أغنام وجانى جميز، وكلا العملين لا يؤديهما إلا الفقراء المساكين المحتاجون، ومع ذلك فقد أرسله اللّه برسالة رهيبة إلى مملكة إسرائيل، ومن الغريب أن هذه المملكة كانت فى أوج مجدها حين ذهب إليها عاموس، فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل، ولكن عاموس لم ير المجد، بل رأى الوثنية والشر والفساد والإثم، فتنبأ عليها بالخراب والضياع والهلاك، ومع أننا لا نعلم على وجه التحقيق متى ذهب إلى بيت إيل لكننا نرجح أن نبوته كانت عام 760 ق.م.. وها نحن نتابع قصته فيما يلى:
عاموس ومن هو
فى قرية تقوع الواقعة على بعد خمسة أميال إلى الجنوب الشرقى من بيت لحم، أو عشرة أميال إلى الجنوب من أورشليم نشأ عاموس. والكلمة « عاموس » من أصل معناه « يثقل » أو « يحمل » وقد ذهب المفسرون لليهود إلى أنه دعى كذلك لأنه كان ثقيل اللسان، ولكن المرجح أن اسمه كان يشير إلى الرسالة الثقيلة التى كان عليه أن يحملها إلى إسرائيل، وما نظن أبداً أن الرجل كان ثقيل النطق، بل يبدو من لهجته أنه كان إنساناً صريحاً بسيطاً وديعاً، صافى النفس والروح والمشاعر، ومع أنه - على الأغلب - لم يكن متعلماً كثيراً، لكنه كان وافر الاطلاع على أسفار موسى والكتب المقدسة،.. وإذ لم يذكر الكتاب شيئاً عن أبيه أو عائلته، يرجح المفسرون أنه كان ينتسب إلى عائلة فقيرة مغمورة، ولكن هذا الإنسان الفقير المغمور الذى لم يدخل مدرسة الأنبياء، أو يولد إبناً لأحدهم، إذ كان راعياً وجانى جميز، تفتحت نفسه إلى اللّه، ولم تتلوث بشرور المجتمعات وضجيج المدن، ولذا فكثيراً ما يشبهونه فى طباعه ومزاياه، بيوحنا المعمدان، الذى عاش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل!!..
عاموس ورسالته
سبق لنا فى الحديث عن شخصية أمصيا كاهن بيت إيل، أن تعرضنا للفارق بينه وبين عاموس، أو الفارق بين الخادم المزيف والخادم الحقيقى، وقد حاول أمصيا طرد عاموس من أرض إسرائيل، بدعوى أنه من المملكة الجنوبية، وأن رسالته لا يجوز أن تتعدى أرض يهوذا أى المملكة الجنوبية، وقد رد عليه عاموس بالقول: « لست أنا نبياً ولا أنا بن نبى، بل أنا راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب: اذهب تنبأ لبنى إسرائيل » " عا 7: 14 و15 " ولعل هذه العبارة تكشف عن رسالته العظيمة إلى أبعد الحدود!!..
الدعوة إلى الرسالة
فوق روابى تقوع عاش عاموس يرعى ضأنه ويجنى الجميز، وأغلب الظن أنه كان سيعيش هكذا، ويموت هكذا لو لم يأته الصوت الذى دعاه إلى النبوة وأخذه من وراء الأغنام. ويرى بعض شراح الكتاب أن الكلمة « من وراء » تشير فى الأصل العبرانى إلى عنصرى المباغتة والأمر، اللذين أحس بهما هذا النبى الراعى،... وقد تحقق عاموس من دعوته، واستجاب لها. وما من شك أن أصواتاً كثيرة كان يمكن أن تهتف فى أذنى عاموس، بأنه ليس كفواً لهذه الخدمة، كما أن هذه الخدمة ليست له، فما هو من سلك الأنبياء، أو من أبنائهم ولم يتدرب فى مدارسهم، فكيف يمكن أن يكون نبياً، ولم يتعلم علومهم؟!!... أليس هذا هو منطق الكثيرين الذى نسمعه فى القرن العشرين؟؟، ممن يظنون أن أبناء الخدام لابد أن يكونوا خداماً مثل آبائهم، يأخذون الخدمة بالوراثة أو ما أشبه،... كما يظنون أنه لابد أن يتوافر فى الخادم العلم العالى، وأنه لا يجوز لضئيل المعرفة أو العلم، ممن لم يصل إلى الشهادات العالية، أو لم يأخذ الدراسات الدينية المنظمة أن يكون خادماً... كلا، لقد كان عاموس نبياً وخادماً للّه دون أن يكون متعلماً، ودون أن يأخذ دروساً لاهوتية معينة... كما أن عاموس كان إنساناً فقيراً مغمور الأصل والنسب، يمتهن أصغر الأعمال والحرف، فكيف يجرؤ على أن يرقى عتبات الملوك والرؤساء والعظماء، ليقرعهم برسائله المرهبة؟!.. لكن الجهل أو الفقر أو وضاعة النشأة، لم تمنع هذا النبى من الإحساس العميق بدعوة اللّه!!.. ألا فلنسمع بعضاً من أقوال جوزيف باركر عن عاموس بهذا الصدد: « إن خدام اللّه لا يصنعون أنفسهم، فليكن المجئ إلى الخدمة مجيئاً ضاغطاً لا يقاوم، مصحوباً بالإحساس العميق لعدم الكفاية، ولتكن حياة الخادم ختما وشهادة ومصداقاً للدعوة، وسيجد اللّه خدامه،.. وأى رجال يدفعهم الناس للخدمة هم رجال مخطئون، قد يكونون لطفاء ولطفاء جداً، وقد يكون بعضهم بهى الطلعة وادع النفس برئ النظرة، له وداعة الأطفال وحلاوتهم، لا يحدث ضجيجاً ما فى مجلس، ولا يؤذى أو يبغض مخلوقاً، … ومع ذلك، فاللّه هو الذى يجد خدامه وقد يكون البعض الآخر خشناً عنيفاً ذا قرون ناطحة، وله تعليم لاهوتى منظم، ولكن المهم هو كيف يتكلم عندما يعظ، وكيف يلتهب ويهدد من جانب، ويرعى ويرفق من الجانب الآخر؟؟.. عندما يلتقى بالمتكبرين الذاتيين يشتعل بالغيرة المقدسة والسخط الإلهى، وعندما يلتقى بالمنبوذين والتعابى والمنفردين والضائعين، يقول قول السيد للمرأة التى أمسكها اليهود ليرجموها « إذهبى ولا تخطئ أيضاً ».. " يو 8: 11 ".
مكان الرسالة
«إذهب تنبأ لشعبى إسرائيل »... " عا 7: 15 " عندما يرسل اللّه رسولا يقنعه بالمكان الذى سيذهب إليه، وقد يكون هذا المكان بعيداً عن البيئة والأهل والعشيرة، وقد يكون مكاناً مرعباً مرهباً بغيضاً، لكن الواجب الأول علينا هو أن نطيع ونذهب إلى المكان الذى يختاره الرب، كان عاموس من المملكة الجنوبية مملكة يهوذا، وكانت تقوع فى الجنوب من أرض فلسطين لكن اللّه أمر عاموس أن يترك بلده وأهله ومملكته ليذهب إلى بيت إيل فى مملكة الشمال ويتنبأ عليها... إن فشل الكثيرين من الخدام والمرسلين، يرجع إلى أنهم يريدون أن يختاروا لأنفسهم الأماكن التى فيها يعملون!!..
ثقل الرسالة
«فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب إذهب »... كان اسم « عاموس » - كما ذكرنا - يعنى الحمل أو الثقل، نسبة للرسالة الثقيلة التى كان عليه أن يحملها ويبلغها: « فقال السيد: ها أنا واضح زيجاً فى وسط شعبى إسرائيل. لا أعود أصفح له بعد، فتقفر مرتفعات اسحق وتخرب مقادس إسرائيل وأقوم على بيت يربعام بالسيف».. " عا 7: 8 و9 " وما أثقلها من رسالة، تلك التى يهاجم فيها فرد واحد أمة وملكاً وكهنوتاً وشعباً!!.. كان وراء الضأن وفى ظلال الجميز هادئاً وادعاً ساكناً آمناً، فما باله يقتحم المخاطر، ويمضى إلى عرين الأسد ليسمع قول أمصيا للملك: « وقد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل. لا تقدر الأرض أن تطيق أقواله » " عا 7: 10 " كان أمصيا - كما ذكرنا عند تحليل شخصيته - موتورا من الرجل الذى جاء يتهدده ومجده وكهنوته وبيته ومركزه فى وسط الشعب، وقد توعده وأرهبه، عساه أن يبتعد ويرجع إلى بيته وأمته،... على أن عاموس كان يحس ثقل الرسالة على وجه أشد وأقسى، لأنها كانت تتناول أمة عزيزة عليه، أثيرة على قلبه،... ولكنه لم يكن يستطيع التحول عنها يمنة أو يسرة، أو يتراجع عن إبلاغها، ولو كلفته حياته لأنها صوت الرب الذى تكلم إليه، أو كما قال: « السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ » " عا 3: 8 "!!..
غرابة الرسالة
كانت رسالة عاموس غريبة لأنها تحدثت عن خراب إسرائيل، فى وقت كان إسرائيل يمرح فى حياة المجد والبذخ والقوة،... ولو أن كاتباً من كتاب التاريخ طلب إليه أن يتحدث عن عصر يربعام الثانى، لتحدث عن المجد والثروة العظمة والسلطان والقوة، وكان آخر ما يفكر فيه كلمة الخراب، لكن عاموس أبصر هذه، وأبصر فيها وخلفها الخطية، فنادى بالسقوط والانهيار، ولكن التاريخ دائماً يعطى صورة صادقة لفكر عاموس ونبوته، فإن الخطية هى السوس الذى ينخر فى عظام الأمة، فى صمت وخفاء، فإذا جاء الانهيار، فإنه يأتى مباغتة ودون توقع من أحد!!..
عاموس والعبادة الكاذبة
كانت العبادة الكاذبة فى إسرائيل أس الداء وأساس البلاء، وقد وقف منها عاموس موقف التنديد والهجوم الصارخ، وكان من المستحيل عليه أن يهدأ أو يسكن، والعبادة الوثنية الشريرة تتفشى فى كل البلاد، ففى كل إسرائيل من دان إلى بئر سبع أقيمت المرتفعات المحلية والأنصاب لتمجيد البعل والعجل الذهبى، ويرجح أن بئر سبع والجلجال كانتا المكانين الرئيسيين لعبادة البعل، بينما كانت السامرة وبيت إيل مخصصتين للعجل الذهبى، ومما يدعو إلى الأسف والحزن والغرابة معاً، أن الإسرائيليين أرادوا أن يخلطوا بين النور والظلمة، والحق والباطل، واللّه والشيطان، إذ كانو يحفظون الطقوس،الفرائض، الأعياد، ويقدمون المحرقات والتقدمات والذبائح، ولكن على هذه المذابح الوثنية وبأسلوبها المنحرف الشرير، وها نحن نرى عاموس يتحدث عنها فى أسلوب تهكمى لاذع فيقول: « هلم إلى بيت إيل وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب وأحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم » " عا 4: 4 " وقد رأى عاموس كذب العبادة من أكثر من وجه:
عبادة من صنع الإنسان
فالعبادة التى أقامها بنو إسرائيل فى دان وبيت إيل والجلجال وبئر سبع، عبادة من صنع الإنسان وتفكيره، وما عجول الذهب التى صنعها يربعام بن نباط إلا وليدة فكرة سياسية، فقد أراد أن يبتعد بالإسرائيلين بعد انقسام المملكة عن أورشليم وعبادتها السماوية، ولذا أقام فى دان وبيت إيل عجلى الذهب،... وأما بعد فهو الصورة التى ابتكرها الخيال الوثنى، لتعبر للعابدين عن الإله الذى يتخيلونه أو يتصورونه، وهنا يتم فيهم قول الرسول. « وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد اللّه الذى لا يفنى يشبه صورة الإنسان الذى يفنى والطيور والدواب والزحافات »... " رو 1: 22 و23 " إن كل عبادة كاذبة من أصل بشرى!!..
عبادة الإغراق فى الطقوس
والملاحظ فى العبادة التى تحدث عنها عاموس، أنها عبادة طقسية، بل عبادة عمادها الأول والأخير الإغراق فى الطقوس، فالتقدمات والمحرقات والنذور كانت هائلة، وقد سخر النبى من العابدين وهو يقول: « وأحضروا كل صباح ذبائحكم، وكل ثلاثة أيام عشوركم »... والعشور سنوية، وكل ثلاث سنوات، ولكنهم أكثروا من تقدمتها بكيفية مذهلة عجيبة، والواقع أن الإغراق فى الطقوس نوع من الخداع النفسى الذى يلجأ إليه الإنسان لإراحة نفسه وتهدئة ضميره فى العبادة،... وماذا نقول اليوم عن الطقوس التى تصاحب العبادة والأعياد والأفراح والجنائز، الطقوس التى غدت ترتد بنا فى بعض المواطن، إلى ما يشبه الوثنية القديمة التى ندد بها عاموس!!..
العبادة التى لا خير فيها
هذه العبادة لا خير فيها على الإطلاق سواء للأمة أو للأفراد، ولعل الدليل على هذا هو المصير المفزع الذى سينتهى إليه الجميع، وما سيصيب أماكن العبادة التى ستدمر تدميراً، فالجلجال ستسبى سبياً، وبيت إيل تصير عدماً، وسيقتحم الرب بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إيل،.. " انظر عا 5: 5 و6 " ولو أن العبادة كان فيها أدنى خير لغيرت حياة المتعبدين، الذين ظلوا على ما هم فيه من شرور، بل أمعنوا فى آثامهم وضلالهم حتى قال لهم النبى: « يا أيها الذين يحولون الحق إفسنتينا ويلقون البر إلى الأرض »!!.. " عا 5: 7 ".
عاموس والعبادة الصادقة
لم يكتف عاموس بالتنديد بالعبادة الكاذبة، بل وجه الأنظار إلى العبادة الصادقة، وكشف عن إتجاهها ومضمونها!!.. وهى:
العبادة التى تطلب اللّه
«اطلبوا " الرب " فتحيوا » "عا 5: 4 و6 " ولم يكن هذا الإله مجهولا أو محدوداً أو ضعيفاً أو مصنوعاً وفق الخيال البشرى، بل هو الإله المتعالى السامى المقتدر « الذى صنع الثريا والجبار ويحول ظل الموت صبحاً ويظلم النهار كالليل الذى يدعو مياه البحر ويصيبها على وجه الأرض يهوه اسمه » " عا 5: 8 " هو الإله الذى: « السموات تحدث بمجده والفلك يخبر بعمل يديه » " مز 19: 1 " الذى يستطيع أن يجعل القوى ضعيفاً، والضعيف قوياً يخرج النور من الظلمة، ويرسل الظلمة إلى النور، إله الطبيعة والإنسان، العارف بكل الأمور، والقادر على كل شئ..!!
هذا الإله العظيم يقترب إلى الناس، ويقول: « اطلبونى فتحيوا ». ولعله من اللازم أن نشير دائماً، إلى أن العبادة، وإن بدت لأول وهلة طلب الإنسان للّه، إلا أنها فى الحقيقة هى طلب اللّه للإنسان، والدليل على ذلك مستمد من القول الإلهى: « اطلبوا الرب »... وهو قول يجاهد فيه اللّه وراء الإنسان، ويتجه إلى إرجاعه إلى الوضع الصحيح، فإذا نظرنا إلى العبادة بهذا المعنى، أضحى اللّه أسمى هدف يتجه إليه الإنسان، فهو يتجه إلى الحياة نفسها، فهنلك علاقة دائمة بين وجه اللّه والحياة، وبين الشركة مع السيد، وأفضل ما يمكن أن نصل إليه على الأرض،... إذ أن اللّه - فى الواقع - هو الحياة نفسها، ومن ثم كان الرسول بولس دقيقاً أبلغ الدقة وهو يقول: « لأن لى الحياة هى المسيح » " فى 1: 21 ".. وكان أوغسطينوس على حق وهو يقول: « قد خلقتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا عندك »..
العبادة التى تطلب البر
إن العبادة فى إتجاهها إلى اللّه، لابد تتجه حتما إلى حياة البر والحق والقداسة، وهنا يقول عاموس: « أطلبوا الخير لا الشر لكى تحيوا فعلى هذا يكون الرب إله الجنود معكم كما قلتم. ابغضوا الشر وأحبوا الخير وثبتوا الحق فى الباب لعل الرب إله الجنود يتراءف على بقية يوسف ».. " عا 5: 14 و15 " « وليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم » " عا 5: 24 " لقد ضاق اللّه بالطقوس والفرائض: « بغضت كرهت أعيادكم ولست ألتذ بأعتكافاتكم. إنى إذا قدمتم لى محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها. أبعد عنى ضجة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع » " عا 5: 21 - 23 " هل نعلم أن اللّه يهتم بحياة الحق والخير والبر والأستقامة، وأن هذا أجمل وأفضل وأقدس أمامه، من الاهتمام ببناء الكنائس، ورسومها، وجوقات الترنيم، وما أشبه؟!!..
عاموس والشرور الاجتماعية
هاجم عاموس الشرور الاجتماعية التى أبصرها فى إسرائيل، هجوماً عنيفاً صريحاً لاذعاً، وهذه الشرور الاجتماعية ليست قاصرة على إسرائيل القديمة، إذ أن جرثومتها تكمن فى أعماق النفس البشرية الخاطئة، ولذلك ما أكثر ما نراها فى قصة التاريخ فى الشرق والغرب معاً، وما أكثر ما تراها - على وجه أدق وأخص - قبيل سقوط الدول العظيمة، فالذين قرأوا تاريخ سقوط الدولة الرومانية القديمة، أو الثورة الفرنسية، أو الثورة الشيوعية يعلمون أن جميع هذه الدول سقطت بسبب نفس الشرور التى هاجمها عاموس قديماً.. والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون، ولذا سنرى:
عاموس والشهوات الحسية
إن أقسى مأساة تصاب بها أمة أو أسرة أو فرد، هى الاستسلام للشهوات الحسية العالمية، وقد انغمس إسرائيل فى هذه الشهوات إلى آخر مدى، وليس أدل على ذلك من إنحراف الطبقة الأرستقراطية من النساء والرجال وراء جميع المتع واللذات، وها عاموس فى الأصحاح الرابع من سفره يدعو النساء « بقرات باشان » إذ أبصرهن يرتعن كالبهائم دون فهم أو عقل أو إدراك، فى رياض المتعة والشهوة والشرور، بل كن يحرضن أزواجهن على الطاس والكأس، وفى الأصحاح السادس يتحدث عما يصحب هذا الإغراق الحسى من آثام ودنايا... فساسة صهيون والرؤساء فى جبل السامرة، والنقباء فى أفضل مملكة فى الأرض، الذين يأتى إليهم بيت إسرائيل، يلتمسون الرأى والمعونة والإرشاد والمشورة، هؤلاء قد استكانوا إلى الراحة والأطمئنان والكسل والجمود، وإهمال الواجب... ولم ينتهوا إلى هذا فحسب بل نسوا العبرة التى كان يمكن أن تأتى إليهم ممن سلكو ا ذات السبيل قبلهم من الأمم المجاورة، وخربوا وهلكوا وضاعوا.. « أعبروا إلى كلتة وانظروا واذهبوا من هناك إلى حماة العظمة ثم انزلوا إلى جت الفلسطينيين » " عا 4: 2 " ثم تأمل رعونتهم وحمقهم وغباوتهم إذ « يبصرون يوم البلية » بمثل ما تفعل النعامة الحمقاء المطاردة الهاربة المعيية، عندما تدفن فى الرمال رأسها لتبعد عنها سهم الصياد وقوسه،... وانظر إليهم وقد أصيبوا بالبطنة، فهم يتهالكون على الطعام: « الآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة » " عا 4: 4 " ومثل هؤلاء، ليس أمتع إلى نفوسهم أو أحلى من جلسات الغناء الماجنة الخليعة: « الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود. الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان » " عا 4: 5 و6 " مع الجمود التعس عن الإحساس بالمسئولية وآلام الآخرين: « ولا يغتمون على انسحاق يوسف »... وهل يفعل الإغراق فى الشهوات الحسية فى كل الأجيال والأمم والجماعات والأفراد، غير ما فعل أيام عاموس؟ وأليست الشراهة والدعارة، والبلادة والاستهتار، والإستباحة والحيوانية، والضعة والبوهيمية، وجمود الفكر تبلد الشعور والضمير، هى الظواهر التى تصاحب عادة وأبداً – عابدى الجسد وأسرى البطن والشهوة واللذة؟!!..
عاموس والظلم
وهل يمكن للشهوات أن تنمو فى تربة دون أن يتبعها الظلم؟، والظلم الرهيب الصارخ القاسى؟؟! وقد صدر هذا الظلم أول ما صدر عن المرأة، المرأة التى كان ينبغى أن تكون شعاراً للحنان والرقة والعطف، فبقرات باشان يصفهن عاموس بالقول: « الظالمة المساكين الساحقة البائسين » " عا 4: 1 " وأغلب الظن أن نساء إسرائيل قد ظلمن هؤلاء المساكين البائسين عن طريق أزواجهن وقد قسا الرجال بدورهم حتى كان يبلغ هذا الظلم مرتبة الإفناء: « المتهمون المساكين لكى تبيدوا بائسى الأرض » "عا 8: 4 " وقد صاحب هذا الظلم الكثير من الآثام والدنايا والشرور، فالرؤساء قبلوا الرشوة، ومن ثم تفشى فى القضاء الاعوجاج، ولم يستطع المسكين البائس أن يقف على قدميه، فجاع وتعرى، وبيع بثمن بخس رخيص: « الضعفاء بفضة والبائس بنعلين » " عا 8: 6 " وغمر الغش الأسواق، لنصغر الإيفة ونكبر الشاقل وتعوج موازين الغش » "عا 8: 5 " كان ظلمهم الأكبر لنفوسهم وللحياة وللواجب، هو طرحهم اللّه وراء الظهر، وضياع العبادة الحية الحيقية الكريمة.
عاموس والعقاب القاسى
وهذا ينتهى بنا آخر الأمر، إلى ما أعلنه عاموس عن العقاب الإلهى... فالإله العادل القدوس، هيهات أن يسكت أو يتغاضى أو يرضى عن آثام الناس وشرورهم، أو كما قال أحدهم: « قد ينجو الناس من العقاب البشرى كثيراً، فالعدالة البشرية، إذ هى بشرية، بعيدة عن الكمال، ومع ذلك فإن من لا ينجون من هذا العقاب أكثر كثيراً ممن ينجون، وقد يتأخر العقاب، ولكنه سيأتى فى صورة ما، بهذه الكيفية أو بتلك، ولنفرض أن الناس نجوا من العقاب البشرى، فهل يمكن أن ينجوا من مواجهة الضمير؟،... وإذا أمكنهم إسكات الضمير، فهل يمكنهم أن يخلصوا أولادهم من نتائج ما ارتكبوا من خطايا وشرور؟؟.. كلا، فليس هناك من نجاة.. »... لأن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فساداً،... وقد زرع الإسرائيليون فحصدوا، وحصدوا حصاداً قاسياً شديداً، فقد جاءتهم الساعة التى تحول فيها كل مجدهم وعزهم إلى الهوان والجوع، والخوف والشقاء، فأين أيام بقرات باشان!!؟. لقد أخذن بخزائم فى الأنوف، وأخذت ذريتهن بشصوص السمك، ومن الشقوق خرجن إلى السبى والعار والتعاسة والفجاعة،... وهكذا أيضاً سادة صهيون ونقباء السامرة الذين ألفوا الناعمات نراهم وقد سيقوا سوق الماشية إلى السبى والعار والتشريد!!..
جاء تغلث فلاسر ملك آشور وقضى على بيت إيل، وجاء بعده شلمناصر وأخذ السامرة،... وعندما تبدأ أمة حياتها بالأصنام، كما بدأ يربعام بعجول الذهب، فإنها - إن آجلا أو عاجلا - ستتحطم هى وأصنامها معاً كما حدث لإسرائيل عام 722 ق. م. وليست إسرائيل وحدها بل كل أمم الأرض كما تشهد وتؤكد فصول التاريخ!!... أو كما قال أحدهم: عندما لم يبق فى قرطاجنة سوى الغنى الفاحش، والفقر الذريع، سقطت قرطاجنة تحت أقدام الرومان، وعندما نسيت روما هذا الدرس وتلاشت منها الطبقة المتوسطة سقطت عند أقدام الغزاة البرابرة الذين وفدوا إليها من الشمال!!.. هل لنا - كأفراد أو جماعات أو أمم - أن نطلب طلبة أجور ابن متقية مسا: « اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عنى قبل أن أموت: أبعد عنى الباطل والكذب لا تعطنى فقراً ولا غنى، أطعمنى خبز فريضتى لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب، أو لئلا أفتقرو أسرق وأتخذ اسم إلهى باطلا » " أم 30: 7 - 9 ".
المزيد
13 يوليو 2022
مقياس الطول ومقياس العمق (روحانية العبادة)
أود في هذا المقال أن أحدثكم عن روحانية العبادة لكي يختبر الإنسان مقدار درجته في العبادة، هناك مقياسان:
أما مقياس الطول، فهو مقدار الوقت الذي يقضيه الإنسان مع الله في كافة نواحي العبادة: في الصلاة، في التأمل، في الترتيل، في الألحان، في التسبيح، في القراءات الروحية في مقياس الطول لا أريد أن أحداثك عن الدرجات الروحية العالية لئلا تقع في اليأس. لا أريد أن أحدثك عن حياة الصلاة الدائمة فربما لا يكون هذا هو طريقك في الحياة، وقد تكون هذه من درجات النساك العابدين. ولا أريد أن أحدثك عن تدريب صلب العقل الذي سار فيه القديس مقاريوس الإسكندري، ولا عن حالات اختطاف الفكر، ولا عن تدريب خلط كل عمل من أعمال الحياة بالصلاة.
ولا أريد أن أحدثك عن أمثال القديس أرسانيوس الذي كان يقف للصلاة وقت الغروب والشمس وراءه، ويظل واقفًا مصليًا حتى تطلع الشمس أمامه مقضيًا الليل كله في الصلاة.ولكني أحب أن أسألك كم تعطى الله من وقتك؟ وكم تعطى لأمور العالم من وقتك؟ وهل هي نسبة عادلة؟ وهل الوقت الذي تقضيه في العبادة كاف لغذاء روحك؟
هناك إنسان يزعم أنه يصلى كل يوم. وقد يكون مجموع صلواته في اليوم بضع دقائق، لا تشبع روحه ولا تشعره بالصلة بالله وقد يقف إنسان ليصلى، وسرعان ما يشعر بالسأم والملل، ويحب أن ينهى صلاته بأية طريقة كما لو كان عبئًا ثقيلًا عليه!! ذلك لأن قلبه جاف من الداخل ليست فيه محبة الله وقد يعتذر إنسان عن الصلاة بضيق الوقت. وقد يكون السبب الحقيقي هو عدم وجود الرغبة وليس عدم وجود الوقت!
إن أكبر رد على مثل هذا الإنسان هو داود النبي الذي كان ملكًا، وقائدًا للجيش، ورب أسرة كبيرة جدًا، ومع ذلك نراه يصلى "عشية وباكر ووقت الظهر". ويقول لله: "سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك".. ولا يكتفي بالنهار بل يقول أيضا: "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك". ولا يكتفي بالليل بل يقول: "كنت أذكرك على فراشي، وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لك". ولا ينهض فقط في وقت السحر بل يقول للرب: "سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك ومع كل صلوات الليل هذه، نراه يقول في شوق إلى الله: "يا الله أنت ألهي، إليك أبكر، عطشت نفسي إليك" وفى النهار يقول: "محبوب هو أسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" إنه مثل جميل، لرجل من رجال الصلاة، كان مشغولًا جدًا، وعليه مسئوليات وأعباء لا حصر لها، ومع ذلك نجح في عمل الصلاة، وضرب مثالًا رائعًا لمقياس الطول في العبادة.. فلا يصح إذن أن نعتذر بالمشغوليات. لأننا إن آمنا بأهمية أمر من الأمور، نستطيع أن نوجد له وقتًا. المشكلة إذن في عدم وجود الرغبة.وقد يكون السبب هو عدم الإحساس بالاحتياج إلى الصلاة.. مثال ذلك الشاب الذي زارني في إحدى المرات وقال لي: "إن شاء الله ستبدأ امتحاناتي يوم السبت، فأرجوك أن تذكرني في صلواتك يوم الأربعاء لأنها مادة صعبة". فقلت له: (وماذا عن امتحان يوم السبت؟). فأجاب: "إنها مادة سهله لا تحتاج إلى صلاة"..! نعم، ما أكثر تلك الأمور التي نراها لا تحتاج إلى صلاة.. إنها الثقة بالنفس أو بالظروف المحيطة أو ببعض المعونات البشرية، التي تجعلنا نشعر أننا لسنا في حاجة إلى صلاة.. كأننا ننتظر الوقت الذي يسمح فيه الله بضيقة أو مشكلة، وحينئذ فقط نصلى!!
أعود إلى سؤالي: ماذا عن مقياس الطول في حياتك الروحية؟ وهل أنت من جهة وقت العبادة في نمو مستمر؟
أما عن مقياس العمق فهو حالة القلب أثناء العبادة.. فقد يصلى إنسان وقتًا طويلًا ولكن في غير عمق.. بصلوات سطحية أو بصلوات من العقل فقط أو من الشفتين وليست من القلب، أو بصلوات من عقل غير مركز يطيش أثناء الصلاة في العالميات..!
إن مقياس العمق في الصلاة يجعلنا نسأل الأسئلة الآتية:
هل صلواتك بحرارة؟ وهل هي بإيمان؟ وهل هي بحب وشوق نحو الله؟ وهل صلواتك في انسحاق وتواضع قلب؟ وهل هي في خشوع وهيبة شديدة لله؟ وهل هي في تركيز وجمع للعقل؟ وهل صلواتك تشعر فيها بالصلة الحقيقية أمام الله كما لو كان قائمًا أمامك تخاطبه وجهًا لوجه؟ وهل هي من القلب حقًا أم من الشفتين فقط؟ وهل تتكلم فيها مع الله بدالة وثقة؟ وهل أنت تجد لذة في صلاتك وتتمنى لو استمرت معك كل الوقت أم أنك تؤدى فرضًا لابد أن تؤديه؟ وهل صلواتك من أجل نفسك فقط أم من أجل الآخرين أيضًا؟ وهل صلاتك هي لله وحده أم فيها عناصر الرياء ومحبة الظهور أمام الناس إنها أسئلة كثيرة إن أجبت عليها تعرف مقدار العمق الذي لك في عبادتك.ويدخل في مقياس العمق نوعية الصلاة أيضًا.. فهل صلاتك مجرد طلب، أم فيها أيضًا عنصر الشكر، وعنصر التسبيح والتمجيد، وعنصر التوبة والانسحاق والاعتراف بالخطية ثم أيضًا هل صلاتك بفهم؟
هل تعنى كل كلمة تقولها لله؟ وهل تفهم معاني الألفاظ التي ترددها وبخاصة في الصلوات المحفوظة وفي المزامير؟
ويبقى بعد كل هذا أن نسأل: هل أنت حقًا تصلى؟ هل ينطبق عليك مقياس العمق؟ هل تشعر أن صلواتك قد وصلت فعلًا إلى الله؟ وهل تشعر أنه قبلها، وأنك مطمئنًا واثقًا أن الله سيعمل معك عملًا وهل في صلاتك تشعر أنك حفنة من تراب تحدث خالق الكون العظيم، فتقف أمامه في خشوع تشكره على الشرف الذي منحك إياه إذ سمح لك أن تقف أمامه إن قست نفسك بهذين المقياسين، مقياس الطول ومقياس العمق، ووجدت نفسك لم تبدأ بعد حياة العبادة، فنصيحتي لك أن تبدأ من الآن، وأن تحسن حالتك يومًا بعد يوم.. ولا تنهمك في أمور العالم الانهماك الذي يجفف قلبك ويقسي روحك ويجعلك تنظر إلى أمور العبادة بعدم اكتراث!!
أيها القاري العزيز، ضع أمامك على الدوام قول السيد المسيح: "ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! أو ماذا يعطى عوضًا عن نفسه "؟!.. اهتم إذن بنفسك واحرص على أبديتك. ولتكن لك علاقة عميقة بالله. وان وجدت صعوبة في بداية الطريق فلا تيأس. وان حاربك الشيطان فقاومه، واثبت في عبادتك. وسيأتي الوقت الذي تذوق فيه جمال الحياة الروحية فتجدها شهية وممتعة، فتأسف على الأيام التي ضاعت عبثًا من حياتك. ابدأ في عمل الصلاة، وفي صلاتك اذكر ضعفي. وليكن الرب معك يقويك على عمل مرضاته..
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
من كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
12 يوليو 2022
نواحى الإختلاف بين بطرس وبولس
تحتفل الكنيسة بتذكار استشهاد هذين القديسين في يوم 5 أبيب الموافق ۱۲ يوليو ، ويسمى هذا العيد في كنيستنا باسم عيـد الرسل ، وتاريخه ثابت هكذا في كل عام . والكنيسة توقر هذيـن الرسولين توقيراً عميقاً . وتمدحهما في إكرام جزيل وبخاصة في القسمة الخاصـة بصـوم الرسل وبعيـد الرسل ، التي نصليها في القداس الإلهي . ومع أنه لا توجد كنائس كثيرة على إسميهما معاً ، إلا أنه توجد كنيسة بإسميهما في منطقة الأنبا رويـس بالقاهرة ، وكنيسـة أخـرى بإسميهما في لوس أنجلوس بكاليفورنيا بأمريكا هذان القديسان يمثلان نوعيـن متمايزين من جهة الشخصية والرسالة والأسلوب وكل منهما له طابع خاص . . .
نواحی اختلاف * بطـرس كـان في مقدمـة مـن إختارهم الـرب للعمـل معـه ( مت ۱۰ ) . وبولس لم يكن من الإثنى عشر ، ولا حتى من السبعين رسولا ، بل اختاره الـرب أخيراً ، بعد القيامة وبعد اختيار متيـاس بسنوات إنه لم يتبع المسيح في فترة كرازته على الأرض . بـل قـال عـن ذلك " وآخر الكل ، كأنه للسقط ظهر لي أنا ، لأني أصغر الرسل ، أنا الـذي لست أهلا أن أدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسـة اللـه " ( ۱ کوه ۱ : ۷- ۹ ) . ومع أنه كان آخر الكل في دعوته ، إلا أنه " تعب أكثر من جميعهم " ( 1 كو 15 : 10 ) . وهذا يظهر لنا أنه ليس بالأسبقية ، إنمـا بمقدار التعب من أجل الله فقد لا يكون إنسان أقدم العاملين في الخدمة . ومع ذلك يكـون أقوى العاملين يوحنا المعمدان لم يكن أول الأنبياء في العهد القديم ، إنمـا كـان آخرهم في الترتيب الزمني . ومع ذلك قيل إنه لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان " ( مت ۱۱ : ۱۱ ) . أوغسطينوس قال للرب " لقد تأخرت كثيرا في حبك . ومع تأخره كان أعمق من ملايين ممن سبقوه " * ولد بطرس في بيت صيدا ، وعاشت أسرته في كفر ناحوم . أما بولس ، فولد في طرسوس ، من أعمال كيليكية . وإن كان قد أتي في شبابه المبكر إلى أورشليم ، لكي يكمل تعليمه الديني ليتعلم الناموس على أحد أساتذته الكبار ( أع ٢٢ : ۳ ) . * كان بطرس الرسول متزوجاً . وقد ورد في الإنجيل إن السيد المسيح قد شفى حماتـه مـن الحمى ( مت 8 : 14 ، 15 ) . وكـان في رحلاته التبشيرية يجول مصطحباً زوجته معه كأخت ( 1 كو 19 : 5 ) أما بولس الرسول فكان بتولا ( اکول : ۷ ) . وكان يدعـو إلى أفضيلة البتوليـة . ولكـن كـل واحـد حسـب موهبته الخاصة من الله ، والدعوة التي دعى فيها ( ۱ کو ۷ : ۷ ، ۱۷ ،٢٠) وهذا يدل على أن الـرب يدعو الجميع إلى خدمته ، سـواء كانوا متزوجين مثل بطرس أو بتوليين مثل بولس * بطرس بدأ حياته مع السيد المسيح بالحب والثقة والإيمـان .أما بولس فكان على عكـس هـذا : بـدأ بـالعداوة ، كمضطهـد للكنيسة ولكل من يتبع المسيح ، حتى أن الرب لما قابله في طريق دمشق ، بدأ الحديث معه بالعتاب ، قائلاً له " شاول شاول ، لمـاذا تضطهدنـی ؟ " ( أع 9 : 4 ) . * القديس بطرس كان رجلاً بسيطاً ، صياد سمك ( مت 4 : ١٨ ) . كان جاهلاً لم يتلق شيئاً من الثقافة والعلم . إنـه أحـد " جهـال العـالم الذين أخزى الرب بهم الحكماء " ( اکو ۱ : ۲۷ ) . وقيل عنه – هو والقديس يوحنا – إنهما " إنسانان عديما الفهم وعاميان " ( أع ٤ : ١٣ ) . أما القديس بولس فكان من علماء عصره ، تثقف في جامعة طرسوس ، وتهذب عنـد قدمـی غمـالائيل ( أع ٢٢ : ۳ ) . واشـتـهر بالثقافة وكثرة قراءة الكتب ( أع ٢٦ : ٢٤ ) . وهذا يرينـا أن الـرب يستخدم الكـل فـي ملكوتـه ، العلمـاء والبسطاء على حد سواء . المهم أن يكونوا أوانـي صـالحـة لعمـل نعمته ... * وفى إرسالية كل من القديسين بطرس وبولس ، كان هناك تمايز أيضاً . بطرس الرسول بدأ خدمته ، وهو كبير السن . ربما كان أكـبر . سنا من جميع الرسل . لذلك كانوا يوقرون سنه . ولعلـه مـن جهـة السن ، قال عن القديس مرقس " مرقس ابنی " ( ۱ بطه : ۱۳ ) . * أما بولس الرسول ، فكان أصغر سناً من القديس بطرس . من جهة الإختلاف أيضاً أن القديس بولس الرسول كـون لـه مجموعة كبيرة من التلاميذ ، أكثر من بطرس فكان من تلاميذه تيموثاوس وتيطس اللذين كتب لهما رسائل وكذلك من تلاميذه لوقا ، وأرسترخس ، وتيخيكـس وكـاربس وفيبي الشماسة ، وإكيلا وبريسكلا .. وآخرون . مرقس تبع الإثنين : بطرس أولاً . ثم استقر مع بولس إلـى آخـر أيام حياته ( ۲ تی 4 : ۱۱ ) . قيل عن القديس بطرس إنه كان " رسول الختان " أؤتمن على " إنجيل الختان " أي الكرازة لليهود . بينما أؤتمن بولس على " إنجيل الغرلة " أي الكرازة للأمم . وهكذا قال القديس بولس الرسول " إني أؤتمنـت علـى إنجيـل الغرلة ، كما بطرس على إنجيل الختان . فإن الذي عمل في بطـرس لرسالة الختان ، عمل في أيضاً للأمم " ( غل ۲ : ۷ ، ۸ ) . وهكذا قال الرب لبولس " اذهب فإني سأرسلك بعيداً إلى الأمـم " .( أع ۲۲ : ۲۱ ) . وقـال لـه كذلك " لأنك كمـا شـهدت بما لي في أورشليم ، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضاً " ( أع ٢٣ : ۱۱ ) . وكتب بولس رسالة لأهل رومية ورسائل لكنائس الأمم . وكتـب بطرس إلى اليهود المغتربين في الشتات ( ۱ بط ۱ : ۱ ) . كتب القديس بولس ١٤ رسالة تشمل 100 إصحاحـاً أمـا القديس بطرس فكتب رسالتين فقط تشملان 8 إصحاحات كان القديس بطرس بسيطاً في كتابته . أما القديس بولس فقال القديس بطرس عن رسائله " فيهـا أشياء عسرة الفهـم يحرفهـا غير العلماء وغير الثابتين . لهلاك أنفسهم " ( ۲ بط ۳ : 16 ) . وقد تحدث القديس بولس في مسائل لاهوتيـة مثـل التـبرير والتجديد ، والناموس والنعمة ، والمعمودية والكهنوت ، والاختيـار والرذل ، والتهود مما لم يتعرض له القديس بطرس . كان القديس بطرس مندفعاً . ربما بسبب حماسه الشديد أو غيرته . وقد مدحه الرب لمـا شـهد له بأنه ابن الله الحي ( مت 16 : 15- 19 ) . ولكن كثيراً ما وبخه الرب على اندفاعه مثلما وبخه بعد ذلك ، لما تحدث الرب عن آلامه المقبلة وقتـل . اليهود له . فاندفع بطرس وقال منتهراً " حاشاك يارب ، لا يكون لك هذا " . فوبخه الرب قائلاً " اذهب عنى يا شيطان . أنت معثرة لي . لأنك لا تهتم بما لله ، بل بما للناس " ( مت 16 : ۲۱- ۲۳ ) واندفع بطرس أيضاً عند غسل الرب لأرجـل تلاميذه . فامتنع قائلاً : لن تغسل رجلي أبداً ! فلما أجابه الرب : إن لم أغسلك ، فليـس نصيب . حينئذ اندفع مرة أخرى وقال " يا سيد ، ليس رجلی فقط ، بل أيضاً يدى ورأسى " ... ( یو ۱۳ : ۸- ۱۰ ) . واندفع بطرس مرة أخرى عند القبض على السيد المسيح " كـان معه سيف . فاسا وضرب عبد رئيس الكهنـة ، فقطع أذنه اليمنى ( وكان إسم العبد ملخس ) . فقال له الرب : رد سيفك إلى غمـده . الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها ؟! " ( يو ۱٨ : ۱۰ ، ۱۱ ) . وقال له كذلك " لأن كل الذين يأخذون بالسيف ، بالسيف يهلكون " ( مت ٥١:٢٦ ،٥٢) لك معی وهكذا نرى أن الرب اختاره على الرغم مـن اندفاعـه ثـم حـول هذا الإندفاع إلى الخير منذ يوم الخمسين " فنرى أن بطرس هو الذي بدأ الكلام في ذلك اليوم ، وفستر للناس ما كان يحدث ( أع ٢ ) ، ودعاهم إلى الإيمان . وهو أيضاً الـذي بـدأ الكلام يوم شفاء الأعرج ، ووبـخ اليهود على تفضيلهم رجـل قـاتل .على السيد المسيح أمام بيلاطس ( أع ٣ : ١٢- ٢٦ ) . وهو الذي كان يتقدم في مناسبات كثيرة . مثلمـا قـال " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " ( أع 5 : ۲۹ ) . وهكذا استخدم الرب اندفاع بطرس للخير أما القديس بولس فكان أيضاً متحمساً ، ولكن في غير اندفاع .. ولعل مـن الإختلاف بينهما في اسلوب العمل ، أن القديس بولس وبخ القديس بطرس نفسه في إحدى المرات : وقد شرح ذلك في الإصحاح الثاني مـن رسالته إلى غلاطية ، فقال : " كان لما أتى بطرس إلى أنطاكية ، قاومته مواجهة لأنـه كـان ملوماً لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ، ولكـن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفاً من الذين هـم مـن الختـان . وراءى معه باقى اليهود أيضاً حتى إن برنابا أيضاً إنقاد إلى ريائهم . لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حـق الإنجيل ، قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنـت يـهـودى تعيـش أممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا " ( غل ۲ : ۱۱- ١٤ ) . ومع ذلك فالقديسـان اشتركا وتشـابهـا فـي مسـائل جوهريـة كالغيرة والاستشهاد ،
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن سلسلة نــبذات القديسان بطرس وبولس في عيد الرسل الذي هو عيدهما
المزيد
11 يوليو 2022
أسئلة وتداريب للخادم لمحاسبة نفسه قبل الاعتراف
1ـ هل أنا إنسان أمين في حياتي الروحية وجهاداتي في وسائط النعمة ؟
٢ـ كيف أصلي ؟ هل بعمق ـ بمزامير ـ بتأمل وتسابيح ـ هل أنا أمين في الصلاة لأجل المخدومين واحتياجات رعيتي وأولادي ؟
3ـ هل أنا ملتزم بأصوام كنيستى وأقدم نفسي قدوة للآخرين من وما مقدار جهادي في الانقطاع ؟ خلال هذا الالتزام ؟
4ـ هل أنا منتظم يومياً في قراءة الكتاب المقدس ، وهل أغتذى به يومياً لحياتي أم أقرأه فقط لضرورة التحضير وإلقاء الدروس ؟ ٥ـ ما مقدار عطائي وبذلي في مجالات الخدمة ؟ هل أنا أمين في العشور بل هل أعطى أكثر من هذا ؟ هل أشارك في تغطية إحتياجات الخدمة بكل سخاء أم أنا شحيح العطاء لخدمتي وأثقل على الكنيسة بكثرة المطالبات ؟
6ـ ما هو انتظامي في الاعتراف والتناول ؟ ما هو تاريخ آخر جلسة اعتراف جمعتك مع أب اعترافك ؟ هل تناولك من الأسرار المقدسة يومى أم أسبوعى أم شهرى أم في فترات متباعدة ( بضعة شهور ) أم في المناسبات ؟
٧ـ هل أنا أحب كل من في الكنيسة : آبائي الكهنة ـ إخوتى الخدام وأبنائي المخدومين ـ هل توجد بغضة في قلبي من جهة أحد ؟ وحب الظهور ؟
٨ـ هل أنا في الخدمة محب للرئاسة والتسلط وهل كنت ـ بصورة أو بأخرى ـ سبب عثرة لأحد سواء من الخدام أو المخدومين ؟ .
٩- هل أحب المتكئات الأولى ومجالس المعلمين وأشتاق لإظهار مواهبي وإمكانياتي ، وأقارن نفسي بالآخرين في هذا المجال ؟ روح التلمذة وألتزم باجتماع الخدام وكل الفرص التي تبنى ١٠ـ هل أنا خادم أعيش حياتي وأتواجد فيها بجوع وعطش روحيين ؟
١١ـ هل أنا ضيق الصدر سريع الغضب ؟ وهل أجاهد لاقتناء اللطف وطول الأناة مع الجميع ؟ ۱۲ـ هل أنا مستعد ـ في الخدمة أو في حياتي الخاصة ـ أن أحمل الصليب وأشارك في احتمال المشقات وتنفيذ ما يطلب منى ولو كان فيه تعب ومشقة وتثقيل على ؟ هل أعيش ببركة وصايا الكتاب : « حسب قانوننا بزيادة » ( ۲ کو 10 : 15 ) ، « حسب الطاقة بل وفوق الطاقة » ( ۲ کو ۸ : ۳ ) ؟
١٣ـ هل في الخدمة : أنتظر المديح وأشتهيه أو أطلبه وأسعى إليه أو أفرح به وأسر عندما أسمعه ؟ وعلى الجانب الآخر هل كلمات المذمة والانتقاد تتعبني أو تقلقني ؟ بعبارة أخرى : هل يهمك ويزعجك تقييم الناس لك أو لخدمتك سلباً أو إيجاباً ؟
١٤ـ ما مقدار عفتی وطهارتي في مجتمع الخدمة وعلاقتي مع كل من حولي : ( طهارة عينى وحواسي وأفكارى ) ؟
١٥ـ کلامی كخادم : ما هو وما مقدار حكمتي واتزاني في الأحاديث وهل كلماتي للبنيان ومنفعة الآخرين ؟ هل أعثرت أحداً بكلمة ؟
١٦ـ هل أنا خادم كنسى حقيقي ؟ بمعنى أرثوذكسية إيماني وتعليمي ـ حبى لكنيستى وممارساتي فيها ـ حبي للقديسين والتشفع بهم ـ هل أنا حريص على ربط أولادى بالكنيسة وقديسيها ؟
۱۷ـ هل أنا حريص على دراساتي الكنسية في كل فروع المعرفة الكنسية [ عقيدة ولاهوت وطقس ودراسة كتاب وتاريخ كنيسة وتسبحة ] ؟
۱۸ـ هل أنا خادم أمين في تحضيری ـ هل لى كشكول تحضير كامل ـ وهل أعتنى بتحضير دروسي كتابة وأعتمد على مصادر التعليم الكنسى وكتب الآباء ؟ أم أن معظم خدمتی كلمات شفهية مرتجلة ؟
١٩ـ هل أنا كخادم ـ إنسان مثمر وفعال في نطاق أسرتى . وما مقدار اهتمامي بعائلتي على المستوى الروحي ؟ « إن كان أحد لا يعتنى بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن » ( ۱ تی ٥ : ٨ ) .
٢٠ـ إن كنت خادماً متزوجاً فهل أنا أمين في تدبيري لبيتي والحرص على جعله كنيسة عابدة ونموذجاً رائداً للأسرة الروحانية كأيقونة مصغرة للكنيسة الأم ؟ هل عائلات الخدام نموذجية وسيرتها تفوح منها رائحة طيب عطرة ؟
۲۱ـ للخادمات : هل أنا إنسانة محتشمة في كل كياني ؟ هل أميل إلى تقليد بنات العالم أم لى قوانيني الروحية المنضبطة ؟ هل أعلم بناتي عن الاحتشام وزينة الروح بينما أستعمل زينة العالم وأتمسك بها . هل أنا متشبهة بالعذراء والقديسات في الفضائل وهل أنا داخل الكنيسة بصورة تختلف عن خارجها أم أنا صورة إلهي في كل مكان ؟
۲۲ـ للجميع : خدام وخادمات : ما مقدار الثمر الروحي الذي حصلت عليه الكنيسة من خلال خدمتنا ؟ كم نفس خلصت وكم خاطئ تاب ، وكم خروف ضال رجع ، وكم إنسان ربحناه لملكوت السموات ؟ « انظروا دعوتكم أيها الإخوة » ( ١ كورنثوس 1 : ٢٦ ).
القمص بيشوى وديع
كاهن كاتدارئية كنيسة الشهيد مارجرجس وشهداء طنطا الأطهار
عن كتاب الخادم الأرثوذكسى كنيسة وحياة
المزيد
10 يوليو 2022
تدبير الكنيسة في العهد الجديد
اليوم هو الأحد الأول من شهر أبيب، تتحدث فيه الكنيسة عن تدبير الكنيسة في العهد الجديد، وإرسالية السيد المسيح للآباء الرسل التي بها كان العمل والسلطان والتكريس الكامل لهم.
وعمل الله يحذر أيضاً من فقدان النعمة، ويحذر ليس فقط من يرفض ولكن من يخون أيضاً، فعمل ربنا يسوع المسيح أن كل إنسان يولد يكون له فرصة في الحياة الأبدية، وأن الكنيسة تحمل هذا العمل وهذا السلطان من خلال الآباء الرسل، الذين تحولت حياتهم من حياة عادية إلي هدف ورسالة.
"ويل لك يا كورزين ويل لك يا بيت صيدا، لأنه لو صنعت في صور وصيدا القوات المصنوعه فيكم لتابتا قديماً جالستين في الرماد والمسوح" لو 13:10 رفض النعمة علي اي مستوي له دينونة، علي مدار التاريخ نجد هناك من يرفض ومن يخون أيضاً، هو يعرف الضعف ولكنه لا يسمح بالخيانة، الخيانة هي التدبير ضد المسيح، فعل ليس فقط عن ضعف ولكن عن تخطيط، بيما ارسل السيد المسيح التلاميذ والرسل وكلهم كانت لهم نفس النعمة إلا أنه كان فيهم خائن، وهذا الخائن كان يدرك تماماً أنه يسلم المسيح.الخيانة ليست فقط موقف وإنما صورة حياة، الخيانة كسر المحبة.. كسر العلاقة مثل: قايين، وشعب بني إسرائيل، وبني قورح وداثان وأبيرام، إبشالوم.....إلخ
الخيانة هي رفض المسيح إما من أجل الذات أو محبة العالم، ولكن أسوأ وأبشع خيانة هي الهرطقة، لأنها تؤدي إلي هلاك أخرين، كم من نفوس هلكت لأنها صارت وراء مهرطق، لأنه أسائوا إلي التسليم الرسولي قصداً وعمداً، والخائن هنا هو خائن شيطاني لأنه يدرك تماماً أنه يكسر ما تسلمناه من إيمان ويسلم النفوس إلي مسيح آخر وإنجيل آخر لأجل أن يطلق عليه لفظ قائد وصنع طائفة جديدة، من أجل ذاته يخرب الكنيسة، تلك الخيانة اسؤا خيانة. لذلك لم يتهاون الآباء أبدا في آي حرف من التسليم الابائي، وكانت الكنيسة حاسمة جداً في قطع كل مهرطق ولم تشفق علي آي منهم، واطلقت عليهم أنهم ذئاب وثعالب ووحوش مفترسة نهشوا القطيع.إن اردتم أن تحتفظوا بالأمانة وبعمل المسيح في داخلكم لأبد أن تحتفظوا بالإيمان قويماً أرثوذوكسياً.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين
القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
09 يوليو 2022
الخادم مرمم الثغرة
الخـادم مرسل من الله ليعمل عمل الله ... يقود ويجمع ويبنى ويفتقد ويعلم ويتابع ... وأضاف لنا أشعياء النبي دوراً هاماً للخادم وهو أن يرمم الثغرة .. إذ قال : ومنك تبنى الحرب القديمة . تقيم أساسات دور فـدور ، فيسمونـك : مرمم الثغرة ، مرجع المسالك للسكني » ( آش ۱۲:۵۸ ) وهنا الثغرة بمعنى النقص أو الفراغ أو نقطة الضعف ... وما أخطر الثغرات في أسوار المدن ... فهي تسمح للأعداء بالتسلل خفية ... وتضعف السور بأكمله فتعرضه للهـدم وبالتالي المدينة بأكملها للهزيمة ... قديماً وقف حزقيال ينادي . وطلبت من بينهم رجـلا يبني جدارا ويقف في الـفـر أمامـي عـن الأرض لكيلا أخربها ، فلم أجد ( حز ۲۰:۲۲ ) مـن هـنـا نجـد أن الله يقـوم بعملية بحث عـن خدام ، رجـالا يبنون جدراناً قبالة الأعداء ويقفون في الثغر ليتصدوا لهم من الدخول والسلب والنهـب ... الله يبحـث ولا زال يبحث عن مثل هؤلاء الخـدام إذ لازالت الثغرات كثيرة والجدران تحتـاج إلى ترميم وبنـاء ... يحتاج إلى خدام يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الأول ويجددون المدن الخربة ... يريد أن يقيم خداماً حراساً على أسوارها كما ذكر النبي أشعياء . « علـى أسـوارك يا أورشليـم أقمت حراسا لا يسكنون كل النهـار وكل الليل على الدوام ، يا ذاكري الرب لا تسكتوا ،ولاتدعوه يسكت ، حتى يثبت ويجعل أورشليم تسبيحة في الأرض " ( أش ٦:٦٢ ) لا تنظر إلى الثغرات وتسكت بل قم ورمم .. إن كان هنـاك ثغرات في الحب قـم إصنع سلاماً وحبـاً وبادر وقدم وإمسك بآلات الترميم ولا ترخها من يدك ... وإن كانت الثغرات في الإفتقاد إبدأ وإسـأل أولا عن إخوتك الخدام اللذين ظنوا أن الكنيسة قد تركتهم ونسيتهم بل وقد يظن البعض أنها قد م .. قم رمم الثغرات التي صنعتها أحداث واستثمرها عدو الخير رفضتهم .. لصنـع شقاقات في أسوار المحبـة وإصنع سلاماً وحباً وكن كسيدك الذي يرى كل ما هو صالح حتى في الشخصيات الضعيفة ... وإن كانت الثغرات في التعليم ... قدم التعاليم العديمة الغش تمسك بنصيحة القديس بولس لتلميذه تيطس . مقدما نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة ، ومقدمـا في التعليم نقـاوة ، ووقارا ، وإخلاصا ( تيط٧:٢) وإن كانت الثغرات في عدم الجدية والأمانة فكن أنت مبادرا بالإلتزام والتواجـد وإهتم بالأعمال الصغيرة قبـل الكبيرة ففي هذا ربح عظيم .. ولتكـن خدمتك ليست عن إضطرار بـل بالإختيار ولا لربح قبيح ( يقصد ليسـ لحساب مجد الذات ) بل بنشاط أي برغبـة الحب والإشتياق لعمل الله . ليتـك عـزيـزى الخادم تـكـن خادماً مرممـاً للثغرة وتـردد مع مرنم إسرائيل الحلو أحسـن برضـاك إلى صهيـون . ابـن أسـوار أورشليم ( مز 18:51 ).
القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك
عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد
08 يوليو 2022
القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٢
القيمة الثانية : الاتضاع :-
مجرد أن الإنسان يأخذ وضع الخادم ، وقد يكون في مركز أعلى من الذي يغسل له رجليه ، فكونه يأخذ هذا الوضع وينحنى ، هذه فضيلة لأن فيها معنى التواضع . وقلنا أنه في الثلاثينيات كنا نذهب إلى الأديرة ونجد الآباء الرهبان رغم أنهم شيوخ ونحن شباب صغير ، كانوا يصروا أن يغسلوا أرجلنا ، ويطلبوا أن لا نحرمهم من هذه البركة : يريد أن ينفذ وصايا الكتاب المقدس الذي يقول " لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون وهذه القصة واضحة في سفر التكوين ، أن إبراهيم أبو الآباء أضاف ثلاثة رجال ، اتضح له فيما بعد أنهم ليسوا رجالا عاديين ووصفوا بأنهم ملائكة ، لكن هم في الواقع كانوا السيد المسيح في الوسط والملاك ميخائيل على يمينه والملاك جبرائيل على يساره . لذلك يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين أصحاح ۱۸ : ۲۲ " فانصرف الرجال من هناك ، وذهبوا نحو سدوم وأما إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب " يكلمه ويقول له : " أديان كل الأرض لايصنع عدلا ، هب أن هناك في سدوم خمسين بارا في المدينة أفلا تصفح عن المكان كله من أجل الخمسين ؟ . قال إن وجدت هناك خمسين باراً أصفح " ، إذن من الذي يتكلم ؟ هو صاحب السلطان على الصفح والغفران ديان كل الأرض ، ثم يرجع ويقول له ها أنا أشرع أكلم المولى وأنا تراب ورماد ، لا يغضب المولى فأتكلم هذه المرة فقط ، هذا يدل على أن إبراهيم أدرك أنه هو المسيح نفسه ، وهذا مانسميه أحد ظهورات المسيح قبل التجسد من مريم ، وأول صورة للظهور ذكرها الكتاب المقدس عندما أخطأ أبونا آدم وحواء ، يقول سمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. يقول الكتاب لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون ، فالذي عمله إبراهيم أول شيء أنه غسل أرجلهم ، إضافة الغرباء قبل تقديم المائدة ، قبل أن يقدم المائدة غسل أرجلهم ، غسل الأرجل كان يعد فضيلة لأنه خدمة تريح الإنسان ، فغسل الأرجل له هذه القيمة ، قيمة إراحة الآخر ، أي شفاء من التعب ، شفاء المرض الجسداني ، لأن تعب الإنسان نوع من أنواع المرض ، فهذا يعتبر خدمة تؤدى للإنسان المتعب ، كما أن غسل الأرجل دليل على التواضع ، خصوصا إذا كان الكبير هو الذي يقوم بهذه العملية . وهذا ما قاله المسيح أن الأعظم بينكم هو الذي يخدم وأنا كنت كالذي يخدم " سيد القوم خادمهم " فهنا السيد المسيح قدم مثال عملی کیف ؟ الكبير يخدم الصغير ، هو الكبير وقام بعمل غسل الأرجل ، فهنا تعليم أن غسل الأرجل في ذاته فضيلة وليس فقط أنه يريح الإنسان ، ولكن يحمل وراءه معنى التواضع ، ما معنى التواضع ؟ كثيرا جدا نستخدم كلمة التواضع في الكنيسة ، في الوعظ وفي التعليم وفي القراءات وفي الكتابات ، في اللغة العربية التواضع من وضع يضع ، فالحقيقة التواضع كفضيلة معناه أن الإنسان يعرف قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه وهو الغرور ، الإنسان يكون منفوخ في نفسه ، ويضخم نفسه نتيجة شعوره بأن عنده مواهب أو إمكانيات أو غنى أو أكثر علما أو حصل على شهادات أعلى ، فيأتى له إحساس بالإرتفاع ، يرتفع قلبه إحساساً منه أنه أفضل من غيره ، هذا الشعور بالتفوق يجعل الإنسان يحس أنه هو أعلى من غيره ، وقد يصاحبه أيضا إحتقاره لغيره ، يحس أن هناك فرق بينه وبين غيره ، وأن هذا الغير أقل منه ، إنما الإنسان المتواضع هو الذي يفهم نفسه على حقيقتها فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمها ، وأيضا لاينزل نفسه إلى أقل مما يجب ، تقول كيف ذلك ؟ لأن هناك تصرفات معينة لا تليق بك أن تتصرفها ، ولو أنت صنعتها لا تقول عنها أنها تواضع لأنها تنزل من كرامتك كإنسان ، فلو أن هناك أخطاء معينة عملها الإنسان تنزل من مكانته الإنسانية لابد أن يتولد عنها أنه هو نفسه يحتقر نفسه ، في بعض الأحيان توجد خطايا معينة تعملها ، وبعد أن تعملها تحتقر نفسك ، لأنك رأيت نفسك أنك لا تقدر أن تنتصر على نفسك ، أحسست أنك نزلت ، هذا الإحساس بالنزول ليس تواضع ، هذا إذلال لنفسك و إذلال لكرامتك الإنسانية ، التصرف الذي لايليق بك ، لا يكون تواضع ، إنت كإنسان .وخصوصا کمسیحی خلقك الله على صورته ومثاله ، لك كرامة ، كرامة الإله الذي تنتسب إليه . فلا تقبل أن تتنزل وتهين روحك وتهين خليقة الله بهذه التصرفات التي لا تليق بك .التواضع هو أن يعرف الإنسان قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه ، ولا يتنزل إلى تصرفات لاتليق به ولا تليق بإنسانيته ، أو أن يستعبد لعادة رديئة ويبقى عبد كما قال المسيح " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " ، لأنك كإنسان إذا استعبدت لعادة من العادات الرديئة ، وتقول أنا لا أقدر أن أتركها ، أليست هذه إهانة لطبيعتك ، وأنك أصبحت مستعبد لعادة رديئة ، حتى لو كنت سيد ، وحتى لو كنت كريم ، وحتى لو كنت حاصل على شهادات ، عندما تنظر إلى كأس من الخمر تسبيك أو سيجارة تنزلك عن مستواك الإنساني ، في مرة واحد من الناس كان مستعبد بشيء ذهب للصيدلى ، وانحنى يقبل حذاءه لكي يعطيه طلبه والصيدلى يمتنع ، أزل نفسه وهو رجل محترم ومركزه كبير وحاصل على شهادة عالية ، وهو رجل كبير ويقبل الحذاء ، هل أسمى هذا تواضع ؟ . فهنا وراء غسل الأرجل فضيلة التواضع ، ولذلك نحن في لقان خميس العهد يقال في صلوات الكنيسة " رسم التواضع " رسم التواضع الذي هو غسل الأرجل .
نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات
وللحديث بقية
المزيد
07 يوليو 2022
شخصيات الكتاب المقدس صفنيا
صفنيا
" اطلبوا البر. اطلبوا التواضع لعلكم تسترون فى يوم سخط الرب "" صف 2: 3 "
مقدمة
فى تقليد قديم، أن المسيح وهو خارج من مدينة أورشليم، سقط بصليبه أمام أحد البيوت هناك،... وخرج من البيت صاحبه ليصيح بكل قسوة فى وجه السيد: قم أعبر من هذا المكان!!.. ونظر إليه السيد متألما محزوناً وقال ّ: وأنت أيضاً ستعبر،... هذا هو اليهودى التائه فى كل العصور كما يصوره التقليد القديم، والذى لا يمكن أن يعرف الراحة أو يجدها ما لم يعد إلى السيد الذى رفضه وصلبه!!.. وسواء صحت هذه الرواية أم لم تصح،. فإن المؤكد أن مغزاها صحيح وسيبقى صحيحاً حتى يعود اليهودى مرة أخرى إلى يسوع المسيح!!.. إن النداء المشترك لجميع الأنبياء فى العهد القديم لليهود وغير اليهود، هو أن الخطية قاتلة ورهيبة ومدمرة، وأنه لا يمكن أن يفلت من عقابها مخلوق على ظهر هذه الأرض،.. وأن السبيل الوحيد لخلاص الإنسان منها هو الإيمان برحمة اللّه وحنانه وحبه، والعودة إليه بالتوبة الصادقة الكاملة،... وإذا كان بعض الأنبياء، قد ركزوا نبواتهم على الأمم الخاطئة فإن البعض الآخر كان أكثر تركيزاً على خطية اليهود وإثمهم وشرهم،.. وقد تناول صفنيا الاثنين. ولكن اهتمامه الأكبر كان بخطية يهوذا وأورشليم وأنه لا أمل أو رجاء للخلاص من يوم الغضب، يوم العقاب إلا بالتوبة والعودة إلى اللّه،... وقد مد الرجل بصرنا إلى اليوم الأخير، يوم الدينونة الأبدى الذى سيفرق تفرقة نهائية بين الأشرار والأبرار،... ولعلنا بعد ذلك نستطيع متابعة الرجل فيما يلى:
صفنيا ومن هو
لا يكاد يعرف الشراح ودارسو الكتاب شيئاً عن صفنيا النبى، خارج ما جاء فى سفره ونبوته، ومع ذلك فالعبارات التى ذكرت عنه، كافية لأن تكشف لنا شخصية عظيمة، لعلها كانت من أبرز وأعظم الشخصيات المعروفة فى عصرها، فنسبه يرجع فى الجيل الرابع إلى حزقيا الذى يرجح أغلب المفسرين أنه ملك يهوذا العظيم، ولذا فمن المعتقد أنه كان واحداً ممن جرى فيهم الدم الملكى، والاسم، صفنيا معناه: « الرب يخبئ » أو « الرب يحرس » ويشير إلى الشخص الذى يخبئه الرب ويحرسه فى يوم الخطر والدمار، وحيث أنه تنبأ فى أيام يوشيا الملك فمن المحتمل أن نبوته كانت بين عامى 639 - 608 ق. م، ومع أن أحداً لا يعلم على وجه التحقيق هل كانت نبوته قبل إصلاح يوشيا أم بعده، غير أنه معظم المفسرين المحدثين أمثال ديلتش وروبنسون وكيركبترك، يعتقدون أنه تنبأ قبل الإصلاح ومن المحتمل أن ذلك كان عام 625 ق. م. وعندما بدأ صفنيا نبوته كانت الأمة الأشورية قد أخذت فى التراجع والتقهقر، بعد أن بلغت قمة مجدها، أمام الكلدانيين الذين قاموا بغزواتهم الواسعة فى غرب آسيا، وابتدأ نجمهم يعلو ويرتفع ويسود بسرعة خاطفة وقوة مذهلة!!..
وأسلوب صفنيا يتميز بالصراحة والعنف والقوة والوضوح، ولئن كانت رسالته قد وجهت أولا إلى يهوذا وأورشليم، فإنها قد امتدت بعد ذلك إلى الأمم المجاورة، وأوغلت مع الزمن حتى بلغت يوم الرب الذى كان خراب أورشليم بمثابة رمز وظل ونبوة له... والبعض يقول إنه ربما لا يوجد فى الكتاب ما يعدل نبوته حزناً وألماً، وعلى أى حال فإن الرجل قد صور شناعة الخطية وعقاب اللّه لها، وكان أكثر الأنبياء والرسل فى الحديث عن يوم الرب، ويوم الرب إذا كان يشير مبدئياً إلى العقاب الذى ألم بأورشليم والممالك التى حولها، فإنه يرمز أساساً إلى اليوم الأبدى المخوف بين يدين اللّه المسكونة بالعدل والشعوب بالإستقامة، وحين يظهر الأرض من كل النجاسات والمفاسد، ويقيم العصر المجيد الذى تنزل فيه أورشليم السماوية من عند اللّه كعروس مزينة لرجلها!!.. وحين يحكم اللّه حكمه الأبدى فى المجد العتيد!!..
صفنيا وخطية يهوذا وأورشليم والممالك التى حولهما
كان أساس الخطية - كما يفهمها صفنيا - الارتداد عن اللّه: « والمرتدين من وراء الرب » "صف 1: 6 " ومن الملاحظ أن هذا الارتداد جمع بين عبادة البعل، وعبادة اللّه، بين « الكماريم »، وهم الكهنة الذين يلبسون ثياباً سوداء فى خدمة البعل، وكهنة إسرائيل،... ولا مانع عند العابدين من عبادة النجوم والكواكب من فوق السطوح، وعبادة اللّه: والحلف باسم ملكوم،... والحلف باسم اللّه،... هذه الصورة تتحول فى كل العصور إلى ذلك الخلط الذى لا يبعد اللّه تماماً، محاولا أن يرضى النزعة الدينية التى لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنها إذ الأبدية فى قلبه، ولكن لا مانع من تحويل مجراها إلى الوثنية والخرافة والحماقة التى تتباعد عن اللّه وحقه وقصده ورغبته ومجده، ومن هنا نجد صفنيا يصف يهوذا وأورشليم بالأمة « التى لم تتقرب إلى إلهها » " صف 2: 2 "... ولعل ماكتبه اسبرجن هنا يعد من الروائع، إذ قال: « كثير من الصلوات لا تعتبر صلوات!!. يوجد كلام كثير عن الحق، وكلام كثير لما ينبغى أن نفعله، ولكن ليس هناك سؤال عن اللّه، وليس هناك ذهاب إلى المخدع، وبسط الأمور أمامه، وانتظار رحمته،... ليس هناك فكر عن اللّه لأن العقل ليس قريباً منه، والرغبات تتجه نحو آلاف الطرق المختلفة، لكنها لا تأتى إلى اللّه... ينبغى أن نفكر فيه، ينبغى أن نبحث عنه، ينبغى أن نأتى إليه، كما تأتى الفراخ الصغيرة، عندما يكون صقر فى الجو، وتسمع نداء أمها فتأتى لتحتمى تحت جناحيها، ينبغى أن نجرى إليه بالصلاة حتى يمكن أن نتحقق أنه « بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمى ترس ومجن حقه » " مز 91: 4 " إن مأساة أورشليم أن عقيدتها فى اللّه وصلت إلى الحد الذى كان فيه الناس يقولون بقلوبهم - وإن كانوا لا يذكرون ذلك بألسنتهم -: « إن الرب لا يحسن ولا يسئ » " صف 1: 12 " أو كأنما هو لا يهتم بالتفريق بين الخير والشر، والحق والباطل،... وأنه لا يتدخل ولا يبالى بما يحدث على الأرض، ومن المؤسف أن هذه هى الخطية التى نبصرها اليوم، فى أناس قد يكونون مسيحيين إسماً، وبينهم وبين نفوسهم، أن اللّه لا سلطان له ولا عمل بين البشر!!..
كانت مدينة أورشليم، وهى على هذه الحال، تظن أنها أفضل من غيرها، ولكن صفنيا يصفها بالقول: « ويل للمتمردة النجسة المدينة الجائرة »... " صف 3: 1 " أو فى لغة أخرى، هى المدينة الغارقة فى إثمها وشرها وشهواتها، الجامدة على دروبها أى الشبيهة بالخمر العكرة التى رسب عكارها، فلم تنتقل من إناء إلى إناء لتتنقى!!.. وليس هذا فحسب، بل أكثر من ذلك، أن القادة والرؤساء فى وسطها أشبه بالأسود الزائرة فى قسوتهم،... ولعل أقسى ما تصاب به أمة أن يكون رؤساؤها قسوة القلوب، غلاظ المشاعر،... أما القضاة، فقد كانت شراهتهم لا توصف، إذ كانوا أشبه بذئاب المساء التى تنقض على الفريسة لتأكلها لحماً وعظماً،... ولا تبقى منها شيئاً إلى الصباح،... ولنتصور عالماً يكون قضاته على هذا الوصف، فهل ينصح بعد ذلك، إلا ظلماً وفساداً وشراً وإثماً... أما الأنبياء فهم متفاخرون، أهل غدوات، والكلمة « متفاخرون » تعنى أنهم يتكلمون من أنفسهم، بدون رسالة من الله،... وبذلك يغدرون بالشعب، وما أشر أن ينطق النبى عن الهوى والخداع، إذ يعيش المجموع بذلك فى عالم من الأضاليل والأباطيل، أما الكهنة فهم منجسون إذهم نجسون بأعمالهم وتصرفاتهم، كما أنهم خالفوا الشريعة فى نظمها وفرائضها ووصاياها... وهل يرى اللّه هذا ويسكت وهو الإله العادل الذى لا يفعل ظلماً، ووشيكاً سيظهر حقه وعدله كالنور؟!!..
على أن اللّه، وقد صب سخطه على خطايا يهوذا وأورشليم، لا يمكن أن يترك خطايا الممالك والبلاد التى حولهما، … إن الخطية خطية فى نظر اللّه، سواء يرتكبها اليهودى أو الأممى، فإذا كان اللّه قد ابتدأ ببيته، « فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟... " 1 بط 4: 18 ".. وهو هنا يندد بخطايا الفلسطينين فى مدنهم الرئيسية، غزة، وأشقلون، وأشدود، وعقرون، وساحل البحر، ويتحول إلى كبرياء الموآبين وبنى عمون، والكوشيين، وأشور - لأن اللّه لا يمكن أن يسكت على الشر أو يتهاون مع الإثم!!..
صفنيا والتوبة الصحيحة
عندما قامت الحرب العالمية الأولى، فتح اللورد غراى " وكان وزير خارجية إنجلترا فى ذلك الوقت " النافذة، وصاح: « على الدنيا السلام »، وأخذ يسأل نفسه: ترى هل نهضت بريطانيا متأخرة أم ضاعت الفرصة؟! وربما سأل تشرشل نفسه هذا السؤال، وهو يتحدث فى الحرب العالمية الثانية عن العرق والدم والدموع!!... ولعل هذا السؤال كان فى ذهن يوشيا الملك وصفنيا النبى، وهما يواجهان خطية الأمة ووثنيتها وشرها وفسادها الذى وصل - كما يقولون - إلى النخاع، وكان السؤال: هل ثمة من رجاء؟!!.. لقد سارع يوشيا بالإصلاح، على النحو الذى استطاعه، وكان بطلا دون شك،... ولكن يبدو أنه جاء متأخراً، وربما كان عابس الوجه والحياة، وهو يقوم بالجهد فى اللحظات الأخيرة،... ولعل صفنيا كان يراقبه فى جهده الكبير، ولكن أغلب الظن أنه كان أكثر تشاؤماً،... فإذا كان الإثنان ينتسبان إلى الملك حزقيا،... فإنها المأساة القاسية، إن واحداً آخر من السبط الملكى، يرى أمته تتجه نحو الخراب بجنون دون أن يتمكن أحد من وقف الكارثة،... إن إصلاح الشعوب، لا ينبغى أن يتناول المظهر، ويهمل الحقيقة، ولا ينبغى أن يتعلل بالشكل، دون الجوهر، أو بالصور المادية دون الروح،... ولعل ما قاله صموئيل شوميكر، وهو يصف أمريكا فى كتابه: « كيف تصبح مسيحياً »، يوضح هذه الحقيقة إذ يقول: « يخيل إلى مرات كثيرة أن الحياة ضاعت من نفس أمريكا، فالحرية التى كانت يوماً غايتنا وشهوتنا، أضحت اليوم ملكنا وفسادنا،... ولابد أن يحدث شئ ثورى فى نفس الأمة، كما حدث فى البلاد التى اكتسحتها الشيوعية،... فإذا كانت هذه البلاد قد فرضت عليها الثورة من الخارج، فإننا ينبغى أن نصنع ثورتنا من الداخل،... ومن واجبنا أن نتبصر الشر الذى يجرى فى العالم، والروح الشريرة فى الشيوعية التى ترغب فى استعباد العالم،... ما هى وماذا تعنى!!؟ غير أننا لا ينبغى أن نقصر النظر على ذلك، بل علينا أن نعرف ماذا أصاب أمريكا من فساد واستباحة ومادية، ولا دينية تنخر فى عظام الأمة،... فالفساد من الداخل، والشيوعية من الخارج يمكن أن يدمرانا، ما لم نردعهما، إنهما يحملان معول التدمير، إنهما يعمياننا عن الحق، ويخدران شبابنا... وخط دفاعنا الأول عن أمريكا لا يمكن أن يكون بعيداً عن أخلاق وإيمان شعبنا »... وهذا يتفق مع ما قاله أمريكى آخر: « إن ما تحتاج إليه الشعوب هو ضمير جديد، ليس ذاك الذى يحاول أن يجد عذراً أو تبريراً لما تفعل، بل الذى يقرر المبادئ التى يلزم أن تنهجها قبل أن تفعل شيئاً،... فأغلب الشعوب - القديمة كيهوذا والحديثة كأمريكا - تعتقد أن ما تفعله دائماً هو الصحيح، وأن ما يفعله أعداؤها دائماً هو الخطأ، وهذا لا يمكن أن يكون الواقع والحق!!... وقد صلى أحد الأمريكيين قائلا: « أبانا السماوى، نحن نصلى أن تنقذنا من نفوسنا. فإن العالم الذى صنعته لنا لنعيش فيه بسلام، قد حولناه إلى معسكر مسلح، إذ نعيش فى خوف دائم من حرب قادمة... ونحن نخاف: « من سهم يطير فى النهار ومن وبأ يسلك فى الدجى ومن هلاك يفسد فى الظهيرة »... ردنا عن طريق أنانيتنا فقد كسرنا وصاياك وأنكرنا حقك، وتركنا مذابحك لنخدم الآلهة الكاذبة من المال والشهوة والقوة،... سامحنا، وساعدنا!!.. فالظلام يتجمع من حولنا ونحن حائرون فى مشورتنا، وإذ فقدنا الإيمان بك، فقدنا الإيمان بأنفسنا،... هبنا الحكمة جميعاً من كل لون أو جنس أو عقيدة، لنستعمل ثروتنا وقوتنا لمساعدة إخوتنا بدلا من تدميرهم، وساعدنا لنتمم مشيئتك كما فى السماء، ولنكون أهلا لوعدك بالسلام على الأرض، واملأنا بإيمان جديد، وقوة جديدة، وشجاعة جديدة لنكسب معركة السلام.. اللهم أسرع إلينا لإنقاذنا قبل أن يحل الظلام!! »..
لم تكن التوبة الصحيحة أيام صفنيا قائمة، ولأجل ذلك لم يتحدث عن عودة من السبى كغيره من الأنبياء، بل تحدث فقط عن بقية انتزع اللّه كبرياءها وتعديها،فأضحت شعباً مسكيناً بائساً يتوكل على الرب: « بقية إسرائيل لا يفعلون إثماً ولا يتكلمون بالكذب ولا يوجد فى أفواههم لسان غش » " صف 3: 13 " ومثل هؤلاء لن يتركهم اللّه، بل بالحرى يفيض عليهم بالبركات والإحسان، فلن يعودوا إلى الاضطراب والقلق والخوف، فاللّه سيكون لهم وفى وسطهم معطياً إياهم بركات التوبة، بركة الترنم والهتاف، بركة القوة فلا ترتخى أيديهم ولا تخور عزائمهم، بركة التعالى والسمو، فلن يكون بينهم متعثر ضعيف مكسور ذليل!!... إن الذين يتوكلون على اللّه لا يمكن أن يصب عليهم حكماً أو قضاء، أو يرسل عليهم من يضايقهم أو يتعبهم، كلا فقد نزع الرب، الأقضية عليك، أزال عدوك ».. " صف 3: 15 " أما الذين ذهبوا إلى السبى، وتاقت نفوسهم إلى بيت اللّه وهيكله، وكانوا محزونين، بل يحسون العار الذى جاء عليهم بسبب الخطية، فهؤلا يقول عنهم: « اجمع المحزونين على الموسم. كانوا منك. حاملين عليها العار » " صف 3: 18 " ويدعوهم إلى الفرح والبهجة والترنم!!.. لأن الرب عاد إليهم ويسكن فى وسطهم!!..
صفنيا ويوم الرب
على أن الصورة الأخرى التى رسمها صفنيا عن يوم الرب، كانت صورة رهيبة مرعبة، أخذت شكلها الأول فى غزو الكلدانيين والذى كان مخيفاً إلى أبعد الحدود، وقد وقف هذا الغزو على أبواب أورشليم ويهوذا، على أبشع ما يمكن أن يتصوره الإنسان: « نزعاً أنزع الكل عن وجه الأرض يقول الرب. أنزع الإنسان والحيوان. أنزع طيور السماء وسمك البحر والمعاثر مع الأشرار، وأقطع الإنسان عن وجه الأرض يقول الرب. وأمد يدى على يهوذا وعلى كل سكان أورشليم ».. " صف 1: 2 - 4 "« قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جداً. صوت يوم الرب. يصرخ حينئذ الجبار مراً. ذلك اليوم يوم سخط، يوم ضيق وشدة، يوم خراب ودمار، يوم ظلام وقتام، يوم سحاب وضباب، يوم بوق وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعة، وأضايق الناس فيمشون كالعمى لأنهم أخطأوا إلى الرب فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة، لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم فى يوم غضب الرب، بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها. لأنه يصنع فناء باغتاً لكل سكان الأرض!!.. » " صف 1: 14 - 18 " « لذلك فانتظرونى يقول الرب إلى يوم أقدم إلى السلب لأن حكمى هو بجمع لأمم وحشر الممالك لأصب عليهم سخطى كل حمو غضبى، لأنه بنار غيرتى تؤكل كل الأرض »... " صف 3: 8 ".
ولعل من اللازم أن نشير هنا إلى أن ما تحدث به صفينا كان هو بعينه الذى تحدث عنه الرب يسوع المسيح فى الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل متى، والذى كانت فيه أورشليم وخرابها الرهيب القريب، رمزاً لذلك الخراب النهائى الشامل الذى سيلحق الأشرار فى اليوم الأخير،... وذكره الرسول بطرس فى قوله: « يعلم الرب أن ينفذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين » " 2 بط 2: 9 "... وجاء فى رسالة يوحنا الأولى: « بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة فى يوم الدين لأنه كما هو فى هذا العالم هكذا نحن أيضاً " 1 يو 4: 17 " »... وفى سفر الرؤيا: « لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف » " رؤ 6: 17 ".. ولئن كان هذا اليوم يوم نجاة وسرور للمؤمنين، فما أرهبه وما أقساه على الأشرار! كما سبقت الإشارة فى وصفه، أو كما ذكر الرسول بولس فى رسالته إلى أهل تسالونيكى: « وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته فى نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون اللّه والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح الذين سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب ومن مجد قوته. متى جاء ليتمجد فى قديسيه ويتعجب منه فى جميع المؤمنين» " 2 تس 1: 7 - 10 "..
إن يوم الرب بالحقيقة إذا كان للأشرار قديماً أو حديثاً أو فى النهاية عقاباً وعذاباً وضياعاً، فهو للمؤمنين أغنية ومجد وسلام، أو كما قال المرنم فى المزمور الثامن والتسعين: « اهتفى للرب يا كل الأرض اهتفوا ورنموا وغنوا، رنموا للرب بعود. بعود وصوت نشيد. بالأبواق وصوت الصور اهتفوا قدام الملك الرب. ليعج البحر وملؤه المسكونة والساكنون فيها. الأنهار لتصفق بالأيادى، الجبال لترنم معاً، أمام الرب، لأنه جاء ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل والشعوب بالإستقامة.
المزيد
06 يوليو 2022
مقاييس الخدمة ونجاحها ج2
4- كثرة المخدومين
كما تتميز عظمة قائد في جيش، بأنه قائد مائة أو قائد ألف. وهكذا كلما زاد عدد المخدومين، يعتبرون هذا دليلًا على نجاحها ونموها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكنه ليس مقياسًا ثابتًا بصفة مطلقة فليس نجاح الخدمة في كثرة عدد المخدومين، وإنما في الذين غيرت الخدمة حياتهم، وأوصلتهم إلى الله السيد المسيح كان يعظ آلاف كما في الخدمة الروحية التي سبقت معجزة الخمس خبزات والسمكتين. وكانت له خدمة أخرى مركزة في الإثنى عشر، وكانوا أهم من تلك الآلاف بكثير، بل هم الذين جذبوا إلى الإيمان مدنًا وأقطارًا فيما بعد. وجميل قول الكتاب في نجاح خدمة هؤلاء "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). إذن ليس نجاح الخدمة في عدد الذين يسمعون، إنما في عدد الذين يقبلون الكلمة بفرح، وتثمر فيهم، وتقودهم إلى التوبة، وإلى حياة القداسة والكمال.ومن هنا كنا ننادي بفصول مدارس الأحد المحدودة العدد، التي يستطيع فيها المدرس أن يهتم بكل تلميذ، ويخدمه خدمة حقيقية ناجحة، ويفتقده ويرعاه.وبنفس الوضع عملنا على تقسيم الإيبارشيات إلى مناطق محدودة يستطيع الأسقف أن يرعاها ويزورها، ويهتم بكل مدينة فيها وكل قرية، ولا تضيع تلك المدن والقرى وسط المسئوليات الضخمة التي كان يكلف فيها المطران برعاية بضع محافظات!!
وقد أرانا الرب بأمثلة عديدة أهمها العناية بالفرد الواحد في الخدمة، كما فعل زكا (لو19) وأيضًا مع نيقوديموس (يو3) ومع المولود أعمى (يو9) وغيرهم البعض يضع مقياسًا آخر لنجاح الخدمة هو:
5- كثرة الإنتاج.
كالقيام بعدد كبير من الخدمات، أو إنشاء عدد كبير من فروع الخدمة، أو من الأنشطة وقد يتوه في كل ذلك، ولا يحسن الإشراف على كل تلك الأنشطة، أو يضطر إلى تعيين عدد من الخدام بغير إعداد. وتفقد الخدمة روحياتها بكثرة اتساعها وقلة عمقها..
إذن ما هي المقاييس السليمة لتقييم الخدمة؟
وما هي عناصر القوة في الخدمة؟
6- عناصر القوة في الخدمة
أهمية الخدمة هي ما فيها من قوة ومن عمق، وما فيها من حب وبذل. ما فيها من تأثير، ومن تغيير للناس. وليس الأمر مسألة ضخامة المسئوليات، أو شهرة المكان، أو كثرة المخدومين، أو طول مدة الخدمة، وسائر هذه الأمور الجانبية وسنحاول هنا أن نتناول بالتفصيل بعض نواحي القوة في الخدمة، فنذكر منها:
أ- الكلمة المؤثرة
ظهرت هذه في خدمة السيد المسيح له المجد انظروا دعوة متى الإنجيلي مثلًا: يقول الكتاب "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مكان الجباية، فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مر2: 14) (مت9: 9).. إنها مجرد كلمة قالها لإنسان جالسًا في موضع مسئولية مالية. قالها الرب له، فترك مسئوليته، وقام وتبعه، دون أن يسأل إلى أين؟
ونفس قوة الكلمة وتأثيرها في الدعوة.. ظهرت في دعوة الرسل الأربعة الصيادين.يسجل ذلك القديس مرقس الإنجيلي فيقول"وفيما هو يمشي عند بحر الجليل، أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر – فإنهما كانا صيادين – فقال لهما يسوع هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا، فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء، وذهبا وراءه" (مر1: 16 – 20).بتأثير قوة الدعوة، تركوا كل شيء، وللوقت.. أي بدون تردد، وبدون إبطاء، وبدون جدال، تركوا السفينة والشباك والأب، ومصدر الرزق. بل قال بطرس للرب ملخصًا كل ذلك".. تركنا كل شيء وتبعناك" (مت19: 27).. ذلك لأن كلمة الدعوة كانت لها قوتها، فحدثت الاستجابة لها بسرعة، لأنها اخترقت القلب والفكر والإرادة.وكما كانت قوة الكلمة في الدعوة، كانت للسيد أيضًا قوته في الوعظ والتعليم لما أكمل عظته على الجبل، قيل عنه "بُهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يكلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). وقيلت نفس العبارة عن تعليمه في كفر ناحوم "فبهتوا من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مر1: 22) وكانت له قوة الكلمة في إقناعه من يحاورهم إنه المنطق العجيب والدليل القوي الذي شرح به للكتبة والفريسيين جواز فعل الخير في السبوت (مت12: 1- 12). وكذلك في موضوع القيامة، قيل إنه "أبكم الصدوقيين" (مت22: 34). وبعد ردوده القوية على الناموسيين والفريسيين، قيل "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (مت22: 46) والكلمة كان لها تأثيرها أيضًا في عاطفيتها وحبهامثل قوله لزكا العشار "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5).. كلمة في عمق محبتها وتواضعها قادت ذلك الرجل الخاطئ إلى التوبة، فقال "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف".. وهكذا بكلمة من الرب لها قوتها، حدث خلاص لذلك البيت.إن قوة الكلمة المؤثرة نراها أيضًا في خدمة آبائنا الرسل. عظة واحدة ألقاها بطرس الرسول في يوم الخمسين، كانت نتيجتها أن اليهود نُخسوا في قلوبهم، وانضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس، واعتمدوا جميعهم (أع2: 37- 41). وقبلوا ذلك بفرح.وقوة الكلمة تظهر في خدمة بولس الرسول أيضًا. حتى أنه وهو أسير يُحاكم أمام فيلكس الوالي، "بينما يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). وفي محاكمته أمام أغريباس الملك، قال له ذلك الملك "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26:28).
ب- قوة البذل
البعض قد يستريح للخدمة السهلة التي لا تعب فيها ولا صعوبة. ولكن قوة الخدمة تظهر في صعوبتها واحتمال هذه الصعوبة، بكل بذل وفرح.مثال ذلك خدمة القديس بولس الرسول "تعب وكدّ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش.. في برد وعُري.. بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.." (2كو11: 26، 27) "في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام" (2كو6: 4، 5) ومع ذلك يقول: "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو6: 10) الخدمة الروحية تعب من أجل الرب وملكوته، وهي جهاد وتعب من أجل خلاص النفس. وقيل عنها"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). وهكذا كانت خدمة الآباء الرسل. بدأت وسط اضطهادات الرومان، ودسائس اليهود، ومعارضة وشكوك الفلاسفة الوثنيين، وعذابات الاستشهاد، وفي أماكن جديدة، لا مؤمنون فيها ولا كنائس ولا أية إمكانيات.. وبلا كيس ولا مزود.وكمثال لذلك: خدمة القديس مار مرقس الرسول دخل الإسكندرية، فقيرًا بحذاء ممزق، حيث لا مسيحيون هناك، ولا كنائس، بل توجد ديانات عديدة: منها آلهة الرومان بقيادة جوبتر Jupiter، وآلهة اليونان بقيادة زيوس Zeus، والعبادات الفرعونية بقيادة آمون ورع، وكذلك اليهودية في اثنين من أحياء الإسكندرية. ومكتبة الإسكندرية الحافلة بمئات الآلاف من كتب الوثنيين.. وعدم وجود أية إمكانيات على الإطلاق. ولكن مار مرقس صبر وجاهد، حتى حوّل الجميع إلى مسيحيين ماذا نقول أيضًا عن الذين بشروا في بلاد أهلها من أكلة لحوم البشر؟!
إن الخدمة التي يبذل فيها الإنسان ويتعب، هي الخدمة الحقيقية ومقياس التعب والبذل، هو مقياس أساسي في الخدمة مثال ذلك خادم يتعب ويحتمل من أجل تهذيب تلميذ مشاكس في فصل، أو أم تتعب في تربية ابن عنيد، أو كاهن يتعب في خدمة أو في رعاية الحالات الصعبة، أو في المشاكل العائلية المعقدة مقياس آخر للخدمة هو عنصر العمق..
ت - عنصر العمق
أعمال عظيمة قام بها أنبياء ورسل في خدمة. ولكن لا يوجد واحد منها يوازي طاعة أبينا إبراهيم في ذهابه لتقديم ابنه الوحيد محرقة للرب.. (تك22) هنا عمق معين يعطي لعمله وزنًا خاصًا وقيمة ليست لأي عمل آخر. هنا إيمان وبذل، ومحبة نحو الله أكثر من محبته للابن الوحيد ابن المواعيد. وكثيرون قدموا عطايا مالية لبيت الله. ولكن فاقت كل هؤلاء الأرملة التي ألقت الفلسين في الصندوق. وعمق عطائها أنه كان من أعوازها (لو21: 4) وما أكثر الذين حاربوا حروب الرب بقوة وانتصروا. ولكن فاق كل هؤلاء تقدم الصبي داود بحصاة في مقلاعه ليحارب بها جليات الجبار الذي أخاف الجيش كله.. لقد كان في تقدمه للمحاربة إيمان عميق بأن الحرب للرب، والله هو الذي سيدفع ذلك الجبار إلى يديه (1صم 16).إنك قد تلقي مائة درس في مدارس الأحد. ولكن كلها لا تكون عند الله مثل مرة واحدة كنت فيها مريضًا ومرهقًا، ومع ذلك لم تستسلم لهذا العذر، وذهبت إلى الخدمة مفضلًا الخدمة على نفسك أو أنك ذهبت لتخدم في أيام امتحان، وأنت محتاج إلى كل دقيقة من وقتك.. هنا للخدمة عمق خاص. إن الله لا يقيس الخدمة بكثرتها، وإنما بعمقها ونوعيتها. هناك مقياس آخر لعمق الخدمة هو: الخدمة في الخفاء.
ت- الخدمة في الخفاء
الخدمة المُخفاة تكون أعمق من الخدمة الظاهرة. الخدمة الظاهرة قد ينال منها الخادم شهرة أو مديحًا. وهكذا لا تكون كلها للمخدومين أو لله كما هو الحال في الخدمة المخفاة. ومع ذلك فالخدمة الخفية قد تكون أقوىإن الناس يعجبون بالبناء الشاهق الجميل في منظره وفي هندسته. ولا يتحدثون إطلاقًا عن الأساس القوى المخفي تحت الأرض، الذي يحمل هذا البناء كله، ويعمل عمله في خفاء والناس يعجبون بلمبات الإنارة التي تبهرهم بضوئها. ولا يفكر أحد في المولد الكهربائي الذي يغذي هذه اللمبات بالنور، والذي لولاه ما كانت تضئ. ويقينًا هو العنصر الأقوى والأساسي. وبنفس الأسلوب قد يعجب الناس بالسيارة الفخمة في منظرها الخارجي، أما الموتور القوي الذي يحركها فلا يفكر فيه أحد، لكنه يعمل عمله في خفاء وهكذا في الخدمة، قد يعجب الناس بنجاحها وبمجهود الخادم فيها. ولا أحد يفكر في الصلوات التي رُفعت من أجلها، وكانت السبب في نجاحها.. هذه الصلوات هي الخدمة الخفية القوية.
كلنا نذكر سفر لعازر الدمشقي للحصول على زوجة مؤمنة لإسحق ابن سيده إبراهيم، وكيف نجح في مهمته، وعاد معه برفقة. ولكن من يذكر صلوات إبراهيم التي رفعت من أجل لعازر الدمشقي، وكانت السبب في نجاحه. ولذلك قال ذلك العبد الأمين لأهل رفقة "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي" (تك24: 56). وكيف أنجح الرب طريقه؟ يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) حقًا إن الصلاة هي خدمة مخفاة وهكذا قال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة.. لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي" (أف6: 18، 19).كلام الواعظ هو الخدمة الظاهرة. أما أمثال صلاة أهل أفسس فهي خدمة مخفاة. يضاف إليها في أيامنا، خدمة الافتقاد التي تأتي بسامعين يسمعون العظة.. وكذلك خدمة كل الذين يرتبون للاجتماع وينظمونه الاجتماعات العامة خدمة ظاهرة. ولكن تقبل الاعترافات وقيادة الخطاة إلى التوبة هي خدمة مخفاة وقد يوجد في إحدى الكنائس كاهنان: أحدهما يعظ ويحضر الكثيرون لسماعه، وخدمته ظاهرة للكل. بينما زميله الآخر ليست له اجتماعات للوعظ. ولكنه يقضي الساعات الطويلة يستمع إلى الاعترافات، ويقود المعترفين إلى التوبة، ويرشدهم، ويصلي لأجلهم. وخدمته هذه عميقة الأثر جدًا.. وهكذا كان القمص ميخائيل إبراهيم.وربما من أمثلة الخدمة المخفاة: العمل الفردي.
ج- العمل الفردي
إن خدمة المجموعات الكبيرة لها صفة العمومية. وقد تحدث تأثيرًا عامًا، لا تتلوه متابعة.. أما الخدمة الفردية، ففيها التخصص، وفيها المتابعة. وهذا أعمق.
انتقل الآن إلى خدمة أخرى هي:-
ح- الخدمة الصامتة
وأعني بها خدمة القدوة. وهي خدمة عملية.وليس فيه الحديث عن الفضيلة والقداسة، وإنما تقديم النموذج أو المثال العملي لها، بدون شرح أو كلام. وهي خدمة أكثر عمقًا، حتى إن كان صاحبها لا يُحسب بين الخدام. إنه ليس واعظًا، ولكنه هو نفسه العظة، يتعلم الناس من حياته لا من كلماته. وإن تكلم يتعلمون منه أسلوب الكلام الروحي.يذكرني هذا النوع من الخدمة بأحد الآباء الذي لم يطلب من القديس الأنبا أنطونيوس كلمة منفعة، وإنما قال له "يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي..".ولعله من هذا النوع تنبثق خدمة أخرى هي:-
خ- خدمة البركة
كما قال الرب لأبينا إبرآم حينما دعاه "أباركك وتكون بركة" (تك12: 2) وهكذا نجد أن يوسف الصديق كان بركة في أرض مصر، وكان بركة من قبل في بيت فوطيفار. وكان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع النبي بركة في بيت الشونمية..
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد