المقالات

20 مارس 2020

تعريف الصوم

تعريف الصوم من الناحية الروحية سنذكره بالتفصيل فيما بعد ولكن ما هو تعريف الصوم من الناحية الجسدية ؟ الصوم هو إنقطاع عن الطعام فترة من الوقت ، يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني . فترة الإنقطاع:- لابد من فترة إنقطاع ، لأننا لو اكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع ، لصرنا نباتيين وليس صائمين وحتي الصوم في اللغه هو الإمتناع أو الإنقطاع فلا بد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة فترة الإنقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها :- - يختلف الناس في درجتهم الروحية فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة واكثر من هؤلاء الناسك الذي يستطيع ان يطوي الأيام صوماً ،كما كان يفعل آباؤنا الرهبان و المتوحدون و السواح . - يختلف الصائمون في سنهم فمستوي الطفل أو الصبي في الصوم ،غير مستوي الشاب أو الرجل الناضج ،غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل . - يختلف الصائمون أيضاً في صحتهم ، فما يحتمله القوي غير ما يحتمله الضعيف كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص ،أو يعفون من الانقطاع حسبما تكون نوعية امراضهم وطريقة علاجهم . - يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم فالعض يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير والبعض أعمالهم مريحة يجلسون فيها إلي مكاتبهم بضع ساعات في اليوم واحتمال هؤلاء للانقطاع غير احتمال أولئك . - هناك أيضا نظام التدرج فقد يبدأ الصائم الأسبوع الأول من صومه بدرجة إنقطاع معينة ، تزداد علي مر الأسابيع ، حتي يكون إنقطاعه في آخر الصوم أعلي بكثير من نقطه البدء وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون علي انه قد يوجد حد ادني لهذا الإنقطاع وربما يختلف هذا الحد الأدنى من صوم إلي آخر فالصوم الكبير مثلاً يكون حده الأدني أعلي من باقي الأصوام والحد الأدني في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير نفسه والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد وأيام البرامون في أصلها تطوي أيضا أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص ومع كل ذلك ، فيمكننا ان نضع قاعدة هامة وهي :- فترة الإنقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف وذلك حتى لا يبالغ فيها البعض فتتبعهم جسدياً ، وقد تتعبهم روحياً أيضا إذ تجلب لهم أفكارًاً من المجد الباطل كما أن العض من الناحية الإخري قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم والأفضل ان يشرف أب اعتراف علي هذا الأمر علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الإنقطاع ، نود أن نسأل سؤالاً هل هناك علاقة بين الإنقطاع عن الطعام والساعة التاسعة ؟ يبدو أن هناك علاقة لانه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة نلاحظ إختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد قترة من الجوع ( لو 9 : 10-17) وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح علي الصليب ، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام ؟ يبدوا أن نظام الإنقطاع كان عموماً إلي الساعة التاسعة ، فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها المناسب ، ثم يتناولون طعامهم ولما كانت غالبية السنة صوماً ، ولكي لا يتغير نظام الصلاة اليومية بين الإفطار و الصوم ، بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة حتي في الأيام التي ليس فيها إنقطاع ، يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الكل أياً كان الموعد و المعروف ان الساعة التاسعة من النهار هي الثالثة بعد الظهر ،علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا وعلي آيه الحالات ، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة ، مادامت فترة الإنقطاع تتغير من شخص إلي آخر ، كما إننا تركنا تحديدها لأب الإعتراف ولحالة الصائم الروحية والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع فلا نريد ان ندخل في شكليات أو في قوانين خاصه بفترة الانقطاع ، إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحياً من فترة إنقطاعه عن الطعام لانه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو غلي الغروب أو إلي ظهور النجم ، ولا يستفيد روحياً ، إذ كان قد سلك بطريقة غير روحية فما هي الطريقة الروحية إذن ؟ - ينبغي أن تكون أن تكون فترة الانقطاع فترة زهد ونسك فلا تهتم فيها بما للجسد أي لا تكون منقطعاً عن الطعام ، وتظل تفكر متي تأكل إنما ينبغي أن تكون فترة الإنقطاع فترة زاهدة ناسكة ، ترتفع فيها تماماً عن مستوي الكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام . - وبعد فترة الإنقطاع لا تأكل بشهوة فالذي ينقطع عن الطعام ، ثم يأكل بعد ذلك ما يشتهيه ، او يتخير أصنافاً معينة تلذ له ، هذا لا يكون قد أخضع جسده او أمات شهواته وإذ يأكل بشهوة ، أو إذ يأكل ما يشتهي ، يدل علي انه لم يستفيد روحياً من فترة الإنقطاع ، ولم يتعلم منها الزهد و النسك! أنظر ما قاله دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10:3) وهكذا يكون يهدم ما يبنيه ، بلا فائدة! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم ثم نبني ثم نهدم ، بغير قيام! - ولا تترقب نهاية فترة الانقطاع ، لتأكل أن جاء موعد الكل ، فلا تسرع إليه وحبذا لو قاومت نفسك ، ولو دقائق قليلة وانتظرت أو إن حل موعد تناولك للطعام ، قل لنفسك نصلي بعض الوقت ثم نأكل ، أو نقرأ الكتاب ونتأمل بعض الوقت ثم نأكل ، ولا تتهافت علي الطعام الزهد الذي كان لك أثناء فترة الإنقطاع ، فليستمر معك بعدها فهذه هي الفائدة الروحية التي تنالها . - أجعل روحياتك هي التي تقودك ، وليس الساعة وادخل إلي العمق العمق الذي في الامتناع عن الطعام الذي الإرتفاع عن مستوي الكل ، وعن مستوي الماده ، وعن مستوي الجسد وبالنسبة إلي فترة الإنقطاع وموعدها ، حبذا لو وصلت بك إلي الشعور بالجوع فهذا أفيد جداًهنا ونحدثك عن عنصر الجوع في الصوم . عنصر الجوع:- كثيرون ينقطعون عن الطعام ، ثم يأكلون دون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يصلوا إلي الشعور بالجوع ، وغلي احتمال الجوع والصبر عليه واخذ ما فيه من فوائد روحية . وقدم لنا الكتاب أمثله للجوع في الصوم :- - السيد المسيح صام حتى جاع ، وكذلك الرسل قيل عن السيد المسيح له المجد في صومه الأربعيني إنه " جاع أخيرا " ( مت 4: 2) وحسب روايه معلمنا لوقا البشير" لم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيراً " ( لو 4: 2) وذكر عن السيد المسيح أنه جاع ، في مناسبة أخري ، في أثنين البصخة ( مر11: 12) ولكت لعل البعض يقول أن مستوي صوم السيد صعب علينا ، فلنتحدث عن صوم البشر ، وفيه أيضاً عنصر الجوع قيل عن القديس بطرس الرسول إنه " جاع كثيرً واشتهي أن يأكل "( أع 10: 1) وفي حديث القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه ، قال " في تعب وكد ، في أسهار مراراً كثيرة ، في جوع وعطش ، في أصوام مراراً كثيرة "( 2كو 11: 27) وقال أيضا " تدربت ان اشبع وان أجوع "( في 4: 12) . - وقد طوب الله حالة الجوع فقال " طوباكم أيها الجياع الآن ، لأنكم ستشبعون "( لو 6: 21) وأن كان جوع لعازر المسكين قد أهله للجلوس في حضن أبينا إبراهيم ، علي اعتبار أنه استوفي تعبه علي الأرض علي الرغم من أن ذلك كان بغير إرادته ، فكم بالأكثر ينال خيراً في الأبدية من قد جاع ههنا بإرادته ، نسكاً وزهداً ،وتقرباً إلي الله . - وقد درب الرب شعبه في البرية بالجوع وقال لهذا الشعب " وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب هذه الأربعين سنه في القفز فإذنك واجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل ما خرج من فم الرب يحيا الإنسان "( تث 8:2،3) إن الذي يهرب من عبارة " أذلك وأجاعك "، ستهرب منه عبارة " واطعمك المن في البرية " علي أن بني إسرائيل تذمروا علي تدريب الجوع ، فهلكوا في البرية - إن الصوم يصل إلي كماله ، في الجوع واحتماله فإن كنت لا تجوع ، فأنت لم تصل إلي عمق الصوم بعد وإن اطلت فترة إنقطاعك حتى وصلت غلي الجوع ، ثم آكلت مباشرة ، فأنت إذن لم تحتمل الجوع ولم تمارسه وبالتالي لم تنل الفوائد الروحية التي يحملها الجوع . فما هي الفضائل الروحية التي يحملها الجوع ؟ الذي يمارس الجوع ، يشعر بضعفه عن الغرور و الشعور بالقوة والثقة يذل الجسد ، فتذل النفس ، وتشعر بحاجتها إلي قوة تسندها ، فتلجأ غلي الله بالصلاة وتقول له أسند يارب ضعفي بقوتك الإلهية ، فأنا بذاتي لا أستطيع شيئا - صلاة الإنسان وهو جائع ، صلاة اكثر عمقا أن الجسد الممتلئ بالطعام ، لا تخرج منه صلوات ممتلئة بالروح ولذلك دائماً تمتزج الصلاة بالصوم ، ويمتزج الصوم و الصلاة وحينما يريد الناس ان يصلوا في عمق ، نراهم يصومون وهكذا صلوات الناس في أسبوع الآلام لها عمقها ، وحتي القراءات كذلك حينما تقال بصوت خافت من الجوع إن تسجيل لحن من ألحان البصخة ، خلال أسبوع الآلام ، يكون له عمق لن الذي سجله كان صائماً ، وله روحيات الصوم وتسجيل نفس اللحن في غير أيام الصوم ، وصاحبة مفطر ، يجعل اللحن يفقد الكثير من عمقه الروحي ، وربما يتحول إلي مجرد أنغام وموسيقي إن الله يحب أن يشعر الإنسان بضعفه ، لكيما ينسحق قلبه والجوع يساعد علي الشعور بالضعف ولذلك تصلح فيه المطانيات ، ولا تصلح لمن هو ممتلئ بالطعام نصيحتي لك أن شعرت بالجوع فلا تأكل وإنما أحتمل وخذ بركة الجوع إن السيد المسيح صام أربعين يوماً وجاع أخيرا ولما نصحه الشيطان ان يأكل رفض أن يأكل علي الرغم من جوعه واعطانا بذلك درسا لذلك أحتمل الجوع وأيضا : - إن شعرت بالجوع ، لا تهرب منه لا تهرب من الشعور بالجوع ، عن طريق الإنشغال ببعض الإحاديث ، أو ببعض المسليات ، أو عن طريق النوم ، لكي تمضي فترة الجوع دون ان تشعر بها فإنك بالهروب من الجوع ، إنما تهرب من بركاته ومن فوائده الروحية ، وتهرب من التدريب علي فضيلة الإحتمال وفضيلة قهر الجسد إننا نريد أن نستفيد من الجوع ، وليس أن نهرب منه . - إن ضغط عليك الجوع ، قل إنك لا تستحق الأكل قل لنفسك أنا لا أستحق آكل بسبب خطاياي وهكذا تنسحق فسك من الداخل ، في الوقت الذي يسحقها فيه أيضاً تعب الجسد وهكذا تتخلي عنك الكبرياء والخيلاء والعجب بالذات وإن يصلي أما الشبعان كثيراً ما ينسي الصلاة ولذلك غالبية المتدينين يصلون قبل الأكل وقليلون هم الذين يصلون بعد الانتهاء من الأكل أيضاً ، إلا في الرسميات . - تدريب الجوع في الصوم ، ينبغي أن يكون بحكمة حقاً إن الذين شعروا بالفائدة الروحية التي تأتي من الجوع ، كانوا يطيلون مدته علي إني لا أقصد بهذا التدريب المبالغة فيه ، بحيث يصل الصائم إلي وضع لا يستطيع أن يقف فيه علي قدمية للصلاة من شدة الإعياء وقد يفضل أن يصلي وهو ساجد ، ليس عن خشوع وإنما طلباً للراحة واسترخاء الجسد في تعب إنما يجب السلوك في هذا التدريب بحكمة ، في حدود احتمال الجسد ومع ذلك أقول لك كلمة صريحة وهي : - لا تخف من الجوع ، فهو لا يستمر معك فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها تتسع لتحتمل ما هو اكثر ويزداد اتساعها في حالا الترهل ، مع ضعف جدران المعدة وإن لم تعطها ما يصل بها إلي الامتلاء تشعر بالجوع ،فإن صبرت علي الجوع ولم تعط المعدة ما يملؤها ، تبدأ في أن تكيف نفسها وتنكمش وبتوالي التدريب لا تعود تتسع لكثير ولا يستمر الجوع ، فالقليل يشعرها بالشبع والإنسان الحكيم هو الذي يضبط نفسه ، ويحفظ نظام معدته ، فهو لا يكثر من تناول الطعام حتي تترهل معدته ، ولا يبالغ في منع الطعام عنها بحيث تنكمش إلي وضع أقل من احتياج جسده فالإعتدال في هذا الأمر نافع وفيه حكمة . الصوم والسهر:- الامتلاء بالطعام يساعد علي ثقل الجسد ، وبالتالي علي النوم أما الصائم فيكون جسده خفيفاً ، غير مثقل بعمليات الهضم ، ويمكنه السهر و الصوم مع السهر يعطي استضاءة للفكر وكل القديسين الذين اتقوا الصوم ، اشتهروا أيضاً بالسهر نلاحظ ان التلاميذ بعد العشاءين ، ثقلت عيونهم بالنوم وهم في البستان ، ولم يستطيعوا أن يسهروا مع الرب ولا ساعة واحدة ( مت 26 : 40 ) وأنت يا اخي ، ليس من صالحك أن يأتي الختن في نصف الليل فيجدك نائماً ، بينما الكتاب يقول " طوبي لأملئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ( لو 12: 37) تدريب إذن علي الصوم ، فالصوم يتمشي مع السهر ونقصد بالسهر ، السهر مع الله ، وقضاء الليل في الصلاة . نوع الطعام:- تحدثنا في الصوم عن الجوع وفترة الإنقطاع ، بقي أن أحدثكم عن نوع الطعام ويهمني هنا أن اذكركم بقول دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10: 3) لذلك إن صمت ، أعطيت جسدك ما يشتهيه ، لا تكون قد صمت بالحقيقة إبعد إذن عن المشتهيات لكي تقهر جسدك وتخضعه لإرادتك لا تطلب صنفاً مختاراً بالذات ، ولا تطلب أن تكون طريقه صنع الطعام بالأسلوب الذي يلذ لك وإن وضع أمامك - دون أن تطلب - صنف من الذي تحبه نفسك ، لا تكثر منه في أكلك ولا أريد أن أقول لك كما قال أحد الآباء القديسين " إن وضع أمامك طعام تشتهيه ، فافسده قليلاً ثم كله "و لعله يقصد بإفساده ، أن تضيف عليه كمثال شيئاً يغير طعمه علي الأقل مثل هذا الصنف المشتهي ، لاتاكل كل ما يقدم لك منه وكما قال أحد الآباء " إرفع يدك عنه ، ونفسك ما تزال تشتهيه "أي أن جسدك يطلب أن يكمل أكله من هذا الصنف ، وأنت تضبط نفسك وتمنعها عنه هنا ونقف أمام أسئلة كثيرة يقدمها البعض هل النباتين و المسل الصناعي يحل آكله في الصوم أو لا ؟ هل الجبنه الديمكس طعام صيامي أم فطاري ؟ هل السمك نأكله في هذا الصوم أم لا نأكله ؟ ما رأيك في الشوكولاته الصيامي ؟ إلخ أسئله كثيرة يمكن الإجابة عليها من جهة تركيب تلك الإطعمه ، ويمكن من ناحية أخرى أن تبحث روحيا فالسمن النباتي ، إن كانت مجرد زيت نباتي مهدرج تكون طعاماً نباتياً يتفق مع حرفية الصوم أما عن كنت تأكلها شهوة منك في طعام السمن ، فالأمر يختلف تكون من الناحية الشكلية صائماً ، ومن الناحية الروحية غير مستفيد ونحن لا نريد ان ناخذ من الصوم شكلياته كذلك الجبنة الديمكس ، المقياس هو هل يوجد في تركيبها عنصر حيواني ؟هذا من الناحية الشكلية ولكن روحياً هل أنت تحب الجبنة وتصر علي أكلها منفذاً رغبات جسدك في الصوم ؟ وكذلك بالنسبة للشوكولاته الصيامي هل أنت تشتهي هذا الصنف بالذات ؟ ولماذا لا تستبدله بكوب من الكاكاو ؟ أما السمك ،فهو أصلاً طعام حيواني وقد صرح به للضعفاء الذين لا يحتملون كثرة الأصوام ولكن لا يصرح به في أصوام الدرجة الولي ومع ذلك إن اشتهي جسدك سمكاً في الصوم ، إي صوم ، فلا تعطه ليس فقط السمك ، بل كل المشتهيات مهما كانت حلالاً لأنك في الصوم تضبط شهواتك أليس الزواج حلالاً ؟ ولكن الصائمين يبعدون عن المعاشرات الجسدية في الصوم ضبطاً لأنفسهم ( 1 كو 7:5) بل هكذا فعل أيضاً الملك دار يوس الأممي ( دا 6:8) . الطعام النباتى:- تحدثنا في الصوم عن فترة الإنقطاع وعن الجوع ، بقي ان نتحدث عن الطعام النباتي في الصوم ، ونشرح كيف انه نظام إلهي ، وأنه الأصل في الطبيعة ، إذ أن أبانا آدم كان نباتياً ، وامنا حواء كانت نباتية . وكذلك أولادهما إلي نوح إن الله خلق الإنسان نباتياً فلم يكن آدم وحواء يأكلان في الجنة سوي النباتات البقول والثمار وهكذا قال الله لآدم وحواء " إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً علي وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً ، لكم يكون طعاماً "( تك 1: 29) بل حتى الحيوانات إلي ذلك الحين كانت نباتية أيضا ، إذ قال الرب " ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء ، وكل دابة علي الأرض فيها نفس حية ، أعطيت كل عشب أخضر طعاماً ( تك 1: 30) وبعد طرد الإنسان من الجنه ، بقي أيضاً نباتياً ولكنه إلي جوار البقول وثمار الأرض ، أعطي أن يأكل من عشب الأرض ، أي من الخضراوات ، فقال له الرب بعد الخطية " وتأكل عشب الحقل "( تك 3: 18) ولم نسمع أن أبانا آدم مرض بسب سوء التغذية ، ولا امنا حواء بل نسمع ان أبانا آدم - وهو نباتي - عاش 930 سنة ( تك 5:5) وهكذا طالت أعمار أبنائه وأبناء أبنائه في هذه الأجيال النباتية( تك5) ولم يصرح للإنسان بأكل اللحم بعد فلك نوح وحدث ذلك في زمن مظلم كان فيه " شر الإنسان قد كثر علي الأرض " حتي " حزن الرب أنه عمل الإنسان وتأس في قلبه " ، واغرق العالم بالطوفان ( تك 6:5، 6) وهكذا بعد رسو الفلك ، قال الله لأبينا نوح وبنيه " كل دابه حية تكون لكم طعاماً ، كالعشب الأخضر ، دفعت إليكم الجميع غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه " ( تك 9:3،4) ولما قاد الله شعبه في البرية ، إطعامه طعاماً نباتياً وكان هذا الطعام النباتي هو المن " وهو كبذر الكزبره أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل " ( خر 16: 31) وكان الشعب يلتقطونه ويطحنونه أو يدفونه في الهاون كما كانوا أيضاً يطبخونه في القدور ويعملونه ملأت وكان طعمه كطعم قطايف بزيت ( عدد 11: 8) ولما صرح لهم باللحم ، فعل ذلك بغضب وكان ذلك التصريح بسبب شهوتهم ، وتذمرهم علي الطعام وطلبهم اللحم بدموع فأعطاهم الرب شهوتهم ، وضربهم ضربه عظيمة " وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع ، حمي غضب الرب علي شعب ، وضربهم ضربة عظيمة جداً ، فدعي أسم ذلك الموضوع قبروت هتأوة ( أي قبور الشهوة ) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا "( عدد11، 33، 34) والأكل النباتي كانا أيضاً طعام دانيال النبي وأصحابة إذ كانوا يأكلون القطاني أي البقول ( دا 1 :12) ،هؤلاء الذين وضعوا في قلوبهم ألا يتنجسوا بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه ( دا 10: 3) وكان الطعام النباتي آكل حزقيال النبي في صومه وفعل ذلك بأمر إلهي ، إذ قال له الرب " وخذ أنت لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وكرسنة ( حز 4:9) والطعام النباتي طعام خفيف ، هادئ ومهدئ ليس فيه ثقل اللحوم ،دهونها وشحومها ، بكل تأثير ذلك علي صحة الجسد ونلاحظ أنه حتى في الحيوانات المتوحشة منها هي آكله اللحوم ، والأليفة منها هي آكله النباتات والمعروف أن النباتيين أكثر هدوء في طباعهم من آكلي اللحوم والعجيب أن غالبية الحيوانات التي نأكلها هي من الحيوانات آكله النباتات كالبهائم والغنام و الماعز و الطيور الداجنة وتلك الحيوانات النباتية لم تضعف بالطعام النباتي بل إننا قد نصف الإنسان بأن صحته كالجمل أو كالحصان ،وهما نباتيان وكانوا قديماً يقيمون رياضة هي مصارعة الثيران،لإثبات القوة بمصارعة هذه الحيوانات الجبارة في قوتها،وهي نباتية إذن أكل النبات لا يضعف الأجساد . وقد طالت أعمار النباتيين ، ومنهم المتوحدون و السواح كان برنلرد شو الكاتب المشهور نباتياً ، وقد عاش 94 سنة ولم يصبه أي مرض طوال حياته وما أكثر النباتيين الذين طالت أعمارهم والقديس الأنبا بولا اول السواح ،عاش ثمانين سنة كسائح لم ير خلالها وجه إنسان ، أي عاش حوالي المائة سنة وغالبية السواح عاشوا اعماراً طويلة ولم يكن هؤلاء نباتيين فحسب ، بل كانت حياتهم كلها زهداً ،وكانت أطعمتهم زهيدة ومع ذلك كانت صحتهم قوية والقديس الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان عاش 105 سنة ،وكانت حياته صوماً مستمراً ، وكان قوياً في صحته يمشي عشرات الأميال ولا يتعب موضوع الطعام النباتي لا أريد أن أبحثه علمياً بل عملياً ، في حياة البشرية منذ آدم حقاً إن الأحماض الأمينية الرئيسية موجودة بغني في البروتين الحيواني أكثر مما في البروتين النباتي ، التي توجد فيه علي أية الحالات بنسب أقل ، ولكنها كانت كافية لكل الذين ذكروناهم ، وعاش بها الرهبان و النباتيون في صحة قوية ومع ذلك لاننسي أن الكنيسة تسمح في بعض الأصوام بالسمك ، ولا شك أنه يحوي بروتيناً حيواناً كما ان هناك فترات طويلة من الإفطار . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
19 مارس 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الثَّانِي

1- بين اصحاح 1 : 17، اصحاح 3 : 1 ففى الاول ان يهورام ملك فى السنه الثانيه ليهورام بن يهوشافاط، وفى الثانى انه ملك فى السنه الثامنه عشره ليهوشافاط. فنجيب : ان الاول يقصد به اى لمده ملكه مع ابيه لان خبر تملكه رسميا لم يرد الا بعد ذلك بمده فى (2 مل اصحاح 8 : 16) وملك وهو ابن 32 سنه. اما تسميه يهورام فى اصحاح 8 فسببه تغيير اسمه. 2- وبين اصحاح 8 : 26، 2 اى 22 :2 ففى الاول ان اخزيا كان ابن 22 سنه حين ملك وفى الثانى انه كان ابن 42 سنه. فنجيب : من المحال ان يكون عمره 42 سنه لان اباه مات وهو ابن 40 سنه فيكون عمره 22 سنه فقط. فكاتب سفر أخبار الايام حسب الوقت منذ بدايه حكم بيت عمرى وهو كان منه بواسطه امه. 3- وبين اصحاح 9 : 1 – 10، هو 1 : 4 ففى الاول ان الله امر ياهو ان يبيد بيت آخاب، وفى الثانى انه ينتقم منه على ذلك. فنجيب : سبق وضحنا ان الله لا ينظرالىالاعمال بلالىالنيات فان ياهو بحسب نيته لم يكن غيورا على اتمام كلام الرب بل دفع بميلالىالانتقام فضلا عن انه ضل عن الله وعبد الاوثان (2 مل 10 : 29 – 31). 4- وبين اصحاح 10 : 35، اصحاح 14 : 1 ففى الاول قيل يهواحاز وفى الثانى يواحاز. فنجيب : انها قرات فى بعض النسخ يهواحاز والملوك كانت تغير اسماؤهم احيانا. فنبوخذنصر لما ملك متنيا غير اسمه الىصدقيا (2 مل 24 : 17) وملك مصر دعا الياقيم يهوياقيم (2 اى 36 : 1) ودعى احاز ايضا عزريا (2 اى 22 : 6) فمن هذا نعلم ان تغيير الاسماء وان تسميه الشخص الواحد بجمله اسماء امر مالوف. ودعى يهواحاز اخزيا (2 اى 21 : 17 و 22 :1و 8 و9) وذلك لان الاسماء كثيرا ما تتغير كان يرتقى الانسانالىعرش الملك او غير ذلك. 5- وبين اصحاح 14 : 21، 2 اى 26 : 1 ففى الاول قيل عزريا وفى الثانى عزيا. فنجيب : لا خلاف بين الاسمين اذ معنى الاول السامع لله والثانى قوه الله فالاسمان قريبان فى اللفظ والمعنى. 6- وبين اصحاح 15 : 30، عد 33 ففى الاول ان يوثام ملك عشرين سنه وفى الثانى انها 16 – فنجيب لا ريب انه ملك 4 سنوات مع عزيا اذ كان ابرص بدليل ما جاء عن عزيا فى عدد 5 (وضرب الرب الملك فكان ابرص الى يوم وفاته واقام فى بيت المرض وكان يوثام ابن الملك على البيت يحكم على شعب الارض). 7- وبين اصحاح 16 : 1،2 اى 28 : 19 وبين 1 مل 22 : 41 وبين 2 اى 21 : 2 ففى الاول ان آحاز ويهوشافاط كانا ملكى يهوذا وفى الثانى ملكى اسرائيل. فنجيب : انه لما انقسمت مملكه اسرائيل الى قسمين دعيت العشره الاسباط مملكه اسرائيل وسبط يهوذا وبنيامين مملكه يهوذا الا ان كل يهودى كان يلقب بالاسرائيلى فلو قيل عن ملك اسرائيل لما اعتبر ذلك خطا لانه يحكم جزءا من الامه المدعوه اسرائيليه. 8- وبين اصحاح 16 : 2، 18 : 1و2 ففى الاول ذكر ان (آحاز كان ابن عشرين سنه حين ملك وملك سته عشره سنه فى اورشليم) وفى الثانى (وفى السنه الثالثه لهوشع بن ايله ملك اسرائيل ملك حزقيا بن آحاز ملك يهوذا. كان ابن 25 سنه حين ملك وملك 29 سنه فى اورشليم) فكان اباه ولده وهو ابن 11 سنه. فنجيب : يؤخذ من النص الثانى ان حزقيا ملك فى السنه الثالثه من حكم هوشع وكان حكم هوشع فى السنه الثانيه عشره من حكم آحاز كما ذكر فى اصحاح 17 : 1 فمحق ان حزقيا حكم فى السنه الرابعه عشره من حكم آحاز واله وعمره 22 سنه او 23 سنه وحكم سنتين او ثلاثه فى حياه والده حتى صار له يوم تولى الحكم 25 سنه. وبما ان القدماء كانوا يراعون السنه التى يحسبون منها المده سواء كانت قد انتهت او ابتدئت منها فيكون عمر آحاز لما ابتدا ان يحكم 21 سنه وقضى 17 سنه ملكا. وربما يكون حزقيا دخل فى السنه الخامسه والعشرين من حكمه وعليه يكون عمر والده آحاز لما ولده 14 سنه والزواج الباكر عادى فى الشرق. 9- وبين اصحاح 18 : 10، اش 7 : 8 ففى الاول ان ملك اشور تسلط على افرايم فى السنه السادسه لملك حزقيا بن احاز وفى الثانى تنبا اشعياء لاحاز ابو حزقيا قائلا (فى مده خمس وستين سنه ينكسر افرايم) فبحسب الاول انكسر افرايم قبل تمام نبوه الثانى فنجيب : ذكر فى (2 مل 15 : 19) ان ثغلث فلاسر ملك اشور حارب ملك اسرائيل وقتل وسبى كثيرين وهذا يعتبر السبى الاول بعد تنبؤ اشعياء بسنه او سنتين. ثم بعد 20 سنه لنطق اشعياء بنبوته جاء شلمناصر ملك اشور واخذ فى الفتك وسبى ملك اسرائيل ورجال مملكته كما جاء فى (2 مل 17 : 1 – 6 و8 : 19 - 12) وهذا هو السبى الثانى. ولكن تمام نبوه اشعياء كان فى السبى الثالث فى ايام اسرحدون ملك اشور الذى ازال مملكه اسرائيل من الوجود واتى بالاجانبالىالسامره واستعمرها وسبى منسى ملك يهوذا فى سنه 21 لملكه وكان ذلك بعد نطق اشعياء بنبوته بخمس وستين سنه. راجع (عز 4 : 2 و3 و10 و2 مل 17 : 24 و2 اى 33 : 11). 10- بين اصحاح 24 : 8، 2 اى 36 : 9 ففى الاول قيل ان يهوياكين ملك وهو ابن 18 سنه وفى الثانى انه كان ابن 8 سنين فنجيب ان بعض الملوك كثيرا ما يعتريهم ضعف او يحبون تمرين اولادهم على الحكم فى حياتهم فيشركونهم معهم فى الحكم ففى القول الاول ذكر عمره لما ابتدا ان يحكم رسميا وفى الثانى ذكره حين ملك مع ابيه. 11- بين اصحاح 24 : 14، ار 52 : 28 ففى الاول يذكر ان نبوخذنصر سبى كل اورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابره الباس 10000 وجميع اصحاب الباس 7000 والصناع والاقيان 1000 وفى الثانى ان نبوخذ نصر سبى فى السنه السابعه 3023 وفى الثامنه عشر 832 وفى الثالثه والعشرين سبى نبوزرادان رئيس الشرط 745 فتكون جملتهم 4600 فنجيب بحسب الاول لقد تقدم هذا السبى غيره فسبى اسرائيل قبل سبى يهوذا بنحو 135 سنه (2 مل 18 : 9) وحدث سبى ثان فى ايام يهوياقيم وكان بين المسبيين فيه دانيال النبى والثلاثه فتيه (2 مل 24 : 2 ودا 1 : 6) فى السنه الاول ى لنبوخذنصر، والسبى الثالث فى زمن يهوياكين فى السشنه الثامنه لنبوخذنصر (مل 24 : 12) والرابع فى زمن صدقيا فى السنه التاسعه لنبوخذنصر. ولكن بحسب الثانى يذكر سبى اخر فى السنه الثالثه والعشرون لملك بابل لم يذكره الاول لعدم اهميته فى نظره. فالخلاف بين الاول والثانى فى عدد المسبيين وعدد السنين فى ما يتخصص بالسبى الثالث والرابع نشامن ان الثانى نظرالىفتنتين قمعهما نبوخذنصر : الاول ى حدثت قبل السبى الثالث والثانيه قبل السبى الرابع. يدل على ذلك اختلاف الزمن بين الاول والثانى ف الاول قال ان السبى الثالث حدث فى الثامنه والثانى قال فى السابعه. و الاول قال ان السبى الرابع حدث فى السنه التاسعه عشره والثانى قال فى الثامنه عشر، ثم لا يبعد ان عائلات اسرائيليه كثيره اثرت الهرب والاندماج فى سبطى يهوذا للتخلص من السبى الاول الا انها لم تستطع النجاه فى السبيات الاخرى. ف الاول ذكر جميع المسبيين من كافه الاسباط بينما الثانى اكتفى بذكر الاعيان بدليل قوله عن كل فرقه مسبيه انها (من اليهود). المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
18 مارس 2020

صليب الألم... صليب الأمل

يقولون إن المسيح هو أعظم نجار في التاريخ، حيث بنى جسرًا يصل الأرض بالسماء، فقط بعارضتين من الخشب وثلاثة مسامير... هذا هو الصليب الذي صار مذبحًا عليه الذبيحة الدائمة، مسيحنا القدوس، الإله المتأنس من أجل خلاص جنس البشر، لأنه «هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل (صُلب) ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16). وصار الصليب فاتحة خلاص انتظرته أجيال وأجيال كما نقرأ في أسفار العهد القديم.ومن المدهش أن يكون «الصليب» في معناه وتاريخه وأحداثه وآثاره هو صورة الألم الشديد والقاسي، وفي نفس الوقت هو صورة الأمل الرائع والواسع أمام الإنسان، وهذا هو سر عظمة الصليب الذي يعشقه كل مسيحي يعيش إيمانه القويم، ويُعبّر عنه باللحن والصلاة والفن والموسيقى والعبادة، ومن خلاله ينال البركة والراحة والسلام والفرح والأمل.صليب الألم:منذ سقوط آدم وحواء وكسر الوصية الإلهية ورفضها وكسر قلب الله الذي خلقهما وأبدعهما وأحبهما جدًا ووضعهما على قمة الخلقة والخليقة.. وكلتهما اختارا طريق الخطية التي عمت العالم فيما بعد، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، حتى عبر داود النبي المعتبر بين الأنبياء «... هأنذا بالإثم صُوِّرت، وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور 51: 5).لقد كانت خطة الخلاص على امتداد الزمن والأجيال في حلقات متصلة، ولكن بقيت علامة الصليب رمزًا للعقوبة والألم والعذاب، وصار الألم من أجل الإيمان طريقًا إلى المجد لأنه مشاركة مع المسيح في آلامه.نقرأ هذه الكلمات: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» (مت16: 24). «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا» (لوقا14: 27). وهكذا صــــــــار حمل «صليب الألم» أحد مفردات حياة المسيحي مهما تنوع هذا الألم بين المرض أو الضيق أو الفشل أو الاضطهاد وغير ذلك. وهذا يبين كيف تنظر المسيحية إلى قضية «الألم» حيث صار هناك رفيق وصديق يحمل معك صليب الألم أو سبق وحمله عنكَ. وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول حين قال: «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية2: 20).إن الصلب مع المسيح يعني معانٍ كثيرة: مثل قبول الألم سواء الجسدي أو النفسي أو المعنوي. ويعني أيضًا قبول الموت أو الاستشهاد الفعلي من أجل الإيمان. وقد يعني حياة النُسك والصوم والتوبة والتعفّف وبذل الوقت أو الجهد أو المال حبًا في المسيــــــــــــح ومــــــــــن أجـــــــــل مجد كنيسته.إذا أردت عزيزي القارئ أن تقرأ عن صورة الألم الشديد الذي حمله المسيح من أجلك، افتح الأصحاح 53 من سفر إشعياء وأعلم أنه «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير..» (يوحنا12: 24و25).نقول في ذكصولوجية عيد الصليب: «الصليب هو سلاحنـــــــــــا. الصليــــــــــب هو رجاؤنـــــــــا. الصليب هـــــــــــــو ثباتنــــــــــا فــــــــي ضيقاتنا وشدائدنا».صليب الأمل:يقول القديس يوحنــــــــــا ذهبــــــــــي الفم: «الصليـــــــــب جعـــــــــــل الأرض سمــــــــــاء. هدم حصونًا وحطم قوة الشرير... حطـــم قيودنا.. وفتح الفردوس.. وأوصل جنس البشر إلى ملكوت السموات... تأملوا الخير الذي عاد علينا... أنشدوا تسابيح التمجيد للغالب.. صيحوا بالصوت العالي: يا موت أين نصرتك؟ ويا هاوية أين شوكتك؟». لم يكن قبر المسيح هو نهاية الصليب، بل كان نصرة الصليب ومحطة انطلاق وأمل ورجـــــــاء نحو الملكوت.إذا كانت العارضة الأفقية في الصليب تمثل الامتداد الذي يكون بين إنسان وآخر.. وعادة تكون آلام الإنسان بسبب إنسان آخر بأي صورة؛ فإن العارضة الرأسية تمثّل الرجاء والأمل المفتوح أمام الإنسان، والذي يصعد عليه نحو الله بواسطة الصلاة المستمرة. وإذا كنا نحتفل بتذكار الصليب المقدس يوم الجمعة الكبيرة، فإننا نحتفل بتذكار القيامة يوم الأحد.. إنه صليب الألم يوم الجمعة الكبيرة، وصليب الفرح يوم الأحد الذي صار هو العيد الأسبوعي للقيامة المجيدة.. إنه يوم النور. دائمًا يوجد أمل ورجاء لأن الصليب هو إعلان محبة الله الدائمة للإنسان صنعة يديه، إذ صار قوة خلاص وقوة رجاء، وهذا ما نعلنه في تسبحة البصخة ونكرره ونحن نصلي في أسبوع الآلام إذ نقول: «لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد. يا عمانوئيل إلهنا وملكنا» (رؤ5: 12،13؛ 7: 12). إنه صاحب القوة ومصدرها، ورجاؤنا في المجد، وبركة حياتنا وعزة وفخر إيماننا القويم، ومكتوب:«إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه» (رؤ8: 17)«وإن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه، وإن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تي2: 11)«أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25)كل أسبوع آلام وأفراح القيامة وجميعكم بخير قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
17 مارس 2020

الصوم الكبير عودة الى الله

أول وصية:- "من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر، فلا تأكل منها؟ لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تك 16:2،17)أنها أول وصية بل الوصية الوحيدة فى الفردوس أن يصوم الإنسان عن نوع معين من الطعام ولا يتناول طعاماً إلا من يد الله أراد الله أن يقول لآدم "ليست حياتك من الطعام، بل بى. إذا أكلت بدونى فستموت" وأراد الشيطان أن يثبت العكس لآدم "أن الحياة، بل والألوهة تكمنان فى الأكل فقط، حتى ولو كان مخالفاً لوصية الله الصالحة"وانطلت الخدعة على آدم فعاش ليأكل وكرسّ الناس كل جهدهم وعمرهم من أجل "لقمة العيش"، وبات الناس لا يفكرون إلا فى المال والأكل والمتع الحسية حاسبين أنها وحدها سبيل السعادة والحياة بمعزل عن الله مع أن الواقع نفسه يعلن فشل هذه الأفكارفليست سعادة الإنسان بالمادة بل بالله الحى الذى يمنحنا كل شئ بغنى للتمتع" (1تى 17:6)أما المادة فى حد ذاتها - وبعيداً عن الله؛ فتصير وثناً بغيضاً، وينبوع موت لكل من يتعلق بها "لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تى 10:6) وتمركز الحياة - هذا - حول الطعام، تسرب دون أن ندرى حتى إلى الروحيين والمؤمنين؛ فصار الصوم فى نظرهم هو امتناع عن الأكل أنه أيضاً تمركز سلبى ولكن الصوم كما تعلّم الكنيسة وتشرحه هو العودة إلى الله:- 1- العودة ألى الله كمركز للحياة:- فليست الأموال بل الصدقة، وليست الإرادة بل الصلاة، وليست الأطعمة والشهوات بل الصوم والتعفف وهذا أول درس تلقنه لنا الكنيسة... (فى أحد الرفاع) قبل أن نجتاز معاً رحلة الصوم المقدسة. أ- ففى الصدقة:- يعلن الإنسان أن ما لديه من أموال هى نعمة استأمنه الله عليها أعطاها له كوكيل صالح ليخدم بها الآخرين بكل فرح "المعطى المسرور يحبه الرب" (2كو 7:9) وإن سعادته ليست فى تخزين الأموال بل فى إنفاقها فى الخير "مغبوط هو العطاء أكثر من الآخذ" (أع 35:20) كذلك فى الصدقة يعلن الإنسان أن حياته وتأمينها فى يدى الله، وليس فى خزائن البنوك إن القضية ليست فى كثرة المال أو قلّته، بل فى نظرة الإنسان له ومحبته واتكاله هل على الله (حتى ولو كان غنياً) أم على الأموال (حتى ولو كان فقيراً) فهناك غنىّ لا يتعلق بالمال وآخر يعبده وهناك فقير يشكر الله ويسعد وآخر ما زال يعبد المال ليست حياتنا من أموالنا بل من الله الذى يعطينا. ب- الصلاة:- هى شركة حب يسلم فيها الإنسان ذاته وإرادته وتدبير حياته ليدى ذاك الذى معه أمرنا الصلاة هى عودة إلى الله كمركز للحياة ومحرك لها قديماً قالوا "الصلاة تحرك اليد التى تحرك العالم"، وربنا يسوع المسيح وعدنا أن "كل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين ستنالونه" (مت 22:21) إن مأساة العالم اليوم أنه قد ترك الصلاة، وسعى وراء العقل والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بمعزل عن الله ولا يوجد من ينكر قيمة التفكير بالعقل، والمناداة بالحرية، وتحقيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغيرها من مبادئ سامية رفيعة ولكن دعنا نعترف - باتضاع - أن هذه المبادئ لم تحل مشكلة الإنسان فى كل مكان آه لو اقترنت هذه، بروح التقوى والصلاة آه لو اعتنقناها فى نور الإنجيل وليس بمعزل عن الله آه لو ارتقى الضمير وتنزه عن الأغراض لصار العقل بالحقيقة خلاقاً للخير وصارت الحرية سعادة بالمسيح "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 36:8)وصارت حقوق الإنسان مصانة بالحب وبالنعمة وبالعلاقات السليمة بين الناس وليس بالتحايل على القانون وبالغش وبالمحاباة ليست الحياة بإمكانيات الناس بل الله الذى نطلبه فى الصلاة. ج- والصوم:- الصوم عن الطعام هو إعلان عملى عن أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله" (لو 4:4) لقد كانت هذه هى الخبرة التى تعلمها بنو إسرائيل فى البرية وصاغها قائدهم العظيم موسى فى هذه العبارة بالروح القدس "وتتذكر كل الطريق، التى فيها سار بك الرب إلهك، هذه الأربعين سنة فى القفر لكى يذلك ويجربك، ليعرف ما فى قلبك، أتحفظ وصاياه أم لا؛ فأذلك، وأجاعك، وأطعمك المن الذى لم تكن تعرفه، ولا عرفه أباؤك لكى يعلّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان" (تث 2:8،3) والسيد المسيح فى تجسده كان يقصد أن يطعم تابعيه بالبركة فى معجزتى إشباع الجموع؛ لكى يقول لهم ليس السر فى الخمسة أرغفة ولا السمكتين ولكن فى اليد التى تقدم هذا القليل سيشبع الناس ويفضل عنهم بالبركة ليست حياتنا من الأكل بل من يد الله، التى تقدم لنا الأكل بشبع وبركة وفيض كثير فالصوم هو عودة إلى الله ينبوع كل الخيرات وكأننى حينما أصوم أتقدم لله بذبيحة جسدى كمثلما فعل إبراهيم مع ابنه الحبيب الوحيد اسحق الذى بسببه قبل المواعيد أتقدم رافعاً سكين الجوع على جسدى الضعيف المنهك مقدماً إياه ذبيحة حب وطاعة وإعلان إيمان أن الله أهم لدىّ من جسدى ومن كل نفسى حينئذ يتكلم معى ملاك الرب "لا تمد يدك إلى الغلام (جسدى)، ولا تفعل به شيئاً، لأنى الآن علمت أنك خائف الله؛ فلم تمسك ابنك وحيدك عنى" (تك 12:22) ويرفع الصائم عينيه - كما فعل إبراهيم - وينظر "وإذا كبش وراءه ممسكاً فى الغابة بقرنيه فذهب إبراهيم، وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه" (تك 13:22) وكبشنا المذبوح عنا وعن جسدنا هو ربنا يسوع المسيح المذبوح على المذبح فى سر الأفخارستيا التى لابد أن ينتهى الصوم بها ليحقق لنا هذا المعنى الجميل لم تكن حياة إبراهيم مرهونة بحياة اسحق بل بالله وعندما قدم إبراهيم اسحق برهن على إيمانه هذا ونحن حياتنا ليست مرهونة بالجسد بل بالله والصوم يبرهن على ذلك وكما أن الله افتدى اسحق بكبش كذلك يفتدينا بدمه وجسده على المذبح وكما أن المذبح لم يميت اسحق بل عظمَّه وصار بالحقيقة بركة وجداً للمسيح بالجسد كذلك لا يميتنا الصوم بل يباركنا ويعظمنا ويجعلنا أهلاً لبيت الله ورعية مع القديسين. 2- العودة إلى الله كنز الخيرات:- تطبيقاً لما علمتّه لنا الكنيسة فى أحد الرفاع تواصل معنا الدرس فى الأحد الأول من الصوم "لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض بل اكنزوا لكم كنوزاً فى السماء" (مت 19:6-20) فالمسيح هو كنزنا الحقيقى الذى لا يفقد ولا يشيخ ولا يخسر والعودة إلى المسيح هى عودة إلى الغنى الحقيقى. أ- فالعين شبعانة:- "سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً" (مت 22:6). ب- القلب شبعان:- "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين... لا تقدرون أن تخدموا الله والمال"(مت 24:6). ومن يعبد الله بالحقيقة يستهن بمحبة المال ويدوس كبرياء الغنى. ج- والنفس شبعانة:- "فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم (النفوس الجائعة والبعيدة عن الله والتى لم تجعل الله محور حياتها بل ما زالت منهوكة - ومهمومة بالعالم وتفاصيله المغرقة فى العطب والهلاك) لأن أباكم السماوى يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 32:6،33). 3- العودة إلى الله ينبوع النصرة:- وفى الأحد الثانى تصور لنا الكنيسة أيقونة رائعة فيها المسيح منتصر على الشيطان بكل قوته ودائسا على كل اغراءاته لم يكن المسيح محتاجا أن يحارب الشيطان ويهزمه فالشيطان بكل تأكيد مهزوم وساقط تحت قدمى المسيح ولكنه حارب لنا وعنا لكى يرينا الطريق لقد انتصر المسيح فى ثلاث تجارب: 1- الجسد:- "أن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً" (مت 3:4) ومن يصوم بالحق ينتصر على تجربة الجسد سواء كانت الشراهة أم الجنس أم محبة الراحة والرفاهية وميوعة الحياة فمن يمسك بمفتاح الصوم يستطيع أن يستأمن على كنوز الجسد ومواهبه وقواه. 2- المجد الذاتى:- "أن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" (مت 6:4) ومن يصلى بالحق ينجو من فخ المجد الباطل لأن حياته وتدبيرها سيكونان بالله بواسطة الصلاة وكل خدع وحيل إبليس ستنكشف له ويفضحها كما فعل السيد المسيح على الجبل وفى الصليب. 3- القنية والمال:- "أعطيك هذه جميعها أن خررت وسجدت لى" (مت 9:4) ومن يتصدق بأمواله بفرح وسعادة لا يصير مربوطاً بشهوة الغنى، ولا يستطيع إبليس أن يخترقه ويسيطر عليه لأنه داس بعز على كل مغريات العالم هكذا تأخذنا الكنيسة كأم رؤوم تعلم أولادها وتكشف لهم عن سر أبيهم السماوى وتتدرج بنا فى المعرفة شارحة أساسات الممارسة الروحية (الصوم والصلاة والصدقة) ثم ترينا الكنز الحقيقى المخبوء فى السماء وأخيراً تكشف عن عيوننا لنرى قائدنا وأبانا ظافراً بالشيطان لأنه تسلح بنفس السلاح الذى تطالبنا الكنيسة بأن نتمسك به لننتصر 4- العودة إلى حضن الاب:- وفى الأحد الثالث من الصوم يسرد لنا السيد المسيح مثل الأبن العائد إلى أبيه لعل الأبن الأصغر هو الأمم الذين شردوا بعيداَ عن الله، والأبن الأكبر هو اليهود الذين عاشوا فى كنف الله ولكنهم لم يكونوا بحسب قصده وفكره الأصغر تاه بعيداَ والأكبر تاه داخل البيت الأصغر هو الشاب المشغول بتفاهات العالم وشهواته، حتى إنه رفض الأب السماوى وابتعد عنه والأكبر لا يفضله كثيراً فهو الشاب المتدين بكبرياء وانحراف ،حتى إنه رفض فرحة الأب بعودة الخاطئ ذروة القصة تكمن فى هذه العبارة المقدسة "أقوم وأذهب إلى أبى فقام وجاء إلى أبيه" (لو 18:15،19). الصوم الكبير هو موسم هذه العودة المحببة. عودة الأبن الذى أكل من شهوات الخنازير ولم يعطيه أحد - أى لم يشبع وعودة الابن الذى استكبر أو قل تحجر من كثرة الممارسة الروحية الباردة الآلية دون روح ودون إحساس بالآب السماوى. ماذا سينتظر العائد هناك :- - الآب السماوى يتحنن فليس الأب شرطيا ولا جلاداً بل أب. - الآب السماوى يركض فهو يتوقع أننى متهالك ومتعثر وينتظر منى خطوة واحدة، ليركض هو ويكمل المشوار. - الآب السماوى يقع على عنقه ويقبله فالحضن الإلهى مفتوح لأعتى الخطاة ولأنجس الأشرار حتى يتطهر بقبلات فم المسيح. - الحلة الأولى يستعيد الإنسان بهاء معموديته والاستنارة. - خاتم فى يده الروح القدس يتجدد فينا ويملأنا من مواهبه وثماره. - العجل المسمن ذبيحة الأفخارستيا العظيمة التى بها نتحد بالله وننال الغفران والثبات والحياة الأبدية. - نأكل ونفرح طوبى لمن يأكل فى حضور المسيح وفى كنفه. - الحياة كان ميتا فعاش وكان ضالاً فوجد حقاً بعيد عن الله لا توجد حياة بل وهم وموت ودمار وفى المسيح وحده الحياة. - كل مالى فهو لك أخيراً يعطينا السيد الآب كل ماله فنصير بالحق أغنياء به وبخيراته المقدسة ليتنا نعود إلى حضن الآب فى هذا الموسم العظيم الذى للعودة المقدسة. 5- العودة إلى الينبوع الحى :- "لأن شعبى عمل شرير. تركونى أنا ينبوع المياه الحية؛ لينقروا لأنفسهم آباراً. آباراً مشققة لا تضبط ماء" (أر 13:2) الماء الذى كانت تشرب منه السامرية كان ماء غير مروٍبل كانت تعطش أيضا إلى الشهوات والنجاسات "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا" (يو13:4) وهى مسكينة لأنها عطشانة لم تجد ما يرويها فلجأت، إلى آبار العالم المشققة، لعلها ترتوى ولكن عطشها كان يزيد فى كل مرة "وكان لكِ خمسة أزواج والذى لكِ الآن ليس هو زوجك" (يو18:4) عندما رجعت إلى ينبوع ماء الحياة هناك الارتواء بالحق "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لكِ أعطينى لأشرب لطلبتِ أنتِ منه؛ فأعطاكِ ماءً حيا" (يو 10:4) "من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذى أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو14:4) مسكينة هى النفس التى لم تلتق بعد بينبوع ماء الحياة من يستطيع أن يطفئ لهيب ظمأ الناس من يستطيع أن ينجو من هلاك العطش إلى الشهوات الينبوع وحده قادر أن يروى ويشفى ويسعد الإنسان "يا سيد أعطنى هذا الماء لكى لا أعطش ولا آتى إلى هنا لأستقى" (يو 15:4) أعطنى من مياه ينبوعك النقى؛ لكى لا احتاج مرة أخرى إلى قاذورات العالم، ولكى لا آتى هنا مرة أخرى إلى حيث أماكن العثرة والخطية والضياع حقا إن "النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو" (أم 7:27) فأعطنى يا سيدى القدوس أن أرجع إليك؛ لأشبع بك فأدوس على عسل العالم المروأنكر الفجور والشهوات، وأكون لك إلى المنتهى. 6- العودة إلى الله الشافى:- كان المفلوج ملقى على الأرض به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة، ينتظر تحريك الماء حتى يبرأ إنه عاجز عن الحركة لا يستطيع العودة يا للعجب أن الطبيب بنفسه جاء إليه ليشفيه وقال له "أتريد أن تبرأ" (يو6:5) ما هذه العذوبة يا للرقة هل تستأذن منه لكى تشفيه؟‍‍!! يقول يسوعنا الحبيب لقد انتظرته كثيراً (38 سنة) لكى يعود، لكنه تقاعس حتى ضمرت أطرافه، وضاعت منه أى فرصة للعودة كان لابد أن آتى بنفسى لأفتقده ولكن ليس دون رأيه لم يكن مرضه مرضا عاديا بل كان ثمرة خطية "ها أنت قد برأت؛ فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر" (يو14:5). سيدى المحبوب ها أنا مفلوج ولى زمان طويل متكاسل فى فراش المرض والخطية حتى ماتت فىّ كل رغبة فى التوبة وذبلت فىّ كل رغبة للصلاة والعودة إليك فهل لى فى هذا الموسم المبارك أن تفتقدنى بصلاحك وتبرئنى أننى عاجز عن العودة فهل لى أن تأتى إلىّ؟ لقد فشلت معى بركة بيت حسدا بكل أروقتها الخمسة فهل تأتى إلىّ لتشفينى بالكلمة؟ ليس لى ملجأ سواك وليس لى طبيب إلا إياك فدعنى أقبل نعمتك كما قبلها المفلوج فحمل سريره، ونهض ليخدمك ويبشر باسمك فى كل مكان. 7- العودة إلى نور العالم:- كان المولود أعمى يعيش فى الظلام ككل إنسان محروم من نور المسيح جاء إليه النور "مادمت فى العالم؛ فأنا نور العالم" (يو 5:9) "مضى واغتسل وأتى بصيراً" (يو 7:9) ورأى النورلم يكن النور الذى رآه هو الشمس بل نور المسيح كان شاول الطرسوسى يظن انه يرى بنور الناموس، ولم يكن يدرى أن هناك قشور على عينيه كان يحتاج أن يعتمد من حنانيا؛ لتتساقط القشور ويستعيد رؤية نور المسيح سيعيش العالم فى ظلام الخطية والجهل والشهوة والدمار؛ حتى يعود إلى المسيح النور الحقيقى الذى يضئ لكل إنسان إن الصوم الكبير هو موسم استعادة الاستنارة التى أخذناها فى المعمودية إنه موسم ملء المصباح بزيت الصوم والقداس حتى نكون فى زمرة العذارى الحكيمات أصحاب المصابيح الموقدة، والآنية المليئة بالزيت، والمستعدات للقاء العريس السماوى فعريسنا سيفرح باستنارتنا وسيضفى حينئذ علينا من بهاء مجده "استنارت الأرض من بهائه" (رؤ 1:18) طوبى للنفس التى تعود إليه تتأمل فى وجهه "نظروا إليه واستناروا، ووجوههم لم تخجل" (مز5:34) مأساة الإنسان انه قد تلهى عن الله ليتنا فى الصوم نعود إليه فى هدوء، ونجلس تحت قدميه بسكون "بالرجوع والسكون تخلصون. بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم" (إش 15:30). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة عن كتاب الصوم الكبير عوده الى الله
المزيد
16 مارس 2020

حياة النمـو

+ النمو سمة الحياة: كل الكائنات الحية تختبر خاصية النمو في حياتها، فالطفل يولد ثم ينمو ليصل إلى المراحل المتعددة: الصبا والشباب والنضوج والرجولة والحكمة.. الخ. وكذلك النبات يُزرع بذرة صغيرة تنمو فتكبر وتصير نباتًا ثم شجرة صغيرة ثم شجرة كبيرة مثمرة.. فحبة الخردل وهي أصغر جميع البذور تصير شجرة كبيرة تتآوى فيها جميع طيور السماء.. وهكذا بقية الكائنات الحية كلها تبدأ صغيرة وتكبر في مراحل العمر المتعددة. +النمو تحدي لكل المعوقات: لا شك أن كل مَنْ ينمو في هذه الحياة يواجه تحديات في كل مراحل حياته، سواء في الصغر أو في الكبر، من أمراض أو عوامل الفناء الكثيرة التي تعمل في هذا الكون.. فالبقاء يمثل قوة تقاوم عوامل الفناء هذه، والنتيجة هي النمو واكتساب حصانة قوية ضد كل ما يُعطل النمو هكذا قال القديس بولس: «ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام» (في13:3). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "إذ يستحيل على الذين يصعدون ويبلغون القمة أن يتحاشوا الشعور بالدوار، لهذا يحتاجون ليس فقط أن يتسلقوا صاعدين، بل وأن يكونوا حذرين عند بلوغهم الذروة، فالحذر شيء وفقدان توازن رؤوسنا عندما نرى المسافة التي تسلقناها شيء آخر، فلنلاحظ ماذا تبقى لنا أن نصعد ونهتم بهذا". +النمو الروحي هو سعي نحو الهدف: فهدف مَنْ يحيا مع الله هو الإعداد للوصول للحياة الأبدية كهدف رئيسي تُمهّد له كل الأهداف القريبة الأخرى كالصلاة والنقاوة والتوبة والجهاد ووسائط النعمة الكثيرة..الخ. ولقد حَذَّرَ القديس بولس من الانشغال بأي هدف آخر كبديل للحياة الأبدية فقال: «فليفتكر هذا جميع الكاملين منَّا، وإن افتكرتم شيئًا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا أيضًا» (في3: 15)، بمعنى أن مَنْ ينشغل عن هذا الهدف الأساسي وهو الحياة الأبدية، بأي هدف آخر كالمواهب أو العطايا اللازمة للخدمة، وهي مجرد وسائل ولا ترقى لمستوى الهدف الأساسي وهو الملكوت الأبدي.. +النمو هو الوسيلة المثلى للترقّي الروحي المنشود: فأي بداية لابد أن تكمل حتى تصل إلى المستوى المطلوب الذي ينشده الرب لنا، وهذا ما نوّه عنه القديس بولس حين قال: «ليس أني قد نلت أو صرت كاملًا، لكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع، أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ولكني أفعل شيئًا أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (في3: 12، 14). يقول القديس أمبروسيوس: "يوجد شكلان للكمال شكل عادي وآخر علوي، واحد يُقتنى هنا والآخر فيما بعد، واحد حسب القدرات البشرية والآخر خاص بكمال العالم العتيد، أما الله فعادل خلال الكل، حكيم فوق الكل، كامل في الكل". فمن يبدأ ولا ينمو لا يستطيع أن يدرك ما يود أن يدركه ولا يسعى نحو الغرض.. لذلك فكل عمل روحي له بداية وله تكمله أيضًا، فالصلاة تبدأ بالجسد ثم بالفكر ثم بالروح ثم بالروح والذهن ثم بالاستعلانات الإلهية..الخ. وكذلك في الصوم: صوم الجسد ثم صوم اللسان ثم صوم الفكر ثم صوم الحواس جميعًا..الخ.. وهكذا بقية الوسائط الروحية... لابد أن يتحقق فيها النمو ويتحول هذا الجهاد إلى مكآفأة كرامة بهية أبدية. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية وتوابعها
المزيد
15 مارس 2020

الأحد الثالث للصوم الكبير مثل الابن الضال

من تفسير القديس كيرلس (لوقا 15 : 11- 32)” وقال : إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه يا أبى أعطني القسم الذي يصيبني من المال. فقسم لهما معيشته. وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شئ وسافر إلى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مُسرف. فلما أنفق كل شئ حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج . فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة . فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير. وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا. أقوم وأذهب إلى أبى وأقول له يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك. ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا. اجعلني كأحد أجراك. فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن ورقد ووقع على عنقه وقبله . فقال له الابن يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا . فقال الأب لعبيده أخرجوا الحُلة الأولى وألبسوه واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه. وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوجد. فابتدأوا يفرحون. وكان ابنه الأكبر في الحقل فلما جاء وقرب من البيت سمع آلات طرب ورقصًا. فدعا واحدًا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا. فقال له: أخوك جاء فذبح أبوك له العجل المسمن لأنه قبله سالمًا. فغضب ولم يرد أن يدخل. فخرج أبوه يطلب إليه. فأجاب وقال لأبيه: ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك. وجديًا لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن. فقال له يا بنى أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك ولكن كان ينبغي أن تفرح وتسر لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوجد “. مقدمة عن مثل الابن الضال:- محبة الأب : يوضح الرب فى المثل محبة الأب للابن الأصغر إذ يذكر أن الابن بعد رجوعه بدأ يقول ” أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا ” وهنا لم يعطه الأب فرصة لكى يكمل بقية قوله الذى كان عازمًا أن يقوله “اجعلنى كأحد أجراءك” !! بل قال لعبيده بسرعة “أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه …” هذه صورة لمحبة المسيح العجيبة للخطاة وحنانه الفائق نحوهم. فإن المسيح الذى يقابل الأب فى المثل يغمر الإنسان التائب بمحبته ولايقبل أن يعامله كأحد الأجراء رغم أنه قد أخطأ . فعندما نتوب ونرجع إلى حضن محبته يفرح بنا ويدعونا أبناء رغم شعورنا بعدم استحقاقنا أن نكون أبناء . الحلة الأولى: الحلة الأولى هى حلة البنوة أى هى الحلة الأصلية التى كانت للابن الأصغر وفقدها بالابتعاد عن أبيه. هكذا كل من اعتمد باسم المسيح هو ابن لله بالمعمودية وحتى إن ضيع الإنسان كل ما ناله من الله فإنه عند رجوعه يظل فى نظر الله المحب ابنًا. لذلك يقول الأب ” ألبسوه الحلة الأولى “، ألبسوه اللباس الخاص بالابن. ولأن الابن الوحيد الحقيقى لله هو المسيح نفسه فإن الإنسان يصير ابنًا لله بأن يلبس المسيح كما يقول الرسول ” لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح ” (غلا 26:3،27). فالإنسان إذًا يلبس المسيح بالمعمودية باسمه وعندما يتوب الابن عائدًا إلى حضن الأب فإنه يستعيد جمال طبيعة المسيح الذى اتحد به فى المعمودية رغم أنه كان قد ضيع هذا الجمال عندما تغرب عن أبيه. التوبة الحقيقية: فى الواقع أن التوبة الحقيقية ليست مجرد شعور الإنسان ببعض الأخطاء الصغيرة أو السطحية، بل هى شعور عميق جدًا يصاحبه إدراك الإنسان أن كيانه الداخلى قد فسد، وأن طبيعته قد تشوهت، وأنه حرم نفسه من محبة الله، وأضاع الغنى الإلهى الذى كان له. وهكذا تكون توبته هى أحساس عميق جدًا وإنكسار للقلب عند قدمى المسيح وفى نفس الوقت يكون هناك رجاء شديد جدًا يملأ قلبه أن المسيح المحب لايمكن أن يرفض قبوله. التوبة الحقيقية حبً جارف يتحرك فى قلب الإنسان . ومصدر هذا الحب هو الله الذى يحب الإنسان قبل أن يتوب الإنسان ويستيقظ من غفلته، ومحبة المسيح التى أظهرها للخطاة بمجيئه وتعامله معهم وموته من أجل الجميع هى التى تحرك قلب الإنسان فيرجع إلى المسيح. وليمة الفرح السماوى: وبعد ذلك يقول الأب فى المثل: ” قدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح “. هذه إشارة إلى فرح الله وملائكته القديسين برجوع الخطاة التائبين. فإن الله يشبع ويفرح وهكذا تفرح ملائكته بتوبتهم. وهذا يكشف لنا قوة المحبة الإلهية فى ترحيبها بالإنسان الراجع إليها. وهذه المحبة تجعل الإنسان الراجع يشترك فى هذا الفرح السماوى الذى تعبر عنه الوليمة. ابنى هذا: ثم بعد ذلك يذكر الأب كلمة مُلفته فيقول ” لأن ابنى هذا” وهذا يعنى أنه رغم ضلال الابن الأصغر وابتعاده لكنه يظل ابنًا عند أبيه وإن كان ابنًا ميتًا ثم عاد إلى الحياة ” ابنى هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوُجد “. فكأنه يقول هذا هو ابنى وهو أحشائى حتى إن كان قد ضل. ومهما قال هو عن نفسه أنه لايستحق أن يكون ابنى لكنى أقول ” هو ابنى “هذه هى النعمة العظيمة التى وهبها لنا المسيح ـ بموته عنا وقيامته وبسكب روحه القدوس علينا ـ أى أن يجعلنا أبناء وهو يريدنا دائمًا أن نكون أبناء نحيا فى حضن محبته الإلهية الابن الأكبر: يخبرنا مثل الابنين أن الابن الأكبر لما رجع من الحقل وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقص. ولما سأل واحدًا من الغلمان عما حدث عرف أن أباه عمل وليمة فرحًا بعودة ابنه الأصغر. فغضب الابن الأكبر ولم يرد أن يدخل. فلما خرج أبوه يطلب إليه أن يدخل قال الابن الأكبر لأبيه ” ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجديًا لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى ولكن لما جاء ابنك هذا الذى أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن “موقف الابن الأكبر هذا يُشبه موقف الكتبة والفريسيين فى تذمرهم على المسيح لأنه كان يقبل الخطاة ويأكل معهم. ويظهر من كلامه أنه لم يكن متمتعًا بمحبة أبيه التى كان يحبه بها رغم أنه كان فى البيت ولم يغادره. والأب يؤكد له هذه المحبة بقوله له ” يا ابنى أنت معى فى كل حين وكل مالىّ فهو لك “، ولكن الابن الأكبر لم يكن عنده اليقين بمحبة أبيه ونصيبه عند أبيه. لأنه يقول ” وجديًا لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى “. ورغم أن أباه يؤكد أن كل ما للأب فهو له إلا أنه بسبب نقص المحبة فى داخله والثقة فى محبة أبيه لم يأخذ شيئًا من أبيه رغم أن الأب يقدم له كل شئ. فلأن الابن الأكبر لم يأخذ طبيعة المحبة من أبيه ، لذلك ليس عنده قلب مُحب مثل أبيه يحب به أخاه ويفرح بعودته مثل فرح الأب. وحالة الابن الأكبر هى أيضًا ابتعاد عن محبة الله وإن كانت صورة أخرى للابتعاد غير صورة الابن الأصغر. ولكن أى ابتعاد عن محبة الله يحتاج إلى توبة ورجوع إلى ينبوع المحبة الذى هو الله . تفسير مثل الابن الضال للقديس كيرلس الأسكندري:- إني أسمع أحد الأنبياء القديسين وهو يحاول أن يربح البعيدين عن الله إلى التوبة. فيقول ” أرجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك خذوا معكم كلامًا وأرجعوا إلى الرب ” (هو2،1:14). لذلك فأي نوع من الكلام يأمرهم بإرشاد الروح، أن يأخذوه معهم ؟ ألا يكون لائقًا بالذين يرغبون أن يتوبوا، أن يرضوا الله، الذي هو شفوق ويحب الرحمة؟ لأنه قد قال بواسطة أحد الأنبياء القديسين، ” ارجعوا أيها البنون العصاة لأشفى عصيانكم” (إر22:3). وأيضًا يقول بصوت حزقيال ” ارجعوا، توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم يا بيت إسرائيل، اطرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها، لكي لا تصير لكم مهلكة .. لأني لا أسر بموت الخاطئ. بل أن يرجع ويحيا ” (حز31،30:18). ونفس هذا الحق يعلمه لنا المسيح هنا في هذا المثل الجميل، الذي سأحاول أن أبحثه بأقصى طاقة ممكنة عندي، وسأجمع نقاطه الهامة باختصار وسأشرح وأدافع عن الأفكار التي يحويها يرى البعض أن الابنين في المثل يشيران إلى الملائكة القديسين، من ناحية وإلينا نحن سكان الأرض من الناحية الأخرى. وأن الابن الأكبر، الذي عاش بتعقل، يمثل مجموع الملائكة القديسين، بينما الابن الأصغر المنحرف يمثل الجنس البشرى. وهناك آخرون بيننا يعطون المثل تفسيرًا مختلفًا، قائلين إن الابن الأكبر السالك حسنًا يشير إلى إسرائيل حسب الجسد، بينما الابن الأصغر الذي اختار أن يعيش في الشهوات والملذات والذي ابتعد بعيدًا عن أبيه، إنما يشير إلى جمهور الأمم الوثنيين. هذه الشروحات أنا لا أوافق عليها وأرجو ممن يحب التعلم، أن يبحث ما هو حقيقي وما ليس عليه اعتراضات لأن ما أقوله هو كما يأتي “ أعط فرصًا للحكيم، وقدم معرفة للأبرار ” (أم9:9) كما يوصى الكتاب، لأنهم من الشروحات التي تعطى لهم سوف يفحصون عن المعنى المناسب، فإن كنا، نشير بالابن المستقيم إلى الملائكة، فإننا لا نجده يتكلم الكلمات التي تليق بالملائكة، ولا نجده يشارك الملائكة فرحهم بالخطاة التائبين الذين يرجعون من حياة دنسة إلى حياة وإلى سلوك جدير بالإعجاب. لأن مخلص الجميع يقول ” إنه يكون فرح في السماء قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب” (لو7:15)، بينما الابن الموصوف لنا في هذا المثل، باعتباره مقبولاً من أبيه، ويسلك حياة بلا لوم، يظهر أنه غاضب، بل ويصل في مشاعره غير الحبية إلى درجة أنه ينسب اللوم إلى أبيه بسبب محبته الطبيعية لابنه الذي خلص. فالمثل يقول ” إنه لم يرد أن يدخل البيت“. لأنه أغتاظ بسبب قبول الابن التائب ومن ذبح العجل المسمن ولأن أباه صنع له وليمة. ولكن هذا كما قلت ، يختلف عن مشاعر الملائكة القديسين. لأنهم يفرحون ويسبحون الله حينما يرون سكان الأرض يخلصون. لأنه حينما أخضع الابن نفسه ليولد بالجسد من امرأة في بيت لحم، حمل الملاك عندئذ الأخبار السارة إلى الرعاة قائلاً: ” لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ، لأنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب“، والملائكة يتوجون الذي ولد بالتمجيد والتسابيح قائلين ” المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة” (لو10:2،11،14) ولكن إن كان أي أحد يقول، إن إسرائيل حسب الجسد هو المقصود بالابن الأكبر في المثل الذي كان متمسكًا بوصية أبيه فإننا أيضًا لا نستطيع أن نوافق على هذا الرأي، ذلك لأنه من غير المناسب على الإطلاق أن نقول عن إسرائيل أنه عاش حياة بلا لوم. ففي كل الأسرار الموحى بها نجد شعب إسرائيل متهمين بأنهم متمردون وعصاة؛ لأنهم قد أُخبروا بصوت إرميا ” ماذا وجد فيَّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً؟” (إر5:2). وتكلم الله أيضًا بعبارات مشابهة بصوت إشعياء: “ هذا الشعب قد اقترب بفمه، وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عنى، وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس” (إش13:29). فكيف يستطيع أحد أن يطبق على أولئك الذين يُوجه إليهم اللوم هكذا، الكلمات المستعملة فى المثل عن الابن الأكبر المتمسك بوصية أبيه؟ لأنه قال ” هاأنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك“، لأنهم لم يكونوا ليلاموا على طريقة حياتهم لو لم يتعدوا الوصايا الإلهية، وبذلك أدوا بأنفسهم إلى حياة مستهترة مدنسة وأيضًا يقول البعض إن العجل المسمن الذي ذبحه الأب حينما رجع ابنه إنما يشير إلى مخلصنا. ولكن كيف يمكن للابن الأكبر الذي يوصف أنه حكيم وفطين ومتمسك بواجبه والذي يشير به البعض إلى الملائكة القديسين ـ كيف يمكن لذلك الابن أن يعتبر ذبح العجل سببًا للغضب والغيظ؟ كما أننا لا نستطيع أن نجد برهانًا على أن القوات السماوية قد حزنت حينما احتمل المسيح الموت بالجسد أي حينما ذُبح المسيح لأجلنا. إنهم بالحرى فرحوا، كما قلت عندما رأوا العالم يخلص بدمه المقدس، وأيضًا ما هو السبب الذي جعل الابن الأكبر يقول ” جديًا لم تعطني قط“. فأي بركة كانت تنقص الملائكة القديسين، إذ أن رب الكل قد أنعم عليهم ـ بيد سخية بفيض من المواهب الروحية؟ وهل كانوا يحتاجون إلى أية ذبيحة فيما يخص حالتهم؟ لأنه لم يكن هناك احتياج أن يتألم عمانوئيل أيضًا نيابة عنهم. ولكن إن تخيل أحد كما سبق أن قلت، إن المقصود بالابن الأكبر هو إسرائيل حسب الجسد، فكيف يستطيع أن يقول بالحق “جديًا لم تعطني قط؟“، لأنه، سواء دعوناه عجلاً أم جديًا فالمسيح هو الذي يجب أن يُفهم أنه هو الذبيحة المقدمة لأجل الخطية. ولكنه قُدِمَ ذبيحة ليس لأجل الأمم فقط، بل أيضًا لكي يفدى إسرائيل، الذي بسبب تعدياته الكثيرة للناموس، قد جلب على نفسه لومًا عظيمًا، وبولس الحكيم يشهد لهذا الأمر قائلاً: ” لذلك يسوع أيضًا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب ” (عب12:13) فما هو موضوع المثل إذن؟ دعونا نفحص المناسبة التي قادت إليه، فإننا بذلك سنتعلم الحقيقة. لذلك فإن لوقا المبارك نفسه قد تكلم قليلاً عن المسيح مخلصنا قبل هذا المثل فقال: “ وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا الإنسان يقبل الخطاة ويأكل معهم ” (لو2،1:15). لذلك فلأن الفريسيين والكتبة اعترضوا على رحمته ومحبته للإنسان، وبشرٍ وبعدم تقوى لاموه على قبول وتعليم الناس الذين كانت حياتهم مدنّسة، فكان من الضروري أن يضع المسيح أمامهم هذا المثل، ليريهم هذا الأمر ذاته بوضوح: إن إله الكل يريد من الإنسان الثابت والراسخ، والذي يعرف أن يعيش حياة مقدسة وقد وصل إلى ما يستحق أعلى مديح لأجل تعقله في السلوك، يريد من هذا الإنسان أن يكون مخلصًا في اتباع مشيئته، لكن حينما يرى أي واحد قد دُعِيَ إلى التوبة حتى إن كان من الذين يعيشون حياة ملومة جدًا، فإنه ينبغي بالحرى أن يفرح ولا يكون عنده غيظ مضاد للمحبة من جهة التائبين لأننا نحن أحيانًا نختبر شيئًا من هذا النوع لأنه يوجد البعض الذين يعيشون حياة كاملة مكرمة ثابتة، ويمارسون كل نوع من أعمال الفضيلة، ويمتنعون عن كل شئ مخالف لشريعة الله، ويتوجون بمديح كامل في نظر الله والناس. بينما البعض الآخر ربما يكونون ضعفاء عاثرين، ومنحطين إلى كل نوع من الشر ومذنبين بأفعال رديئة، محبين للدنس والطمع وملوثين بكل اثم، ومع ذلك يحدث كثيرًا أن يرجع هؤلاء إلى الله في سن متقدم ويطلبون غفران خطاياهم السابقة: إنهم يصلون لأجل الرحمة، ويتركون جانبًا استعدادهم للسقوط في الخطية، وتشتعل فيهم الرغبة للحياة الفاضلة، أو ربما حينما يوشك بعضهم على الاقتراب من نهاية حياته، فإنه يطلب المعمودية الإلهية ويغتسل من خطاياه تاركًا شروره، فإن الله عندئذٍ يكون رحيمًا بهم. وقد يحدث أحيانًا أن يتذمر بعض الأشخاص من هذا، بل ويقولون ” هذا الإنسان الذي كان مذنبًا بكذا وكذا من الأعمال الشريرة، وقد تكلم بكذا وكذا من الكلمات، هذا الإنسان لم يفِ دين سلوكه الرديء أمام قاضى العدل، بل إنه حُسب أهلاً لنعمة سامية وعجيبة وقد حُسب بين أبناء الله، وكُرم بمجد القديسين ” مثل هذه الشكوى ينطق بها الناس أحيانًا نتيجة ضيق العقل الفارغ. وشكواهم لا تتفق مع غرض أب الجميع. لأن الآب يفرح فرحًا عظيمًا حينما يرى الذين كانوا ضالين يحصلون على الخلاص، وهو يرفعهم ثانية إلى ما كانوا عليه في البداية، معطيًا لهم ثياب الحرية مزينًا إياهم بالحُلة الأولى، ويضع خاتمًا في يدهم، ويعطيهم السلوك المرتب الذي يرضى الله ويناسب الأحرار لذلك فإن واجبنا أن نخضع أنفسنا لما يريده الله، لأنه يشفى الذين هم مرضى، وهو يرفع الساقطين، ويمد يده بالمعونة للذين يعثرون، ويرد إليه الذين ابتعدوا عنه، وهو يُشكَّل من جديد في شكل حياة ممدوحة وبلا لوم أولئك الذين كانوا يتمرغون في وحل الخطية، إنه يفتش عن أولئك الذين ضلوا، وهو يقيم من الموت الذين كانوا يعانون من الموت الروحي دعونا نفرح أيضًا، هيا نفرح، مع الملائكة القديسين ونسبح الله لأنه صالح ومحب للبشر، ولأنه رحيم ولا يذكر الشر، لأنه إن كنا نفكر هكذا فالمسيح سوف يقبلنا، الذي به ومعه لله الآب كل تسبيح وسيادة مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين. القديس كيرلس الكبير
المزيد
14 مارس 2020

الاحتمال

+ من السهل أن تخطيء ولكن الذي يحتاج إلى جهاد وفضيلة هو الاحتمال. + ليست المشكلة لماذا أخطأ أو أساء هذا ولكن المشكلة هي إلى أي مدى تستطيع أن تستوعب الذي أخطأ. + يقول الآباء: حامل الأموات يأخذ الأجرة من الناس، وحامل الأحياء يأخذ الأجرة من لله !! + والاحتمال يحتاج إلى إتضاع لأن المتضع يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء. + والاحتمال يعطي فرصة للمسيء لكي يراجع نفسه متأثراً بغفران المحتمل. إذ يجب أن يكون الاحتمال بدافع الحب لا بدافع الشعوربالتميز على الخاطئين واحتمال نقائصهم. + أضعف الإيمان أن تغفر لمن أخطأ ولكن الفضيلة أن تلتمس له العذر فيما صدر عنه. + ونحن إذ نحتمل الناس فإنما نفعل ذلك لكي يرحمنا لله محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا إن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضا(كولوسي 13:3) نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
13 مارس 2020

هل تحب من يحبك فقط؟

«لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟» (متى5: 46، 47).حين يطرح الله سؤالًا للإنسان يكون لديه أكثر من هدف: فقد يكون لتغيير فكره، أو يكون دعوة للاستيقاظ من غفلة، أو قد يكون لكشف ضعف معين، أو للتأكد من وجود فضيلة في حياة هذا الإنسان..وسؤال الله لنا اليوم: هل تحب من يحبك فقط؟ سؤال هام ونحن في بدايه أيام الصوم الكبير. ففي العهد القديم في شريعه موسى قيل: عين بعين وسن بسن، أمّا في العهد الجديد - إذ جاء يسوع المسيح لا لينقض بل ليكمل - فيقول: هل تحب من يحبك فقط؟ فالمعاملة بالمثل ليست من المسيحية في شيء. وقد يتساءل البعض كيف أحب من لا يحبني؟ والإجابة عند الله أنه يريدنا أن نعامل الناس كما يعاملهم هو، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، بدون تمييز؛ إجابه واضحة من الطبيعة التي تعامل الناس كما يعاملهم الله، فهو يعامل البشر من خلال الحب ومن خلال الرحمة. من خلال الحب كالشمس التي تشرق كل يوم، ومن خلال الرحمة مثل المطر، فالمطر يجعل الأرض تثمر معطية الخير للبشر.الشرائع القانونية في العهد القديم كما في العهد الجديد، تناسب بين الجريمه والعقاب. فإن أصاب أحد عين إنسان في العهد القديم ينال عقابًا يتناسب مع الجريمة. لكن لما جاء السيد المسيح وضع أمامنا مبدئين للتعامل مع كل البشر بدون استثناء، فلا يوجد فرق بين البشر: لا لون لا جنس ولا عرق ولا اعتقاد ولا أي شيء. المبدأ الأول: يجب ألا نلجأ إلى الانتقام لأن الانتقام يزيد الشر. فإن رددت على الشر بشر أصبح هناك شرَّان، ويتضاعف الشر، وندخل في دائرة لا تنتهي. فلابد أن نكسر حلقة الشر، ولا نلجأ إلى الانتقام لأن الله يقول: «لي النقمة أنا أجازي» (رومية12: 19). هو يري وهو يدبّر.المبدأ الثاني: أن يكون الإنسان محسنًا نافعًا للآخرين، وليس مجرد السكوت على الشر. فإن كنت لا تنتقم هذا نصف الطريق، والنصف الثاني أن تكون نافعًا للآخر. يقول لنا الرب: «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ. مَنْ سألكَ فأعطِهِ... ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ويأخُذَ ثَوْبَكَ فاترُكْ لهُ الرِّداءَ أيضًا (أي أن تكرمه)» (متى5: 40-42). هذه المحبة التي نقدمها للآخر هي التي تكسر فيه شوكه الشر، فليست هناك وسيلة لنزع الشر من الناس سوى أن تحبهم. فكيف يخرج الشر من إنسان إلّا إذا رأى آخر يحبه؟ لذا أضع أمامك هذا السؤال ثانيةً: «هل تحب من يحبك فقط؟». هذه ليست المسيحية، فالإنجيل يقول: «إنْ أحبَبتُمُ الّذينَ يُحِبّونَكُمْ، فأيُّ أجرٍ لكُمْ؟ أليس العَشّارونَ أيضًا يَفعَلونَ ذلكَ؟». المسيحية هي شريعه الكمال، وتفوق الإنسانية. هي تجعل من الإنسان أكثر رفعة من الإنسان الترابي. لكن الإنسان الروحي بالأكثر يسلك بشريعة الكمال واضعًا أمامه شخص السيد المسيح. فمثلًا الوصية التي تطالبنا: «من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر» نجد صعوبة في تنفيذها بحسب الطبيعة البشرية، التي تفترض أن أرد اللطمة بمثلها، فمن يلطمني يفعل شرًا، وإن رددت عليه بطريقته أكون فعلت شرًا مثله. حينها أجد أنني تساويت به ودخلت في دائرة لا تنتهي. فالله حين قال: «من لطمك على خدك الأيمن حوّل له الآخر أيضًا» قصد أن أصبر عليه، وأعطي له فرصه ليراجع نفسه، حتى ينتبه لنفسه ويدرك خطأه وهذا ليس ضعفًا، بل فيه كسب للآخر. لقد رأيت مرة موقف بهذه الصورة بنفس الفعل كما في آيات الإنجيل، لدرجة أن الشخص الذي ضَرَب بدأ يبكي ويصرخ ويركع على الأرض، وبدأ يحس بمقدار الخطأ الذي ارتكبه.صوره أخرى هي «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك...»، هنا حالة خصام أو حالة ضرر لحق بما تمتلكه؛ كيف تعالج مثا هذا الموقف؟ كيف من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، تترك له الرداء؟! اترك له الرداء أي اصنع معه سلامًا، اِكسر شوك الشر التي فيه. «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ»، من سخرك تعني من ظلمك وكبت حريتك، والكتاب يقول لنا عن مثل هؤلاء أن اذهب معه ميلين! حكيت لكم قبلًا عن شاب تخرج من كليه الآداب ولم يعثر على وظيفة، فعمل نقّاشًا في بلد شقيق، وطلب منه شخص أن يبيّض له منزله، وسأله عن المدة التي يحتاجها لإتمام العمل، فأجاب الشاب بأنه يحتاج 20 يومًا تقريبًا. وفي اليوم الـ18، أي قبل انتهاء العمل بيومين، افتعل صاحب البيت خلافًا مع الشاب وطرده حتى لا يعطيه أجره، وهذا ظلم. انصرف الشاب حزينًا لكنه عاد في اليوم التالي طالبًا من صاحب المنزل أن يسمح له بالانتهاء من العمل. تعجب صاحب المنزل، وأخذ يراقب الشاب الذي أكمل عمله بمنتهى الأمانة، وعندما أنهى عمله سأله عن كيف استطاع أن يفعل هذا؟ فأجابه الشاب: "أنا اتفقت معك أن أبيّض لك بيتك. أنت صرفتني وظلمتني وهذا شأنك، لكن أنا سأتمم ما اتفقت معك عليه". وانبهر الرجل بالشاب وأمانته، وجعله شريكًا له في كل أعماله، وانفتحت له أبواب الرزق الواسع جدًا... وقيسوا على هذا أمثلة كثيرة ممكن أن يعيش فيها الإنسان. مقاومة الشر بمثله ممكن تزيده، لكن الشر لا يمكن أن يُهزَم إلّا بالخير والصلاح. شريعة المسيحية التي قدمها لنا السيد المسيح في العظه على الجبل هي لكل يوم، وهي آيات عملية صالحة للتطبيق في كل يوم.السؤال الذي يطرحه الرب علينا: هل تحب الذي يحبك فقط؟ إذا أحببت من يحبك فقط، فأنت لا تحيا المسيحية الكاملة بعد، بل لا زلت في نصف الطريق، لكن عندما تمتد محبة الإنسان لكل أحد يكون قد وضع قدمه على طريق شريعة المسيح. تذكروا يوسف الصديق مع إخوته الذين أبغضوه، أمّا هو فلم يحمل لهم أيّة بغضة برغم كل ما فعلوه معه؛ فمواجهه الشر لا تكون إلا بالخير العملي. تذكروا أيضًا السيد المسيح وهو على الصليب مُحاطًا بمن أبغضوه، ولكننا وجدناه يطلب لأجلهم: «يا أبَتاهُ، اغفِرْ لهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ» (لوقا23: 34). أحيانًا في مجتمعاتنا لا يوجد عدو بالمعنى الحصري للكلمة، لكن قد يوجد من لا نقبله، فماذا تفعل مع مثل هذا؟ هل تخاصمه؟ تتجنبه؟ تشوه صورته؟ تشكوه؟ كل هذه العلاجات مرفوضة، أمامك علاج واحد: أن تزيد محبتك له! أظنكم تذكرون قصة المعلم إبراهيم الجوهري عندما شكا له أخوه أن هناك من يعايره ويشتمه، فأجابه المعلم إبراهيم الجوهري بأنه سيقطع لسان هذا الشخص، فسُرَّ أخوه بهذا. أمّا المعلم إبراهيم فقد أكثر العطايا لذلك الشخص، وهكذا قطع لسان الشر. واجه البغضة بالإحسان، و«صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». عجيبة المسيحية! تصور أنك لا تفعل مثل الذي يسيء إليك، بل تحوّل هذه الإساءة لمادة للصلاة. الإنسان الذي يسيء إليك بالكلام أو بإطلاق الإشاعات أو تشويه السمعة... الخ، يقول لنا السيد المسيح أن العلاج هو أن نصلي لاجلهم! لا تنسوا أن من يسيئون إليكم هم أيضًا لها قيمتها أمام الله مهما كانوا. إن كان حبك لمن يحبك فقط، فأنت لم تعرف المسيح بعد، ولذلك في هذا الصوم ارفع قلبك واطلب من الله أن ينزع من من قلبك أيّة بغضة أو إساءة أو خاطر رديء تجاه أي إنسان. عندما نتحرر من الكراهية والمشاعر السلبية نستطيع أن نقتني فضائل عظمى من الله، نستطيع أن نقتني الحب الكامل، حب الأعداء. نقتني حب الرحمة التي نقدمها لكل إنسان. من يقرأ في تاريخ العصور الحديثة يجد أن الجمعيات التي ظهرت في العالم لتخدم الناس في أي مكان، نشات بفكر إنجيلي، مثل جمعية الصليب الأحمر التي تخدم مصابي الحروب. المسيحية ترتقي بالإنسان العادي ليكون مسموحًا بنعمه الروح القدس، ليصير الإنسان روحيًا، ويستق أن يُطلَق عليه "مسيحي" بالحق وليس بالكلام، بالفعل وليس بالمهظر. هل تحب من يحبك فقط؟ هذا هو سؤال السبت الأول في الصوم المقدس. وإجابة السؤال نجدها في العظة على الجبل (متى5: 38-48). يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا حياة نقية، ونمتلك طاقة الحب من أجل كل أحد. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن إلى الأبد. آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 مارس 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ

1- بين 1 مل 3 : 12، ام 30 : 2 ففى الاول يقول الله لسليمان اعطيك قلبا حكيما وفى الثانى يقول سليمان نفسه (لم اتعلم الحكمه). فنجيب ان كلام سليمان من باب التواضع الواجب وفيه نسبه الفضل لله. 2- وبين اصحاح 4 : 26، 2 اى 9 : 25 ففى الاول قيل وكان سليمان 40000 مذود لخيل مركباته وفى الثانى كان له 4000 مزود خيل ومركبات. فنجيب ان الاول ذكر عدد العيون التى فى المزاود والثانى اكتفى بذكر عدد المزاود الكبيره التى كان ياكل فى كل واحد منها عشره خيول. 3- وبين اصحاح 5 : 16، 2 اى 2 : 2 ففى الاول قيل ان رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل كانوا 3300 وفى الثانى انهم كانوا 3600 فنجيب ان الاول لم يدرج عدد الرجال300 الذين عينهم سليمان بصفه احتياطيه ليحلوا محل العمال الذين يصابون اما الثانى فادركهم. والمهم هو اتفاق كليهما فى ذكر عدد المجموع فف (1 مل 9 : 23) قيل (رؤساء الموكلين 550) وفى 5 : 16 رؤساء الوكلاء 3300 فالمجموع 3850 وفى (2 اى 8 : 10) رؤساء الوكلاء 250 وفى (2 : 18) قيل 3600 فالمجموع 3850 والاختلاف كان فى التقسيم، ف الاول نظرالىالرئاسه والثانىالىالجنسيه. 4- وبين اصحاح 7 : 14، 2 اى 2 : 14 ففى الاول ذكرت ارمله قيل انها من سبط نفتالى والثانى قيل انها من سبط دان فنجيب انه كان ابوها من سبط دان وامها من سبط نفتالى فنظر الاول الىنسبها من امها والثانىالىنسبها من ابيها. 5- وبين اصحاح 7 : 26، 2 اى 4 : 5 ففى الاول قيل ان البحر يسع الفى بث وفى الثانى انه يسع ثلاثه الاف بث فنجيب ان الاول ذكر المياه التى توضع فى البحر عاده، اما الثانى فذكر المقدار الذى يسعه البحر من المياه. 6- بين اصحاح 15 : 32، 2 اى 15 : 19 ففى الاول قيل انه كانت حرب بين اسا ملك يهوذا وبعشا ملك اسرائيل. وفى الثانى قيل انه لم تكن حربالىالسنه الخامسه والثلاثين للملك اسا. فنجيب ان هذا الاختلاف ينفى اذا علمنا انهم اسطلحوا حينئذ على ان يؤرخوا الحوادث من ابتداء انفصال مملكه اسرائيل. 7- بين اصحاح 15 : 33، 2 اى 16 : 1 ففى الاول قيل ان بعشا بن اخيا ملك فى السنه الثالثه لملك اسا ملك يهوذا. وفى الثانى يقول ان بعشا صعد على يهوذا وبنى الرامه فى السنه السادسه والثلاثين لملك اسا مع ان بعشا لم يملك سوى 24 سنه فنجيب ان المراد بقول سفر اخبار الايام الثانى فى السنه السادسه والثلاثين اى من انفصال 10 اسباط اسرائيل عن سبطى يهوذا وبنيامين وجعل المملكه قسمين، مملكه اسرائيل ومملكه يهوذا وهذه السنه توافق السنه السادسه عشره لملك آسا على يهوذا وكانت هذه الطريقه متبعه حينئذ. 8- وبين اصحاح 18 : 1، لو 4 : 25 ففى الاول يقول ان الله كلم ايليا فى السنه الثالثه لانقطاع المطر وقال له (اذهب وتراء لآخاب فاعطى مطرا على وجه الارض) وفى الثانى ان انقطاع المطر كان مده 3 سنين و 6 اشهر. فنجيب : لم يقل فى الاول ان مده انقطاع المطر كانت 3 سنين فقط كما فى الثانى بل الرب كلم ايليا فقط. وقوله (فى السنه الثالثه) اى من مده اقامه ايليا فى صرفه. ولا يخفى انه توجه للاقامه فيها بعد انقطاع المطر بمده. راجع (1 مل 17: 1- 8) هكذا قد مرت مده بعدما كلم الله ايليا وقال له انى ساعطى مطرا (راجع اصحاح 18). المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل