المقالات

11 أكتوبر 2022

الغضب

عندما التحق القديس موسى الأسود بالدير كراهب مبتديء، جاهد كثيرا في ضبط نفسه لا سيّما وقد كان لصاً قاتلا وقاطع طريق، فعندما تعرض للإهانة في ذات مرة لم ُيبد أي امتعاض، إذ ما أن دخل إلى المائدة ليأكل حتى صاح أحدهم قائلاّ: من أدخل هذا الغريب إلى هنا !. ولما سأله أحد الرهبان عن رد فعله أجابه: لقد تحرّك الغضب داخلي ولكنني ضبطت نفسي فلم أثر، ومرت مدة قبل أن يتعرّض لاختبار أصعب وذلك عندما جاء البابا ليرسمه كاهناً، فقد سمع من يقول داخل الكنيسة اخرج يا أسود الجلد يا رمادي اللون، فإذا به ينسحب في هدوء إلى الخارج وهو يقول لنفسه: حقا طردوك يا أسود اللون ولماذا تحسب نفسك كسائر البشر، فلما سأله الآباء عن فكره قال أنه لم يضطرب، بل مثلما كان هادئاً من الخارج كان من الداخل أيضاً. وكان الآباء يختبرون قدرته على الاحتمال. ويقول أحد الآباء أنه لم يدع الغضب " يتجاوز حلقه فما فوق " وهو يقصد بالطبع أنه احتجز الغضب داخله، وإن تصاعد فإنه في النهاية لن يسمح له بأن يتجاوز الحنجرة، بمعنى أنه لن يسمح له بأن يظهر من خلال الملامح أو الكلمات، لئلا ُيعثر أحدا، وهذا هو معنى القول الشائع: " ُغصّة في الحلق" وكأن هناك شيء ما ُمحتجزا في حلقه.وعندما قال القديس بولس: "لا تنتقموا لانفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكانا للغضب" (رومية 12: 19) فقد قصد أن نعطي مكانًا للغضب لكي يهدأ ويتلاشى فلا يخرج من الإنسان ويعثر الآخرين ولا يمجد الله. فمنظر الغضوب كمثل منظر الشيطان، بعكس الملامح الوديعة الهادئة التي تعكس صورة المسيح المريح، ويقول القديس الأنبا أغاثون: "ولو أن الغضوب أقام أمواتاً فما هو بمقبول عند الله ولا يأتي إليه أحد من الناس". ولا شك أن الغضب يعكس كبرياءا موجودة بداخل الإنسان، في حين أنه إذا كان متضعاً فإنه سيأتي باللوم على نفسه في كل شيء، في حين أنه في غضبه قد يخسر كثيرا وُيخطيء كثيراً ويفقد كثيراً أيضاً. ولكن هناك الغضب المقدس، وهو الغيرة المقدسة أو الغيرة التي بحسب مشيئة الله، ذلك حين يغضب شخص على نفسه بسبب خطاياه، أو يغضب شخص ويغير غيرة الرب مثل فينحاس. على أنه يجب أن يكون الغضب في هذه الحالة بعيد عن الانفعالات الطارئة أو خارج حدود اللياقة، لئلاّ ُيعثر أحداً. فمن غير المقبول أن يغضب شخص من أجل الله فيشوّه صورة الله التي فيه بغضبه، بل ليكن الغضب مقدساً وبطريقة مقدسة. وعندما سأل تلاميذ القديس باخوميوس معلمهم عن المناظر التي يراها، أجاب " أن من كان خاطئاً مثلي لا يعطَى مناظر، ولكن إن أردتم أن أدلكم على منظر تنتفعون به فهو منظر الإنسان الوديع القلب وعن أفضل من هذا المنظر لا تطلب أن تنظر". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
20 يوليو 2022

ما هو الخير؟

كلنا نؤمن بالخير، ونريد أن نعمل الخير.ولكننا نختلف فيما بيننا في معنى الخير وفي طريقته. وما يظنه أحدنا خيرًا، قد يراه غيره شرًا!! فما هو الخير إذًا؟ وما هي مقاييسه؟ لكي نحكم على أي عمل بأنه خير، ينبغي أن يكون هذا العمل خيرًا في ذاته، وخيرًا في وسيلته.. وخيرًا في هدفه، وبقدر الإمكان يكون أيضًا خيرًا في نتيجته.وسنحاول أن نتناول هذه النقاط واحدة فواحدة، ونحللها. وسؤالنا الأول هو: ما معنى أن يكون العمل خيرًا في ذاته! وفى الواقع أن كثيرين -بنيه طيبة- قد يعملون أعمالًا يظنونها خيرًا. وهى على عكس ذلك ربما تكون شرًا خالصًا.. مثال ذلك الأب الذي يدلل ابنه تدليلًا زائدًا يتلفه، وهو يظن ذلك خيرًا!! ومثال ذلك أيضًا الأب الذي يقسو على ابنه قسوة تجعله يطلب الحنان من مصدر آخر ربما يقوده إلى الانحراف. وقد يظن ذلك الأب أن قسوته نوع من الحزم والتربية الصالحة. ومن أمثلة الذين يظنون عملهم خيرًا وهو شر في ذاته، أولئك الذين عناهم السيد المسيح بقوله لتلاميذه: "تأتى ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله".إن الناس يختلفون فيما بينهم في معنى الخير. ويختلفون في حكمهم على الأعمال. ويتناقشون حول ذلك ويتصارعون. وقد يعمل أحدهم عملًا، فيعجب به الناس ويمتدحونه، ويسرفون في مدحه، بينما يتضايق البعض من نفس هذا العمل الذي يمدحه زملاؤهم. ويتناظر الفريقان، وكل منهما يؤيد وجهة نظره بأدلة وبراهين، ويتولى الفريق الآخر الرد عليها بأدلة عكسية. ويبقى الحق حائرًا بين هؤلاء وهؤلاء.من أجل هذا كان على الإنسان أن يتمهل ويتروى، ولا يتعجل في حكمه على الأمور.بل على العكس أيضًا أن يعمل عملًا، ويحاول أن يتأكد أولًا من خيرية تصرفه. ومن أجل هذا أيضا أوجد الله المشيرين وذوى الخبرة والفهم كإدلاء في طريق الحياة. وهكذا قال الكتاب المقدس "الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر". وأوجد الله المربين والحكماء. وجعل هذا أيضًا في مسؤولية الوالدين والمعلمين والقادة وآباء الاعتراف، وكل من يؤتمنون على أعمال التوعية والإرشاد.ولكن يشترط في المرشد الذي يدل الناس على طريق الخير، أن يكون هو نفسه حكيمًا، وصافيًا في روحه..وينبغي أن يكون هذا المرشد عميقًا في فهمه، لئلا يضل غيره من حيث لا يدرى ولا يقصد. ولهذا السبب لا يصح أن يسرع أحد بإقامة نفسه على هداية غيره، فقد قال يعقوب الرسول: "لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا".. حقًا ما أصعب السقطة التي تأتى نتيجة أن يتبوأ أي إنسان مسئولية الإرشاد فيضيع غيره.. ولهذا قال السيد المسيح: "أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة".لذلك كان كثير من الآباء المتواضعين بقلوبهم يهربون من مراكز القيادة الروحية، شاعرين أنهم ليسوا أهلًا لها، وخائفين من نتائجها. وعارفين أن الشخص الذي يقود غيره في طريق ما، أو ينصح غيره نصيحة معينه، إنما يتحمل أمام الله مسئولية نتائج توجيهاته ونصائحه، ويعطى حسابًا عن نفس هذا الشخص الذي سمع نصيحته. وقد قيل في ذلك إن نفسًا تؤخذ عوضًا عن نفس.فعلى الإنسان حينما يسترشد أن يدقق في اختيار مرشديه، ولا يسمع لكل قول، ولا يجرى وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. وأن يتبع الحق وليس الناس. وكما قال بطرس الرسول: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس". إذن الخير مرتبط بالحق، ومرتبط بكلام الله إن أحسن الناس فهمه، وإن أحسنوا تفسيره، وإن ساروا وراء روحه لا حرفه.إن كلام الله هو الحق الخالص، والخير الخالص، ولكن تفسير الناس لكلام الله قد يكون شيئًا آخر.إن كلام الله يحتاج إلى ضمير حي يفهمه، وإلى قلب نقى يدركه. وما أخطر أن نحد كلام الله بفهمنا الخاص!! وما أخطر أن نغتر بفهمنا الخاص، ونظن أنه الحق ولا حق غيره، وأنه الفهم السليم ولا فهم غيره..! إن الذي يريد أن يعرف الخير، عليه أن يتواضع..يتواضع فيسأل غيره، ويقرأ ويبحث ويتأمل، محاولًا أن يصل وأن يفهم.. وحينما يسأل، عليه أن يسأل الروحيين المتواضعين الذين يكشف لهم الله أسراره. وعليه أن يسأل الحكماء الفاهمين ذوى المعرفة الحقيقية والإدراك العميق. وكما قال الشاعر: فخذوا العلم على أربابه واطلبوا الحكمة عند الحكماء لو كنا جميعًا نعرف الخير، ما كنا نتخاصم وما كنا نختلف.. علينا إذن -في تواضع القلب- أن نصلى كما صلى داود النبي من قبل: "علمني يا رب طرقك، فهمني سبلك".إن الصلاة بلا شك هي وسيلة أساسية لمعرفة الحق والخير، فيها وبها يكشف الله للناس الطريق السليم الصحيح. وهنا نسأل سؤالًا هامًا: هل الضمير هو الحكم في معرفة الخير؟ وهل نتبعه بلا نقاش؟ أجيب وأقول: يجب على الإنسان أن يطيع ضميره، ولكن يجب أيضا أن يكون ضميره صالحًا. فهناك ضمائر تحتاج إلى هداية. إن الأخ الذي قتل أخته دفاعًا عن الشرف، أو الأخ الذي قتل أخته لأنها أرادت الزواج بعد زوجها الأول.. ألم يكن كل منهما مستريح الضمير في قتله لأخته ؟! ألم يسر كل منهما على هدى من ضميره، وكان ضميره مريضًا؟! إن الضمير يستنير بالمعرفة: بالوعظ والتعليم، بالاسترشاد، بالنصح، بالقراءة.. فلنداوم على كل هذا، لكي يكون لنا ضمير صالح أمام الله لأننا كثيرًا ما نعمل عملًا بضمير مستريح، واثقين أنه خير..!! ثم يتضح لنا بعد حين أنه كان عملًا خاطئًا! فنندم على هذا العمل، الذي كان يريحنا ويفرحنا من قبل.وأمثال هذا العمل قد يسمى في الروحيات أحيانًا" خطيئة جهل" إن الإنسان الصالح ينمو يومًا بعد يوم في معرفته الروحية. وبهذا النمو يستنير ضميره أكثر، فيعرف ما لم يكن يعرفه، ويدرك أعماقًا من الخير لم يكن يدركها قبلًا. وربما بعض فضائله السابقة تتضح له كأنها لا شيء، بل قد يستصغر نفسه حينما كان يتيه بها في يوم ما..! من هنا كان القديسون متواضعين.. لأنهم كل يوم يكشفون ضآلة الفضائل التي جاهدوا من أجلها زمنًا طويلًا..! وذلك بسبب نمو ضميرهم وشدة استنارته في معرفة الخير والخير يرتبط بنسيانه إذ ننسى الخير الذي نفعله، من فرط انشغالنا بالسعي وراء خير آخر أعظم منه، نرى أننا لا نعمله نحن، وإنما يعمله الله بواسطتنا. وكان يمكن أن يعمله بواسطة غيرنا، ولولا أنه من تواضعه ومحبته شاء أن يتم هذا الخير على أيدينا، على غير استحقاق منا لذلك ولكن ما هو الخير؟ وكيف يكون خيرًا في ذاته؟ وفي وسيلته؟ وفي هدفه؟ وفي نتيجته؟ أري أنني قد طفت معك حول إطار هذه الصورة.. التي ليتنا نستطيع أن نتأملها في مقال آخر إن أحبت نعمة الله وعشنا.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
11 أغسطس 2023

مائة درس وعظة ( ٢٦ )

عين مستنيرة « الاستنارة » « سراج الجسد هو العين ، فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا » ( لو ١١ : ٣٤ ) العين ليس المقصود بها العين الخارجية ، ولكن المقصود بها العين الداخلية الروحية ، عين قلبك . أولا : العين في الكتاب المقدس الكتاب المقدس يحدد لنا نوعين من العيون العين البسيطة النقية ، والعين الشريرة المظلمة . وترتبط العين في الكتاب المقدس بالآتي : ١- الوصـيـة : في المزمـور ۱۹ : « وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب » . ٢- التحذير : في سفر الجامعة « العين لا تشبع من النظر ، والأذن لا تمتلئ من السمع » ( جا ١ : ٨ ) . ٣- الوعـود : الله يسـتـخـدم الـعين ليـقـدم لنا وعوده . أ - « من يمسكم يمس حدقة عينه » ( زك ٢ : ٨ ) . ب - « عيني الرب على الأبرار ، وأذنيه إلى طلبتهم ، ولكن وجه الرب ضد فاعلى الشر » ( ۱ بط ٣: ١٢ ) . ج - « ما لم تر عين ، ولم تسمع اذن ، ولم يخطر على بال إنسان : ما أعده الله للذين يحبونه » ( ۱ کو ٢ : ٩) ثانيا : . العين في الفن القبطى نلاحظ مثلاً في رسم أيقونات القديسين ما يلي : - ١- العينان الاثنان : دائما ما ترسم العينان الاثنان تعبيرا على أن الإنسان له عينان واحدة داخلية وأخرى خارجية. ۲- الاستدارة : الاستدارة هي رمز لله لأنه ليس له بداية ولا نهاية . ثالثا : أهمية العين ١- مدخل للمعرفة : معظم ما تعرفه في حياتك وصل إليك من خلال عينيك . ۲- قائدة الجسد : العين تقـود الـجـسـد فكرا ومشاعر ومعرفة . ۳- مـدخـل للـعـثـرة : العين سبب في قـصـة السقوط . رابعا : العين الشريرة ١- طائشة : مثال ( الغني الغبي ) . ۲- ديانة : عين تدين وتنتقد ، مثال الفريسي الذي أقام وليمة للسيد المسيح . ٣- أنانية ٤- طماعة ه - شهوانية : وأمثلة هذه العيون كثيرة منها شمشمون ٦- قاسية خامسا : العين المستنيرة العين النقـيـة تبدأ بالنظر إلى الله وإلى يده التي تعمل ونضع أمامك العين النقية وهي عين فيها بعض الصفات منها : - ۱. عين الإيمان : عندما أرسل موسى رجالاً لكي ما يتجسسوا الأرض .عين الإيمان تعنى أن الله حاضر : فهو موجود . الله قادر : فهو قوى لا يعسر عليه أمر الله عـادل : فهـو يـعـمـل معنا في الحـاضـر والمستقبل . ۲- عين الرجاء : هي عين رؤيتها للأمور دائما إيجابية هي عين ترى التوبة وسط ضعف الخطية .عين الرجـاء هي نفس العين التي كانت عند المرأة السامرية . عين الرجاء هي نفس العين التي كانت عند الابن الضال .عين الرجـاء كـانت عند المريمات اللواتي في فجر القيامة فكرن في من يدفع الحـجـر ولكن هذا السؤال لم يمنعهن من الذهاب . ٣- عين الرضا : هي عين شـاكـرة وراضـيـة والإنسان الراضي الله يعطيـه نـعـمـا أكـثـر « شاكرين كل حين على كل شيء » ( أف ٥: ٢٠ ) ليست مـوهـبـة بـلا زيادة إلا التي بلا شكر ( القديس مارإسحق ). سادسا : - طريق الاستنارة لتمتلك العين المستنيرة ضع أمامك : ١- الوجود مع الله : تعلم كيف تكون في حضرة المسيح .في كل مرة تقف تصلي .. أنت في حـضـر المسيح . ضع أمامك أيقونة محبوبة لربنا يسوع توجه فكرك ومشاعرك . اقض فترة من الصمت لتسمع صوت المسيح . تعلم أيضا كيف تتكلم مع المسيح ، وتدرب على ذلك . ٢- الحياة بالإنجيل : كتابك المقدس تشتم فيه أنفاس الله وتستنير عيناك . اجعل الإنجيل مفتوحا دائما في بيتك وفي حياتك . ٣- الأماكن المقدسة : زيارة الأديرة والكنائس القديمة وقضاء فترة خلوة . زيارة أماكن رفات القديسين ونوال بركتهم بوعي وليست كعادة . زيارة المواضع المقدسة التي عاش فيها الآباء القديسون. ٤- مصاحبة القديسين : تعرف سيرتهم وتتمتع بأقـوالـهـم وتـتـمـثل بإيمانهم وتزور أماكنهم . من الطقوس الجميلة في الكنيسة أننا يوميا نقرأ سير القديسين من خلال السنكسار . من الـتـقـالـيـد الـجـمـيـلـة أننا نسمي أبناءنا بأسماء القديسين . ه . الخدمة العملية : مثل خدمة ذوى الاحتياجات الخاصة ، أو الذين ليس لهم أحد يخدمهم ... احفظ عينيك طاهرة لكي ما يكون جسدك كله طاهرا ، ودرب نفـسـك وأنت تقرأ في الكتـاب المقدس أن تجد كل الآيات التي تتكلم عن العين .
المزيد
04 يناير 2023

لماذا التجسد؟عند القديس أثناسيوس

عقيدة الثالوث الأقدس والتجسد: هناك علاقة وثيقة في كتابات القديس أثناسيوس بين عقيدة الثالوث الأقدس وعقيدة الفداء والخلاص الذي تم بتجسد الله الكلمة وموته وقيامته. وهو يربط في كتاباته بين تعليمه عن شخص المسيح كأحد أقانيم الثالوث الأقدس وعمل المسيح ـ ابن وكلمة الله ـ الأقنوم الثانى كفادى ومخلص. فكلا العقيدتان متلازمتان ومترابطتان.يرى أثناسيوس أن ألوهية المسيح الحقة والتى لا يشوبها شئ بالمرة لا يمكن التعبير عنها بالكلام أو وصفها في تعبيرات، بل هى حياة معاشة، وهذا يتضح بشدة في محاربته لأفكار الآريوسيين ومحاولته لإثبات ألوهية الكلمة في علاقته بتجسد الله الكلمة من أجل فداء وخلاص البشرية. ففي الحقيقة لقد كان القديس أثناسيوس يرفض حتى أن يسمع مجرد كلمة عن "مسيح" طالما أن هذا "المسيح" لن يجيء بفداءٍ وخلاصًا للبشرية. ومبتدئًا من بشارة الرسل وما ترتب عنها من تعليم الكنيسة، علّم أثناسيوس عن المخلص الحقيقى وعن عمله الخلاصى... كخلاص حقيقى. وفسر كيف أن المخلص لابد وأن يكون كائن حقيقى إلهى في جوهره، بل لابد وأن يكون إله لكى يكون له الإمكانية الحقيقية لهذا العمل الخلاصى ولهذا فعند أثناسيوس أن المنكر لوحدانية الابن مع الآب في الجوهر، هو في الوقت نفسه يقلل من قدرة الابن، ويضعه في صفوف المخلوقات. وينكر بالتالى ويشكك في الخلاص الذى تم بواسطة الابن، والتى هو في الواقع كان ضرورة حتمية لأجل الإنسان. وهذا النكران يقود ـ حسب رأى أثناسيوس ـ إلى عدم الاعتراف بربوبية الابن حسب روح الإنجيل وأيضًا لعدم الإدراك العميق لأبعاد وهول الفساد والهلاك الذى حل بالإنسان بعد سقوطه من ناحية، ومن ناحية يقود لعدم الاعتراف بإمكانيات الخلاص التى تمت بواسطة تجسد الله الكلمة والتى أعادت الإنسان إلى شركة الثالوث مرة أخرى. + سقوط الإنسان كان السبب الرئيسى لتجسد الله " الكلمة " وذلك لمحبته للبشر يُعّلم القديس أثناسيوس أن السقوط كان نتيجة فعل حر للإنسان ومن النتائج السلبية المباشرة لهذا الفعل الحر بل وأهمها هو الموت والفساد نتيجة الموت الذى عم البشرية نتيجة لذلك. وهذا ما يوضحه في الفصول الأولى من كتابه تجسد الكلمة ليثبت أن السبب الأول لعملية التجسد هو القضاء على الموت وإعادة الإنسان للحياة الحقيقية. تلك الحياة التى فقدها الإنسان نتيجة المخالفة وتعدى الوصية الإلهية والبعد بالتالى عن الله وفقد النعمة الإلهية. وفي الفصل الرابع من نفس الكتاب يذكر " أن نزوله إلينا كان بسببنا، وأن عصياننا استدعى تعطف الكلمة لكى يسرع الرب في إعانتنا والظهور متأنسًا ". + أزلية المشيئة الإلهية بشأن التجسد وهدفها لقد كان في علم الله السابق إمكانية سقوط الإنسان ونتائجه. كذلك أيضًا عملية التجسد وحتميتها. هكذا ركز أثناسيوس في الفصل الأول من كتابه تجسد الكلمة. أن الله منذ بداية خطته خَلق العالم بالكلمة وأيضًا سوف يخلّصه بالابن، وذلك لأن صفات الله التى لا يمكن أن تتغير أو تتبدل لا تسمح بأن يؤخذ قرار التجسد وخلاص الإنسان بعد سقوطه. كأن الله قد فوجئ بهذا الأمر، بل كان هناك، مشيئة أزلية. ويعود القديس أثناسيوس ليوضح هذا الأمر عندما يشرح بعض آيات الكتاب المقدس في رده على الآريوسيين إذ يقول [.. لأنه رغم النعمة التى صارت نحونا من المخلّص قد ظهرت كما قال الرسول، وقد حدث هذا عندما أقام بيننا، إلاّ أن هذه النعمة كانت قد أعدت قبل أن يخلقنا بل حتى من قبل أن يخلق العالم. والسبب في هذا واضح ومذهل، فلم يكن من اللائق أن يفكر الله بخلاصنا بعد أن خلقنا لكى لا يظهر أنه يجهل الأمور التى تتعلق بنا. فإله الجميع إذًا عندما خلقنا بكلمته الذاتى ولأنه كان يعرف أمورنا أكثر منا ويعرف مقدمًا أننا رغم أنه قد خلقنا صالحين إلا أننا سنكون فيما بعد مخالفين الوصية، وأننا سنطرد من الجنة بسبب العصيان ـ ولأنه وهو محب للبشر وصالح فقد أعد من قبل تدبير خلاصنا بكلمته الذاتى ـ الذى به أيضًا خلقنا. لأننا حتى وإن كنا قد خُدعنا بواسطة الحية وسقطنا فلا نبقى أمواتًا كلية بل يصير لنا بالكلمة الفداء والخلاص الذى سبق إعداده لنا لكى نقوم من جديد ونظل غير مائتين ]. كما أنه في تفسيره لما جاء في رسالة معلمنا بولس إلى أهل أفسس " مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح يسوع، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قدامه في المحبة قديسين وبلا لوم، إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح نفسه " يتساءل أثناسيوس استنكارًا كيف اختارنا قبل أن نُخلَق إن لم نكن ممثلين فيه من قبل كما قال هو نفسه؟ كيف سبق فعيننا قبل أن يخلق البشر إن لم يكن الابن نفسه قد " تأسس قبل الدهور " آخذًا على عاتقه تدبير خلاصنا؟، ويعطى مثالاً رائعًا لكى يثّبت هذا التعليم فيقول: " ولأن الله صالح وهو صالح على الدوام وهو يعرف طبيعتنا الضعيفة التى تحتاج إلى معونته وخلاصه لذا فقد خطط هذا، وذلك مثلما لو كان مهندس حكيمًا يريد أن يبنى منزلاً فإنه يخطط في نفس الوقت كيفية تجديده مرة أخرى لو دُمر يومًا ما بعد أن تم بناؤه. وهو يعد لهذا من قبل عندما يخطط، ويعطى للقائم على العمل الاستعدادات اللازمة للتجديد. وهكذا يكون هناك استعداد مسبق للتجديد قبل بناء المنزل وبنفس الطريقة فإن تجديد خلاصنا قد تأسس في المسيح قبلنا، كي يمكن إعادة خلقنا من جديد فيه، فالإرادة والتخطيط قد أُعدا منذ الأزل، أما العمل فقد تحقق عندما استدعت الحاجة وجاء المخلص إلى العالم " . + التجسد في مواجهة الطبيعة البشرية الساقطة كانت وصية الله لآدم يوم أن وضعه في الفردوس، ألاّ يأكل من شجرة معرفة الخير والشر محذرًا إياه أنه يوم أن يأكل منها موتًا يموت. يضع القديس أثناسيوس هذا النص كأساس كتابى وكبرهان على ضرورة وحتمية التجسد.. إذ أن الموت صارت له سيادة شرعية علينا من ذلك الوقت، ويفسر عبارة "موتًا تموت" قائلاً إن المقصود بها ليس مجرد الموت بل "البقاء إلى الأبد في فساد الموت" . ولأنه لم يكن ممكنًا أن ينقض الناموس، لأن الله هو الذى وضعه بسبب التعدى، أصبحت النتيجة في الحال مرعبة حقًا وغير لائقة، لأنه لا يمكن أن يكون الله كاذبًا، ولأجل تغيير هذا الوضع فإن توبة الإنسان لا تصلح إذ يقول بالحرف الواحد " لكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقًا إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت (لأنه تعدى فحُكم عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تقدر التوبة أن تغّير طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية " . لقد كان الاحتياج إلى شئ أساسى وجوهرى وحاسم لكى يعيد الإنسان إلى الوجود الحقيقى، إلى الحياة، إلى الشركة مع الله. كان هناك احتياج إلى التدخل الحاسم لكلمة الله من جديد. وكان حتمًا إذًا أن يتجسد الله الكلمة الذى هو وحده قادر على تصحيح هذه الأوضاع وإعادة الحياة وعدم الفساد إلى الإنسان " فلو كان تَعِدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التعدي، فقد تورط البشر في ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله، فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلا كلمة الله الذي خلق في البدء كل شئ من العدم؟ لأنه كان هو وحده القادر أن يأتي بالفاسد إلى عدم الفساد وأيضًا أن يصون صدق الآب من جهة الجميع. وحيث إنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، كان هو وحده القادر أن يعيد خلق كل شئ وأن يتألم عوض الجميع وأن يكون شفيعًا عن الكل لدى الآب " . لقد صار الموت حتمية والتجسد ضرورة: فلم يكن ممكنًا لله أن يتراجع عن حُكمِه على الإنسان بالموت إن أخطأ، ولم يكن أيضًا ممكنًا أن الله يهمل ولا يبال بهلاك البشرية وفنائها. فعدم الإهتمام كان سيُظهر الله وكأنه ليس صالحًا، والتراجع كان سَيُبيّن وكأن طبيعة الله غير ثابتة.فإن كان الأمر هكذا، فقد صار الموت حتميًا، وتجسد كلمة الله وحده ضرورة. وهنا يوضح القديس أثناسيوس لماذا كان لائقًا أن يتخذ الكلمة جسدًا بشريًا كأداة ليخلّص بها الإنسان، ويستبعد أى وسيلة أو طريق آخر، يمكن أن تكون وسيلة لفداء الإنسان وخلاصه: فأولاً: يوضح عدم كفاية التوبة كى يعود الإنسان إلى عدم الفساد والخلود فيقول: " التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله، لأنه لن يكون الله صادقًا إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت، (لأنه تعدى فحُكم عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تقدر التوبة أن تغير طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية " .إن مأساة سقوط الإنسان تكمن في أن ما فعله لم يكن مجرد عمل خاطئ، بل كان بالحرى عمل خاطئ تبعه الموت والفساد، لأنه وكما يقول القديس أثناسيوس: " لو كان تعدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد؛ لكانت التوبة كافية " . إن ما جعل التجسد ضرورة؛ هو أنه بعدما حدث التعدى على وصية الله " تورط البشر في ذلك الفساد الذي كان هو طبيعتهم، ونزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله" . هذه النعمة التي كانت تمكنهم من أن يبقوا في شركة الحياة وعدم الفساد. ثانيًا: في موضع آخر يُجيب القديس أثناسيوس على الذين لا يرون ضرورة لتجسد الله الكلمة، بل ويهزأون من ظهوره الإلهى بيننا، ويقولون: لماذا لم يُتمم الله أمر خلاص البشرية بإصدار أمر بدون أن يتخذ كلمته جسدًا، أى بنفس الطريقة التي أوجد بها البشرية؟ على هؤلاء يرد القديس أثناسيوس قائلاً: " في البدء لم يكن شئ موجودًا بالمرة، فكل ما كان مطلوبًا هو مجرد نطق مع إرادة (إلهية) لإتمام الخلق، ولكن بعد أن خلق الإنسان وصار موجودًا استدعت الضرورة علاج مـا هو موجود، وليس مـا هو غيــر موجود" . ثم يستطرد قائلاً: " لأن الأشياء غير الموجودة لم تكن هى المحتاجة للخلاص (للتجسد)، بل كان يكفيها مجرد كلمة أو صدور أمر، ولكن الإنسان (المخلوق) الذي كان موجودًا فعلاً وكان منحدرًا إلى الفساد، والهلاك هو الذي كان محتاجًا إلى أن يأتى الكلمة " . ثالثًا: يشير القديس أثناسيوس إلى أنه لا البشر ولا الملائكة، كانوا قادرين على تجديد خلقة الإنسان على مثال الصورة، وذلك لأن الإنسان هو مجرد مخلوق على مثال تلك الصورة، وليس هو الصورة نفسها، كما أن الملائكة ليسوا هم صورة الله . رابعًا: وأخيرًا يوضح القديس أثناسيوس أنه كى يصير كلمة الله معروفًا مرة أخرى بين البشر وبه يُعرف الآب، لم يكن التناسق بين أعمال الخليقة كافيًا، ولم تعد الخليقة وسيلة مضمونة بعد فيقول: " لو كانت الخليقة كافية، لما حدثت كل هذه الشرور الفظيعة، لأن الخليقة كانت موجودة بالفعل، ومع ذلك كان البشر يسقطون في نفس الضلالة عن الله" . لقد سبق وأن أعطى الله للبشر إمكانية أن يعرفوه عن طريق أعمال الخليقة. أما الآن وبعد السقوط، فإن " هذه الوسيلة لم تعد مضمونة وبالتأكيد هى غير مضمونة لأن البشر أهملوها سابقًا، بل إنهم لم يعودوا يرفعوا أعينهم إلى فوق بل صاروا يشخصون إلى أسفل" .وبعد أن أوضح القديس أثناسيوس عجز كل من هذه الوسائل عن تحقيق الخلاص للبشرية، يكشف عن قدرة الكلمة وحده ـ الذي ظهر في الجسد ـ على إتمام هذا الفداء العظيم فيقول: " إنه لم يكن ممكنًا أن يُحوَّل الفاسد إلى عدم فساد إلاّ المخلّص نفسه، الذي خلق منذ البدء كل شئ من العدم، ولم يكن ممكنًا أن يعيد خلق البشر، ليكونوا على صورة الله إلاّ الذي هو صورة الآب، ولم يكن ممكنًا أن يجعل الإنسان المائت غير مائت إلاّ ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة ذاتها. ولم يكن ممكنًا أن يُعلّم البشر عن الآب، ويقضى على عبادة الأوثان إلاّ الكلمة الذي يضبط الأشياء، وهو وحده الابن الوحيد الحقيقى" .وفي عبارات رائعة يعطى المعنى العميق لمفهوم الفداء حسب ما تُعلّم به الكنيسة الشرقية فيقول: " ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع، إذ كان الجميع مستحقين الموت فلأجل هذا الغرض جاء المسيح بيننا. وبعدما قدّم براهينًا كثيرة على ألوهيته بواسطة أعماله في الجسد، فإنه قدّم ذبيحته عن الجميع، فأسلم هيكله للموت عوضًا عن الجميع، أولاً: لكى يبررهم ويحررهم من المعصية الأولى، ثانيًا: لكى يثبت أنه أقوى من الموت، مُظهرًا جسده الخاص أنه عديم الفساد، وأنه باكورة لقيامة الجميع " . د. جوزيف موريس فلتس
المزيد
06 أغسطس 2022

السيدة العذراء وشفاعة القديسين

نحـن نحـب العذراء القديسة مريم ونكرمها باعتبارها الشيفعة الأمينة لجنسنا عـنـد ابنها الحبيب ، ويكفي أن ننتبه إلى حرص الناس جميعهم ـ الصغار والكبار ـ على ممارسة الصوم الذي يحمل اسمها والإحتفال بأعيادها ، لندرك عمق الصلة والخبرة الروحية التي لنا مع أم الله الحنونة ، التي تشفع فينا في كـل حـين ونحـن نسميها في التسبحة " القديسة أم جميع الأحياء “ ( ثيؤتوكية الثلاثاء ) . وقبل أن نعطـر ألسنتنا بالحديث عن أم النور الطاهرة يلزمنا أن نعرف لماذا نكـرم القديسين في كنسيتنا الأرثوذكسية ، ونحرص على أعيادهم وتذكاراتهم والتسمى بأسمائهم ؟؟ أولاً : كنيستنا في تكريمها للقديسين لا تؤمن بأي وساطة من جانبهم بيننا وبين الله ، بالمعنى الخلاصي ! بـل أنها لا تؤمن بأي وساطة يمكـن أن يقترب بها الإنسان إلى الله بدالة وجسارة ، سوى وساطة وشفاعة دم ربـنـا يـسوع المسيح المسفوك عـن خـلاص البشرية " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح “ ( ۱ تی ٢ : ٥ ) ، « إن اخطـأ أحـد فـلـنـا شـفيـع عـند الآب يسوع المسيح البار وهـو كـفـارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً “ ( ١ يو ۲ : ۱ ، ۲ ) لذلك فالكنيسة في كل صلواتها على الإطلاق تختم كل الطلبات والتوسلات والصلوات بعبارة قصيرة هي " بالمسيح يسوع ربنا “ وهو تقليد إنجيلي وروحي أصيل يتطابق مع وصية رب المجد لنا " الحق الحـق اقـول لـكـم إن كل ما طلبتم من الآب باسمى يعطيكم .. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً “ ( يو ١٦ : ٢٣ ، ٢٤ ) . إنها شفاعة كفارية فريدة ووحيدة بها نجد قبولاً ودالة عند الله الآب . إنها شفاعة للتطهير والتقديس وغفران الخطايا ، حين يخضع الإنسان لتبكيت الروح القدس وعمله داخل النفس ، فيدفعه دفعاً إلى أحضان الآب السماوى محتمياً في كفارة المسيح بالتوبة الصادقة وتنهدات القلب الطاهـر " الروح القدس يشفع فينا بأنات لا ينطق بها “ ( رو ۸ : ٢٦ ) . إنهـا أنـات القلب التائب الواثق من قبول الله له وغفران خطاياه بدم المسيح . ثانياً الكنيسة هي جسد المسيح الحي الواحد والكنيسة تدرك تماماً هذه الحقيقة ( أف ۱ : ۲۲ ، ۲۳ ) . لهذا فهى تعيش وتختبر وتحقـق شهوة قلب فاديها الحبيب ليلة آلامه حين صلى لأجل جسده قائلاً : " أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحـداً كـما نـحـن . ولـسـت اسـأل مـن أجـل هـؤلاء فقط ، بل أيـضاً مـن أجـل الـذين يؤمنون بـي بكلامهـم لـيـكـون الجميع واحـداً كمـا أنـك أنـت أيها الآب في وأنـا فـيـك ، ليكونوا هـم أيـضاً واحـداً فيـنا ، ليؤمن العالم أنك أرسلتني وأنـا قـد أعطيتهم المجـد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً ، وليعلم العالم أنك ارسلتني وأحببتهم كما أحببتني “ ( یو ۱۷ : ۲۰-۲۳ ) هذه الوحدانية ، وهذه الشركة هي سمة رئيسية في حياة العهد الجديد ، والتمتع بخلاص المسيح ، لأنه كما تغرب الإنسان بالخطية عـن الله وعـن أخيه ، حين فقد امكانية الحب الإلهى ، فإنه حين ينال الخلاص والحياة الجديدة يعود إلى الشركة مع الله ويسترد أيـضاً إمكانية المحبة ليعود إلى حياة الشركة مـع إخـوته ، لذلك يقـول القديس مقاريوس الكبير : " لا خلاص للإنسان خارج أخوته “ ! وذلـك صـدى لتعليم القديس بولس الرسول حين يؤكد على ضرورة هذه الشركة لاختبار سر المسيح ، سر الخلاص حين يقول : « ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قـبلاً بعيدين صـرتـم قـريبين بـدم المسيح ( شفاعته الكفارية عن خلاصنا ) لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ( اليهود والأمم ) .. لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحـد إلى الآب ( كشعب واحـد وكنيسة واحـدة ) ، " فلستم اذا بعـد غـرباء ونزلاء بـل رعـية مع القديسين وأهـل بـيـت الله مبنين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الـذي فـيـه كـل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب “ ( اف ۲ : ۱۳-۲۲ ) » وقد ربط الرسول ربطاً مبدعاً بين إيماننا بالمسيح ، وبين انسكاب المحبة في قلوبـنـا مـن نـحـو بعضنا البعض كأعضاء في كنيسة المسيح ، وبين ادراكنا للخلاص وعمق عمل المسيح حين قال : " ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلـو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله “ ( اف ۳ : ۱۷-۱۹ ) . لذلك وباختصار ، فإن القديسين في كنيستنا الواحدة هم جزء حى وأعضاء حية في جسد المسيح الواحد ، ونحن حين نقف لنصلى إنمـا نقـف كنيسة واحـدة معهـم ، تجمع المرئيين على الأرض وغير المرئيين الذين هـم أرواح قـد أكملـوا جـهـادهم ، وانتقلوا إلى السماء ، تقف الكنيسة كلها لتقدم حياتها للمسيح رأسها ، وفى وحدة حقيقية يصنعها الروح القدس بيننا وبين ربنا يسوع المسيح من ناحية ، وبين بعضنا البعض من ناحية أخرى . " العبادة في كنيستنا تقـوم عـلى أساس اجتماع المؤمنين مع أرواح الشهداء والأبرار المنتقلين والملائكة والعذراء القديسة مريم . وصور القديسين على حامل الأيقونات ، كـإنها الكنيسة قـد احتجزت لهم الصف الأول لحضورهم على الدوام ، وجعلت ظهورهم نحو الشرق أنهم لم يعودوا بعد ينتظرون المسيح الآتي مثلنا ، بل هم معه الآن كل حين ، وجعلت وجوههم نحونا لكي يعزوننا ويؤازرونا ويتقبلوا توسلاتنا وصلواتنا “ . كيف يمكـن إذا في هـذه المحبة الإلهية المنسكبة في الكنيسة بالروح القدس ألا يصلى القديسون من أجلنا ، ويشاركوننا الصلاة والجهاد في غربتنا على الأرض ؟ ! كيف يمكـن ألا تتحرك قلوبهم نحونا بالحب ، نحن أخوتهم في الجسد الواحد يسندوننا ويرفعون عنا الصلوات ، ونحن أيضاً نصلى من أجلهم بكل اتضاع وإحتياج ؟ " هؤلاء الذين بسؤالاتهم وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً وانقذنا من أجل اسمك القدوس المبارك الذي دعى علينا " وأيضاً نصلى : " إننا يا سيدنا لسنا أهلاً أن نتشفع في طوباوية أولئك بل هم قيام أمـام مـنـبـر ابـنـك الـوحـيـد لـيكونوا عوضـاً عـنـا يـشفعون في ضعفنا ومذلتـنا . كـن غافـراً لآثامـنـا مـن أجـل طلباتهم المقدسـة ومـن أجـل اسمك العظيم الذي دعي علينا " ( القداس الإلهى ) لذلك حين يصف سفر الرؤيا منظر كنيسة المسيح نراه يقدم صورة رائعة عن هذه الشركة في الصلاة والحب : " وجاء ملاك آخـر ووقـف عـنـد المذبح ومعـه مبخرة من ذهب وأعطي بخوراً كثيراً لكى يقدمه مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله " ( رؤ ٧ : ٣ ، ٤) لذلك فإنـنـا نقـدم البخور أمام أيقونات القديسين في يقين أننا نقدمه مع صلواتهم عنا أمام الله !! " ثالثا " إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع " ( عب ۱۲ : ۱ ، ۲ ) حين نطلب صلوات القديسين عنا ، وحين نكرمهم فإننا نؤمن أن الـذي عـمـل فـيـهـم لأجـل تقديسهم ، قـادر أن يعمـل فـيـنـا أيـضاً لنصير قديسين مثلهم ، إنهم ليسوا شخوصاً تاريخية وإنها شخصيات إنسانية ضعيفة قـد أطاعـت صـوت الـروح واستسلمت لعمـل الله فيها ، فتحولت عـن صـورتها الترابية إلى صـورة القداسـة والـنور ، لذلك يوصينا الرسول بولس أن ننظر إلى سيرتهم ونتمثل بإيمانهم ( عب ١٣ : ٧) ، إنهـم الـنـماذج الحية التي نسعى لنصير مثلها ، نجاهد جهادهم ونحيا إيمانهم ونختبر قوة النعمة التي عملت فيهم . لذلك لـن نستفيد كثيراً مـن تـكـريمنا للقديسين والتشفع بهم ، دون أن يكون جهادنا وحياتنا هي حياتهم بتوبة وتقديس وتكريس الكيان كله لله . لأجل ذلك تضع الكنيسة أمامنا نموذجاً حياً في كل يوم في السنكسار ، لكي ما يكون نبراساً لحياة الإيمان والرجاء الحي ، و لنسعى خلف المسيح واثقين من نصرتنا وتقديس حياتنا . إن العالم يحتاج اليوم إلى نماذج قداسـة مـن هـذا النوع ، وهـو يتشوق كثيراً أن يرى نور المسيح هكذا مضيئاً في الذين يحملون اسمه ويتحدثون بكلامه ، حتى يكتمل جيش القديسين المنتظرين في السماء اذ أنهم لا يمكن أن يكملوا بدوننا ، بهم تكمل نصرتنا وبنا يكتمل فرحهم وشركتنا جميعاً في المسيح الواحد . وببساطة نقـول انـه إذا كـان مـن المفيد والنافع أن نـصـادق الصالحين مـن الـناس الذين يعيشون بينـنـا عـلى الأرض ، لننتفع بصلاحهم وصلواتهم فكم تكون صداقة القديسين الذين تحرروا من ثقل الجسد والخطية وصاروا مثل ملائكة في السماء ؟ إن واحداً منهم قد تحرك قلبه بالحب لأجل خلاص أخوته وهو في الجسد مـا زال يـئـن فقـال " كنت أود لو أكون أنا نفسى محروماً من المسيح لأجـل أخوتـى أنـسبائي حسب الجسد " ( رو ۹ : ۱-۳ ) . ألا يصلي إذا الآن من أجلنا ، من له مثل هذا القلب وهذا الحب ؟ ! " بركتهم المقدسة تكـون مـعـنا آمين . المجـد لـك يـا رب . يا رب ارحم یا رب باركنا . یا رب نيحهم آمين . " ( القداس الإلهى ) القمص بنيامين مرجان باسيلى كاهن كنيسة مارمرقس الجيزة عن كتاب والدة الإله مريم العذراء فى فكر الأباء
المزيد
19 أغسطس 2022

حول التجلي الإلهي

صعد ربنا يسوع المسيح إلى جبل ثابور برفقة ثلاثة من تلاميذه وإذا به يصير مشعاً بكليته أمامهم، ورأوا برفقته موسى وإيليا يتحدثان إليه. ثم سمعوا صوتاً من السحابة يقول: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”.لقد وقع البعض في فخ تفسير التجلي تفسيراً سطحياً، وقالوا إنه مجرد نور حسِّي، كما فعل بعض الهراطقة، ولكن القديس بالاماس دحض مزاعمهم واستفاض في الرد عليهم في ثلاثياته المشهورة. ومما كتب القديس“… أن هذا النور… يسمو على سائر الكائنات فكيف نقدر أن نحتسب حسياً ما يسمو على سائر الكائنالت؟ أي كائن حسي ليس مخلوقاً؟ فكيف يكون ضياء الله مخلوقاً؟ فهذا النور ليس بحصر المعنى حسياً”[1]. يقع جبل ثابور في منطقة الجليل السفلي وعلوه حوالي 600 م. إن قلنا “الرب تجلى” لا نقصد بهذا أنه قد حصل أي تغيير للمسيح يسوع، فهو منذ البدء يلبس الألوهة، وقد ظهر للتلاميذ وللجميع كإنسان لابساً جسداً، بحسب ما تؤمن به الكنيسة أنه إله وإنسان معاً. إذن بالتجلي لم يحصل للرب أي تغيير، بل أنه كشف النقاب عن ألوهته المستترة تحت غطاء الجسد.يقول القديس يوحنا الدمشقي: “… اليوم تُرى أمور غير منظورة للعيون البشرية، جسد أرضي عاكساً تألقاً إلهياً، جسد مائت يدفق مجد الألوهة… تجلى أمامهم الذي هو على الدوام ممجد وساطع ببريق الألوهة، لأنه، إذ هو مولود من الآب من دون بداية، فهو يملك شعاع الألوهة الطبيعي الذي لا بدء له، وهو لم يكتسب في وقت لاحق الكيان ولا المجد…… إنه يتجلى إذن، فلا يأخذ ما لم يكن عليه، بل يظهر ما هو عليه لتلاميذه، فاتحاً أعينهم، وجاعلاً إياهم مبصرين بعد أن كانوا عمياناً…”[2] نلاحظ بدايةً في النص الإنجيلي أن الرب يسوع يطلق عبارة “ملكوت الله” على نور تجليه: “…إن بعضاً من الموجودين هنا لن يذوقوا الموت حتى يروا ابن البشر آتياً في ملكوته” (متى 16: 28، ولوقا 9: 27) لهذا ربط الآباء التجلي بالحياة الأبدية.قبل السقوط، كان آدم، الإنسان الأول، يتأمل في المجد الإلهي، ولكنه تحوَّل عن الجمال الأول وصار اهتمامه منصباً على كل ما هو أرضي. أما بالتجلي فقد أعاد الله للإنسان هذه الخاصيّة، هذه الرفعة، وسمح لبشر مائتين بأن يعاينوا مجده وجماله. بالتجلي شعّ يسوع بمحبته للبشر، و”دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب” (1 بط 2: 9)، هو الشمس التي لا تغيب. وقد قال الكتاب: “النور يظهر للصديقين والفرح لمستقيمي القلوب” (مز 66: 11) وأيضاً يترنم داود قائلاً للرب: “ثابور وحرمون باسمك يتهللان” (138: 13) متنبأً عن الفرح الذي يحل على الجبل بالتجلي. الله يحوّل الذين ينيرهم إلى شموس أخرى لأن متى يقول أيضاً “الأبرار يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى 13: 43). ما هذا النور الساطع؟ لمَ تشبهونه بالشمس وهو صانعها و”المتسربل بالنور كالثوب”، و”كوكب الصبح”، وهو “النور المولود من النور”؟ هل يمكن تشبيه الله الفائق المجد؟ الذي لا يُقارن؟ هل أراد أن يريهم “المجد الذي كان له “من قبل إنشاء العالم”؟. وابتغى أن يريهم الإله، ابن الله، المتخفّي وراء الجسد البشري والمتجسد لأجل خلاص البشر؟ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “لقد أراهم مجده”. ولكن، لماذا كتم الإله الذي قبل كل الدهور، ملك الملوك ورب الأرباب، عظمتَه ومجده كل الفترة التي أمضاها مع تلاميذه ولم يظهرهما إلا بهذه الطريقة؟ هل وجد أنهم كانوا، حتى تلك الساعة، عاجزين عن فهم ألوهته؟ يقول القديس افرام السرياني إنه بهذا “أراهم كيف ينبغي أن يأتي في ذلك اليوم الأخير بمجد لاهوته وبجسد ناسوته، وكيف سيتمجدون هم أيضاً”[3]. لم يكن هذا التجلي من أجله، بل من أجل تلاميذه (من أجل الكنيسة كلها). بسبب تواضعه أظهر لهم ألوهته ليروا مجده حتى لا يقعوا في الشك حين يرونه متألماً بالجسد ومائتاً على الصليب، عارياً مرذولاً. “عرفوه ابناً لمريم وأظهر لهم على الجبل أنه ابن الله. شاهدوه يأكل ويشرب، يتعب ويستريح، ينعس وينام، يخاف ويعرق، الأمر الذي لا يتناسب مع ألوهيته”[4]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “صعد إلى الجبل وتجلّى أمامهم، ولمع وجهه كالنور وصارت ثيابه بيضاء كالثلج. لقد شقّ جزئياً باب الألوهة وأراهم الإله الذي يسكن فيه وتجلى أمامهم… لماذا قال الإنجيلي: “أكثر من الشمس” لأنه ليس من كوكب أكثر ضياءً منها. ولماذا قال: “أكثر بياضاً من الثلج”، لأنه ليس من مادة أكثر بياضاً، ولكنه لم يشعّ هكذا، إذ “وقع التلاميذ أرضاً”. فلو كان يشع كالشمس لما وقع التلاميذ أرضاً، إذ كانوا يرون الشمس كل يوم ولا يقعون أرضاً، بل لأنه شعّ أكثر من الشمس وأكثر من الثلج، فلهذا، ولكونهم ما استطاعوا احتمال بهائه، وقعوا أرضاً…”والحقيقة أنه، إذ أشفق على تلاميذه، نزل إلى ضعفهم، أراهم من ألوهته فقط بقدر ما يستطيعون احتماله، “بحسب ما استطاعوا”، تقول الكنيسة في قنداق العيد. فماذا كان حدث لو أنه أراهم مجده الحقيقي؟ أما كانت الدنيا فنيت، لأنه “ينظر إلى الأرض فيجعلها ترتعد ويمسّ الجبال فتدخّن”؟ لو أنه أبدى جوهره، أما كانت الشمس انطفأت والقمر اضمحلّ والأرض فنيت؟ لهذا غلف نفسه بجسد وأتى بعذوبة ودون صخب.إلا أن بطرس، وقد استنار فكره بهذه الرؤيا المغبوطة جداً… لم يعد يريد أن ينفصل عن هذا النور، فقال للرب: “حسن أن نكون هنا….” (لو 9: 33). في الحقيقة لم تكن ساعة التجديد قد حلت بعد: ولكن حين تحلّ فإننا لن نعود بحاجة إلى مظال صنع أيدي الناس. وأكثر من ذلك فإنه ما كان يجب مساواة العبدَين بالسيد، بصنع ثلاث مظال متشابهة، فإن المسيح، كابن حقيقي، هو في حضن الآب (يو 1: 18)، بينما النبيّان، كخادمَين حقيقيَّين لإبراهيم، سوف يسكنان في أحضان إبراهيم. وإذ كان بطرس لا يفقه ما يقول، اقتربت غمامة مضيئة وظللتهم بظلها، قاطعةً حديث بطرس ومظهرةً أية مظلة هي التي تليق بالمسيح. (القديس غريغوريوس بالاماس). (الموعظة الثانية للقديس عن التجلي)[5] ولكن ما هي هذه الغمامة؟ وكيف تظللهم بظلها وهي مضيئة؟ يتساءل القديس غريغوريوس بالاماس: أليست هي النور الذي لا يدنى منه الذي يسكن فيه الله (1 تيم 6: 16) والذي “يلبسه كالثوب” (مز 53: 2-3) لأنه “جعل السماء مركبة له” (مز 53: 2-3) و”جعل الظلمة خباءً له” (مز 17: 12). غير أن الرسول بولس يقول إن الله هو “الوحيد الذي يملك الخلود… الساكن النور الذي لا يدنى منه” (1 تيم 6: 16)، أي إن النور والظلمات هي حقيقة واحدة، وإن كانت الغمامة تظللهم بظلها فبسبب سموّ شعاعها. إلا أن اللاهوتيين يؤكدون أيضاً أن هذا النور – الذي رآه الرسل فيما مضى – لا يدنى منه… كما يؤكد ديونيسيوس العظيم أن النور الذي لا يدنى منه الذي يقال إن فيه يسكن الله هو ظلمة ويضيف: “فيه يولد كل من هو أهل لأن يعرف ويتأمل الله”.(ديونيسيوس الأريوباغي، الرسالة الخامسة) (من الموعظة الثانية للقديس عن التجلي)[6] لقد برهن لنا الرسل أنه يتعذر على أي طبيعة مخلوقة حتى التحديق بالمجد الإلهي، لأنهم ما استطاعوا تحمّل هذه الرؤية الظاهرة لهم على الجبل، بل وقعوا أرضاً، وما كانوا قد رأوا سوى جزء بسيط من المجد الإلهي.يقول الدمشقي: “المجد لم يأتِ على الجسد من خارج بل من الداخل، من ألوهية كلمة الله الفائقة الألوهية والمتحدة بالجسد بحسب الأقنوم على نحو يتعذر وصفه”[7]. وقال فم الذهب إن النور كان على وجه موسى عابراً، مستشهداً بقول الرسول بولس في (2 كور 3: 7).الآب والكلمة والروح القدس يملكون هذا النور بالطبيعة أما الآخرون فيشتركون في النور بالنعمة. وهذا ما نراه في موسى وإيليا. ليست أول مرة يشترك موسى بالنور على جبل ثابور، بل في الماضي أيضاً حين رآه بنو إسرائيل مضيء الوجه ولم يتمكنوا من التحديق فيه (خر 34: 29) هذا ما يبرهنه أحد الآباء الذي يقول: “موسى تلقى على وجه مائت مجدَ الله غيرَ المائت”.“هذا المجد وهذا البهاء سوف يراهما الجميع حين يظهر الرب مشعاً من الشرق إلى الغرب. اليوم رآه الذين صعدوا مع يسوع، إلا أن أحداً لم يرَ جوهر الله ولا طبيعته. وهذا النور الإلهي قد أُعطي بمقياس، ومقسَّماً بدون تجزئة بحسب استحقاق الذين يتلقونه. والبرهان هو أن وجه يسوع يشع أكثر من الشمس وأصبحت ثيابه بيضاء كالثلج. ثم ظهر موسى وإيليا في المجد نفسه إلا أن أحداً منهما لم يشعّ بالقوة نفسها، كالشمس. أما التلاميذ فقد رآوا هذا النور لكنهم لم يتمكنوا من التحديق فيه. بالنتيجة فإن هذا النور يُعطى بمقياس وتجزئة ولكن من دون تقسيم. إنه يجعل الآخرين يعرفونه جزئياً الآن وجزئياً فيما بعد. لهذا يقول الرسول بولس الإلهي: “الآن نعرف جزئياً ونتنبأ جزئياً” (1 كور 13: 9). طبيعة الله لا تتجزأ على الإطلاق ولا هي قابلة للفهم على الإطلاق. ونحن، إذ ندير ظهرنا لهراطقة الأمس واليوم، نؤمن بأن القديسين يرون ويتلقون بالمشاركة ملكوت الله ومجده وبهاءه ونوره الذي لا يدنى منه ونعمته، ولكن لا جوهره…” (القديس غريغوريوس بالاماس ـ الموعظة الثانية)[8] كما ينقل القديس بالاماس، في ثلاثياته، عن القديس مكسيموس قوله إن “التلاميذ انتقلوا من الجسد إلى الروح القدس حتى قبل انتقالهم من هذه الحياة، وذلك من جراء تغيير قد طرأ على عمل حواسّهم أحدثه فيهم الروح القدس”[9]. لمَ سقط الرسل أرضاً؟ ولكن حين تلتمع السحابة المضيئة ويدوي صوت الآب من السحابة يختفي النبيّان ويسقط الرسل أرضاً ويبقى الرب يسوع وحده: حتى يعرف الرسل أن المقصود بابن الله هو وحده وعليهم أن يسمعوا له.“وقع التلاميذ أرضاً ووجوههم نحو الأرض” (متى 17: 6)، ولم يكن ذلك بسبب الصوت، فقد سمعوه مرات كثيرة في مناسبات أخرى: على الأردن، ولكن أيضاً في أورشليم عند اقتراب الآلام الخلاصية، فقد قال يسوع: “يا أبتِ مجِّد اسمك” فجاءه صوت من السماء يقول: “قد مجَّدتُ وسأمجِّد أيضاً” (يو 12: 28) وسمعه الجمع كله ولكن أحداً منهم لم يقع أرضاً. ولكن هنا لم يُسمع الصوت فقط، بل كان هناك أيضاً نور لا يُحتمل يلتمع في الوقت نفسه مع الصوت الذي يدوي. هكذا اعتبر الآباء الحاملو الإله بحصافة أن الرسل سقطوا على وجوههم ليس بسبب الصوت بل إشعاع النور الفائق الطبيعة “خوفاً” كما يقول مرقس (يو 9: 6) بسبب هذا الظهور الإلهي بالتأكيد. (القديس غريغوريوس بالاماس ـ الموعظة الثانية)[10] ماذا يفعل هنا موسى وايليا؟ ظهر لهما موسى وإيليا لأنهما يعتبران قطبين مهمَّين في العهد القديم، ولكنهما وهما يقفان الآن كخادمَين أمام سيد الكل ورب الأرباب.لقد أُحضر موسى من الجحيم (كل القديسين من العهد القديم كانوا في الجحيم، بحسب القديس أبيفانيوس في عظته الشهيرة في نزول المسيح إلى الجحيم) للدلالة على أنه إله الأحياء والأموات.يقول القديس يوحنا الدمشقي: “اليوم موسى يخدم كعبدٍ المسيح… وهذا ما يعنيه برأيي ظهرُ الله (خر 33: 23)، ويعاين بجلاء مجد الألوهة مخبوءاً في فجوة الصخرة كما يقول الكتاب. ولكن الصخرة إنما هي المسيح الإله المتجسد كما علّمنا بولس: “هذه الصخرة كانت المسيح” (1 كور 10: 4)”[11]. لقد كانا يتباحثان مع يسوع بخصوص آلامه وصلبه وقيامته، بخصوص “العمل الذي أعطاه إياه الآب” (يو 17: 4)، أي مجيئه إلى هذا العالم من أجل إتمام خلاص البشر. يسوع أتى وتجسد وليس في فكره غير الجلجلة، أي خلاصنا. يسوع ممتلئ بالمجد على ثابور وفكره في الجلجلة. وكذا كل من ودّ أن يتجلى فعليه أن يمر بالجلجلة. الذي به سررتُ يقول القديس نيقوديموس الآثوسي: “الذي به سررت” تعني بحسب القديس بالاماس، حسب مشيئة الله السابقة في سر تدبير ابنه بالجسد”[12]. لماذا غلب عليهم النوم؟ أليس هذا مفاجئاً؟ أن يناموا فجأة هكذا، على الجبل فيما هم يشهدون أموراً فائقة الوصف؟ يقول القديس اندراوس الكريتي: “… فهم، إذ عجزوا عن احتمال شعاع هذه البشرة التي لا عيب فيها، الذي انبجس كما من نبع، من ألوهة الكلمة، بطريقة فائقة الطبيعة من خلال البشرة التي اتحد بها بحسب الأقنوم، سقطوا على وجوههم، يا للمعجزة! في خروج كامل جداً خارج من الطبيعة، مأخوذين بنوم ثقيل وفزع، مغلقين حواسهم، موقفين تماماً كل حركة فكرية وكل فهم، هكذا كانوا سوية مع الله، في عمق هذه الظلمات الإلهية الفائقة النور وغير المنظورة…”[13] صوت الآب رفعهم يقول القديس افرام السرياني إن “صوت الآب أسقطهم وأما صوت الابن فقد رفعهم بالقدرة الإلهية لأجل تلك الألوهة الحالّة في جسده والمتحدة به بلا تغيّر”[14]. ماذا يعلّمنا التجلي؟ يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “… أنا أشعر بأنه سوف يأتي بالجسد كما ظهر للتلاميذ على الجبل حيث استعلن، والألوهة تنتصر على الجسد الشقي[15].. ويوافقه ذيونيسيوس الأريوباغي الذي يؤكد: “سوف يظهر الرب لخدامه الكاملين (في ذلك اليوم) كما رآه الرسل تماماً على جبل ثابور”. لنتأمل بعيوننا الداخلية هذا المشهد العظيم: طبيعتنا تستقر أبدياً مع نار الألوهة اللاهيولية، ولنترك هنا أقمصتنا الجلدية التي نلبسها منذ معصية آدم وسقوطه، ولنقف في أرض مقدسة مظهرين كل واحد منا بأن أرضه مقدسة بفضيلته وشوقه إلى الله، وبثقة من يقف في نور الله لنهرع كي نستنير من بهائه ونعيش إلى الأبد مستضيئين في مجد البهاء المثلث الشموس والواحد في آن، الآن وإلى دهر الدهور، آمين.
المزيد
23 أكتوبر 2022

التغيير مع بطرس

تقرأ اليوم الكنيسة علينا فصل من إنجيل معلمنا مار لوقا البشير الإصحاح الخامس جزء دعوة معلمنا بطرس ليكون صياداً للناس معلمنا بطرس ويعقوب ويوحنا كانوا شركاء في الصيد فكل فرد منهم كان يصطاد ولهم مركب فكان من عادة الصيادين يقوموا ليلاً ليصطادوا ولكن هذا اليوم كان يوم غريب كان يوم عجيب لم يصطادوا شيئاً فهم رجعوا من الصيد شاعرين بإحباط وبفشل فوقفوا عند الشط ليغسلوا الشباك من الزفارة وبقايا الصيد ولكن كان في داخلهم تساؤلات كثيرة وهي لماذا هذا اليوم ؟ فكانوا متضايقين فوجدوا يسوع جاء إلى الشط فازدحم المكان – حينما يكون المسيح تكون الزحمة – فاجتمع عليه الجموع ليسمعوا كلام الله فضغطوا عليه من كثرتهم وهو كان لم يراهم فدخل السفينة لكي تكون هناك مسافة بينه وبينهم فيراهم كلهم وهم يروه فطلب سفينة بطرس ولكن بطرس في داخله كان يقول * لا تطول أنا تعبان أنا متضايق لن أسمعك كثيراً أنا حاكون سرحان * وربما يكون قال له إتفضل خجلاً فالسيد المسيح أخذ السفينة كمنبر ليعظ الناس ويكلمهم من عليه أما بطرس الرسول ربما يكون سمع أو ربما لم ينتبه لكلمة من الوعظ فكان معلمنا بطرس يفكر في الفشل الذي أصابه من سهره وعدم إصطياده لشئ فجميل إن ربنا يسوع إنه يعلم والناس تسمع بانجذاب عجيب فربنا يعلم بنفسه الكلمة بنفسه يتكلم كم تكون الإستجابة ؟ كم يكون الإنصات ؟ فقديماً كان يتكلم الأنبياء أما الآن بنفسه يتكلم فأي حاجات من الطبيعة تنجذب إلى أصلها فأصل الوجود نفسه الذي هو السيد المسيح هو الذي يتكلم فهو عرف كيف يخاطب الإنسان فيكون مسحوب ومنجذب ناحية الكلام الذي يُقال قال لسمعان ﴿ ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ ( لو 5 : 4 – 5 ) فإنَّ النهار ظهر والسيد الرب يقول له أُدخل إلى العمق !! في عُرف الصيادين وعادتهم لا يكون هناك صيد في النهار أو حتى في العمق بل يكون الصيد في الليل ليل في العمق فما قاله السيد الرب هو عكس المنطق الطبيعي لخبرة الصياد فقال له بطرس ﴿ تعبنا الليل كله ﴾ أحياناً الإنسان يعتمد على الخبرة السابقة في غياب الله في غياب من النعمة تجاهد كثير ولكن ليس على سند قوي في غياب روح الإتضاع في غياب روح المحبة الحقيقية فتتعب ولم تصطاد شيئاً مثل الكتبة والفريسيين فهم يتعبوا في تدقيق الناموس ولكن متكلين على ذواتهم فالنعمة لم تمكث عندهم جهاد بدون نعمة يجعلنا نعيش بدون اصطياد ﴿ الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم ﴾ ( مت 6 : 2 ) فهم صنعوا أشياء كثيرة بحسب الشكل من أجل إرضاء الضمير فيمكن إن إنسان يتعب كثيراً من أجل بيته ولم يصطاد شيئاً فهو يضيعه وذلك بسبب الأنانية العصبية فهناك أفراد تتعب ولم تصطاد شيء فيقول أنا بتعب ولكن لم أصطاد شيء فهو لايعرف ويسأل لماذا نحن غير مترابطين ؟ لماذا نحن بعيدين عن ربنا ؟ وذلك لأنَّ الهدف ليس واضح فأحياناً الإنسان يجب أن يسأل نفسه هل هذا التعب من أجل الله ومع الله ؟ في سفر حجي يقول الرب ﴿ زرعتم كثيراً ودخلتم قليلاً تأكلون وليس إلى الشبع تشربون ولا تروون تكتسون ولا تدفأون والآخذ أُجرةً يأخذ أُجرةً لكيسٍ منقوبٍ ﴾ ( حج 1 : 6 ) فيقول ﴿ تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ﴾ فمحبة الخطية جذورها في الأعماق من الداخل فالجهاد يكون في غياب المسيح فالجهاد يتم بشكل روتيني فهناك تعب من أجل الذات وليس من أجل الله فهناك تعب باطل وهناك تعب بناء سليمان الحكيم يقول ﴿ باطل الأباطيل الكل باطل ولا منفعة تحت الشمس ﴾ ( جا 1 : 2 ؛ 2 : 11) تعبنا ولم نصطاد شيء ولكن معلمنا بطرس لم يستمر في النقاش كثيراً مع ربنا ولم يركز على النقطة السلبية ولكنه قال ﴿ على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ فكان هناك مركبتين ولكن لأنه ليس واثق في أنه يمكن أن يصطاد شئ فدخلت مركب واحدة من أجل الطاعة دخلت * كلمتك * هي الوصية الوصية حينما تأتي في فكرنا فنكون عاجزين عن طاعتها الوصية ضد المنطق ضد الجسد ضد الذات فهل أضيف إلى فشلي فشل جديد ؟ فأنا تعبت وقت الصيد ولم أصطاد شئ فهل سأصطاد في وقت الراحة ووقت ليس فيه صيد ؟ فربنا يوصلنا لدرجة إنه يجعلنا غير نافعين غير قادرين فيجعلنا نقول * أنا مش قادر فأنت تقود ؛ أنا غير نافع فاستخدمني أنت ؛أنا لا أستطيع فأنت تصنع بي * فالوصية تتخطى العقل الوصية تتخطى المنطق الوصية تتخطى القدرة فيجب أن أُعد ذهني البشري لا لعمل المنطق أن أقول ليس بقدرتي وأن أقول حاضر فهنا تعمل النعمة فأطاوع الإنجيل بطرس دخل مسنود على كلمته – كلمة ربنا – الجهاد المسنود على الإنجيل غير الجهاد المسنود على عقلي أنا فالوصية أطيعها ليس من أجل لذاتي بل أطيعها لأن بها روح بها سند فهي تحمل في داخلها قوة استجابتها فنقول حنحب حنبذل حنخدم ولا أشعر في كل ذلك إنه إهدار لكرامتي أو لوقتي فمعلمنا داود يقول ﴿ كلامك أحيني ﴾ ( مز 119 : 154)﴿ سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي ﴾ ( مز 119 : 105) فحياته مقادة بالروح حسب كلمة الإنجيل الآباء القديسين يقولوا ﴿ لا تعمل عملاً إلا ويكون لك شاهد من الإنجيل ﴾ هناك الكثير من الأفراد يقول * أنا لو صنعت ذلك فإني لن أبيع أو أشتري * ولكن كلمة ربنا هي التي تعينك فيمكن أنَّ كثيراً تتعب وتجمع قليلاً فلا تصطاد شئ فيُقال مثلاً * أنا بكسب كتير ولكن ليس في بيتنا سلام ليس في قلوبنا محبة * ﴿ تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ فربنا يعطيك مع القليل حب يعطيك مع القليل سلام يعطيك مع القليل نعمة يعطيك مع القليل قناعة ﴿ فعلى كلمتك ﴾ جميل أن يعيش الإنسان حسب الكلمة إفعل ذلك فتحيا فكلمة الإنجيل تجعلك تتخطى نفسك حاضر حنطرح الشباك فقال لهم بطرس ريحوا واستريحوا أنتم وسأذهب أنا لكي أرى وأجرب فدخل إلى العمق بسفينة واحدة ﴿ ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم ﴾ ( لو 5 : 6 – 7 )فأحياناً الإنسان يكون واقف مشاهد على وصية ربنا فالذي يطاوع يمسك كثيراً فيقول له تعال ويدعو الآخرين ويقول تعال لن تخسر لن تندم فكلما ذوقت أنت تدعو الآخرين لكي يذوقوا ويجربوا فيلتهب قلبه على كل من حوله ويدعوه ويقول هذا خير ربنا هذه نعمة ربنا فتبدأ النعمة التي بداخلي تزيد فربنا يريد يفرحنا كلنا به فالخلاص لا ينتهي الفضيلة لا تنتهي النعمة لا تنتهي فالنعمة ليس لها حدود بل حدودها أنت وليس هي فهي تملأك على قدر سعيك على قدر خضوعك على قدر اشتياقك فهي تملأ كل كيانك حتى تقول كفانا كفانا حتى تقول تكاد السفينة أن تتخرق ﴿ فصارت شبكتهم تتخرق ﴾ فالنعمة ليس لها أي حدود ليس لها نهاية فهم رفضوا حتى أنفسهم رفضوا الثوب المدنس رفضوا السلطة الجاه المال فتركوا العالم كله فهناك نعمة إمتلأت﴿ فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق ﴾ ( لو 5 : 7 ) فهذا هو سخاء ربنا يسوع فهناك يكون بعد فشل كبير يكون هناك نجاح ليس متوقع ما أجمل هذا الإختبار فهناك نعمة كبيرة تملأ حياتك فأعيش بكلمتك فأحياناً نقول * أنا فشلت كتير وأصبح الفشل ملازم ليَّ * ولكن ﴿ على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ أنا يارب ضعيف جداً وعاجز جداً ولكن أنت يارب قُل كلمة لتبرأ نفسي فربنا يريد أن يُدخلنا في هذا الإختبار إختبار كلمته إختبار محبته إختبار الخضوع له فيملأ حياتك بكل بهجة وخير ﴿ فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ ﴾ ( لو 5 : 8 ) ما علاقة الصيد بأن يقول بطرس أنا خاطئ ؟ فهذه نصيحة غالية أنا متشكر شكراً جداً فنحن لا نسمي هذه المعجزة معجزة اصطياد السمك بل إنها مهمة أكبر فهي معجزة تغيير بطرس فالرب يسوع أتى ليأخذ ممتلكات بطرس فهو يغيرك إنت عن طريق السمك فهل ستتلهي في الصيد وتتركني أنا ؟ فليس هناك معجزة يصنعها ربنا يسوع إلا ويكون هدفها هو خلاصي فمعجزة التجلي هدفها خلاصي الأمور العقيدية هدفها خلاصي قيامة لعازر هدفها قيامة الخاطئ فإنك تتجاوز هذه المرحلة وتتقابل مع هذه القدرة التي لا نهائية فتخر وتسجد له فلم ينسب النجاح لنفسه أو لأنه طاوع بل مركز ذهنه على المسيح فتكون في سجود في حياتك فعيش مشاعره فهو كان محبط فهو كان فاشل ولكن ربنا أعطاني نعمة وملأ قلبي ونفسي سلام فالسجود هو انفعال هو حركة إنفعال قلبية حركة إنفعال لا إرادية فهي إعلان عن فرح إعلان عن شكر هذا هو السجود بالروح فلذلك حاول أن تجرب هذا الإحساس أن تخضع لعمل نعمته أن تدرك أمام من أنت واقف ؟ فعندما الإنسان يحس بعظمة الله يتضاءل هو ويصغر جداً فعندما يتفاعل هو يخر ساجداً فالإنسان عندما يشعر أنَّ الذي أمامه كبير جداً فهو يصغر جداً أمام نفسه فيسجد إلى ربنا الذي هو كله عظمة وقدرة وأنا الخاطئ فالسجود هو إنفعال من الداخل أشعياء النبي يقول ﴿ رأيت السيد جالساً على كرسيٍ عالٍ ومرتفعٍ وأذياله تملأ الهيكل فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين ﴾( أش 6 : 1 ؛ 5 ) فلم يسعه أن يفعل شئ إلا السجود السجود هو شعور بضعفي الشرير وبر الله الذي أنا واقف أمامه كذلك أيضاً يعقوب ويوحنا إبني زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس ﴿ ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيءٍ وتبعوه ﴾ ( لو 5 : 11) فالحكاية تحولت عن السمك فهم لم يفرزوا السمك و يبيعوه فالهدف الأول كان السمك ولكن في النهاية تركوا كل شئ وباعوه فهم وجدوه هو الأجمل هو الأحلى ولكن أنت ماذا تفعل في عمرك ؟ فإن كنت محبط مضايق فقل يكفيني أن أكون معه يكفيني أن أحيا معه هو فرحي هو كفايتي هو بهجتي فهو إذا كان عمل معي كل ذلك الآن فهو يدبر كل أمور حياتي فأدركت أنه يقدر أنه يستطيع فمعلمنا بطرس يقول لنا لا تجعل شغلك يأخذ كثير فأنا جربت ذلك لذلك ضع قلبك في كلمته ضع قلبك في المسيح فهو الغني وليس شغلك فأصبح صياد للناس فيرمي مثلاً الشبكة في يوم الخمسين فيصطاد حوالي ثلاثة آلاف نفس فاختبر قدرة ربنا في حياته الشخصية وبذلك استطاع أن يجذب النفوس بلا كلل بلا تعب فكان يقول ﴿ ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ﴾ ( مز 34 : 8 )فمعلمنا بولس يقول لتلميذه ﴿ اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقتٍ مناسبٍ وغير مناسبٍ وبخ انتهر عظ بكل أناةٍ وتعليمٍ ﴾ ( 2تي 4 : 2 ) فاحضر كل إنسان إرمي الشبكة إحضر كل إنسان في المسيح يسوع فإحكي عن يسوع إحكي عن خبرتك معاه فأن تُخبر بما رأيت وبما سمعت فربنا حول هذه المعجزة من موضوع اصطياد السمك إلى اصطياد أربعة أعمدة فهو قام باصطياد بطرس ويوحنا وأندراوس ويعقوب يا لجلالك يارب فهو يختارنا بنفسه يستخدمنا لإسمه يغير حياتنا لنفوز بملكوته فهو يريد أن نسجد أن نسبح أن نخدم أن نعيش بهدف أبدي ربنا يغيرنا ويجعلنا نعيش له ومن أجل إسمه ويجعلنا نتعب من أجله وأن نعرف أنَّ بدونه نتعب ولا نصطاد شيء ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
08 أبريل 2023

سبت لعازر

قضى يسوع هذا اليوم فى بيت عنيا، وهى بلدة صغيرة قريبة من أورشليم فى بيت مريم ومرثا وأخيهما لعازر الذى سبق أن أقامه يسوع من الموت. وكانت مرثا تخدم وكان لعازر من بين الجالسين إلى المائدة.وأخذت مريم منا، من طيب ناردين غالى الثمن، وسكبته على رأس يسوع وعلى قدميه، ومسحت قدميه بشعرها.أثار يهوذا الأسخريوطى تذمرا، إذ تظاهر بتعاطفه مع الفقراء، ويوضح لنا القديس يوحنا الأنجيلى أنه " قال هذا لا لأنه كان يهتم بالفقراء، وإنما لأنه كان سارقا، وقد كان كيس النقود معه، فكان يستولى على ما فيه " · طلب السيد المسيح من الحاضرين عدم ازعاج المرأة، وأنبأ أنه لن يكون هناك وقت لتطييب جسده أثناء تكفينه قبل دفنه: " وهى إذ سكبت هذا الطيب على جسدى إنما فعلت ذلك لتكفينى " – وكذلك أنبأ عن انتشار الأنجيل: " الحق أقول لكم إنه حيثما يبشر بهذا الأنجيل فى العالم كله سيذكر أيضا ما فعلته هذه المرأة تذكارا لها ".وقد أخذت الكنيسة المقدسة بهذا التوجيه فنجد فى القداس الإلهى فى صلاة مجمع القديسين: " لأن هذا يارب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك فى تذكار قديسيك.. " مشيرة فى ذلك إلى القول السابق للسيد المسيح.القديسان متى ومرقس اقتصرا على أن ذلك حدث فى بيت عنيا، ولكن القديس يوحنا صرح أنه كان ذلك قبل الفصح بستة أيام أى ليلة الأحد بعد نهاية السبت (يو 12: 2).وهناك رأى بأن حادثة سكب الطيب قد تكررت مرة أخرى ليلة الأربعاء كما ورد فى انجيل القديس متى وانجيل القديس مرقس.ولعل تكرار استعمال الطيب هذا الأسبوع كان إشارة لتكفين وتطييب جسد ربنا يسوع الذى أوشك على الموت موت الصليب بعد أيام قليلة.أما الحادثة التى ذكرها القديس لوقا فقد حدثت من قبل هذا بثلاث سنوات فى مدينة نايين بالجليل، فى بيت سمعان الفريسى، وقد قامت بسكب الطيب أمرأة خاطئة، فكانت مشاعرها مشاعر توبة وندم.. انظر (متى 26: 6 – 13)، (مرقس 14: 3 – 9)، (يوحنا 12: 2 – 11).يقول المتنيح القمص بيشوى كامل إن أحداث الأسبوع الأخير مشحونة بمشاعر حب الله لنا إلى المنتهى،.. بدأ الوحى الإلهى بإبدال لغة الكلام بلغة الطيب:الطيب يفوح وينتشر بسرعة ويحمل معه نشوة رقيقة،.. لقد سكب الرب ذاته.. وكسر جسده وأعطاه لتلاميذه..سكب ذاته.. فوضع نفسه عند أرجل تلاميذه ليغسلها!!! وسكب حبه.. حتى مع الخائن أعطاه اللقمة!!! وعلى الصليب سكب ذاته من أجل الذين عروه، وطعنوه، وبصقوا فى وجهه، وجلدوه.. من أجلهم مات ومن أجلهم طلب الغفران.خدمة الطيب خدمة حب: فلنحب يا أخوتى الله من كل القلب..ولنحب إخوتنا فى البشر من قلب طاهر بشدة، ونعمل كل أعمالنا بمحبة للمسيح.خدمة الطيب خدمة صلاة هادئة: انها خدمة مشاعر وليست خدمة كلام، إنها خدمة صامتة، إنها صلاة مخدع هادئة بعيدة عن ضوضاء أورشليم، إنها خدمة فقير، أو كأس ماء بارد.خدمة الطيب خدمة انسحاق واحساس بالدين: المرأة الخاطئة التى سكبت الطيب عند قدمى يسوع، خدمة انسانة مديونة للمسيح بخلاصها.. ان خدمة الطيب تكشف لنا أن التوبة تتم عند أقدام المسيح، بروح الأنسحاق والأحساس بالدين وبدموع غزيرة.خدمة الطيب تكشف عن قيمة الرب فى حياتنا: إن قيمة السيد المسيح عند يهوذا وصلت إلى 30 من الفضة!! أما عند المرأة فكانت تساوى كل ما عندها.. حتى ال 300 دينار، والعجيب أن الحادثتين تمتا فى نفس اللحظة. إن حبنا ليسوع يتضح فى مقدار تضحيتنا – وفى مقدار ما نبذل أو نخسر من أجل يسوع ووصيته..خدمة الطيب خدمة تكفين للرب: ستبقى هذه الرائحة عالقة بجسد الرب، كخدمة نيقوديموس ويوسف الرامى.. خدمة النفوس التى أحبت أن تشارك الرب فى الآمه عوضا عن التلاميذ الذين ناموا..أو هربوا.. أو أنكروا.. لذلك ياأخوتى بقدر ما يكثر الشر من حولنا – حتى فى وسط أولاد الله – بقدر ما يجب أن نكثر من سكب الطيب.خدمة الطيب خدمة باقية تتحدى الموت: التلاميذ هربوا عند الصليب، ويوحنا أكمل عند الجلجثة، أما المرأة التى سكبت الطيب فلازمت الرب عند الصليب وذهبت معه إلى القبر، وفى فجر الأحد والظلام باق أخذت طيبها ومشاعرها لتضعه على القبر – وكلها رجاء فى الذى يدحرج لها الحجر. الذين خدموا خدمة العبادة والحب والأنسحاق وصل رجاءهم إلى ما بعد الموت.. إلى الحياة الأخرى خدمة الطيب ليست اتلافا: ليست الصلاة أقل من بناء المؤسسات العظيمة، وليست خدمة الفقراء أقل من بناء الكاتدرائيات..إن خدمة انطونيوس وبولا ومقاريوس أبقى للكنيسة من كاتدرائيات الأباطرة العظماء، ليست الرهبنة اتلافا، وليست خدمة الصلاة فى مدارس الأحد أقل من خدمة الوعظ بل أهم.خدمة الصلاة ليست اتلافا.. كثرة القداسات ليست اتلافا، الخدمة الأجتماعية اليوم تغزو الكنيسة بدعوى أن كثرة الصلاة اتلاف، ونحن فى حاجة للعمل، والحقيقة أن العمل الخالى من الصلاة يكون مشحونا بالأنانية والذاتية ويصبح ليس اتلافا بل وبالا على الكنيسة. القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
18 نوفمبر 2022

مفهوم الاتحاد الزيجي الاتحاد العاطفي

يسكب الله العاطفة في الإنسان، ولذا فهي شيء مقدس يضعه الله في الإنسان أثناء رحلته، فالطفل تتلاقى عيناه مع عيني أمه وهي تحتضنه، ترضعه، تنام بجواره، فتتكون عاطفة عند الطفل تجاه أمه. وهكذا بالنسبة للأب الذي يداعبه ويحضر له ما يحبه، فتنمو عاطفته تجاه أبيه، شاعرًا أن أباه وأمه هما كل الحياة، ثم يكبر فيلتحق بالحضانة ثم المدرسة، ويبدأ في الانفصال عنهما قليلًا قليلًا، حتى إذا ما بلغ سن المراهقة بدأ ميله تجاه الجنس الآخر، وهي نعمة من الله وضعها في قلب الإنسان. هذه العاطفة يسمّونها في علم الاجتماع "الجنسية الغيرية العامة"، بمعنى أنها لا تكون موجّهة تجاه شخص محدّد، إنما تجاه الجنس الآخر عمومًا، والولد والبنت المنتبهان يحفظان هذه العاطفة القوية في قلوبهم فتكون أثمن ما يمكن أن يقدّماه لشريك المستقبل. وكلّما نضجت الفتاة أو الشاب، تبدأ العاطفة العامة أن تضيق وأن تتخصّص حتى تتركّز في شخص واحد يرى فيه الشاب أن هذه هي الفتاة المناسبة له، والفتاة نفس الأمر، وهو ما يُسمى بمرحلة "النضج العاطفي". يحدث القبول والإعجاب، ثم مع الصلوات ومع المشورة، وأخذ الوقت الكافي لمعرفة الطرف الآخر يتم الارتباط. لكن إن حدث أن الشاب أهدر عاطفته قبل الارتباط، لا يجد ما يقدمه للفتاة التي سيرتبط بها يومًا من الأيام، فيكون كمثل شاب يركب الترام وتراه كل محطتين أو ثلاث يقوم بتمزيق ورقة مالية، مئة جنيه مثلًا، ليلقيها في الهواء من شباك الترام! فترى أنه شخص مجنون لا يقدّر قيمة المال، هذا المثال البسيط للشاب أو الفتاة اللذين يقيمان علاقات بلا معنى، وهذا يفسّر سبب الشجار والانفصال بين الزوجين بعد ما كان يبدو بينهما من مشاعر الحب، لأن هناك ما يُسمى بإناء المشاعر، فحينما يمتلئ القلب بالمشاعر يصبح لديه خزين ثمين يقدمه لشريكه، والقلب الممتلئ بتلك العاطفة النقية هو أثمن من كل الهدايا المادية من ذهب وغيره. بولس الرسول يوصي تلميذه تيموثاوس، الذي كان شابًا، قائلًا: «احفظ نفسك طاهرة» (1تي5: 22)، ونفس الكلام ينطبق على الشاب والشابة اللذين يتجهان للرهبنة أو التكريس، يمتلئ إناء المشاعر وتصبح هذه العاطفة موجّهة لله.كلمة الحب مكوّنة من حرفين، فلنقل أن الـ"ح" حياة، والـ"ب" بقاء- أي أن الحب هو بقاء الحياة، فبدون حب لا توجد حياة. والكتاب المقدس ذكر كلمة حب أكثر من ٢٥٠ مرة. وأكثر سفر نسميه سفر الناضجين الذين نضجوا روحيًا، هو سفر نشيد الأنشاد الذي يتكلم عن المحبة، وجعل حبه الأوحد هو حب المسيح للنفس البشرية. توجد خمس احتياجات لدى أي إنسان: احتياجات بيولوجية أي جسدية، نفسية، عقلية، اجتماعية، وروحية. الاحتياجات الجسدية مثل الطعام والشراب والملبس والمسكن... النفسية: كالحاجة إلى التشجيع، الأمان، الحرية، الحب والاحتواء سواء من الأهل أو من الأصدقاء. احتياجات عقلية: من خلال القراءة، السفر، الاطلاع... احتياجات اجتماعية: كل إنسان يحتاج مجتمع ينتمي إليه: وطن، مدرسة، جامعة، نقابة.. وأخيرًا احتياجات روحية: الإنسان محتاج إلى الله. في كتب الدراسات النفسية يقولون إنه احتياج للمطلق، للخلود. لكن تُرى ما هو أهم هذه الاحتياجات؟ بعد دراسات كثيرة، قالوا إن أهم هذه الاحتياجات هو الحاجة إلى الحب، هو المفتاح. لمّا رأى الله الإنسان غارقًا في خطاياه، نزل ليتمم الفداء لكل البشر، ويقول: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16)، لأنه يعرف أن مفتاح قلب الإنسان هو الحب. «هكذا أحب الله العالم»: كل البشر في كل مكان في كل العصور. لذلك أيها الشاب والشابة، عندما تبدآن بناء أسرة مقدسة يجب أن تكون العاطفة عندكما كاملة، ناضجة، نقية، طاهرة. في الإكليل يصلي الكاهن: "املأ قلبيهما بالمحبة الروحانية"، فهناك أنواع من الحب، أشهرها ثلاثة: حب الشهوة، الذي يبدأ وينتهي سريعًا جدًا. الحب الثاني حب (الفيلو)، وهو حب اجتماعي، ويندرج تحته حب العمل أو المكان أو الوطن. النوع الثالث حب روحاني، وهو المقصود في طلبة الإكليل، المحبة التي على مستوى حب المسيح للكنيسة «أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها مطهِّرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس بها ولا غضن»، غضن معناها (الكرمشة) أي لتظل كنيسة المسيح صبية، كذلك يبقى الزوجان شبابًا حتى وإن تقدم بهم العمر وكبر أولادهما، لكن تظل نظرتهما إلى بعضهما نظرة شبابية، وحبهما لبعضهما قويًا ويزداد قوة يومًا بعد يوم.الحب هو فن إسعاد الآخر، وهو ليس بكلام سرعان ما يتبخر في الهواء، هذا هو أرخص أنواع الحب، لكن بالعمل والتفنُّن في إسعاد الآخر، وإسعاد الوالدين لأبنائهما، وهذه هي قيمة الأسرة. أهم ملامح فن إسعاد الآخر ألّا يكون هناك أنانية، لذلك أنصحك ألّا تتزوج إن كنت أنانيًا، ولا حتى أن تتقدم للتكريس أو الخدمة، لكن انتبه لنفسك. فالحب الحقيقي هو في إسعاد الآخر، أمّا حب الإيروس، وحب الفيلو، والحب الذي نشاهده على شاشات التلفزيون، هو حب تجاري. احفظ مشاعرك نقية طالما انتويت أن تؤسس بيتًا مسيحيًا مقدسًا قائمًا على أن «اثنين خير من واحد» (جا4: 9)، وأن «الخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا» (جا4: 12)، لأن الرابطة الزيجية هي رابطة ثلاثية؛ هي وهو والمسيح، الثلاثة مع بعضهم، بحيث يكون المسيح هو مركز الحياة. في الزواج المسيحي يدرك الشريك أنه يستلم شريكه من يد المسيح نفسه، لذلك تكون قيمته غالية جدًا، ومكانته أعلى من الجميع بالنسبة لشريكه.في سفر النشيد يقول العريس للعروس: «أريني وجهكِ، أسمعِيني صوتكِ» (نش2: 14)، هكذا مع زوجتك، تحب أن تراها وتسمع صوتها فتتبادلان العاطفة بينكما. يقولون إن الوجه المحبوب مرغوب.احذروا إذًا ممن يشوّهون قيمة الأسرة، فالأسرة المسيحية تقوم على أساس: «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أم27: 7)، فالنفس الشبعانة بالحب تدوس أي إغراء. ابدأوا في البناء العاطفي، والاتحاد بعاطفة نقية حقيقية. ولنلاحظ أربعة أشياء هي أغلى هدايا يُعبَّر بها عن الحب: الهدية الأولى هي الوقت: أغلى هدية تقدمها لأحد أن تجلس لتتكلم معه، وهو احتياج حقيقي، حتى أن الله لمّا خلق آدم قال: ليس حسنًا أن يكون آدم وحده، بل أخلق له معينًا نظيره لكي يتكلم معه، لأنه كان يسكن مع الحيوانات فلا يتبادل حديثًا مع أحد، فمن عظامه خلق حواء، لها نفس رجاحة عقل آدم ليتكلما. لذلك احترسوا مما يسرق الوقت لأنه يسرق عمرك! فبدلًا من أن تجلس مع خطيبتك أو زوجتك أو أولادك كل يوم لتتكلموا في كل الأمور، يصبح الحديث في التليفون أو الانشغال به حاجزًا يفقد الشخص تركيزه مع أسرته وأولاده. الهدية الثانية هي كلام التشجيع: كلام المشاركة، الكلام المفرح، وتجنُّب الكلام الجارح الذي يؤذي أكثر من الرصاص. الهدية الثالثة شكل من التعبير عن الحب هو الهدايا: ليس بقيمتها أو شكلها، إنما بما يحبه الشخص. فالهدايا البسيطة الجميلة ليست بغلو ثمنها وإنما بقدر ما تحمله من مشاعر رقيقة. وأخيرًا، الهدية الرابعة هي المفاجآت اللطيفة: حتى ولو كانت صغيرة، قد تكون رحلة، نزهة... المفاجآت تنعش الحياة، والكلام هنا للطرفين بالتساوي. الخلاصة: عن طريق الاتحاد العاطفي تُبنى الثقة، والثقة تحتاج إلى الأمانة والوضوح والتقدير والحنان، الاشتياق للآخر والانشغال بالآخر. ليحفظكم الرب ويبارك حياتكم، ولتكن كل أسرة فيكم أسرة مقدسة. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل