المقالات

08 يناير 2024

وبالناس المسرة

المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (لو ١٤:٢) هذه كانت أنشودة جمهور الملائكة، بعد أن بشروا الرعاة بميلاد المخلص فما معنى بالناس المسرة»، ومتى يسر الله بنا؟ ليس معناها أن المسرة دخلت في قلوب الناس مع أن هذا ما حدث فعلاً، إذ قال الملاك: «فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسـيح الرب (لو٢ ۱۱.۱۰ ) وقد فرح العالم كله بميلاد السيد المسيح اليهود (الرعاة)، والأمم (المجوس) الكل فرح بميلاد المخلص فعلاً، لكن المعنى الحرفي لهذه الآية «أن الله أصبح مسرورا بالناس»، أو أن «مــــســــــرة الله صارت في الناس» وهذا ما قاله الرب في العهد القديم: «ولذاتي مع آدم (أم۳۱:۸) فحين خلق الله الإنسان خلقة لكي يعطيه السعادة والفرح ويجعله شريكا له في أمجاده وملكوته ولكن لما أخطأ الإنسان، صارت هناك خصومة بين الله والإنسان، فصار على الإنسان حكم الموت، وفي داخله طبيعة فسدت بالخطيئة. فماذا فعل الله لأجل الناس؟ أخرج الله الإنسان من جنة عدن حتى لا يأكل من شجرة الحياة، ويحيا في فساد باستمرار، أخرجه بعد أن أعطاه وعدا بالخلاص وأضع عداوة بين وبين المرأة وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه (أى الشيطان)..» (تك١٥:٣).وبالفعل حينما ولد السيد المسيح الإله المتجسد وظهر الله في شكل إنسـان استطاع أن: يعلمنا طريق الخلاص. يموت نيابة عنا على الصليب. يسكن فينا بالإفخارستيا(التناول). وهكذا تخلص الإنسان من المشكلتين: ١- حكم الموت... إذ مات المسيح عنا. ٢-فساد الطبيعة حين طهرنا المسيح بدمه. ولهذا صار الإنسان موضع مسرة» الله وصار الله مسرورا بالإنسان وانتهت الخصومة، واصطلح الإنسان مع الله؟ ولكن بمن يسر الله؟ الله يفرح بالخاطئ إذا تاب. والتائب إذا شبع روحيًا وأثمر . والمثمر إذا خـدم الآخرين. وتدور الدورة مرة ومرات لأن هذا الخادم سيساعد آخرين على التوبة، وبعد أن يتوبوا يشبعوا روحيًا ويثبتوا في الرب، ويثمروا ثمار الروح، وحينئذ يتحولون هم أيضا إلى خـدام وخادمات، وهلم جرا ! نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
15 ديسمبر 2023

لقاء قي الفردوس مع مريم وأول موكب للتسبيح !

إذ التقيت بمريم أخت موسى وهارون، قلت لها "هالني أول موكب للتسبيح للرب في تاريخ البشرية، حيث رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبحة للرب،وقالوا: أرنم للرب فإنه قد تعظم... فأخذت مريم النبية أخت هرون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص، وأجابتهم مريم رنموا للرب فإنه قد تعظم» (خروج ۲۰۰۱:۱۵-۲۱). اسمحي لي أن أسألك لقد عاش أخوك قرابة ٤٠ عاما في القصر الملكي الوثني، و ٤٠ سنة في البرية، فمن الذي علمه التسبيح ؟ وعشت أنت وهرون أخوك تعانيان منذ طفولتكما من مرارة الشعب الذي كان تحت السخرة والمذلة. حيث فقد شعبكما الفرصة للتجمع المتهلل بالتسبيح، فمن علمكما مع الشعب هذا التسبيح ؟ أخبريني هل كان للشعب الذي يصرخ بمرارة من أجل العبودية (خروج ۲۳:۳) أن يعلم أطفاله وشبابه التسبيح ؟ هل كان الشيوخ والرجال والنساء يحملون روح التسبيح بينما كانوا يعانون من السخرة كل يوم ؟ أجابتي مريم "حقا ما تقوله كان بمثل حالنا المؤلم للغاية، إذ كان أقسى بكثير مما عاني منه أولادنا وبناتنا فيما بعد في أرض السبي ببابل، الذين قالوا: «على أنهار بابل جلسنا. على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا. كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة" (مزمور ۱۳۷) لكنني أود أن أخبرك أن الضيق هو أعظم مدرسة تعلمنا بنعمة الله التسبيح، وترفع قلوبنا كما إلى العرش الإلهي لتنضم إلى خورس السمائيين كمثال بذلك عاش داود الملك والنبي يعدنا بقرون يعاني من الألم منذ صباه حتى نهاية حياته على الأرض، وتخرج في مدرسة الألم "مرنم إسرائيل الحلو" (صموئيل الثاني١:٢٣ ) كل مزاميره التي بدأت بالصراخ من الألم، انتهت بالتسبيح والشكر، كالقول "يارب رحمتك إلى الأبد" (مزمور ۸:۱۳۸) أو ما يعادلها. وفي وسط الضربات العشرة في مصر كلما تقسى قلب فرعون كنا جميعا نجتمع بالروح ونلمس مراحم الرب العجيبة وعندما أثار الشيطان فرعون وجنوده أن يلحقوا بنا بعد خروجنا لقتلنا، ولم يكن أمامنا طريق للهروب، فتح لنا الرب طريقا يابسا في البحر، وأعلن لنا عن حبه العجيب ورعايته لنفوسنا، كنا تسير في الطريق الضيق والمياه عن يميننا وعن يسارنا،أما بصيرتنا الداخلية فتمتعت بالسماء المفتوحة وقلوبنا اشتركت مع القوات السماوية في التسبيح، وإن كانت ألسنتنا قد صمتت تماما، فلم تجد وقتا للحديث مع بعضنا البعض .أريد أن أسالك تطلع هنا إلى أطفال بيت لحم وهم خير من يشتركون مع السمائيين في التسبيح، من علمهم التسبيح ؟ صمت قليلاً ثم قلت لها " قولي لي كلمة منفعة يا أيتها النبية المرنمة ، إذ قدت النساء بدفوف ورقص وأنت قد تعديت التسعين من عمرك "أجابتني: "ليت معلمو التسبيح في الكنيسة يراعون أن ترتفع قلوبهم للتسبيح بخشوع وتواضع ومخافة الرب. ولا يتشامخون بأنهم حفظة للتراث الكنسي. ليت كل شماس يدرك أنه إن انفرد باللحن، وتشتت فكر أي مؤمن في الكنيسة لعدم شركته في التسبيح، يطلب دم هذا المؤمن المسكين من هذا الشماس ليت كل قائد في الكنيسة أيا كان دوره ألا يعجب بصوته أو ينطق بكلمات مضغومة لا يفهمها المتعبدون، ليته يدرك أنه يخطئ في حق الله ويستهين بخلاص إخوته الكنيسة ليست مسرحا للتمثيل بل هو موكب يصعد من مجد إلى مجد(كورنثوس الثانية ١٨:٣ )حيث يصرخ كل قلب "اجذبني وراءك فنجري(نشيد١:١). القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس سبورتنج
المزيد
21 نوفمبر 2023

الكتاب المقدس وأثره في الحياة الروحية (ب)

ذكرنا في العدد الماضي أن أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن تأتى من أنه كلام الله ونستكمل موضوعنا ٢- الكتاب المقدس هو تاريخ البشرية ففيه دراسة لتاريخ البشرية من بدايته إلى نهايته، وفيه نلمس معاملات الله مع النفس البشرية على اختلاف أحوالها وأنواعها، إنه مدرسة لأخذ الخبرات.فمثلاً في سفر التكوين نتعرف على خبرة آدم وحواء في خطوات السقوط، وأثار الخطية ووعد الخلاص، وفي قصة قايين نتعرف على ضرورة وإمكانية النصرة على الخطية، وعلى خطوة الخضوع لصوت العدو. وفى إبراهيم نتعرف على معنى تبعية الرب في إيمان وثقة، وفي إسحق نثق في مواعيد الله الصالحة، وفي يعقوب نتعرف على خطورة التسرع والخداع والعاطفة، كما نتعرف على أسلوب التصالح مع الناس. ومن يوسف نتعرف على حنان الله إذ يدبر خلاص الجميع، ومع يشوع نتعرف على سر النصرة في أريحا، وسر الهزيمة في عاى وفى القضاة نرى أبطال إيمان، ونتعرف على بركات الطهارة، وخطورة الانحراف في شمشون وهكذا وهكذا. مدرسة واسعة متعددة المراحل تبدأ في التكوين، وتنتهي في الرؤيا حيث صراع الكنيسة والعالم، ونصرة الله النهائية خبرات لا تنتهى نأخذها كعصارة جاهزة لبنياننا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (اکو ۱۱:۱۰). ٣- الكتاب المقدس هو مكان لقاء واتحاد مع الله إذ أننا حينما نجلس هادئين متأملين في كلمة الله نتقابل مع الرب، وسرعان ما تتحد به أنفسنا. إن فرصة دراسة الكتاب حين تكون بروح الصلاة والحب لله تصير شبيهة بجلسة مريم عند قدمى المسيح حيث "اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها " (لو ٤٢:١٠). وما هو النصيب إلا الرب الرب لن ينزع منها، فقد اتحدت به وأحبته وتحولت بسبب كثرة الجلوس عند قدميه، إلى شبه صورته القدسية. ألم يقل الرسول: «ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرأة نتغير إلى تلك الصورة، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح» (٢كو١٩:٣) ألم يقل أيضا: «لأن الذين سبق فعرفهم سبق ليكونوا مشابهين صورة ابنه(رو ۲۹:۸) إن مداومة القراءة في كلام الله بروح الصلاة، تعطى النفس اتحادا وثباتًا شخصيا، في الرب يسوع ختامًا فلنسمع ذلك القول المأثور: يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس يهمل الكتاب المقدس. وباختصار الكتاب المقدس يكشف لى حاجتي إلى الله وانتظار الله لى... إنه نقطة لقاء الخاطئ المسكين مع قلب الله المحب. إن فقرة واحدة قرأها أوغسطينوس كانت كفيلة بأن تخلص نفسه وتجعل منه قديسا في الكنيسة. إنها الآيات التي وردت في (رومية ١١:١-١٤) افتح كتابك الآن واقرأها بخشوع وتأمل لتدرك أثر الكتاب في حياتك، والرب معك. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
29 يناير 2024

القديس أنطونيوس الكبير أبي الرهبان وكوكب البرية 356

كاتب القصة: في أواسط القرن الرابع للميلاد فاحت رائحة فضائل القديس الأنبا[1] أنطونيوس الذكية في أرجاء العمورة. فكتب بعض المتوحدين الأتقياء في الغرب[2] إلى القديس أثناسيوس الرسولي 373+ مستفسرين منه عن صحة الأمور العجيبة التي قيلت عن هذا الحبيس[3] البار، والناسك القديس. فأجابهم القديس أثناسيوس بكتاب باليونانية شرح فيه بالتفصيل ما رآه بنفسه أو سمعه ممن عاشروا الأنبا أنطونيوس. ويقول في مقدمته: «… إنني أسرعت في الكتابة إليكم عما أعرفه أنا شخصياً إذ رأيت أنطونيوس مراراً، وعما استطعت أن أتعلمه منه، لأنني لازمته طويلاً، وسكبت ماء على يديه، وفي كل هذا كنت أذكر هذه الحقيقة أنه يجب أن لا يرتاب المرء إذا ما سمع كثيراً، ومن الناحية الأخرى يجب أن لا يحتقر الرجل إذا ما سمع عنه قليلاً» وقد نُقلت هذه القصة إلى السريانية[4]. أنارت سيرة القديس الأنبا أنطونيوس الطريق أمام جمهور غفير من الشبان، فتركوا العالم، وتبعوا الرب يسوع، وامتلأت برية مصر بالمتوحدين والمتوحدات، والرهبان والراهبات، بل ازدهرت حياة الرهبانية في العالم المعروف. ذلك أن القديس أثناسيوس كاتب قصة حياة القديس أنطونيوس، حملها إلى روما في زيارته إياها عام 339، وأشاع في إيطاليا طريقة الأنبا أنطونيوس في النسك فانتشرت وكانت أقوى عامل لازدهار الحياة النسكية في غرب أوربا، ولما درسها أوغسطينس 430+ بعدئذ ساعدت على توبته[5] وقد وصف القديس أثناسوس القديس أنطونيوس بقوله: «إنه أبو الرهبان وكوكب البرية»، ويعد أول مصابيح البرية ومؤسس الرهبنة التي هي فلسفة المسيحية الروحية. نشأة مار أنطونيوس: ولد أنطونيوس في بلدة «قِمَن» (وهي كوم العروس اليوم) في صعيد مصر، حوالي سنة 251م من أسرة مسيحية تقية وتربى في كنف والدين فاضلين أحبهما كثيراً وأطاع أوامرهما، وكان يرافقهما بالذهاب إلى الكنيسة لعبادة اللّـه بالروح والحق.لم يكن للفتى أنطونيوس رغبة في تحصيل العلوم الدنيوية، فنشأ أمياً أو شبه أمي، ولكنه كان يتلذذ بسماع كلمات الإنجيل المقدس، ويحفظ عن ظهر قلبه حوادثه، وآياته الكريمة.ولما أكمل العشرين من عمره نال سر العماد المقدس. وبعيد ذلك بمدة قصيرة انتقل والداه إلى الخدور العلوية تاركين له مالاً دثراً، وأختاً وحيدة أصغر منه ألقيت على عاتقه مسؤولية العناية بها. اعتزاله العالم: تألم أنطونيوس جداً على وفاة والده، ووقف يتأمله وهو جثة هامدة باردة ويقول: أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة سوى توقف هذا النفس الضعيف!؟.. وخاطب أنطونيوس أباه الميت قائلاً: «أين هي عزيمتك، وأمرك، وسطوتك العظيمة، وهمتك العالية بجمع المال الكثير!؟ إنني أرى أن ذلك قد بطل، وقد تركت كل شيء ورحلت.. فيا لهذه الخسارة الفادحة، والحسرة الجسيمة! فإن كنت أنت يا أبتاه قد تركت هذا العالم مجبراً، أما أنا فسأعتزله طائعاً، كيلا يخرجوني منه مثلك يا أبي كارهاً»[6]. بدأ أنطونيوس الشاب التقي يكثر من التأمل بحقارة هذا العالم وبأمجاد السماء. وحدث مرة بينما كان يصلي في الكنيسة، والكاهن يتلو الإنجيل المقدس، جذب انتباهه قول الرب للشاب الغني: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت19: 21). واعتبر أنطونيوس كلام الرب يسوع موجهاً إليه. وأن الرب بهذا الكلام يدعوه ليترك كل شيء ويتبعه كما فعل الرسل الأطهار (مت19: 27ـ 29) فللحال خرج أنطونيوس من الكنيسة، وعاد إلى بيته مصمماً على أن ينفذ الوصية بحذافيرها، فوزع على الفقراء ما ورثه من والديه من مال وعقار، ومن جملة ذلك ثلاثمائة فدان من الأراضي الممتازة، واحتفظ لأخته بيسير من المال فقط. وقد ازداد إيماناً واندفاعاً عندما سمع الرب يقول أيضاً في الإنجيل المقدس: «فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، وماذا نشرب، وماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن أطلبوا أولاً ملكوت اللّـه وبره، وهذه كلها تزاد لكم، فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره» (مت6: 31ـ 34). لما سمع الشاب أنطونيوس هذا الكلام وزع البقية الباقية من الإرث على المحتاجين، وأودع أخته بيتاً لبعض العذارى التقيات، واعتزل العالم، وانفرد متنسكاً في مكان قريب لبلدته، إذ لم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد[7] وبدأ يسترشد ببعض المتوحدين، فقد كان في القرية المجاورة واحد منهم طاعن في السن وقد اعتزل الناس منذ نعومة أظفاره ـ والعزلة عبادة ـ فكان يتعبّد مكثراً من الصوم والصلاة، فقصده أنطونيوس وسمع منه عن حياة الزهد، والنسك، والتوحد، واقتدى بسيرته الفاضلة، كما قصد أنطونيوس غيره من المتوحدين الذين سبقوه في طريقة النسك هذه، وأخذ عنهم ذلك وأفاد من خبرتهم لبلوغ الكمال المسيحي، وشابه بذلك النحلة التي تنتقل من زهرة إلى أخرى ترتشف الرحيق لتعطي الشهد الفاخر.وخرج أنطونيوس بعدئذ هائماً على وجهه في البرية حتى وصل إلى شاطئ النهر فسكن إلى جانب جميزة، وصادف أن شاهد مرة نسوة يستحممن في النهر أمامه، فلامهن قائلاً: أما تخجلن مني وأنا رجل متوحد أعبد اللّـه في هذا المكان!؟ فأجابته إحداهن: على المتعبدين المتوحدين أن يعبدوا اللّـه في البرية الداخلية لا على ضفاف الأنهار، فاعتبر أنطونيوس هذا الكلام رسالة له من اللـه، فترك المكان حالاً وسكن في البرية الداخلية حيث أقام له صومعة قرب وادي العربة.جهاده في حياة النسك، والتجارب التي طرأت عليه: وكان الشيطان يحاربه بالملل والكسل، كاد أن يغلبه مدخلاً اليأس في قلبه، فسئم أنطونيوس حياة النسك، وشعر كأن الصلاة عبء ثقيل، وأمام هذه التجربة الصعبة سكب أنطونيوس نفسه أمام اللّـه بتواضع، وذرف الدموع السخينة، وهو يطلب حياته الروحية، فظهر له ملاك الرب بشكل رجل متشح برداء طويل ومتمنطق بمنطقة من جلد ولابس زنار صليب كالإسكيم وقد غطى رأسه بقبعة، وهو جالس يضفر الخوص، ثم يقوم يصلي، ويعود يضفر الخوص، ثم يقوم ثانية للصلاة، وأنطونيوس يتأمله مندهشاً، فالتفت أخيراً إلى أنطونيوس قائلاً له: «اعمل هكذا تسترح» ثم اختفى عنه، فعلم أنطونيوس أن الرب أرسل ملاكه ليعلمه كيفية عبادة اللّـه بالصلاة وعمل اليدين، فاتخذ أنطونيوس زي الرهبنة وخاصة الإسكيم الرهباني على الشبه الذي كان الملاك متشحاً به، وأكثر من العمل في ضفر الخوص، وهكذا تخلص من تجربة الملل والكسل، وعاد إليه نشاطه وعلو همته في الصوم والصلاة وعمل اليدين. وكان ينفق جزءاً مما يحصل عليه من عمل يديه لأجل القوت ويوزع الباقي على الفقراء. أنطونيوس كثيراً وبكاه بكاء مراً. واهتم به وكفنه بعباءته التي أهداها اليه الأنبا اثناسيوس الرسولي البابا الاسكندري العشرون، وصلى عليه وأودعه لحداً حفره أسدان أرسلهما اللّـه اليه، وأخذ قميصاً من خوص كان عليه ورجع الى تلاميذه وأخبرهم بقصته، وقد عمَّر الأنبا بولس نحواً من مئة وثلاث عشرة سنة. ولما شعر القديس الأنبا انطونيوس بدنو أجله، جمع تلامذته الرهبان ووعظهم، وأوصاهم أن يدفنوا جسده في التراب ويخبئوه تحت الأرض. وأناط هذه المهمة إلى تلميذيه أماثاس وكاريوس، ومما قاله في وصيته: «حافظا على كلمتي حتى لا يعرف المكان أحد سواكما. لأنني في قيامة الأموات سأتقبل جسدي بلا فساد من المخلص» وأمر بتوزيع ثيابه وأن تعطى للأسقف أثناسيوس (الفروة) أي جلد الخروف والرداء الذي كان مضطجعاً عليه والذي أعطاه إياه جديداً الأسقف أثناسيوس نفسه، ولكنه عتق مع القديس أنطونيوس. وإن تعطى (الملوطة) الجلد لتلميذه انكونيوس الاسقف سرابيون. وان يعطى عكازه لتلميذه الانبا مكاريوس وأن يحتفظا لهما بالثوب المصنوع من الشعر وأن يأخذا أيضاً ما تبقى له، ومما قاله لهما : «أما الباقي فخذاه يا ولديَّ لأن انطونيوس راحل ولن يبقى معكما فيما بعد». وهكذا رقد بالرب وكان عمره مئة وخمسين سنة. وذلك في 17 كانون الثاني ( يناير) عام 356م، وقام بدفن جسده حسب وصيته تلميذاه اماثاس ومكاريوس[18] وتعيد له كنيستنا السريانية المقدسة وبقية الكنائس في 17 كانون الثاني من كل عام. ومما هو جدير بالذكر أن القديس الأنبا أنطونيوس حتى ساعة انتقاله الى الخدور العلوية، لم تضعف قوته، ولا تناثرت أسنانه ولا تغيرت سحنته. وبحسب نبوته أزدهرت الرهبنة فقبل وفاته كان عدد الرهبان الذين يدبرهم في مصر قد بلغ مائة ألف، ولم تنقض خمسون سنة بعد ذلك حتى كان عدد الرهبان في براري مصر مساوياً تقريباً لعدد سكان البلاد[19]. وظلت رفاته مخفية حتى عام 561م حين اكتشفت، ووضعت في كنيسة بمدينة كابون القريبة من الإسكندرية، ونقلت عام 635م إلى القسطنطينية، وفي القرن الحادي عشر إلى مدينة فيينا في شمال مارسليا فرنسا واستقرت أخيراً في كنيسة يولياني في مدينة آرل الواقعة على مصب الرون غرب مارسيليا. وقد ظهرت منها معجزات كثيرة[20]. دائرة الدراسات السريانية
المزيد
06 سبتمبر 2023

الجدية

ربما تتصف بعض علاقتنا بالناس بالجدية، ولكن هل علاقتنا بالله لها نفس طابع الجدية؟ هل وعودنا لله هي وعود جادة؟ وهل قراراتنا الخاصة بحياتنا الروحية هي قرارات جادة؟ أم نحن نعد ولا ننفذ، نقرر ولا نفعل، كما لو كنا غير ملتزمين بشيء؟ هل نذورنا لله هي نذور ثابتة تتصف بالجدية؟ أم نحن نبرم مع الله اتفاقات هامة في لحظات حرجة من حياتنا، ثم يزول الحرج فنلغى كل اتفاقاتنا، ونحاول تغييرها؟ وحينما نتقدم للتناول من السرائر المقدسة، عازمين من كل قلوبنا على حياة مقدسة مع الله، هل نحتفظ بهذا الشعور، أم ننسى تعهدات قلوبنا، ولا نسلك بجدية في حياة التوبة..؟! هل لنا خط واضح معروف نسلك فيه بثبات، أم نحن كريشة تتجاذبها الرياح بلا جدية؟ هل هذه الجدية في الحياة الروحية، تلتزم بمبادئ معينة من النقاوة بلا انحراف، ومن وسائط النعمة بلا كسل، ومن الخدمة بلا تراخ؟ القديسون الذين تابوا، مثل موسى الأسود وأوغسطينوس ومريم القبطية، كانت توبتهم تتصف بالجدية، فلم يعودوا مطلقًا إلى حياتهم القديمة التي تركوها بلا رجعة والذين أقاموا مع الرب صداقة وعشرة، لم يخونوه في هذه الصداقة، بل ظلوا مخلصين له في جدية، يشعرون بالتزام قلبي وعملي من نحو محبته الجادون في حياتهم الروحية، لا تزحزحهم التجارب ولا الإغراءات ولا ينسون مطلقا أنهم هياكل الله وان روحه ساكن فيهم، ولا ينسون أنهم أبناء الله، وأنهم يجب أن يظلوا محتفظين بصورته ومثاله الجادون في حياتهم الروحية، تظهر الجدية في كل مظهر من مظاهر حياتهم في كلامهم، وفي تصرفاتهم، وفي خدمتهم، وفى عبادتهم، وفي علاقاتهم بالآخرين، وفى موقفهم الحازم من الأفكار ومن المشاعر المحاربة للقلب إنهم أصحاب مبادئ، ولهم التزام تجاه مبادئهم ليتنا نعيش جميعا بهذه الجدية، فهي صفة من صفات أولاد الله. وهى دليل على الثبات. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
28 أكتوبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر بابه( مر 4 : 35 - 41)

" وقالَ لهُمْ في ذلك اليوم لَمّا كانَ المساءُ: لَنَجتَزْ إلى العبر. فَصَرَفوا الجَمعَ وأخذوه كما كانَ في السَّفِينَةِ. وكانَتْ معه أيضًا سُفنُ أخرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَتْ نَوْءُ ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تمتلئ. وكان هو في المؤخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نائمًا. فأيقَظوهُ وقالوا له: يا مُعَلِّمُ، أما يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكَ؟ فَقَامَ وانتَهَرَ الرّيح، وقال للبحر: اسكُتْ إِبكُمْ فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وصارَ هُدوء عظيم وقالَ لَهُمْ: ما بالُكُمْ خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكُمْ؟ . فخافوا خَوْفًا عظيمًا، وقالوا بَعضُهُمْ لبَعض مَنْ هو هذا؟ فإنَّ الرِّيحَ أيضًا والبحر يُطيعانه ". المسيح في مؤخر السفينة نائما:- أمر عجيب أن يكون المسيح في مؤخر السفينة، هكذا أراد المسيح للتلاميذ أن يجوزوا هذا الاختبار الصعب، فهو رب السفينة ومدبر السفينة فكيف يكون في مؤخرها؟ولكنه في مرات كثيرة يود لو يجوز بنا فيما لا ترغبه نفوسنا ولا نريده، ولكن على كل حال طالما خضعنا لتدبير الله في حياتنا وسلّمنا له قيادة نفوسنا ففي جميع الظروف التي يجيزنا فيها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا الرسل الأطهار صيادو السمك لم تكن تعوزهم الخبرة بالأنواء وتقلبات الجو والأمواج والرياح المضادة، فهذه ليست المرة الأولى التي يركبون فيها البحر وليس من جديد على أن كثيرًا ما يريد الرب أن نختبر ضعف ذراع البشر لكي لا نكون متكلين عليها "لا" تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص"فالرؤساء والمعتبرون وأصحاب الخبرات في كل المجالات لابد أن يدركوا أنهم في اللحظات الحرجة لا تسعفهم خبراتهم ولا غناهم ولا مراكزهم.أين ذهبت خبرة التلاميذ في الملاحة عندما هاج البحر؟ وعندما نصل إلى حد عدم الثقة في خبراتنا وإمكانياتنا وقوتنا حينئذ نتجه بكل قلبنا إلى طلب المعونة، فنجد عونًا في حينه "كان لنا في أنفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على أنفسنا لابد أن التلاميذ الأطهار بذلوا قصارى جهدهم وقاوموا حتى لم يبق أمل وأين كان المسيح لـــه المجد؟ إنه كان يراقبهم عن قرب فعيناه لا تغفل وإن بدا لنا نائما لقد كان السيد المسيح في مؤخر السفينة على وسادة نائما !! لقد سجل الروح هذا الأمر خصيصا لندرك أن الرب بالفعل شاركنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لقد مارس المسيح بالجسد كل ما لنا بالطبيعة وهو إذ دخل إلى هذه الأفعال البشرية قدسها وباركها وأعطاهـا كمـــال قوتها "باركت طبيعتي فيك" فكما بارك طبيعتنا البشرية وجعلها واحدًا مع لاهوته ورفعها إلى أكمل وأجل صورة لها، هكذا في جميع الأفعال والأقوال التي تصدر من الطبيعة جازت تجليا إلهيـــا فى المسيح. فهو حين أكل بارك أكلنا فصرنا نأكل لمجد الله "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا افعلوا كل شيء لمجد الله" فإن قيل عن رب المجد إنه نام فهو قد قدّس نومنا فصرنا إن نمنا أو استيقظنا فنحن له إن عشنا وإن متنا فنحن نحيا له ونموت له ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، إن عشنا للرب نعيش وإن متنا للرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" ولكن لا يفهم نوم الرب أنه نوم الغفلة !! حاشا فهو إن نام حسب الجسد لكنه لا يغفل ولا ينام ولا تسهو عينه بــل هو دائم أزلي أبدي منزه عن الضعف، ولكنه قبل الضعف من أجلنا بإرادته الكاملة فهو بإرادته نام بالجسد وبإرادته تألم ومات بالجسد ولكننا نقول دائمًا "قدوس الحى الذى لا يموت الذي صلب عنا ارحمنا" والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل يمكن أن تهلك هذه السفينة أو يصيبها ضرر والمسيح في وسطها؟ طبعا الجواب هو هذا من رابع المستحيلات. فإن كان الأمر كذلك فلماذا الاضطراب إذن ولماذا تخور نفوسنا وتضعف في أوقات التجارب؟يكفي أن نتأكد أن مسيحنا موجود في سفينتنا وهذا وحده كفيل أن يجعل سلامنا لا يهتز مهما عصف بنا نوء التجارب أو تقاذفتنا أمواج بحر هذا العالم الهائج لابد أن تكون فينا هذه الثقة أنه طالما هو في حياتنا فلن يلحق بنـــا أذى أو يصيبنا ضرر فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" صراخ الصلاة في وقت الشدة مسموع ومستجاب "ادعني وقت الضيق أنقذك فتمجدني"، وكلنا اختبرنا هذا الأمر وعندما نهرع إليه صارخين يسمع صراخ المساكين ويميل أذنه إلى طلبتهم قال الرب عن بني إسرائيل في القديم وهم تحت سخرة فرعون "سمعت أنينهم فنزلت لأخلصهم" صوت التلاميذ في أذني المعلم الإلهي وصراخ استغاثتهم دخل إلى مسامع رب الجنود وهذه الاستغاثة والصراخ إلى المسيح هــي بعينها الصلاة والطلب ، وقد جاء سؤال التلاميذ استنكاري دون قصد منهم لأنهم كانوا قد قاربوا الموت وقد لفهم الخطر فلا وقت لحساب في الكلام "لا يهمك أننا نهلك؟" حاشا. فأنت موضوع اهتمامه وحبه، ومن أجلكم نزل إلى الأرض واشترك في المشي مع الناس، ومن أجلكم أخذ صورة عبد، ومن أجلكم يتألم ويصلب ويرذل من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، ومن أجلكم صنع المستحيل وما فوق المستحيل وبعد كل هذا يقال "أما يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه بالدرجة الأولى والعظمى، لقد جعل شعور رؤوسكم محصــاة فلا تسقط واحدة منها دون إذنه وأمره وقد أمن لكم الحياة فصارت حياتكم محسوبة له فمن يمسسكم يمس حدقة عينه، إذ كان مزمعا أن ينقش أسماءكم بالمسمار في كفه الإلهي فلا يجوز فينا هذا الفكر الذي راود قلب أورشليم فــــي القديم فصرخت تقول: قد تركني الرب وسيدي نسيني" فرد الرب عليها ببرهان الحق قائلاً "هل تنسى الأم رضيعها ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين أما أنا فلا أنساك". فلا ترحم فقام وانتهر الريح وقال للبحر " اسكت" ابكم فسكنت الريح وصار هدوء عظيم من أين للريح آذان فتسمع صوته؟ ومن أين لموج البحر إدراك فيطيع ويفعل ما أُمــــر به؟ هو أمر يفوق الخيال ولا يستوعبه ذهن إنسان ولكن الريح والبحر هما صنع يديه فإذا شاء غيّر ما يريده في صنعته فتتغير الطبيعة محكومة بقوانين وضعها صانعها، ولكنه واضع القوانين ومغيرها إذا أراد فلنمجده على رحمته التي يدركنا بها من العلاء ونمجد وجوده معنا ونشكر فضله وإحسانه علينا وليقل كلمة في حينها الحسن فتهدئ روعنا والعواصف التي بداخلنا فيصير هدوء عظيم وسلام الله يملك على قلوبنا. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
03 مارس 2024

زكا العشار(لوقا ١٩ : ١ – ١٠)

معنى اسم زكا هو الطيب عمله كان عشارا أي جابي ضرائب لصالح الرومان المحتلين ومن الواضح انه كان يجني اكثر من المطلوب فيظلم الناس. وعمله هذا سبب رفض الناس له. وبسبب هذا الرفض كان يعيش فراغا كبيرا ولدَ عنده عطشا حقيقيا لأن يتعرف الى يسوع ،فترك كل شيء وذهب ليراه عن قرب ولما لم يتمكن من ذلك بسبب الحشد الكبير و عوقه، حيث انه قصير القامة، استعان بشجرة الجميزة هي على الطريق من حيث سيمر يسوع فيراه كان له رغبة حقيقية ان يرى يسوع، ومن المؤكد ان هذه الرغبة جاءت مما سمعه عن يسوع من صفات محبة ورحمة وقبول الخاطىء واعمال ومعجزات زكا اعجب بكل ما سمعه من يسوع وبذل كل جهوده لأن يراه. نظر يسوع الى الأعلى حيث كان زكا صاعدا اعلى الجميزة، نظر اليه نظرة محبة وقبول ،نظرة ثاقبة وفاحصة لأعماق زكا المتلهفة لرؤية يسوع، فدعاه يسوع للنزول سريعا عن الشجرة لأنه اليوم سيقيم في بيته، مختارا اياه من بين كل الجموع ليدخل معه في علاقة وشركة رغم كونه مرفوض من المجتمع وخاطىء في نظر الآخرين الجميزة هي كل ما يساعدنا لنرتفع اعلى من واقعنا الأليم، مشاكلنا اليومية، جروحاتنا، خطايانا،عاداتنا البالية ،قيودنا البشرية الخ قد تكون الجميزة هي صلاتنا، قراءة الكتاب المقدس، التأمل في اسرار الله والأنسان، اعمال المحبة تجاه الآخر، هناك الكثير من اشجار الجميز على الطريق من حيث سيمر يسوع كل يوم الجميزة لا تحجب رؤيتنا للواقع الأليم الذي نعيشه بل تنقي نظرتنا فنميز يسوع حاضرا في واقعنا الأليم ، نميز يسوع مارا بالقرب منا في الناس اللذين نلتقي بهم كل يوم كل ما علينا فعله هو النظر الى الواقع بحثا عن يسوع لا بحثا عن حلول لمشاكلنا دعا يسوع زكا دعوة عامة امام الملأ جميعا وذلك ليسدد احتياجه للقيمة الأجتماعية فبدل رفض الجميع يمنحه يسوع قبوله الكامل ويرفع من مكانته الأجتماعية لم يتردد زكا في ان ينزل مسرعا الى بيته دلالة على ان زكا ما اراد رؤية يسوع بدافع الفضول بل رغبة حقيقية وعطش كبير للقياه واذ ما تم هذا اللقاء بقرب شديد بعد ان اقام يسوع عنده وسكن قلبه كانت لحظة التوبة عند زكا ،لحظة الندامة الحقيقية والتكفير عن كل خطاياه تجاه الآخرين، كان تحولاً لصورة جديدة ،كان تغيراً يهز الأعماق فيغير سلوك زكا الى ماهو الأفضل لخير الأنسانية جمعاء، كانت ولادة جديدة فقد بدء زكا بنزع الأنسان القديم ولبس الأنسان الجديد ،الأنسان المملؤ بنعمة الروح القدوس ،والسالك بحسب مشيئة الرب يسوع. شفى يسوع ازمة زكا النفسية بدعوته اياه باسمه امام الملأ ،بقبوله له بكل ما يحمل من عيوب وخطايا ،شفاه يسوع بمحبته الغافرة بعد اعلان زكا لتوبته وعمله التكفيري بارجاع اموال الآخرين اضعافا مضاعفة والآن يشفيه يسوع من ازمته الروحية بمنحه الخلاص لهذا البيت ،وبأعلانه انه ايضا هو من ابناء ابراهيم، وصفة ابن ابراهيم هي رمز واشارة لأبن الله فنحن ابناء الله بالتبني وبسبب رحمة الله الواسعة وعمل يسوع الخلاصي نحن نستحق الخلاص. والان لنرجع اليك... هل انت متجه الى حيث سيكون يسوع حاضرا (منتميا الى جماعة مؤمنين)؟ ماهو العوق الذي يمنعك من الالتقاء بيسوع لقاء شخصيا ؟ هل تبحث عن جميزة لتساعد نفسك قليلا لترى يسوع عن قرب؟ هل تعلم ان يسوع سينقي نظرتنا للواقع الذي نعيشه فتتغير طريقة تعاملنا مع هذا الواقع؟ هل اعيش خبرة لقاء شخصي بيسوع؟ هل اعيش الحرية التي نلتها من لقاءي بيسوع؟ حرا من قيود خطاياي، شافيا من آثار جروحاتي الطفولية؟ هل انا في شركة مع الرب يسوع كوني انا ايضا ابن ابراهيم، ابن الله؟
المزيد
25 أكتوبر 2023

التلمذة

التلمذة تبدأ في حياة الإنسان، ولكنها لا تنتهي وهذه التلمذة تأخذ في حياة الإنسان ألوانًا متعددة، تتنوع بحسب مراحل العمر التي يجتازها فمرحلة الطفولة تمثل التلمذة التي تصدق كل شيء التلمذة التي تطلب التعليم، وتسأل وتريد أن تعرف وتقبل كل شيء بلا جدل، وتلتقط بالاقتداء أشياء كثيرة وفى المرحلة الابتدائية والإعدادية مرحلة أخرى من التلمذة التي تفهم وتستوعب وفي المرحلة الثانوية التلمذة التي تناقش وتجادل وتختزن المعلومات بعد فحصها أما في المرحلة الجامعية، فنوع آخر من التلمذة التي تشترك في البحث وتحضير المعلومات، وتعتمد بعض الشيء على نفسها وبعد المرحلة الجامعية، تبدأ مرحلة أخرى من التلمذة على الحياة، حينما يدخل الشخص في خضم الحياة العملية مرحلة لا تحدد فيها المناهج، ولا تحدد مواعيد للامتحان، إنما يمتحن الإنسان عمليا في أي وقت، في أي شيء بلا سابق تحضير ولا استعداد وانتم تحتاجون أن تستعدوا لاختبارات الحياة ويمكنكم التلمذة على خبرات غيركم، وكذلك التلمذة على الكبار، على المرشدين والآباء الروحيين وكذلك يمكنكم التلمذة على الكتب يحتاج الإنسان أن ينهل من كل منابع المعرفة، بشيء من الحكمة والحرص والفحص وغربلة المعلومات تحتاجون أن تتعلموا الحياة وتعرفوا كيفية التصرف، وكيفية التعامل مع الناس ومع الرؤساء، وكيفية الكلام متى يتكلم الشخص، وكيف يتكلم، ومتى يكون حازما، ومتى يتساهل، ومتى يدقق، ومتى يعاقب، ومتى يسامح بل إن مُحِب التلمذة، يتتلمذ على كل شيء يتعلم النشاط من النملة، ويتعلم الإيمان من العصافير التي لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن وأبوكم السماوي يقوتها سعيد مَنْ يعيش تلميذًا طول عمره يتعلم أكثر مما يعلم غيره ويزداد كل يوم علمًا ومعرفة ويكون له التواضع الذي يقبل به التعليم من كل أحد ومن كل شيء. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
09 أكتوبر 2023

كيف تحب الآخرين ؟

(المحبة ) لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق(١كو ١٣ : ٦) المحبة تتمنى لمن تحب أن يسلكوا في الحق وليس في الإثم أو الباطل هي تحزن لأجل من يسلكون حسب هواهم في الشر وتتألم لأجلهم وتفضل دائماً أن تراهم في طريق الحق. معلمنا بولس الرسول كخادم كان يبكى حينما يتذكر الذين انحرفوا عن جادة الصواب من بين أحباته ومخدوميه وكتب يقول "كثيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً أذكرهم الآن باكياً وهم أعداء صليب المسيح " ( فى ۳ : ۱۸). المحبة لا يمكن أن تفرح بهلاك الخاطيء، لأنها تتشبه بالله الذي يشاء أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون »(١تى٤:٢) المحبة تحزن كثيراً من أجل البعيدين عن الله ومن أجل البعيدين عن الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية، وتتمنى أن يخلصوا ، وأن يُقبلوا إلى معرفة الحق السيد المسيح بكى على أورشليم قائلاً: «إنك علمت أيضاً ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أخفى عن عينيك ، لأنك لم تعرفى زمان افتقادك ) ( لو ١٩ : ٤٢ ) وعن محاولاته المتكررة مع أورشليم، لكي تسلك في طريق الحق، وتصنع مشيئة الله الذى أحبها قال «كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، وأنتم لم تريدوا مت ۲۳ : ۳۷، لو ١٣ : ٣٤) ظلت محبة المسيح تنتظر وتقرع على الباب، حتى رفضت بصورة واضحة، حينما سمرت على الصليب خارجاً عن أورشليم «تألم خارج الباب» (عب ۱۳ : ۱۲ ) ومع ذلك فإن السيد المسيح لم يرفض شعبه، ولكن بقيت محبته تنتظر توبتهم وعودتهم إليه إن أرادوا . مثال داود و شاول : حينما أخطأ شاول الملك إلى الرب، واختار الرب داود ومسحه ملكاً على اسرائيل بيد صموئيل النبي، ابتدأ شاول يحقد على داود ، وملأت الغيرة قلبه، وذلك بالرغم من أن داود لم يفعل شيئاً ليسيء إلى شاول على الإطلاق، بل قدم له بكل محبة وكان مخلصاً له على الدوام وحاول شاول الملك مراراً أن يقتل داود ولم يتمكن، وطارده في البرية عدة مرات، وانقذه الرب من يده. وفى النهاية هرب داود، ولجأ إلى أخيش معوك ملك جت .وبعد أن عاش داود شريداً، مطارداً من شاول لسنوات عديدة، جاء اليوم الذي قتل فيه شاول في معركة جبل جلبوع . وتوقع البعض أن يفرح داود بمقتل شاول وثلاثة من بنيه في أن بعضهم اسرع ليبشر داود بهذا الخبر. وكانت المفاجأة أن داود قد حزن كثيراً وتأوه، وصار يرثى بنشيد القوس شاول و يوناثان ورجال الحرب الذين قتلوا . وقال أن يتعلم بنو يهوذا هذا النشيد"اَلظَّبْيُ يَا إِسْرَائِيلُ مَقْتُولٌ عَلَى شَوَامِخِكَ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لاَ تُبَشِّرُوا فِي أَسْوَاقِ أَشْقَلُونَ، لِئَلاَّ تَفْرَحَ بَنَاتُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِئَلاَّ تَشْمَتَ بَنَاتُ الْغُلْفِ. يَا جِبَالَ جِلْبُوعَ لاَ يَكُنْ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْكُنَّ، وَلاَ حُقُولُ تَقْدِمَاتٍ، لأَنَّهُ هُنَاكَ طُرِحَ مِجَنُّ الْجَبَابِرَةِ، مِجَنُّ شَاوُلَ بِلاَ مَسْحٍ بِالدُّهْنِ. مِنْ دَمِ الْقَتْلَى، مِنْ شَحْمِ الْجَبَابِرَةِ لَمْ تَرْجعْ قَوْسُ يُونَاثَانَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَيْفُ شَاوُلَ لَمْ يَرْجعْ خَائِبًا. شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ الْمَحْبُوبَانِ وَالْحُلْوَانِ فِي حَيَاتِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي مَوْتِهِمَا. أَخَفُّ مِنَ النُّسُورِ وَأَشَدُّ مِنَ الأُسُودِ. يَا بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، ابْكِينَ شَاوُلَ الَّذِي أَلْبَسَكُنَّ قِرْمِزًا بِالتَّنَعُّمِ، وَجَعَلَ حُلِيَّ الذَّهَبِ عَلَى مَلاَبِسِكُنَّ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ فِي وَسَطِ الْحَرْبِ يُونَاثَانُ عَلَى شَوَامِخِكَ مَقْتُولٌ. قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ." (۲صم ۱ : ۱۹ - ٢٦ ) كان داود يغار على مجد الله، فلم يفرح بنصرة الوثنيين والغلف على شاول الملك وجيشه. كما أن عداوة شاول له لم تنسه الصداقة الأولى، والمحبة القديمة والعشرة الحلوة، فصار بيكي و ينوح على أحبائه القدامى كان داود يتمنى أن يخدم شاول، إذ كان من قواد جيشه، وأن يضع مواهبه كمسيح للرب في خدمة المملكة، وتزوج ميكال ابنة شاول ، وتمنى أن يسكن سالماً في كتف حماء الملك. ولكن أحلام داود تبددت أمام عاصفة الحقد التي اجتاحت حياة شاول ، أنه أوشك ان يقتل ابنه يوناثان لسبب محبته واخلاصه لداود حتى ولكن المحبة التي لا تفرح بالإثم ، بل تفرح بالحق، فى حياة داود ظلت أمينة إلى النهاية وصارت مثلاً يحتذى لجميع الأجيال .ولم يكن هذا أمراً عارضاً في حياة داود ، بل تكرر في علاقته بابنه ابشالوم الذى قام ضده وطرده من كرسيه في أورشليم. وطارده بجيش كبير ليقتله. ولكن داود بالرغم من ذلك كان يتوسل إلى قواد جيشه والجنود أن يترفقوا بالفتى أبشالوم . وحينما مات أبشالوم في المعركة انزعج داود وصعد إلى علية الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى يا ابنى ابشالوم یا ابنی ابشالوم يا ليتني مت عوضاً عنك يا ابشالوم يا ابنی (۲صم ۱۸ : ۳۳) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس عشر عام ١٩٨٩
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل