المقالات

24 يونيو 2019

لماذا اختار رسلًا

أراد السيد المسيح أن يكرّم عروسه المحبوبة -كنيسته المقدسة- بأن يشركها معه في العمل، فقال لرسله القديسين "كما أرسلني الآب؛ أرسلكم أنا" (يو20: 21). بحيث يحمل الآباء الرسل نفس رسالة الحب والمصالحة التي حملها السيد المسيح نفسه، صانعًا الفداء بدم صليبه يا له من شرف عظيم أن تشترك الكنيسة، بقوة الروح القدس العامل فيها، مع عريسها السمائي في توصيل بشرى الخلاص إلى كل البشرية، مؤيَّدة بخدمة الملائكة السمائيين الذين قال عنهم الكتاب: "أليس جميعهم أرواحًا خادمة، مُرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14) وقد اختار السيد المسيح اثني عشر تلميذًا ليكونوا معه وأرسلهم، ثم اختار سبعين آخرين لتكميل عمل الخدمة وأرسلهم كان شعب إسرائيل أثناء خروجهم في برية سيناء قد جاءوا إلى واحة اسمها إيليم وهناك اثنتا عشر عين ماء وسبعون نخلة. وشربوا من مياه الينابيع الاثني عشر وأكلوا من ثمار النخيل وانطلقوا بعد ذلك في رحلتهم في البرية (انظر خر15: 27). كانت الينابيع الاثني عشر إشارة إلى تلاميذ السيد المسيح الاثني عشر، والسبعين نخلة إشارة إلى السبعين الآخرين الذين أرسلهم بالفعل صار الاثنا عشر ينابيع لمواهب الروح القدس وهم الذين صاروا يمنحون عطية الروح القدس بوضع الأيدي في سر المسحة المقدسة وأيضًا في سر الكهنوت،كما قدّم السبعون رسولًا غذاءً حلوًا للشعوب التي حملوا إليها بشرى إنجيل الخلاص. رقم الاثني عشر قاله السيد المسيح لرسله الاثني عشر مثلما قال: "متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت19: 28) فمن الواضح أن السيد المسيح قد اختار تلاميذه بنفس عدد أسباط إسرائيل أو أبناء يعقوب الاثني عشر فمن الاثني عشر سبطًا تكونت كنيسة العهد القديم في إطار محدود. وبالا ثنى عشر رسولًا تكونت كنيسة العهد الجديد في المسكونة كلها. ولكن لماذا رقم الاثني عشر بالذات؟ أولًا: من الملاحظ أن السنة تتكون من اثني عشر شهرًا، أي أن الزمان يكمل بالنسبة للأرض باثني عشر شهرًا. مثل قول الرب لإبراهيم حينما ظهر له عند بلوطات ممرا:"إني أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة امرأتك ابن" (تك18: 10). والمقصود هنا إنها سوف يكون لها ابن في نفس الموعد في العام التالي في العام الواحد أي في اثني عشر شهرًا تكمل الأرض دورة كاملة حول الشمس. وتكمل كل فصول السنة بكل ما فيها من متغيرات وكمال العام باثني عشر شهرًا، يرمز إلى كمال الزمان. مثلما قال السيد المسيح: "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر1: 15) حقًا لقد أشرق شمس البر ربنا يسوع المسيح في ملء الزمان، حسب وعد الرب "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها" (ملا4: 2) لا توجد شمس لها أجنحة سوى ربنا يسوع المسيح، الذي بسط يديه -على خشبة الصليب- الممدودتين لاحتضان كل التائبين. ثانياً: نلاحظ أيضًا أن اليوم يتكون من اثنتي عشرة ساعة، كما قال السيد المسيح: "أليست ساعات النهار اثنتي عشرة. إن كان أحد يمشى في النهار لا يعثر، لأنه ينظر نور هذا العالم. ولكن إن كان أحد يمشى في الليل يعثر لأن النور ليس فيه" (يو11: 9، 10) إن السيد المسيح هو نور العالم.. والبشارة بالإنجيل هي نور العالم. ولهذا فقد حمل الاثنا عشر هذا النور، ونشروه في المسكونة لإنارتها كانوا اثني عشر ليحملوا أنوار ساعات النهار الاثني عشر. وكل منهم كانت ترمز إليه ساعة من ساعات النهار. كقول الرب عن يوحنا المعمدان "كان هو السراج الموقد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو5: 35). ثالثًا: رقم اثني عشر هو رقم ثلاثة (مضروبًا) في رقم أربعة (3 × 4 = 12). ورقم (3) هو إشارة إلى الثالوث القدوس وعمله في خلاص البشرية. أما رقم (4) فيشير إلى أربع اتجاهات المسكونة. أو يشير إلى الأناجيل أي البشائر الأربعة. وبهذا يكون رقم 12 هو إشارة إلى عمل الثالوث القدوس في خلاص البشرية في أرجاء المسكونة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر16: 15) "وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت28: 19، 20)،وبالفعل قيل عن الآباء الرسل "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز18: 4) من الأمور الجميلة أن الكنيسة تحتفل بعيد الآباء الرسل يوم 12 من الشهر السابع من السنة الميلادية كما أن رقم 12 يستخدم في حساب كثير من الأمور التي يتم إحصاؤها "بالدَسْتة"في حديث السيد المسيح عن جيوش الملائكة قال لبطرس الرسول: "أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة" (مت26: 53) وفي سفر الرؤيا رأى القديس يوحنا حول العرش في السماء أربعة وعشرين قسيسًا في أيديهم مجامر وقيثارات، ويرفعون بخورًا أمام الله هو صلوات القديسين (انظر رؤ5: 8). والملاحظ هنا أن رقم 24 هو ضعف رقم 12 لأن النهار على الأرض، اثنتا عشرة ساعة، أما في السماء فليس هناك نهار وليل، بل نهار دائم يرمز إليه رقم 24 (انظر رؤ21: 25) أما المئة وأربعة وأربعون ألفًا البتوليون غير الدنسين (انظر رؤ14: 3، 4)، الذين ظهروا في المشهد السماوي يتبعون الحمل (المسيح) أينما ذهب، فهؤلاء هم 12×12=144 مضاعفًا ألف مرة. فهؤلاء عاشوا حياة منيرة غير دنسة (12 ساعة)، وما فيها من نور هو بحسب الإيمان الرسولي (×12 رسول)، ويصعب حصر عددهم لكثرتهم (ألوف) ولعل هذا يذكرنا بتوبة أهل نينوى الذين قال عنهم الله: إنهم اثنتا عشرة ربوة من الناس، أي مائة وعشرون ألفًا. وهو رقم 12×1000×10 ويرمزون إلى الذين يحيون حياة النور بالتوبة، في أفواج يصعب حصرها (عشرات ألوف). وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي هل دبّر الله أن يكون النهار اثنتي عشرة ساعة، والسنة اثني عشر شهرًا، لكي يختار اثني عشر تلميذًا؟ أم اختار اثني عشر تلميذًا لأن النهار اثنتا عشرة ساعة، والسنة اثني عشر شهرًا؟ وللإجابة على ذلك نقول: إن المعنى الأساسي للرقم 12 هو الإشارة إلى الثالوث القدوس، في عمله من أجل خلاص البشرية في المسكونة كلها. وعلى هذا الأساس يأتي ترتيب باقي الأمورحقًا يا رب ما أعجب تدابيرك كلها بحكمة صنعت! وما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الاستقصاء..! إننا فقط نقف لنتأمل ونتفهم ونتعجب ويبقى أمامنا الكثير لنعرفه عنك يا إلهنا القدوس. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
11 يوليو 2019

التأمل.. ما هو؟ وما هي مجالاته؟

التأمل في أي أمر معناه الدخول إلى العمق، سواء في عمل الفكر، أو عمل الروح. هو أيضًا الوصول إلى لون من المعرفة فوق المعرفة العادية الخفية، معرفة فوق الحس، معرفة جديدة عليك، ومبهجة لروحك، تجد فيها غذاءً ومُتعة روحية. أو التأمُّل هو تفتح العقل والقلب والروح، لاستقبال معرفة يرسلها اللَّه من فوق، أو من داخل روح الإنسان. والتأمُّل يناسبه السكون والهدوء، والبُعد عن الضوضاء التي تشغل الحواس، وبالتالي تشغل العقل وتبعده عن عمل الروح فيه. ويزداد التأمُّل عمقًا كُلَّما تتحرَّر الحواس من الشغب الحالي، ويتحرَّر الإنسان من سيطرة فكره الخاص، لكي يستقبل ما تعطيه الروح. وللتأمُّل مجالات كثيرة، نود أن نتناولها بالتفصيل... هناك تأمُّل في كلام اللَّه، أو في الصلاة والتدبير والألحان. أو التَّأمُّل في الخليقة والطبيعة، أو في السماء والملائكة، أو التَّأمُّل في الموت والدينونة وما بعدها. وهناك تأمُّل في الأحداث وفي سِيَر القديسين، وفي الفضيلة عمومًا، وفي وصايا اللَّه. وهناك نوع آخر هو أسمى من التَّأمُّل في صفات اللَّه الجميلة. ومنها التأمُّل في المُطلق، في الحق، في الخير. على أن موضوعات هذا التَّأمُّل قد تكون أكثر من أن نحصيها، بحيث يتأمَّل الإنسان الروحي في كل شيء، حتى في الماديات، يحاول أن يستخرج منها روحيات تفيده. من جهة التَّأمُّل في كلام اللَّه: فكلام اللَّه هو روح وحياة. والكلمات هي مُجرَّد غُلاف، يُغلِّف معاني داخلها. كالصدفة التي تحوي داخلها اللؤلؤ. وفي التَّأمُّل ينبغي أن تكشف الصدفة، وتأخذ اللآلئ التي في داخلها. وهنا تُصلِّي مع داود النبي وتقول: "اكشف يا رب عن عينيَّ، لأرى عجائب من شريعتك". أي تكتشف العمق الموجود في الوحي الإلهي. فإلهنا الحنون ينير عقولنا وأفهامنا لندرك عُمق وصاياه. حقًا يا رب بنورك نُعاين النور. وهنا يكون التَّأمُّل عبارة عن تقديم عقولنا إلى اللَّه، لكي بنعمته يملأها بالفهم الذي من عنده. أو هو تلمذة على نعمة اللَّه، وتدريب كيف نأخذ منها الفهم الذي تريد أن تعطيه. فلا تقف يا أخي عند حدود العقل. بل اتخذ العقل وسيلة للوصول إلى الروح. والروح توصلك إلى اللَّه الذي عنده كل كنوز المعرفة فيعطيك. القارئ السطحي في كلام اللَّه، قد يقرأ كثيرًا ولا يتأمَّل. أمَّا القارئ الروحي، فالقليل من قراءته يكون له نبع تأملاَّت لا ينضب. إن كلمة واحدة أو عبارة تستوقفه، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحًا في تلك الأعمال. وهو يقول مع داود النبي: "لكل كمال رأيت منتهى، أمَّا وصاياك فواسعة جدًا". لأنه في التأمل قد يفتح اللَّه قلبه، فيرى في الآية الواحدة كنزًا عظيمًا، مهما اغترف منه لا ينتهي... إذن كتدريب روحي، خُذ لك كل يوم آية للتَّأمُّل تكون قد تركت في نفسك تأثيرًا عميقًا أثناء القراءة... ورُبَّما تكون معاملات اللَّه مع الناس مجالًا واسعًا للتَّأمُّل... سواء معاملة الله تبارك اسمه مع قديسيه الذين أحبوه وأطاعوه. أو معاملته للخطاة الذين انتفعوا من طول أناة الله عليهم التي قادتهم إلى التوبة... إن شخصيات الكتاب أيضًا تصلح مجالًا للتَّأمُّل. إن التأمُّل في وصايا اللَّه سوف يشغل نفسك أثناء النهار بفكر روحي. ويظل هذا الفكر يتعمَّق فيك. والفكر يلد فكرًا من نوعه، ويلد أيضًا الكثير من المشاعر والعواطف والتَّأمُّلات. ويصبح قلبك نقيًا تعمل فيه كلمة اللَّه. ولا يقف الأمر عند حدود اللذة بالمعرفة، إنَّما يتطوَّر ليكون له تأثيره في حياتك العملية. لذلك إن استطعت أن تُطبِّق تأملاتك على حياتك، وتستخرج منها منهجًا تسير عليه، يدخل في علاقاتك مع اللَّه ومع الناس. وإن لم تكن لك موهبة للتَّأمُّل في الكتاب، فاقرأ تأملات الأبرار الذين اتصفوا بعُمق تأملاتهم في الكتاب. أمَّا من جهة التأمُّل في الطبيعة فهو ليس مُجرَّد تأمُّل في جمال الطبيعة، إنما بالأكثر ما تُقدِّمه لنا من روحيات، كما قال داود النبي في مزاميره: "السموات تُحدِّث بمجد اللَّه، والفلك يخبر بعمل يديه". وهنا نتدرج من التأمُّل في الطبيعة إلى التَّأمُّل في عظمة اللَّه خالقها. وهنا أتذكر قول الشاعر: ها ذي الطبيعة قِف بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري وقديمًا كانوا يدرسون الفَلَك في الكليات اللاهوتية. لأنَّ النظام العجيب الدقيق الذي فيه، يُثبت وجود خالق كُلِّي القدرة استطاع أن يوجد كل ذلك. إن كانت السماء المادية مكانًا عظيمًا للتَّأمُّل، فكم تكون السماء التي هي عرش اللَّه!! ويرتبط التأمُّل في السماء بتأمُّل آخر في الملائكة... بل على الأرض يمكن أن يكون هناك تأمُّل في جمال الورود والأزهار. وما أكبر الفارق بين الزهور الطبيعية وغيرها من الزهور الصناعية، التي مهما أفتن الإنسان في صنعها، فهي بلا حياة، بلا رائحة، بلا نمو... وكذلك التأمُّل في طيور السماء، في تعدُّد أنواعها وأشكالها ونغمات أصواتها، وطباعها، ورحلاتها. بل التأمل في النملة النشيطة حيث لم أرَ في حياتي كلها نملة واقفة، بل هي دائمة الحركة. . وفي ذلك قال سليمان الحكيم: "اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمُّل طُرقها وكُن حكيمًا". بل أكثر من هذا إذا تأمَّلنا في النحل حيث نأخذ منه أيضًا تأمُّلًا في النظام الداخلي الذي تعيشه مملكة النحل، وكيف خلقها اللَّه بإمكانيات وقدرات عجيبة... تستطيع أن تجمع الرحيق وتصنعه شهدًا، وكيف تصنع غذاء الملكات! وكيف تبني خلاياها بهندسة متقنة عجيبة، وكيف تطير رحلات بحثًا عن الزهور والرحيق. وما أعجب ما قاله عنها أمير الشعراء أحمد شوقي: مملكة مُدبّرة بامرأة مؤمَّرة تحمل في العمال والصناع عبئ السيطرة أعجب لعمال يولُّون عليهم قيصرة إن الإنسان الروحي يستطيع أن يتخذ كل شيء مجالًا للتَّأمُّل. ويستطيع أن يستخرج من الماديات ما تحمله من دروس روحية. كذلك جسم الإنسان هو مجال واسع للتَّأمُّل يدل على عظمة الخالق، فما أعجب القدرات التي وضعها اللَّه في المُخ، وفي القلب، وفي كل أجهزة الجسم البشري، وكيف تعمل متناسقة في اتزان عجيب. وبعض هذه الأجهزة إذا تلف، لا يقدر كل التَّقدُّم العلمي على إرجاعه إلى وضعه الطبيعي. هناك تأمل آخر في الأحداث، ويد اللَّه في بعض الأحداث، وفي تدبير كل شيء إلى الخير. ولا ننسى التأمُّل في الموت، وفي القيامة، وفي الدينونة، وفي صفات الله الذاتية مثل الأزلية والقدرة على كل شيء والوجود في كل مكان. وأيضًا تأمل صفات اللَّه في معاملته مع البشر
المزيد
31 يناير 2021

التوبة (13) القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح

مفهوم التوبة.. التوبة هى عودة الانسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة . واقلاعه عن الخطية وعدم الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية والشيطان واعماله . لغوياً فى اللغة العربية ، تاب اي عاد الى ثوابه او رشده . كما قال الإنجيل عن الابن الضال { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا.اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك}(لو 15 : 17- 18). اما التوبة في اللغة اليونانية ، في مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس" . اي العقل فمعناها ( ميتانيا) اي تغيير الذهن والفكر والسلوك . انها تحولاً في فكر الانسان وسلوكه وحياته . تغيير الفكر وتجديد الذهن من اجل ان يكون لنا فكر المسيح المقدس والاعمال الصالحة . والتوبة بذلك تحمل معانى الندم على العيش بعيدا عن الله والاصرار على عدم العودة الى الخطية . قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بحيل الشيطان ومصادقة الاشرار وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله الذى يدعونا للتوبة كآب صالح { ارجعوا اليٌ ، ارجع اليكم } ملا7:3 . ويبدأ التغيير فى حياته ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع الى الخطية وهذا ما راينا فى حياة قديسى التوبة كداود النبي والقديس اغسطينوس ومريم المصرية وغيرهم ، لم يعودا الى الخطية وقاوموا حتى الدم مجاهدين ضدها . التوبة هى الوسيلة المتاحة لنا من الله لمحو الخطايا .. يقدم الله للبشرية علاج للخطية فى الايمان به وخلاصة وعمل روحه القدوس فينا ليبكتنا على الخطية ويحثنا على عمل البر ويدفعنا الى الرجوع اليه بالتوبة : { هلم نتحاجج يقول الرب ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف }(اش 1 : 18). { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). التوبة لازمة لكل واحد وواحدة منا لانه من منا بلا خطية {الجميع زاغوا و فسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس و لا واحد }(رو 3 : 12). وعندما اخبروا السيد المسيح عن الجليليون الذين قتلهم هيرودس وهم يقدمون الذبائح لله { وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. فاجاب يسوع وقال لهم اتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم اتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} لو 1:13-5. هكذا جاء القديس يوحنا المعمدان ليعد الطريق أمام الرب منادياً بالتوبة بقوة { وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي.فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم.والان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.وساله الجموع قائلين فماذا نفعل.فاجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا.وجاء عشارون ايضا ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل.فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم . وساله جنديون ايضا قائلين وماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا احدا ولا تشوا باحد واكتفوا بعلائفكم} لو7:3-14. التوبة هي تغيير يتم بعمل النعمة واستجابة الخاطئ ..وهذا التغيير عمل متبادل من الانسان الخاطئ بالوعى والارادة والاصرار على الاصلاح والتغيير والندم على الخطأ وبقوة وعمل النعمة فينا لكي نتغير ونتحرر من سلطان ابليس وقبول الله لنا واعلان محبته وسلامه فينا { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). الله يدعونا الى التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا . الله يريدنا أن نعود إليه، و يستقبلنا فرحا ، ويرد الخاطئ إلى مكانته الأولى {فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون }(لو15: 22-24). كابناء لله يريد لنا الخلاص {الذي يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4) . {أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها} (إش43: 25). {قد مَحَوتُ كغَيمٍ ذُنوبَكَ وكسحابة خطاياكَ. اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ} (إش22:44). لان الله صالح ورحوم يعد بالغفران والقبول للراجعين اليه { فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا. هل مسرة اسر بموت الشرير يقول السيد الرب الا برجوعه عن طرقه فيحيا. واذا رجع البار عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير افيحيا كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطا بها يموت} حز 21:18-24. فالتوبة الحقيقية هي عودة من خدمة الشيطان وحياة الخطية والنجاسة الى الاحضان الابوية والبنوة لله.ان التوبة هى اعلان لرحمة الله وقبوله للتائبين وأظهار محبته لهم وسعيه لخلاص الانسان من اجل هذا قال احد القديسين : ( ان الله لا يسألنا لماذا أخطئنا ولكن يسألنا لماذا لم تتوبوا) .لقد راينا كيف ان التوبة استطاعت ان تمنع حكم الله بالهلاك على أهل مدينة نينوي قديما { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي و قيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء.وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم.لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك.فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} يون 5:30-19. وعندما أخطأ داود النبى وتاب الي الله معترفا بخطئه فغفر له الله { فقال داود لناثان قد اخطات الى الرب فقال ناثان لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت} (2صم 12 : 13).اننا اذ ندرك نتائج الخطية المهلكة لابد ان نتوب.. ولا نعود نخطئ مرة أخرى. ان الخطية ضعف وانهزام وعدم ضبط للنفس وهى موجهة ضد الله فهى كسر وتعدى وعصيان لوصاياه وهى موت أدبى وانفصال عن الله القدوس كما انها تفقد الانسان سلامه { اما الاشرار فكالبحر المضطرب لانه لا يستطيع ان يهدا وتقذف مياهه حماة وطينا . ليس سلام قال الهي للاشرار (اش 57 : 20-21). ان الخطية تقود للحزن والكأبة والياس والانتحار ولهذا نرى أعلى نسب للامراض النفسية والانتحار فى البلاد التى يسودها الالحاد والاباحية . فالخطية تمرر حياة الانسان وتفسد وتسئ الى العلاقات بين الناس وتجلب الامراض والعار { البر يرفع شان الامة وعار الشعوب الخطية }(ام 14 : 34). وللنظر حولنا الى مدمني الخمور والمخدرات والشهوات والاشرار ونتأمل كم تحط الخطية من قدرهم وتعبث بحاضرهم وتجعلهم يسيرون بلا هدف وعلاوة على ذلك ينصب عليهم غضب الله بالاضافة الى الهلاك الابدي الذى ينتظرهم ان لم يتوبوا { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم و اظلم قلبهم الغبي.وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء.وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الانسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات.لذلك اسلمهم الله ايضا في شهوات قلوبهم الى النجاسة لاهانة اجسادهم بين ذواتهم.الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الابد امين} رو18:1-25. السيد المسيح ودعوته الى التوبة لقد جاء السيد المسيح ليدعونا الى الإيمان والتوبة { ابتدا يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات} مت 17:4.{ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل }(مر1 : 15). لقد وجه اليه الكتبة والفريسيين النقد لموقفه المترفق والقابل للخطاة والعشارين ، كان رده {فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى.فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} مت 12:9-13.وعندما دخل الى بيت زكا العشار ليبيت تذمر الكتبة والفريسيين علية فكان جوابه لهم انه جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك {فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع ونزل وقبله فرحا.فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف.فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10. السيد المسيح قابل الخطاة .. لقد تجسد كلمة الله بالحقيقة وجاء الى العالم وصلب وقام من اجل خلاص البشرية الخاطئة وسعيه لرجوعهم اليه وضرب لنا الامثال عن قبول الله للخطاه وخلاصهم واهم هذه الامثال ما جاء فى انجيل لوقا البشير الاصحاح الخامس عشر عن الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال وترينا هذه الامثال كيف يفرح الله برجوع الخطاة سواء ضلوا عن جهل او لعدم سهر واهتمام الراعى او الاسرة او بدافع الطيش والتهور، وفى كل الحالات يسعى الله الى خلاصنا . لقد حمَّل السيد المسيح الرعاة مسئولية إضاعة الخروف الضال. وحمَّل الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال كان باب التوبة مفتوحًا، والعودة المفرحة مطلوبة، وسعي الله والكنيسة لعودة الخطاة موجود، ويبقى دور الإنسان الخاطئ نفسه فى التوبة والرجوع .ان الله يبحث عن الضال بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي البراري القفرة. والكنيسة توقد له سراج الروح القدس وتصلى من اجله وتفرح لرجوعه ، وتفتش باجتهاد عن الخاطئ بروح الرعاية الحانية حتى تجده، أما الخاطئ فمطلوب منه أن يرجع إلى نفسه ويقارن حالته السيئة بسبب الخطية بحالته قبل السقوط ، ويقوم سريعًا ويذهب إلى أبيه، ويعترف أمامه بخطاياه، ويفرّح السماء والملائكة بعودته سالما { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} لو 7:15. السيد المسيح يدافع عن الخطاة ويحررهم .. راينا كيف دافع الرب يسوع المسيح عن المرأة الخاطئة فهو المحبة الحانية والرحمة الغافرة المحررة { وقدم اليه الكتبة والفريسيون امراة امسكت في زنا ولما اقاموها في الوسط. قالوا له يا معلم هذه المراة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول انت.قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض.ولما استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر.ثم انحنى ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض. واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الاخرين وبقي يسوع وحده والمراة واقفة في الوسط.فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المراة قال لها يا امراة اين هم اولئك المشتكون عليك اما دانك احد.فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك اذهبي ولا تخطئي ايضا} يو 3:8-11. نعم من منا بلا خطية لهذا يجب ان نترفق بالخطاة ونتأنى ونعلن لهم محبة الله ليتوبوا ويرجعوا وتمحي خطاياهم . السيد المسيح هو الرحمة المعلنه لنا ودمه الثمين الذى سفك على الصليب كفارة لخطايانا { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2) . {في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا }(1يو 4 : 10). جال السيد المسيح يبحث عن خلاص الخطاة .. يصنع خيراً ويشفى المرضى ويقيم الساقطين ويبحث عن الضالين . راينا كيف سار من الصباح الباكر حتى الظهيرة ليخلص المرأة السامرية ويقودها للاعتراف الحسن والتوبة مبيناً ان من يشرب من ماء الشهوة والخطية لا يشبع { اجاب يسوع و قال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا. ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية} يو 13:4-14. وهو الذى قال على لسان حزقيال النبى قديما { انا ارعى غنمي و اربضها يقول السيد الرب.واطلب الضال واسترد المطرود واجبر الكسير واعصب الجريح واحفظ السمين والقوي وارعاها بعدل } حز15:34-16وعلى الصليب كما تنبأ اشعيا النبى قديما رايناه مجرحا لاجل معاصينا ومسحوق من اجل آثامنا وبجراحاته وصلبه شُفينا{ احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح و كنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه } أش 4:53-7. وكما تنبأ عنه القديس يوحنا المعمدان { وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم }(يو 1 : 29). رايناه على الصليب يقدم ذاته فداءاً عنا ويغفر حتى لصالبيه { يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34). الرسل وكرازتهم بالإيمان والتوبة .. اوصى السيد المسيح تلاميذه الاباء الرسل بعد القيامة ان يكرزوا باسمه للتوبة { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم} لو 44:24-47. وهكذا راينا الرسل بعد صعود السيد المسيح وحلول الروح القدس عليهم يبشروا بالتوبة والايمان وبعظة واحدة للقديس بطرس آمن ثلاثة الاف نفس { فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع ايها الرجال الاخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس} أع 37:2-38. وبعد شفاء المقعد عند باب الهيكل راينا الرسل ينادوا بالتوبة والايمان {فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل} (اع 17 : 30). هكذا لخص القديس بولس الرسول أمام رعاة الكنيسة كيف قضى حياته كارزاً بالتوبة {شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة الى الله والايمان الذي بربنا يسوع المسيح }(اع 20 : 21) . وكان يشهد امام اليهود والامم والكبير والصغير على نعمة الله المحررة والمغيرة والقادرة ، فامام اغريباس الملك وزوجته والوالى الرومانى بين لهم كيف ظهر له السيد المسيح وغيره من شاول مضطهد الكنيسة الى بولس الرسول المجاهد من أجل نشر بشارة التوبة والخلاص { فقلت انا من انت يا سيد فقال انا يسوع الذي انت تضطهده. ولكن قم و قف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما وشاهدا بما رايت وبما ساظهر لك به.منقذا اياك من الشعب ومن الامم الذين انا الان ارسلك اليهم. لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين.من ثم ايها الملك اغريباس لم اكن معاندا للرؤيا السماوية.بل اخبرت اولا الذين في دمشق وفي اورشليم حتى جميع كورة اليهودية ثم الامم ان يتوبوا ويرجعوا الى الله عاملين اعمالا تليق بالتوبة} أع 15:26-20. من اجل هذا رايناه فى تواضع ودموع يقول { صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا (1تي 1 : 15). وينبهنا ان لا نستهين بغنى لطف الله وامهاله علينا بل يجب ان نسرع الى التوبة {ام تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم ان لطف الله انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4). من اجل هذا يقول القديس باسليوس : (جيد ان لا تخطئ وان اخطأت فجيد ان لا تؤخر التوبة وان تبت فجيد ان لا تعود للخطية وان لم تعد فاعرف ان ذلك بمعونة الله وان عرفت ذلك فجيد ان تشكر الله ). ان الله يدعونا الى عدم اليأس او قطع الرجاء.. فباب مراحم الله مفتوح دائما للراجعين اليه فقد تنبأ الانبياء عن السيد المسيح { يخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} مت 18:12-21. فهو الذى جاء ليطلب ويخلص من قد هلك . ان الشيطان يعمل باستماتة ان يوقعنا فى اليأس من جهة أمكانية بعدنا عن الخطية لنستمر فيها أو من جهة قبول الله لنا ، لكن علينا ان نتمسك بالرجاء وبرحمة الله ونقوم ونرجع الى الله ونقول { لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم اذا جلست في الظلمة فالرب نور لي }(مي 7 : 8).فلا تيأس من نفسك بل أطلب من الرب ان يهبك القوة والقدرة والتوبة { توبني فاتوب لانك انت الرب الهي} (ار 31 : 18). والله هو معين من ليس له معين ورجاء من ليس له رجاء وهو كالسامرى الرحيم يبحث عن الانسان الذى جرحته الخطية ليضمد جراحاته ويعالجه ويضمه الى كنيسته لتعتنى به وهو كراعي صالح يتكلف بكل نفقات خلاصنا. لقد غفر لبطرس نكرانه وجحوده ورده الى رتبته مرة اخرى كما غفر لهارون رئيس الكهنة قديما اشتراكه فى صنع العجل الذهبى وعبادته بدلا من عبادة الله الحي بهذه الرحمة نتمسك ونتغني { الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة.لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر.لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا. لانه مثل ارتفاع السماوات فوق الارض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يتراف الاب على البنين يتراف الرب على خائفيه.لانه يعرف جبلتنا يذكر اننا تراب نحن} مز 8:103-14. كيف أتوب ؟ محاسبة الذات .. ان حساب الذات ومعرفة اننا مخطئين تجاه الله بخطايانا هو بداية التوبة { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). هكذا فعل الابن الضال بعد ان أخذ نصيبة من ميراث ابيه وبدده فى ارض الخطية وجاع ولم يجد ما يشبعه حتى من أكل الخنازير كرمز للخطية { فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته. وبعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف. فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدا يحتاج. فمضى والتصق بواحد من اهل تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير.وكان يشتهي ان يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تاكله فلم يعطه احد. فرجع الى نفسه و قال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز و انا اهلك جوعا.اقوم و اذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك.ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا اجعلني كاحد اجراك . فقام وجاء الى ابيه واذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه و قبله. فقال له الابن يا ابي اخطات الى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. فقال الاب لعبيده اخرجوا الحلة الاولى والبسوه و اجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه.وقدموا العجل المسمن و اذبحوه فناكل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون} لو 12:15-24. يجب ان نفكر فيما حصدناه فى البعد عن الله ونصارح أنفسنا والله ونقف أمامه فى خشوع ودموع.. القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
05 يوليو 2022

صلوات بولس الرسول من أجل الكنيسة والآخرين

إن كان ما تقدم يعبر عن إيمان بولس بالصلاة قوتها وفاعليتـها بصفة عامة من أجل إيمانه بالصلاة . فإنه وجد نفسه أيضاً مسوقـاً للصلاة من أجل الآخرين كما يقول يعقوب الرسول صلوا بعضكـم لأجل بعض لكي تشفوا طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلـها " ( يـع ٥ : ١٦ ) . فمعلمنا بولس الرسول في إيمانه بفاعلية الصلاة ومحبته للناس نجده يقول في فاتحة رسالته إلى أهل روميـة الله الـذي أعبـده بروحي في إنجيل إبنه شاهداً كيف بلا انقطاع أذكركـم متضرعـاً دائماً بصلواتی عسى الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن أتـى إليكم " ( رو ۱ : ۹ ، ۱۰ ) . وفي رسالته لأهل أفسس يقول " لذلـك أنـا أيضاً إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع ومحبتكــم نـحـو جميـع القديسين لا أزال شاكراً لأجلكم ذاكراً إياكم فـى صلواتـي ( أف ١ :١٥-١٦) ويكتب إلى أهل كولوسي مما يدل على أن هذا منهج سار فيـه هذا الرسول يسلم عليكم أبفراس الذي هو منكم عبد للمسيح مجاهداً كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئيـن فـي كـل مشيئة الله ( كو ٤ : ١٢ ) . ونحن ككنيسة أرثوذكسية نؤمن بشــفاعة القديسين وأن الله إله أحياء " الرب إله ابراهيم وإله اسـحق ، وإلـه يعقوب وليس هو إله أموات بل إنه أحياء لأن الجميع عنده أحيـاء ( لو ۲۰ : ۳۷ ، ۳۸ ) . لهذا فنحن نقول الذكصولوجيات ونقيم التمـاجيد ونتبارك بأجساد القديسين وبجسد معلمنا بولس الرسول هذا . فـهى لیست عظام أموات . الله ليس إله أموات بل إله أحياء . وفي موضع آخر من رسالته لأهل تســـــــالونيكي نجـد بولـس الرسول يكتب لأولاده " نشكر الله كل حين من جهة جميعكم ذاكريـن إياكم في صلواتنا " ( اتس ۱ : ۲ ) . وفي رسالته لفليمون " اشكر إلـهى كل حين ذاكراً إياك في صلواتي " ( فل 4 ) . وفيما يتكلم عن المجئ الثاني المملـوء مجـداً يكتـب لأهـل تسالونيكي " الأمر الذي لأجله نصلي أيضاً كل حين من جـهتكم أن يؤهلكم إلهنا للدعوة ويكمل كل مسرة الصلاح وعمل الإيمان بقـوة لكي يتمجد إسم ربنا يسوع المسيح فيكم وأنتم فيه ( تـس ۱ : ۱۱ ، ۱۲ ) ويكتب لأهل فيلبي " اشكر إلهى عند كل ذكرى إياكم دائماً فـي كل أدعيتي مقدماً الطلبة لأجل جميعكم بفرح " ( فی ۱ : 3 ، 4 ) . لـهذا فلا عجب إن سمعناه يقول " من يضعف وأنا لا أضعف مـن يعـثر وأنا لا ألتهب ( ٢ كو ۱۱ : ۲۹ ) كانت الدنيا كلها فـي داخـل قلبـه وكانت بصيرته ممتدة إلى كل العالم . هذا هو رجل الصلاة. فاعلية صلوات الآخرين وإظهار إحتياجه لها إذا كان معلمنا بولس الرسول يقول للمؤمنين إنه يذكرهم دائماً فإننا نجده في إتضاعه يطلب منهم الصلاة لأجله فيكتب إلى أهـل کولوسی " مصلين في ذلك لأجلنا نحن أيضاً ليفتح الـرب لنـا بـابـاً للكلام لنتكلم بسر المسيح الذي من أجله أنا موثق أيضاً . كي أظهره كما يجب أن أتكلم " ( كو 4 : 3 ، 4 ) ويكتب لأهل أفسس " مصلين بكـل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبـة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلى لكي يعطى لي كلام عند إفتتاح فمي لأعلم جهارا بسر الإنجيل " ( أف 6 : ۱۸ ، ۱۹ ) فالله يفتـح الفـم لأنه هو الذي يضع الكلام . ويكتب إلى أهل رومية " فأطلب إليكـم أيها الأخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تجاهدوا معي في الصلوات من أجلى إلى الله لكي أنقذ من الذين هم غير مؤمنين فـي .اليهودية ، ولكي تكون خدمتي لأجل أورشليم مقبولة عند القديســين ( روه ۱ : ۳۰ ، ۳۱ ) والكنيسة تعلمنا أن الشعب يصلى لأجل جميع الخدام من أجـل الأب البطريرك والأساقفة والقمامصة والقسوس ، والشمامسة وكـل الخدام ، وكل الذين في البتولية . وطهارة كل شعبك المؤمـن إذكـر يارب أن ترحمنا كلنا معاً .. ويكتب معلمنا بولس الرسول إلى أهـل كورنثوس " وأنتم أيضاً مساعدون بالصلاة لأجلنا لكي يؤدى شــكر لأجلنا من أشخاص كثيرين على ما وهب لنـا بواسـطة كثيرين ( ۲ کو ۱ : ۱۱ ) . وأنا أشعر بروح هذا القديس العظيم يرشدنا فنحن لابد أن نشـعر أننا أعضاء بعضنا لبعض ، لابـد أن نشـعر بإحتياجـات بعـض ، مساعدون بالصلاة ويكتب معلمنا بولس للعبرانيين صلـوا لأجلنـا لكي أرد إليكم بأكثر سرعة " ( عـب ۱۳ : ۱۸ ، ۱۹ ) هـذا الرسـول العظيم الذي صعد إلى السماء الثالثة ورأى أموراً لا ينطق بـها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها ، يطلب إلى المؤمنين قائلاً صلوا لأجلنـا لأجل أن أرد إليكم سريعاً ، صلوا لأجلنا لكي يعطى لى حكمة عنـد إفتتاح فمي أيها الأخوة ماذا يمكن أن نقول عن الصلاة كزاويـة أو كوجـه من الأوجة الروحية المتعددة لذلك الرسول العظيم نختم قولنا برفع قلوبنا إلى الله ونقول لمعلمنا بولس الرسـول صلى لأجلنا واذكرنا أمام المسيح ، اذكر الكنيسة لكي يتحنن الـرب علينا ويخلصنا من شداندنا ويصنع معنا رحمة كعظيم رحمته لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد آمين . نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس اسقف الغربية عن كتاب القديس بولس الرسول الخادم الغيور
المزيد
30 أبريل 2021

يوم الجمعة من البصخة المقدسة

دم المسيح وجهادنا اليومي اليوم رهيب جداً يا أحبائي، لا تستطيع كلمات و لا تعبيرات بشرية أن تقترب مجرد اقتراب من سر الصليب. سر غير مُدرك، سر يتلاقى فيه الموت والحياة. سر يتلاقى فيه الألم الشنيع والضعف مُنتهى الضعف مع القوة مُنتهى القوة، بل مع قوة ليست من هذا الدهر. من أجل هذا يصبح الكلام عسيراً جداً، إذ لمن صُلب المسيح إلا لنا، ولمن قدَّم المسيح جسده لِتُدقَّ فيه المسامير ويُطعن ويُخضب بالدماء، إلا لكي يغرس هذه المسامير عينها إنما - بلا وجع - في جسد كل واحد منا. لأنه مَنْ مِنَ البشر يستطيع أن يُصلب عن نفسه، غير ممكن، وإلا يُعتبر انتحاراً!! حتى لو صُلب الإنسان عن نفسه؛ أيُدعى ذلك خلاصاً؟! أبداً! ففي البداية والنهاية هي عقوبة، موت، والموت عقاب. فالمستحيل لدى كل إنسان استطاع الله أن يُتمه للإنسان. اليوم نرى المسيح الصادق الأمين، الذي قال عن نفسه: «أنا هو الراعي الصالح» الذي «يبذل نفسه عن الخراف»، يُتمم ذلك عملياً على الصليب، ويقول: ليس حبٌّ أعظم من هذا أن يضع إنسان نفسه من أجل أحبائه. حديثنا اليوم عن أوجه الصليب الثلاثة التي تختص بحياتنا. الوجه الأول للصليب هو الوجه المقابل لله الآب: هذا الوجه يختص بالله مائة في المائة. هو فعل كفَّاري. فإذا كنا نقول: أنا «مع المسيح صُلبت»، ومع المسيح مُت، ومع المسيح قُمت؛ ولكن لا أحد يجترئ ويقول: أنا مع المسيح سفكتُ دمي. هذا عمل يختص به المسيح وحده، عمل خاص به، لا نستطيع نحن أن نُشارك فيه. إنه عمل إلهي خاص بالعلاقة التي بين الآب والابن التي تجسد ليكملها من أجلنا. نحن عندما نقول أن المسيح سَفك دمه على الصليب، نتذكر على الفور ما كان يتم يوم عيد الكفارة عندما كان يدخل رئيس الكهنة وحده مرة واحدة في السنة إلى قدس الأقداس وينضح بالدم ويُكفِّر عن الشعب. هذا هو تماماً ما فعله المسيح عندما دخل إلى الأقداس بدم نفسه، ونضح على جسده، أي على البشرية كلها، وتراءى أمام الآب والدم عليه، فوجد لنا فداءً أبدياً. واعتُبر هذا ذبيحة كفَّارة عن كل خطية اقتُرفت من آدم إلى آخر الدهور. الفعل الثاني لسفك الدم والتقدم به للمسيح متصل وتابع بالضرورة لذبيحة الكفارة: هو الفداء. المسيح عندما قدم ذاته كذبيحة كفارة والدم عليه أو على البشرية؛ فإن الآب قبل هذه الذبيحة، هذا هو الفداء، وأصبح الإنسان مفدياً. كانت البشرية كلها أمام الله ميتة، لأن اللعنة جازت من آدم لكل نسله. المسيح تقدم إلى الآب، بموت نفسه، لكي يقدم هذا الموت إزاء كل موت آخر لكل إنسان؛ فإذا قُبل هذا الموت ، أو قُبلت هذه الذبيحة الكفارية؛ يكون هنا الفداء قد أُكمل. الفعل الثالث هو المصالحة، هو تالي ومتصل اتصالاً وثيقاً بالفعلين السابقين أي الكفارة التي قُدمت وقُبلت؛ وبذلك تم الفداء، ومن ثم صارت المصالحة. فالمصالحة هنا هي استجابة الآب. «وكان الله مُصالحِاً العالم لنفسه بالمسيح». ثلاث أفعال سرية، نقلتنا 3 نقلات مهمة للغاية، كان نتيجتها إننا كُفِّر عنا، واُفتدينا، ثم صُولحنا مع الآب بدم كريم، دم يسوع الذي بروح أزلي قدَّم نفسه للآب ليطهِّر ضمائرنا من أعمال ميتة. هذا هو وجه الصليب الأول، المواجه للآب. ثانياً: وجه الصليب المواجه للشيطان الشيطان هو المشتكي علينا وعلى إخوتنا ليلاً ونهاراً، هو لا يطيق نجاحنا، هو دائما يحسدنا، ثم هو يعرف ماضينا وما اقترفناه في حياتنا، لذلك هو يُذكِّر الله بها، تماماً كما رأيناه في شكواه على أيوب، لذلك هو يضع أمام الله كل مُسوغاته في الأفعال التي يمسكها علينا، ويُدعِّم شكاياته علينا ليثبت له عدم استحقاقنا. أما الله، فمن جهته، فهو يرى أمامه دم ابنه كل حين، فعلى الفور، وفي الحال، تسقط كل شكاوي الشيطان. كما يقول القديس يوحنا: «دم يسوع المسيح ابنه يُطهرِّنا من كل خطية». فكل شكوى تُقدم وتُقام ضد أولاد الله مرفوضة. ويبلور بولس الرسول هذا المفهوم ويقول: «مَنْ سيشتكي على مختاري الله؟» . فإذا كان المسيح هو الذي له وحده حق الدينونة علينا فنحن بكل تأكيد نصير مُبرَّأين وتسقط كل القضايا المرفوعة ضدنا. كذلك الشيطان يمكن أن يشكونا ضد أنفسنا، يُزيِّف ضمائرنا. نعم قد يجعلك تقرع صدرك، ويقول أنت خاطئ وشرير، ولكن إلى هنا ليست هناك مشكلة، ولكنه بعد ذلك يوقعك في اليأس، ويوهمك أنه ليس هناك رجاء. ويجب أن تُفرِّق بين صوت روح الله المتكلم في الضمير وصوت الشيطان الكاذب في الضمير. صوت الله يعطي تبكيت، ولكن لخلاص ورجاء بلا ندامة، في حين أن صوت الشيطان هو للتأنيب وينتهي باليأس. وخدعة أخرى للشيطان يحارب بها أولاد الله، هو أنه قد يقنعهم بزيادة الجهاد، بزيادة النسك، بزيادة الميطانيات، بزيادة السهر... والشخص يسير في هذا الطريق، للأسف، بلا مشورة، فيجد نفسه في محلك سر، مازال واقعاً تحت نفس الضعفات الأولى، ولا يتقدم قيد أُنملة في الطريق الروحي. في الحقيقة إنه لا عيب في الجهاد بحد ذاته، فلابد من النسك، لابد من قمع الجسد، لابد من الميطانيات، لكن هذه وحدها فقط لا تكفي، ولا تغني عن دم المسيح. فالسبب الرئيسي لغلبة الشيطان علينا هنا هو أننا نجاهد ببرنا الشخصي، نجاهد بقوتنا الرخيصة، نجاهد لحساب الذات. أما الرد الوحيد على كل مهاجمة واتهام للعدو لنا هو: دم المسيح. دم المسيح هو فِعل لانهائي، فلا خطيتي ولا خطايا البشرية كلها تقدر أن تُنهيه أو تستهلكه أو تستنفذه. ليست خطية ولا ألف خطية تقدر أن تدينني أو تُعيرني أو يكون لها شكاية عليَّ أمام الله. أنا أمام المسيح مُبرَّأٌ، مُكفرٌ عني، مغفور الخطايا. كل اتهام يرفعه الشيطان ضدي مرفوض شكلاً وموضوعاً، مُقدم أمامه حق الفيتو. فحتى ولو كان المشتكي يشتكي علينا ليلاً ونهاراً؛ فالمسيح بدمه يشفع فينا أيضاً ليلاً ونهاراً. فشفاعته ضد شكايته. وأنا تماماً خارج الموضوع. المسيح محا الصك المكتوب علينا، رفعه من الوسط، كل الوثائق الممسوكة علينا مزقها في صليبه، كما نقول: «مزَّق كتاب يد خطايانا، أيها المسيح إلهنا». المسيح، بدمه المسفوك على الصليب، ظفر بالشيطان، فضحه، جرَّده من كل أسلحته، أخضعه تحت رجليه. فهل بعد هذا يقدر الشيطان المُهلك أن يدخل البيت طالما الدم مرشوش عليه؟ هل تجوز أي شكاية أو عرائض اتهام علينا طالما نحن في حمى الدم؟ مستحيل بالتأكيد. نعم، عليك أن تيأس من نفسك، ولا أقول تيأس من خطاياك، فكل خطاياك مغفورة، بل عليك أن تَكْفَر بقدراتك ومحاولاتك النابعة من أصل المرارة داخلك، لا تتكل على أعمال صلاحك، فكل هذا لن يجديك، هو فقط دم المسيح. الوجه الثالث للصليب: أمام كل واحد فينا هنا الإنسان يكتشف أن المسألة ليست مجرد خطية تُرتكب، ولا فعل خاطئ يُفعل، ولا سلوك معيب يُدان عليه، لا، الأمر أعمق من هذا بكثير، فداخلي ينبوع فاسد، ميل مستمر للخطية حتى بدون فعل. هذا هو الإنسان العتيق. والحق إن هذا المصدر هو أعمق بكثير من الأعمال والسلوك والخطايا، ذلك لأني كلما أُخطئ، أعترف وأتوب، والدم يُطهرني؛ ولكننا هنا نتكلم عن المصدر، المنبع الذي تنبع منه هذه الأفعال الرديئة، والطبيعة الميَّالة للخطية. نحن خطاة ليس لأننا نعمل الخطية؛ ولكننا أولاد آدم. عندما أخطأ آدم في الفردوس، نحن كنا معه في صُلبه، فورثنا منه طبيعته الخاطئة. فآدم كان هو العِلة، ورثنا منه كل ما هو رديء وكل ما هو لا يُرضي الله. إذن ما هو الحل؟ كيف أُغيِّر طبيعتي، ربما قليلاً نقدر أن نُغير بعض أفعالنا وبعض سلوكياتنا، ولكن المطلوب تغيير مصدر هذه الطبيعة. الحل لابد أن يموت آدم. ونحن جميعاً أولاد آدم. ففي اليوم المعين، وفي الساعة المُعيَّنة العظيمة، الساعة التاسعة من يوم الجمعة العظيمة، نفَّذ الله تدبيره في المسيح، ومات المسيح، ومات آدم معه، وتخلصنا من طبيعة آدم إلى الأبد. وهذا هو وجه الصليب الثالث. هذا هو العمل العظيم الذي عمله الله في المسيح لكل واحد فينا. كان من العسير أن الآب يتعامل مع كل واحد فينا ليُميته، فأرسل ابنه في شبه جسد الخطية ليدين الخطية، يدين المصدر، أي الينبوع المُلوث الذي تصدر منه سائر الخطايا. مات المسيح بالجسد على الصليب فدينت الخطية إلى الأبد. ومات آدم الذي فينا وأُعطينا فرصة من اليوم وإلى الأبد، من يوم الصليب، الجمعة العظيمة وإلى نهاية الدهور أن ننال هذه القوة فينا بإيمان بدم المسيح، قوة الموت عن آدميتنا، لنحيا بالمسيح. صلاة يا ربنا يسوع المسيح، يا من أعطيتنا ذاتك، ووراء عطيتك كان ما كان من آلام لم تدركها البشرية بعد؛ ولكن أعلنتها لأولادك المخلصين. أعلِنْها اليوم، يا رب، بالسر لأولاد سِرِّك، ليعلموا كم كلَّفَتْ الخطية الله وابن الله، كم كلَّفت من حب مسفوكٌ دمه على الصليب؛ حتى نستطيع مرة أخرى أن نأخذ حريتنا بالروح، وننال حياتنا التي كُبلت بالخطية وبالموت سنيناً هذا عددها. أعطِنا، يا ابن الله، انتباهة روحية في القلب لقيمة عمل الصليب بأوجهه الثلاثة، لكي لا ننسى أبداً أننا كُفِّر عنا تكفيراً، وافتُدينا فداءً أبدياً، وصولحنا أمامك إلى الأبد. ولا يحتاج الأمر بعد إلا إيماناً بجرأة وقدوماً إليك في شخص يسوع المسيح لنأخذ نصيبنا الذي لنا في المسيح. أعطِنا، أيها الآب السماوي، أن ندرك اليوم عطاياك التي وهبتَها لنا في شخص ابنك يسوع المسيح: عطايا هذا طولها وهذا عرضها على الأرض وفي السماء. أعطنا أن نضع أيدينا على الدم المسفوك على صليبك ليكون لنا إيمان به، نسير به حتى عتبة الموت. آمين. اسمعنا أيها الآب والابن والروح القدس ليتبارك اسمك منذ الآن وإلى أبد الآبدين. آمين. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
19 نوفمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس آسا

"أيها الرب ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة" 2أي 14: 11 مقدمة تذكرني قصة آسا بقصة ذلك الجندي الذي يقولون إن الأطباء حكموا بأن مرضه غير قابل للشفاء، وأنه لابد سيموت، وإذ سمع الجندي هذا القرار، سأل نفسه إذا كان لابد من الموت، فلماذا لا يموت نبيلاً شريفاً في المعركة؟!! ولماذا يبقى في انتظار موت قد يقصر أو يطول أمده، مع بقية من حياة ممتلئة بالعذاب والمعاناة؟!!… وتحول الجندي إلى أسطورة في المعركة،… فإذا تراجع الجنود، كان هو الوحيد المتقدم؟!! وإذا هاجم كان هجومه ليس هجوم فرد واحد بل كأنه هجوم ألف من الرجال،.. وحول الجندي الهزيمة إلى نصر، والتقهقر إلى اكتساح عجيب!!... وعجب القائد من أمر هذا الجندي الغريب، وإذ سأل عن سره، أدرك قصته، وقال له: لا ينبغي أن تموت.. وجمع له عدداً من أعظم الأطباء الذين نجحوا في القضاء على علته، والانتصار على مرضه!!. وهنا حدث الشيء الغريب، إن الجندي وقد أيقن من نجاته استمرأ الراحة، وفقد روح البطولة، وأصبح واحداً عادياً من الجنود، عاد يخشى الموت، ويمسك بأسباب الحياة، ولم يعدله ذلك القول العظيم "إذا لم يكن من الموت بد، فمن العجز أن تموت جباناً!!".. وهكذا... كان آسا الملك في قلب المخاوف والمتاعب والصعاب. والموت ارتقى إلى أعظم ذري الشجاعة والقوة والبطولة، وعندما سارت الحياة هادئة ولينة ووادعة، طافت غلالة من الضعف والهوان حول شمسه البارعة،.. ومع ذلك فإنه سيبقى دون أدنى شك واحداً من أعظم الأبطال في ملوك يهوذا الذين ارتفعوا إلى آفاق من الإيمان قل أن يرتفع إليها الكثيرون، وكان مصلحاً من المصلحين الذين قاموا بالإصلاح بشجاعة قل أن توجد عند العديد من أبطال الإصلاح أنفسهم، وها نحن نتابع قصته فيما يلي: آسا والظروف السيئة التي أحاطت به لا نستطيع أن نقدر مدى ما في حياة الإنسان من قوة أو ضعف، من شجاعة أو جبن، من بطولة أو إسفاف، قبل أن ندرك الظروف المحيطة به، ومدى ما معه أو عليه من رصيد أو إفلاس،.. ولا حاجة إلى القول بأن آسا الملك قد تفتحت عيناه على ظروف من أسوأ ما يمكن أن تكون الظروف، فأبوه أبيام وجده رحبعام كانا ملكين آثمين شريرين، أوغلا في الشر والخطية، وطبعا المملكة بأشر طابع، وجدته -وهي بهذا المعنى سميت أمه- معكة ابنة أبشالوم، وهي التي جاء وصفها في سفر أخبار الأيام الثاني: "وأحب رحبعام معكة بنت أبشالوم أكثر من جميع نسائه وسراريه، لأنه اتخذ ثماني عشرة امرأة وستين سرية"... وقد كانت بهذا المعنى المرأة القوية الأثر الطاغية النفوذ، الوثنية الحياة، والتي عملت تمثالاً لسارية، لتتعبد أمامه،.. كانت المرتفعات والسواري الوثنية قد ملأت كل مكان!! وإذا دخلت العبادة الوثنية، فلابد أن يلحق بها كل أنواع الفساد والشرور، وقد انتشرت الدعارة، وبلغت الأمة أحط الدركات: "لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان، لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة وكذلك الذكور أيضاً تاركين استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكوراً بذكور، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق"... ولا ينبغي أن ننسى أن هذا النوع من الفساد يطلق عليه "السدومية" لما هو معروف بأن الخطية التي اشتهرت في سدوم، قبل أن يحرقها الله،... وتفتحت عيناً آسا ليرى بلده وقد أصبح سدوم وعمورة من هذا القبيل.ولم يكن آسا غبياً عن أن يدرك أن الخراب الذي وصلت إليه البلاد، قد جاء نتيجة الشر الذي انغمست فيه، ولعله دخل الهيكل مرات متعددة، ليمتلئ أسى وألما، وهو يرى كيف تبدلت الأواني والأتراس الذهبية بأوان وأتراس نحاسية، لأن رحبعام عملها بعد أن أستولى شيشيق على أورشليم، وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، ولم يترك شيئاً ثميناً لم يأخذه!!.. لقد ولد آسا على كوم من الرماد والخراب الذي شمل كل شيء في أرض يهوذا!!... وما أكثر الذين يولدون كآسا في أتعس الظروف وأشدها، وهم غير مسئولين عنها، ولكنهم مع ذلك، فإن واجبهم الحتمي لا أن يتجاهلوها أو يهربوا منها،... بل لأبد أن يروا فيه النقطة التي منها يبدءون ويعملون!!... آسا والقدوة الصالحة التي اقتداها لعل "آسا" الشاب، وهو يواجه الظروف السيئة التي واجهها، كان أدنى إلى ذلك الشاعر الغربي الذي قال: في ضغط الحوادث لم أدمدم أو أصرخ عالياً، تحت ضغط الظروف جرحت هامتي، ولكنها لم تنحن،.. بل لعل الظروف نفسها أنشأت عنده رد فعل عظيم،.. وكما أبصر برناردشو -وهو طفل صغير - أباه يدخل البيت وهو مترنح من المسكر، فعاش يكره الخمر طوال حياته، هكذا أبصر "آسا" أباه وجده، وما خلفا وراءهما من آثار بشعة،... وتحول من دخان خرابهما إلى الصورة اللامعة، صورة جده العظيم داود،... وكانت هذه الصورة أشبه بالمصباح الهادي الذي يحمله الإنسان في الليلة الداجية،.. وإذا كانوا قد قالوا: أن الجنود في معركة قاسية قد اجتمعوا حول مائدة، وهم يفكرون في الاستسلام للعدو، وبينما هم يهمون بفعل ذلك، رفع أحدهم بصره فرأى صورة القيصر معلقة على حائط، فما كان منه إلا أن أدارها إلى الحائط، لأنهم لا يستطيعون أن يسلموا، وعين القيصر تنظر إليهم!!... لقد كافح الركابيون على مختلف الأجيال والعصور في مواجهة الصعاب والمشكلات والمتاعب: "لأن يوناداب بن ركاب أبانا أوصانا"... وسعيد ذلك الإنسان الذي يستطيع في تاريخ أجداده وآبائه أن يجد يوناداب بن ركاب أو بالأحرى داود بن يسى،.. ولكل إنسان على أي حال القدوة التي تتغلغل في كيانه، وتسري في دمه، وتصبح له المثل الأعلى الذي يروم تقليده، وإذا كان نابليون قد تعود أن يضع في غرفته وهو شاب أعظم أبطال الحروب، أمثال الإسكندر، وقيصر، وهانيبال، وغيرهم ممن كانوا في نظره سادة الناس وأبطال الحروب، وتشبع بهم إلى درجة المحاكاة التي ملأت أوربا بالدم خمسة عشر عاماً،.. فإن آسا ويهوشافاط وعزيا وحزقيا ويوشيا كانوا يضعون على الدوام أباهم المثل والقدوة الصالحة التي يقتدون بها،.. وكان الواحد منهم يوصف بالقول: "عمل... كداود أبيه"... وعلى العكس من ذلك، كان النسل الشرير مثل أبيام الذي وصف بالقول: "ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه".. كان داود هو المقياس الذي تمتحن به قلوب أولاده، ومع أن هذا المقياس كان به الضعفات البشرية التي تحيط بنا جميعاً، لكنه -على أي حال- كان مقاساً مقارناً لأجيال تأتي بعده،.. وقد شجع هذا بولس على أن يقول للفلبيين: "أخيراً أيها الإخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا وإله السلام يكون معكم"... ويقول للتسالونيكيين: "إذ أنتم تعرفون كيف يجب أن يتمثل بنا... لكي نعطيكم أنفسنا قدوة حتى تتمثلوا بنا".. ترى هل نستطيع أن نكون لأولادنا ولأجيال آتية بعد، مثل هذه القدوة الصحيحة السليمة الكاملة؟!! آسا والسلوك القويم أمام الله كان آسا واحداً من أعظم الملوك الذين وصفوا بالقول: "وعمل آسا ما هو مستقيم في عيني الرب كداود أبيه"... ولسنا نظن أن هناك صفة مجيدة يمكن أن يوصف بها إنسان كمثل القول أنه يعمل المستقيم في عيني الرب، وهو بذلك يصل إلى أعلى مدارج السمو الخلقي بين الناس... قد يبدو المسيحي مستقيماً في عيني العالم، عندما يرى الناس سمو حياته اللامعة التي تبدو كالمنار العالي المرتفع على قمة جبل، وقد يكون من ذلك النوع العظيم الذي وصفه الرسول بولس في قوله: "لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاداً لله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم" أو ما ذكره الرسول بطرس "وأن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها".. وقد يبدو المسيحي أكثر من ذلك مستقيماً في عيون الأتقياء والقديسين، وهذا أعظم وأمجد،.. وذلك لأن قياس المؤمنين أعلى وأكمل وأنقى وأقدس، وهم مرات كثيرة ما يرفضون أشياء كثيرة متعددة، يرى العالم أنه لا غبار منها على الإطلاق، وهي في نظر المؤمنين كلها غبار وعفار،.. وأنه حسن أن يبدو المسيحي مستقيماً في عيني العالم، وأحسن منه أن يبدو كذلك في عيني المؤمنين، على أن الأحق والأمجد أن يكون مستقيماً في عيني الله، الذي يعرف السرائر، ويكشف الخبايا والظلمة هكذا كالنور أمام عينيه،... فإذا كان أحدهم قد قال: إن النظافة في مفهوم الناس تختلف، إذ يمكن أن نصف الشارع بالنظافة، ولكن نظافة الشارع شيء يختلف تماماً عن نظافة البلاط في المنزل،.. والبلاط النظيف يختلف بالكلية عن نظافة الأطباق وأواني الطعام، وهذه لا يمكن أن تقارن، بنظافة الأدوات الطبية المعقمة،.. فإذا ظهر الإنسان مستقيماً أمام عيني الله، فإن هذا أعلى ضرب من النظافة والحياة الخلقية السامية التي تبدو كالآنية المعقمة، بالمقارنة مع الحياة العالمية الشديدة الاتساخ،.. ومن المجيد حقاً أن توصف الحياة أمام عيني الله بحياة الاستقامة، أو حياة الخط المستقيم، أو حياة الطريق المستقيم، والطريق المستقيم هو أقصر الطرق، وأيسر الطرق، وآمن الطرق، وأمجد الطرق، فإذا كانت الدول الراقية والمتحضرة، توصف طرقها بمثل هذه الأوصاف، فإن أرقى إنسان على الأرض، وأصدق إنسان، وأعظم إنسان، وآمن إنسان هو ذلك الإنسان الذي يسلك طريق الحياة دون أن ينحرف إلى هذا الجانب أو ذلك،.. وهو الذي يسير هادئاً آمناً مبتهجاً سعيداً، في طريق الله المستقيم بين الناس!!... آسا المصلح الثائر وكم أود أن يتعلم الكثيرون من آسا كيف يكون الإصلاح، وكيف يضرب في العمق، وكيف يسير بلا هوادة أو تريث، وقد يصاحبنا الحياة كلها!!.وجمال الإصلاح أنه أولاً وقبل كل شيء، الإصلاح الصادر من شاب، إذ بدأ به منذ الدقيقة الأولى لتوليه العرش، ويبدو أن الشاب- لو كان على الأغلب في العشرين من العمر- عندما أصبح ملكاً، أشبه الأشياء ببرميل من بارود، لم يكن اعتلاؤه العرش، إلا بمثابة الشرارة التي تفجرت لتكتسح أمامها كل شيء، ولقد ظل مدة العشر سنوات الأولى يعمل بهمة لا تعرف الكلل، في إصلاح كل شيء تصل إليه يده،.. كان شاباً في طراوة الحياة ومطلع الأيام، وقد أعطى المثل بحياته، قبل أن يعطيه بكفاحه وجهاده، إذ كان أشبه بالزنبقة التي احتفظت بنقاوتها في أرض الأوحال، والزهرة التي عاشت بجمالها في وسط القاذورات،.. ولعل أروع ما في الشاب، أنه استدار إلى بيته، يطهره من المفاسد والأوشاب،.. أغلب الظن أن أمه ماتت وهو صغير وحلت ملكة بنت أبشالوم عابدة البعل والوثنية، محل أمه، وأضحت كل شيء بسلطانها القوي المفسد في البيت والأمة جميعاً، فإذا به يقوم عليها، ويحطم ساريتها، ويهدم نفوذها، ويستأصل شرها، ويعلن للجميع مدى عزمه وصدقه وقوته في القضاء على الوثنية والشر، ابتداء من أقرب الناس وألصقهم به،.. لقد أعلن آسا أنه وقف إلى جانب الحق، وهو إذا كان يحب أمه ويكرمها، لكنه لا يستطيع أن يحب أمه على حساب الحق الإلهي، ومجد الله، وهنا يجوز له أن ينقلب عليها ويقف ضدها، وهو لا يفعل هذا في الخفاء، بل يفعله على مر أى من الأمة كلها، بل ومن التاريخ بأكمله!!... وإذا كان أرسطو في واحد من أقواله المشهورة قال: "أنا أحب أفلاطون، ولكني أحب الحق أكثر من أفلاطون"، فإن كل ابن من أبناء الله جدير به أن يصل إلى شيء أبعد من ذلك: "إن كان أحد يأتي إلى ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً. ثم كان الإصلاح ثانياً: الإصلاح الروحي، وهو لب الإصلاح وجوهره إذ لا إصلاح البتة، قبل إصلاح العلاقة مع الله، والجانب السلبي لهذا الإصلاح هو هدم المرتفعات الوثنية، التي أقامها الناس تعبداً للبعل وعشتاروث والآلهة الوثنية، بما يرتبط بها من عبادة شهوانية حسية، والجانب الإيجابي هو الاهتمام ببيت الله: "وأدخل أقداس أبيه وأقداسه إلى بيت الله من الفضة والذهب والآنية"... ولست أظن أن هناك إصلاحاً في الأرض يمكن أن يحدث بعيداً عن بيت الله، والارتباط به،.. ولا يمكن لأحد أن يقنعني بأي إصلاح اجتماعي أو علمي أو اقتصادي أو أدبي، يمكن أن يحل بديلاً للإصلاح الروحي،... إن قلب الإصلاح، هو إصلاح القلب البشري، ولن تقنعني أعظم درجات الحضارة الغربية التي تعطي ظهرها لله، ولبيت الله، وللشركة مع الله،.. قال بلي جراهام ذات مرة: "إن مشكلة العالم ليست القنبلة الهيدروچينية أو حتى الشيوعية، إن المشكلة الحقيقية هي في فساد الطبيعة البشرية، فليس هناك من فرق بين الإنسان المتوحش الذي يعيش في الأدغال، حاملاً السهم في يده، وأمريكي متعلم مثقف يطير بقاذفلة قنابل محملة".. أجل وهذا حقيقي تماماً... ولعله يذكرنا بما حدث ذات مرة في انجلترا، إذ كان على أحد الشواطئ الإنجليزية كنيسة قديمة بنيت على أكمة، وكان للكنيسة برج عال يكاد يبلغ السحاب، وقد دمرت إحدى الطائرات هذا البرج، وأصابت الكنيسة في أكثر من موضع بتلف بالغ، وانقضت شهور دون أن يفكر أحد في إصلاح التلف، وفي يوم من الأيام جاء أحد قواد الأسطول البريطاني إلى راعي الكنيسة وسأله: لماذا لم يعيدوا بناء الكنيسة؟ وإذ أخبره الراعي بأن الأعضاء فقراء وعاجزون عن بنائها مرة أخرى، أجاب: إذاً فالبحرية الإنجليزية ستتولى العمل لأن البرج المرتفع كان من سنوات متعددة هو المرشد الوحيد للسفن المقتربة للشاطئ، وقد أضحت السفن في خطر بالغ لسقوطه"... أجل... وكل سفن حياتنا ستضحى في خطر، ما لم نسترشد في كل شيء بالله والدين وكنيسة الله!!... ثم كان الإصلاح ثالثاً: هو الإصلاح الأدبي، وقد قلنا هذا الكلام تجوزاً لأننا لا نفرق بين الإصلاح الروحي والأدبي، لأن الأدبي في حقيقته ليس إلا روحياً، في الشكل أو المضمون،... ولكننا اثرنا أن نذكر هذا لأن آسا قاوم ما يمكن أن نطلق عليه الشذوذ الجنسي: "وأزال المأبونين من الأرض".. ومع أن الإنسان يقشعر من هذا الانحدار الخلقي الذي سجله الكتاب عن سدوم وعمورة، وندد به بولس في الأصحاح الأول من رومية، واعتبره قاع السقوط في المستنقع الذي سقط فيه الإنسان البعيد عن الله،.. لكننا نتعجب غاية العجب، أن الدول التي يقال عنها أرقى دول العالم، لا تستنكر هذا الشذوذ، بل يزعم الكثيرون فيها أنه مظهر لحرية الإنسان التي لا ينبغي الاعتراض عليها، بل بالحري يكسبونها الشرعية فيما وصلوا إليه من إمكانية الزواج بين رجل ورجل،.. وأليس من الحق أن نقول بعد هذا القول المشهور: إيه أيتها الحرية كم من الآثام ترتكب باسمك الجميل!!... إن الغرب في حاجة إلى الملك القديم آسا لإزالة جميع المأبونين في الأرض!!... ثم كان الإصلاح هو الإصلاح المصحوب بالوعظ وكلمة الله،... ونحن نشك في أي إصلاح يبقى أو يستمر إن لم تصحبه الكلمة الإلهية، وقد وعظ عزريا بن عوبيد الشعب، وذكرهم بالقانون الخالد الذي ينص على أن الرب مع من يريده ويطلبه، كما أنه يترك من يريد تركه، ولم يذكر الواعظ القاعدة اعبتاطاً، بل عاد وإياهم إلى تاريخهم واختباراتهم، وكيف أن الله تركهم مرات متعددة أيام القضاة: "ولإسرائيل أيام كثيرة بلا إله حق، وبلا كاهن معلم، وبلا شريعة، ولكن لما رجعوا عندما تضايقوا إلى الرب إله إسرائيل وطلبوه وجد لهم وفي تلك الأزمان لم يكن أمان للخارج والداخل لأن اضطربات كثيرة كانت على سكن الأراضي".. إن تاريخ الكنيسة الطويل يشهد أن النهضات تقوم أو تنعدم على قدر ما يرتفع النبر المسيحي وينادي بكلمة الله أو يخيب عنها ويهجرها!!.. وقد توج الإصلاح بالعهد المقطوع أمام الله أخيراً،.. والعهد شيء جوهري يؤمن به وليم چيمس عالم النفس الأمريكي الكبير، إذ يترك في الذاكرة أثراً عميقاً، ليس من السهل أن يتجاوز الإنسان أو يتخطاه، ولعل هذا هو السبب الذي جعل المرنم يقول: "أوفي بنذوري قدام خائفيه.. حتى يجد نفسه مقيداً بهذه النذور أمام الله والمؤمنين!!... كان آسا نموذجاً رائعاً في ثورته الإصلاحية، كل من يريد أن يتعلم ويحاكي إصلاحه!!... آسا المحارب واجه الملك آسا حربين مختلفتين، كانت الأولى في صدر الشباب، وعلى الأغلب في السنة العاشرة من حكمه، وكانت الثانية في السنة السادسة والثلاثين من الحكم،.. وكانت الأولى أرهب وأقسى من الأخيرة، إذ زحف زارح الكوشي عليه بجيش من أكبر الجيوش القديمة، وقوامه مليون من الجنود، وقد كان من المتصور أنه مهما تكن قوة آسا واستعداده العسكري، فإنه لا قبل له أو طاقه للوقوف أمام هذا الجيش العظيم الرهيب،.. ولكن آسا لجأ إلى حليفه الأعظم القادر على كل شيء، وواجه آسا معركة من أكبر المعارك القديمة بصلاته العظيمة: "ودعا آسا الرب إلهة وقال: أيها الرب ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك اتكلنا، وباسمك قدمنا على هذا الجيش فساعدنا أيها الرب أنت إلهنا. لا يقو عليك إنسان"... فضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا، أي أنه كان واضحاً أن النصر بيد إلهية،.. وكان حريَّاً بآسا وقد حفرت هذه المعركة في أعماق ذاكرته، أن يستند إليها في مواجهة المتاعب والمصاعب والحروب التي قد تواجهه فيما بعد!!.. لكن آسا في معركته مع بعشا ملك إسرائيل فعل شيئاً مخالفاً لتصرفه الأول،.. لم يذهب إلى بيت الله ليصلي هناك، بل ليخرج من هذا البيت ومن بيته خزائن فضة وذهب ليقدمها الملك آرام لمعاونته في الحرب ضد ملك إسرائيل، واستجاب له الملك، وأعانه في الحرب، ونحن نعجب للملك الذي يترك الحليف الأقوى الذي لا يقوى عليه إنسان، إلى الحليف الأضعف الذي مهما كانت قوته، فهو لا شيء بالنسبة لقوة الله، ونحن أكثر عجباً لمن هو على استعداد أن يعطينا المعونة والخلاص، دون فضة أو ذهب أو مقابل، ومع ذلك لا نذهب إليه ونتركه لنذهب إلى من يكلفنا الغالي والثمن، وأكثر من ذلك سيتحول ضدنا يوماً من الأيام. وقال حناني الرائي هذا الكلام وغيره للملك آسا الذي كان عليه أن يعلم أن العدو الحقيقي المقبل هو الجيش الأرامي: "لذلك قد نجا جيش ملك آرام من يدك".. هل تسخط على الملك، وتنظر إليه كالأرعن الأحمق!! قبل أن تفعل هذا تذكر المعارك المختلفة في حياتك، وتذكر كيف واجهت أضخم المعارك بالإيمان العظيم، إن الله لا يقوى عليه إنسان، وتذكر أنك خرجت مترنماً صداحاً، تشهد بعظمة الله وقدرته العجيبة!!.. ثم سارت بك الأيام ودارت بك الحياة، لتلتقي بمعارك أصغر وأضأل وأقل، ولكنك واجهتها بروح أخرى أضعف وأيأس،.. لماذا حدث هذا؟!!.. هل أصابك ملل الحياة؟ هل دخلت في دور من الشيخوخة الروحية، والإعياء النفسي؟!! أم أنت بطرس يسير فوق الماء مثبتاً نظره نحو السيد، ولكنه إذ يحول النظر عنه يهوى في الحال، ولولا رحمة من المسيح وعون منه، لما طفا على الشاطئ، ولابتلعته الأعماق!!.. إيه أيتها النفس! أهكذا تتلونين وتتغيرين مع الزمن في اليوم الواحد!!... أجل، ولعل الصرخة الدائمة في -حياتنا وعلى لساننا: أؤمن فأعن عدم إيماني!!.. تذكر يا صديقي من يواجهك في المعركة وبأي روح تقاتل؟!! وهل تقاتل زارح الكوشي أو بعشا ملك إسرائيل!!.. آسا المريض ومرض آسا يعطينا تحذيراً بالغاً قوياً، إذ يرينا الرجل وهو يركض في قصة الحياة، حتى صاح عندما لم يعد قادراً على الركض ليسقط متداعياً وهو يمسك برجليه، وهو يقول آه يا رجلي؟!!.. وقال الأطباء: إن الرجل مريض بقدميه، وقد اشتد مرضه، أما نحن فقد رأينا أن قدميه الروحيتين لم تعودا قادرتين على السير، لقد أصيب الرجل بمرض الحماقة التي جعلته يغتاظ من الناصح، ويزج به في السجن،.. وكما امتلأ بالحماقة أمام بعشا فلجأ إلى المعونة البشرية، امتلأ هنا أيضاً، فلم يطلب الرب، وآمن بالأطباء البشريين، فانتهى إلى الأردأ نفساً وجسداً،.. ونحن نسأل: هل كان من الضروري أن يحدثنا الكتاب عن هذه الغيمة، التي شابت شمس الرجل وقت الغروب؟ ولماذا لم يعطنا صورة لامعة مغطاة يمكن أن تخفي الأخطاء والهنات الضعفات... إن كتاب الله لا يمكن أن يكون ككتب البشر، إذ: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح"... إن السؤال الذي يلقيه علينا آسا الملك العظيم، ليس مجرد البدء أو الشوط الطويل الناجح في قصة الحياة!!.. بل أكثر من ذلك، وماذا عن النهاية وهل هي أقوى أو أضعف؟!!... عاد الشاب بعد خمسة وعشرين عاماً من تخرجه في الجامعة، وكان عند التخرج في القمة في كل شيء، وكانوا قد اختاروه الشاب المثالي،.. عاد في زيارة للجامعة، وقد بدا عليه الجلال والبهاء، وإذا بأحدهم يسأله: إنك تبدو جليلاً، ويظهر أنك وفقت في حياتك العملية كثيراً... وأجاب الشاب: جل.. وقال السائل: يبدو أنك أصبحت غنياً!!... فأجاب: نعم.. أصبحت غنياً ولم أخطئ.. فقال له: يبدو أن عندك ثروة كبيرة من الذهب.. فقال: كلا. بل الله ثروتي!!.. كم أصلي أن تكون حياتنا إلى النهاية أقرب إلى هذا الشاب، دون أن نصاب في أرجلنا أو حياتنا بمرض آسا القديم، بل نملك كل أمانة وشجاعة أن نقول: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي الرب الديان العادل، وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً"!!..
المزيد
23 أكتوبر 2020

«مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَح»

الخطيّة هي التعدّي أو قُل أنّها فِعل الإرادة عندما تنفصل عن الله. أو هي عمل الإرادة الذاتية في مخالفة وصايا الله. وقال الكتاب أنّ أجرة الخطيّة هي موت.وبداية سقوط الإنسان كانت مخالَفة وصيّة خالِقه، ومع المخالفة صار الانفصال عن الله -عن مصدر الحياة والنور- ومع الخطية دخل الموت، وساد على الإنسان بإرادته عندما ابتعد عن الحياة، لذلك قال: «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ» (أم28: 13). المسيح جاء للخطاة -أي للموتي بالخطايا- جاء إليهم ليهب الحياة للميّت. جاء ليقيم الموتى ويحييهم. ولما كان هو غير الخاطئ وحدَه.. لذلك حمل خطيّة الخاطئ، ودفع أجرة الخطيّة عنه لما مات على الصليب، ووفّى الدين بالكامل، وخلّص الخاطئ من حكم الموت. لذلك عندما اشترانا المسيح من الموت، وسدّد الدين، وعَتَقَنا من العبودية، صرنا مديونين للمسيح. وصِرنا أحرارًا من العبودية لمّا محا الصكّ الذي كان علينا. سؤال: بعد أن تحرّرنا بنعمة المسيح من الموت، لماذا مازلنا نخطئ؟ المسيح لما اشترانا لم يَلغِ إرادتنا ولم يُنهِ حرّيتنا بل قال: «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يو8: 36). تقديس الإرادة وتقديس الحريّة هو هدف الحياة في المسيح. ليست الحرية أن أفعل ما أريد، بل الحريّة هي أن لا أُستعبَد لشيء بَطَّال.. «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يو8: 34).. الخطيّة تُفقِدني الحرّيّة الداخلية، وتتسلّط على إرادتي فأصير ضعيفًا..أنا ضعيف، وأنا مُعَرّض للسقوط.. هذا حق. قد أَسقُط، ولكنّ الصِّدّيق يسقط والرب يقيمه. الخطية لم تعُد من طبيعتي، بعد أن تجدّدتُ بالمعمودية.. الخطية عنصر غريب.. بل قُل هي مرض الموت. كِتمان الخطيّة واخفاؤها هي كَمَن يُخفي مرضَهُ عن الطبيب. هذا يصير في خطر الموت. من أكبر النعم التى حصلنا عليها في المسيح غفران الخطايا. نحن نكشف قلبنا للنور فتتبدّد الظلمة. الشيطان وكلّ قواته لا يعمل إلاّ في الظلام. كَشْفُ الخطايا يجعل إبليس يهرب. أنا أعترف أمام الكاهن.. هو وكيل الله كقول الرسول ووكيل سرائر الله. وفى نفس الوقت هو أبي.. عندما أعترفُ، أنا أرجع إلى أبي، أقول أخطأتُ وأطلبُ غفرانًا. لمّا أخطأ داود النبي وأخفى خطيّته قال: «لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي» (مز32: 3)، صار مُعَذّبًا، ولمّا اعترف أمام ناثان النبي وقال: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فقال له النبي في الحال: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ» (2صم12: 13).التوبة هي عقدٌ للصلح بيني وبين الله الذي أخطأتُ إليه. أنا راجع مِثل الابن الضال.. باكيًا نادمًا حزينًا بعد أن بدّدتُ مالي وصرتُ في العوز. عقدٌ للصلح بين اثنين: الخاطئ الراجع، والآب السماوي، ويُمَثِّله وكيله. الوكيل يمثل الله، وينوب عنه، ويمضي العقد، لأنّه مُفَوَّض بتوكيل. أنا أسمع كلمة غفران من فمِ الوكيل.الوكيل لا يملك شيئًا بل هو مؤتَمَن على أموال موكِّله، هو يمثّله في كلّ شيء. لذلك لا يصح أن اعترف بخطاياي أمام أي أحد ليس عنده توكيل. الوكيل لا يعطي من ذاته ولا يصرف من خزانته. الوكيل يتصرف بحسب أوامر سيده.الكاهن يضع يده بالصليب على رأس المعترف.. فالصليب هو الذي دفع ثمن الخطيّة بموت المسيح عليه.. في الصليب الغفران، ودم يسوع المسيح يطهّرنا من كلّ خطيّة. والكاهن يقول لله: «الذين أحنوا رؤوسهم تحت يدك» فيد الكاهن المنظورة تشير إلى يد الله غير المنظورة..أنا أطلب الحل والغفران فيقول الكاهن: «الله يحالك من خطيتك».رباطات الخطية هي رباطات الموت.. والكاهن وكيل الله أخذ هذا من فم المسيح «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ» (يو20: 23). هو قال للرسل الأطهار لما أقام لعازر: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ» (يو11: 44). أنا أخرج من الاعتراف في قمّة الفرح، لأجل غفران الخطايا، وكسر القيود، وحلّ الرباطات التي كنتُ مربوطًا بها.أشعر أنّ روحي عادت إلى حريّتها ورونقها ورجائها. قد تبدّدت الظلمة. لم يعد في نفسي شيء أخجل منه.. أشرق النور داخلي.. أعودُ أجدّد عهودي، وأسترد قوتي للجهاد الروحي، والسعْي نحو خلاصي وتمتُّعي بالنعمة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
14 مايو 2021

سر قيامة المسيح

قرأنا معًا بدء تفسير القديس كيرلس الكبير على آية إنجيل يوحنا (6: 51)، وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»، ونستكمل الآن تفسيره لهذه الآية[لكن قد يقول قائلٌ، مثبتاً عين فهمه على قيامة الذين رقدوا: أن أولئك الذين لم يقبلوا الإيمان بالمسيح، ولم يصيروا شركاءه، لن يقوموا مرة أخرى في زمن القيامة. ماذا؟ ألن يعود الى الحياة ثانية، كل من مات؟] هنا يتساءل القديس كيرلس: ربما يقول شخصٌ ما: هل كل الموتى سيقومون في القيامة الثانية عند مجيء رب المجد ثانية من السماء، أم سيقوم المؤمنون بالمسيح فقط؟ أي هل خليقة الله التي خلقها على صورته ومثاله سوف تقوم ثانية بعد أن تفارق هذه الحياة المؤقته، أم مآلُها إلى زوال؟ خاصة الذين لم يؤمنوا به ولم يكن لهم شركة معه. ويجيب القديس كيرلس مستشهدًا بسفر إشعياء النبي حسب الترجمة السبعينية[لكن نقول عن هذه الأشياء، أجل، كل جسدٍ سوف يحيا ثانية، لأن كلمة النبوءة سبقت وأخبرت أن «الموتى سيقومون» (إش 26 : 19 سبع). لأننا نعتبر أن سرَّ قيامة المسيح يشمل كل الطبيعة البشرية، ونؤمن أن فيه أولاً (أي في المسيح) قد تحررت كلُّ طبيعتنا البشرية من الفساد. لأن الجميع سيقومون، على مثال ذاك الذي أُقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه، عندما صار إنسانًا] من تفسير القديس كيرلس يتضح أن القيامة الثانية، أي القيامة للحياة الأبدية، لم تكن تحدث لولا قيامة الرب يسوع من بين الأموات، لأن الطبيعة البشرية عندما اتحدت به نالت فيه أولاً الحرية من الفساد. وهذا ما سبق وقاله في بداية تفسيره لهذه الآية: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14-15). وهكذا شمل سر قيامة المسيح كل الطبيعة البشرية. ولم يكن ممكنًا أن نقوم لولا أننا كنا فيه عند تجسده وعند قيامته، أو كما يقول القديس كيرلس: «لأن الجميع سيقومون على مثال ذاك الذي أقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه». وهذا واضح من رسالة القديس بولس، والتي قرأناها الآن: «هَكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ» (1كو 15: 42). فلولا أننا نلنا عدم الفساد بسبب أننا كنا في المسيح، ما كان ممكناً أن نقوم للحياة. ثم يقول القديس كيرلس [وكما أنه في الإنسان الأول قد سقطنا في الموت، هكذا في البكر مرة أخرى، الذي صار (بكرًا) لأجلنا، سوف يقوم الجميع من الموت، لأنه كما هو مكتوب: «فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو5:29)، وإني أسلِّم بأن ما هو أكثر مرارة من الموت هو القيامة للعقاب، والقيامة مرة أخرى لنوال الخزي وحده] هنا يشرح القديس كيرلس أن آدم الأول كان بكر البشرية العتيقة، أما الرب يسوع فقد صار بكرًا لأجلنا لقد دُعي بكرًا في ميلاده: «فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ» (لو 2: 7)؛كما دُعي بكرًا بين إخوته: «لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو 8: 29)ومقابل آدم بكر الخليقة العتيقة، دُعي المسيح بكر الخليقة الجديدة: «اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو 1: 15)؛والبكر من الأموات: «وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كو 1: 18)؛وهو نفس اللقب الذي استمر معه حتى في الأبدية، حسب ما جاء في سفر الرؤيا: «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤ 1: 5) بعد ذلك يوضح القديس كيرلس معنى القيامة للحياة، فيقول[إذن بمفهوم أدق علينا أن نفهم الحياة كما هي في حقيقتها بأنها: «الحياة في المسيح»، في قداسة وغبطة وفرح لا يزول. لأن هذه هي الحياة حقاً التي يعرفها أيضاً يوحنا الحكيم، قائلاً «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً، بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ» (يو3 : 36). لأنه هوذا يتحدث، ويا للعجب، ويقول إن الذي لا يؤمن لن يرى حياة، رغم أن كل مخلوق سيعود إلى الحياة مرة أخرى، وسيقوم ثانية. لهذا من الواضح، أن المخلص لسبب معقول، قد سمى تلك الحياة المعدة للقديسين بأنها هي الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها، بقدومنا الى التناول من الجسد الواهب الحياة، الأمر الذي لن يرتاب فيه كل عاقل]هذه هي الحياة كما أوضحها الكتاب المقدس، وكما شرحها القديس كيرلس الكبير. الحياة هي «في المسيح»، وخارج المسيح ليس حياة. لأنه «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ» حسب قول القديس يوحنا في إنجيله (يو 1: 4)؛ وأيضًا في رسالته الأولى: «وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» (1يو 5: 11-12). وكيف تنتقل لنا الحياة التي في المسيح، لقد أوضحها القديس كيرلس بكل بساطة: «إنها الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها. ولكن كيف؟ بقدومنا إلى التناول من الجسد الواهب الحياة». أي بالشركة أو التناول من جسد المسيح المبذول من أجلنا وشرب دمه المسفوك من أجلنا. أليس هذا ما نقوله في كل قداس: يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أو كما كررناها كثيرًا في قسمة الصوم المقدس: «هَذَا هَوُ خُبْزُ الحَياةِ الذي نَزَلَ مِنَ السَماءِ، لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آَبَاؤُكُمْ المَنَّ فِي البَرَّيَةِ وَمَاتُوا؛ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَحْيَا إلى الأَبَدِ، وأنا أُقِيمُهُ في اليَوْمِ الأَخِيْرِ». خرستوس آنستي وكل عام وجميعكم متمتعين بأفراح القيامة، والمجد لله دائمًا. نيافة الحبر الجليل المتنيح الشهيد الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار
المزيد
30 نوفمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 30 المسيحى وحياة الألتزام

مفهوم الالتزام المسيحى وأهميته .... الالتزام هو تجاوب مع محبة الله الباذلة ... ان العلاقة بيننا وبين الله تقوم على المحبة الباذلة المسئولة من الله نحو الانسان، لقد خلقنا الله وافتقدنا بالانبياء واخيرا اتى الينا متجسداً ليقدم لنا الفداء والخلاص ويهبنا نعمة البنوة له بالإيمان فالالتزام المسيحى ليس فروض او واجبات بل هو ان نبادله المحبة { نحن نحبه لانه هو احبنا اولا} (1يو 4 : 19).الالتزام هنا يعنى ان الإنسان الروحى لكى ينال خلاصه الابدى ويحيا البنوة لله عليه ان يحيا حياة التلمذة لله وطاعة وصاياه فى حياة الجهاد للوصول الى حياة الفضيلة والبر ثابتين فى الله ومنقادين بروحه القدوس . الالتزام اذاً هو واجب علينا على ضوء كلمة الله فى الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة وفكر الاباء القديسين وهذا ما عاشته الكنيسة منذ العصر الرسولى فى تلمذة مستمرة وتقوى الله { هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته} (اع 1 : 14) {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46). انه الالتزام ينبع من الحرص على المحبة المتبادلة والوفاء لله وطاعة وصاياه فى فرح وسرور { ان افعل مشيئتك يا الهي سررت وشريعتك في وسط احشائي }(مز 40 : 8) الالتزام قيمة ومبدأ روحى ..... ان الالتزام هو التحلى بروح المسئولية كقيمة ومبدأ روحى وهو لا يعنى فقط أحترام المواعيد او الوفاء بالعهود والوعود بل أيضا يعنى ايضا الالتزام الإيمانى السليم والالتزام بالروحيات والاخلاقيات وبالسلوك الحسن أمام النفس والله قبل ان يكون مع الناس .هو فضيلة ضبط النفس وتعفف داخلى وتظهر ثماره فى علاقات الانسان الخارجية { من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فاذا من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات} مت 16:7-21. الالتزام الروحى هو مرحلة أعلى بكثير من الالزام القانونى او مرعاة قيم وعادات المجتمع والتى يخضع لها الانسان بحكم القانون وتقع عليه العقوبات أو الاحكام او الرفض الإجتماعى ان لم ينفذها فهو هنا الزام اضطرارى اما الالتزام فينبع من ضمير وروحيات الانسان واخلاقه { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم} (2كو 1 : 12). الالتزام والنضج الروحى ... الالتزام هو نضج روحى واحساس بالمسئولية وجهاد روحى مما يجعل الانسان ذو مصداقية راض عن نفسه ومحل احترام الغير وهو وصول الى الرجولة الروحية واحترام الانسان لوصايا الله وللوعود والعهود مع الله والغير. انه ادراك واعى لجدية الحياة الروحية { الرخاوة لا تمسك صيدا اما ثروة الانسان الكريمة فهي الاجتهاد} (ام 12 : 27). ان ادراكنا ان لنا اعداء يتربصون بنا يجعلنا نعمل بحرص ونشاط ونحن مستعدين لكل عمل صالح { اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} 1بط 8:5-10. ان النفس التى تستسلم لحياة الكسل والرخاوة تكون العوبة فى يد الشيطان وأفكاره أما الانسان الملتزم والعامل بنشاط فانه ينمو يوماً فيوم { ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت و لكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام }(في 3 : 13). ان الالتزام هو قبول بفرح لحمل الصليب واتباع السيد المسيح فى امانة حتى الى الجلجثة لكى نستطيع ان نعاين أمجاد القيامة المجيدة { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم و يتبعني } (لو 9 : 23). وكما قال القديس بولس الرسول { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته }(في 3 : 10). الالتزام وحياة الإيمان القويم ... ان الالتزام ينبع من ضرورة ان نحيا حياة الايمان { ولكن بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه لانه يجب ان الذي ياتي الى الله يؤمن بانه موجود وانه يجازي الذين يطلبونه} (عب 11 : 6). فى الايمان عاش ابائنا القديسين ونحن مدعويين الى حياة الجهاد فى الايمان القويم المسلم للقديسين { لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا. ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم} عب 1:12-3. نحن نحافظ على الايمان ونحياه { مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية} (اف 2 : 20). وعلى مدى تاريخ الكنيسة الطويل تصدى أبطال الإيمان للدفاع عن سلامة الإيمان وصحة العقيدة وكانوا ملتزمين بدحض كل الهرطقات والأفتراءات مهما كلفهم هذا من ألم واضطهاد بل وسفك دم أو استشهاد ، إننا نضع أمام عيوننا باستمرار هؤلاء البطاركة الملتزمين الجبابرة مثل القديسين أثناسيوس الرسول وكيرلس عمود الدين وباسيليوس الكبير ويوحنا ذهبي الفم وغيرهم وليس هؤلاء فقط ابطال الايمان بل ان الذين يعيشوا الايمان ويحيوه فى كل جيل محافظين على الامانة والعقيدة هم ابطال ايمان وتقوى والتزام فان الشهيد يموت مرة واحدة أما من يتمسك بايمانه وسط عالم الاثم والخطية ويحيا حياة البر والتقوى هو شهيد يمات طوال النهار كما قال القديس بولس الرسول { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو 35:8-39. الالتزام اذا هو حرص وسهر على خلاص النفس وحفاظ على الايمان القويم وانتماء للكنيسة وايمانها وشركة مع الجماعة المؤمنة بالروح الواحد مع الشهادة الحسنة للمسيح الذى دعانا ان نكون نورا فى العالم وملحا فى الارض. الالتزام اذن هو ان نعيش الحياة الفاضلة بما فيها من محبة وصلاة من اجل خلاص العالم وسلامه ومن أجل كل نفس خاطئة او بعيدة عن المسيح لتذوق ما أطيب الرب . السيد المسيح قدوة ومثال فى الالتزام السيد المسيح والالتزام بالهدف الروحى ... لقد جاء السيد المسيح الى العالم من اجل خلاصه وهكذا دعى اسمه منذ ان بشر به الملاك "يسوع" تعنى " مخلص" { فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم }(مت 1 : 21) وهكذا سار السيد المسيح يجول يصنع خيراً ويعلم ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب . داعيا الخطاة الى التوبة والرجوع الى الله دون ان يحيد عن طريق الصليب والفداء لقد أخبر تلاميذه قبل الصلب والفداء بما سيحدث له وانه جاء ليبذل نفسه على الصليب بارادته وسلطانه أكثر من مرة { وفيما كان يسوع صاعدا الى اورشليم اخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم.ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه الى الامم لكي يهزاوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم} مت 17:20-19. وقال للآب القدوس { انا مجدتك على الارض العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته (يو 17 : 4) وعلى الصليب قال { قال قد اكمل ونكس راسه واسلم الروح }(يو 19 : 30). ان السيد المسيح التزم بهدفه الروحى رغم خطورته وصعوبته { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). اننا عبر التاريخ كله نجد انه ما من صاحب رسالة استطاع كما السيد المسيح فى مدة تذيد قليلاً عن ثلاث سنوات ان يغير وجه العالم لا بجيوش جرارة ولا باسلحة جبارة ولا بعدوان او طغيان كما يفعل الغزاة الفاتحين بل بالمحبة والتواضع والوفاء وانكار الذات والبذل والفداء . فافكاره وتصوراته ووسائله وغاياته النبيلة والتزامه بالمحبة والبذل جعلته يمتلك القلوب وتسجد وتنحى له الرؤوس . السيد المسيح والالتزام برسالته السامية ...لقد جاء السيد المسيح كلمة الله المتجسد من اجل رسالة سامية عمل وعلم بها منذ بدء خدمته ويلتزم بها الى المنتهى { جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل} مر 14:1-15. كان يعلم انه مسيح النبؤات الذى تنبأ عنه الانبياء والذي ينتظره اليهود مبشرا للمساكين ولتحرير الماسورين وليهب البصر والبصيره للبشر، انه جاء فاتحا باب الرجاء للخطاه من كل جنس ولون وفى بدء خدمته دخل المجمع كعادته كل سبت فى التزام روحى وفتح سفر اشعياء ليقرأ { فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية. واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه} لو 17:4-22. لقد وبخ السيد المسيح الذين لم يؤمنوا به لانهم رغم النبؤات التى عينت زمن مجيئه وعلاماته ورغم تعاليمه ومعجزاته وحياته لم يؤمنوا { فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق انفسنا ان كنت انت المسيح فقل لنا جهرا. اجابهم يسوع اني قلت لكم ولستم تؤمنون الاعمال التي انا اعملها باسم ابي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لانكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} يو 24:10-28. ولهذا نراه يمتدح اعتراف القديس بطرس الرسول بانه المسيح ابن الله الحى { ولما جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلا من يقول الناس اني انا ابن الانسان. فقالوا قوم يوحنا المعمدان واخرون ايليا واخرون ارميا او واحد من الانبياء. فقال لهم وانتم من تقولون اني انا. فاجاب سمعان بطرس وقال انت هو المسيح ابن الله الحي. فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا ان لحما ودما لم يعلن لك لكن ابي الذي في السماوات. وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها} مت 13:16-18. وحتى بعد القيامة أخذ يظهر للتلاميذ والرسل ليخبرهم باسرار ملكوت السموات ويؤهلهم بالامكانيات اللازمة للقيام بالكرازة { وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. وهذه الايات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة. يحملون حيات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبراون . ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء و جلس عن يمين الله. واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم و يثبت الكلام بالايات التابعة امين} مر 15:16-20. السيد المسيح ومواصلة عمله الخلاصى .. لقد اختار السيد المسيح عددا قليلا من التلاميذ والرسل الذين أمنوا به ليكونوا هم طليعة المؤمنين الذين بهم ينشر رسالته الساميه فيكونوا الخميرة الصغيرة التى تخمر العجين كله وتنقل بشرى الخلاص الى العالم وبعد ان عاينوه وتتلمذوا عليه تاركين كل شئ دون تردد ولازموه حتى نهاية حياته على الارض ظهر لهم بعد القيامة وعدهم بان يكون معهم ومع من يؤمنون بواسطتهم الى انقضاء الدهر { فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الارض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} مت 18:28-20. لقد اختار السيد المسيح التلاميذ والرسل من عامة الناس وليس من ذوى الجاه او السلطان او من المتضلعين فى الشريعة او العلوم ليكون فضل القوة لله لا منهم ولكى ياتوا بثمار كثيره للملكوت ويدوم ثمرهم { ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي} يو 16:15. ولقد التزم التلاميذ والرسل القديسين بتوصيل بشرى الخلاص الى كل العالم وقد انهى معظمهم حياته بالاستشهاد من أجل القيام برسالته ولكن كانت دمائهم هى البذار الصالحة التى نمت منها شجرة الايمان وامتدت مستندة على صخرة الايمان وستحمل الكنيسة هذه الرسالة الخلاصية عبر الزمان حسب وعده الصادق ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها. ونحن نثق انه وان كان لنا فى العالم ضيق فاننا به منتصرين { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33). فنحن نحيا الايمان ونحتمى فيه ونكرز به { اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق و يتمنع } ( أم 18 : 10 ) فنحن ملتزمون بايماننا بمسيحنا القدوس والسعي لنشر ملكوته سواء بالقدوة او الاعمال الحسنة او الاستعداد لمجاوبة كل من يسالنا عن سبب الرجاء الذى فينا { إذ الضرورة موضوعة علىّ فويل لي إن كنت لا أبشر} (1كو 9: 16 ) المؤمن الأصيل ملتزم بالحديث عن الرب واستعلان مجده على الأرض من خلال حياته الاختبارية وإنجيله المعاش ، فالمومن لاسيما الخادم الامين ملتزم في عبادته وجهاده بخلاص نفسه ونفوس مخدوميه ،يصلي من اجلهم ويعلمهم ويقتادهم للملكوت وفي هذا كله ينال نصيبه في المكافاة فى الملكوت السماوى. الالتزام فى حياة المؤمن الإلتزام كمبدأ عام ... ان حياة الالتزام المسيحى كمبدأ عام فى حياة المؤمن ليس فى المجال الروحى فقط بل وفى الحياة الاجتماعية والكنسية والسياسية والاقتصادية وفى التعاملات العامة والخاصة وفى العلاقات مع الله والناس والنفس فالالتزام كل لا يتجزء وينطبق على المؤمن قول السيد المسيح له المجد {أنتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} 13:5-16. فإذا إنعزل النور عن البيت لا يفيد الساكنين فيه ، وإذا أُنتُزِعَ الملح من الطعام فلا فائدة منه، وإذا أُخرجت الخميرة عن العجين تَحجَّرَتْ وفسدت. لذا علينا أنْ نشارك بايجابية وفعالية ومحبة فى خدمة مجتمعنا والصلاة من أجله . الالتزام بآداب التعامل والسلوك المسيحى .... الالتزام منهج داخلي وتعهد قلبي وحياة داخلية تثمر وتظهر فى العلاقات مع الله والناس ، فيلتزم الانسان بكل كلمة يقولها وبوعوده التى يقطعها وتعهداته مع الله والناس . لقد قال بنى اسرائيل لموسى النبى{ تقدم انت واسمع كل ما يقول لك الرب الهنا وكلمنا بكل ما يكلمك به الرب الهنا فنسمع ونعمل. فسمع الرب صوت كلامكم حين كلمتموني وقال لي الرب سمعت صوت كلام هؤلاء الشعب الذي كلموك به قد احسنوا في كل ما تكلموا. يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد} تث 27:5-29. فهل سمعو وعملوا والتزموا ام خانوا العهد والوعد { ولما راى الشعب ان موسى ابطا في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له قم اصنع لنا الهة تسير امامنا لان هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا اصابه. فقال لهم هرون انزعوا اقراط الذهب التي في اذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واتوني بها. فنزع كل الشعب اقراط الذهب التي في اذانهم اتوا بها الى هرون. فاخذ ذلك من ايديهم وصوره بالازميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه الهتك يا اسرائيل التي اصعدتك من ارض مصر} خر1:32-4. وليس هؤلاء فقط بل هناك الكثيرين من الذين يسيرون وراء الشهوات والمال والعالم ويتركون الله كما يحزرنا الكتاب المقدس {ولكن اعلم هذا انه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة. لان الناس يكونون محبين لانفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء. فانه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت ويسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة. يتعلمن في كل حين ولا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا. وكما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء ايضا يقاومون الحق اناس فاسدة اذهانهم ومن جهة الايمان مرفوضون} 2تيم 1:3-8. المؤمن الملتزم يحترم حقوق الاخرين ويلتزم حتى بدفع النذور والعشور واذيد منها ان أقتضى الامر فهو يعطى حتى من اعوازه ، ويقدر قيمة النفس البشرية كصورة الله من اى جنس ولون ودين وهو ملتزم بالمشاركة في أفراح الآخرين وآلامهم { فرحاً مع الفرحين و بكاء مع الباكين } رو 12 : 15. كما يلتزم بمساعدة المحتاجين ليس ماديا فقط بل ومعنويا وروحيا فى سعى لاعلان محبة الله لهم ولخلاصهم { مشتركين في احتياجات القديسين عاكفين على إضافة الغرباء } ( رو12: 13 ) لقد التزم داود بعمل الخير والمعروف مع كل من بقى من بيت شاول الملك من أجل يوناثان ابن شاول ، فيا ليتنا نلتزم بفعل الخير لكل أحد كطبيعة خيرة فينا كاولاد وبنات الله القديسين . نحترم المواعيد ونقدر مشاعر الاخرين ونتفهمهم ونتأنى فى الحكم عليهم . علينا اذاً ان نكون ملتزمين فى حياتنا ونطلب معونة وارشاد الروح القدس لنا فى حياتنا وننفض عنا الكسل والتراخى والتساهل مع النفس وان استلزم الامر عدم مخالطة المتسيبين والاشرار ما لم نكون أقوياء وثابتين فى الحق نؤثر ولا نتاثر بمن حولنا. المسيحي والإلتزام بالعمل العام ... الانسان المؤمن يلتزم بالانخراط والمشاركة فى العمل العام سواء فى الحياة الاجتماعية أو السياسية او الاقتصادية وكل مجالات الخدمة العامة فى مجتمعه وبيئته ، فهو انسان له رسالة كسفير للسماء وامينا على الوزنات التى يؤتمن عليها. عليه ان يتجنب الذوبان فى المجتمع وفقدان شخصيته الإيمانيه فى المجتمع كما يتجنب الانعزال وفقدان الهوية الحلُّ الصحيح هو في الحضور الفعّال كمواطنين مسيحيين. من هنا يجب علينا أن نفهم جيداً معنى ما قاله المسيح {أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله}. فالمعنى الصحيح لهذا القول هو أن لا يتمَّ إستغلال الله لمآرب سياسية أو المتجارة بالدين ، ولا إستغلال السياسة لفرض الامور الإيمانية التى تاتى بالاقتناع القلبي . القصد من القول هو التمييز بين الإثنين. خاصة وهناك مجالات عمل مشتركة بين ما لله وما لقيصر فكرامة الانسان، الحريَّة ، العدل، السلام والمساواة ومعالجة الفقر والجهل والمرض كلها أمور من صميم الأيمان كما انها من صميم العمل الانسانى والاجتماعى والسياسى . من هنا كان الالتزام بالشأن السياسي كمواطنين مسيحيين أمر حيوي من الناحية الإيمانية أيضاً. الايمان لا يخص قومية او جنس او كنيسة بل هو محبة لله لكل انسان . مع انتماء المؤمن الى للوطن الذى يعيش فيه وخدمته والوفاء له. كما ان الايمان لا يعنى اقلية تعيش بين أكثرية وعلى هذه الاقلية ان تتدبر أمورها فهويتنا لا يجب ان تنحصر فى أقلية وأكثرية بل تقوم على كرامة الانسان وحق المواطنة التى يجب ان يتمتع بها كل إنسان . ايماننا المسيحى ليس سلعة مستوردة من الغرب ولا يحمل تبعات الغرب فى علاقته بالعالم الاسلامى فنحن مواطنين من أصل ونسيج الوطن عبر مئات والاف السنين ولنا ما لاى مواطن مصرى من حقوق وعلينا ما عليه من واجبات ولن يستطيع أحد ان يذايد على محبتنا لبلادنا أو ولائنا لترابها وماضيها ودفاعنا عن حاضرها وعملنا من أجل مستقبلها الحر الكريم إنَّ الهدف من العمل العام او السياسى هو خدمة الصالح العام وذلك ليضمن الكرامة الكاملة للإنسان كفردٍ وكجماعة. وفي هذا القول حدٌّ واضحٌ لأيِّ شكلٍ من أشكال الإستبداد الجماعي بحجَّة الأمن أوالزعم بحكم الاغلبية ، فيجب الحفاظ على حقوق الاقلية وصيانتها . كما أنَّه لا يجوز لأحدٍ أن يحتكر هذه الخدمة بحيث يمنع غيره من المشاركة الفعّالة في تسيير أمور الحياة العامة. ولا يجوز عدم مشاركة العادلة للأقليَّة فى العمل السياسي بحجَّة أنَّها أقليَّة مغايرة لدين الاغلبية تحت اى حجج او مبررات . إنَّ المشروع السياسي المسيحي المٌنْطَلِقْ من الإنجيل، يوضِّح لنا المبادى العامة التى يجب ان يبنى عليها النظام من أخاء ومساواه واحترام وعدالة وحقوق متساويه ورفع الظلم وسيادة القانون ويترك التفاصيل لكى تتناسب مع الزمان والمكان وبما يخدم الناس كما ان من يقوموا بالعمل العام لابد ان يدفعه مبدأ الخدمة وليس المصلحة أوالتسيط أو السيادة { فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن اراد ان يكون فيكم اولا فليكن لكم عبدا. كما ان ابن الانسان لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مت 25:20-28. فالعمل السياسي إذن هو من أعمال الخدمة العامة لكلُّ المؤمنين، لكن بدرجات متفاوتة. فقد يتفرَّغ البعض له، بينما يبقى البعض الآخر مشاركاً فيه بالإضافة الى خدمة أخرى يؤدّيها في المجتمع. والكنيسة كمؤسسة دينية توجِّه نداءها الى أبنائها والى كلِّ إنسان يريد أن يسمع صوتها. لكنَّها تأبى أن يستغلَّها أحد ليجعلها أحدَ أعوانه. الكنيسة عونٌ لكلِّ إنسان مهما كان هذا الإنسان. لكنَّها ككنيسة لا تدخل المعركة ضدّ أحدٍ وإن نَدَّدتْ بالإعتداءات أو نادت بالحقوق فمن المنطلق الروحى والانسانى فى الدفاع عن الحق ونصرة المظلومين . دور الكنيسة إذا هو دور نبوّي لتكون الضمير الحى لعصرها . أمّا المواطن، فإنَّه يدخل صفوف المعركة السياسية، لأنَّه مواطن مثل غيره، ومكانته تفرض عليه العمل من اجل مصلحة بلاده ، حيث يجب عليه أن يَتصرَّف بوحي من إيمانه. معنى ذلك أنَّه لا توجد محاذير مفروضة على المؤمن في التزامه السياسي. عليه هو أن يرى بإيمانه ما يناسب الإيمان أو لا يناسبه سوء في الحزب أو الخط السياسي الذي ينتمي اليه، وأن يَتصرَّف بحسب مبادئه الإيمانية . طبعاً هذا يفترض أن يكون الانسان المؤمن مُلِماً بأمور إيمانه. من جهة أخرى، إنَّنا نرفض وبشدَّة أمرين جوهريين في الكنيسة كمؤسَّسة: الأول أن تصمت وأن تبقى محايدة في حال وقوع الظلم وإنتهاك كرامة الإنسان وحريَّته، والثاني، أن تصبح بوقاً لتيارٍ أو حكمٍ سياسي ما. فالكنيسة الحقيقية، كنيسة المسيح الحقَّ يجب أن تكون صوت دعوة الى الحق والعدل والبر وصوت الإنسان المظلوم أوالذي أُنتُهكتْ حقوقه. ثمار الالتزام ونتائجه ... الالتزام والثبات فى الحق .. عندما نحيا فى التزام بمحبة الله والسير تبعا لوصاياه نثبت فيه ونأتى بثمرويدوم ثمرنا ونثبت فى محبة الله { انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا. ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق. ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم} يو 5:15-11.{ حبيب الرب يسكن لديه امنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن }(تث 33 : 12). الالتزام يجعل الله الاول والاهم فى حياتنا ويجعلنا نعرف الحق ونثبت فيه {ِ ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق و الحق يحرركم. } (يو 31:8-32). ان للحق قوة غافرة ومحرره وقادره أن تنتصر على الشيطان والخوف والضعف . الالتزام وحياة السلام والفرح .... الانسان الملتزم يحيا فى سلام مع الله ومع من حوله ويواصل بامانة عمل السيد فى صنع السلام وينال الطوبى اى السعادة والبركة { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9) الملتزم يحيا فى فرح بالرب وبعمله الطيب وثماره { ما اجمل اقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات }(رو 10 : 15).عندما أعلن القديس بولس تقبله للقيود والشدائد التي تنتظره من أجل خدمة إلهه عقب على ذلك بقوله { ولكنني لست احتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعى والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله}( أع 20 : 24 ) - الالتزام والثقة والاحترام ... الملتزم هو انسان يحترم نفسه وكلمته ووعوده وكلامه وواجباته مما يجبر الاخرين على احترامه ويجعله موضع ثقتهم فالملتزمون قدوة منيرة على الطريق. فالملتزم بضميره الحى واليقظ هو قدوة طيبة وسبب بركة عظمى للكثيرين هكذا كان يوسف الصديق فى التزامه وامانته بركة فى كل مكان حل به . نتيجة لذلك استطاع ان يحتل مكانة مرموقة فى مصر {فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف بعدما اعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. انت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي الا ان الكرسي اكون فيه اعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف انظر قد جعلتك على كل ارض مصر} تك 38:41-41. فالملتزمون روحياً هم الصالحون لمجالات القيادة والتدبير الروحي. الخادم الملتزم هو إنسان قيادي يستطيع أن يحقق مطالب الخدمة بغيرة ونشاط . والروح القدس يعمل في الكنيسة من خلال الامناء المخلصين هكذا عمل مع يوسف ففسر الاحلام وعمل مع الرسل وقادهم فى خدمتهم ، عمل فى الشماس اثناسيوس فدافع عن الإيمان وقاد الكنيسة لبر الامان فى ظروف قاسية وصعبة.إن الالتزام هو منهج حياة يتحول إلى عقيدة راسخة في عقلنا وضميرنا وحياتنا العملية فنحيا كانجيل معاش نٌسلم الايمان والامانة للأجيال المقبلة على أسـس الحياة السليمة المنضبطة {فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت 5 : 16). وتكون لنا السيرة الحسنة والامانة والالتزام بالواجب بدافع المحبة لله والقريب كما يوصينا الكتاب وبوازع من الروح والضمير { وان تكون سيرتكم بين الامم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من اجل اعمالكم الحسنة التي يلاحظونها }(1بط 2 : 12). القمص إفرايم الأنبا بيشوى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل