المقالات

16 سبتمبر 2021

يوحنا المعمدان

«لم يَقُم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان،ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه» (مت 11: 11) كلامٌ محيِّر!! هل يقصد المسيح نفسَه أنه أصغر من يوحنا في السنِّ؟! إن أي كلام محيِّر في الإنجيل لابد أن تجد الجواب عليه فيما بعد! فيوحنا المعمدان هو إيليا لأنه أتى بروح إيليا: «وإن أردتم أن تقبلوا، فهذا هو إيليا المُزمع أن يأتي. مَن له أُذنان للسمع فليسمع» (مت 11: 15،14) كلنا لنا آذان، ولكن المسيح قال: «لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي» (يو 8: 43)! «جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً، فتقولون: به شيطان» (لو 7: 33)!! جاءكم إنسان ناسك يصوم ولا يأكل إلاَّ الجراد. المسيح هنا يُقارن بين نفسه وبين يوحنا (كل الأصحاح يدور حول هذه المقارنة). كان يوحنا يأكل جراداً وعسلاً بريّاً، عاش 30 سنة في البرية، وكان يلبس ثوباً خشناً ومِنْطقة من جلد؛ أما المسيح فجاء كشخصٍ عادي يأكل ويشرب الكتبة والفرِّيسيون قالوا عن يوحنا إن به شيطاناً، وفي كل جيل توجد فئة تتكلَّم بالشرور على الآخرين. وقالوا عن المسيح الذي يأكل ويشرب مثلنا: «إنسان أكول وشريب خمر، مُحبٌّ للعشارين والخطاة» (لو 7: 34). كان يمشي ومعه جمعٌ من العُرْج والعُمي والخطاة (مت 15: 31)، وإلى هذا اليوم نجد هذا الأمر: فإذا أكل رجل الله، لا يعجبنا هذا؛ وإذا صام، لا يعجبنا أيضاً «والحكمة تبرَّرت من جميع بنيها» (لو 7: 35). أي أن الحكمة تبرَّرت من أولاد الحكمة. والحكمة الإلهية التي أرسلت يوحنا هي التي تجسَّدت في المسيح ربنا. الفرِّيسيون رفضوا مشورة الله؛ أما العشارون فاعتمدوا من يوحنا. وفي حياتنا نجد هذه الأصناف: صنف يأكل، ويشكر الله؛ صنف لا يأكل، ويشكر الله؛ صنف آخر، ينتقد هذا وذاك. ليتك، يا أخي، لا تكون من الصنف الثالث. ملكوت السموات: ما هو؟ ”ملكوت“ من كلمة ”ملك“، أي أن الله يملك: «يا ابني أعطني قلبك» (أم 23: 26)، هذا هو عرش الله.توجد قصة عن كارز بالهند، تأثر من كلامه رجل هندي، فأحضر ابنه الصغير وأعطاه للكارز كهدية عن كرازته، ولكن الكارز رفض. فأحضر له الرجل ابنه الأكبر، فرفض أيضاً. فأحضر له زوجته، فرفض. وأخيراً قدَّم له ذاته، فقَبـِلَه. فقال الرجل للكارز: ”أخدمك“. فأجابه الكارز: ”كُن معي لنعبد الله معاً ونخدم معاً“. وهكذا نحن لا يَرضَى الله منا أي شيء نمتلكه، بل قلوبنا هكذا ينبغي أن نُقدِّم للرب قلوبنا كل يوم قائلين: ”أنا أحبك من كل قلبي“. وحبُّ القلب، أن لا يفصلنا عن المسيح شيء.المسيح ليس له شيء أعظم من القلب ليتقدَّس به. وملكوت الله كائنٌ فيك، أي يملك على قلبك. وإذا ملك الله على قلبك تصير مِلْك لله. «ملكوت الله داخلكم» (لو 17: 21)، أي أن الإنسان صار كنيسة أي بيت الله. الله لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي، ولكن في قلبك الذي صنعه. ملكوت الله هو قلبك عندما يسكن الله فيه.ملكوت الله في مناداة يوحنا المعمدان: «يا أولاد الأفاعي. مَن أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي (أي يوم المسيَّا)... والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار... ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لستُ أهلاً أن أحمل حذاءه... الذي رفشه في يده (أي المذراة التي تُستخدم في تذرية القمح)، وسيُنقِّي بيدره. ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيُحْرِقه بنارٍ لا تُطفأ» (مت 3: 7-12). هذا هو تصوُّر يوحنا عن ملكوت الله: المسيَّا الآتي مثل ”مذراوي“ يُفرِّق بين التبن والقمح. إنه ملكٌ حازم، وحُكْمه شديد. ولكن المسيح كان وديعاً.الملك عندما يجلس على كرسيه، يُحاكم المخطئ (هنا موقف دينونة)، ويُبرِّئ البار (هنا المكافأة). ويوحنا المعمدان رأى الملكوت هكذا: الشجرة الجيدة يُكرمها الملك، والشجرة البطَّالة يقطعها.دينونة العهد القديم كانت الرجم، وكان تصوُّر اليهود للمسيَّا أنه يدين على هذه الصورة (والمثال على ذلك المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل - يو 8: 1-11). دينونة المسيح كانت من نوع آخر. المسيح جاء ليدين بالكلمة: «أنا هو نور العالم» (يو 8: 12)، «الكلام الذي أُكلِّمكم به هو روح وحياة» (يو 6: 63). فكلام المسيح يدخل قلب الإنسان، فيدين الإنسان نفسه.المسيح لم يأتِ ليدين الإنسان من خارج بأية واسطة ظاهرة، بل هو يُكلِّمك ”كلمة حياة“ تدخل إلى قلبك فتدين أنت نفسك. هذه هي دينونة المسيح: المسيح داخلك، وأنت تدين نفسك. هو لا يمسك عصا ويضربنا بها: «إن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آتِ لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47)، أنا أُلقي الكلمة وأنت تدين نفسك: «مَن رذلني ولم يقبل كلامي فله مَن يدينه. الكلام الذي تكلَّمتُ به هو يدينه في اليوم الأخير» (يو 12: 48). كلمة المسيح هي الفأس التي قال عنها يوحنا المعمدان، تدخل قلبك وتستأصل الشر، ومثل السيف كما قال بولس الرسول: «لأن كلمة الله حية وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدَّين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ» (عب 4: 12). أي أن كلمة الله تقطع الشجرة الشريرة التي في قلبك. وكلمة الله هي الفأس، فعندما تدين نفسك بكلمة الله، فإن الكلمة تقطع الشجرة الشريرة التي فيك. وأما الشجرة الجيدة المثمرة، فهي أيضاً في قلبك، فعندما تتوب بعد سماع الكلمة، فإن هذه الشجرة تُثمر أثماراً تليق بالتوبة.وكلمة الله هي أيضاً تُنقِّي الشجرة كل يوم. وكل يوم تصلِّي وتُسبِّح وترتِّل وتتهلل، فأنت تسقي الشجرة فتنمو إلى فوق. كلمة الله في العهد الجديد هي الدينونة، وهي التعزية والفرح والتهليل. في العهد القديم: الزانية تُرجم بالحجارة؛ أما في العهد الجديد: فالزانية هي نفسي النجسة عندما أُحضرها أمام المسيح كل يوم، وهو قادر أن يُبرِّرها ويُسامحها ويقويها لكي لا تخطئ. كلمة الله هي المذراة، تنقِّي القمح من التبن. أما الإنسان الذي لا يستنير بكلمة الله، فإن نفسه تفسد وتتعفن كما يتعفن التبن مع القمح عندما يُترك بغير تذرية، فلا يصلح للإنسان قمح، ولا للحيوان تبن! لا التبن ينفع، ولا القمح أيضاً يصلح ولا لمزبلة!! هذا هو الإنسان الذي ليست له دينونة في قلبه. في العهد القديم كانت المكافأة خيرات أرضية، أما الدينونة فكانت رجماً بالحجارة. وفي العهد الجديد فالمكافأة تعزيات روحية بالخيرات السماوية، أما الدينونة بكلمة الله التي تدخل القلب فتحكم على الإنسان. الفأس هي البلطة عند الفلاحين. والبلطة هي كلمة الله. إذا دِنْتَ نفسك، تنتقل من الموت إلى الحياة. ? المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
12 ديسمبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلاَّوِيِّينَ

قال المعترض: «نقرأ في سفر اللاويين شرائع عن ذبائح كثيرة، وشرائع مختصَّة بآل هارون في الكهنوت والملابس، وقد نُسخت كلها في الشريعة المسيحية». وللرد نقول: أوضح الله للبشر طريق الخلاص برموز محسوسة ليقرّب لعقولنا القاصرة الأمور المعنوية الروحية. فلما أراد أن يوضح طريقة الفداء، وأنه لا يمكن الخلاص إلا بدم المسيح، رتَّب الذبائح والفرائض الطقسية في التوراة، للإشارة إلى دم الفادي الكريم، وأوضح أن الطريقة الوحيدة لمغفرة الخطايا هي سفك الدم، وأن دم الحيوانات لا قيمة له في حد ذاته، إلا في أنه يرمز إلى دم المسيح وقد عيَّن الله الرمز ليشير إلى أمر أهمّ منه لا بد من وقوعه هو «المرموز إليه». ولا بد أن يوجد في الرمز إشارة حقيقية تشير إلى المرموز إليه، وهذا لا يستلزم أن يكون الرمز من ذات جوهر المرموز إليه. فحَمَل الفصح مثلاً كان رمزاً للمسيح مع تباينهما في الجوهر. والغاية من الرمز هو تمهيد الطريق للمرموز إليه، وإعداد عقولنا لفهمه. وقد أعطى الله في التوراة رموزاً كثيرة تشير إلى المسيح وملكوته، لا على سبيل الصدفة، بل بالتدبير والقصد، فإن التوراة توطئة وتمهيد للإنجيل. فما أشارت إليه التوراة بالتلميح أوضحه الإنجيل بالتصريح. وطريقة الخلاص واحدة في العهدين. وأنت تعلم أن الأستاذ الحكيم يعلِّم تلاميذه القضايا الضرورية البديهية، ثم يرتقي معهم بالتدريج للحقائق العالية، فيستفيدون. وكذلك لا يجوز لمن كان في ظلام دامس أن يعرِّض عينيه لأشعة الشمس مرة واحدة، بل بالتدريج، إلى أن يصل إلى نور النهار الكامل. وكذلك نعطي الطفل أولاً اللبن لأن معدته لا تقدر على هضم غيره، ومتى نما وكبر نعطيه الغذاء اليابس. فكذلك عمل الله معنا: فأفهمنا في أول الأمر الحقائق الإلهية بطرق بسيطة محسوسة، وسلك معنا بالتدريج إلى أن أوضح لنا الحقائق بغاية الوضوح. فما أوضحه قليلاً في العهد القديم أوضحه كوضوح الشمس في العهد الجديد (لوقا 1: 79 و1يوحنا 2: 8 ورومية 16: 25، 26 وكولوسي 1: 27 و1كورنثوس 2: 7، 10) وإذ أدركنا هذا عرفنا أن كتاب الله منزَّه عن الناسخ والمنسوخ، فقد جاء المسيح ليكمل شريعة موسى، شريعة الطقوس بشريعته هو، وهي شريعة النعمة. كما جاء هو، المرموز إليه، ليحقّق رموز شريعة موسى ومن الرموز الواردة في العهد القديم التي تشير إلى المسيح: الذبائح والكهنة. أولاً - الذبائح: حكم الله أن النفس التي تخطئ تموت، لأنه قدوس طاهر يكره الإثم. وهذا الحكم يسري على الجميع بلا استثناء، لأن الجميع أخطأوا. ولكن الله تفضَّل وأوجد طريقة يمكن بها للخاطئ أن ينال مغفرة الخطايا، فيكون الله رحيماً وعادلاً في آن واحد إذا برر الخاطئ. وهذه الطريقة هي الإيمان بالمسيح الفادي الكريم. ووضع في التوراة الذبائح إشارةً إليه. فالحكم الذي كان يستوجبه الخاطئ احتمله المسيح في جسده، وبذلك استوفى العدل الإلهي حقه. وعليه فلا تفاوت بين عدله ورحمته. وهذه الطريقة هي المقبولة والمعقولة. وذبائح التوراة إشارة إلى دم المسيح، فقال في لاويين 17: 10، 11 «الدم يكفِّر عن النفس». وسبب التكفير (ومعناه: التغطية والسَّتر) بالدم هو أن الحياة هي في الدم. فالغاية من الذبيحة إذاً هي تقديم نفس لله عن نفس أخرى مدنَّسة بالخطايا، كتقديم حياة حيوان بريء عن حياة إنسان مذنب. والدليل على ذلك أن أيوب كان يقدِّم ذبائح بعدد أولاده لأنه قال: «ربما أخطأوا وجدفوا على الله» (أيوب 1: 5) وقال الرسول بولس: «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (عبرانيين 9: 22). وقد كانت الذبائح غير كافية لنزع الخطية (عبرانيين 10: 11) ولكنها كانت تكفر لأنها كانت ترمز إلى ذبيحة المسيح الكافية ذات الفعالية، ولذلك قدم المسيح نفسه مرة واحدة، بخلاف الذبائح التي كان يجب أن تُقدَّم مراراً لعدم كفايتها (عبرانيين 9: 9-14، 25، 26). قال يوحنا المعمدان عن المسيح: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يوحنا 1: 29). وقال يوحنا الحبيب إن ذبيحة المسيح هي كفارة لخطايا كل العالم (1يوحنا 2: 2). وقال المسيح إنه يموت فداءً عن شعبه (يوحنا 10: 15، 17، 18). وإنه يبذل نفسه فدية عن كثيرين (متى 20: 28 ومرقس 10: 45) وتنبأ عنه إشعياء بقوله: «مجروح لأجل معاصينا. مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا. والرب وضع عليه إثم جميعنا. كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه» (إشعياء 53: 5-7). وقال بولس الرسول عنه: «الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا» (أفسس 1: 7). والكتاب المقدس يعلمنا: (1) أن المسيح قدم نفسه ذبيحة كفارية للجميع. (2) كل من يؤمن بالمسيح يتبرر. (3) أظهر الله بذبيحة الكفارة برَّه ورحمته للخطاة. (4) كانت ذبائح العهد القديم تشير إلى ذبيحة المسيح هذه. ثانياً - حمل الفصح: كانت جميع الذبائح رمزاً إلى ذبيحة المسيح، وإليك أوجه الشبه بين حمل الفصح والمسيح: (1) كان يلزم أن يكون حمل الفصح بلا عيب (خروج 12: 5). ومع أن خطايانا طُرحت على المسيح إلا أنه كان قدوساً طاهراً، قال الرسول بطرس عنه: «حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح» (1بطرس 1: 19). (2) كان يلزم ذبح حمل الفصح وسفك دمه (خروج 12: 6) فمات المسيح ليفي العدل الإلهي حقه (لوقا 24: 26). (3) كان يلزم أن يُشوى حمل الفصح بنار (خروج 12: 8، 9) إشارة إلى آلام المسيح. (4) كان يلزم أكل الحمل تماماً (خروج 12: 10) رمزاً إلى قبول المسيح بكل صفاته. فالواجب الإيمان به بكل وظائفه، لأنه صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسةً وفداءً (1كورنثوس 1: 30). (5) كان يلزم رش دم حمل الفصح على العتبة العليا لأبواب بني إسرائيل فلا يهلكون (خروج 12: 7). وهكذا إذا رُشَّت النفس بدم المسيح بالإيمان نجت من الغضب الإلهي. وكذلك يلزم رشنا بدم المسيح لنكون خليقة جديدة «لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا» (1كورنثوس 5: 7). ثالثا - صفات الكهنة: (1) كان الكهنة بشراً، وكذلك المسيح اتخذ جسداً مثلنا «كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله، حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه في ما هو قد تألم مُجرَّباً يقدر أن يعين المجرّبين» (عبرانيين 2: 17، 18). (2) كان الكهنة رمزاً للمسيح، لأنهم توسطوا بين الله والشعب، فكان لا يمكن لأحد أن يقرِّب ذبائح إلا بواسطة الكهنة. قال المسيح: «أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي« (يوحنا 14: 6). (3) كان الكهنة يقدمون ذبائح الكفارة، دم ثيران وكباش، رمزاً للمسيح الذي قدَّم نفسه عن الخطية (عبرانيين 7: 27 و9: 12-28 و10: 10-14). هذه هي أوجه الرمز، غير أن الكهنة كانوا خطاة، ولهذا كانوا يقدمون الذبائح عن أنفسهم أولاً، ثم بعد ذلك عن الشعب (عبرانيين 5: 3). وأما المسيح فقدوس طاهر قدَّم نفسه (عبرانيين 7: 26). وكان الكهنة عُرضة للفناء، وأما المسيح فيبقى إلى الأبد (عبرانيين 7: 23، 24). ولم تكن ذبائح الكهنة تقدر أن تنزع الخطايا لأنها كانت رمزاً ولزم تكرارها إلى أن يظهر المرموز إليه، وأما المسيح فبقربانه الواحد أكمل إلى الأبد المقدَّسين (عبرانيين 10: 11-14). قال المعترض: «يقول لاويين 1: 9 عن عِجل قربان المحرقة «وأما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها (الكاهن) بماء، ويوقد الكاهن الجميع على المذبح، محرقة وقود، رائحة سرور للرب». ولكن جاء في إشعياء 1: 11 «لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب؟ اتَّخمْتُ من محرقات كباشٍ وشحم مسمناتٍ، وبدم عجولٍ وخرفان وتيوسٍ ما أُسَرّ!». وفي هذا تناقض». وللرد نقول: عند قراءة نبوَّة إشعياء الأصحاح الأول نرى أن الله لا يعترض على تقديم الذبائح، بل على روح الذي يقدِّمها، فيقول لشعبه إنه قد ملَّ ليس فقط من محرقاتهم، بل من أعيادهم وصلواتهم أيضاً. فواضح أن عبادتهم كلها كانت مكروهة أمامه. والسبب في هذا أن أيديهم كانت مملوءة دماً، فكانوا جيلاً شريراً، وأكثروا من الذبائح لينجوا من القصاص الذي كانوا يستحقونه. وقصدوا في الوقت نفسه أن يتمادوا في خطاياهم، فكانوا يظنون أن مجرد تأدية الفرائض والطقوس الخارجية يكسبهم رضى الله، ويعطيهم (كما أرادوا) فرصة التمادي في شرورهم. ولا بد أن الله يرفض الذبائح متى قُدِّمت بهذه الروح. لما أمر الله بالذبائح المختلفة المنصوص عنها في شريعة موسى ووعد بأن يبارك مقدِّميها، كان ينتظر أن تكون قلوبهم خاشعة طاهرة. ولكن في عصر إشعياء انحطت عبادة الشعب لله، وكانت قاصرة على ممارسة طقوس ظاهرية وفرائض خارجية. وقد أوصى الله شعبه بالصلاة، ولكن إن كانت الصلاة مجرد نفاق ورياء، فالله يبغضها. فلا تناقض بين إشعياء 1: 11 ولاويين 1: 9 لأن العبادة إن لم تصدر من قلب نقي فهي ليست عبادة بالمرة، ولا هي مقبولة عنده. قال المعترض: «ورد في لاويين 4: 3 أن يُقدَّم ثورٌ فداءً عن الشعب، ولكنه يقول في سفر العدد 15: 9 إن الثور يجب أن يُقدَّم مع لوازمه». وللرد نقول: الذبائح متنوعة، والثور المطلوب تقديمه في سفر اللاويين 4: 3 هو ثور ذبيحة الإثم، وأما المطلوب تقديمه في سفر العدد 15: 9 فهو ثور ذبيحة الإثم مع النذور. قال المعترض: «جاء في لاويين 4: 14 أنه إذا سها كل بني إسرائيل وارتكبوا خطية، ثم اكتشفوا أنهم أخطأوا، يقربون للرب ثوراً ذبيحة خطية. ولكنه في سفر العدد 15: 24 يذكر نوعين من الذبائح للتكفير عن نفس الذنب، هما ثور وتيس. وهذا تناقض». وللرد نقول: هناك احتمالان: (1) قد يكون أن ما جاء في اللاويين خاص بذبيحة الخطية عن ارتكاب الشر سهواً، وأن ما جاء في سفر العدد خاص بذبيحة الخطية عن السهو في عمل الخير. (2) وقد يكون أن سفر اللاويين أورد ما يجب تقديمه من ذبيحة خطية سهو الشعب والرؤساء معاً، بينما أورد سفر العدد ما يجب أن يقدمه الشعب، وما يجب أن يقدمه القادة كلٌّ على حِدة. وفي هذه الحالة لا يكون هناك تناقض، بل إن ما جاء في سفر العدد يكمل ما جاء في سفر اللاويين. قال المعترض: «جاء في لاويين 7: 15 أمرٌ بأكل لحم ذبيحة الشكر في ذات اليوم، ولا يُبقَى منه شيء إلى الصباح. وهو أمرٌ تكرَّر في لاويين 22: 30. ولكن جاء في لاويين 19: 6 «يوم تذبحونها تؤكل وفي الغد. والفاضل إلى اليوم الثالث يُحرق بالنار». وهذا تناقض». وللرد نقول: عندما يظهر لعين القارئ المتعجِّل تناقضٌ ظاهري، عليه أن يدرس القرينة. فإذا قرأنا لاويين 7: 15 و19: 6 على حدة يُخيَّل إلينا وجود تناقض صريح، لأن إحدى العبارتين تفيد عدم جواز إبقاء شيء من الذبيحة للغد، بينما الأخرى تفيد أن بعض الذبيحة الباقي إلى الغد يؤكل في اليوم التالي. ولكن إذا قرأنا لاويين 7: 15، 16 يسطع منه نور يكشف لنا الحقيقة بجملتها. فالآيتان تقولان: «ولحم ذبيحة شكر سلامته يُؤكل يوم قربانه. لا يُبقي منه شيئاً إلى الصباح. وإن كانت ذبيحة قربانه نذراً أو نافلةً، ففي يوم تقريب ذبيحته تؤكل. وفي الغد يُؤكل ما فضل منها». فبعض الذبائح المشار إليها في لاويين 7: 15، 16 كانت من النوع الذي يجوز إبقاء جزء منه للغد. على أننا نجد في لاويين 7: 16 و19: 6 القانون العام الذي يشمل نوعين من الذبائح. فمنها ما كان يتحتَّم أكله في نفس اليوم، وما كان يجوز إبقاء بعضه للغد، أما لاويين 7: 16 فيتضمَّن استثناءً للقانون المتقدِّم. والكلام عن الذبائح التي تُؤكل في نفس اليوم يتناول ذبائح النذور والنوافل (لاويين 22: 21) خاصة إذا كانت الذبائح من الرضّع ذوات الثمانية أيام (لاويين 22: 27) فهذه يُؤكل لحمها في نفس يوم ذبحها ولا يُبقى منها للغد، لأنه قليل ولا يحتمل إبقاء شيء منه إلى الغد. أما ذبيحة السلامة من غير الرضّع (لاويين 19: 5-7) التي تُؤكل يوم ذبحها وما تبقّى منه يُؤكل في الغد، ولا يبقى منها لليوم الثالث شيء. فالرب في هذا يصدر أمراً في منتهى المعقولية، إذ أنه لم يكن على عهد موسى أجهزة لحفظ اللحوم، وبالطبع ما يتبقى إلى اليوم الثالث سوف يفسد ويضر الإنسان، فبهذا القدر يحرص الله على الإنسان. قال المعترض: «جاء في لاويين16: 29 أن صوم التذلل يكون في اليوم العاشر من الشهر السابع. ولكن جاء في اللاويين 23: 32 أن صوم التذلل هذا يكون في اليوم التاسع». وللرد نقول: كان الصوم يمتد من مساء اليوم التاسع إلى كل اليوم العاشر، فيصح أن يُقال اليوم التاسع أو اليوم العاشر. قال المعترض: «ورد في لاويين 17: 3، 4 «كل إنسان من بيت إسرائيل يذبح بقراً أو غنماً أو مِعزى في المحلة، أو يذبح خارج المحلة وإلى باب خيمة الاجتماع، لا يأتي به ليقرِّب قرباناً للرب أمام مسكن الرب، يُحسب على ذلك الإنسان دمٌ. قد سفك دماً. فيُقطع ذلك الإنسان من شعبه». وورد في التثنية 12: 15 أن يأكل الإنسان كل ما تشتهي نفسه في جميع أبوابه. وفي آية 20-22 يأكل كل ما تشتهي نفسه إذا كان المكان الذي يختاره الرب بعيداً عنه». وللرد نقول: الكلام في سفر التثنية 12 عن أمرين: (1) المحرقات لله، وقد قال عنها في آيتي 13، 14 «احترز من أن تُصعد محرقاتك في كل مكان تراه، بل في المكان الذي يختاره الرب في أحد أسباطك هناك تصعد محرقاتك، وهناك تعمل كل ما أنا أوصيك به». ويقول في آيتي 17، 18 «لا يحل لك أن تأكل في أبوابك عُشر حنطتك وخمرك وزيتك، ولا أبكارَ بقرك وغنمك، ولا شيئاً من نذورك التي تنذر ونوافلك ورفائع يدك، بل أمام الرب إلهك تأكلها، في المكان الذي يختاره الرب إلهك». وهو مثل ما ورد في لاويين 17: 3، 4. فالمقصود أن يقدم ذبائح لله في المكان الذي يخصصه الله لعبادته. (2) الذبح للأكل الاعتيادي، الذي يجوز في أي مكان، وهو الذي أورده المعترض، وأوهم وجود تناقض بينه وبين ما ورد في سفر اللاويين. اعتراض على لاويين 17: 10-12 - هل نقل الدم حرام؟ انظر تعليقنا على أعمال 15: 20 قال المعترض: «يقول في لاويين 17: 13 إن من يصيد حيواناً أو طائراً صالحاً للأكل، يجب أن يَسْفِك دمه ويغطيه بالتراب، ولكن في التثنية 12: 24 يقول إن الصياد يجب أن يسفِك دم الحيوان الذي يصيده على الأرض، كالماء». وللرد نقول: النصَّان يكمل أحدهما الآخر، فعندما يصيد الصياد صيداً يؤكل لحمه، يجب أن يسفك دمه كالماء على الأرض، ثم يغطي الدم بالتراب. قال المعترض: «ذكر سفر اللاويين 23 الأعياد اليهودية بالتفصيل، ويتضح من لاويين 23: 14، 21، 31، 41 أن هذه الأعياد أبدية. ولكن لا يحتفل أحدٌ بهذه الأعياد في أيامنا هذه». وللرد نقول: لم يقل سفر اللاويين إن هذه الأعياد «أبدية» بل قال إنها «فريضة دهرية». وقول المعترض إنها «أبدية» تحريفٌ منه لنصّ التوراة. ولا يخفى أن الدهر هو «الزمن الطويل». وقد احتفل بنو إسرائيل بأعيادهم دهراً، بمعنى لمدة زمن طويل. فيوجد فرق بين كلام المعترض ونص التوراة. قال المعترض: «جاء في لاويين 23: 18، و19 أن تقدمات عيد الخمسين هي ثلاث عشرة ذبيحة، ولكن جاء في سفر العدد 28: 27-30 أن عددها إحدى عشرة فقط». وللرد نقول: قال علماء بني إسرائيل إن الذبائح في سفر العدد هي بالإضافة للذبائح المذكورة في اللاويين. فكانوا يقدِّمون ثلاث عشرة ذبيحة أولاً كما جاء في سفر اللاويين، ثم يقدمون إحدى عشرة ذبيحة كما ورد في سفر العدد، وبعد ذلك يقدمون الذبيحة اليومية الصباحية. قال المعترض: «جاء في لاويين 23: 27-29 أن اليوم العاشر من الشهر السابع هو يوم الكفارة العظيم الذي يتذلَّل فيه الناس أمام الرب، ولا يعملون فيه شيئاً. ولكن الملك سليمان لم يجعل لهذا اليوم اعتباراً، كما يظهر من 1ملوك 8: 65، 66 و2أخبار 7: 10». وللرد نقول: لا يوجد ما يبرهن أن الملك سليمان لم يقدس يوم الكفارة العظيم، فما جاء في سفري الملوك الأول وأخبار الثاني يبيِّن أنه احتفل بعيد المظال في يوم 15 من الشهر السابع، وانتهى منه في يوم 22، وذلك لمدة سبعة أيام (حسب الشريعة). وخُتم الاحتفال بيوم ثامن صرف فيه سليمان الشعب إلى خيامهم، هو يوم 23 من الشهر السابع. وهذا يُظهر التوافق الكامل بين رواية سفري الملوك الأول وأخبار الثاني. غير أن احتفال الملك سليمان دام في تلك السنة 14 يوماً، إذ يقول في 1ملوك 8: 65 «وعيَّد سليمان العيد في ذلك الوقت وجميع إسرائيل معه، جمهورٌ كبير من مدخل حماة إلى وادي مصر، أمام الرب إلهنا سبعة أيام وسبعة أيام، أربعة عشرَ يوماً». فيكون بدء الاحتفالات في اليوم الثامن من الشهر السابع، ويكون تلك السنة قد احتفل بيوم الكفارة العظيم الذي هو في اليوم العاشر من الشهر السابع، حسب الشريعة. اعتراض على لاويين 23: 32 - صوم التذلل في اليوم التاسع أم العاشر؟ انظر تعليقنا على لاويين 16: 29 قال المعترض: «جاء في لاويين 25: 39-41 أن اليهودي المستعبَد عند اليهودي يخرج حراً في سنة اليوبيل. وهذا يناقض ما جاء في تثنية 15: 12 من أنه يخرج في السنة السابعة». وللرد نقول: تنتهي العبودية بنهاية السنة السادسة، أو في سنة اليوبيل، أيهما أقرب. فالرجل الذي يُباع عبداً في الظروف العادية يخدم ست سنوات كاملة. أما إذا بيع في السنة 46 مثلاً فيمضي حراً في السنة الخمسين، ويكون قد خدم أقل من ست سنوات. قال المعترض: «جاء في لاويين 27: 26 أن البِكر الذي يُفرَز للرب لا يقدسه أحد. ولكن جاء في تثنية 15: 19 أن كل بِكر يُقدَّس للرب». وللرد نقول: البكر الذي يخصَّص للرب بحسب الشريعة يكون من أول الأمر ملكاً للرب، فلا يجوز تقديمه لله كنذر! لأنه من الخطأ أن ننذر للرب ما هو من حقه! قال المعترض: «جاء في لاويين 27: 28، 29 «أما كل مُحرَّم يحرمه إنسانٌ للرب من كل ما له، من الناس والبهائم، ومن حقول ملكه، فلا يُباع ولا يُفك. إن كل محرَّمٍ هو قدْسُ أقداسٍ للرب. كل مُحرَّم يُحرَّم من الناس لا يُفدى. يُقتَل قتلاً». وهذا يعني إباحة تقديم ذبائح بشرية. وهناك ما يناقضه في تثنية 12: 30، 31 حيث يقول «فاحترز من أن تُصاد وراءهم من بعد ما بادوا من أمامك، ومن أن تسأل عن آلهتهم، فأنا أيضاً أفعل هكذا. لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجسٍ لدى الرب مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم». وللرد نقول: يحرِّم الكتاب المقدس الذبائح البشرية. وما جاء في لاويين 27: 28، 29 لا يتكلم مطلقاً على الذبائح بل على الأشياء «المحرَّمة للرب» بمعنى أنها تخصَّصت للقضاء عليها وقتلها. فإذا نذر إنسان بهيمة يجب تحريمها، بمعنى قتلها، ولا يمكن فداؤها البتة. أما بالنسبة للإنسان فلم يكن الحكم بالموت يصدر إلا من (1) الله رأساً، كما جاء في يشوع 6: 22-24 «وقال يشوع للرجلين اللذين تجسسا الأرض: ادخلا بيت المرأة وأخرِجا من هناك المرأة وكل ما لها كما حلفتما لها.. فدخل الجاسوسان وأخرجا راحاب .. وكلَّ ما لها.. وأَحرَقوا المدينة بالنار مع كل ما بها». لقد حكم الله بالتحريم على المدينة كلها، أي بتوقيع حكم الموت عليها. ونقرأ في سفر العدد 21: 2 أن بني إسرائيل تعهَّدوا بتحريم مدن أعدائهم، أي بتنفيذ حكم الموت فيهم. ومن مقارنة كل النصوص الواردة فيها نرى غضب الله مشتعلاً على الذين قضى بتحريمهم (أي إهلاكهم). (2) من القضاة المقامين منه. ولم يكن مأذوناً للإسرائيلي أن يقتل إنساناً ولو كان عبداً له (خروج 21: 20). ولا نجد مطلقاً إشارة هنا إلى أوامر من الله بتقديم ذبائح بشرية، بل نرى أسلوباً صارماً خطيراً للنطق بحكم الموت على أي فردٍ أو جماعةٍ من الأثمة. فالمقصود مما جاء في اللاويين هو أن يضع بنو إسرائيل الأشياء المحرمة (أي المحكوم عليها من الله بالموت) في صف النذور التي يمكن فداؤها على أن أشهر ما يستند عليه المعترضون في اتّهامهم الكتاب المقدس أنه يتضمن مصادقةً على تقديم الذبائح البشرية هو قصة بنت يفتاح الجلعادي (قضاة 11: 31). فقد نذر يفتاح أن أول شيء يخرج من بيته للقائه عند رجوعه بسلام من محاربة العمونيين، يقدِّمه محرقةً للرب. ومما يُؤسف له أن أول من خرج من بيته كانت ابنته، فحزن حزناً لا مزيد عليه. ولكن الكتاب يفيد أنه حفظ نذره (قضاة 11: 39). ويجب أن نذكر أن يفتاح في نذره هذا تصرَّف بحسب ما أوحاه إليه عقله، مدفوعاً بما كان في نفسه من شديد الغيرة على تحرير بني إسرائيل من أعدائهم. وكان قصده أن يبيّن شكره لفضل الله بطريقة غير عادية كما فعل معه الله إحساناً عظيماً. ولكن الله لم يأمر يفتاح أبداً بتقديم ابنته محرقة، كما لا نجد إشارة إلى أن الله صادق على عمل يفتاح أو مدحه. ويروي كاتب سفر القضاة القصة بدون أن يتعرَّض للحكم على عمل يفتاح، لأن عمله هذا كان تسرُّعاً منه واندفاعاً. فإن يفتاح قد قطع غصن شباب ابنته الغضّ، وفعل هذا بدون أمرٍ من الله. وبعمله هذا زاد خطية أخرى على خطيته الأولى، لأنه كان من الخطأ العظيم أن ينذر نذراً كهذا، كما كان من الخطأ أيضاً أن ينفذ هذا النذر. وإذا سأل سائل: كيف أمكن أن يعمل رجل عظيم كيفتاح شراً فظيعاً منهياً عنه في شريعة موسى؟ فالجواب أنه عاش في عصر نُسيت فيه أوامر الله نسياً تاماً، وقوِيَ فيه تأثير الشعوب الوثنية على بني إسرائيل. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
04 مارس 2020

أهمية الصوم

على جبل التجلى:- علي جبل التجلي ، وقف ثلاثة يضيئون بنور مجيد وكانوا ثلاثتهم ممن أتقنوا الصوم إذ صام كل منهم أربعين يوماً وأربعين ليلة إنهم السيد المسيح له المجد ( متي 4: 2) ، وموسي ( خر 40 : 28 )، وإيليا ( 1 مل 19: 8) ،فهل يختفي وراء هذا المنظر البهي معني هام وهو انه بقهر الجسد في الصوم ، تتجلي الروح ، ويتجلي الجسد ؟ هل اختار السيد المسيح معه في التجلي إثنين من الصوامين ، ليرينا أن الطبيعة التي ستتجلي في الأبدية ، هي التي قهرت الجسد بالصوم ؟ تري ماذا قيل عن الصوم أيضاً ؟ لقد قيل : الصوم أقدم وصية :- الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية ، فقد كانت الوصية التي أعطاها الله لأبينا آدم ، هي أن يمتنع عن الأكل من صنف معين بالذات ، من شجرة معينة ( تك 2: 16، 17) ، بينما يمكن أن يأكل من باقي الأصناف وبهذا وضع الله حدوداً للجسد لا يتعداها فهو ليس مطلق الحرية ، يأخذ من كل ما يراه ، ومن كل ما يهواه بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه ، أي أن يضبط إرادته من جهته وهكذا كان علي الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده . فقد تكون الشجرة " جيدة للكل ، وبهجة للعيون ، وشهية للنظر "( تك 3: 60) ومع ذلك يجب الإمتناع عنها وبالإمتناع عن الأكل ، يرتفع الإنسان فوق مستوي والجسد ، ويرتفع أيضاً فوق مستوي المادة ، وهذه هي حكمة الصوم ولو نجح الإنسان الأول في هذا الاختبار ، وانتصر علي رغبة جسده في الكل ، وانتصر علي حواس جسده التي رات الشجرة فإذا هي شهية للنظر لو نجح في تلك التجربة ، لكان ذلك برهاناً علي أن روحه قد غلبت شهوات جسده ، وحينئذ كان يستحق أن يأكل من شجرة الحياة ولكنه انهزم أمام الجسد ، فأخذ الجسد سلطانا عليه وظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد ، واحدة تلو الأخري ، حتى أصبحت دينونة له أن يسلك حسب الجسد وليس حسب الروح ( رو 8: 1) وجاء السيد المسيح ، ليرد الإنسان إلي رتبته الولي ولما كان الإنسان الأول قد سقط في خطية الكل من ثمرة محرمة خاضعاً لجسده ، لذلك بدا المسيح تجاربه بالإنتصار في هذه النقطة بالذات ، بالانتصار علي الكل عموماً حتي المحلل منه بدأ المسيح خدمته بالصوم ، ورفض إغراء الشيطان بالكل لحياة الجسد ، أظهر له السيد المسيح ان الإنسان ليس مجرد جسد إنما فيه عنصر آخر هو الروح . وطعام الروح هو كل كلمة تخرج من فم الله ، فقال له " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( متي 4:4) ولم تكن هذه قاعدة روحية جديدة ، أتي بها العهد الجديد ، إنما كانت وصية قديمة أعطيت للإنسان في اول شريعة مكتوبة ( تث 8: 3) . وقد قيل عن حنه النبية إنها كانت " لاتفارق الهيكل عابده بأصوام وطلبات "( لو 2: 37) وصام الرسل:- في العهد الجديد ، كما صام المسيح ، صار رسله أيضاً وقد قال السيد المسيح في ذلك " حينما يرفع عنهم العريس حينئذ يصومون " ( متي 9: 15)وقد صاموا فعلاً وهكذا كان صوم الرسل أقدم وأول صوم صامته الكنيسة المسيحية وقيل عن بطرس الرسول إنه كان صائماً حتى جاع كثيراً واشتهي ان يأكل ( أع 10: 10) فظهرت له الرؤيا الخاصة بقبول الأمم وهكذا كان إعلان قبول الأمم في أثناء الصوم وليس الرسل كان يخدم الرب " في اتعاب في أسهار في أصوام "( 2 كو 6: 5) ، بل قيل عنه " في أصوام مراراً كثيرة " ( 2 كو 11: 27 ) وقيل إنه صام ومعه برنابا ( اع 14: 23) وفي أثناء صوم الرسل ظن كلمهم الروح القدس إذ يقول الكتاب " وفيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الايادي "( أع 13: 2، 3) وما اجمل ما قاله الرب للرسل عن الصوم وعلاقته بإخراج الشياطين " هذا الجنس لا يخرج بشئ ، إلا بالصلاة و الصوم " ( مت 17: 21) إلي هذه الدرجة بلغت قوة الصوم في إرعاب الشياطين . وبم يكن الصوم قاصراً علي الأفراد ، إنما كان الشعب كله يصوم . صوم الشعب كله:- ويدخل في العبادة الجماعية ( وهو غير الصوام الخاصة ). فيه تجتمع كل قلوب الشعب معاً ، في تذلل امام الله وكما اعتاد الناس أن يصلوا معاً واحدة ، وبنفس واحدة ، في صلاة جماعية يقدمونها لله ( أع 4: 24) ، وهذه غير الصلوات الخاصة التي في المخدع المغلق ، كذلك في الصوم هناك أصوام ، لها أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس : يشترك فيها جميع المؤمنين معاً ، بروح واحدة ، يقدمون صوماً واحداً لله إنه صوم للكنيسة كلها ولعل أبرز مثال له الصوم الذي صامه كل الشعب لما وقع في ضيقة أيام الملكة أستير حتي يصنع الرب رحمة ( إس 4: 3، 16) وصام الجميع بالمسوح و الرماد والبكاء ، وسمع الرب لهم وأنقذهم وكما صام الشعب كله بنداء عزرا الكاهن علي نهر أهوا متذللين أمام الرب ( عز 8: 21، 23) ، كذلك إجتمعوا كلهم بالصوم مع نحميا وعليهم مسوح وتراب ( نج 9: 1) وكذلك صام الشعب أيام يهوشافاط ( 2 أي 20: 3) ويحدثنا سفر أرمياء النبي عن صوم الشعب في أيام يهوياقيم بن يوشيا ( أر 36: 9) وصوم آخر جماعي في أيام يوئيل النبي ( يوئيل 3: 5) . ومن الأصوام الجماعية أيضاً :" صوم الشهر الرابع ، وصوم الخامس ،وصوم الخامس ، وصوم السابع ، وصوم العاشر "( زك 8: 19) والصوم معروف في كل ديانة وقد صام الأمم. صوم الأممين أيضاً:- ولعل أبرز مثال له صيام أهل نينوي ( يون 3) وكيف أن الله قبل صومهم ، وغفرلهم خطاياهم وكذلك كرنيليوس قائد المائة ( أع 10: 30)) وكيف قبل الله صومه ، وارسل إليه بطرس الرسول الذي وعظه وعمده ويحدثنا العهد القديم عن صوم داريوس الملك أثناء تجربة دانيال النبي، وكيف " بات صائماً ، ولم يؤت قدامه بسراريه " ( دا 6: 18) الصوم معروف في كل ديانة ، حتى الديانات الوثنية و البدائية مما هلي أنه معروف منذ القدم قبل أن يفترق الناس والذي يقرأ عن البوذية و البراهمية و الكنفوشيوسية ، وعن اليوجا أيضاً ،يري أمثلة قوية عن الصوم ، وعن قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضاً وفي حياة المهاتما غاندي الزعيم الروحي الشهير للهند ، نري الصوم من أبرز الممارسات الواضحة في حياته وكثيراً ما كان يواجه به المشاكل وقد صام مرة حتي قال الأطباء عن دمه بدأ يتحلل وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات الروح هذه الطاقة الروحية التي كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد وقد عاقها الجسد عن الظهور ولم يكتشفوها إلا بالصوم ويري الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حاله ( النرفانا ) أي انطلاق الروح من الجسد للإتحاد بالله ، لا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد والزهد و الصوم وهكذا نجد أنه حتى الروح البعيده عن عمل الروح القدس ، التي هي مجرد روح تنطلق من رغبات الجسد ومن سيطرته بالتداريب ، تكون روحاً قوية ، تصل إلي بعض طاقاتها الطبيعية ، فكم بالحري التي إلي جوار هذه القوة الطبيعية تكون مشتركة مع روح الله …؟ الصوم هبة:- وإن عرفنا فوائد الصوم ، نجد أنه هبة من الله نعم ، ليس الصوم مجرد وصية من الله إنما هو هبة إلهية إنه هبة ونعمة وبركة إن الله الذي خلقنا من جسد ومن روح ، إذ يعرف أننا محتاجون إلي الصوم ، وان الصوم يلزم حياتنا الروحية لأجل منفعتها ولأجل نمونا الروحي وأبدتنا لذلك منحنا ان نعرف الصوم ونمارسه وأوصانا به كأب حنون وكمعلم حكيم. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
30 مايو 2020

عشرة أيام في انتظار الروح المعزي

في تلك الأيام العشر التي عاشتها الكنيسة في انتظار موعد الروح القدس، اختبرت الكنيسة الأشواق السمائية كانت أفراح الصعود تعمل في قلب الكنيسة بمنتهي القوة.. وتهزها بصورة فائقة، حتى صارت الكنيسة مهيأة تمامًا لهبوب ريح الله وناره المقدسة التي ملأتها من المواهب الفائقة للطبيعة، وفجّرت فيها ينابيع الماء الحي لم يكن ممكنًا للروح القدس أن يغمر الكنيسة بهذه الصورة إلا بعد أن تتم أيام كاملة من تطلعها نحو ينبوع الماء الحي. وكانت هذه الأيام هي بالعدد عشرة حتى كملت الأيام وتحقق الوعد. فرقم عشرة هو رقم الكمال العددي إن انتظار مواعيد الله يحتاج إلى صبر وإيمان ورجاء كقول الكتاب "أما الصبر فليكن له عمل تام" (يع1: 4)إن ما يرجوه الإنسان فإنه يتوقعه بالصبر "وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عب11: 1) كان هناك وعد صريح من السيد المسيح، وهو هو نفسه ما أسماه موعد الآب: بحلول الروح القدس على الكنيسة.. وكما وعد الله إبراهيم بالخلاص أي الفداء، وحقق وعده، هكذا وعد السيد بإرسال الروح القدس وتحقق الوعد. وكما آمن إبراهيم بالله فحُسب له إيمانه برًا. هكذا آمن أبناء إبراهيم (كنيسة المسيح)، فحُسب لهم إيمانهم برًا ونالوا الوعد الذي وعدهم به الآب يوم الخمسين كان هو أول الأسبوع الثامن بعد القيامة (السبعة أسابيع تساوى تسعة وأربعين يومًا). وكما حدثت القيامة يوم الأحد في أول الأسبوع الجديد أي في اليوم الثامن من بداية أسبوع الآلام. هكذا ولدت الكنيسة في أول الأسبوع الثامن من بعد القيامة المجيدة،فرقم ثمانية يشير دائمًا إلى الحياة الجديدة في مفهوم الكتاب المقدس. كقول الكتاب عن نوح الذي جدد الحياة على الأرض مرة أخرى "حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبر" (2بط2: 5). وكان في الفلك ثمانية أنفس خلصوا بالماء من الطوفان ليت الرب يمنحنا أن نحيا في جدة الحياة بقوة قيامته وبعطية روحه القدوس. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
07 أغسطس 2021

القديسة مريم والخطايا الفعلية

اعتقد بعض الآباء مثل ايريناؤس وأوريجينوس ويوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم لم تعش بغير خطايا فعلية، لكن آرائهم لا تمثل التقليد المريمي المتسع في الكنيسة الأولى. تعتقد الكنيسة في قداسة مريم الفريدة في نوعها التي تفوق الخليقة السماوية، حتى الشاروبيم والسيرافيم. لقد أمضت حياتها في قداسه كتابوت العهد الحقيقي المصنوع من خشبٍ لا يسوس، مغطى بالذهب من الداخل والخارج. فيما يلي بعض مقتطفات لكتابات بعض الآباء في هذا الشأن: إكراما للرب لا أقبل سؤالاً واحدًا يمس موضوع الخطية بخصوص القديسة مريم العذراء القديس أغسطينوس كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة مكرمة جدا وممجدة هي صورة جمالهاعاشت حكيمة ومملوءة حبا لله لم تتدنس قط بشهوات رديئة، بل صارت في استقامة منذ طفولتها في الطريق الحق بغير خطأ أو تعثر!القديس يعقوب السروجي جاء كلمة الآب من حضن الآب،وفي حضن آخر لبس جسدًا،جاء من حضن إلى حضن امتلأ الحضنان النقيان به مبارك هو هذا الذي يسكن فينا! القديس أفرام السرياني القديسة مريم والخطايا الأصلية إذ تعمقت جذور محبة الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة مريم تتطلع إليها بكونها أكثر قداسة من كل الخليقة السماوية لكنها في نفس الوقت هي عضو طبيعي في الجنس البشري. فنحن لا نعزلها عن البشرية، مدعين أنها ولدت بغير الخطية الجدية، كما لو كانت ليست من زرع بشري.هذه هي الحقيقة التي أعلنتها الثيؤتوكية التالية " يا لغنى الله وحكمته،الرحم الذي تحت الحكم أنجب أولادا بغير ألم المخاض،صارت ينبوع الخلود،أنت عمانوئيل بغير زرع بشر،ليحطم فساد طبيعتنا" هكذا تضع الكنيسة حدا فاصلا بين حياة القديسة قبل لحظة التجسد (كابنة آدم الوارثة للحكم)، وبعدها (تقدست بالكمال للتجسد الإلهي)، ففي ثيؤتوكية أخرى نقول"الروح القدس ملآك تمامًا،ملأ كل جزء في جسدك ونفسك،يا مريم والدة الإله!" أعلنت القديسة مريم بنفسها فرحتها بالله مخلصها، إذ كانت هي أيضا محتاجة للخلاص. في هذا يقول القديس أمبروسيوس"إذ أراد الرب أن يخلص العالم بدأ عمله بمريم، حتى أنه خلال الخلاص الذي أعد للجميع، تكون هي الأولى تنعم بثمرة الخلاص المقدم بواسطة الابن[1]". ويقول القديس أغسطينوس"من آدم خرجت مريم، التي ماتت بسبب الخطيئة آدم مات بسبب الخطيئة أما جسد الرب النابع عن مريم فمات ليحطم الخطيئة[2]". أخيرا فإن هذا المفهوم الأرثوذكسي حفظ كنيستنا بعيدا عن كل مبالغة أو خلط بين ما يخص السيد المسيح وأمه. فإننا لا نجد لاهوتي أرثوذكسي يدعو القديسة مريم "شريكة في الخلاص coredemptrix كما لا نقدم لها بعبادة بل تكريمًا ومديحًا بمعنى آخر في الكنيسة الأرثوذكسية يوجد حد فاصل بين المسيح والقديسة مريم أمه، فلا ينسب لها ما يخص السيد المسيح. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
27 أبريل 2020

حقيقة القيامة

عيد القيامة هو عيد الأعياد، أو غاية وهدف كل المناسبات التي تسبقه. وكل المناسبات التي تلي عيد القيامة نتيجة له. ومع هذه الحقيقة نتكلم عن شواهد ذلك: ولعل الدليل الأول هو مزمور قداس عيد القيامة «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونبتهج فيه. آه يارب خلِّص، آه يارب أنقذ. مبارك الآتي باِسم الرب» (مز118: 24-26). ولكن لماذا ذُكِر يوم القيامة على أنه اليوم الذي صنعه الرب؟! فالله هو صانع كل الأيام، بل كل شيء .. وللإجابة نوضّح الأمور التالية: 1- الله هو مصدر الحياة: لأنه هو مالك الحياة وواهب الحياة، لذلك هو الخالق لكل الكائنات إذ وهب الحياة للجميع، ولكن حين دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس نتيجة دخول الخطية إلى العالم بغواية الشيطان لحواء التي أكلت وأعطت رجلها فأكل، ومن خلال هذه المعصية فقد الإنسان الحياة الأبدية والحياة الروحية والعلاقة مع الله، لذلك طُرد من الفردوس وحضرة الله، وقيل في (تك6: 3) «لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه هو بشر».. لذلك بعد إتمام الفداء على الصليب وموت الفادي وقيامته في اليوم الثالث، أعلن الحياة الأبدية الغالبة للموت، ولم يَعُدْ للموت سلطان على الإنسان وحياته، لذلك صارت الصيحة «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟».. لم يعد للموت سلطان، لذلك نسمّي الموت الآن "انتقال"، وليس نهاية حياة بل استمرار للحياة بصورة مختلفة حتى يوم القيامة حيث تتحد الأرواح بالأجساد، ويقوم الجميع كما ورد في (يو5: 29) «تأتي ساعة يسمع فيها كل مَنْ في القبور صوت ابن الله، والذين يسمعون يُحْيَوْن، فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين صنعوا السيئات إلى قيامة الدينونة». 2- مفهوم الحياة: الحياة المقصود بها الوجود الباعث للحياة، فكل المخلوقات تساهم في الحياة الإنسانية واستمرارها على الأرض، بمعنى أن بعض المخلوقات يستخدمها الإنسان كغذاء كالخضروات والفواكه والخبز والمنتجات البروتينية سواء حيوانية أو نباتية يتغذّى عليها الإنسان لاستمرار الحياة، فوجود هذه المخلوقات يفيد في استمرار حياة الإنسان.. وأيضًا الشمس كطاقة ضوئية وحرارية تفيد في إعطاء حياة للمخلوقات، ويدخل كذلك المعادن بتفاوت أنواعها وقيمتها في اقتصاديات الحياة، إذ تساعد الإنسان كتجارة وصناعة في أن تستمر الحياة بالجسد والروح معًا، مما ينتج عن هذا الاتحاد النفس أي العقل البشري الخلّاق والعاطفة الحاضنة للصغار والضعفاء والحواس التي تتصل بالحياة.. حقًا إنها الحياة عطية الله.. 3- قيامة الجسد: وهذا ما نحتفل به من خلال عيد القيامة المجيد الذي أعطانا القيامة أيضًا، وصار الموت فترة مؤقته لراحة الروح في الفردوس وراحة الجسد في القبر «"طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن". "نعم" يقول الروح: "لكي يستريحوا من إتعابهم، وأعمالهم تتبعهم"» (رؤ14: 13). هذا هو الموقف الآن، لذلك طيلة فترة الخماسين المقدسة تكون التحية "خريستوس آنستي... آليثوس آنستي"، أي "المسيح قام... بالحقيقة قام"، وصارت القيامة في التوبة لأن أجرة الخطية موت ولكن التوبة حياة من موت فتكون قيامة.. هذا نعيشه ليترسّخ في الأذهان لنعرف أن القيامة حقيقة معاشة فلا نخاف الموت... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
26 يوليو 2021

الحكمة

هي أجمل العطايا وأعظم المواهب. هي التمييز بين الأمور المتخالفة. وهي الإفراز بين الجيد والرديء. هي الربان الحكيم لسفينة الحياة. هي الشيبة الصالحة الوقورة. هي موهبة سمائية. وهي حلو الكلام، وعذوبة الحديث، وُحسن المنطق. إنها مفتاح الغنى. وحقن للدماء. هي مجلبة الصداقة النافعة. وهي بوابة الملوك والعظماء. ومجلبة الكرامة والمجد. الفقير بالحكمة يغتني والكثير المال بجهله يفتقر. فيها الراحة وفيها الخير. هي أفضل ما يطلبه الإنسان. هي الحافظ للمواهب. وبدونها لا قيمة لفضيلة. بالحكمة تنجو المدينة من الهلاك. وبها نسحب السموم الشريرة ونطفيء السهام الملتهبة، وننجو من عروض الخطيئة المحيطة بنا. إذا أثمر الذكاء خيرا جعل صاحبه حكيما. والأحمق هو الذي يلد ذكاؤه خبثا وشراً. بها أكمل الشهداء جهادهم ونال المجاهدين إكليلهم. هي المسيح أقنوم الحكمة، اللوغوس كلمة الله. نطق الله العاقل وعقل الله الناطق. وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له (يعقوب 1 : 5). نيافة الحبر الجليل انبا مكاريوس اسقف المنيا وتوابعها
المزيد
13 مارس 2019

اليوم الثالث ( الاربعاء ) من الاسبوع الثاني من الصوم الكبير

القراءات باكر قراءات القداس خر 2 : 11 - 20 مز 18 : 17 ، 18 رو 3 : 1 - 17 2 يو 1 : 8 - 13 أع 5 : 3 - 11 مز 18 : 1 ، 2 إش 5 : 17 - 25 مت 5 : 17 - 24 مت 15 : 32 - 38 الانجيل و اما يسوع فدعا تلاميذه و قال اني اشفق على الجمع لان الان لهم ثلاثة ايام يمكثون معي و ليس لهم ما ياكلون و لست اريد ان اصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق فقال له تلاميذه من اين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يشبع جمعا هذا عدده فقال لهم يسوع كم عندكم من الخبز فقالوا سبعة و قليل من صغار السمك فامر الجموع ان يتكئوا على الارض و اخذ السبع خبزات و السمك و شكر و كسر و اعطى تلاميذه و التلاميذ اعطوا الجمع فاكل الجميع و شبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة و الاكلون كانوا اربعة الاف رجل ما عدا النساء و الاولاد تحنّنه على طالبيه إذ التفَّت الجماهير حوله ليمكثوا معه ثلاثة أيام، لم ينتظر التلاميذ أن يسألوه أن يصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى، ويبتاعوا طعامًا كما حدث قبلاً (مت 14: 15) إنّما استدعاهم ليقدّم خلالهم لشعبه احتياجاتهم حتى الجسديّة؛ ربّما لأن الشعب في هذه المرة لم يشعر بالجوع بسبب بقائهم مدة طويلة يستمعون كلماته المشبعة، أو لأن التلاميذ اختبروه قبلاً في إشباعهم.
المزيد
10 أكتوبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سفر التكوين

3- وبين اصحاح 1 : 5" و دعا الله النور نهارا و الظلمة دعاها ليلا و كان مساء و كان صباح يوما واحدا". و8 و" دعا الله الجلد سماء و كان مساء و كان صباح يوما ثانيا". و13 " كان مساء و كان صباح يوما ثالثا".وعدد 14-18 " و قال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار و الليل و تكون لايات و اوقات و ايام و سنين و تكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض و كان كذلك فعمل الله النورين العظيمين النور الاكبر لحكم النهار و النور الاصغر لحكم الليل و النجوم و جعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض و لتحكم على النهار و الليل و لتفصل بين النور و الظلمة و راى الله ذلك انه حسن و كان مساء و كان صباح يوما رابعا". ففى اليوم الاول ذكر نهار وليل وفى الثانى ان الشمس خلقت فى اليوم الرابع ومن المعلوم ان لانهار بلا شمس لان النهار هو الوقت الذى بين طلوع الشمس وغروبها. فنجيب بان النهار هنا ليس الوقت بين طلوع الشمس وغروبها بدليل قوله فى اول ذلك الاصحاح (ودعا الله النور نهارا والظلمه ليلا) عدد 5 فخلق الله الايام فى المده الاول ى. فكان اليوم حينئذ من مقابله جزء من الارض لكتله منيره غير منتظمه وتحركها على محورهاالىرجوعهاالىتلك المقابله. 4- وبين اصحاح 1 : 26 "و قال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر و على طير السماء و على البهائم و على كل الارض و على جميع الدبابات التي تدب على الارض".وص 4 : 14 "انك قد طردتني اليوم عن وجه الارض و من وجهك اختفي و اكون تائها و هاربا في الارض فيكون كل من وجدني يقتلني".ففى الاول ان ادم اول خليقه الله وفى الثانى يقول قايين (كل من وجدنى يقتلنى) كانه كان اناس غير ادم وذريته فى العالم. فنجيب ان قايين قال ذلك لاعتقاده ان فى الارض اناسا كثير ين غير اسرته لعدم معرفته انه ليس سواها وكيف كان يمكنه ان يعرف انه ليس على وجه الدنيا سوى ادم ونسله ؟ وذهب المفسرينالىانه كان لادم ونسله اولاد تناسلوا وكثروا وانتشروا فى الارض لم يذكرهم الكتاب وينقل امرهم بدليل قوله (وولد بنين وبنات) (تك 5 : 4) وان من اولئك البنين من كان من حزب هابيل فينتقمون منه، فانه من عاده الكتاب ان يقتصر على ذكر بعض النسل وقد جاء ذلك فى مواضيع كثيره. اما قول البعض بان الله خلق ادم مع غيره بدليل قوله فى اصحاح 1 : 27 (فخلق الله الانسان على صورته. على صوره الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم) فقوله خلقهم بصيغه الجمع بيانا ان الحكم عام يراد به خلق الجنس. ففى خلق ادم خلق الله جميع من يتناسلون منه لان عمليه الخلق اجراها مره واحده، وبقوه الله سيتناسل الناس من بعضهم. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل