المقالات

10 يونيو 2022

بمناسبة اقتراب عيد حلول الروح القدس - غِنى الروح ومنفعة الآخرين

تتميّز عظات القديس مكاريوس الكبير، والملقّب باللابس الروح، بالتشبيهات الجميلة النابعة من خبرة شخصيّة حيّة مع الروح القدس..في هذا المقال، انتقيت لكم هذا التشبيه البديع، من العظة الثامنة عشرة.. والكلام يناسب جدًّا الكهنة والخُدّام والعاملين في حقل التعليم الروحي.. إذ يركِّز القديس مكاريوس في هذا التشبيه على أهمّية أن يغتني الإنسان بالروح أوّلًا، قبل أن يحاول أن يُطعِم الآخرين روحيًّا..!+ إذا كان إنسانٌ غنيٌّ يريد أن يصنع وليمةً فاخرة، فإنّه يصرف من ثروته والكنز الذي يملكه.. ولأنّه غنيٌّ جدًّا، فإنّه لا يخاف من عدم كفاية أمواله لتجهيز كلّ لوازم الوليمة. وهكذا فإنّه يُكرم الضيوف الذين دعاهم، ببذخٍ وأُبّهة، واضعًا أمامهم أنواعًا كثيرة من المأكولات وبأحدث أنواع التجهيز.+ وأمّا الفقير الذي ليس عنده مثل هذا الغِنَى، فإنّه إذا رغب في عمل وليمة لأصدقاء قليلين، فإنّه يضطرّ أن يستعير كلّ شيء، من الأواني والأطباق والمفارِش وكلّ شيء آخَر. وبعد ذلك حينما تنتهي الوليمة، ويخرُج المدعوّون، فإنّه يُعِيد كلّ الأشياء التي استعارها إلى أصحابها، سواء أطباق فِضّة أو مفارِش أو أي أشياءٍ أخرى.. وهكذا حينما يُرجِع كلّ شيء، يظلّ هو نفسُهُ فقيرًا وعريانًا إذ ليس له غِنى خاص يُعزِّي به نفسه.+ بنفس الطريقة، فإنّ أولئك الذين يكونون أغنياء بالروح القدس، الذين عندهم الغِنى السماوي حقًّا، وشركة الروح في داخل نفوسهم، فإنّهم حينما يكلّمون أحدًا بكلمة الحقّ أو حينما يتحدّثون بالأحاديث الروحانيّة، ويريدون أن يُعزّوا النفوس، فإنّهم يتكلّمون ويُخرِجون من غِناهم ومن كنزهم الخاص الذي يمتلكونه في داخل نفوسهم. ومن هذا الكنز يُعزّون ويُفرِّحون نفوس الذين يسمعون أحاديثهم. ولا يخافون أن ينضُب مَعينهم، لأنهم يملكون في داخلهم كنز الصلاح السماوي، لذلك يأخذون منه ليعزّوا ويفرِّحوا ضيوفهم الروحيّين.+ أمّا الفقير الذي لم يملك غِنّى المسيح، وليس عنده الغِنى الروحي في داخل نفسه، الذي هو ينبوع كلّ صلاح، سواء في الأقوال أو الأعمال أو الأفكار الإلهيّة والأسرار التي لا يُعبَّر عنها. فحتّى إذا أراد هذا الفقير أن يتكلّم بكلمة الحقّ، ويعزّي بعض سامعيه، بدون أن ينال في نفسه كلمة الله بالقوّة والحقّ، فإنّه يكرِّر من الذاكرة، ويقتبس فقط كلمات من أجزاء مختلفة من الكتاب المقدّس، أو مِمّا سمعه من الرجال الروحيّين، فيخبر ويعلّم بها الآخَرين.. وهكذا يَظهَر كأنّه يُعزّي ويُفَرِّح الآخرين، والآخَرون يبتهجون بما يُخبرهم، ولكن بعد أن ينتهي من الكلام تعود كلّ كلمة إلى مصدرها الأصلي الذي أُخِذَت منه، ويَبقى هذا الإنسان ويعود كما كان عريانًا وفقيرًا لأنّ ليس له كنزُ الروح الخاصّ به، ليأخُذ منه ويُعزِّي ويفرِّح الآخَرين، إذ أنّه هو نفسه لم يتعزّ أوّلًا ولا ابتهجَ بالروح.+ لهذا السبب ينبغي لنا أوّلًا أن نطلب من الله باجتهادِ قلبٍ وبإيمان، حتّى يهبنا أن نجد في قلوبنا هذا الغِنى، أي كنز المسيح الحقيقي بقوّة الروح القدس وفاعليّته. ولهذا فعندما نجد الرب أوّلًا في نفسنا، لمنفعتنا أي للخلاص والحياة الأبديّة، فحينئذِ يمكننا أن ننفع الآخَرين أيضًا إذ يصير هذا مُمكِنًا، لأننا نأخُذ من المسيح الذي هو الكنز الموجود في داخلنا، ونُخرِج منه كلّ الصلاح الذي للكلمات الروحانيّة، ونكشِف أمامهم أسرار السماء. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
09 يونيو 2022

شخصيات الكتاب المقدس شاول الملك

شاول الملك "..فمات شاول وبنوه الثلاثة وحامل سلاحه وجميع رجاله في ذلك اليوم معاً" 1صم 31: 6 مقدمة منذ سنوات عديدة، كتب شاب إيطالي كتاباً صغيراً عن الشهيد ورجل الله العظيم "چون هس"، وكان هذا الشاب في ذلك الوقت مثالياً يكره العنف والطغيان، ومن ثم جاءت في الكتاب هذه العبارة: أتمنى لكل قاريء لهذا الكتاب أن يكره العنف والطغيان الروحي، بل كل ألوان العنف والطغيان،.. ولكن هذا الشاب اجتذبته السياسة، وتحول شيئاً فشيئاً حتى أصبح طاغية من أكبر طغاة التاريخ، وقد قاده هذا الطغيان إلى مصير مفجع، كان هذا الطاغية هو "موسوليني"!!.. وفي الحقيقة ما أكثر ما تتلون النفس البشرية من النقيض إلى النقيض،.. ولعل هذا يظهر بوضوح في شخصيتين كانتا تحملان اسم "شاول" وكلا الشخصيتين من سبط واحد هو سبط بنيامين، كان الأول شاول بن قيس، الذي بدأ كأروع ما تكون البداءات، لينتهي إلى أسوأ ما يمكن أن تكون النهايات،.. هذا في الوقت الذي بدأ فيه شاول الطرسوسي على العكس بداءة مرهبة قاسية سيئة، لينتهي إلى أجمل ما يمكن أن تكون عليه حياة الإنسان في الأرض، وليس هناك كارثة يمكن أن تكون قدر كارثة الإنسان الذي يبدأ حسناً لينتهي سيئاً، وربما يبدو السؤال الهام وكيف يمكن أن يحدث هذا؟!! إذا أردت أن تعرف السبب الصحيح الوحيد، فإنه يتلخص في كلمتين: “الله” و“النفس”، وموضع كليهما من الإنسان، ومشكلة الإنسان التعس، هو أنه يضع “النفس” مكان الله، فإذا أراد السعادة، والبهجة والعظمة والخلود، فليس عليه إلا أن يعكس الوضع فيتحقق له كل هذا!!.. كانت تعاسة الملك شاول أنه بدأ بالله لينتهي مع النفس، فذهبت قصته مثلاً مخيفاً يقرؤها الناس للتعجب والتحذر معاً… ويجمل بنا أن نراها فيما يلي: شاول والرغبة الشعبية لو أنك أردت أن تعرف سر الرجل من البداءة لأدركت أنه قبل وبعد كل شيء نتاج الرغبة الشعبية أو هو في لغة أخرى "نداء المنظور" نداء شعب هتف للمرة الأولى في حياته: "ليحيي الملك"، نداء شعب يريد قائداً منظوراً يواجه أعداءهم، وقد كان الفلسطينيون في ذلك الوقت قوة رهيبة لهم ثلاثون ألف مركبة وستة آلاف فارس، وشعب كالرمل الذي على شاطيء البحر في الكثرة، وربما لم ير الإسرائيليون قوة مماثلة لهذه القوة، فيما سبق منذ وطأة أقدامهم أرض كنعان، ولم يكتف هؤلاء بالحرص على تزايد قوتهم، بل عملوا على الدوام على إضعاف اليهود، وذلك عن طريق خطة ماكرة، إذ قضوا على جميع الحدادين العبرانيين حتى لا يستطيع هؤلاء أن يحرزوا سلاحاً على الإطلاق، ومن ثم كان ينزل إسرائيل إلى الفلسطينيين كي يحدد كل واحد سكته ومنجله وفأسه، عندما كانت حدود السكك والمناجل والمثلثات الأسنان والفؤوس ولترويس المناسيس، ومع أننا لا نعلم كيف سمح الإسرائيليون لأنفسهم أن يصلوا إلى هذه الحالة كلها على أي حال كانت منتهى الذل والضعة والضعف التي وصلوا إليها، ومن ثم جاءت النتيجة الحاسمة لهذه الحالة، فما أن رأى الشعب أعداءهم بهذه القوة والكثرة حتى استولت عليهم الرعدة والفزع فاختبأوا في كل مخبأ يمكن أن يجدوه في المغاير والغياض، والصروح والآبار، وبعضهم عبر الأردن هارباً إلى أرض جاد وجلعاد!!.. على أن نداء المنظور كان إلى جانب ذلك رغبة التفاخر بمنظر الملك المهيب، الذي يواجه الملوك الآخرين، وقد كانت هذه الرغبة عميقة في قلوبهم إلى الدرجة أنهم على استعداد أن "يأخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه لمراكبه وفسرانه أمام مراكبه.... ويأخذ بناتكم عطارات وطباخات وخبازات، ويأخذ حقولكم وكرومكم وزيتونكم أجودها ويعطيها لعبده، ويعشر زروعكم وكرومكم ويعطي لخصيانه وعبيده. ويأخذ عبيدكم وجواريكم وشبانكم الحسان وحميركم ويستعملكم لشغله" هذه الرغبة مهما تكلف، فهي حياة هذا الشعب في كل التاريخ، وهي صور متكررة للعجل الذهبي الذي صنعوه في سيناء، أو أقامه يربعام بن نباط في بيت إيل ودان، أو العجل الذي يعبدونه إلى اليوم من أيام المسيح إلى الآن، وهو المال الذي يجمعونه في كل أقطار الأرض إلى أن يهديهم الله، ويعيدهم إلى الفادي الذي صلبوه على هضبة الجلجثة في أورشليم!!... وهو "المنظور" عند أي إنسان يضعه ملكاً في حياته بديلاً عن الله، ويظن أنه بذلك يستطيع أن يسير في موكب الحياة،.. وهو لا يعلم أنه لن ينتفع بذلك الملك على النحو الذي يحلم به، بل سيتحول الملك إلى طاغية رهيب: "فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الذي اخترتموه لأنفسكم، فلا يستجيب لكم الرب في ذلك اليوم"... ويح الإنسان إذ يستبدل الله كما استبدله الإسرائيليون، وهل لله من نظير أو بديل كما يقول موسى: "ليس مثل الله يايشورون يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت فطرد من قدامك العدو وقال أهلك فيسكن إسرائيل آمناً وحده تكون عين يعقوب إلى أرض حنطة وخمر وسماؤه تقطر ندى طوباك يا إسرائيل، من مثلك يا شعباً منصوراً بالرب ترس عونك وسيف عظمتك فيتذلل لك أعداؤك وأنت تطأ مرتفعاتهم!!.. شاول والإجابة الإلهية أدرك صموئيل عندما طلب الإسرائيليون منه ذلك، أن الشعب يقف على مفرق الطريق في أخطر تحول منه عن الله،.. الانتقال من الحكم الإلهي، إلى الحكم الملكي، أو الانتقال من الحكم الإلهي المباشر إلى الحكم الإلهي غير المباشر عن طريق ملك منظور، وما من شك بأن هناك فرقاً بارزاً بين الاثنين، فالأول أقرب إلى النظام الجمهوري بينما يتجه الثاني صوب النظام الملكي الوراثي، الأول يحصر فكره في الله كملك الأمة، وما القضاء والأنبياء إلا خدمه وممثلوه في القيادة وتدبير الأمور دون أن يكون لهم أدنى حقوق على الشعب، بينما يخضع الثاني للمك المنظور وما تفرضه الملكية من التزامات وفرائض!!.. وإذ أصروا على الطلب أجاب الله طلبهم وانتظارهم في شخص شاول،.. وقد كان شاول قمة انتظارهم، وإن كان من الواضح أن الرجل الذي كان ينشده الرب، كان شخصاً يختلف كل الاختلاف عن الصورة المرسومة في أذهانهم.. ولكنها عادة الله دائماً أن يعطي الإنسان حسب شهوة قلبه، وويل لمن له هذه الشهوة، التي تحجب رغبة الله الصحيحة، والتي يرفض أن يعطيها إلا لمن يطلبها بعمق التسليم لإرادته وحكمته.. كان شاول كما يريد الشعب: الملك المهيب الطلعة كان شاول الملك المهيب الطلعة، فإذا أخذنا الأمر بالقياس المادي، فهو أطول من كل الشعب من كتفه فما فوق، والجمال الجسدي هو أول ما يلفت النظر في الإنسان، وإن كان مرات كثيرة ما يكون السر الأكبر في خطأ تقييم الشخصية، رأى أحدهم اللورد لويد الذي قاد بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وكان قصير القامة،.. فقال له: إني أتعجب أن رجلاً مثلك يمكن أن يكون رئيس الوزراء لبلاد تأتي في الطليعة بين الأمم،.. ورد عليه اللورد لويد قائلاً: في بلادكم تقيسون الرجل من هامة الرأس إلى أخمص القدم، وفي بلادنا يقيسون الرجل من هامة رأسه وأسفل ذقنه،... أي أن القياس بالعقل لا بالطول الفارع المديد،.. ومع ذلك فالشعوب تؤخذ في العادة بالبنيان الجسدي، وكان شاول متميزاً من هذا القبيل. الملك الوطني على أنه -كان أكثر من ذلك- الملك الوطني الشجاع الذي يدرك معنى رسالة الملك بالنسبة لأمته، فإذا تعرض ناحاش العموني ليابيش جلعاد يريد أن يستعبدها ويذلها على نحو لم يسمع به في كل التاريخ، بتقوير العين اليمني لكل رجل فيها، وإذا بشاول يسمع ويرى بكاء أهل المدينة، فتثور فيه الكرامة الوطنية، وإذ هو يرسل نداءه إلى الأمة كلها، ويأخذ فدان بقر يقطعه ويرسله إلى كل تخوم إسرائيل بيد الرسل قائلاً: من لا يخرج وراء شاول ووراء صموئيل يفعل هكذا ببقرة فوقع رعب الرب على الشعب فخرجوا كرجل واحد وراءه، وهو يدافع عن يابيش جلعاد وينتصر لها، وهو يعيش الملك الوطني حتى يسقط مع أولاده الثلاثة على جبال جلبوع دون أن يتنكر للأمة أو يتخاذل عن قيادتها، مهما أحاطت به الظروف، أو تغيرت به الأوضاع!!. الملك الديمقراطي وهو يبدأ حياته الملكية، لا متعالياً على أحد، أو منتقماً من أحد، بل بالحري يطلبونه يوم التتويج، فيجدونه مختبأ بين الأمتعة وهو لا ينسى عندما يتحدث إليه صموئيل في أمر المملكة أنه بنياميني من أصغر أسباط إسرائيل، وأن عشيرته أصغر كل عشائر أسباط بنيامين، وهو يبدأ من القاع، ذهب باحثاً عن أتن ضالة، ليجد مملكة، وإذ يحتقره بنو بليعال لضآلة منبته، ويقولون كيف يخلصنا هذا؟ ويرفضون أن يقدموا له هدية، يصبح كأصم!!.. ولعلنا نلاحظ أنه من فرط الوداعة التي كان عليها أولاً، عندما سأله عمه عما حدث في لقائه مع صموئيل، أجابه: “أخبرنا بأن الأتن قد وجدت، ولكنه لم يخبره بأمر المملكة الذي تكلم به صموئيل”… الملك الغيور وهو فيما نقرأ عنه كان الملك الغيور الملتهب العاطفة الذي يقضي على العرافات، ويحاول تطهير المملكة منهن، والجبعونيين الذين قطع يشوع لهم عهداً،.. وإذ يدخل في معركة مع الفلسطينيين يلعن من يتذوق خبزاً حتى المساء قبل أن ينتقم منهم، وهو على استعداد أن يضحي بابنه يوناثان الذي خالف الأمر، وإذا تذوق شيئاً من العسل حمله بطرف النشابة، وكاد أن يقتله لولا أن افتداه الشعب من يده!!.. وهل يمكن أن ينتظر شعب من مليكه أكثر من هذه الخلال العظيمة، الملك المهيب الرائع المنظر، والوطني المتقد، والديمقراطي الوادع،.. والغيور الذي ينقب على مصالح الشعب، ويتقدم لمواجهته في الحرب أو السلم على حد سواء!!.. شاول والفرصة الذهبية كان شاول من كل وجه يملك الفرصة الذهبية التي أتيحت له،.. لقد أعطاه الله، عندما أدار كتفه من عند صموئيل قلباً آخر، والله يعطي القلب الآخر على الصورة التي يشتهيها المرء أو يطلبها وعندما طلب داود "قلباً نقياً" غسله الله من الخطية البشعة التي تردي فيها وعندما طلب ابنه سليمان "قلباً فهيماً" أعطاه الله هذا القلب وليته طلب مع القلب الفهيم طلب أبيه، إذ أنه حكم مملكة بأكملها، وعجز في الوقت نفسه عن حكمة قلبه الذي مال وراء النساء الغريبة مع بنت فرعون من الموآبيات والعمونيات والصيدونيات والحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة... وكان في زمن شيخوخته أن نساءهن أملن قلبه وراء آلهة أخرى... وقد وضع صموئيل ثلاث علامات أمام شاول، هدية الثلاثة الرجال الذين سيلتقي بهم، ويأخذ منهم رغيفي خبز بعد أن يسلموا عليه، ومقابلة الزمرة من الأنبياء عند المرتفعة وأمامهم الرباب والدف والناي والعود، وهم يتنبأون، وسيتنبأ هو مثلهم، وسيتعجب الناس من تنبؤه وسيجيب آخرون بما سيضحى مثلاً بين الجميع: "أشاول بين الأنبياء" وسيكون الجواب: "ومن هو أبوهم"... والأمر الثالث أن الله سيعطيه قلباً آخر، وأغلب الظن أن شاول وقد امتلأ فكره بهذا الشيء العظيم المباغت الجديد، تحول ذهنه من الأتن الضائعة إلى المملكة الضائعة، والتي كان عليه أن يعيدها من قبضة المستعبدين الغاصبين، وكان قلبه مفعماً بهذا الإحساس، وإذ أدار كتفه من عند صموئيل أعطاه الله هذا القلب الآخر، الذي يحمل خواص الملك والقائد،.. وليس في هذا قليل أو كثير من حياة الولادة الجديدة، التي لم يكن يعرفها أو تدور في قلبه ومطلبه،... ومع ذلك فقد أعطاه الله الفرصة للارتفاع إلى ما هو أعلى وأسمى، بالنضمام إلى زمرة الأنبياء، والتي يعتقد أن صموئيل أنشأ مدرستها ليرفع من حياة الأمة، ويسمو بنقاوتها ورسالتها، وارتقى شاول إلى هذا المستوى وتنبأ بينهم،.. وقد أعانه في المعارك المتعددة التي واجهته: "وأخذ شاول الملك على إسرائيل وحارب جميع أعدائه حواليه موآب وبني عمون وآدوم وملوك صوبة والفلسطينيين، وحيثما توجه غلب وفعل ببأس وضرب عماليق وأنقذ إسرائيل من يد ناهبيه،... غير أن هذا كله لم يعط شاول القلب الجديد المولود ثانية من الله، وعندما استولت الخطية على هذا القلب ذهب مرة أخرى ليتنبأ وهو يطارد داود راغباً في قتله، ومن السخرية أنه ذهب إلى نايوت في الرامة، وهناك حل عليه روح وتنبأ هذه المرة وهو عار من ثيابه، ولسنا نعلم ماذا قال في نبوته، ولعله كان أشبه ببلعام بن بعور، أو قيافا رئيس الكهنة أو غيرهما ممن فصل الله في شخصياتهم بين النبوة والحياة، على أي حال أنها الفرصة الذهبية العظيمة، التي أعطاها له الله، كما أعطاها لواحد آخر بعد أكثر من ألف عام ليكون واحداً من الاثنى عشر، ومن الغريب أن كليهما انتهى إلى الليل الرهيب: "فقال شاول لعبيده: فتشوا على امرأة صاحبة جان فأذهب إليها وأسألها... وجاءوا إلى المرأة ليلاً"!!.. "فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلاً"... أجل وفرصة الله إذ لم تقتنص وضاعت، تنتهي بصاحبها إلى الليل، إلى الظلمة الخارجية، إلى حيث يكون البكاء وصرير الأسنان!!. شاول والانحدار الرهيب كان شاول أسوأ حظاً من جواد الاسكندر الأكبر، والذي قيل إن هذا الجواد كان من أعظم الجياد، ولكن ما ركبه أحد إلا وأسقطه على الأرض، وحاول الاسكندر أن يفهم السر، حتى أدرك أن الجواد كان يخاف من ظله، فأداره في اتجاه لا يستطيع معه أن يرى الظل، واستأنسه بهذه الصورة،.. وقد حاول صموئيل أن يفعل نفس الشيء مع شاول، حاول أن يستغل ملكاته، وينقذ نفسه، فأحبه حباً عميقاً، وبكى عليه عندما رفضه الرب الليل كله،.. وقد جاهد بالمشورة والمعونة والنصيحة أن يخرجه من ظل "النفس"، لكن هذا الظل بقى معه إلى النهاية حتى بلغ به جبال جلبوع ليموت هناك مع أولاده الثلاث أشنع ميتة... ولعلنا الآن نرى هذا الظل الرهيب الذي انحدر بالرجل إلى مثل هذا المنحدر القاسي: شاول وعدم التعمق في الدين لعله من أغرب الأشياء أن هذا الرجل الذي كان على رأس الأمة كان سطحياً إلى أبعد الحدود في الحياة الدينية، وليس أدل على ذلك من أنه لم يكن حتى ساعة الأتن الضائعة يعرف شخص صموئيل، وصموئيل -كما نعلم- كان في ذلك الوقت نبي الأمة وقاضيها ومحررها، وكان الإسرائيليون يذهبون إليه من كل مكان يتلمسون الحكمة والإرشاد والهداية والدين على يديه، ومن العجب أن شاول عندما ذهب إليه، لم يكن مدفوعاً برغبة دينية، بل لمعرفة الأتن الضالة!!.. كان في ذلك الوقت كما يعتقد البعض في الخامسة والأربعين عن عمره،.. ولكنه أشبه بمن يكون في هذه السن، وعقله في الخامسة أو العاشرة من العمر عند المتخلفين عقلياً، وما أكثر الذين لا تستطيع أن تجد توازناً أو تقابلاً بين أعمارهم، وحياتهم الدينية، أو مبادئهم الخلقية،.. ومن الغريب أن يكون شاول على رأس أمة دينية، وهو أبعد الناس عن العمق الروحي المطلوب،.. كانت هذه ضربته الأولى القاتلة،.. بل هي الأساس لكل الضربات الأخرى اللاحقة، لم يشرب هذا الرجل من النبع العميق الذي شرب منه موسى ويشوع وصموئيل وغيرهم، ولا نعرف له أغنية في حضرة الله، كما ترنم الملك الآتي بعده، أو كما رنم الكثيرون الذين عاشوا يلهجون في ناموس الرب ليلاً ونهاراً،... كان شجرة سامعة طويلة، لكن أصولها الداخلية توقفت بعيداً عن النهر، فعجزت عن أن تجد حياة الارتواء لملك عظيم على رأس أمة!!.. شاول وعدم الصبر ويبدو هذا في تجاسره على تقديم الذبيحة قبل مجيء صموئيل، وقد كان أمر الله صريحاً له في الانتظار حتى يأتي صموئيل ويقدم المحرقة، وقد تصور البعض أنه قدم الذبيحة بنفسه، وكانت هذه خطيته، غير أن البعض الآخر لا يرى هذا الرأي، ويعتقد أنه أمر واحد من الكهنة أن يقدم الذبيحة، دون أن يقوم هو بالعمل مباشرة، وأياً كان الأمر، فمن الواضح أن صموئيل ركز على عدم انتظاره الميعاد الإلهي، وتعجله في تقديم الذبيحة، وربما اندفع شاول إلى ذلك خوفاً من ملل الشعب أو من هجوم الفلسطينيين، على أي حال فإنه الرجل الذي سمح لمشاعره أو أفكاره الشخصية أن تقوده دون انتظار الإرادة الإلهية،... وهي نقطة الفشل البالغ لمن يعمل مع الله!!.. وما أكثر الذين يفشلون في الحياة، لأنهم لا يريدون انتظار الوقت المعين من الله في حياتهم، لقد كان على موسى أن يصبر أربعين سنة في البرية حتى تأتي إليه رسالة الله، وكان على السيد أن ينتظر ثلاثين سنة في الناصرة ليقوم بعدها بخدمة نيف وثلاث سنوات، ولم يصبر شاول، فانزلق بعدم صبره في المنحدر القاسي!! شاول والكبرياء وأين شاول الوديع المتواضع المختفي وراء الأقنعة، من شاول الذي لا يهتم بالتعدي على قول الرب وكلامه بقدر اهتمامه بكرامته الشخصية أمام شيوخ إسرائيل وهو القائل لصموئيل: "قد أخطأت والآن فاكرمني أمام شيوخ شعبي وأمام إسرائيل وارجع معي فاسجد للرب إلهك"؟!. لقد أمره الله أن يقضي قضاء تاماً على عماليق ولكنه لم يطع الله، وأبقى على أجاج ملك عماليق ولعله كان يبغي من وراء ذلك أن يبدو في عظمة الملوك الذين كانوا يرجعون إلى بلادهم بعد الانتصار في الحروب، ومعهم الأسلاب والملوك المهزومون كمظهر من مظاهر عظمتهم ومجدهم، وليس هناك شيء يبغضه الله كما يبغض روح الكبرياء.. في أساطير العصور الوسطى أن تنينا هائلاً ظهر في أحد البلدان، وذهب إليه أبطال المدينة لمحاربته، ولكنه قضى عليهم جميعاً، وكانت الخيل إذ رأته فزعت من منظره، وولت هاربة، دون أن يقدر راكبوها على القضاء عليه، حتى أمر الملك بأن لا يجازف أحد ويغامر بحياته في الصراع معه، غير أن بطلاً واحداً أراد قتله، فعمد إلى صنع تنين من الحديد شبيهاً به، وأخذ يدرب خيله وكلابه على الاقتراب منه دون فزع، ثم ذهب آخر الأمر إلى التنين وقتله، وهتفت المدينة كلها له، ولما دخل على الملك، صاح الملك في وجهه: لقد كسرت قانون الطاعة فلم تعد أهلاً لأن تكون من رعاياي، فخرج الرجل في صمت وخجل، وعند ذاك ناداه الملك وقال له: لقد أضحيت الآن أهلاً لأن تكون من أتباعي، لأن الشخص الذي يستطيع الانتصار على كبريائه أعظم من الذي يقضي على التنين!!... ولم يكن شاول من هذا الصنف، بل تمادى كبريائه إلى السقوط الشنيع الذي وصل إليه!!.. شاول والطمع وهناك مدمر آخر دخل في حياة الرجل، وهو الطمع، عندما كان فقيراً وصغيراً كان مكتفياً، لكن عندما أثرى واغتنى وبدأ يعيش حياة الملوك، لم تعد هناك نهاية لقناعته، وتولد فيه نوع عجيب من خداع النفس، والمال هكذا يدفع الإنسان إليه.ولعل الحديث بينه وبين صموئيل يكشف عن هذا الخداع الغريب، إن خوار البقر عند النفس الطامعة أشبه بالموسيقى الحلوة الطروب، وقد أنصت صموئيل إلى هذا الخوار، قال لشاول: "وما هو صوت الغنم هذا في أدنى، وصوت البقر الذي أنا سامع"... وتحدث شاول عن هذه الموسيقى الآتية من خيار البقر والغنم، فقال مخادعاً نفسه، وكأنما يريد أن يخدع صموئيل أيضاً: "من العمالقة قد أتوا بها لأن الشعب قد عفا عن خيار الغنم والبقر لأجل الذبح للرب إلهك"... ومن الحق أن الطامع يتحول في لحظة الطمع إلى عابد وثن، وصوت الدنانير عنده أجمل موسيقى تشنف أذنيه.. والقبح في نظر الآخرين يضحى آية الجمال أمام عينيه، ولهذا قال الرسول بولس لأهل كولوسي: "والطمع الذي هو عبادة أوثان"... شاول والحسد وعلاقة شاول بداود أبرع صورة يمكن أن يراها الإنسان في الوضع المتغير لعاطفة الحسود، كان داود في مطلع الأمر محبوباً من شاول، إذ بدأت العلاقة بين الاثنين عندما دخل داود إلى القصر الملكي كعازف على العود لنفس شاول المضطربة أقسى الاضطراب، من الروح الرديء الذي باغته بعد ذهاب روح الله عنه، وجاء داود إلى شاول عازفاً بأروع الألحان، فكان يطيب ويذهب عنه الروح الردي، وأصبح داود حامل سلاح لشاول، ووقف أمامه فأحبه جداً،... وظل الحب قائماً حتى سمع الملك أغنية أخرى من النساء الخارجات بالدفوف والفرح والمثلثات يقلن: "ضرب شاول الوفه وداود ربواته"... وأضحت الأغنية العظيمة نشازاً رهيباً قاسياً في أذنيه،.. فحسد الغلام، وأضحى موته هو الهدف الأعظم أمام عينيه!!.. وعندما يستعبد الحسد إنساناً سيدمره تدميراً!!... في قصة قديمة أن راهباً متعبداً تقياً حاولت الشياطين إسقاطه بمختلف الوسائل فلم يفلحوا، وذهبوا إلى رئيسهم وتحدثوا إليه عن الرجل الذي لم تفلح معه تجارب الشهوة والشك والتعب وما أشبه، فذهب إليه الرئيس وهمس في أذنه بكلمة واحدة، إذ قال له: هل سمعت الأخبار؟.. إن زميلك نصبوه أسقفاً على الإسكندرية، وكانت هذه كافية لإسقاطه، إذ ألهبت قلبه بالغيرة والحسد!! شاول والتمرد والتمرد هو أن يسير الإنسان عامداً في الطريق الذي كان يقف ضده بكل حزم في الابتداء، ولعل قصته مع العرافة تتحدث عن ذلك بأجلى وضوح، لقد بدأ عمله بالغيرة لله، والقضاء على العرافة المرتبطة بالجان... وكان مخيفاً مفزعاً للعرافين والعرافات ووصل الرجل إلى الدرك السحيق، فإذا كان الله يفارقه، فليكن، ولا مانع من الالتجاء إلى الشيطان،.. وإذا كان الله لا يتكلم إليه، فلا بأس من أن يسمع، ولو من صوت الشيطان، ماذا سيكون مصيره المظلم أمام عينيه!!.. وهكذا تدور الأيام به وهو يذهب إلى عين دور،... وقد اختلف الشراح والمفسرون أوسع اختلاف حول روح صموئيل، وهل جاءت إلى شاول لكي تتحدث إليه بما سيأتي به الغد،... فمن قائل (1) إنها جاءت فعلاً بجهد المرأة كما يذهب التلمود ويوسيفوس أو بتدخل القوة الإلهية بدون مساعدتها وعلى عكس ما كانت تتوقع (2) أو هو ظهور خيالي شيطاني أو ملائكي لم يأت فيه صموئيل على الإطلاق، وإن كان الله قد استدخم هذا الظهور كإعلان إلهي، وإلى هذا الرأي يذهب لوثر وكلفن وجروتيوس وهول وباترك ومتى هنري.. (3) أو هو ضغط ذهني وتمثيلي أحدثه الله في ذهن المرأة لتنطق ما نطقت به (4) أو هو خداع خرافي تعودت المرأة أن تتحدث به إلى الآخرين مع التحليل النفسي لشخصياتهم وما يقولون أو يطلبون (5) استقراء ذكي للحالة التي كان عليها الملك، وما تعتقد أن الغد سيأتي به له، مع رغبتها في دفعه إلى اليأس، إذ أرادت بذلك أن تنتقم منه للمعاملة القاسية التي عامل بها أصحاب الجان في القضاء عليهم وقتلهم،... وما أزال أميل للرأي القائل إن الله قد جاء بصموئيل على غير العادة وتوقع المرأة ليتكلم إليه بالقضاء الإلهي الذي سيقع عليه، وأن المرأة نفسها روعت على غير العادة بظهور المظهر الذي رأت فيه روح صموئيل، وأنها أشفقت على مصير شاول ولم تكن تقصد انتقاماً منه، بل حاولت أن تسري عنه وتذبح له العجل المسمن لتقدم له كملك أكرم ما عندها من طعام!!.. على أي حال، كان ذهاب شاول إلى العرافة هو آخر مدى في التمرد على الله، والسير بعناد في طريقة المخالفة للمشيئة الإلهية!!.. شاول والمصير المفجع سار شاول في هذا المنحدر الرهيب حتى انتهى إلى ليلة القاسي الطويل، وعندما ذهب إلى العرافة كان الليل قد لفه من كل جانب، وقد يسأل البعض: متى ابتدأ هذا الليل!!.. لقد ابتدأ من اللحظة التي فارقه فيها روح الرب، وباغته روح رديء ولعل الحكيم القديم كان أدق متحدث عن هذه الحقيقة وهو يقول: "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل، أما طريق الأشرار فكالظلام لا يعلمون ما يعثرون به".. كان ليل شاول.. ليل الحيرة وهل هناك حيرة أبلغ من كلمة الوحي التي جاءت في سفر أخبار الأيام الأول: "فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه، وأيضاً لأجل طلبه إلى الجان للسؤال ولم يسأل من الرب فأماته وحول المملكة إلى داود بن يسى" وقد ذكر سر وليم بارت: إن جميع الأنبياء العبرانيين من موسى إلى إشعياء اتحدوا في تحذير الشعب من أية محاولات لاستطلاع المستقبل... فإن العقود على هذا الاتجاه يميل بهم إلى إبهام الفكر الإلهي، وإضعاف الإيمان، والعبادة اللائقة للكائن الواحد القادر على كل شيء، والذي كان على هذه الأمة أن تكشفه للناس"... وأنه لمصير مفجع أن ينتهى قائد الأمة للبحث عن البخت" عن طريق الجان، ومن المؤسف أنه ما يزال إلى اليوم من يتمشون وراء شاول في ليلهم الطويل بالبحث عن "المصير" و"البخت" عن طريق "السحر" و"الرمل" و"الودع" و"النجوم" و"الكوتشينة" و"الفنجان" وقراءة "الكف" و"التنويم المغناطيسي" وما أشبه "ومن الغريب أنه في قمة الحضارة العلمية، وما يزال الكثيرون إلى اليوم يقرأون في الصحف باب "حظك اليوم" أو ما تتحدث به "الأبراج" إلى المولودين في هذا الشهر أو ذاك، ولو عقل الإنسان لأدرك كذب الحديث وضلاله من مجرد حظ التوائم الذين يولدون في يوم واحد، ومع ذلك تختلف حظوظهم كاختلاف حظ عيسو ويعقوب، أو زارح وفارص!!... ولو عقل الإنسان لأدرك أيضاً ما قاله موسى: "السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة" وما أكده إشعياء: "إلى الشريعة وإلى الشهادة إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر"... ولا فجر هناك إلا بالتماس مشورة الله، وكلمته الصالحة، وإرشاده الإلهي في الضمير المدرب، والرسالة الواضحة من المنبر، أو الاختبار، أو نصيحة المؤمنين القديسين وقد رفض شاول نصيحة صموئيل حياً، وبحث -للأسف- عن هذه النصيحة ميتاً،.. وكان هذا منتهى ما وصل إليه الرجل من حيرة وضلال!!.. ليل الدم وقد طلب الدم من كل جانب، إذ تحول وحشاً، وليس أبلغ من سعيه وراء داود لإراقة دمه والقضاء عليه، وليس هناك أدق أو أعمق من اعترافه مرتين بحقيقة الضياع النفسي الذي وصل إليه: "فلما فرغ داود من التكلم بهذا الكلام إلى شاول قال شاول أهذا صوتك يا ابني داود ورفع شاول صوته وبكى ثم قال لداود أنت أبر مني لأنك جازيتني خيراً وأنا جزيتك شراً وقد أظهرت اليوم أنك عملت بي خيراً لأن الرب قد دفعني بيدك ولم تقتلني فإذا وجد رجل عدوه فهل يطلقه في طريق خير فالرب يجازيك خيراً عما فعلته لي اليوم هذا والآن فإني علمت أنك تكون ملكاً وتثبت بيدك مملكة إسرائيل فأحلف لي الآن بالرب أنك لا تقطع نسلي من بعدي ولا تبيد اسمي من بيت أبي فحلف داود لشاول ثم ذهب شاول إلى بيته وأما داود ورجاله فصعدوا إلى الحصن"... وفي المرة الثانية: "فقال شاول قد أخطأت ارجع يا ابني داود لأني لا أسيء إليك بعد من أجل أن نفسي كانت كريمة في عينيك اليوم. هوذا قد حمقت وضللت كثيراً جداً: فأجاب داود وقال هوذا رمح الملك فليعبر واحد من الغلمان ويأخذه والرب يرد على كل واحد برده وأمانته لأنه قد دفعك الرب اليوم ليدي ولم أشأ أن أمد يدي إلى مسيح الرب، وهوذا كما كانت نفسك عظيمة اليوم في عيني كذلك لتعظم نفسي في عيني الرب فينقذني من كل ضيق فقال شاول لداود مبارك أنت يا ابني داود فإنك تفعل وتقدر. ثم ذهب داود في طريقه ورجع شاول إلى مكانه"... فإذا أضفنا إلى هذا كله واقعة البطش بكهنة الرب، والتي رفض عبيده القيام بها، وقام بها دواغ الأدرمي والذي قتل في يوم واحد خمسة وثمانين رجل البسي أفود الكتاب وضرب مدينة نوب مدينة الكهنة بحد السيف الرجال والنساء والأطفال والرضعان والثيران والحمير والغنم، على أسلوب وحشي رهيب... وكان من المستحيل على شاول أن يغسل يديه من هذا الدم البريء، بل وسيبقى ملطخاً يديه، حتى ولو تعطرت اليدان بكل عطور الدنيا... ولكنه ليل الوحشية والدم الذي وصل إليه!!.. ليل الضياع وقد انتظره هذا الليل فوق جبال جلبوع، ولم يذهب وحده، بل ذهب أبناؤه الثلاثة معه، وسقط يوناثان النبيل، والظبي الحلو، على الجبال الشامخة، وذهب مع إخوته ضحية هذا الأب، الذي ضيع ابنه، ومملكته، وتاريخه الأول،... وإذا كان لنا أن نغني مع داود نشيد القوس، نشيد الرجل الباكي على عوده، نشيد الإنسان الذي يعلم بأن الطريق قد فتح أمامه للملك، ولكنه مع ذلك لم يشمت أو يهلل بل مزق ثيابه في أروع سمو نفسي، وفي أقوى عاطفة باكية، لأنه لا يمكن أن ينسى أن مصرع شاول ستفرح به على أي حال بنات الغلف، وأعداؤه الذين قطعوا رأسه ونزعوا سلاحه وأرسلوا إلى أرض الفلسطينيين لأجل التبشير في بيت أصنامهم وفي الشعب..قال صموئيل لشاول: "وغداً أنت وبنوك تكونون معي" وهو يقصد بذلك موته، ولست أتصور هنا أنه يتحدث عن مكانه الأبدي مع صموئيل في السماء، فإن الرجلين قد افترقا في الأرض، وسار كل منهما في طريق تختلف تماماً عن الآخر، وتنتهي إلى مصير لا يتلاقى، فإذا كان لنا أن نطوب صموئيل في مجده الأبدي، فمن حقنا أن نبكي شاول بنفس الدموع التي بكى بها الأعظم: "وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها"... والذي قال: "يا بنات أورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن، لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر البطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع حينئذ يبتدئون يقولون للجبال أسقطي علينا وللآكام غطينا لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس".
المزيد
08 يونيو 2022

القيامة فرح

1- قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام" (لو 24: 5، 6).إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ 1: 7).وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ.. 2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا.كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلما من الناحية النفسية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص. ولكن الناس لم يروا سوي الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، ولا أروا فتح باب الفردوس ونقل الراقدين علي رجاء إلي هناك. وكان التلاميذ في رعب. فلما رأوا الرب فرحوا. بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، علي نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل "ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، ورأوه حيًا خارج القبر، وكانوا يظنون أنه لا لقاء. وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه "سيقودهم في موكب نصرته" (2 كو 2: 14) وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم. وأصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح. فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة جثسيماني وما بينهما وما بعدهما هو قال لهم "أراكم فتفرح قلوبكم". ونحن نعيد بأفراح القيامة، التي تشعرنا بأن المسيح حي معنا. وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه.. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية. 3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة وذلك بدليل المادي الذي رأوه أمامهم وهكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول "الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1). وقال القديس بطرس الرسول".. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات" (أ ع 10: 41).بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلي جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوي التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يقول "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" لم يعد التلاميذ يخافون شيئًا في روح القيامة أقصي ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها!! بهذا آمنت المسيحية أن الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جدًا ولم يعد يخشاه أحد.. 4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي الذي يؤمنون به "بيده مفاتيح الهاوية والموت". فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا.. 5- وفرح التلاميذ لأن الرب وفي بوعده لهم.لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضًا بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل "أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو 14: 2، 3).وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). وثقوا بوعده "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متى 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانًا وفرحًا. 6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضًا بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة.لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (1 كو 2: 16) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلي المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10). 7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلًا ومجدًا، وليس ألمًا ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات. وهكذا يقول بولس الرسول "لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 12: 10). ويقول أيضًا "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10). 8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشري بالقيامة العامة. والقيامة أعطت المسيحيين رجاءًا في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني علي الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة علي أسماعنا في كل قداس قول الرسول "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه". 9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه عرفوا أن القيامة لها ما بعدها. واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله "ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضًا عن الإكليل المعد فقال"وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 8).كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجادًا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض.. (رؤ 2، 3). بل ما أجمل قوله "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21).إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.فقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا (في 1: 23). وقال الرسول أيضًا "ونكون كل حين مع الرب".وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلي كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده.. 10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءًا في العشرة الدائمة مع المسيح.فرحة القيامة ليست هي مجرد أن تقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها..وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه.أصبحت القيامة شهوة الكل، وإيمان الكل، كطريق يوصل إلي الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا علي الأرض. 11- في قيامة المسيح، فرحوا بأنهم تلاميذ المسيح وخاصته، بعد أن كانوا خائفين من انتمائهم إليه! بعد أن كانوا خائفين قبلًا من الانتساب إليه، حتى أن بطرس في ليلة محاكمة السيد، أنكر، ولعن، وحلف، وقال لست أعرف الرجل (متى 26: 74). أما الآن -بعد القيامة- فإنهم يفتخرون به.وفرحوا بأن الرب قد سمح بأن يظهر لهم مدي أربعين يومًا، في العلية في أورشليم، وعند بحر طبرية، وفي الجليل.. ويتحدث إليهم ويطمئن قلوبهم، ويغفر لبطرس إنكاره، ويقنع توما في شكوكه.. ويتنازل إلي ضعفهم، ليرفعهم إلي قوته، دون أن يوبخهم علي هروبهم واختفائهم وشكهم. 12- فرحوا، لأنه بعد القيامة قد افتقدهم المسيح.وقضي معهم فترة، كانت تضميدًا لجروحهم، وإزالة لشكوكهم، وغفرانًا لخطاياهم. بل كانت فترة إعداد للخدمة المقبلة.. أربعين يومًا قضاها الرب معهم، كان فيها يظهر لهم "ويكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3).. وقد "أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة".. 13- و فرحوا لأنه في ظهور المسيح لهم، ظهر لهم مجده وعظمته ظهر لشاول الطرسوسي في نور عجيب أبرق حوله من السماء، حتى ارتعد شاول وتحير (أع 9: 3-6).وظهر ليوحنا الرائي "ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها "حتى وقع عند قدميه كميت (رؤ 1: 16، 17). 14- و فرح التلاميذ، لأنهم بعد القيامة استئمنوا علي رسالة قال لهم الرب "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أو صيتكم به "متى 28:19، 20). "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص.. هذه الآيات تتبع المؤمنين.." (مر 16: 15-17).وهكذا أصبحت لهم رسالة، ورسالة عظيمة وجليلة، يحيون لأجلها، ويجاهدون لتحقيقها، ويكللون بسببها. وتحقق قول الرب لهم "أجعلكم صيادي الناس" (متى 4: 19).لا شك أن بطرس قد فرح عندما قال له الرب بعد القيامة "ارع غنمي... ارع خرافي.." (يو 21: 15، 16).ولا شك أن كل التلاميذ فرحوا لما قال لهم الرب بعد القيامة "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت"، "كما أرسلني الآب. أرسلكم أنا" (يو 20: 21-23). 15- و فرح التلاميذ بالجسد الروحاني الذي للقيامة، حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضًا كما قام.. هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال "هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع في ضعف، ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 42-44). وقال أيضًا عن الرب يسوع "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده" (في 3: 21)."علي شبه جسد مجده "فهذا يعطينا فكرة عن جمال الحياة الأخرى وروحانيتها، وبهجة الانطلاق من المادة وكل قيودها، مع كل قدرات الروح ومواهبها. 16- القيامة منحت الكرازة المسيحية ثقة وإيمانًا ثقة بالمسيح القائم من الأموات، الذي عاش معه التلاميذ أربعين يومًا بعد قيامته "يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة"، "يكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3). حتى أن يوحنا الرسول، حينما تكلم عنه "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا ط (1 يو 1: 1). ملخص لأفراحهم: أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو 20: 20). واستمر معهم الفرح كمنهج حياة لقد فرحوا بقيامة الرب، وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده. وفرحوا بالقيامة بوجه عام، وبالانتصار علي الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها، وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتى بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب، وقال عنهم الكتاب "أما هم فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه" (أع 5: 41). فرحوا أيضًا بتحقيق وعده لهم في إرسال الروح القدس إليهم، وقوله لهم "تلبسون قوة من الأعالي" (لو 24: 48).وقوله أيضًا "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متى 18: 20). وقوله كذلك "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متى 28: 20). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
07 يونيو 2022

قوة قيامته

الذين يعثرون في صليب ربنا يسوع المسيح ، ويقولون حاشا أن يموت المسيح .. قد نسوا الذي سمح - لجسده أن يصلب ، كان متأكدا أن القيامة حاضرة في هذا الجسد الذي حمل خطايانا . فالقيامة لم تكن شيئا خارجا عن شخص الرب يسوع ، وأنما هي فعل كياني في داخله ، بل هي كيانه ، إذ يقول بفمه الطاهر عن ذاته , انا هو القيامة والحياة ، من آمن بي ولو مات فسيحيا ، . ولم يكن الرب محتاجا إلى أن يميت جسده ثم يقيمه ، ولكن الأمر كان متعلقا بنا ، نحن الذين أخطأنا ودخلت المعصية في كياننا ، واجرة الخطية هي موت .. فالمسيح مات عنا وقام لأجلنا . والرسول بولس يؤكد حقيقة لاهوتية هامة وهي : أن قوة قيامة الرب هي لأجلنا نحن المؤمنين فيقول في رسالته إلى أهل افسس مصليا للمؤمنين ان ينالوا روح الحكمة والاعلان ، مستنيرة عيون أذهانهم ، ليعلموا غنى مجد ميراث الرب في قديسيه . وعظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين ، حسب عمل شدة قوته ، إذ قام من الأموات ، وجلس عن يمين الأب في السمويات .. وأخضع كل شيء تحت قدميه ، وصار راسا فوق كل شيء للكنيسة ( اف ۱۷ : ۱ - ۲۱ ) • وفي اختصار شديد ، نود أن نعرض لقوة القيامه في حياة الكنيسة ككل ، وفى حياة كل مؤمن على حدة . في حياة الكنيسة : لقد حولت القيامة الكنيسة من الضعف إلى القوة ، فبعد ان كانت جماعة التلاميذ ضعيفة خائفة ، تجلس في رغب في العلية ، إنتشرت هذه الجماعة في المسكونة بقوة القيامة تكرز بالمسيح مصلوبا ومقاما وجالسا عن يمين المقامة وحولت القيامة الكنيسة من الحزن المرير إلى الفرح البهيج . فبعد أن كان التلاميذ حزاني لاجل انتصار مؤقت لقوات الظلمة ، أثبتت القيامة لهم بالبرهان العملى صدق مواعيد الرب الأمينة ، وفهموا جيدا ما كان يعنيه عندما كان يقول لي سلطان ان اضع ذاتي ، ولی سلطان ان آخذها أيضا ، وتيقنوا - من قوله المبارك لهم , فأنتم كذلك عندكم الآن حزن ، ولكني سأراكم ايضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحـد فرحكم منكم ، ( يو ١٦ : ٢٢ ) لقد بددت القيامة كل الشكوك ، ولمس توما بيده موضع المسامير والحربة ، ، وقام الرب والحجر باق بختومه شاهدا على قوة لاهوته .. وإلى الآن لا يزال القبر الفارغ في أورشليم ، يسكت جميع المعاندين غير المؤمنين بلاهوت الرب القائم ، الذي تنبا عنه داود بقوله فليقم الرب الإله ، وليتبدد أعدائه ، ويهرب مبغضوه من أمامه ، ( من ٦٨ : ١ ) . لقد أثبتت القيامة صحة عقيدة الكنيسة ، وكمال التدبير الإلهى . قام الرب في الميعاد الذي حدده ، قام بجسده الذي مات به ، بعد أن تمجد بنور القيامة ومجدها . قام بعد ان ابطل عن الموت ، وكسر شوكته ، وحطم متاريس الجسم ، وفتح باب الفردوس . في حياة المؤمن : وكما أن للقيامة قوتها في حياة الكنيسة ، فإن فعلها يسرى في الأعضاء ، كما تسرى عصارة الكرمة في الأغصان فالرسول بولس يعطى أول فاعلية للقيامة في حياة المؤمنين بقوله : وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا .. عاملين مشيئات الجسد والافكار . الله الذي هو غنى في الرحمة ، من أجل غنى الكثيرة التي أحبنا بهـا ، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح . والامنا معه ، واجلسنا معه في السماويات ، في المسيح يسوع ليظهر في الدهور الآتية نعمته وقوة قيامته . والقيامة أعطت المؤمن إمكانيات تتجاوز أبعاد الزمان والمكان والكيان .. أعطته قوة المعجزة . لم يعد يعرف المستحيل . الموت صار عبورا لذيذا إلى حياة أبدية الألم صار هبة من أجل اسمه ، الاضطهاد صار تنقية وتزكية ومتعة ، يطوب من أجله فاعلو البر .. الخطية الكائنة في أعضائنا تفقد فاعليتها ، وتنحل ربطها ، كما تلتهم النيران الهشيم و يذيب اللهيب الشموع . وكما أعطت القيامة قوة المؤمن في حياته الداخلية ، بالنصرة على الخطية والأحقاد والكراهية وكل أعمال الظلمة ، وكما أعطته قوة في الحياة الخارجية ، إذ تجعله نورا للعالم وملحا الأرض ، فإنها أيضا فكت اوتار الخيمة الأرضية ورفعت انظار المثابرين على الأفخارستيا إلى فوق ، منتظرين تحقيق وعده المبارك , إنه آت سريعا . . وصارت خفة ضيقتهم الأرضية ، تنشيء لهم ثقل بمجد أبدي مباركة تلك الزلزلة التي حدثت فغيرت التاريخ ، ومطوبة كل نفس متضعة تقبل آلام الجلجثة في نور القيامة . ومدعوة كل شخصية لم تعرف عن الرب سوى آلامه واحزانه من أجلنا ، أن تدخل معه في أفراحه وامجاد قيامته . . " نيافة مثلث الرحمات الانبا بيمن اسقف ملوى وتوابعها
المزيد
06 يونيو 2022

القیامة والشباب

القیامة ھى تدفق قوة الفداء المحییة، وعلامة على قبول الآب لذبیحة الصلیب. ١- القیامة ھى فیض الحیاة الإلھیة المقدمة لنا فى المسیح یسوع. ٢- وھى ھزیمة لمملكة الموت بدخول سید الحیاة إلیھا.. "نزل إلى الجحیم وسبى سبباً" (أف )، والسید المسیح بالصلیب بلغ قمة التخلى والطاعة والعطاء. ٣- مجد اللاھوت كان فى المسیح، وھو فى الجسد، ولكنه كان فى الظاھر یعطش ویجوع وینام، وقد ظھر مجد اللاھوت فى القیامة المجیدة. 4- صورة القیامة ظھرت بطریقة جزئیة فى التجلى (مت ١:١٧- ٩) و (لو ٢٨:٩ )، ثم فى الصورة النھائیة... جسد القیامة الممجد. ٥- الصلیب كان یحمل قوة القیامة؛ وكانت آلة العار، ھى طریق المجد والظفر (كو ١٤:٢-١٥ ). وفى الصلیب سحق الرب الشیطان وداسه تحت قدمیه. بركات القیامة: ھى تحریر للبشریة من الخطیة، فقد واجه یسوع الشیطان وحطمه وخلص البشریة، وأقامنا معه (أف ٦:٢ ). وزرع فى الإنسان طاقة القیامة، وقوة الحیاة التى لا یھزمھا موت الخطیة كما نصلى فى القداس: "ولا یقوى موت الخطیة ولا على كل شعبك" (القداس الإلھى). القیامة والشباب: ١- القیامة تحررنا نحن الشباب من عقدة الخوف من الخطیة، لأن المسیح بطل الخطیة بذبیحة نفسه، وبقیامته أبطل عز الموت،وأعطانا بالإیمان شركة حیاتھ فى جسده ودمھ، أن نستمتع بقوة قیامته مانحاً إیانا طاقة متجددة. ٢- القیامة تعطینا رجاء دائماً لأننا مولودین ثانیة بالمعمودیة، لرجاء حتى بقیامة یسوع من الأموات. وصار لنا ثقة فى أن كل ظلمة صلیب حتما یبعھا نور القیامة، وأن یسوع فى كل آلامه، تألم مجرباً، لكى یعین المجربین (عب ١٨:٢). ٣- القیامة تضمن لنا حیاة النصرة، ولیس ھذا معناه عدم وجود ضعف، ولكن لا یحدث عودة إلى الخطیة، ما دام المسیح القائم یحل فى القلب ویملك الحیاة. وأن ضعفت أقول: "لا تشمتى بى یا عدوتى أن سقطت أقوم" ( میخا ٨:٧ ) النصرة لیس العصمة، بل عدم البقاء فى الضعف، والثقة فى قوة المسیح الذى ھزم الموت، وأعطانا القیامة، وأقامنا معه. ٤- اختبار قیامة المسیح فى حیاتنا یعطینا نحن الشباب حیاة السلام والفرح، بدلاً من القلق والاضطراب. فالتلامیذ "فرحوا إذ رأوا الرب" (یو ٢٠:٢٠ )، ونزع الھم من قلوبھم، لأننا نلقى بھمومنا بثقة على الرب یسوع، الذى بذل ذاته لأجلنا، وھو یعولنا ویھتم بنا. ٥- القیامة تحررنا من الاھتمام بالغد، فنحن الشباب یشغلنا الماضى بذنوبه وآلامه، ویقلقنا المستقبل. ولكن القیامة تعطینا بالمعمودیة،أن نصیر خلیقة جدیدة، "فالأشیاء العتیقة قد مضت" وأثق بأننى حینما اعترف بتوبة صادقة بخطایاى، فسوف یغفرھا لى المسیح الذى أحبنى. وھكذا أحیا فى ملء التسلیم، فلا أھتم بالغد، بل ألقى حیاتى فى حضن الرب یسوع بثقة البنین. ٦- القیامة تحررنا من الشك والریبة فالرسول توما إذ أراه المسیح جنبه، سآمن، ونحن یمكن أن تكون لنا شركة قویة مع المسیح من خلال:- أ- نوال نعمة الغفران فى الاعتراف والتحلیل. ب- سكنى المسیح بجسده ودمه فى القلب، فى سر الأفخارستیا. ج- شركة كلمة الإنجیل التى تحرر النفس والذھن. د- أخذ قوة فى الصلاة بإیمان. ھ- السلوك بتدقیق ومحاسبة النفس فى دور وصیة الإنجیل. بھذه الخطوات جمیعھا سوف تصیر حیاتنا بكاملھا للرب، لكى یستخدمھا لمجد اسمه، ویرتب كل شئ بحكمته. تطبیقات : واظب على صلاة باكر التى تتذكر فیھا قوة القیامة وفعلھا. لیكن لیوم الأحد انطباعه الخاص، سواء بالاشتراك فى القداس والذبیحة، أو على الأقل المرور على الكنیسة مع صلاة قصیرة، طبعاً مع ضرورة الانتظام فى القداس الذى یناسب مواعیدك. كلما تعثرت فى خطیة، قم سریعاً وصلى، فھذه قیامة جدیدة! نیافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
05 يونيو 2022

ثقوا أنا قد غلبت العالم

الوعد الذي سمعناه اليوم هو الذي يجعلنا نشعر بوجود الله معنا "في العالم سيكون لكم ضيق لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"، فكل من يواجه صعوبات أو ضيقات يردد هذا أيضاً في قلبه، والثقة في المسيح نفسه أنه قد غلب العالم علي كل المستويات، رؤ 5:5 " قال لي أحد الشيوخ لا تبكي هوذا قد غلب الأسد، الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومة" قادر أن يخرجنا من جب الأسود كما أخرج دانيال ويخرجنا من جوف الحوت كما اخرج يونان، قادر أيضاً أن يخرجنا من هذا العالم إلي سمائه. رؤ 1:12 "سمعت صوتاً عظيماً في السماء هوذا قد صار خلاص إلهنا وملكه وسلطانه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي علي أخواتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلههم نهاراً وليلاً وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت" هذه الشكوي هي التي تجعل له سلطان، ولكن لا تسقط شعره من رأس أحد بدون إذن ربنا، أحياناً ينتهز الشيطان فرصه الأرض والتجارب والحرية المتاحة ويطلب السلطان بتجارب، مثل أيوب البار الذي قال في النهاية "بسمع الأذن سمعت عنك أما الآن فقد رآتك عيناي" ويسمح لنا أيضاً أن نُجرب هذا لا يعني أننا متروكين خارج أحضانه، ولكن كلما كنا في التجارب نشعر بأحضانه أكثر "في كل ضيقاتهم تضايق" ، "لنا رئيس كهنة قادر أن يعين المجربين أيضاً" في أحدي صلوات قداس من القرن الثالث: " من أجل جسدك ودمك فلنتحرر من خطايانا، من أجل المر الذي شربته من أجلنا فليبتعد عنا الشيطان، من أجل الخل الذي شربته ليت ضعفنا يجد قوة، من أجل الكتان الذي كفنت به لنلبس قوتك غير المقهورة" نحن نتشفع بألآمه، نتشفع بأنه يحتمل الضيق والتعب، نتشفع بأنه كان في صورتنا آخذناً صورة عبد حاملاً كل ضيقنا وضعفنا. لا يقدر الشيطان أن ينتصر علي آي شخص في المسيح، حتي وأن كنت تسقط وتقوم ولكن حينما تقدم توبة تنتصر "لا تشمتي بي يا عدوتي لأني أن سقطت أقوم" " الصديق يسقط في اليوم سبع مرات ويقوم"، صديق لأنه يقوم أيضاً، لأنه يقظ، ويقف وينتصر، في كل مرة يأتي الليل نشعر بكآبه وضيق وضعف لأن الليل قد ساد النهار، ولكن بقليل من الصبر نجد الشمس تغلب والنور يشرق، المسيح الغالب والمنتصر هو مجدنا الحقيقي، في سفر دانيال يقول: "أما قديسي العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلي الأبد، المملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطي لشعبي قديسي العلي، ملكوته ملكوت أبدي وجمبع السلاطين إياه يعبدون" يقول القديس أغريغوريوس النيصي: "لقد تغير كل شئ لأجلنا نحن الذين كنا وارثين الخطية، صرنا فرحين وها نحن نري الفردوس ينفتح أمامنا والسماء والأرض التي أنقسمت وحدتها تترنم الآن بألفه جديدة، لقد توافق البشر مع الملائكة، وهاهم يتغنون بمعرفة الله، فرحاً افرحوا بالرب لأنه ألبسني ثياب الخلاص" يقول البابا أثناسيوس: "الآن يا أحبائي قد سحق الشيطان ذاك الطاغية الذي هو ضد العالم كله، لا يعود يملك، بل يتسلط الحياة عوض الموت،إذ يقول المسيح انا هو الحياة، ابطل الموت ..تهدمت مملكة الشيطان .. وهوذا الكل فرحاً" بالرغم من ضعفنا والأمور المحيطة بنا، ولكن لنا مسيح غافر خطايانا وفاتح أحضانه دايماً، يعطي الأنتصار حتي لهؤلاء الذين صارت حياتهم فتيلة مدخنه لا يقصفها، بل يأتي ويعين هذا الضعيف ويغفر للذي حمل أثماً أمامه. كلما تشعر أنك ضعيف أفتح الكتاب المقدس وأمسك في وعوده. يقول الأنبا أنطونيوس لأولاده: "ذاك الروح الناري الذي قبلته اقبلوه أنتم أيضاً" روح يستطيع أن يغلب فيك. يقول أبو مقار: "النفس إذ كان لها أمانة في شركة الروح القدس فأن نار الروح القدس ونوره يحصنها ضد آي ضرر" ، "قفوا علي أرجلكم اطلبوا اصرخوا كمجروحين جرحاً مميتاً" بقول ذهبي الفم: "أنه يجول طالباً سبباً لخلاصنا ولو دمعة بسيطه نسكبها يسرع يأخذها سبباً لخلاصنا"حينما خلقنا لم يخلقنا للموت أو السقوط أو الشيطان إنما خلقنا أن نكون له وبه وفيه نحيا. لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
04 يونيو 2022

الخادم والتكريس

كلمـة تكريس تعني التخصيص أو التقديس لله .. وهو سكب الحياة عنـد قدمى ربنا يسوع المسيح ليكون هو المالك عليها .. أي تحيا النفس في ملكية الله على حياتها .. كما نقول في الصلاة الربانية « ليأت ملكوتك فلا يكـون المكرس ملكاً لنفسـه بل لله فيظهـر مـلكـوت الله في حياته ويعلن ملكوت الله على العالم من خلال الأشخاص المكرسين .. فهـو إعلان ملكوت الله في الزمن والأرض وصورة حية لإنتصار عمل النعمة على الكيان الإنساني الذي رضى ألا يحيا لنفسه بل لله . فهو حالة وليس رتبة ... وهو جوهر أكثر منه مظهر ... حيث يملك الله على الفكر والعقل والقلب والحواس . التكريس لا يعنـى مجرد عـدم الزواج وحيـاة البتوليـة لأن البتولية الحقيقيـة بحسب تعريفها للقديس يوحنا ذهبي الفم هي النفس التي لم تتزوج بمحبة العالم وليس التكريس هو مجرد الإلتزام بزى معين بل هو أبعد من ذلك بكثير حيث يحيا الإنسان لا لنفسه بل للمسيح . وكلمـا أدركـت النفس كمال عمل الله من أجلهـا ومقدار الثمن الذي فداها وفيضان الحب الذي سكب عليها ... رفضت كل ما لنفسها وخرجت من سلطانها لتحيا أسيرة ذاك الذي أحبها وتردد في قلبها دائماً لا أنا بل وحينمـا نتكلم عن التكريس لا نستبعـد أنفسنا لأننا بالفعل مكرسون منذ معموديتنا ويعلن تكريسنا وملكيتنا الله حيث نختم له ونخصص على إسمه ونجحد الشيطان ومرؤوسـه العالم ... ونرفض كل قواته وكل حيله الرديـة والمضلة ونعلـن إيماننا ونعترف بيسوع المسيح ربـاً وإلهاً وملكاً.ونصير أواني طاهرة وأبناء للملكوت السماوي كل هذا يتم بشكل سري في المعمودية المقدسة التي نخصص ونختم ونوهب فيها للمسيح ونحيا حياته ونعمل عمله ونتكلم بكلامه ... وهذا هو التكريس في جوهره . فـإن كان هذا هو حـال كل مسيحي معمد على إسم ربنا يسوع المسيح كم يكون الخادم الذي تم إختياره ليكون كارزاً ببشارة الإنجيل . نجـد في العهد القديم أن الله إختار أناس لـه وجعلهم نماذج لمحبته وتبعيته ويعلن تدابيره فيهم ويتكلم وينذر ويشجع بواستطهم مثل هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم ... وخصص له كل بكر كل فاتح رحم من أبناء بني إسرائيل ... ثم جعل سبط لاوى بالكامل له وجعلهم موهوبون له موهبة وعملا ما لا يعملون ... هـذا لكي يثبـت في أذهانهم وفـي قلوبهم أنهم مختلفـون ... وأن عملهم وحياتهم سماوية وليست أرضية ... أن هـذا كـلـه كان تمهيداً لإنسان الله في العهد الجديد .. الذي يجب أ يدرك أنـه مفرز ومدعو ومكرس ليعمل عمـل الله ويعلن رسالته وملكوته وهو بعد على الارض .. عزيزي الخادم ... ليتـك تدرك أنك مفـرز ومكرس وموهوب للمسيـح ... أنت نور وملح وخميرة وتذكر أن خدمتك ليست شيئـاً ثانوياً إضافياً تتذكره فقط وقت الخدمة بل حياتك ورسالتك ويومك ملك للمسيح فتكون بالحقيقة خادماً ومكرساً له . القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد
03 يونيو 2022

ننظر إلى قيامة المسيح

تسبحة القيامة "تين ناف" هي من أجمل التسابيح التي تُنشِد بها كنيستنا القبطيّة في عيد القيامة، وطوال فترة الخمسين المقدّسة، وكلّ الآحاد التالية حتّى نهاية شهر هاتور.سأعرض في هذا المقال بنعمة المسيح بعض مقتطفات من هذه التسبحة الجميلة، مع إبراز بعض معاني هامّة فيها: ننظر إلى قيامة المسيح، ونسجد للقدّوس يسوع المسيح ربّنا، الذي بلا خطيّة وحده. نسجد لصليبك أيّها المسيح. نسبِّح ونمجِّد قيامتك. لأنّك أنت هو إلهنا، ولا نعرف أحدًا سواك، وباسمِكَ دُعينا. تعالوا يا جميع المؤمنين لنسجد لقيامة المسيح، لأنّه من قِبَل صليبه دخل الفرح إلى العالم كلّه. فلنبارك الربّ كلّ حين ونمجِّد قيامته، لأنّه صَبَرَ وسَحَقَ الموتَ بموته. الجنود الملائكيّة بُهِتوا عندما رأوك حُسِبتَ مع الأموات. وحطّمتَ قوّة الموت أيّها المخَلِّص. وأقمتَ آدمَ معك، وأعتقته من الجحيم. نسجد للآب والابن والروح القدس في وحدانيّة الجوهر. ونصرخ مع الشاروبيم، قائلين: قدّوس قدّوس قدّوس أنت يارب. * معاني روحيّة: 1- القيامة هي مركز حياتنا الذي نتطلّع إليه بكلّ تركيز. فقد صار المسيح المصلوب القائم هو مركز حياتنا الجديد الذي غُرِسنا فيه بالمعموديّة، ونلنا فيه التبنّي لله ونعمة الحياة الأبديّة، وباسمه دُعِينا وصِرنا خاصّته، فلا نعرف إلهًا سواه. 2- الصليب لا يزال في المشهد، وسيظلّ إلى الأبد.. فالمسيح قائم في السماء كحَمَل به آثار الذّبح (رؤ5: 6-13)، وهو في نفس الوقت مُمَجَّد إلى أبد الآبدين. 3- فرحة ومجد القيامة نَبَتَا من مرارة الصليب، إذ صبر الربّ على الآلام حتّى اقتحم الموت وسحقه سحقًا وكسر شوكته.. وهكذا نحن إذ نحمل الصليب معه، ونصبر على مرارته، نتجلّي معه في المجد.. كما يعلّمنا القديس بولس الرسول: «إنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ» (2تي2: 11-12). 4- الملائكة كانوا يتابعون مشهد موت المسيح باندهاش، وفرحوا بانتصاره على الموت لصالحنا، كما هي عادتهم (لو15: 10)، وبخروج آدم من الجحيم على يديّ يسوع المخلّص الجبّار.. وهذا من واقع اهتمامهم بنا، كأسرة واحدة متحابّة..! * في هذه التسبحة أيضًا فقرات رائعة تختصّ بالسيّدة العذراء.. وهي كما يلي: كلّ الأفراح تليق بك يا والدة الإله، لأنّه من قِبَلك أُرجِعَ آدم إلى الفردوس، ونالت الزينة حوّاء عِوَض حزنها، وأخذَتْ الحرّيّةَ دُفعة أخرى من أجلك، والخلاصَ الدهري. نحن أيضًا فلنمجِّدك ككنز للقيامة. السلام للكنز المختوم الذي امتلأنا بالحياة من قِبَلِهِ. السلام للتي وَلَدت لنا المسيح إلهنا، وأعطانا الحياة من قِبَل قيامته. وَلدْتِ أيّتها العذراء مُعطي الحياة. وخلّصتِ آدمَ من الخطيّة. ومَنحتِ حوّاء الفرح عِوَضَ حُزنِها. وأنعمتِ لنا بالحياة والخلاص من الفساد والتَغيير. صِرتِ لنا شفيعة أمام الله مخلّصنا الذي تجسّد منكِ. * معاني روحيّة: 1- نحن لا ننسى دور العذراء مريم في أفراحنا بقيامة مخلّصنا، إذ هي التي قدّمت له عجينة البشريّة، ليتّحد بها، ويشفيها من أمراضها، ويحييها من موتها. 2- كما أنّه قد دخل السقوط والحُزن والعبوديّة إلى البشريّة عن طريق حوّاء، فعن طريق والدة الإله تزيّنت البشريّة بالخلاص والفرح والحرّيّة، مُجَدَّدًا. 3- العذراء هي الكنز المملوء بالحياة، وقد اغتنينا به.. فصارت لنا نموذجًا، لكي نصير نحن أيضًا مملوئين بنعمة المسيح الغنيّة، ونهبها للآخرين..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
02 يونيو 2022

وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ (أع1: 9)

صعود السيد المسيح، الكلمة المتجسد، بجسده، الذي اتحد به في بطن العذراء مريم، وقَبلِ فيه جميع الانفعالات والآلام والموت والدفن، ليؤكد حقيقة الاتحاد الكامل بين اللاهوت والناسوت، وأنهما صارا طبيعة واحدة، وأقنومًا واحدًا، وأن هذا الاتحاد لا افتراق معه. وكما أكد لنا بقيامته من الأموات حقيقة القيامة العامة، كذلك أرانا بالفعل حالة قيامة الأجساد بطبيعة روحانية في اليوم الأخير، وهكذا صعد به إلى الأعالى، كما يقول القديس كيرلس: [إنه ارتفع إلى السماء، حتى يشترك في عرش الآب بالجسد، الذي هو متحد به، هذا هو الطريق الجديد قد صنعه الكلمة لنا بعد أن ظهر في الطبيعة البشريّة] (تفسير إنجيل لوقا: 154).صعد إلى أعلى السموات: إن صعود السيد المسيح إلى أعالي السموات [سماء السموات] وهي أعلى وأسمى، قال عنها مُعلمنا داود النبيّ: «الرَّبُّ فِي السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ...» (مز11: 4)، وأيضًا «سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ» (مز148: 4)، وهى عرش الله، وعنها قال السيد المسيح في العظة على الجبل «لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ...» (مت5: 34، 35)، وهي التي صعد إليها وحده، وقال عنها معلمنا القديس بولس الرسول: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ» (عب4: 14)، اجتاز διελυθότα السموات، لا يعني أنه مر بها أو اخترقها، بل تجاوزها إلى ما هو أعلى منها، فقد «صَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ» (عب7: 26). أي تجاوز الأمور المنظورة. لذلك «أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ» (أع1: 9). والسحابة لها مدلولات كثيرة، نذكر منها الآتي:† كان الله يُستعلن بمجده في السحاب: فكان علامة ميثاقه مع نوح: «وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ» (تك9: 13). ويقول الله لموسى: «هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ السَّحَابِ..» (خر19: 9). وقد صاحب حلول مجد الرب، سحاب ملأ المكان: «َإِذَا مَجْدُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ» (خر16: 10). وكذلك كانت السحابة في التجلي متصلة بوضوح مع حضور الله والصوت الإلهيّ (مت17: 5؛ مر9: 7؛ لو9: 34، 35).† كان عمود السحاب علامة على وجود الله وسط شعبه، وقيادته لهم في رحلاتهم إلى أرض الموعد، ويعتبره القديس مقاريوس في مقابل إرشاد الروح القدس للنفس البشرية، عندما يتأمل في حالة النفس البعيدة عن عمل الروح، فيقول: [وكيف أتقبل أقوال الشريعة الإلهية على ألواح قلبي؟ وكيف أرى عمود النور الحقيقي والسحاب الناشئ من الروح القدس؟] (عظة25: 6). وسوف يأتي ابن الإنسان على السحاب، فيقول: «حِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ» (مت24: 30؛ 26: 64؛ مر13: 26؛ لو21: 27). وسيأتي ثانية مع السحاب (رؤ1: 7). فالمسيح لن يأتي في الخفاء أو في غموض، بل كإله ورب بمجد يليق بألوهيته (القديس كيرلس، تفسير إنجيل لوقا139) هكذا تشير سحابة دخان البخور في الكنيسة، إلى أن الله محتجب وغير مرئيّ: «فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ» (خر20: 21)، وإلى حلول مجد الله. ونتذكر أيضًا، ونحن شاخصين نحو المشرق، وسحابة البخور من حولنا، صعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين أبيه، وانتظار مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا. القمص بنيامين المحرقي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل