المقالات

22 أكتوبر 2021

مهمّة رئيس الملائكة ميخائيل

قيل في سِفر التثنية إنّ الربّ دَفَنَ موسى في الجواء (الوادي)، بعد أن أراه أرض الموعد من بعيد، ولم يَعرِف أحدٌ قبر موسى إلى هذا اليوم (تث34: 6).. فقد أخفى الله جسد موسى بحسب تدبيره الخاص. ولكن ذَكَرَ القديس يهوذا الرسول في رسالته، أنّ رئيس جند الربّ ميخائيل «خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ». وواضح من ذلك أنّ الشيطان أراد أن يعمل ضلالة عظيمة ضدّ تدبير الله لأنّه هو مقاوم وعدو كلّ خير. أراد أن يُظهِر جسد موسى ويحوِّل قلب شعب إسرائيل عن عبادة الله وطاعته، ليتعلّقوا بجسد موسى كنوع من عبادة البشر، إذ كان موسى عندهم هو كلّ رجائهم. فلمّا ظهرت نيّة إبليس محاولاً أن يُخرِج جسد موسى من مكان دفنه المُخفَى عن عيون البشر، أوعز الله إلى ميخائيل رئيس جند الرب أن يوقِف الشيطان ويتصدّى له. ولما كان إبليس رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل في أبناء المعصية - هو قوّة هائلة وروح ظلمة مُريع – وله قدرات فائقة، إذ كان رئيسًا للملائكة، وأوصافه التى وصفها به الأنبياء تُنبئ عن ذلك، إذ يقول عنه إشعياء: «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟» (14: 12). وقال عنه حزقيال: «أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ... أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ» (28: 12، 14، 15). على هذا كانت مهمة رئيس الملائكة ميخائيل في التصدّي لإبليس مهمّة غاية في الصعوبة، توصَف بأنّها حرب في السماء. ميخائيل كاسمِه "مَن مِثل الله" يستمدّ قوّته من خضوعه لله. بينما إبليس أو الشيطان هو كروح ظلمة مضاد لطبيعة الله الذي هو النور، والساكن في النور الذي لا يُدنَى منه. + «بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ ، الْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ» (مز103: 20، 21). + «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ» (عب1: 7). لذلك فإنّنا ندرك أنّ ميخائيل تصدّى لقوّة الظلمة الهائلة، أي لإبليس وجنوده، ليوقِف عمله ويبطل مشورته. وهذا ما عبَّر عنه سِفر الرؤيا بقوله: «حَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ» (رؤ12: 7). وقد كانت مهمّة رئيس الملائكة ميخائيل هكذا مهمّة خطيرة وصعبة جدًّا. ولم يستطِع إبليس أن ينفّذ إرادته الشريرة، بل توقّف عن تقدّمه، بسبب قوّة ميخائيل وتصدّيه الحاسم. ويمكننا أن نتخيّل هذه المواجهة الصعبة، عندما نتذكّر أنّ ملاكًا واحدًا قتل «مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ جَيْشِ سَنْحَارِيبُ» (2مل19: 35) المحاصِر لأورشليم في أيام حَزَقِيَّا الملِك. فما بالك برئيس الملائكة!!؟ وقول رئيس الملائكة ميخائيل وصرخَتُهُ في الشيطان «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ» فيه لنا قدوة وسِرّ، به كيف نواجه هذا العدوّ، إذ نلتجئ إلى اسم الرب.. ولاسيّما بعد أن نلنا نعمة البنوّة، وأخذنا من المسيح الإله قوّة وسلطانًا على الأرواح النجسة، حتى طَرْدها وإخراجها وغلبتها بقوّة الروح القدس المُعطَى لنا، لأنّ الرب قال: «أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ» (مت12: 28) وقال الرسول يعقوب: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يع4: 7) وقال الرسول بطرس أيضًا: «قَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ» (1بط5: 9). وقال الرب أيضًا: «هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوّ» (لو10: 19). فليكن في فمنا قول رئيس الملائكة «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ». نقوله الليل والنهار في كلّ ما يقابلنا من حروب أو معاكسات أو فخاخ أو مضايقات أو هجمات العدو. وكان عوام (عامّة) المؤمنين يقولون: "ربنا يخزيك يا شيطان". وكانوا يؤمنون إنّه بمجرّد رشم علامة الصليب يهرب الشيطان، ويصيبه الخزي، لأنّ الرب يسوع سحق الشيطان بالصليب. ثم بعد ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، لمّا تجسّد ابن الله وظهر في الهيئة كإنسان من أجل خلاص العالم. وصُلِبَ على الصليب حاملاً خطيّة العالم كلّه. وأسلم الروح في يديّ الآب. طار صواب عدو الخير لما اكتشف أنّ الذي وُلد في مذود، وصار في الهيئة كإنسان، وصار مُجرَّبًا في كلّ شيء وتعب وبكى ونام.. إلى آخر هذه الأمور، واحتمل الآلام ومات.. لم يكن سوى أقنوم الكلمة، الذي في ذات الله، والواحد مع أبيه في الربوبيّة. وعندما نزل بلاهوته المتّحد بالنفس البشرية إلى الجحيم وسبى سبيًا، وخلّص آدم وبنيه من سجن الأرواح أي قبضة إبليس، أسرع إبليس في جنونه الشيطاني ليعمل ضلالته العظمى، إذ أدرك أنّ المسيح لا يمكن أن يُمسكه الموت، بل هو سيقوم حتمًا كما قال، لأنّه هو هو القيامة والحياة. فراح يعمل في فِكر رؤساء كهنة اليهود، لكي بكلّ وسيلة يخفي القيامة، فأسرعوا إلى بيلاطس لكي يضبطوا قبر المخلّص بأختام وعساكر. وقالوا عن الرب: «أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ... لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى» (مت27: 63، 64). فتصوّر أنّ الشيطان المُضِلّ والكذّاب وأبو الكذّاب يقول عن الرب إنّه مُضِلّ وأنّ قيامته ضلالة.. وإنّي أـتعجّب لشرّ الشرير وظُلمة الظالم. فذاك الذي أسقطه كبرياؤه ليصير مثل العليّ.. أحدَرَتْهُ أفكاره إلى أسفل السافلين. فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة الذين انقادوا لمشورة الشيطان "عندكم جنود فاضبطوا القبر كما تشاءون". كانت هذه المحاولة اليائسة والمشورة الغبيّة هي آخر حصون العدو التي هدمها المسيح بقيامته. لأنّه عندما أشرق نور قيامة المسيح هربَتْ قوات الظلمة وتبدّدت في الحال. لأنّه هل ممكن أن يحجِز الظلام نور شمس البرّ؟ وهل ممكن للذي وُلد من العذراء بدون زرع بشر الذي لم يفعل خطيّة، القدوس الذي بلا شرّ أن تسود عليه شوكة الموت؟ وهل يُعقل أنّ الأزلي الأبدي تكون له نهاية أيام؟ لذلك قام المسيح من الأموات، ونقض أوجاع الموت وكسر شوكته، وأنار الحياة والخلود. في هذه المرّة أيضًا، أوعز الربّ لرئيس جنده الملاك ميخائيل أن ينزل، ولكن لم تكن هذه المرّة كسابقتها.. فإبليس انسحق سحقًا بقيامة المسيح الإله، وشوكة الموت والظلام انكسرت إلى الأبد. وقوّة المعاند تحطّمت، والقيود التي كان يقيِّد بها النفوس ويستعبدها رجعت عليه فصار هو مقيدًا ومذلولاً. بل إله السلام وملك السلام أعطى عبيده سلطانًا على إبليس، وأن يدوسوا الحيّات والعقارب وكلّ قوّة العدو. فنزل ميخائيل بقوّة لا ليواجه شيطانًا مقهورًا، وقوّات ظلمة فَزِعة فارّة (هاربة) بل ليُعلِن قيامة المسيح، فلما رآه الجنود وهزّتهم الزلزلة صاروا كأموات وهربوا من الخوف، لذلك دَحرَج الحجر عن باب القبر الفارغ وجلس عليه. وهنا العجب العجاب أنّ الملائكة وهم أرواح فائقة غير متجسّدة.. لا يتعبون ولا يجلسون. ولكن من فرط فرح القيامة جلس ميخائيل على الحجر وبشّر النسوة حاملات الطيب قائلاً: المسيح قام. معونة الملائكة وشفاعتهم: بسبب طبيعتهم الخيِّرة - المخلوقين عليها - فإنّهم يحبّون الخير ويخدمونه ويتمنّونه. وعلى العكس فهم ضدّ الظلام والشرّ والخراب الذي تصنعه أرواح الظلمة في العالم. انظر إلى الملاك الذي شفع في أورشليم في أيّام زكريا النبي كيف قال للرب: «إلىَ مَتَى أَنْتَ لاَ تَرْحَمُ أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا هذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً؟". فأجابه الرب بكلام طيب وكلام تعزية.والأمر المؤكَّد أنّه لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي وقف فيها الملاك يطلب ويستعطف الله ويطلب الخير لأورشليم. إذ أنّ الملائكة موجودون في حضرة الله كلّ حين، يباركونه ويسبّحونه من أجل خيراته، ومن أجل أعماله المملوءة صلاحًا. فهُم بالحقيقة شُفَعَاء طالبون الخير وكلّ ما هو مرضِيّ أمام الله.«إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ» (عاموس3: 7). أيّ أنّ أسرار الله وتدابير نعمته يُعلنها لقديسيه. ألم يقُل في سِفر التكوين: هل أُخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا صانع؟ لذلك ليس كثيرًا أن يصير القديسون شُفعَاء أمامه. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
21 أكتوبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس حزقيا

حزقيا " والتصق بالرب ولم يحد عنه "2مل 18: 6 مقدمة يتفق الكثيرون " مع فيكتور هوجو " على أن نابليون خسر معركة ووترلو لا لشىء إلا لأن اللّه كان ضده،.. كما يؤكد آخرون أن انسحاب الإنجليز من " دنكرك " فى الحرب العالمية الثانية قد تم بمعجزة إلهية، ولو أن هتلر هاجم انجلترا فى ذلك الوقت - ولم يتحول إلى روسيا - لكسب الحرب، ولكن القدير كان قد رتب له الهزيمة فانهزم،.. وعندما دخل ماك آرثر معاركه الضارية مع اليابان، بعد تدمير الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربر، لم يستند قط إلى قوة أمريكا العسكرية، أو عبقريته كرجل من رجال الحرب العظام، بل كان سنده الأعظم الالتجاء إلى القدير، وقبيل خوض المعركة أرسل إلى راعى كنيسته يقول له: ها أنا أواجه معركة قاسية مجهولة فأرجو أن تركع أمام اللّه وتصلى من أجلى فى نفس المكان الذى ركعت أنا فيه عندما انضممت إلى عضوية الكنيسة، وحيث تعودت المثول فى حضرة الله هناك، ونجح ماك آرثر مستنداً إلى ذراع القدير!!... كان الملك القديم حزقيا واسمه يعنى " الرب يقوى " قد وضع شعاراً عميقاً بسيطاً له، هو أعظم شعار يمكن أن يضعه إنسان أمامه فى الأرض: الالتصاق بالرب... وهو شعار مثير فى بساطته، وقوته، فالالتصاق شئ يمكن أن يفعله الطفل الصغير وهو يلتصق بأمه أو يمسك بأبيه، وهو فى قوته الشئ الوحيد الذى به يواجه الإنسان الأمور فى كل أوضاعها المختلفة فى الأرض،... وهو أقصرالطرق وأضمنها إلى النجاح والفلاح.وها نحن لذلك نتابع قصة الملك القديم فيما يلى:- حزقيا والظروف السيئة التى أحاطت به:- لم تكن الطريق أمام حزقيا سهلة هينة ميسورة، بل إن هذا الرجل القديم تفتحت عيناه على الخرائب والأطلال من كل جانب فى الداخل أو الخارج على حد سواء،... كان أبوه آحاز الملك الذى حكم يهوذا لمدة عشرين عاماً، وكانت من أسوأ السنين التى عرفتها البلاد،... فقد أغرقها فى الشر والوثنية، إذ نبذ عبادة الله، وأغلق الهيكل بعد أن دنسه ونجسه، وعبر ابنه فى النار، وعبد الآلهة الوثنية بكل ما اشتملت عليه عبادتها من شر وشهوانية وقسوة، ومن ثم توالت عليه، وعلى شعب يهوذا، الفواجع والكوارث، إذ هاجمه الأراميون والإسرائيليون وعاثوا فى الأرض فسادا، وقتلوا وذبحوا العشرات من الألوف، وسبو لأنفلسهم سبايا لا تحصى ولا تعد،... ومع ذلك فقد أبى أن يستعين عليهم بالرب، بل استعان بملك آشور، فلم يعنه الملك الذي بعد أن قضى على أضداده، تحول إليه، ونكل به وبشعبه تنكيلا قاسياً بعد أن استولى على الكثير من كنوز بيت الرب والملك والرؤساء!!.إن قصة حزقيا تصلح أن تكون تعزية وتشجيعاً لأولئك الذين تتفتح عيونهم على الحرب والأنقاض، حيث أفسد آباؤهم كل شئ وتركوا لهم تركة مثقلة قاسية ومع أنهم ليسوا مسئولين عما فعله الآباء، لكنهم يستطيعون - بالاستناد إلى اللّه - السير فى أرض الخراب وإعادتها إلى المجد السابق، إن كان لها مجد قديم، أو ربما إلى ما هو أفضل من الماضى المجيد، حتى ثبت إيمانهم فى الله، واعتمادهم عليه!! حزقيا والإصلاح العظيم الذى قام به:- ويعتبر حزقيا واحداً من أعظم المصلحين الدينيين فى التاريخ، وكل إصلاح فى العادة يبدأ بظهور رجل من أبطال اللّه يقود حركة الإصلاح، أو كما قال أحدهم: " إن النهضة التى حدثت فى قرية سامرية - كما جاء فى إنجيل يوحنا - بدأت بامرأة تشهد عن يسوع وما فعل معها، ونهضة يوم الخمسين ظهرت بقيادة بطرس بقوة الروح القدس، والنهضات التى حدثت فى آسيا الصغرى وشمال اليونان فى القرن الأول، كانت ثمرة وعظ الرسول بولس، وقد ألهب سافونا رولا فلورنسا، وأيقظ لوثر أوربا، وقامت نهضة الوسليين وهو ايتفيلد، لتحول الحياة الدينية والأدبية فى إنجلترا تحويلا كاملا، وقام فنى بنهضته العظيمة فى منتصف القرن التاسع عشر، وأشعل مودى النهضة فى الجزر البريطانية وأمريكا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر!!.. وفى الحقيقة أن النهضات لا تبدأ عشوائية، بل يلزم أن يكون وراءها رجل، ورجل للّه!!.. وهذا الرجل يلزم، ودائماً، أن يكون خاضعاً بالتمام للروح القدس، ومحفوظاً فى النقاوة بسكنى الروح القدس، وممتلئاً بالعاطفة الملتهبة لخلاص النفوس، وفاهما بالتمام لمشيئة اللّه، وممسوحاً بمسحة القوة، حتى ولو بدا وعظه وتعليمه بسيطين، فإن الجماهير الغفيرة تقبل تحت الإحساس بذنبها، إلى الاعتراف بالرب مخلصها.وفى النهضة التى نشير إليها نجد رجلا استخدمه اللّه ليغير الحياة الدينية لأمته تغييراً كاملاً، ولم يكن هذا الرجل إلا حزقيا، الملك الذى يقف على رأس أمة ممزقة تعسة ضعيفة "...! ولعلنا نستطيع إدراك قلب الرجل الملتهب متى تبينا أنه لم يضع دقيقة واحدة فى القيام بحركة الإصلاح، إذ بدأه فى السنة الأولى لتولى العرش، وكان فى أوج القوة والشباب، فى الخامسة والعشرين من عمره،... لقد كان - كما يبدو - ضيق الصدر محزون النفس بما يفعل أبوه من شرور وآثام، ويبدو أن أمه" أبى بنت زكريا " هى التى كانت تغذى فيه هذا الضيق على الدوام كما يبدو أن إشعياء كان له أيضاً دخل فى الأمر، ولعل الأحوال السيئة التى باتت عليها المملكة جعلته يؤمن إيماناً سديداً بأن الكوارث التى حاقت بها، لم تأت إلا لابتعاد الشعب عن اللّه. وتستطيع أن تدرك هذا بوضوح من حديثه النبيل العظيم مع الكهنة واللاويين إذ يقول: " لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر فى عينى الرب إلهنا وتركوه، وحولوا وجوههم عن مسكن الرب وأعطوا قفا... فكان غضب الرب على يهوذا وإسرائيل.. "إن اللّه دائماً فى حاجة إلى رجل ليصنع به الإصلاح العظيم،... ولقد أشرنا إلى يوحنا وسلى عندما انحطت انجلترا فى القرن الثامن عشر إلى أحط الدركات الخلقية، إذ كانوا - كما يقولون - يجدون حانة للخمور مقابل أربعة بيوت للسكن، وانتشرت الدعارة وتزايدت الجرائم، إلى أن أنهض اللّه له رجلا، لم يكن صاحب عرش أو جيش أو ثروة أو سلطان، إذ كان مجرداً منها جميعاً، ولكنه كان يملك ما هو أعظم، فقد كان يوحنا وسلى " رجل الله، الرجل الذى نادى فى إنجلترا، بإنجيل المسيح، ولقد ظل وسلى يتنقل فى انجلترا من مكان إلى مكان ما بين الشوارع والأزقة والمدن والقرى والمصانع والمناجم، يعظ يومياً ما بين عظتين وخمسة عظات، فعل مالا تفعله قوات العالم مجتمعة!!. فإذا كان وسلى قد فعل كل هذا فى القرن الثامن عشر بعد الميلاد، واحتمل فى سبيل ذلك، مالا يكاد يحتمله بشر، فإن حزقيا فعل الشئ ذاته فى القرن الثامن قبل الميلاد،... لقد أدرك حزقيا قوة الكلمة الإلهية، وأرسل الوعاظ والسعاة إلى جميع إسرائيل ويهوذا، ينادون بالعودة إلى الرب، واستقبل الناس الكلمة، كما يحدث فى النهضات، ما بين ساخر وضاحك، وبين مؤمن وتائب: " فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم إلا أن قوما من أشير ومنسى وزبولون تواضعوا واتوا إلى أورشليم " " 2 أى 30: 10 و11 "وغير خاف أن العنصر الأول من عناصر الإصلاح، لابد أن يكون شيئاً سلبياً، إذ هو التطهر من كل دنس وشر، ولا يمكن لأية نهضة أن تقوم، ما لم تبدأ بالتوبة، والتائب الأول هو رجل النهضة وخادمها.ولقد دعا حزقيا الكهنة واللاويين: " وأدخل الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية وقال لهم: اسمعوا لى أيها اللاويون. تقدسوا الآن وقدسوا بيت الرب إله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس " " 2 أى 29: 4 - 5 ". وأى خادم لا يستطيع المناداة بالتطهير ما لم يكن هو قد تطهر وتقدس؟ أوكما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: " فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح " " 2 تى 2: 21 ". وإلى جانب الخادم المطهر يأتى بيت الله المطهر،... وقد أخرج حزقيا الأصنام والنجاسات من الهيكل، وطهر الأوانى المقدسة، وأعد بيت الله للعبادة الطاهره النقية وهى حقائق تشير إلى ما ينبغى أن تكون عليه الكنيسة، إذا رامت أن تغير العالم أو تصلحه وتنهضه،.. ولقد أدرك حزقيا، فى هذا كله أن الروح لابد أن يسبق الحرف، وأن العبرة - كل العبرة - ليست بمجرد الطقس فى حد ذاته، بل بماوراء الطقس من معنى ومغزى، ومن ثم نجده يتجاوز عن عمل الفصح فى وقته، إذ أن الميعاد قد فات، وهو لا يمكن أن ينتظر إلى العام التالى، لئلا تفتر المشاعر المتوثبة الملتهبة، ولا مانع عنده من أن يعمل الفصح فى الشهر التالى... إن حزقيا يدرك جيداً أن اللّه لا يخدعه الطقس الخارجى أو المظهر الشكلى دون الحقيقة الداخلية المباركة العميقة!!.. وهذا حق، وليس أدل عليه من أن قيافا صنع الفصح وأكله،.. ثم صلب يسوع المسيح وهكذا ارتكب أكبر جريمة فى التاريخ!!.. عمل حزقيا الفصح واشترك إسرائيل ويهوذا فى إقامته معا لأول مرة بعد سليمان، وإذ أهمل الشعب هذه الفريضة، نسى نظامها وشروطها، ومع ذلك صلى حزقيا إلى الله وقد هيأوا قلوبهم لها، فشفاهم الرب متجاوزاً عن نقصهم وضعفهم،... ولا يجوز لنا أن ننسى أن لب الاصلاح والنهضة عند الملك القديم، على أي حال، كان الفصح،... وهو ذات الشئ فى كل نهضة واصلاح فى العصر الحديث، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا،...ولا نهضة إلا بالتبشير بيسوع المسيح وإياه مصلوباً... عندما عاد " مودى " من رحلته الموفقة الأولى إلى انجلترا، وتحدثت الصحف عن نجاحه هناك، حدث أن امرأة كانت تسمعه يتكلم كثيراً عن الصليب قبل ذهابه، وإذ عاد ذهبت لتسمعه، فإذا بأول عظة يعظها أيضاً كانت عن دم المسيح، فاقتربت منه المرأه وقالت له: كم أنا آسفة يامودى إذ سمعتك اليوم تتكلم عن هذا الموضوع المخيف، لقد ظننت أنك أسقطته من وعظك، والآن أعرف أنك لا يمكن أن تكون واعظاً ناجحاً، وإذا بمودى يجيبها: يا سيدتى: إذا لم يكن المسيح قد تكلم عن هذا الموضوع، وكذلك أيضاً الرسل، بل إذا لم يكن المسيح قد وعظ به، فإنى أكون قد قرأت كتابى المقدس بكيفية خاطئة هذه السنين الطويلة، ولا أكون قد عثرت على مفتاح الكتاب... ويكون الكتاب بجملته مغلقاً أمامى، وإذا لم أعظ عن الصليب، وأهملته، فلا يكون هناك شئ بعد لأعظ عنه،... احذفى العقيدة المباركة عن الدم من الكتاب،... وإذا بكل شئ ينهار!!..نجح حزقيا وكانت عناصر نجاحه: الواعظ الطاهر، وبيت الله المقدس، وكلمة الله الحية الفعالة، ورسالة الدم االمسفوك، وهى عناصر كل نهضة عظيمة عرفها التاريخ بعد ذلك.. حزقيا والسياسة البشرية العقيمة: - ويبدو أنها حكمة الله الدائمة، أن يتركنا لنجرب جهدنا البشرى الخائب، وسياسة الذكاء أو التحالف مع الأشرار أو مهادنتهم، ومن الحق أن حزقيا لم يبدأ بالتحالف مع ملك آشور، بل هذه كانت التركة التى خلفها له أبوه، الذى كان يدفع الجزية لآشور، وعندما اعتلى حزقيا العرش ضاق بهذا الوضع فاتفق مع الفلسطينيين والفينيقيين على أن يقوم جميعهم بالعصيان الشامل العام على آشور، ووعدتهم مصر التى كانت فى ذلك الوقت دولة قوية بالمؤازرة والمعونة، وقد تحمس الشعب اليهودى تحمساً بالغاً لهذا العصيان، ولكن إشعياء لم يكن موافقاً على هذه الحركة إذا لم يكن مطمئناً إلى الاستناد إلى أية قوة غير قوة الله، ولكن الحماس الوطنى غطى فى ذلك الوقت على صوت النبِى، وقام الشعب بتحصين أورشليم حتى اضحت - كما قال أحدهم - أشبه بجبل طارق،... فى هذا الوقت كان سنحاريب مشغولا بإخضاع الممالك الشرقية، ولما تم إخضاعها تحول كالسيل الجارف ناحية الغرب، فأخضع المدن الفلسطينية، وعند عقرون التقى بجيش مصر فهزمه وأخذ يتحرك ناحية مدن يهوذا، وأخذ يخضعها الواحدة تلو الأخرى، ورأى حزقيا فشل سياسته، فأرسل يعلن استعداده للتسليم بشروط الصلح، ولندع سنحاريب نفسه يصف الموقف فيما جاء من كتاباته التى اكتشفها رجال الآثار فى أوائل هذا القرن: " أما حزقيا ملك يهوذا الذى لم يركع أمام قدمى فقد حاصرت واستوليت على 46 مدينة من مدنه القوية وقصوره ومدنه الصغيرة كما سبيت 150 و200 شخصاً من الأشخاص صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً، وحصلت على خيول وبغال وجمال وقطعان ماشية، مما لا يحصى ولا يعد، أما أورشليم عاصمته فقد بدت كالعصفور المحبوس فى قفص أمامى، وقبل سنحاريب ما قدمه حزقيا، وكان ثمناً فادحاً، جعله يقشر الذهب الذى على أبواب الهيكل ليرد الغزو، وتراجع سنحاريب، ونحن لا نعلم لماذا سمح الله بتسليم مدن يهوذا، ولكنه يبدو أنه أراد أن يلقن حزقيا الدرس الذى يحتاجه المؤمنون فى كل عصر وهو خطر التحالف مع الأشرار، أو الاتكال على الجهد البشرى الذى لا ينفع، أو الدبلوماسية التى إن نجحت فإن نجاحها على الدوام ناقص مشوه مبتور، ولا تستطيع أن تصل بالممسكين بها إلى بر الأمان والسلامة!!.. حزقيا والاتكال على الله:- ونحن هنا أمام درس من أعظم دروس التاريخ وأصدقها وأبقاها على مدى الأيام، لقد عاد حزقيا كالطفل الصغير يلوذ بأبيه ويلتصق به، ولم يصنع أكثر مما يفعله الطفل الباكى الصارخ الذى يرتمى فى حضن أبيه!!.. لقد عاد سنحاريب، بعد أن ترك أورشليم، إلى محاصرتها من جديد،.. وكان حزقيا والمدينة أشبه بالفأر فى المصيدة أو العصفور فى القفص، أو السمكة فى الشبكة،... واستلم حزقيا رسائل التهديد: " فأخذ حزقيا الرسائل من أيدى الرسل وقرأها ثم صعد إلى بيت الرب ونشرها حزقيا أمام الرب ". " 2 مل 19: 14 " وسنقرأ القصة كلها من هذه الرسائل بل سنتعلم منها جميعاً كيف نبسط فى بيت اللّه أية أوراق يمكن أن تكون فاصلة فى أعظم المآزق التى نتعرض لها فى حياتنا على هذه الأرض!!.لقد بدت أوراٍق سنحاريب المهددة لحزقيا أوراق: " شدة وتأديب وإهانة "... ولعله يقصد بالشدة أنه وصل إلى يوم من أشد الأيام وأقساها التى مرت بحياته،... وحسن جداً فى الأيام الشديدة من الحياة، أن نحمل أوراق الموت والإعدام، ونبسطها أمام اللّه، فنكشف أمام عينيه خطر الحياة أو الاضطهاد أو الرضى أو التعب أو المعاناه،... ليست كل أيامنا واحدة، أو رخاء أو هدوءً أو أمناً أو سلاماً أو راحة،... إذ سرعان ما تتغير وتتبدل الأيام، وتأتى أيام سنحاريب القاسية التى نضعها أمام اللّه،... ولم يكن الأمر فى نظر حزقيا شدة فحسب بل تأديباً أيضاً،... ولعله أدرك أن مهادنة الأشرار أو الثقة بهم أو الاطمئنان إليهم تحمل معها كل الكوارث،... لقد دفع ما يقرب من نصف مليون من الجنيهات، فى محاولة التفاهم الأولى مع سنحاريب، وقشر الذهب الذى على الهيكل، لعل هذا يرضيه،... وكانت النتيجة أنه فتح شهيته أكثر للعدوان والابتلاع، وهو يدرك الآن النتيجة الحتمية للمداورة مع الخطاة أو الاتفاق مع الأثمة. وكان الأمر الثالث عنده " الإهانة " وهى إهانة لاسم اللّه الذى جدف عليه قبل أن تكون إهانة لحزقيا والأمة كلها... لقد قرأ حزقيا أوراقاً قاسية ومذلة ومهينة!!. ذهب حزقيا بالأوراق إلى بيت اللّه، ونشرها هناك أمام اللّه، ولعلك تلاحظ كيف نشرها فى حضرة القدير،.. لقد نشرها أولا وقبل كل شئ: متضعاً، إذ مزق ثيابه وتغطى بمسح وركع فى حضرة اللّه، والنفس المتضعة تكسب كل شئ فى حضرة الله.. وعلى العكس ليس هناك شئ يمقته القدير مثل النفس المتعجرفة المتكبرة، وشتان ما بين حزقيا المتضع، وسنحاريب الذى قال له اللّه: " من عيرت وجدفت؟ وعلى من عليت صوتاً وقد رفعت إلى العلاء عينيك على قدوس إسرائيل" " 2 مل 19: 22 ".عندما أراد الرومانيون أن يصنعوا تمثالا للامبراطور قسطنطين، كانت طلبته أن يصنعوا تمثاله، وهو راكع على قدميه،... إن أى إنسان مهما قوى فى الأرض لا يزيد فى واقع الحال عن الصورة التى ذكرها إشعياء: " هل تفتخر الفأس على القاطع بها أو يتكبر المنشار على مردده، كأن القضيب يحرك رافعه، كأن العصا ترفع من ليس هو عوداً " " إش 10: 15 " ولا يجوز لإنسان ما أن يرفع عينيه تجبراً وتكبراً على اللّه... ونشر حزقيا الأوراق تائباً،... لقد ذهب إلى اللّه يعترف بحماقته فى محاولة التفاهم أو الاتفاق مع سنحاريب، أو الاتجاه إلى المصريين أو غيرهم ضده، أو كما أفصح ارميا بعد ذلك: " هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذى يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه... مبارك الرجل الذى يتكل على الرب ويكون الرب متكله ".. ونشر حزقيا الأوراق مقراً بعجزه الكامل، فهو لا يأتى مستنداً إلى جيش أو قوة بشرية أو معونة تأتيه من هنا أو هناك، بل هو مثل المرأة الماخض: " لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قدرة للولادة "... وليس هناك إحساس بالعجز مثل هذا الإحساس على أنه كان عظيماً وهو يقدم الأوراق إلى شريكه الأعظم، الذى قال: " جدف على غلمان سنحاريب "... وخير لنا أن ندرك أن اللّه شريكنا فى كل شئ، وأنه من واجبنا أن نضع الأوراق بين يدى الشريك الذى معه أمرنا... فى تلك الأيام التى كثرت فيها الحروب بين أسبانيا وفرنسا، حدث ذات مرة أن الأسبان حاصروا جيشاً فرنسيا حصاراً قاسياً، وطلبوا من قائده التسليم، وإذا بالقائد يمسك ورقة ويربطها فى سهم ويقذف بالسهم، وكان على العبارة: " لا يمكن أن نسلم ومعنا ملك " ونحن نستطيع فى كل الظروف أن نؤكد للعالم أن قوتنا فى الشريك الذى لا يمكن أن يتخلى عنا!!... وآخر كل شئ أنه بسط الأوراق مصلياً، وقد صلى معه اشعياء، ولم تكن صلاته فى الواقع إلا كشفا للأمور كلها، ومع أن اللّه يعلم كل شئ،... لكنه يريدك أن تبسط المشكلة بنصها وفصها!!... ومع أن اللّه فى كل مكان، ويسمع ولو من أطراف الأرض، إلا أنه يسر كثيراً بالنفس التى تشق الطريق إليه وتركع بين يديه!!.. وإذا كان آخر ما تتجه إليه أفكار العسكريين فى حروب المستقبل استخدام الفضاء والكواكب الأخرى فى شن الهجوم على المواقع التى يريدون اكتساحها فى الأرض،... وإذا كانت هذه هى آخر أحلام عباقرة الحروب فمن اللازم أن نذكرهم أن هذا ليس بالأمر الجديد على المؤمن،... لقد طلب حزقيا نجدة من عالم آخر غير عالمنا الأرضى، فجاءته نجدة السماء من العالم غير المنظور،... وضرب ملاك اللّه فى ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانين ألفاً من جيش سنحاريب، وإذا هم فى الصباح جثث هامدة، وإذا بالطاغية يعلم أن: " الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون "... وإننا نستطيع أن نغنى أغنية المرنم العظيم: " لولا الرب الذى كان لنا لولا الرب الذى كان لنا عندما قام الناس علينا إذا لابتلعونا أحياء، عند احتماء غضبهم علينا إذا لجرفتنا المياه، لعبر السيل على أنفسنا، إذا لعبرت على أنفسنا المياه الطامية، مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لأسنانهم، انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض "..!!. حزقيا والمرض القاتل الذى شفى منه:- وإذ نتحول من معركة سنحاريب، إلى معركة أخرى دخلها الملك حزقيا، وهى أيضاً معركة حياة أو موت،.. بل هى - فى تتعبير أدق - معركة انتزاع الحياة من بين براثن الموت، أو معركة إلغاء حكم الإعدام، إن صح هذا التعبير،... وهى معركة تفجر عدة قضايا ما تزال تشغل الناس فى كل جيل وعصر، وتثير سيلا من الأسئلة المحيرة، والتى لابد من مناقشتها، ولعل أهمها:- أولا: قضية العمر المحدود، وقد درجنا على القول " العمر بيد اللّه "، فإذا " كانت أيامه محدودة وعدد أشهره عندك وقد عينت أجله فلا يتجاوزه " " أيوب 14: 5"، فكيف يقال إن اللّه بعد أن حكم عليه بالموت، عاد فأطال عمره خمسة عشر سنة، ومع أننا لا نستطيع أن نبلغ القصد الإلهى الأعلى، إلا أن نفس الإطالة تؤكد أن العمر محدود، وإن اللّه لا يترك حياة الإنسان تتخبط فى الأرض حتى يوقفها حادث عابر، أو حظ عاثر كما يقولون،.. فما يبدو عابراً أو مصادفة أو شيئاً غير متعمد، لو أدركنا الحقيقة لوجدناه يخضع لحكمة إلهية عظيمة، ولعل خير مثال على ذلك ما حدث مع يهوشافاط وآخاب فى راموت جلعاد: " وأمر ملك آرام رؤساء المركبات التى له الاثنين والثلاثين وقال: لا تحاربوا صغيراً ولا كبيراً إلا ملك إسرائيل وحده، فلما رأي رؤساء المركبات يهوشافاط قالوا: إنه ملك إسرائيل فمالوا عليه ليقاتلوه فصرخ يهوشافاط... وإن رجلا نزع فى قوسه غير متعمد وضرب ملك إسرائيل بين أوصال الدرع فقال لمدير مركبته: رد يدك وأخرجنى من الجيش لأنى قد جرحت " " 1 مل 22: 31 - 34 ".. لقد دافع اللّه عن يهوشافاط عندما صرخ، وأطلق اللّه السهم غير المتعمد بيد الجندى ليقضى على الرجل الذى كان لابد أن يموت فى المكان والزمان المعينين: " فمات الملك وأدخل السامرة فدفنوا الملك فى السامرة وغسلت المركبة فى بركة السامرة فلحست الكلاب دمه وغسلوا سلاحه حسب كلام الرب الذى تكلم به " " 1 مل 22: 37 و38 ".. إن الكلب الذى يقف خصيصاً للحس الدم، لا يترك مجالا لتصور الصدفة!!... والقضية الثانية التى يفجرها مرض حزقيا هى تشابك الأسباب الإلهية بالأسباب الظاهرة البشرية،.. فمن المؤكد أن مرض حزقيا كان كافياً لقتله، وكان اللّه صادقاً كل الصدق فى إبلاغه بالموت، كالقول إن المسموم الذى يسرى السم فى جسمه لابد أن ينتهى إلى الموت، وأغلب الظن أن خراجا قاتلا أرسل السم فى جسم حزقيا، غير أن المسموم يمكن أن يجد مجالا للنجاة، إذا عمل مثلا مشرط الطبيب فيه أو استخدمت وسائل ناجحة فى الوقت المعين... أو أن القضية - فى لغة أخرى - تشابك الإرادة الإلهية وحرية الإنسان،... وقد دخل على المرض القاتل أمران بشريان لو تخلف واحد منهما أو كلاهما لمات الملك بدون أدنى شك، وهذان الأمران هما: الصلاة الصارخة إلى اللّه، واستخدام الوسيلة البشرية بوضع قرص تين على الدبل فيبرأ، وكلا الأمرين جزء من قانون اللّه الذى وضعه للناس، فى قدرة الصلاة، واستخدام الوسائل البشرية من أدوية أو أطباء، أو كما قال واحد من أبرع الأطباء العالميين، وكان جراحاً إنجليزياً: " أنا أجرى العملية واللّه الذى يشفى "،... وهنا نفهم كيف يفعل اللّه كل شئ، لأنه أمر فى قضائه الأعلى أن يجتاز حزقيا أبواباً، وأمر أن تنطلق الحرية البشرية فى أوسع حدودها، فإذا بحزقيا يصرخ أمام الله، ويقبل اللّه صراخه، ودموعه،... ويقبل الوسيلة التى هى فى حد ذاتها لا شئ، ولكنها إعلان لنشاط الإنسان فى حدود طاعة اللّه، ويجوز أيضاً القول إن حزقيا ساهم فى الشفاء باستسلامه لمشيئة اللّه، فهو لا يملك إلا أن يصرخ ويصلى، وساهم أيضاً باستخدام الوسيلة البسيطة القاصرة فى حد ذاتها، واثقاً من القدرة الكامنة خلفها!! والقضية الثالثة التى يثيرها المرض المشار إليه: هو: " هل للصلاة قدرة على أن توقف الإرادة الإلهية أو تغيرها، كما يبدو من ظاهر الأمر "؟.. والحقيقة أن الصلاة لا تغير إرادة اللّه، بل بالحرى تتمها وتنفذها، أو هى الجزء الفعال الخفى فى إتمام هذه الإرادة الصحيحة، المجيدة المباركة، ولو تخلف هذا فى قصة حزقيا لكان المرض كافياً لقتله، أعلن اللّه حقيقة المرض، وترك للمريض مع ذلك استئناف الحكم الإلهى!!.. واللّه يريد فى القصة أن يفتح الباب بلا حدود أو سدود أو قيود أمام قدرة الصلاة العجيبة أمام اللّه،... لقد طلب حزقيا علامة، وكانت العلامة رجوع الظل الدرجات " التى نزل بها بدرجات آحاز عشر درجات إلى الوراء"، فرجعت الشمس عشر درجات من الدرجات التى نزلتها،... ومهما اختلف الشراح فى تفسير هذه المعجزة، وهل هى كسوف للشمس كما يعتقد البعض، أو هى رؤية صحيحة، حدثت أمام العيون للمزولة التى كان يقاس بها الزمن فى ذلك التاريخ أو هو تغيير دوران الأرض، كلها، كما حدث يوم يشوع،؟... فإنها على أى حال معجزة كبيرة بالنسبة للإنسان، وصغيرة جداً بالنسبة للقدرة الإلهية، ومهما كانت المعجزة فى نظر الإنسان، فهى لا شئ أو أقل من لا شئ، أمام اللّه جلت قدرته!!... واللّه يمكن أن يهز الكرة الأرضية كلها عند صرخة واحد من أولاده فى ضيق أو مأزق!!... وفى هذا تشجيع دائم للإنسان ليقتحم المستحيل أو الطريق المسدود،... وهى صوت يكرر أمام الموت الثابت المؤكد قول المسيح لمرثا قديماً: " ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد اللّه "؟... ما أروع وأعظم استئناف حكم الموت أمام الجلال الإلهى! حيث يصلى الإنسان صلاة حزقيا الملك، أو حيث يصرخ إيليا إلى الرب: " وقال أيها الرب إلهى: أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها "؟! " 1 مل 17: 20 "، أو حيث تترك الشونمية ابنها مسجى فى البيت، إلى اليشع الذى يعيده مرة أخرى إلى الحياة!!.. يا أبناء اللّه فى كل جيل وعصر: ليست هناك حدود إلى الأبد أمام إيمان أصغر أبناء اللّه، فعليكم بالصلاة فى كل مشكلة ومأزق!!..وهكذا اجتاز حزقيا باب الموت، الذى دخله أمامه فى يوم وليلة مائة وخمسة وثمانون ألفاً من جنود سنحاريب ملك آشور. حزقيا وغيمة الغروب:- وجاءت الغيمة الغريبة التى طالما لفت الكثيرين من الأتقياء من ملوك يهوذا عند الغروب، ونحن ما نزال نلح فى السؤال: لماذا يصر الكتاب على ذكر هذه الغيمة التى خيمت على حياة حزقيا والتى وصفها كاتب سفر الأخبار " وهكذا فى أمر تراجم رؤساء بابل الذين أرسلوا إليه ليسألوا عن الأعجوبة التى كانت فى الأرض، تركه اللّه ليجريه ليعلم كل ما فى قلبه "2 أى 32: 31 ".. لقد جاء هؤلاء من بابل موفدين من قبل الملك لتهنئة حزقيا على شفائه، وأعجب به الظل الراجع فى المزولة!!... وأراهم حزقيا مجده وكنوزه وعظمته!!.. وعادوا إلى بابل وعيونهم مفتوحة على هذه الكنوز، حتى يأخذوها ويسلبوها فى يوم من الأيام!!... وقد أوضح الكتاب هذه الحقيقة ليؤكد أكثر من مغزى ومعنى، أولها وأهمها: أن الترك الإلهى لأقوى مؤمن فى الأرض، أشبه بالتيار الكهربائى الذى ينتهى من السلك فى نفس اللحظة التى يعزل فيها التيار عنه فنضحى فى الحال لعبة الشيطان مهما كانت قوتنا واختبارنا السابقين، ونحن، نرى هنا كيف يفشل الإنسان الذى: " تركه الرب ليجربه ليعلم كل ما فى قلبه "... كما أن الغيمة فصلت الرجل الذى أخذ بالإعجاب بنفسه بعد الأعجوبة الكبرى، ومركز القوة الذى وصل إليه،... وهى للأسف تجربة الناجحين عندما يأخذهم الشيطان بالغرور والكبرياء، وقد نسو للحظة دموع الألم والفشل والقنوط التى كانوا عليها،... لقد عاد الرجل من أبواب الموت، وهز اللّه من أجله الأرض كلها، وارجع الشمس إلى الوراء ومن مثله بين الناس؟!!.. وفى ظل الغيمة دخل الرجل فى الحماقة القاسية إذ فتح كنوزه أمام اللص الذى يسيل لعابه، وطرح القدس للكلاب، والدرر أمام الخنازير التى تدوسها بالأقدام، وترجع لتمزقه!!... مسكين حزقيا إنه واحد منا جميعاً أمام ذاك الذى " السماء ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقة فكم بالحرى سكان بيوت من طين الذين أساسهم فى التراب ويسحقون مثل العث "!!... وهو واحد منا نحن الذين نحتاج على الدوام لحكمته وسنده وقوته وعونه ورحمته صارخين مع موسى: " إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا " ومع داود: " لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منى "..!!... المكان أعطى السلام يقول رب الجنود »... "حجى 2: 9 ".
المزيد
20 أكتوبر 2021

كيف تحل المشاكل

في حياة كل إنسان قد توجد مشاكل: فكيف يمكن مواجهتها حتى لا تتطور إلى ما هو أصعب: بعض الناس يلجأ إلى حلول خاطئة لا تفيده شيئًا.هناك من يواجه المشكلة بالاضطراب والحزن وأحيانا بكثرة البكاء والانهيار. كما يحدث مع كثير من النساء وينبغي أن نعرف أن البكاء لا يحل المشكلة والحزن لا يحلها وربما في الاضطراب يرتبك في أخطاء أخري يقع فيها فتتعقد معه الأمور.البعض الآخر قد يواجه المشكلة بحيلة خاطئة مثال ذلك الذي يحل مشكلة الفقر بالسرقة أو بوسائل أخري كالاحتيال أو النصب أو الرشوة وبهذا يحاول أن يعالج المشكلة بخطية, والخطية لا تؤدي إلى نتيجة سليمة وأن بدت موصلة إلى الغرض في بادئ الأمر! وما أسهل أن تؤدي إلى نتائج سيئة أو خطيرة فيما بعد كأن توصل إلى السجن أو إلى سوء السمعة علي الأقل.ومن أمثلة معالجة المشكلة بخطية أن فتاة تزني وتحمل -سفاحًا- فتعالج هذه المشكلة بالإجهاض فتضيف إلى خطية الزنى خطية القتل (قتل الجنين) وبهذا تقع في مشاكل أخري اجتماعية ودينية.وأحيانا يحاول شخص أن يحل مشكلته بالغضب, أو بالكذب أو الإنكار, ويقول إنه لم يفعل, أو يحاول إلصاق الخطية بشخص آخر وبهذا يضيف إلى الكذب خطية أخري هي ظلمه للغير.وهناك من يحاول أن يحل مشكلته بالغضب أو النرفزة, مثل أب يلاحظ إهمال ابنه أو تأخره في العودة مساء فيضربه في عنف ويمنعه من الخروج من البيت وتحدث مشاكل جديدة نتيجة لعنف الأب, وطبعا ليس هذا علاجًا علي الإطلاق بل قد تكون له نتائج جانبية رديئة.ومن أمثلة هذا أيضًا الزوج الذي يعامل أخطاء زوجته بعنف بالضرب أو الطرد أو الحبس في البيت: وتكون هذه نقطة البداية في فشل الحياة الزوجية.وهناك أيضا من يحاول أن يحل مشكلته بالعناد, وهذا النوع تكون في نفسيته ألوان من الكبرياء أو الأنانية, وقد يسمي ما بدر منه عزة نفس أو كرامة فيصر علي رأيه أو علي تصرفه مهما قاد ذلك إلى نتائج سيئة ويستمر في تشدده وتتعقد المشكلة أكثر من الأول بكثير ولا ينفعه عناده بشيء ولا يحل المشكلة. والبعض في حل مشكلته يلجأ أحيانا إلى القهر والعنف, والعنف قد يكون ماديًا أو جسديًا كالضرب أو الإيذاء أو القتل أو يكون عنيفا بالتهديد, وأحيانًا يكون البكاء أو الإضراب عن الطعام لونًا من العنف يلجأ إليهما الذين لهم حيلة للوصول إلى حل.. كل ذلك فيه لون من إرغام الغير علي قبول ما لا يرضاه وحتى ولو استجاب قهرًا لا يكون مقتنعًا من الناحية العقلية, ولا راضيًا في قلبه.وللأسف يحدث أحيانا في الريف أن يلجأ الوالدان إلى طرق من الإرغام الأدبي لكي تتزوج ابنتهما ممن لا ترضاه تحت ضغط مرض مفتعل من الأب أو الأم أو تحت ضغط الإلحاح المستمر أو النرفزة أو البكاء أو التخويف!! ولكن هناك طرقًا سليمة لمواجهة المشاكل:- أول طريقة للتخلص من المشاكل هي الوقاية منها فلا تنتظر حتى تأتيك المشكلة ثم تفكر كيف تحلها وإنما الأفضل أن تتجنبها قبل أن تأتي ولذلك ضع أمامك قاعدة هامة وهي (علاج الأسباب قبل علاج النتائج) إذن ابحث أولا عن سبب المشكلة, فإن كانت هناك خصومة بينك وبين إنسان هل يكفي أن تذهب إليه وتطلب منه العفو دون أن تعالج أسباب الخصومة؟! فإن بقيت الأسباب تبقي الخصومة مهما فعلت. ونفس الوضع في العلاقات الزوجية قد تذهب الزوجة إلى بيت أبيها غاضبة (لأسباب معينة) فهل يكفي أن تحل المشكلة بأن نرسل إليها وساطة لترجعها؟! أم الحل الطبيعي هو معالجة الأسباب التي أتت بها إلى الخروج من البيت. وأحيانا يفكر الناس في أسباب غير حقيقية لمشكلتهم: كفتاة مثلًا كلما يأتيها خطيب لا يرجع إليها مرة أخرى، وبتكرار الأمر تظن أن هناك عملًا قد عُمْلَ لها!! وبهذا يتلقفها من يَدّعون فَكْ العمل!! بينما قد يكون السبب الحقيقي هو مقابلة أسرتها للخطيب بطريقة غير لائقة! أو تعقيد الأمور بمبالغ مالية لا يقدر عليها الخطيب فلا يرجع.. أو أن أسلوبهم في الكلام لا يعجبه ويكون حل المشكلة في تفادي هذه الأسباب. حل المشاكل يحتاج أيضًا إلى حكمة, فالإنسان الحكيم يمكنه أن يحل مشاكله بعقل رزين وبتفكير هادئ ذلك لأن الإنسان المضطرب لا يستطيع أن يفكر بطريقة متزنة بل أن تفكيره المشوش لا يوصله إلى حل. ولعلك تقول وإن لم تكن لدي حكمة فماذا أفعل؟ أقول لك عليك حينئذ بالمشورة الصالحة. الجأ إلى إنسان عاقل أو إلى أب روحي حكيم لكي ينصحك بما يحل إشكالك. وفي ذلك قال الشاعر:- إذا كنت في حاجة مرسلًا فأرسل حكيما ولا توصه وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيبا ولا تعصه ولا تعتمد علي نفسك فقط في حل مشاكلك فكثيرا ما تحتاج إلى عقل إلى جوار عقلك لكي يسنده والإنسان الحكيم يفترض حلولًا كثيرة لمشاكله.والإنسان العاقل إن كانت له مشكلة مع شخص يراعي عقلية ذلك الشخص ونوعية نفسيته لكي يعرف أسلوب التعامل معه. فإن تعامل مع امرأة يراعي نفسية المرأة وليس نفسيته هو فقط, فمشكلتك مع شخص ذكي غير مشكلتك مع شخص بسيط، ومشكلتك مع العنيف غير مشكلتك مع الهادئ.والإنسان الحكيم يراعي في حل مشكلته الوقت والظروف ففي بعض الأوقات تكون الظروف مواتية, وفي أوقات أخري تكون الظروف لا تسمح فيحسن تأجيل الموضوع إلى موعد آخر.هناك مشاكل تحتاج في حلها إلى صبر وتحمل وأخرى تحتاج إلى شيء من التواضع والكلمة الطيبة، ومشاكل أخري تحتاج إلى الصلاة والإيمان. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
19 أكتوبر 2021

القيم الروحية (24) المسيحى والحياة الهادفه

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح حياتنا الهادفة ورسالتنا السامية .. لقد خلقنا لاعمال صالحة .. ان حياتنا ثمينة فى فكر الله ولديه ويجب ان تكون ثمينة فى أنفسنا وقد اعطانا نعمة الحياة كهبة بها نحقق أهداف وخطة الله الخلاصية لنا ونقوم برسالة سامية علينا ان نؤديها بامانة واخلاص لا كمن يرضى الناس بل كمن يرضى الله الذين يعلم خفايا القلوب وبضمير صالح وإيمان بلا رياء ومحبة كاملة {لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10). الانسان هو تاج الخليقة وسيدها ودعى للاثمار والاكثار وخلق لمجد الله { ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته} (اش 43 : 7). وقد اراد لنا الله السعادة فى الفردوس ولما سقط الانسان وبعدَ عن الله ارسل لنا الله الاباء والانبياء عونا وفى ملء الزمان اتى الينا الابن الكلمة، أقنوم الحكمة أوعقل الله الناطق دون ان يحد التجسد من لاهوته، تجسد ليعرفنا محبته لنا ويردنا الى الفردوس مرة اخرى ويرينا كيف نسلك كإناس الله القديسين ويعيد الانسان الذى سقط الى رتبته الاولى ، لقد جاء لتكون لنا الحياة الافضل . ولكى تكون لنا الحياة الهادفة ذات الرسالة السامية على الارض ثم لنرجع الى الفردوس السمائى والحياة الابدية ونحيا كملائكة الله فى السماء بعد الانتقال من هذا العالم . + لا يستهين أحد منا بقدراته وأمكانياته .. اننا فى يد الله نستطيع ان نكون قوة وبركة فخمسة ارغفة صغيرة لدى فتى قدمها ليد الرب القدير أشبعت خمسة الاف رجل ماعدا النساء والأطفال ورجل غريب فى بلد بعيد قديما هو يونان النبى الهارب قاد نينوى كلها للخلاص { واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 27-28) . لقد تعلل موسى النبى عندما كلمة الله ان يذهب الى مصر لاخراج الشعب من العبودية بانه ثقيل الفم واللسان ورفض المهمة وعاد الله يلح عليه ويقدم له البراهين حتى أقنعه وهل كان الله عاجز عن أخراج الشعب بغير موسى ؟ كلا طبعاً ! ولكن الله يريد ان يشركنا معه فى العمل . كما رفض أرميا النبى الدعوة محتجاً بصغر سنه {فكانت كلمة الرب الي قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب. فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد. فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب و تتكلم بكل ما امرك به. لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب. ومد الرب يده و لمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس} ار4:1-10. ولقد استخدمه الله بقوة لينادى فى الشعب بالرجوع الى الله و نادى بالتوبة بالدموع والكلمة والحكمة والمثل . وانت ايضا مدعو للأشتراك مع الله فى كل عمل صالح .هكذا يستطيع الله ان يعمل بكل واحد وواحدة منا عملاً مجيداً بالنعمة الغنية اذا نكتشف ما بداخلنا من أمكانيات وما لدينا من مواهب ووزنات ونستخدمها لخيرنا ولخدمة غيرنا . + ان لكل منا رسالة فى الحياة يجب ان يؤديها .. يجب ان نكون رساله المسيح المقرؤة من جميع الناس { ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية}(2كو 3 : 3). كما انه يجب ان تفوح منا رائحة المسيح الذكية وسيرته المقدسة كسفراء للسماء { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان . لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون و في الذين يهلكون . لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور (2كو 2 : 14- 16). ان لكل واحد وواحدة منا مهام يجب ان يقوم بها وان نتاجر بالوزنات المعطاة لنا من الله ونربح لنسمع الصوت الحلو { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 21). يجب ان يكون ناخد من نور السيد المسيح ونستنير وننير الطريق للغير وان نكون ملحاً جيداً يعطى مذاقة روحية لغيرنا ويكون كلامنا واعمالنا شهادة حسنة على اننا اناس الله القديسين { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16. فلنختبر أنفسنا وهل نحن نسير فى الطريق الصحيح للتوبة والحياة مع الله والنمو فى حياة الفضيلة والإيمان للوصول الى القداسة والاتحاد بالله {جربوا انفسكم هل انتم في الايمان امتحنوا انفسكم ام لستم تعرفون انفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين }(2كو 13 : 5). ولنبنى أنفسنا على ايماننا الاقدس {واما انتم ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20). السيد المسيح قدوة ومثال .. رسالَةُ السيد المسيح الخلاصية .. لقد جاء السيد المسيح برسالة سامية بها يريد ان يعلمنا مدى محبة الله الاب لنا ويريد ان يوحدنا فيه وبه ومعه بالمحبة الروحية {عرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} (يو 17 : 26). وبهذه المحبة بذل ذاته عنا خلاصا بعد ان جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم أبليس { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة} يو16:3-19. ولقد كان السيد المسيح عالماً برسالته وطبيعتها منذ البدء. وعندما ترك القديسة مريم ويوسف النجار فى عمر الثانية عشر وبقي فى الهيكل يجادل الكهنة والكتبة ورجعوا يطلبونه قال للعذراء مريم { الأ تعلمان أننى لابد ان أكون فيما لأبى} (لو 49:2). كان بهذا يعنى انه منشغل ومهتم بالرسالة السامية التى تختص بأبيه السماوى وتعليم وتقديس البشرية وقيادتها الى الاحضان الإلهية . وهذا ما اعلنه الملاك للعذراء فى البشارة بمولده { وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا. فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو 31:1-35. انه ابن الله ليس بتناسل جسدى ولا بالمعنى المجازى بل ولاده روحية كانبثاق النور من الشمس والفكر من العقل دون ان ينفصل عنه . ولقد اعلن الملاك ليوسف عن اسمه ورسالته { فستلد ابنا و تدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم} مت 21:1. وهذا ما بشر به الملاك الرعاة يوم مولد المخلص { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب} لو 8:2-11. وهذا ما صرح به المخلص الصالح فى العديد من المناسبات { انما جاء ليسعى ويطلب ويخلص من قد هلك } لو 10:19. وهذا ما شهد به ايضا تلاميذه بعد القيامة { ليس بأحد غيره الخلاص} يو 12:4. مثابرة السيد المسيح على أنجاز رسالته .. كانت حياة السيد المسيح منذ بدأ خدمته حتى الصلب والقيامة هى حياة مثابرة وكفاح بغير كلل وباصرار دون ملل على انجاز مهمته التى من اجلها جاء الى العالم . جال الاراضي المقدسى وما حولها يبشر ويعلم ويعزى ويصنع المعجزات ويشفى الامراض فى المدن والقري والبيوت والشوارع والمجامع والهيكل ويقضى الليل فى الاختلاء مع ابيه الصالح وكانت الجموع تبحث عنه كطبيب لارواحهم ونفوسهم واجسادهم وذات مرة بحثوا عنه لئلا يذهب عنهم فقال لهم انه يجب ان يبشر المدن الاخرى ايضا { ولما صار النهار خرج وذهب الى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا اليه وامسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم انه يبنغي لي ان ابشر المدن الاخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد ارسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل} لو 42:4-44. وفى مجمع الناصرة لخص لهم دعوته كما جاءت فى نبوة اشعياء النبى {وجاء الى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرا. فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية.واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم} لو 14:4-21. وهو يدعونا امس واليوم والى الابد للتعلم منه والاقتداء به ويقول لنا {احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11 : 29). مهمة محفوفة بالآلام والمخاطر .. كان السيد المسيح يدرك ويعلم ان مهمته على الارض ليست سهلة بل شاقة وصعبة وسيواجه فيها الحروب والالام والمتاعب والمضايقات والاتهامات وسينتظره فى نهايتها موت الصليب حيث يسيل دمه كذبيحة وفداء وتكفير عن أثامنا ولقد اعلم تلاميذه بذلك وصمم على المضى قدما فى رسالته ولتحقيق اهدافه ليُعلم ويرعى ويقدس شعبه ويقدم محبته الصادقة لكل أحد وعندما جاء اليه الفريسيين وقالوا له ان يخرج من عندهم ويمضى لان هيردوس يريد ان يقتله كان رده قويا ومؤيدا الهدف من مجئيه { في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم. يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا والحق اقول لكم انكم لا ترونني حتى ياتي وقت تقولون فيه مبارك الاتي باسم الرب} لو 31:13-35. وأكد لتلاميذه ماذا ينتظره { من ذلك الوقت ابتدا يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتالم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم} مت 21:16. أكمال العمل الخلاصى والقيامة المجيدة .. لقد تقدم السيد المسيح الى الصليب وفى لحظات القبض عليه تركه خوفاً غالبية تلاميذه أو ضعفاً ومنهم من خانه وارشد عليه ومنهم من انكر انه من اتباعه وجاز المعصرة وحده حاملا عقاب خطايانا كشاة تساق الى الذبح وهو القدوس والبار كما تنبأ اشعياء النبى {احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله و مذلولا.وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} اش 4:53-6. ولقد أكمل العمل الذى جاء لاجله وقال للاب السماوى { العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته} يو 30:19. وقام فى اليوم الثالث كما أعلم تلاميذه واهبا اياهم السلام والفرح وأسس بهم كنيسة العهد الجديد ليعلموا ويتلمذوا جميع الامم {وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو 44:24-48. وكما كان الاباء الرسل شهوداً وجالوا يدعوا الناس للتوبة وقبول الخلاص والايمان وان يثمروا ثمر الروح ، وقد وصلت الينا نحن ايضاً هذه الرسالة ونحمل داخلنا نور الإيمان المسيحى فعلينا ان نحيا إيماننا الاقدس ونجول نصنع خيرا فى نكران للذات وحمل للصليب واثقين ان الله سيقودنا فى موكب نصرته ويعمل لخلاصنا ونجاتنا من الغضب التى وهو رب الكنيسة وقائدها وقد وعد ان أبواب الجحيم لن تقوى عليها. نظرة عميقة فاحصة لحياتنا اننا يجب ان نجلس مع أنفسنا ونتأمل فى ماضينا وهل نحن راضون عما صنعنا فيه، وهل لو عاد بنا الزمان للوراء فهل سنختار نفس النمط من الحياة أو هل كنا نعمل على تغيير نمط وأهداف حياتنا ؟ اننا يجب ان نتعلم من دروس النجاح أو التعثر فى الماضى ونأخذ دروس منه للحاضر ونبنى عليها للمستقبل الأفضل سواء على المستوى الشخصى أو الاسرى او الكنسي او حتى على المستوى العام . ولهذا يجب ان لا نحيا على ذكريات الماضى ونتعلم كيف نصفح وننسى لمن يسئ الينا ولا ننشغل بالمعارك الجانبية او نهدر وقتنا فيما لا فائدة منه حتى نواصل الحياة بنفسية سوية وان نكون مسرعين الى الاستماع لنتعلم من خبرات الاخرين ونكون مبطئين فى التكلم او الغضب لنتجنب الكثير من الاخطاء { اذا يا اخوتي الاحباء ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب. لان غضب الانسان لا يصنع بر الله} يع 19:1-20. + ان اليوم واللحظة الحاضرة هى الفرصة المتاحة أمامنا للتفكير والتغيير والاصلاح . ويجب ان نشمر عن سواعدنا للبناء والتجديد الروحى والفكرى والاجتماعى . يجب ان نقدم فى يومنا توبة عن أخطاء الماضى ونعمل على معرفة ارادة الله وصنعها {ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). يجب ان نعمل على ان نحيا سعداء بعطايا ونعم الله المتنوعة وحتى وان كانت محدودة فالحكيم من لا يطمح الى الامساك بالنجوم ولا يعيش الاحزان خوفاً من عدم الأمان او يعتصره الحزن على ما يعانى من حرمان بل الحكيم من يعيش راضاً بما هو فيه وساعيا للوصول الى الأفضل ، نافضا عنه ذيول الخيبة واليأس والخوف من المستقبل . عاملا على أسعاد من حوله فى الاسرة والمجتمع. ومع انه قد نتعرض الى ضيقات او اتعاب او اضطهادات او حتى الاستشهاد من أجل أسم المسيح الحسن لكن ينبغى ان نثق ان حياتنا فى ايدى أمينة وان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت، فاننا من اجل إيماننا نمات طول النهار ولكن فى كل هذا نحيا فى سلام وعلى رجاء القيامة كما قال لنا السيد الرب {قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق و لكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33). + ومادام امامنا المستقبل فيجب علينا ان نفكر فيه وكيف وماذا نريد ان نكون عليه {ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام} (في 3 : 13). علينا ان نخطط ماذا نريد ان نكون بعد سنه وعشرة سنوات وعشرون سنه ان منحنا الرب العمر.( أنظر ستجد المزيد من هذه العظات للقمص افرايم الأنبابيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). فعلى مستوى الفرد والمجتمع ان لم يكن لدينا تخطيط سليم ومتابعة صادقة وأمانة فى الوصول الى أهداف استراتيجية لن نتقدم او ننمو فى حياتنا . فهل يمكن لسائق مركبة ان يصل الى مدينة معينة فى زمن محدد ان لم يسلك فى طريق الوصول اليها بدقة ؟ ان حياتنا هكذا لا يمكن ان ننجح فيها ونصل الى ما نريد ان لم تكون حياة هادفة فتصبح حياة ذات قيمة ومعنى ونصل فيها الى العيش السعيد والحياة الابدية . ومع التخطيط والمتابعة والتقييم والتوبة عن الاخطاء فاننا نحيا حياة التسليم لله واثقين ان الله ضابط الكل وقادر ان يحفظ حياتنا ويقوى إيماننا ونحيا معه فى عشرة محبة صادقة. ألاهداف المرحليه فى الحياة .. + الاهداف المرحلية فى حياتنا هى أهداف تؤدى وتخدم الاهداف الاساسية وتقود للوصول اليها . نحن نسعى الى النجاح فى الدراسة أو العمل . أو نسعى الى تطوير أنفسنا أو الى التقدم فى مجال عملنا ، او حتى علاج المشكلات التى نواجهها وحلها والتغلب على الأزمات التى نتعرض اليها ، وقد نسعى الى تقوية علاقاتنا القائمة او ايجاد علاقات ومجالات جديده . او قد نسعى الى جمع المال أو الترقى فى العمل وخدمة الاخرين فى مجال عملنا وان نحيا حياة كريمة . وقد يسعى البعض الى تكوين أسرة سعيدة أو مساعدة الابناء فى حياتهم ونجاحهم وقد يكون هدف البعض منا النمو فى المال الروحى أو العملى أو الأجتماعى او الوطنى . نسعى لتأمين مستقبل أفضل لنا ولمن هم حولنا . ويجب ان تكون غاياتنا وأهدافنا المرحلية واقعية وقابلة للتحقيق ونعمل لأمتلاك الامكانيات والمهارات اللازمة للوصول اليها كما يجب ان تكون وسائلنا سليمة غير خاطئة حتى نصل الى الاهداف الاساسية . + ان نجاحنا فى تحقيق اهدافنا فى الحياة يتأتى من تحديدنا لهذه الاهداف ،ولهذا يجب ان تكون اهدافنا واضحة ومحدده ومخططه ثم نخضعها للمتابعة والمراجعة والتصحيح فليس من العيب التراجع عن قرار خاطئ او طريق لا نجد فيه أنفسنا بل العيب هو ان نعاند أنفسنا ونكون ما يريد البعض منا ان نكون . يجب ان نكون ايجابيين لا ندع الايام تقودنا كيفما يشاء القدر بل نصنع حياتنا بانفسنا على قدر طاقتنا . ونجاحنا يبدا من الداخل ومن معرفة الانسان لذاته وأمكانياته وتطويرها . يجب ان نكون ذواتنا وليس مقلدين لاحد ولا نتظاهر بما ليس فينا ، فانت الوحيد الذى يستطيع ان يحرر نفسه من القيود بمعونة الله وقوته . يجب ان نعمل ما نراه فى الاتجاه السليم لتحقيق غاياتنا والسير حسب ارادة الله لنا بما يوافق طبيعتنا ويناسب ظروفنا . ويجب ان لا ننهزم امام الخطية والشر أو الفشل والتعثر فى بعض محطات الطريق وان يكون لدينا الاصرار على بلوغ وتحقيق أهدافنا ونناضل من اجلها ولنسعى ان نكون ناجحين فى كل شئ {ايها الحبيب في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا كما ان نفسك ناجحة} (3يو 1 : 2). ان السعادة فى الحياة تاتى من حياة الرضا عن النفس والقناعه بما نحن فيه والعمل على النمو وعدم الاكتفاء او التقوقع والتوازن بين حياة العمق الداخلى والمشاركة الفاعلة فى الاسرة والكنيسة والمجتمع والاحساس بالسلام الداخلى الناتج عن علاقة طيبة بالله والاخرين . + فى علاقاتنا بالاخرين يجب ايضا ان نكون هادفين ويجب ان يكون لنا أهدف نسعى لتحقيقها ومنها خلاص نفوسنا ومن حولنا فالخدمات او الحوارات او اللقاءات تكون لها هدف سامى دون جدل عقيم أو نميمة منفرة . المحبة الحقيقة لا تحسد ولا تتفاخر ولا تحتد او تقبح او تظن السوء ، المحبة تحتمل وتصبر حتى ان تعرضت للتجريح أو الأساءة أو الظلم بل تدافع عن الحق فى أدب وتواضع لا بهدف كسب الجدال بل بهدف كسب القلوب والنفوس . نحن نعلم انه قد لا نستطيع ان نغير الإخرين لاسيما المعاندين والكارهين ولكن يجب ان نعمل على ان لا نذيد العداوة معهم وفى نفس الوقت نقدم لهم محبة الله الصادقة والأمنية ونبنى مع الغير جسور المحبة والتواصل ، ونصلي من أجلهم ونعمل على قدر أستطاعتنا على مسالمة جميع الناس وتغييرهم وتحويلهم الى اصدقاء متى أمكن ذلك . المسيحى لا يكره او يعادى أحد عالمين ان لنا عدو واحد هو الشيطان { فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات} (اف 6 : 12). وكما يعلمنا الكتاب المقدس { فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه }(رو 12 : 20). وليست ذلك يعنى انك تريد أحراق عدوك ولكن عندما تعمل معه الخير فانه سيشعر بالذنب ويرجع عن خطئه فقديما كان المذنب او حتى القاتل ياتى بثياب كفنه ووعاء فيه نار على راسه ويذهب الى اهل المعتدى عليه طالبا المغفرة والصفح وكانه يقول انى استحق الموت والحرق ولكننى جئت طالبا المغفرة والسماح فيصفح عنه . وهكذا علمنا السيد المسيح ان نمتد بالمحبة حتى للاعداء وقال لنا احبوا اعدائكم، باركوا لاعنيكم ، واحسنوا الى مبغضيكم ، لكى نتشبه بابينا السماوى الذى يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار . الاهداف الاساسية المراد بلوغها .. يجب ان نمتد وننمو فى محبة الله وتعميقها فى النفس ويقاس ذلك بمدى حرصنا على ارضاء الله وعدم خيانته بالانحياز الى الشيطان وحيله وأفعاله الشريرة. والحرص على الايجابية المسيحية من صلاة وصوم وخدمة ومحبة للاخرين وسعى الى خلاص النفس وصداقتها لله وارتباطها به وبإنجيله والعمل بوصاياه {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21). + فى سعينا نحو الاهداف الأساسية يجب ان نسعى الى حياة القداسة {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب }(عب 12 : 14) ونحرص ان يكون لنا نصيباً وميراثاً مع القديسين فى ملكوت الله . فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه (مت 16 : 26). وفى هذا نسعى الى معرفة الله والنمو فى محبته {وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو 17 : 3). + مع حرصنا على ان نحيا حياة كريمه ونسعى لتوفيرها لمن هم فى نطاق مسئوليتنا فيجب ان نهتم بخلاصنا الابدى عالمين ان ملكوت الله ليس أكلا وشرب {لان ليس ملكوت الله اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس} (رو 14 : 17) . ان ملكوت الله ليس عنا ببعيد بل ان أقتراب الله الينا بالتجسد الإلهي وحلول المسيح بالإيمان فى قلوبنا يجعلنا نحيا مذاقة الملكوت من الان { ملكوت الله داخلكم }(لو 17 : 21). ونحيا على الرجاء المبارك بميراث الملكوت السمائى { ينبغي لنا ان نشكر الله كل حين من جهتكم ايها الاخوة كما يحق لان ايمانكم ينمو كثيرا ومحبة كل واحد منكم جميعا بعضكم لبعض تزداد. حتى اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها. بينة على قضاء الله العادل انكم تؤهلون لملكوت الله الذي لاجله تتالمون ايضا.اذ هو عادل عند الله ان الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقا. واياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته. في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون انجيل ربنا يسوع المسيح. الذين سيعاقبون بهلاك ابدي من وجه الرب ومن مجد قوته. متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين لان شهادتنا عندكم صدقت في ذلك اليوم. الامر الذي لاجله نصلي ايضا كل حين من جهتكم ان يؤهلكم الهنا للدعوة ويكمل كل مسرة الصلاح وعمل الايمان بقوة. لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيكم وانتم فيه بنعمة الهنا والرب يسوع المسيح} 2تس 3:1-12. + حياتنا فرصة عظيمة كل يوم لتنمية نفوسك وعلاقاتنا بالإخرين سواء فى محيط الأسرة الصغيرة أو العائلة او الكنيسة او العمل او المجتمع الذى تنتمى اليه ، نحبهم ونخدمهم ويكون لدينا فرصة للنمو فى محبة الله ومعرفتة الى ان نصل الى الشركة والاتحاد الروحى بالله والشبع الروحى والصداقة الدائمة معه . عالمين اننا ابناء الله وهو جاء ليهبنا الحياة الفاضلة على الارض والابدية السعيدة فى السماء {وانا اعطيها حياة ابدية و لن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} (يو 10 : 28) فلنقل اذن كما قال القديس بولس الرسول { لان لي الحياة هي المسيح و الموت هو ربح }(في 1 : 21). { الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليات ومن يرد فلياخذ ماء حياة مجانا} (رؤ 22 : 17). + أحبائى داخل كل منا فراغ كبير لا يملأه الا الله ، قد يكون من الاهداف المرحلية ان نحصل على السعادة والحياة الفاضلة الكريمة ، وقد يخطأ البعض فى اهدافهم نحو أشباع هذا الفراغ بالماديات والمراكز او اللذات او اشباع غرور الذات بالمناصب والشهوات ويظل الجوع الانسانى والحاجة الى الواحد الذى هو الله فى حاجة الى الاشباع . لقد خلقت نفوسنا على شبه الله ومثاله ولن تجد راحتها ولا سعادتها الا فيه وعندما نستريح معه ونكتشف من جديد الغنى الروحى والجوهرة الكثيرة الثمن داخلنا نكون على استعداد للجهاد والعمل الدؤوب وعدم التوقف لتحقيق ارادة الله بنا ومعنا . طريق الكمال من رسالة القديس باسليوس إلى صديقه إيوستاثيوس في سباستيا أنا أضعت وقتا كثيرا، وكرست معظم أيام شبابي في اقتناء العلوم الأرضية، التي تظهر لي الآن أنها مثل حماقة أمام الله. وفجأة في يوم استيقظت وكأني كنت في نوم عميق، ورأيت النور الشديد للحقيقة السمائية، وأدركت أن كل الحكمة التي تعلمتها من معلمي هذا العالم كانت باطلة، فبكيت بدموع كثيرة لأسفي على حياتي، وصليت ليعطيني الله بعض الإرشادات التي توصلني إلى حياة الإيمان. أول كل شيء فعلته لأصلح مساري القديم في الحياة هو: إنني أختلط بالفقراء، وأمكث أقرأ في الكتاب المقدس. فكرت أن أفضل طريقة للبدء في طريق الكمال هو أن أعتني باحتياجات هؤلاء الأخوة والأخوات المعدومين، وأن أشترى أطعمه وأوزعها عليهم، ونحّيت جانبا كل متعلقات ومشاكل هذا العالم بعيدا عن عقلي بالكلية، وبحثت عن الذين يشاركونني هذا العمل ويسيرون معي في هذا الطريق، حتى وجدت من أبحر معه في محيط هذا العالم. ووجدت كثيرين في الإسكندرية ومصر وآخرين في فلسطين وسوريا والعراق، وتأثرت كثيراً بطريقة اعتدالهم في تناول الطعام، ومثابرتهم في الأعمال، وطريقتهم في أن يقاوموا النوم بالصلاة والتسبيح. حقاً أنهم يبدون كأنهم قادرين على مقاومة أي قوة في الطبيعة، ودائما يعطون لأرواحهم السهر بالكمال حتى ولو كانوا يعانون من الجوع والعطش والبرد والعرى. لم يستسلموا لأهواء أجسادهم أو حتى يعطوه أي اهتمام، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، ويظهرون بأعمالهم أنهم حقا غرباء عن هذه الأرض وموطنهم الحقيقي هو المملكة السمائية. حياة هؤلاء الناس ملأتني بالسعادة والتعجب، لأنهم أظهروا أنهم حاملون في داخلهم جسد المسيح، ولهذا قررت – طالما أنا أستطيع – أن أحاول إتباع مثال حياتهم. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
18 أكتوبر 2021

القرابني في الكنيسة

وكان يُدعى فيما قبل بـ"القَيِّم" أو "القائم" (والجمع قَيَمَة أو قَوَمَة) أو اقلوني (وجمعها اقلونيون). وورد ذكر هذه الرتبة الجليلة في الدسقولية، وكتب البيعة الأخرى مثل مصباح الظلمة للعلامة ابن كبر، ورتب الكهنوت للأب ساويرس ابن المقفع، والجوهرة النفيسة، وفي قوانين البابا أثناسيوس والفديس باسيليوس، وغيرها من المصادر، حيث ترد رتبة القيّم ضمن رتب الكنيسة، ويقيمه الأب الاسقف على احتياجات البيعة، من تجهيزها وتنظيفها والمساعدة في حراسة الأبواب، وإعداد ما يحتاجه الكاهن للقداس من بخور وشمع وأباركة وقربان وفحم وغيرها. ولكن مع الوقت صار هناك من يقوم بتنظيف الكنيسة، كما صار هناك من يُدعى "الكنائسي"، وهو المهتم بالكنيسة لا سيما الهيكل وترتيب احتياجات الكنيسة في المناسبات المختلفة من كتب وأدوات، بينما أصبح إعداد القربان مسئولية شخص بعينه، صار اسمه الوظيفي "القرابني". ويُخبَز القربان في الكنيسة، واذا لم يكن هناك مكان فليُخبز مؤقتًا في منزل الكاهن أو القرابني على ألّا تشترك امراة في إعداده وخبزه.وهو عمل هام جدًا يُشترط فيمن يقوم به أن يكون في حالة لياقة جسدية وروحية، ويدقّق الآباء في اختياره، ويطمئنون على حياته الروحية وسيرته، ويُشترط ألّا يكون سكيرًا سليط اللسان نمّامًا. وورد أنه يجب ألّا يظن القرابني في نفسه أن شغله في الكنيسة يقوم مقام الصلاة، لأن الصلاة صلاة والشغل شغل. ويسلمونه كيف يسلك بقداسة بدءًا من ترك حذائه خارج "بيت لحم" (المكان الذي يُصنَع فيه القربان)، إلى تلاوة المزامير طوال فترة عجن وخبز القربان. ويسلمونه أيضًا كيف تكون القربانة كاملة الاستدارة، مخبوزة جيدًا، وعليها رسوم الصلبان الثلاثة عشر واضحة مع الثلاث تقديسات.عليه أن يحبّب الناس ولا سيما الأطفال في اقتنائها، فهي تمثل الكنيسة والليتورجيا، يأكلها الشخص بفرح ويحملها إلى بيته، وينتظرها في المنزل الذين لم يتسنَّ لهم حضور القداس. وبينما هو يعدّ القربان يتمنى أن تكون كل قربانة (بما فيه القربان الذي يُباع للشعب) هي التي سيختارها الكاهن "حملًا بلا عيب" لتصبح جسد المسيح.ويُنبَّه عليه أنه لا يجوز أن تزيد المدة الزمنية بين خبز القربان وتقديم الحمل عن ثلاث ساعات. ويصبح القرابني مع الوقت خبيرًا في انواع الدقيق، ونِسَب الدقيق مع الماء، ووقت التخمّر، وموعد الوضع في الفرن، ومستوى النار، والتنفيس (البختشة) وغيرها، ليخرج القربان مثاليًا.وأتذكر أننا كنا نحتفظ بالقربانة التي نشتريها يوم خميس العهد طوال العام، ربما لعلاقة ذلك بالعهد الذي أسسه الرب على جسده ودمه الأقدسيْن «لأنَّ هذا هو دَمي الّذي للعَهدِ الجديدِ الّذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا» (مت26: 28)، وتظلّ تذكارًا لذلك.ولجلال الرتبة يذكر التاريخ أن الأنبا مرقس كان يعاتب أحد الباشوات المشاهير على أمر ما، فرد قائلاً: "أنا مش قرابني عندك علشان تكلمني باللهجة دي"، فرد عليه الأنبا مرقس: "القرابني هو واحد من أعمدة الكنيسة، ولو مافيش قرابني بطلت خدمة المذبح لافتقاره إلي القربان الذي يحوله الروح القدس إلى جسد المسيح له المجد". والتاريخ الكنسي ثري بالقصص المتواترة عن القرابني والقربان، وأكثرها حول الآباء السواح الذين يحضرون بين وقت وآخر للحصول على قربان لإقامة القداس، حتى أن بعض الآباء في الأديرة أمر بعدم إحصاء عدد القربان حتى يأخذ السواح ما يأخذونه دون عمل شوشرة وكشف سرّهم، ويصبح القرابني سعيدًا بأن بعضًا من قرباناته قد حملها السواح. نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
17 أكتوبر 2021

الخادم والإنجيل

مِنْ سِفْر أعْمَال الرُّسُل 20 : 32 { وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لله وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ الْقَادِرَة أَنْ تَبْنِيكُمْ وَتُعْطِيكُمْ مِيرَاثاً مَعْ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ }إِجْتَمَعَ بُولِس الرَّسُول مَعَ كَنِيسَة أفًسُس وَكَانَ يَعْلَمْ أنَّهُ ذَاهِب إِلَى أُورُشَلِيم وَسَيَسْتَشْهِدْ وَقَالَ أنَّهُ سَيَتْرُكَهُمْ لِلإِنْجِيل كَلِمَة الله القَادِرَة أنْ تَبْنِيهُمْ وَيَقُول أنَا وَاثِق فِي الإِنْجِيل أنَّهُ قَادِرْ أنْ يَبْنِيكُمْ وَيُعْطِيكُمْ مِيرَاث مَعَ القِدِّيسِين لاَبُدْ أنْ يَكُون لَنَا عِشْرَة وَإِرْتِبَاط بِالإِنْجِيل لِذلِك سَنَتَكَلَّم عَنْ :- 1- ضَرُورِة عِشْرِة الخَادِم مَعَ الإِنْجِيل :- يَقُول يُوحَنَّا ذَهَبِيَّ الفَمْ { إِنَّ الجَهْل بِالكِتَاب المُقَدَّس هُوَ عِلَّة جَمِيع الشُّرُور }لأِنَّ الآيَة تُوقِظ لِذلِك الخَاطِي لَهُ عُذْر أنَّهُ لاَ يَعْرِف الإِنْجِيل أحَدٌ الأسَاقِفَة وَجَدْ أنَّ الكَهَنَة يَشْتَكُون مِنْ مَشَاكِل الشَّعْب وَقَدْ لاَحَظْ بَعْضُهُمْ أنَّ الشَّعْب لاَ يَقْرأ الإِنْجِيل فَعَمَل مَشْرُوع وَهُوَ أنْ يَذْهَب خُدَّام إِلَى البُيُوت لِقِرَاءِة الإِنْجِيل فَقَطْ وَقَامُوا بِتَوْزِيع الإِنْجِيل المَسْمُوع لِلشَّعْب وَبَعْد بِضْعَة أشْهُر لُوْحِظ تَغْيِير كَبِير لأِنَّ السُلُوك تَغَيَّر لاَبُدْ أنْ يَهْتَمْ الخَادِم بِالإِنْجِيل لاَبُدْ أنْ يَكُون لَدَى الخَادِم رَصِيدْ مِنْ الإِنْجِيل أشْعِيَاء النَّبِي يَقُول { هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ } ( أش 21 : 14) لاَبُدْ أنْ تَفْلَح يَدْ الخَادِم فِي الكِتَاب المُقَدَّس كَي يُرْوِي العِطَاش إِلَى البِّر فَيَدْرِس وَيَتَأمَل وَيَعِيش وَيُخْرِج مِنْهُ جُدُد وَعُتَقَاء وَيَسْطُر الإِنْجِيل عَلَى قَلْبُه وَعَقْلُه وَيَكُون وَعْيُه بِالإِنْجِيل قَوِي وَعِنْدُه رَصِيدْ مِنْهُ القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِيَّ الفَمْ يَقُول{ يَجِبْ أنْ يَكُون الفَرْق بَيْنَ الرَّاعِي وَرَعِيَتَهُ كَالفَرْق بَيْنَ الرَّاعِي وَالخِرَاف }لأِنَّ الخِرَاف عِنْدَمَا تَأكُل يَكُون نَظَرْهَا لِلأرْض تَبْحَث عَنْ كُلَّ مَا هُوَ أخْضَر فَتَتُوه عَنْ رَاعِيهَا بَيْنَمَا هُنَاك حَيَوَانَات أُخْرَى كَالقِطْ عِنْدَمَا تَأكُل تَرْفَعْ نَظَرْهَا كُلَّ فِتْرَة لِتَرَى المَكَان حَوْلَهَا فَتَعْرِف طَرِيقْهَا إِنْ كَانَ الرَّاعِي لاَ يَعْرِف الإِنْجِيل فَلِمَاذَا نَلُوم الرَّعِيَّة ؟ لاَبُدْ أنْ يَكُون لِلرَّاعِي أوْ الخَادِم مَذَاقَة لِلإِنْجِيل كَمَا يَقُول مَارِإِسْحَق { الكَلاَم عَنْ العَسَل شِئ وَمَذَاقِة العَسَل شِئ آخَر } أي كَيْ أكْرِز بِالإِنْجِيل لاَبُدْ أنْ أكُون مُشَبَّع بِهِ وَأنْضَح بِالإِنْجِيل مُجَرَّدْ أنْ تُوضَعْ فِي مَكَان تَصْعَد الآيَات إِلَى عَقْلَك وَمِنْ قَلْبَك إِلَى شَفَتَيْكَ { إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ } ( 1بط 4 : 11) أجْمَل كَلاَم لأِوْلاَدْنَا هُوَ كَلاَم الإِنْجِيل لِذلِك رَكِّزْ عَلَى الآيَات فِي كَلاَمَك مَعَ أوْلاَدْك لأِنَّ لَهَا قُوَّة تَأثِيرإِنْ عَلَّمْت بِدُون آيَات تَكُون كَمُحَامٍ يُدَافِعْ عَنْ مُجْرِم بِكَلاَم خَارِج القَانُون لكِنْ يَلِيق الدِفَاع بِكَلِمَات تَكُون مِنْ خِلاَل القَوَانِين بِدُون قِصَص { إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ } لِذلِك لاَبُدْ أنْ يَكُون لَكَ عِشْرَة مَعَ الإِنْجِيل المُتَنَيِح أبُونَا بِيشُوي كَامِل مِنْ شِدِّة حُبُّه لِلإِنْجِيل مَلأ هَوَامِشُه بِتَأمُلاَت كَثِيرَة وَعِنْدَمَا لَمْ يَجِدْ مَكَان آخَر يَكْتُب فِيهِ تَأمُلاَتُه أرْسَل إِنْجِيلُه لِلمَطْبَعَة لِتَضَعْ لَهُ صَفَحَات فَارِغَة بَيْنَ كُلَّ صَفْحَة وَصَفْحَة فِي الكِتَاب وَكَانَ يَقُول رَغْم ضِيق وَقْتُه إِنْ لَمْ يَجْلِس مَعَ الإِنْجِيل سَاعَة أوْ سَاعْتِين يَوْمِياً لاَ يَشْعُر بِاليُوْم مَحْسُوب مِنْ عُمْره لِذلِك تَعَلَّمْ مِنْ أبُونَا بِيشُوي وَتَشَبَّع بِالإِنْجِيل وَلِيَكُنْ لَكَ دِرَاسَة مُنْتَظِمَة فِيهِ . 2- بَعْض نَمَاذِج لِعِشْرِة الخَادِم مَعَ الإِنْجِيل :- لِنَرَى البَشَائِر الأرْبَعَة نَجِدْ أنَّ لَهُمْ دِرَايَة بِالعَهْد القَدِيم وَيَعْرِفُون مَتَى يَأتُون بِالنَّبُوَة لَهُمْ وَعْي بِالكِتَاب لِذلِك لاَبُدْ لِلخَادِم أنْ يَرْبُطْ العَهْدِين فِي قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ وَيَعْرِف مَتَى يُعَلِّمْ وَكَيْفَ يَعِظْ وَجَيِّدْ أنْ يَسْنِدْ كَلاَمُه بِالإِنْجِيل وَالَّذِي يُفَلِّح الإِنْجِيل يَأتِي بِشَخْصِيَات غِير وَاضِحَة وَمَوَاقِفْ عَجِيبَة فِي حَيَاتِهِمْ رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح نَفْسَهُ كَانَ عَلَى وَعْي تَام بِأسْفَار العَهْد القَدِيم لَمْ يُعَلِّمْ شَرِيعِة العَهْد الجَدِيد وَهُوَ بِدُون فِكْرَة عَنْ العَهْد القَدِيم بَلْ كَانَ يَسْتَرْشِدْ بِآيَات وَأقْوَال وَمَوَاقِفْ مِثَال لِذلِك عِنْدَمَا قَالَ لَهُمْ هَلْ تَذْكُرُون أنَّ دَاوُد النَّبِي أكَل خُبْز التَّقْدِمَة وَهُوَ خَارِج مِنْ الحَرْب رَغْم أنَّ هذَا الخُبْز لاَ يَحِل أكْلُه إِلاَّ لِلكَهَنَة ؟ أي إِقْرأ العَهْد القَدِيم الَّذِي تَقُول أنَّهُ لَكْ فَأنْتَ لاَ تَعْرِفَهُ أيْضاً تَكَلَّمْ عَنْ حِكْمَة سُلَيَّمَان وَعَنْ إِبْرَاهِيم أبُو الأبَاء وَعَنْ إِسْحَق وَعِنْدَمَا جَاوَب عَدُو الخِير فِي التَّجْرُبَة عَلَى الجَبَل جَاوَبَهُ مِنْ الكِتَاب بِآيَات مِنْ سِفْر التَّثْنِيَة البَشَائِر الأرْبَعَة مُسْتَرْشِدَة بِالكِتَاب أيْضاً بُولِس الرَّسُول كَانَ عَلَى وَعْي كَامِل بِالعَهْد القَدِيم حَتَّى أنَّ الأبَاء يَقُولُون { إِنْ كُنْتَ تَجْهَل رُمُوز العَهْد القَدِيم إِقْرأ رَسَائِل بُولِس الرَّسُول } أي إِنْ كُنْت تُرِيدْ أنْ تَعْرِف رُمُوز العَهْد القَدِيم وَدَم تُيُوس وَعُجُول وَدَم يَسُوع يَتَكَلَّمْ أفْضَل مِنْ دَم هَابِيل لأِنَّ دَم هَابِيل صَرَخ بِدَيْنُونِة قَايِين لكِنْ دَم يَسُوع تَكَلَّمْ أفْضَل لأِنَّهُ صَرَخ بِخَلاَص البَشَرِيَّة وَلَيْسَ بِدَيْنُونَة مِنْ أيْنَ أتَى بُولِس الرَّسُول بِهذِهِ الأفْكَار ؟ مِنْ الكِتَاب أيْضاً تَكَلَّمْ عَنْ مَلْكِي صَادِق تَكَلَّمْ عَنْ بُرْقُعْ مُوسَى النَّبِي تَكَلَّمْ عَنْ الصَّخْرَة{ لأِنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتَهُمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ } ( 1كو 10 : 4 ) المَنَّ هُوَ الْمَسِيح وَالصَّخْرَة هُوَ الْمَسِيح وَمَلْكِي صَادِق هُوَ الْمَسِيح ولِذلِك عِنْدَمَا وَاجْه مُشْكِلَة مَعَ اليَهُود كَلَّمَهِمْ مِنْ الكِتَاب كَلَّمَهُمْ عَنْ التَّبْرِير بِالإِيمَان وَالأعْمَال قَالُوا لاَ بِالنَّامُوس وَلاَ تَهِمْ الأعْمَال فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم بَارَكَهُ الله قَبْل الخِتَان أم بَعْدُه ؟ قَبْل الخِتَان إِذاً لَيْسَ الخِتَان مُهِمْ بَلْ الأعْمَال إِذاً إِبْرَاهِيم أب لِليَهُود وَالأُمَمْ قَالُوا لَهُ كَيْفَ هُوَ أبُونَا وَحْدِنَا ؟ قَالَ لَهُمْ بُولِس { فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِالهِب فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً فَكَيْفَ حُسِبَ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ بَلْ فِي الْغُرْلَةِ . وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْماً لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً الْبِرُّ . وَأَباً لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ } ( رو 4 : 3 & 10 – 12){ فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ } ( رو 5 : 1 ) سَألوه الأُمَمْ الَّذِينَ دَخَلُوا الإِيمَان هَلْ يَتَهَوَدُوا أم لاَ ؟ فَقَالَ لَهُمْ بُولِس الرَّسُول المَرْأة المُتَزَوِجَة هِيَ تَحْت نَامُوس الرَّجُل لكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُل صَارَت حُرَّة { أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَادَامَ حَيّاً . فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَيِّ وَلكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ الرَّجُلِ فَإِذاً مَادَامَ الرَّجُلُ حَيّاً تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ }( رو 7 : 1 – 3 ) أعْمَال النَّامُوس كَانَتْ قَبْل الْمَسِيح لكِنْ لَمَّا مَاتَ الْمَسِيح نُقِضَ العَهْد القَدِيم لأِنَّ نَامُوس الْمَسِيح أعْتَقَنِي مِنْ نَامُوس المُوْت فَيَقُولُونَ لَهُ لاَ تُسَاوِينَا بِالأُمَمْ فَنَحْنُ نَسْل مُقَدَّس أوْلاَدْ إِبْرَاهِيم فَقَالَ بُولِس الرَّسُول لَهُمْ { لأِنَّ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ . بَلْ بِإِسْحَقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ } ( رو 9 : 6 – 7 ) ألَيْسَ لأِبْرَاهِيم إِبْن يُدْعَى إِسْمَاعِيل ؟ لكِنْ لَيْسَ النَسْل كَانَ بِالجَسَد بَلْ كَانَ بِالوَعْد إِذاً نَسْل إِبْرَاهِيم كَانَ فِيهِ المَقْبُول وَغَيْر المَقْبُول إِذاً أوْلاَدْ المَوْعِدْ هُمْ النَسْل نَعَمْ نَحْنُ كَنِيسَة الأُمَمْ لكِنِّنَا أبْنَاء مَوْعِدْ لأِنَّنَا أبْنَاء رُوح أيْضاً إِسْحَق كَانَ لَهُ وَلَدَان فِي نَفْس البَطْن الوَاحِدَة وَكَانَ أحَدُهُمَا صَالِح وَالآخَرغِير صَالِح { أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ } ( رو 9 : 13) بُولِس يَقُول هَلْ تُرِيدْ أنْ تُثْبِت أنَّكَ مِنْ نَسْل إِبْرَاهِيم ؟ أطِعْ أعْمَال إِبْرَاهِيم لِذَلِك قَالَ أشْعِيَاء النَّبِي { وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي } ( أش 65 : 1){ أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً . بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ } ( رو 10 : 19) مِثْل أُم أحْضَرَت لأِبْنَهَا الطَّعَام وَالإِبْن يَرْفُضَهُ فَتُعْطِي الطَّعَام لِطِفْل آخَر كَيْ يَغَار إِبْنَهَا فَيَأتِي وَيَأكُل مِنْ يَدِهَا هكَذَا كَنِيسَة اليَهُود رَفَضَتْ الإِيمَان بَيْنَمَا قَبَلَتْهُ كَنِيسَة الأُمَمْ فَأعْطَاهُمْ الله مَوَاهِبْ فَغَارَتْ كَنِيسِة اليَهُود لِيَعُود الإِثْنَان لله أفْضَل أُسْلُوب تِحِلْ بِهِ المُشْكِلَة هُوَ الإِنْجِيل إِستِفَانُوس كَانَ وَاعِي بِالكِتَاب وَالأبَاء يَقُولُون { إِنْ كُنْتَ تَجْهَل العَهْد القَدِيم بِكَامِلِهِ فَسَتَعْلَمَهُ مِنْ عِظَة إِسْتِفَانُوس } إِسْتِفَانُوس قَصَّ لِليَهُود العَهْد القَدِيم مِنْ إِبْرَاهِيم حَتَّى الْمَسِيح كَانَ عِنْدُه وَعْي بِالإِنْجِيل بُطْرُس الرَّسُول خَادِم وَاعِي بِالإِنْجِيل قَالَ { إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ . الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ النَّاسِ وَلكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتاً رُوحِيّاً كَهَنُوتاً مُقَدَّساً لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ }( 1بط 2 : 3 – 5 ) . القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِيَّ الفَمْ كَانَ يَقْرأ رَسَائِل بُولِس الرَّسُول الأرْبَعَة عَشَرَ كُلَّهَا يَوْمِياً وَرِسَالِة رُومْيَة عِدِّة مَرَّات يَوْمِياً حَتَّى قِيلَ أنَّ بُولِس الرَّسُول كَانَ دَائِماً بِجِوَارِهِ تِلْمِيذُه لاَحَظْ أنَّ هُنَاكَ شَخْص كَانَ يَجْلِس مَعَهُ كَثِيراً وَلَمَّا دَخَلَ حُجْرَتَهُ وَجَدَ صُورَة لِبُولِس الرَّسُول فَعَرَفْ أنَّهُ هُوَ الشَّخْص الَّذِي يُجَالِس مُعَلِّمَهُ قِدِّيسِي الكَنِيسَة كَانَ لَهُمْ وَعْي بِالكِتَاب المُقَدَّس القِدِيس إِغْرِيغُورْيُوس الكَبِير وَاجْه مُشْكِلَة فِي خِدْمَتِهِ وَهيَ أنَّ البَعْض قَالَ أنَّ الخِدْمَة غِير مُهِمَة الرَهْبَنَة أفْضَل فَأتَى لَهُمْ القِدِيس بِتَشْبِيه بَلِيغ قَالَ عِنْدَمَا كَانَ الزُوج فِي العَهْد القَدِيم يَمُوت كَانَتْ الزُوجَة تَتَزَوَج بِأقْرَب شَخْص لَهُ وَلِنَفْرِض أنَّهُ أخُو المَيِّتْ وَإِنْ رَفَضَ الشَّخْص الأقْرَب تَتَزَوَج الشَّخْص الَّذِي يَلِيه فِي القَرَابَة لِنَفْرِض أنَّ الأخ رَفَضْ الزَوَاج مِنْ أرْمَلِة المُتَوَفِي يَكُون كَمَنْ تَخَلَّى عَنْهَا فَكَانَتْ المَرْأة تَأخُذْ نَعْلُه أمَام شُهُود حَتَّى لاَ يَعُود وَيَقُول لَمْ أكُنْ أعْرِف وَأنَا أحَقٌ بِهَا مِنْ الوَلِي الثَّانِي وَكَانَتْ أيْضاً تَبْصِق فِي وَجْهَهُ هذَا المَوْقِفْ فَسَّرَهُ القِدِيس إِغْرِيغُورْيُوس الكَبِير كَالأتِي يَسُوع هُوَ أخُونَا الَّذِي مَاتَ وَقَالَ بَعْد مَا ظَهَرْ فِي مَجْد القِيَامَة إِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي ( مت 28 : 10) الْمَسِيح مَاتَ وَلَمْ يُكْتَمَل بَعْد عَدَدْ البَنِين المُخْتَارِين هكَذَا الخُدَّام فَإِذَا لَمْ يَقْبَل فَإِنَّ العَرُوس زَوْجَة الأخ تُبْصِق فِي وَجْهِهِ لأِنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَعْنِي بِأمر الكِنِيسَة تَرْفُضَهُ أيْضاً فَيُدْعَى بَيْتَهُ بَيْت مَخْلُوع النَعْل كَيْفَ كَانَ فِهْمُه لِلكِتَاب ؟ كَيْفَ جَعَلَهُ يُوَظِف المَوْقِفْ بِالآيَة ؟ لَمَّا تِفْهَمْ الإِنْجِيل وَظَّفْ المَوَاقِفْ بِالآيَات حِينَمَا تَعْرِف أسْرَار الإِنْجِيل تَدْخُلَك فَرْحَة أكْثَر مِنْ فَرْحِة الفِرْدُوس هكَذَا قَالَ الأبَاء قِيلَ عَنْ مُوسَى النَّبِي أنَّهُ كَانَ يَدْخُل وَيَخْرُج فِي الخَيْمَة كَثِيراًهكَذَا الخَادِم يَدْخُل وَيَخرُج فِي الإِنْجِيل كَثِيراً يَدْخُل لِيَأخُذْ وَيَخْرُج لِيُعَلِّمْ . 3- طُرُق مُقْتَرِحَة لِمُعَايَشِة الإِنْجِيل :- مَهْمَا كَانَتْ لَدَيْكَ مَشَاغِل لاَبُدْ أنْ تَجْلِس كَثِيراً مَعَ الإِنْجِيل شَبَّة الأبَاء الخُدَّام بِالعُصِي الَّتِي تَحْمِل تَابُوت العَهْد الَّتِي لاَ تُزَال مِنْهُ أبَداً كُنْ أنْتَ مَعَ الإِنْجِيل هكَذَا عَصَا تَحْمِل التَّابُوت كُنْ دَائِماً مُلاَصِق لَهُ الخَادِم السَّاهِر عَلَى الكِتَاب يَلْتَحِمْ بِهِ هُنَاك طُرُق كَثِيرَة لِقِرَاءِة الكِتَاب المُقَدَّس :- أ- طَرِيقِة قِرَاءِة الأسْفَار :- مَتَى كُتِبَ السِفْر وَلِمَاذَا وَمَنْ كَتَبَهُ وَمَوْضُوعُه وَهَدَفُه هذَا مَدْخَلْ لِلإِنْجِيل إِعْرَف فِكْرَة عَنْ السِفْر وَمَا أجْمَل أنْ تَكْتَشِفْ الْمَسِيح فِي السِفْر هُنَاك كُتُب مُعَيَّنَة لِقِرَاءِة الكِتَاب مُهَمَة مِثْل إِنْجِيل بِشَوَاهِدْ مُوَافِقَة لَهُ مِنْ أسْفَار أُخْرَى قَامُوس الكِتَاب المُقَدَّس فِهْرِس الكِتَاب المُقَدَّس مُعْجَمْ الألْفَاظ العَثِرَة مِنْ المُؤسِفْ أنَّنَا عِنْدَ إِقْتِنَاء الكُتُبْ الرُّوحِيَّة نِشْتِكِي مِنْ الفَقْر . ب- طَرِيقِة قِرَاءِة الشَّخْصِيَات :- لِيَكُنْ لَكَ خَطْ مَعَ الشَّخْصِيَات مَعَ إِبْرَاهِيم أبُو الأبَاء مِنْ أوِّل قِصِّتُه فِي سِفْر التَّكْوِين وَحَتَّى كَلاَم رَبَّ المَجْد يَسُوع عَنْهُ وَكَلاَم بُولِس الرَّسُول عَنْهُ وَلنَرَى الشَّخْصِيَّة فِي العَهْدِين وَنَرَى الْمَسِيح فِي الشَّخْصِيَّة لِنَرَى الْمَسِيح فِي يُوسِف العَفِيف وَفِي إِبْرَاهِيم وَفِي إِسْحَق وَمَا أجْمَل أنْ تُطَابِق كُلَّ شِئ فِي الشَّخْصِيَّة بِالْمَسِيح وَلِنَرَى مِثَال يُوسِف العَفِيف :- 1- يُوسِف العَفِيف الإِبْن المَحْبُوب لأِبِيهِ و الْمَسِيح لَهُ المَجْد الإِبْن المَحْبُوب لأِبِيهِ. 2- يُوسِف العَفِيف أُرْسِلَ مِنْ أجْل أنْ يَنْظُر سَلاَمِة إِخْوَتِهِ و الْمَسِيح لَهُ المَجْد أُرْسِلَ مِنْ أجْل أنْ يَنْظُر خَلاَص البَشَرِيَّة. 3- يُوسِف العَفِيف رُفِض وَبِيعَ مِنْ إِخْوَتِهِ و الْمَسِيح لَهُ المَجْد رُفِض مِنْ خَاصَّتِهِ وَبِيعَ مِنْهُمْ. 4- يُوسِف العَفِيف أُلْقِيَ فِي الجُب و الْمَسِيح لَهُ المَجْد ذَاقَ المَوْت. 5- يُوسِف العَفِيف فِي السِّجْن بَشَّرَ رَئِيس السُّقَاة بِالحَيَاة وَرَئِيس الخَبَّازِين بِالمَوْت و الْمَسِيح لَهُ المَجْد نَزَل لِلجَحِيمْ وَبَشَّرَ الَّذِينَ عَلَى رَجَاء القِيَامَة بِالحَيَاة وَالَّذِينَ لَيْسُوا عَلَى رَجَاء بِالمَوْت .مِنْ خِلاَل الشَّخْصِيَّة تَرَى الْمَسِيح ج- طَرِيقِة قِرَاءِة المَوْضُوعَات :- لِنَدْرِس مَحَبِّة الله فِي العَهْدَين مِنْ بِدَايِة الخَلِيقَة وَإِلَى الصَّلِيب وَحَتَّى المَجِئ الثَّانِي لِنَدْرِس الفِدَاء فِي الكِتَاب الدَّم فِي الكِتَاب الكَهَنُوت فِي الكِتَاب الكِنِيسَة فِي الكِتَاب لِنَرَى تَطَوُر المَذْبَح وَالخِيمَة وَالهِيكَل وَالْمَسِيح ثُمَّ الكِنِيسَة هذَا تَطَوُر الكِنِيسَة قُمْ بِسِيَاحَة فِي الكِتَاب إِنْجِيلْنَا غَالِي بِهِ شَبَعْ وَسُرُور فَلِمَاذَا يَضِيعْ مِنْكَ ؟ 4- كَيْفَ نَعِيش الكِتَاب المُقَدَّس ؟ الأنْ نَحْنُ كَثِيرِي المَعْرِفَة قَلِيلِي الفَهْم نُكَرِّر آيَات عَنْ الغُفْرَان وَلاَ نَعْرِف كَيْفَ نَغْفِر نِفْصِل الحَيَاة العَمَلِيَّة عَنْ المَعْرِفَة النَّظَرِيَّة هُنَاك مَوْقِفْ جَمِيل لإِسْحَق عِنْدَمَا كَبَر فِي العُمْر وَأرَادَ أنَّ البَرَكَة لِعِيسُو وَلكِنْ تَحَايَلْ يَعْقُوب وَلَبَسْ مَلاَبِس عِيسُو وَكَانَ إِسْحَق ضَعِيف البَصَر وَشَكَّ فِي يَعْقُوب فَلَمَسَ يَدَيْهِ وَتَنَسَّمْ رَائِحَتُه وَعَرَفْ أنَّهُ عِيسُو فَقَالَ { الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ وَلكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو }( تك 27 : 22 ) هذَا مَا يُقَال لَنَا أنَا صُوْتِي صُوْت يَعْقُوب لكِنْ أعْمَالِي أعْمَال عِيسُو فَمَنْ أنَا ؟ أنَا الإِثْنَان مَعاً كَيْفَ تَكُون مُسَبِّح وَتَعْرِف أغَانِي عَالَمِيَّة ؟ كَيْفَ تَعْرِف قِدِيسِين وَفَنَّانِين وَمُغَنِيِّين ؟ تَعْلَمْ لكِنْ سُلُوكَك لاَ يَلِيق بِالتَّعْلِيمْ .. نِسْأل مَنْ أنْتَ ؟ عِيسُو أم يَعْقُوب ؟ إِنْتَبِه أنْتَ كَخَادِم تَأثِيرَك قَوِي فَإِنْ كَانَ سُلُوكَك غِير لاَئِق سَيَحْفُر فِي قَلْب المَخْدُوم لاَ { اللهُ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ شَاهِدٌ لِي } ( رو 1 : 9 ) { الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ } ( يو 6 : 63 ) وَكَمَا قَالَ بَلْعَام { لِتَمُتْ نَفْسِي مَوْتَ الأَبْرَارِ وَلِتَكُنْ آخِرَتِي كَآخِرَتِهِمْ } ( عد 23 : 10 ) رَغْم أنَّ بَلْعَام كَانَ مُعَانِدْ لله . قَدِيماً كَانَتْ قُوَّة الشُّعُوب مَنْسُوبَة لِلآلِهَة لِذلِك العَشَر ضَرَبَات كَانَتْ مُوَجَهَة لِعَشَر آلِهَة كَانَتْ تُعْبَد فِي مِصْر لِيُعْلِنْ الله قُوَّتَهُ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ فِكْر فِي إِلَهِهِ أرَادَ بَالاَق المَلِك أنْ يَغْلِب إِسْرَائِيل فَأعْطَى بَلْعَام مَال كَثِير كَيْ يَلْعَنْ الشَّعْب لكِنْ الله تَكَلَّمْ عَلَى لِسَان بَلْعَام بِالبَرَكَة فَكَانَ يَتَكَلَّمْ كَلاَم لاَ يَفْعَلَهُ هكَذَا نَحْنُ نَتَكَلَّمْ وَلاَ نَفْعَل . مَوْقِفْ آخَر فِي الكِتَاب وَهُوَ أنَّ شَاوُل المَلِك دَخَلْ حَرْب مَعَ عَمَالِيق فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيل النَّبِي لاَ تَأخُذْ غَنَائِمْ لكِنَّهُ إِسْتَحْسِنْ بَعْض الغَنَائِمْ وَأخَذَهَا وَسَألَهُ صَمُوئِيل بَعْد الحَرْب هَلْ أقَمْت كَلاَم الرَّبَّ ؟ فَقَالَ شَاوُل نَعَمْ فَقَالَ صَمُوئِيل مَا هُوَ إِذاً هذَا الصُوْت فِي أُذُنَيَّ ؟ أي قَدْ تُخْدَع بِمَظْهَر مُعَيَّنْ لكِنْ فِي مَوْقِفْ مُعَيَّنْ يَظْهَر مَا فِي القَلْب فَكَيْفَ نَتَكَلَّمْ وَلاَ نَفْعَل بُولِس الرَّسُول قَالَ لِتِيمُوثَاوُس تِلْمِيذُه { وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي وَسِيرَتِي وَقَصْدِي } ( 2تي 3 : 10 ) شَكِّل رُوحَك بِكَلاَم الإِنْجِيل إِلَى أنْ تَصِير أنْتَ نَفْسَك إِنْجِيل تَشَبَّعْ بِهِ وَافْرَح رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِدْ كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
16 أكتوبر 2021

الصلاة فى الخدمة

كثيراً ما تقابلنا مشاكل في الخدمة ونحاول أن نحلها لكننا لا نستطيع وكثيراً ما يريد الله أن يعلمنا في الخدمة العجز لكي نعلم أن المعونة هي من عنده معلمنا بولس الرسول يقول في رسالته لأهل أفسس﴿ مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقتٍ في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلي لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهاراً بسر الإنجيل ﴾( أف 6 : 18 – 19) ويقول أيضاً في رسالته لأهل تسالونيكي ﴿ صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب وتتمجد كما عندكم أيضاً ﴾ ( 2تس 3 : 1 ) الصلاة في الخدمة مهمة جداً فهي :- ضرورة للخدمة . لابد أن نتعلم كيفية الصلاة للخدمة . 1- ضرورة الصلاة في الخدمة :- أ- الصلاة هي القوة المحركة للخدمة :- السيارة تحتاج موتور موتور الخدمة هو الصلاة قد يكون للخدمة شكل جميل لكن لكي تعرف أنها عمل الرب وليس فِعل بشر لابد أن تكون مسنودة بصلاة كنيسة الرسل كان يقال عنها﴿ كانوا يواظبون بنفسٍ واحدةٍ على الصلاة ﴾ ( أع 1 : 14) ﴿ ولما صلوا تزعزع المكان ﴾( أع 4 : 31 ) الصلاة قوة خفية قيم صلاتك من أجل الخدمة هل تريد أن تعرف خدمتك قس صلاتك على خدمتك عندما تخدم كثيراً وتصلي قليلاً تعرف أنك تخدم بذاتك وليس بالله وبالتالي ستظهر عيوبك كبشر لأنك تخدم بذاتك لكن عندما تصلي بقدر خدمتك ستنضح الصلاة على الخدمة وتصير الخدمة خدمة المسيح بولس الرسول يقول صلوا لأجلي لكي يعطيني الله كلمة عند إفتتاح فمي يُحكى عن خادم قرية أنه كان يذهب إلى القرية ويجمع أهلها في بيت أحدهم ليعظهم وكان يدخل حجرة قبل أن يعظهم ليصلي وفي أحد الأيام تجمع أهل القرية وبدأوا الصلاة والخادم في الحجرة يصلي ثم رنموا ترنيمة وأخرى وأخرى والخادم في حجرته تأخر فدخل أحدهم ليناديه ليعظهم إذ به يجده يصارع الله ويقول له * أنا لست مستعد للكلام إن لم تتكلم أنت يا الله لن أتكلم أنا * هكذا أنت أيضاً قل لله إن لم تخدم أنت لن أخدم الصلاة تحرك الخدمة يحكي الأنبا موسى أنه أثناء خدمته وهو علماني دعا المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وكان عدد المخدومين بسيط وصلوا ورنموا ودخل الأنبا أثناسيوس ووجد أن العدد بسيط فقال لهم لنقف ونصلي وبينما هو يصلي قال * إفتقد يا الله كل شخص الآن واحضر كل شخص الآن *وبعد الصلاة إذ بأفواج تدخل الكنيسة هل هذا البعد الخفي موجود عندي إذ أصلي وأقول له أنت تحرك وتغير أيضاً يحكي الأنبا موسى وقال أنه أثناء أحد العشيات والتسبحة التي تقام بعدها دخل أحد أولاده وجلس بجانبه وكان هذا المخدوم قد كلمه الأنبا موسى كثيراً من قبل ولم يستجيب له فقرر الأنبا موسى أن يرحب به ولن يكلمه وأثناء ترحيبه به رفع قلبه وصلى من أجله كي يعترف وإذ بالمخدوم يقول له أنه يشتاق أن يعترف الآن وأن شئ داخله يلح عليه بالإعتراف الآن دورنا في الخدمة أن نصلي وهذا مهم جداً الصلاة هي إعلان شخصي مني أن الخدمة ليست حركة بشر بل حركة سماء وأنها عمل إلهي أنا أتكلم والله يستخدم كلامي ليغير ويؤثر لذلك مقدار صلاتي هو ميزان حقيقي لخدمتي إهتم بإجتماع صلاة الخدمة وأن تكون لك فترات لصلاتك الخاصة من أجل الخدمة . ب- الصلاة هي وسيلة تنقية الخادم :- عندما أخدم مطلوب مني أن أكون إنسان مصلي من أجل نفسي لاستقبال نعمة الله وأكون وعاء للروح القدس لكي يستخدمني الله الصلاة تجعلني وعاء جيد لنقل البركات وعطايا الروح لن أستطيع أن أعطي عطايا الروح دون أن أتذوقها أولاً عندما أصلي تنقيني النعمة فتنضح على خدمتي وقناعة المخدوم بشخصي .جيد داود النبي عندما قال ﴿ إفتح شفتيَّ فيخبر فمي بتسبيحك ﴾ كان التسبيح بالنسبة له خدمة يطلب عنها هكذا أنت أيضاً قل له إفتح فمي ونقيني لا يمكن أن يُعلم إنسان عن طريق دون أن يسلكه ولن يستطيع أن يشرح ما هي الصلاة دون أن يمارسها لأن الصلاة ممارسة وليست معلومة الآباء يقولون ﴿ صلي لكي تعرف كيف تتعلم الصلاة صلي لكي تعرف كيف تُعلم الصلاة صلي كي تعرف كيف تصلي ﴾بالصلاة تستنير روح الخادم وترتفع نفسه وتتقوى بالصلاة تعرف مفتاح سرائر الله سواء كان مهموم أو حزين أو في فرح يصلي لذلك الصلاة هي وسيلة تنقية للخادم والمخدوم معاً لذلك بصلاتك يتقدس عقلك ولسانك وقلبك ومشاعرك فتصير في حالة صلاة تسمع كثيرون يقولون أننا نحب سماع صوت المتنيح أبونا بيشوي كامل حتى وإن كنا غير مركزين لما يقول لو بحثنا عن أبونا بيشوي نجده مُصلي في مخدعه وضع صورة لربنا يسوع على الصليب وتحت قدميه تركع مريم المجدلية والعالم كله أُخليَ من حولهما هكذا تخيل أنت نفسك أنك في نفس الموقف إن كنت متكبر إركع تحت أقدام يسوع وإن كنت خاطئ إركع تحت أقدام يسوع وإن كنت متعزي إركع تحت أقدام يسوع كل ذلك ماذا يفعل في خدمتك ؟!! ج- الصلاة هي وسيلة معرفة وحكمة :- أنت في الخدمة تُعلم ماذا تُعلم ؟ الخدمة ليست معلومة ولا تُخرج فلاسفة بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس الذين كانوا ذوي حكمة ومعرفة وقال لهم أنا لست أكلمكم بكلام حكمة بل بنبوة الروح ( 1كو 2 : 4 ) يقول أيضاً صلوا لكي يعطي الله كلمة عند افتتاح فمي ( أف 6 : 19) ﴿ واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود ﴾ ( 1كو 1 : 28 ) الأمر ليس فصاحة ولغة لكن عندما تصلي تجد أن الكلمات مهما كانت بسيطة إلا أنها مؤثرة ومُفرحة ومؤنبة ومشجعة إجعل كلامك مسنود بالصلاة صلي بقدر وقت الكلمة إن كانت الكلمة نصف ساعة صلي نصف ساعة إختبر أن تِحضَّر درس جيد واختبر أن تصلي من أجله ستجد أن إحساسك وتفاعلك مع الكلمات إختلف عن درس بدون الصلاة مهما كان تحضيره جيد هذا بسبب الصلاة لذلك مصدر التعليم في الكنيسة هو الصلاة ولذلك أيضاً قال الآباء ﴿ أن اللاهوتي الحقيقي هو المُصلي ﴾ما سر نقاوة إيمان أثناسيوس ؟ لأن اللاهوت بالنسبة له ليس حقائق فلسفية بل حياة كان آريوس فيلسوف وشاعر وفصيح جداً حتى أن كل من جلس معه كان لا يستطيع أن يقاوم فكره فجعل العالم كله يسير خلفه آريوس كان أفصح من أثناسيوس لأنه كان يقنع كل من يتكلم معه سواء مثقف حكيم أو بسيط لكن ما الذي جعل أثناسيوس يتحداه ويقف أمامه ؟ تقواه أنه كان إنسان مُصلي هل تريد أن تُعلم أولادك طقس عقيدة لاهوت ؟ صلي إن الصلاة في الكنيسة هي مصدر الفهم والمعرفة وتحكمك للخلاص لذلك يقول الكتاب أن الكنيسة عندما إختارت سبع شمامسة قال الرسل لكي نواظب نحن على الصلاة وخدمة الكلمة( أع 6 : 4 ) بدون الصلاة يكون مصدر الكلام العقل والذي يخرج من العقل يخاطب العقل ونحن لسنا أُناس أفكار بل أصحاب روحيات والروحيات لابد أن تُسند بصلاة . د- الصلاة هي وسيلة تعبير عن حب المخدوم :- أصدق وسيلة تعبير عن حبك للمخدوم هي الصلاة نعم نشاطات الخدمة من رحلات ومسابقات و تعبر عن حبك واهتمامك بالمخدوم لكن أهم وسيلة تعبر عن حبك لهم هي الصلاة لأن عدم صلاتك للمخدومين يحول الخدمة إلى خدمة ذاتية فتجدهم يحبوك لذاتك وتصير أنت المستفيد لحساب رصيد ذاتك لكن عندما تحبهم حب صادق تصلي لأجلهم وما أروع ما قاله صموئيل النبي عندما رفضوه وطلبوا ملك مثل سائر الأمم قال مهما رفضوني لن أكرههم بل ﴿ وأما أنا فحاشا لي أن أُخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم ﴾ ( 1صم 12 : 23 ) المتنيح أبونا بيشوي كان يعشق هذه الآية وكل كاهن كان يأتيه ليأخذ نُصحه كان يقولها له كان يجعلها شعار لخدمته إجعل الأمر ينتسب لله وليس لك إن لم يصلي يصير مخطئ إلى الله * بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم * تعبير عملي عن محبتك للمخدوم وما أجمل ربنا يسوع عندما قال لبطرس الرسول ﴿ طلبت من أجلك ﴾ ( لو 22 : 32 ) أي أنا أحبك وأصلي من أجلك لن أتركك مهما تركتني سأصلي دائماً من أجلك عندما تقرأ صلاة ربنا يسوع الوداعية نجده يقول فيها ﴿ أيها الآب القدوس إحفظهم في إسمك لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير ﴾ ( يو 17 : 11 – 15) كيف تقول ذلك يارب وأنت تعلم أن هناك مكيدة مدبرة من أجلك وستُسلم وتُصلب و ؟ يقول لأني أحبهم أجمل وسيلة للتعبير عن حبك للمخدومين أن تصلي لأجلهم وبذلك تعلن عن أنهم للمسيح فتتحرر من ذاتك وتصير خادم للمسيح وليس لذاتك هل تريد أن تأخذ مؤشر صادق لخدمتك ولمحبتك للمخدومين ؟ صلي من أجل ضعفات الخدمة والمخدومين وأين أنت ؟ أنت تحت الكل ما عليك إلا أن تسلم الوكالة لصاحبهاإن لم تصلي ستعالج ضعفات المخدومين بقدراتك ولن تستطيع لأن الله يعلن لك عجزك عن ذلك فصلي وانحني كثيراً ما قال بولس الرسول ﴿ أحني ركبتيَّ ﴾ ( أف 3 : 14) وكثيراً ما قال موسى النبي سقطت على وجهي ( عد 14 : 5 ) موسى النبي من حبه للمخدومين قال للرب إن لم تغفر لهم إمحوا إسمي من سفر الحياة ( خر 32 : 32 ) نعم هم أخطأوا لكن إغفر لهم وإن لم تغفر لهم فإهلكني معهم بولس الرسول قال أنا كنت أود أن أكون أنا نفسي محروم من المسيح المهم أن يعرفوه هم ( رو 9 : 3 ) كيف يا بولس وأنت قد تركت كل شئ من أجل ربنا يسوع ؟ يجيب ما قيمة أن أعرفه وحدي دون سائر أحبائي مادمت قد عرفته لابد أن يعرفوه هم أيضاً .ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
15 أكتوبر 2021

مثَل حبة الخردل ج2

-2- لقد قلتَ لرسلك الأطهار، مشجعًا حياتهم في الإيمان: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ... فَيَنْتَقِلُ». إنّ حبّة الخردل صلبة جدًّا، في صغرها المتناهي. تحمِل أيضًا صفات الإيمان الصلب الذي لا يلين، إيمان الأقباط نَقَلَ الجبل فعلاً، وهي معجزة لا ينساها الأقباط مهما مضى عليها من زمن، فهي حدثت في أيام البابا أبرام بن زرعة، وحُكم المُعِزّ لدين الله الفاطمي، حدَثَت في وضح النهار وقدّام جماهير المصريين، انتقلَ الجبل وسار بقوة الإيمان، المشبَّه بحبّة الخردل.. إيمان لم تَنَلْ منه التجارب ولا الاضطهادات، ولا شكوى عدو الخير.. بل زادته التجارب صلابة وقوّة، وصقَلته المحن والضيقات.. فهل تسند إيماني بك وتوطِّد رجائي فيك. ولكن هذه البذرة يا مخلصي، لابد أن تَسقط في الأرض وتموت، كقولك عن ذاتك وصليبك «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يو12: 24).. هذا قلتَه يا مخلصي الصالح عن موتِك المُحيي. لابد أن تعاني بذرة الملكوت في القلب، ما تعانيه البذرة، حبّة الخردل في تراب الأرض، لابد أن تصارِع حتى الموت في مواجهة عوامل الفناء والموت والتحلُّل.. تموت لتنمو، تُدفَن لتقوم، تتحلّل لتصير أعظم.. تفنى في باطن الأرض لترتفع إلى السماء.. سرّ عجيب!! والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني، من أين هذه الفروع العظيمة، الكبيرة؟ مِن تلك البذرة المتناهية في الصغر. من أين أتت الحياة المُزهِرة التي للقدّيسين حتى صاروا عظماء ممجَّدين في كلّ العالم؟ مِن حبّة الخردل الصغيرة في القلب، من بذل الحياة والفناء من أجل ملكوت الله. فلما كمُل البذل وإنكار الذات وحمل الصليب، أخرجَتْ شجرة الملكوت، وأغصانها صارت تملأ الدنيا كلّها. وصارت حبّة الخردل سبب راحة وخلاص لطيور السماء، صارت مسكنًا لألوف، وعشًّا تضع فيها أفراخها للإكثار، وملجأ من السيل والحر، ووطن للغريب. متى يُستعلَن ملكوت الله، ينمو ممتدًّا حتّى يظلّل على الكثيرين؟ إنّ حبة الخردل تبدو بلا فائدة وبلا قيمة حتى تتحوّل إلى شجرة عظيمة. أي لا تصير لذاتها أو قائمة بذاتها بل تُصبِح وتعيش للآخرين. علِّمني الخروج من ذاتي وإنكار ذاتي، بل وبذل ذاتي. هكذا سيظل ملكوتك يا إلهي محصورًا فيَّ إلى أن يُستعلن خادمًا للآخرين، يأوي إليه طيور السماء.. - أغصان حُبّ ورحمة تظلّل الضعفاء.. أغصان اتضاع ومسكنة تحمل الأثمار. ومِن ثقل الأثمار تراها متّجهة إلى أسفل.. - أغصان قداسة تفيح رائحتها، تملأ المسكونة من رائحة المسيح الزكية..أغصان زيتون الروح الجُدُد المتجدّدين، محيطين بمائدة المذبح. - أغصان خشبة الصليب، وحمل الصليب، وحبّ الصليب.. أتوسل إليك أن تصير حبّة الخردل التي ألقيتَها في أرضي.. في قلبي، واستودعتها سرّ حياتك الخاصّة، فصارت كائنة من أقاصي المسكونة إلى أقصاها. وها أنا أطلب في الصلاة أن تحفظها بسلام. + قلتَ يا سيدي عن حبّة الحنطة «إِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا».. إنّ قِشْرتها الصغيرة تجدها في حجمها الصغير، فلابد أن تنحل هذه القشرة، وتتكسّر وتفنى في تراب الأرض، لتعطي فرصة للجنين الحي ليشقّ طريقه، مثل قشرة البيضة محيطة بالفرخ الحي، لابد أن تتهشم ليخرج هو إلى الحياة. القشرة الخارجية هي الذّات التي أحرص عليها، والمظهر الخارجي، وحياة إنساني الخارجي، إنسان الجسد والتراب. إنكار الذات والتفريط فيها، وجحد مشيئتها وصلب الجسد مع الأعضاء.. و«مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ» (رو8: 36).. كلّ هذا تعبير عن خلع العتيق ليفسح مكانًا للجديد. + إنّ النمو والزيادة، هما قانون حياة الروح وملكوتك يا إلهي. فحبّة الخردل، لا تبقى دومًا محجوزة داخل قشرتها الصغيرة، هذا مستحيل.. فما أن تبدأ رحلة نموها حتى تحطِّم كلّ مقاييس الصغر. ملكوتك زيادة، لا تعرف النقصان، يُفاجَأ العالم بها وإذ هي شجرة كبيرة.. نمّيني في النعمة، وفي معرفة ربِّي يسوع المسيح.. اجعلني أنمو كلّ يوم، دَعْ بذرة الملكوت تنمو داخل قلبي كلّ يوم. + الكنيسة هي ملكوتك يا إلهي على الأرض، وهي الملجأ والظلّ، ومكان الاحتماء «العُصْفورُ وجَدَ لهُ بَيْتاً واليَمامَةُ عُشّاً لِتضَعَ فيهِ أفْراخَها، مَذابِحُكَ يا رَبُّ إلَه القُوّاتِ مَلِكي وإلَهي. طوبَى لِكلِّ السُّكانِ فى بَيْتِكَ» (مز83 أجبية). الصليب صار كحبّة الخردل، عندما زُرع في الأرض، وارتوى بدم المسيح، صار شجرة أبدية، تحت ظلّه تشتهي النفوس أن تبيت وتستريح. وطيور السماء المُحلِّقة في الروحيّات لا تجد راحتها سوى في الصليب يا إلهي.. كلّ من أوى إلى أغصان الصليب يكون قد دخل لكي يحتمي تحت جناحيّ المسيح. والآن.. هل وصلتْ إليَّ كلمة الملكوت؟ هل وجدَتْ في قلبي مكانًا تختبئ فيه؟ هل وجدَتْ فيه رطوبة وليونة وسقي ماء الروح؟ هل وجدَتْ أيضًا عمقَ أرضٍ حتى تفسح لها مكانًا تعمل فيه جذورها لتتأصّل؟ إن وجد كلّ هذا، فكلمة الملكوت سوف يُستعلَن وجودها لا محالة. سوف تظهر أغصانها ويمتدّ الملكوت فيَّ وبيَّ. ولكن أنا أعلم أنّ ساق النبات وأوراقه يظهر في مرحلة أولى، بينما الأثمار هي آخر مراحله. فأطلب إليك وأتوسل أن تتأصّل فيَّ كلمة الملكوت، لكي أُثمر لك يا إلهي ومخلّصي. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
14 أكتوبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس حجى

حجى " هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب "" حج 1: 4 " مقدمة لست أعلم كم بكى حجى كلما وقعت عيناه على منظر بيت اللّه وهو أطلال دارسة!!؟.. ولست أعلم هل كان صغيراً عندما أخذ إلى السبى مع أبويه، وقضى هناك سبعين عاماً، ثم عاد ليرى صورة طوتها الأيام، صورة البيت القديم فى مجده الشامخ وصورته الآن بعد أن تحول أنقاضاً وخراباً!!؟.. إن هناك قلة من المفسرين تتجه إلى ذلك!!.. على أن البعض الآخر يصوره، على العكس، فى شرخ الشباب وقد استوى عوده، وهو يذهب ويجئ إذ ولد فى وطنه وبلده، ليرى كل صباح ومساء بيت اللّه الخرب، والذى وضع أساسه، وعجز الواضعون عن أن يتقدموا إلى البناء، وتراكمت الأحجار هنا وهناك، وعلى مقربة منها قصور مغشاة بناها الراجعون من السبى!!.. وأية مقارنة يمكن أن يتصورها العقل،.. بين إنسان يستريح فى قصره، وبيت اللّه خراب؟!!.. لم يبك حجى فحسب، بل لعله امتلأ غيظاً وسخطاً ومرارة وأسى، كيف يبنى الإنسان بيته الأرضى بكل حماس وهمة وغيرة وبذل، وهو لا يعطى بيت اللّه عشر معشار ما يفعل بمسكنه وبيته وقصره؟!! ولكنها هى مأساة الإنسان فى كل العصور، عندما يوازن بصدق وحق بين ما يفعله من أجل بيته وأسرته وأولاده،... وما يفعله، أو بالحرى، لا يفعله فى بيت اللّه!!.. إنها فاجعة تروى، وعبرة تحكى، ولعل حجى النبى ينتصب أمامنا من وراء العصور القديمة، ليحدثنا كيف يحدث هذا ونحن نتابع روايته وقصته!!.. حجى وأيامه لعلنا - وقد درسنا فيما سلف بعض شخصيات الأنبياء - أن نلاحظ أن المجموعة الأولى التى كانت أدنى إلى الامبراطورية الأشورية والتى ارتبطت نبوتها بها عن قرب أو بعد هى مجموعة يونان، ويوئيل، وعاموس، وهوشع، وإشعياء، وميخا، وناحوم أما التى ارتبطت بالعصر البابلى فتشمل: حبقوق، وصفنيا، وإرميا، ودانيال، وحزقيال، وعوبديا،.. أما المجموعة الثالثة فهى التى جاءت بعد السبى، وهى مجموعة حجى، وزكريا، وملاخى، ولا يكاد المرؤ يعلم بالتمام كم كان عمر حجى عندما تنبأ إلا أنه وقد تنبأ فى السنة الثانية لداريوس الملك، فمن المعتقد أن نبوته كانت سنة 520 ق. م. ونحن نعلم أن الغرض الأول من عودة المسبيين إلى أورشليم كان بناء الهيكل وإرجاع العبادة كما فى الأيام القديمة الخوالى، ويبدو أن المسبيين بدأوا بذلك، لكنهم أحسوا بعد قليل بضعفهم وعجزهم عن العمل. وإذا تابعنا سفر عزرا فإننا ندرك أنهم لم ينشطوا من اليوم الأول فى بناء بيت اللّه، كما كان منتظراً، بل ظلوا سبعة شهور دون أن يفعلوا شيئاً تقريباً، ثم رأوا أنه إذا لم يكن بد من البدء، فمن واجبهم - على الأقل - أن يقيموا المذبح للعبادة، وقد قاموا فعلا بذلك، ثم شرعوا فى السنة التالية فى وضع حجر الأساس لهيكل اللّه، ولكنهم بعد وضع الحجر توقفوا عن العمل، فى وجه الصعوبات الخارجية، والداخلية معاً،.. أما الصعوبات الخارجية فكانت راجعة إلى وجود الأعداء المتربصين بهم، الحريصين على مقاومة كل جهد فى بناء بيت اللّه،... أما الداخلية، فترجع لإحساسهم بقلة عددهم وعدتهم، إذ هم عدد قليل فقير متعب، ليس لهم من دفاع. إذ أن جيشهم ضعيف لا يقوى على حمايتهم، كما أنهم لا يستطيعون الصعود إلى الجبال لجلب الأرز اللازم للعمل، إذ يكبدهم هذا مشقة فوق طاقتهم، فكان أن توقفوا عن العمل، أو بالحرى، أجلوه إلى وقت آخر. وهذان الأمران على الدوام هما اللذان يعطلان بناء بيوت اللّه وإقامة العبادة فى كل عصر، إذ يحسب المؤمنون أنهم أقلية ضعيفة غير قادرة على مواجهة كافة الصعوبات المرتبطة بالعمل!!.. حجى والحاجة إلى بيت اللّه ترتبط نبوة حجى ببناء الهيكل ارتباطاً كاملا، ولا حاجة إلى القول بأن الهيكل كان أهم شئ فى حياة شعب اللّه، إذ أنه مركز تجمعهم، والتفافهم حول عقيدتهم وإيمانهم باللّه، وقد كتب توماس كارليل فى كتابة « الأبطال وعبادة البطولة » قائلا: « تعد ديانة الإنسان من كل وجه، الحقيقة الأساسية بالنسبة له، لأى إنسان أو أية أمة من الناس،... إن الشئ الذى يؤمن به الإنسان عملياً،... ويضعه فى قلبه، ويرتبط به فى هذا الوجود السرى، ويرى حياته ومصيره هناك، هذا الشئ بكل تأكيد هو أهم ما يواجهه فى الحياة. ويقرر تبعاً لذلك كل أوضاعه الأخرى... فإذا حدثتنى عنه، فإنك تحدثنى إلى أبعد الحدود، عمن هو هذا الرجل، وأى نوع من الأشياء لابد سيفعل »... ومن ثم نعلم كمسيحيين وكمؤمنين أثر الكنيسة فى حياتنا وحياة أولادنا!!... كتب دكتور ف. أ. اتكنز فى واحد من كتبه الصغيرة، يقول إنه خرج من الكنيسة فى مدينة نيويورك فى يوم أحد، وقد أخذ يتفرس فى وجوه الناس، ورأى كثيرين من الذين يسيرون فى الشوارع ولا رابط لهم بكنيسة ما، ووجوههم صلبة قاسية، وبعضهم يمتلئون بالكآبة والتعاسة البادية على مظهرهم،.. غير أنه اقترب من الكنيسة المشيخية فى الشارع الخامس، وكان المصلون خارجين منها، وإذا وجوههم تلمع بالأمل والرجاء والبهجة والانتصار، وكانت هذه هى الكنيسة التى يعظ فيها فى ذلك الوقت دكتور جويت،... ومع أن الكنائس قد لا تجد وعاظاً مقتدرين مثل هذا الواعظ المشهور، لكن كلمة اللّه نفسها لها القدرة والفاعلية، لترفع الإنسان فوق المعاناة والآلام والضيقات والشدائد!!... كان العائدون من السبى فى أمس الحاجة إلى الهيكل الذى يمكن أن يعطيهم بسمة الرجاء رغم أطلال الخراب التى وجدوها أمامهم!!.. حجى والعقبات أمام بناء بيت اللّه عاد الرعيل الأول من السبى، وكانت رغبتهم الأولى بناء بيت اللّه، ولعلهم كانوا جذوة ملتهبة من الحماس والرغبة فى أن يروا هذا البيت قائماً فى أسرع وقت، ولكن العقبة تلو العقبة ظهرت أمامهم فى الطريق، إذا بالجذوة تنطفئ، وإذا بهم ينصرفون عن العمل، وتنقضى ستة عشر عاماً بعد وضع حجر الأساس دون أن يحركوا ساكناً،... وانتهوا - كما ذكر حجى - إلى أن الوقت لم يحن لبناء هذا البيت، وربما يكون مفيداً جداً أن نقف من هذه العقبات التى تتكرر كثيراً، وبصورة مشابهة عند إقدام الكثيرين على بناء بيوت اللّه، فى العصور المختلفة من التاريخ!!.. ولعله من اللازم أول الأمر أن نخرج شخص اللّه من أن يكون عقبة فى الأمر، إذ أنه على العكس من ذلك، يرغب كل الرغبة، فى أن ننشغل جميعاً ببناء بيوته، وليس أدل على ذلك من سخطه على خراب البيت، ولعنته التى أصاب بها الناس، وتنبيهه لزربابل والشعب عن طريق النبيين: حجى وزكريا، إن الخراب فى حد ذاته قاس، وهو مناقض لمشاعر اللّه وقلبه، وهو لا يستطيع أن يبصره دون حزن وألم، وعندما خلق عالمنا لم يستطع أن يبقى على الأرض خربة وخالية، ولمسها لمسة الحياة والجمال والقوة والعمران،... فإذا كان الخراب فى ذاته مروعاً أمام اللّه، فإن خراب الخراب، إن صح التعبير، هو خراب بيوت اللّه بالذات،... وإذا كان بعض الذين عادوا من السبى، وفى ذكرياتهم القديمة - وهم شيوخ تجاوزوا السبعين عاماً - صورة بيت اللّه العظيم الذى قوضه نبوخذ نصر وأتى عليه بعد كل المجد الذى كان عليه، والجهد الخارق للعادة الذى بذله سليمان فى بنائه،.. إذا كانت هذه الصورة تحزن وتبكى إنساناً، مهما تكن رقة قلبه، فإنها فى الواقع تدمى قلب اللّه وتملؤه بالضيق والألم والحزن والمرارة،... ويكفى أن تسمع القول الإلهى: « ولماذا يقول رب الجنود. لأجل بيتى الذى هو خراب » " حجى 1: 9 ".. فإذا عن للإنسان أن يسأل بعد ذلك: ولكن إذا كانت هذه هى رغبة اللّه، وهذا قصده،... إذاً لماذا يترك هذا البيت يخرب وينجس؟ ولماذا يسمح بأن تمتد إليه معاول الهدم، على الصورة البشعة المتكررة فى التاريخ؟؟. ولماذا يسمح بأن تقوض كنائس وتخرب أو تغلق أبوابها؟!. إن الجواب الواضح لا يمكن أن نجده بعيداً عن يسوع المسيح، الذى كشف عن أمرين جوهريين أساسيين فى قلب اللّه، أولهما غيرته المطلقة على هذا البيت، الغيرة التى جعلته يضع سوطاً، ويطهر الهيكل، من الباعة، والصيارف، والرؤساء، الذين حولوا البيت إلى مغارة لصوص،... والصورة الثانية هى نبوته عن الهيكل، عندما تفاخر التلاميذ بعظمة بنائه، وأكد لهم أنه سيهدم حتى الأساس دون أن يترك حجر على حجر لا ينقض!!..، وإذا كان المسيح قد واجه خطية العالم بصليبه العظيم، فإنه لا يمكن أن تغلق كنيسة أمام عينيه دون أن يطعن مرة أخرى فى جنبه بحربة الصليب!!.. على أن المأساة تبلغ أقصاها فى الموازنة بين بيت اللّه، وبيوت الناس بين الجهد الذى يبذل فى بيت اللّه، والجهد الذى يبذل فى بيوت الناس،... والفاجعة الكبرى أن الناس على قدر ما يبذلون فى بناء بيوتهم ويزينونها بسخاء حتى تبدو تحفا رائعة،.. وعلى قدر ما يفخرون بذلك ويتباهون، فالأمر على العكس تماماً فى بيت اللّه، إذ تقبض اليد وتجد مالا يحصى ويعد من أسباب الاعتذار من المساعدة أو المساندة أو المساهمة،... إن أى بيت عادة، يكشف مظهره ومبناه عن صاحبه وساكنه، فالفقير لا يمكن أن يملك قصراً، والغنى يرفض أن يسكن فى كوخ، وأنت لست فى حاجة إلى حساب دقيق حتى تعرف ساكن البيت من مجرد نظرة إلى بيته،... وقد وضع الناس فى أيام حجى، وإلى اليوم مايزالون يضعون اللّه ونفوسهم فى الوضع العجيب الغريب،... لقد مر الشاب ذات يوم بكنيسة من الكنائس فى مدينة من المدن المصرية، وكانت أقرب إلى عشة من عشش الفراخ، وتعجب الشاب أبلغ العجب، إذ أن بعض أعضاء هذه الكنيسة كانوا من أغنياء البلاد، وكانوا يملكون القصور الشامخة، فى المدينة نفسها، وفى غيرها من المدن،... وعجب الشاب، وقد امتلا من المرارة والأسى، كيف يرضى هؤلاء أن يناموا ليلة واحدة فى بيوتهم المغشاة، وبيت اللّه خراب،... وهل يقبل هؤلاء وغيرهم أن يبدو اللّه الذى لا تسعة سماء السموات، والأرض موطئ قدميه، هل يرضوا أن يبدو السيد العظيم، كاليتيم والفقير والبائس الذى لا يملك إلا كوخاً خرباً ليسكن فيه!!؟... إن كل من يهتم ببيته، وينسى بيت اللّه، يضع اللّه فى هذا الوضع المخجل الجارح!! فإذا أخذنا الأمر من وجهة أخرى، فإنه من الصعب على الإنسان أن يواجه نفسه بهذه الحقيقة الجارحة المعراة، والضمير مهما كان من عثراته لا يمكن أن يواجه هذا المنطق دون خجل، ولابد للضمير أن يجد حلا للمشكلة، وهذا الحل الأحمق يأتى بنوع من المداورة فى التفسير، فإذا كان الإنسان يرفض أن يرى بيت اللّه خرباً أو أدنى إلى الأكواخ، وهو يرفض أن يتهم نفسه بالشح والبخل، فالأفضل أن يربط بين البناء والتأجيل، فالوقت لم يبلغ أو يأت بعد لبناء البيت،... وضع اليهود الأساس، ثم توقفوا عن العمل، وظل التوقف ستة عشر عاماً، فما العذر!!؟ ليس هناك من عذر إلا أن الوقت لم يحن، وسيأتى يوم ما، فيه لابد أن نبنى وننهض للعمل،!!... وهنا مرة أخرى تأتى الموازنة بين بيوت الناس وبيت اللّه، عندما يبنى الإنسان مسكناً أو قصراً، إنه لا يهدأ أو يستريح حتى يتممه، والأفضل أن يغشيه، ويبدع فيه بكل ما فى هندسة الديكور من فن وجمال،... وهو لا يقبل أن يرجئ اللمسات الفنية الأخيرة قبل أن يسكن فيه، بل هو حريص على السرعة والإبداع معاً،... وهو غير ضنين بكل جهد أو مال فى هذا السبيل،... أما بيت اللّه فهذا شأن آخر، وأمر آخر، وأسلوب آخر،... والتأجيل هنا مريح، ومعقول، ويهدئ النفس تماماً،... ومأساة التأجيل هنا ليست مثيرة ومزعجة فحسب، بل أكثر من ذلك تقود إلى نوع من الختل والخداع، يفقد معه الإنسان سلامة التفكير، والقياس الصحيح، إذ يصبح التأجيل الواقع الذى يألفه الناس، ولا يرون غيره،... فإذا أنت مررت بالخراب أياما وشهوراً وسنوات، وارتسم أمام عينيك، وأضحى من معالم الحياة، فإن التغيير بعد ذلك يصبح أمراً يوشك أن يكون شاذاً وغير مألوف!!.. فإذا نهض السائل يقول: « أليس من واجبنا التغيير؟ يجد الجواب السريع: لقد ورثنا الخراب عن آبائنا ونحن لا نستطيع أن نغير الواقع بين يوم وليلة،... فليبق إلى أن تأتى أيام أفضل يمكن معها عمل مثل هذا التغيير!!... وإذا كان الإنسان فى حد ذاته سخط على آبائه الذين أورثوه الخراب،... فمن الغريب أو العجيب أنه يرضى أن يورث أبناءه ذات الخراب،... وكان بالأولى أن يفعل العكس، لعله يعطيهم حياة أيسر وأسهل،... إنه يذكرنا بأحد المهاجرين، الذى عرض فى الولايات المتحدة مزرعة وبيتاً بثمن بخس، يكاد يقرب من تكاليف البيت فقط، وعندما سئل عن السبب أجاب: إن أقرب كنيسة ومدرسة أحد على بعد عشرين ميلا من المكان، وهو لا يستطيع أن يرى أولاده محرومين من بيت اللّه، ومن العبادة المسيحية!!.. والذين يهتمون بأن يبنوا بيوتاً مغشاة، كان أولى بهم أن يهتموا ببناء بيت الرب، حتى يستطيعوا أن يورثوا أولادهم أثمن ما يورث الإنسان فى الأرض،... الإيمان الذى سكن فى آبائهم وأجدادهم من قبل!!.. ومن الواضح دائماً أن الإنسان بطبعه ملول، فإذا جنح إلى التأجيل، فإنه سيجنح فى العادة إلى المزيد منه، وهذه كارثة التأجيل فى الحياة،.. فإذا أجل الإنسان الخلاص،... فيخشى أن يضيع منه، متقسياً بغرور الخطية..، وما أكثر ما خرج شاب من اجتماعات النهضة، تحت تصميم أن يودع ماضيه الآثم، وإذ يرى الشيطان منه هذا التصميم، لا يقاومه فى المبدأ، ولكن يصارعه فى التوقيت، وهنا الطامة الكبرى، والتى مثلها فيلكس الذى سمع بولس يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، فارتعب، وخرج من الإرتعاب من باب التأجيل الموارب، وهو يقول للرسول: « أما الآن فاذهب ومتى حصلت على وقت أستدعيك »... " أع 24: 25 " ومن المؤسف أنه استحضر بولس مراراً كثيرة بعد ذلك،...... ولكن لا للتوبة، بل على أمل أن يعطيه بولس دراهم ليطلقه!!... وقد قاوم السيد المسيح التأجيل فى الخدمة، سواء فى الذى أراد أن يقوم بها بعد أن يموت أبوه ثم يدفنه، أو فى ذاك الذى طلب أن يودع الذين فى بيته!!.. وكلاهما أشبه بمن قال فى أيام حجى: « إن الوقت لم يبلغ لبناء بيت الرب » "حجى 1: 2 ". وقد صح اللّه هذا الوضع الخاطئ بمعاودة التأمل فى التأجيل، إذ طلب من الشعب: « اجعلوا قلبكم على طرقكم » " حجى 1: 5 " أى أن يفكروا بعمق أكثر، واهتمام أعمق، فى الطريق التى يسلكونها،... كما طلب المسيح من تلميذيه المشار إليهما أن يتجنبا التأجيل، تاركاً للموتى روحيا أن يدفنوا موتاهم، أو محدثاً عن الخطر الذى يلحق بمن يضع يده على المحراث ثم ينظر إلى الوراء!!.. وثمة أمر آخر ينبغى إدراكه، أن اللّه - وإن كان هو القادر على كل شئ ويمكن أن يقيم من الحجارة أعظم مبنى رآه الإنسان ليكون بيت عبادة له - إلا أن سياسته الدائمة أن يبنى عمله بسواعد الإنسان وشركته، وهو يذكرنا بما حدث فى الحرب العالمية الثانية، إذ دمرت القنابل كنيسة ألمانية، أعادها الألمان بعد الحرب، ولم يتغير فيها سوى تمثال للمسيح قطعت ذراعاه، وعندما أراد البعض أن يضعوا الذراعين، رفض الآخرون، إذ قالوا: إن ذراع المسيح فى الأرض هى تلاميذه وأتباعه وخدامه بين الناس،... ولو وعى الشعب أيام حجى هذه الحقيقة لأدركوا أنهم أمام أعظم امتياز، وأرهب مسئولية،... وأن اللّه أعطى سليمان امتيازه العظيم ببناء الهيكل، وأعطى جستنينان الأمبراطور امتيازاً، وأعطى المهندس وليم ويكهام، وهو يبنى كنيسة من أعظم الكنائس الإنجليزية، أن يكتب على النافذة: « هذا العمل صنع وليم ويكهام »... ولما سأله ادوارد السابع ملك إنجلترا متعجباً: ماذا يقصد بذلك، أجاب: « إن بناء الكنيسة قد منحه شرفاً ومجداً وإمتيازاً، فهو لم يبن الكنيسة، لكن الكنيسة هى التى بنته »... واللّه على الدوام يتحدى تلاميذه وأتباعه، إذ يضع الإمتياز مع المسئولية جنباً إلى جنب، فإذا أمسك بهما الإنسان كان أسعد ما يكون، إذا لم يتنبه إليهما يسمع الصوت « لأجل بيتى الذى هو خراب وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته ».. " حجى 1: 9 ".وهناك الحقيقة التى تتبع هذا، أن الإنسان لابد أن يركض، ولا يمكن أن يعيش فى فراغ،... ولعل هذا ما قصده اللّه بالقول: « وأنتم راكضون » فإذا كانت الأيام تدور، وهو يركض مع الزمن، ولا يمكن أن يعود إلى الوراء، فإنه من جانب الحياة والعمل، سيركض أيضاً..، وهو إذاً لم يركض فى خدمة بيت اللّه، فإنه سيركض ويملأ الفراغ فى بيته وشهواته وأعماله،... « أليس جهاد للانسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه »؟.. " أيوب 7: 1 " والأمر كله يتوقف على القبلة التى يركض إليها، ومن المؤسف أن الشعب أيام حجى، عندما تركوا بيت اللّه بعد أن وضعوا الأساس، حملوا أدواتهم معهم، أدوات البناء، ليبنى كل واحد بيته، ومسكنه، ودائرته الخاصة،.. ومن العجيب أن جميع الاعتذارات التى منعتهم من بناء بيت اللّه، تلاشت، وذهبت كالبخار ههنا،.. كانوا فقراء عن الانفاق، وقد عادوا من السبى، وكان عذرهم الحاجة وضيق ذات اليد،... لكن هذا العذر لم يظهر وهم يبنون بيوتهم على الشكل الفخم، والصورة الجميلة،... كانوا خائفين متعبين منهوكى القوى، لعل غيرهم يأخذ مكانهم فى بناء بيت اللّه،... أما فى بناء بيوتهم، فهم لا يعرفون الراحة أو الهدوء، حتى يخرج كل شئ على الوجه الأجمل والأكمل!!.. والحقيقة الأخيرة فى العقبات، والتى يصح أن تذكر، هى أن عمل اللّه لا يمكن أن يكون سهلا أو فسحة أو نزهة، إنه دائماً عمل شاق ممتلئ بالصعاب والمتاعب والعقبات، ولعل مجده الصحيح فى صعوبته وقسوته،... إن قلب المسيحية العظيم صليب حمله سيدها، ودعا إليه أتباعه على الدوام: « إن أراد أحد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعنى » " لو 9: 23 " إن مجد الحياة فى صعابها المقهورة وفى مشاقها التى ينبغى التغلب عليها، إن المسيح لم يدع أتباعه ليعيشوا أطفالا، بل ليضحوا أبطالا،... وهو لم يدعهم إلى نزهة خلوية، بل إلى معركة دامية!!.. وهو يقول هنا لبناة بيت اللّه: « اصعدوا إلى الجبل وأتوا بخشب وابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد قال الرب ». "حجى 1: 8 " إنها معركة الصعود إلى الجبال، وقطع الأخشاب هناك، وحملها، مهما يكلف ذلك من مشقة أو عرق أو دموع،... وهو عمل اللّه الذى يدعو إليه من ينبغى أن يكافحوا ويبذلوا: « فاشترك أنت فى احتمال المشقات كجندى صالح ليسوع المسيح ». " 2 تى 2: 3 " أجل!! وليس فى المسيحية أو فى عمل اللّه إكليل دون جهاد أو صليب!!.. حجى والعودة إلى بناء بيت اللّه تنبأ حجى النبى، وسمع الناس نبوته، وكان الأثر الواضح ثلاثياً على الأقل. أولا: الخوف: « وخاف الشعب أمام وجه الرب » " حجى 1: 12 " ونحن نعجب أن يرتبط بناء بيت اللّه بالخوف،... ولكن الحقيقة أن الشعب أدرك سراً كان خافياً عليه، أو لم يكن واضحاً له كل الوضوح لقد تلاحقت الكوارث الطبيعية أمامه، إذ جف الزرع، وذهب الضرع، وضاعت المحاصيل: « زرعتم كثيراً ودخلتم قليلا. تأكلون وليس إلى الشبع، تشربون ولا تروون، تكتسون ولا تتدفأون. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب »... "حجى 1: 6 " « انتظرتم كثيراً وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه... لذلك منعت السموات من فوقكم الندى ومنعت الأرض غلتها، ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم وعلى كل أتعاب اليدين ».. "حجى 1: 9 -11 "« مذ تلك الأيام كان أحدكم يأتى إلى عرمة عشرين فكانت عشرة. أتى إلى حوض المعصرة ليغرف خمسين قورة كانت عشرين. قد ضربتكم باللفح - وباليرقان وبالبرد فى كل عمل أيديكم وما رجعتم إلى يقول الرب » "حجى 2: 16 و17 " وما من شك أن الشعب كان حائراً لا يدرى سر هذه النكبات الملاحقة،حتى وضع آخر الأمر إصبعه على السر،... لقد كانت جميعها عقاباً من اللّه لانصراف الناس عن بناء بيته، وهم فى سبيل بيوتهم وحياتهم الخاصة الممتلئة بالأنانية،... ولعلنا نلاحظ هنا وضعاً معكوساً، إذ كان الناس يحتجون، بأنهم لا يستطيعون بناء بيت اللّه، لأنهم فقراء لا يملكون شيئاً، ومحاصيلهم ضائعة، وثروتهم لا تمكنهم على الإطلاق من البذل فى سبيل البناء كانوا، فى لغة أخرى، يرون النتيجة سبباً، ورأى اللّه العكس، إذ أنها لعنة اللّه عليهم، وهم منصرفون إلى بيوتهم، دون بيت اللّه أو مجده، لقد طلب إيليا من أرملة صرفة صيداء، وهى تقش عيدانها لتأكل لقمتها الأخيرة مع ابنها، طلب منها كعكة صغيرة، ولكن ينبغى أن تكون له أولا!!.. ومهما يكن من ضيق ذات اليد، فإنه لا يجوز أن نبدأ العمل بعد أن تتحسن الأحوال، وتكثر الثروة، ويتسع الغنى،... إن اللّّه يهتم بفلسى الأرملة، قبل أن يهتم بأنهار الأموال التى تأتى إلى هيكله!!.. فإذا تقاعس المرء عن خدمة اللّه وهو فقير، فإن الفقر لن ينتهى، بل يتزايد ويصبح لعنة تلاحق صاحبها أينماذهب!!... ولعلنا نلاحظ فى أقوال حجى لا الفقر فحسب، بل تتابعه وتزايده، فالمحصول عندما يذهب إلى البيت يتناقص هناك، وعندما يتحول نقوداً فى الجيب، نجد أن الجيب نفسه منقوب، تضيع من ثقوبه البقية الباقية،... وقد ازدادت الرهبة عند الشعب، لا التى يمكن أن تصيبه، بل للبركة التى - على العكس - تضيع منه، فإن السخاء فى خدمة اللّه وبيته مصحوب دائماً بالبركة: « فمن هذا اليوم أبارك». "حجى 2: 19"... إن ما نضعه فى بناء الكنائس سيكون دائماً مصحوباً بفيض البركات الإلهية!!.. وهى حقيقة مؤكدة، إن ما تبقى عليه يضيع، وما نبذله يتحول كالبذار التى توضع فى الأرض ليتضاعف نتاجها وثمرها، وعندما أدرك الشعب هذه الحقيقة خاف أمام الرب، وأدرك تقصيره الشنيع... ثانيا: السبب الثانى لعودة الشعب إلى العمل، هو ذاك التحريك الداخلى لروح اللّّه فى زربابل وفيهم، « ونبه الرب روح زربابل بن شألتئيل وإلى يهوذا وروح يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وروح كل بقية الشعب ». "حجى 1: 14 " لقد ملأهم روح اللّه جميعاً بالإحساس بالتقصير والمهانة والحاجة إلى الحركة التى لابد أن تقوم بينهم للبناء،... هذا الوازع الداخلى الذى سيطر عليهم جميعاً، أعادهم إلى الحركة والعمل،... ونحن لا يمكن أن نعمل أو ننجح دون سيطرة روح اللّه علينا، وتحريك عواطفنا ومشاعرنا الداخلية، وتوجيهنا إلى العمل بثبات وهمة!! ثالثا: على أن السبب الثالث والأهم،... هو وعد اللّه بمعونتهم ومساندتهم فالآن تشدد يازربابل يقول الرب وتشدد يايهوشع بن يهو صادق الكاهن العظيم وتشددوا ياجميع شعب الأرض يقول الرب وأعملوا، فإنى معكم يقول رب الجنود » "حجى 2: 4 " قال أحدهم: « إقذف بى فى أى معركة، ولكن أعطنى أولأ يقين النصر، وأنا لا أتردد »... وها نحن نرى اللّه يؤكد هذا اليقين للجميع، وأنه مهما كانت العقبات التى تواجههم، فإن اللّه أقوى وأعظم وأقدر على كل مشكلة وصعوبة!!! حجى ومجد بيت اللّه كان الشعب محتاجاً إلى كلمة أخرى، إذ أنه مهما كان قوياً أو متشدداً أو صبوراً على العمل، فإنه لا يمكن أن يقيم بيتاً كالبيت القديم، الذى شاده سليمان بعد أن وفر له داود ما استطاع أن يوفر، وبعد أن بذل فيه سليمان - والمملكة فى أوج مجدها وغناها - وما بذل،... ولعل الخيال لعب دوره فى هذا المجال، خاصة وأن الشعب لم يعد له ملك، بل أضحى له وال هو زربابل، والأمة بعد السبى لاتزيد عن ولاية من الولايات التى يحكمها الفرس وهى مهما أعطى داريوس، فإنه لا يمكن أن يعطى شيئاً يقابل ما كان يملك سليمان فى مجده العظيم،.... لكن اللّه - مع هذا كله - يتحدث قائلا: «وأزلزل كل الأمم، ويأتى مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود. لى الفضة ولى الذهب يقول رب الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول "حجى 2: 7 - 9 ". فكيف يمكن أن يكون هذا؟... إنه هيهات أن يكون دون أن تزلزل أوضاع كثيرة، ويتغير كل شئ على وجه الأرض،... وقد حدث هذا فى يسوع المسيح، وبه،... كان من المستحيل أن يكون البيت الذى بناه زربابل، بيتاً أعلى وأسمى أجمل، من البيت القديم، الذى بناه سليمان، وكان من المستحيل أيضاً أن زربابل الراجع من السبى، يمكن أن يكون الخاتم الذى يرمز إلى القوة والسلطة والمجد، فى بيت داود،... كان الأمر أبعد وأعمق وأشمل وأكمل،.... ولم يكن زربابل القديم إلا رمزاً له، والبيت المتواضع القديم أيضاً لم يكن إلا صورة باهتة له!!... كان « زربابل » الحقيقى هو الرب يسوع المسيح،... وكان البيت القديم إشارة إلى كنيسة المسيح التى ستملأ الأرض كلها،... وتحول الأمر من اليهود إلى الأمم عندما جاء المسيح » مشتهى كل الأمم » ليبنى بيته وكنيسته فى الأرض!!... ولم تعد العبادة التى جاء بها المسيح عبادة طقسية: « هكذا قال رب الجنود اسأل الكهنة عن الشريعة قائلا: إن حمل إنسان لحماً مقدساً فى طرف ثوبه ومس بطرفه خبزاً أو طبيخاً أو خمراً أو زيتاً أو طعاماً ما، فهل يتقدس؟ فأجاب الكهنة وقالوا لا، فقال حجى إن كان المنجس بميت يمس شيئاً من هذه فهل يتنجس فأجاب الكهنة وقالوا يتنجس. فأجاب حجى وقال هكذا هذا الشعب وهكذا هذه الأمة قدامى يقول الرب وهكذا كل عمل أيديهم وما يقربونه هناك هو نجس »... "حجى 2: 11 - 14 " لأن الأمة لم تصل فى روحها إلى ما وراء الطقوس والفرائض، سلباً وإيجاباً، بل هى تقف عند المنجس أو غير المنجس، دون أن تبلغ اللباب الذى تحدث عنه المسيح، عندما سألته السامرية السؤال الطقسى أو الفرضى: « آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل وأنتم تقولون إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يسجد فيه، قال لها يسوع يا امرأة صدقينى أنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تتعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. اللّه روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا » " يو 4: 20 - 24 " وهذا هو التفسير الصحيح لأقوال حجى، وقد جاءت ساعته، فحل يسوع المسيح محل زربابل، وحلت الكنيسة محل الهيكل... وحلت العبادة الروحية بالروح والحق محل المنجس أو المقدس على أوضاع الشريعة القديمة،... وهى ذات الرؤيا التى أبصرها بطرس فى الملاءة العظيمة المربوطة بأربعة أطراف والمدلاة على الأرض، والتى طلب فيها اللّه منه أن يذبح ويأكل، وإذا هو يصيح: « كلا يارب لأنىلم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً، وإذا بالصوت يصير إليه ثانياً: « ما طهره اللّه لا تدنسه أنت »!!.. " أع 10: 14 و15 "وإذا هو على باب كرنيليوس، بل على باب الأمم العظيم المفتوح لهم بنعمة يسوع المسيح!!.. أجل لقد هدم نبوخذ نصر هيكل سليمان، وهدم تيطس الرومانى الهيكل الذى بناه هيرودس فى ست وأربعين سنة، وتبعثر اليهود فى كل أركان الأرض، ونهضت كنيسة المسيح التى لا تقهر، ومجدها يملأ كل الأرض،... وستبقى حتى تعود له كنيسة مجيدة لا دنس فيها أو غضن، أو شئ من ذلك عندما تنزل من السماء، عروساً مزينة لرجلها: « مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفى هذا المكان أعطى السلام يقول رب الجنود »... "حجى 2: 9 ".
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل