المقالات
10 مايو 2022
قام ولكن
قام ولكن لم يقم أحد مثله: فقيامته كانت فريدة تختلف عن كل من قام في العهدين، سواء أقامهم هو أو أنبياء أو قديسين.. ففي كل معجزات أقامة الموتى في الكتاب المقدس نرى:أ. لم يقم أحد بقوته دون مساعدة، إلا السيد المسيح له المجد هو الوحيد الذي أقام ذاته بقوته الذاتية دون ان يطلب عنه أحد أو يصلي له أو يقف عند قبره أو يفتح له الباب.ب. كل من قام، قام بجسده الذي مات به، إلّا السيد المسيح الذي قام بجسده ولكنه تحول إلى جسد روحاني ممجد، كأول من قام بهذا الجسد، والذي سنقوم به كلنا في القيامة العامة، حيث سنقوم بأجسادنا ثم تتحول إلى هذه الصورة الروحانية لنستطيع أن نحيا بها في السماء.ج. أول من قام ولم يمت مرة أخرى، لأنه قام بجسد روحاني غير قابل للموت.د. وعلى الرغم من قيامته بجسد روحاني إلّا أنه احتفظ بآثار الجراح في جسده الممجد، وهي معجزة فريدة لن تتم مع أحد إلّا المسيح، فجميعنا سنقوم بلا عيوب.2. قام ولكن ليس الكل يستحق رؤيته:حينما قام كان يمكن أن يظهر لبيلاطس ورؤساء الكهنة والكتبة ومجمع السنهدريم لتوبيخهم على عدم قبوله وما فعلوه معه حتى موته... ولكن ليس الكل يستحق رؤية المسيح القائم، إنه لا يظهر إلّا لمن يريده ومن يحبه، ومن يقبله ومن يبحث عنه، أمّا من يرفضه فلا يفرض نفسه عليه... حقًا هو أحب العالم كله، ولكن لا يجبر العالم كله على الإيمان به أو رؤيته، بل إن كان أحد يريد أن يراه فهو يظهر له ذاته، ولكن من لا يريد فلا يستحق.. لذا فهوأ. ظهر لمريم المجدلية ومريم الأخرى لأنهما أكثر من ذهب لرؤيته.ب. ظهر لبطرس لإعادته لوضعه.ج. ظهر للتلاميذ أحبائه ليزيل خوفهم.د. ظهر لتلميذي عمواس ليردهم إلى التلمذة.ه. ظهر لتوما ليزيل شكّه.و. ظهر للتلاميذ وقضى معهم أربعين يومًا يعلّمهم ويسلمهم كل ما يختص بملكوت الله، والكنيسة وما فيها مِن طقوس وإيمانيات.ز. وقد يرى في بعض الناس استعدادًا فيظهر لهم مثل شاول الطرسوسي الذي كان يحتاج إلى تصحيح مسار.3. قام ولكن هل قمنا معه؟إن الموضوع طويل، ولكن يمكن تلخيصه في نقاط قليلة:أ. نقوم معه بالإيمان: من يحيا الإيمان الحقيقي هو القائم من الأموات؛ ومن يحيا الإيمان الحقيقي والثقة به في كل مواقف الحياة فلا يضطرب ولا يخاف من شيء، ولا يحزن على شيء، بل يحيا في الفرح الدائم.ب. نقوم معه بالمعمودية: إذ أن من يعتمد يموت معه، يقوم أيضًا معه.ج. نقوم معه بالتوبة: فإن كانت الخطية هي موت، فالتوبة هي قيامة.د. نقوم معه بالتناول: من يتناول يحيا إلى الأبد وهو يقيمه.ه. نقوم بالاحتمال: من يحتمل من أجل الرب ظلمًا أو تعبًا أو اضطهادًا أو ألمًا أو فراقًا أو مرضًا وقد حمل صليبه هذا بفرح وشكر، هذا سيفرح معه بقيامته.و. نقوم معه بالأمل والرجاء: فاليأس موت والأمل قيامة.ز. نقوم معه بالفرح: فكما أن الحزن موت، فالفرح هو أيضًا قيامة.
نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
09 مايو 2022
عطايا القيامة
إن هذه القيامة القوية، سكبت فى البشرية قوة القيامة، ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا أنه مات وقام، وأقامنا معه.
ومن عطايا القيامة أنها:
1- سحقت الموت:
فمع أن الخطية نتج عنها حكم الموت، وهكذا "وضع للناس أن يموتوا مرة، وبعد ذلك الدينونة" (عب 27:9)، والموت هنا هو الموت الجسدى، وهو غير الموت الروحى أى الإنفصال عن الله، والموت الأدبى، إذ تهين الخطية الإنسان، فيسقط فريسة للشيطان، وحتى جسده يموت بالأمراض والكوارث والشيخوخة، كما يختلف أيضاً عن الموت الأبدى، العقاب النهائى للخطية، "تأتى ساعة حين يسمع جميع من فى القبور صوته، فيمضى الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 29:3). هنا الموت الرباعى انهزم، وسحق تماماً بقيامة المسيح إذ "أقامنا معه وأجلسنا معه فى السمويات" (أف 6:2).. فهو الذى قال: "من آمن بى، ولو مات فسيحيا" (يو 25:11).. "إنى أنا حىَ، فأنتم ستحيون" (يو 19:14.وهكذا انتهى الموت إلى الأبد، وصار هتاف المؤمنين: "أين شوكتك ياموت؟ أين غلبتك ياهاوية" هو 14:13.
2- هزمت الشيطان
إذ قال الرب قبل صلبه: "رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" (لو18:10)، كما قال أيضاً: "رئيس هذا العالم يأتى، وليس له فىَ شئ" (يو30:14). "الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً" (يو31:12).وهكذا لم يعد للشيطان الساقط سلطاناً على البشر، ما لم يعطوه هم هذه الفرصة. بل أن الرب طلب منا أن نقاوم إبليس... "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 7:4)، ووعدنا قائلاً: "إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً" (رو 20:16).لهذا فما أعجب الذين يسلمون أنفسهم بإرادتهم للشيطان، وهم يعرفون أنه "الحية القديمة"، "إبليس"، "المقاوم"، "عدو الخير"، "الكذاب وأبو الكذاب"!!!
وما أعجب الذين يخافون منه، فيظنون أنه قادر أن يؤذيهم بسحره وأعماله الشيطانية، وينسون قدرة الرب الساحقة وسلطانه المطلق على الكون، بكل ما فيه، وبكل من فيه!!
بل ما أعجب الذين يلجأون إليه لحل مشكلاتهم فى الزواج، وفى العلاقات، والمعاملات اليومية، لأنهم بهذا يعلنون عدم إيمانهم بالله، ويعطون الشيطان مكان المعبود والملجأ، وهو الذى يهلك تابعيه، ثم يقف ويقهقه فرحاناً بهلاكهم!! ناهيك عن أولئك المساكين الذين يعبدون الشيطان، فى ضلالة جديدة، زحفت على العالم، حتى وصلت إلى مصر!!
3-أبطلت الخطيئة
فالقيامة المجيدة كانت وسيلة خلاص الإنسان، لأن الرب يسوع "مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا" (رو 25:4). لأنه بفدائه العجيب:
أ- مات عوضاً عنا، فرفع العقوبة عن كاهلنا...
ب- وجدَّد طبيعتنا بروحه القدوس، فصرنا أبناء الله... "أما شوكة الموت فهى الخطية، وقوة الخطية هى الناموس" (1كو 56:15)... بمعنى أننا حينما نسقط فى الخطية، نصير تحت حكم الناموس الذى يقول: "أن أجرة الخطية هى موت" (رو 23:6). ولكن "شكراً لله الذى يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو 57:15)، الذى جعل الرسول بولس يهتف قائلاً: "أن الخطية لن تسودكم، لأنكم لستم تحت الناموس، بل تحت النعمة" (رو 14:6)، وهكذا أبطلت قيامة المسيح، سلطان الخطيئة علينا.
4- أثبتت ألوهية المسيح:
لأنه حينما قام الرب:
. بقوته الذاتية...
. وقام بجسد نورانى...
. وقام ولم يمت ولن يموت إلى الأبد...أثبتت هذه الأمور جميعاً أنه الإله الذى "ظهر فى الجسد" (1تى 16:3).كما أثبت الرب قوة لاهوته فى مواضع أخرى كثيرة، حينما أرانا:
1- سلطانه المطلق:
. على الموت... حينما أقام الموتى حتى وهو ميت على الصليب (مت 52:27).
. على المرض... حينما شفى أعتى الأمراض المستعصية (مت 18:9-26).
على الخلق... حينما خلق عيناً من الطين وحوَل الماء إلى خمر (يو 1:9-34 ، يو 1:2-11).
. على الأفكار... حينما عرف أفكار اليهود والتلاميذ دون أن يخطروه (لو 24:22).
. على المستقبل... حينما أنبأ بخراب أورشليم وصلب بطرس (مت 37:23-39).
. على الغفران... حينما غفر للمفلوج والزانية (لو 36:7، يو 2:8-11).
. على الشيطان... حينما أخرجه بكلمة وحتى بدون كلمة!! (لو 18:17 - مر 29:7).
. على الطبيعة.. حينما انتهر الرياح والموج ومشى على الماء وجعل بطرس يمشى عليه أيضاً (مت 26:8 - مت 28:14-32).
. على النبات... حينما لعن التينة فيبست من الأصول (مت 9:21 - مر 20:11).
. على الحيوان... حينما سمح للشياطين بدخول الخنازير (لو 18:17).
. على الجماد... حينما بارك الخبزات وأشبع الألوف (مت 19:14).
2- قداسته المطلقة :
فهو الذى "لم يعرف خطية" (2كو 21:5، 1بط 22:2)، وقد تحدى اليهود قائلاً: "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو 46:8)، فانسدت الأفواه، وانعقدت الألسنة.ومعروف أنه ليس هناك إنسان واحد بلا خطيئة... وقديماً قال باسكال: "إن وجدنا إنساناً بلا خطية، فهذا هو الله آخذاً شكل إنسان"... وبالفعل كان الرب يسوع بلا خطية، مما يؤكد ألوهيته المجيدة.
3- حياته الخالدة :
فالرب يسوع مولود منذ الأزل، "مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق" (قانون الإيمان). وبعد أن تجسد لخلاصنا، ومات وقام، ها هو حى إلى الأبد ولم يحدث فى التاريخ أن عاش إنسان بعد موته، حتى إذا ما أقيم من الأموات، فذلك لفترة بسيطة لمجد الله، ثم يموت ثانية. أما السيد المسيح فهو "الحياة"... أصل الوجود، وواجب الوجود، إذ "فيه كانت الحياة" (يو 4:1)، وهو الذى قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14)... "أنا هو القيامة والحياة" (يو 25:11).
4- فتحت لنا الفردوس:
لأن السيد المسيح حينما مات على الصليب، نزلت نفسه الإنسانية المتحدة بلاهوته إلى الجحيم، ليطلق أسر المسبيين هناك، الذين كانوا فى انتظار فدائه المجيد. لهذا يقول الرسول بولس: أن المسيح له المجد "نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى، ثم صعد إلى العلاء، وسبى سبياً، وأعطى الناس عطايا" (أف 8:4،9.كما يقول معلمنا بطرس: "ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن" (1بط 9:3).لهذا ترنم الكنيسة يوم القيامة قائلة:"يأكل الصفوف السمائيين،رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح،وابتهجوا معنا اليوم فرحين،بقيامة السيد المسيح،قد قام الرب مثل النائم،وكالثمل من الخمرة،ووهبنا النعيم الدائم،وعتقنا من العبودية المرة،وسبى الجحيم سبياً، وحطم أبوابه النحاس...".ولهذا أيضاً قال الرب للص اليمين: "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 42:23)... وتقضى الكنيسة ليلة سبت الفرح، بعد أن انفتح الفردوس، وهى تسبح للمخلص، وتفرح بالخلاص، وتتلو أناشيد الخلاص فى العهدين: القديم والجديد، ثم تقرأ سفر الرؤيا لترى شيئاً مما رآه الحبيب .!!
5- أعطتنا الجسد النورانى:
لأن الرب "سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (فى 20:3). فهذا الجسد الكثيف الذى نلبسه الآن، هو من التراب، ولكنه سيلبس صورة سمائية حينما يتغير، ويتمجد، ويصير روحانياً، نورانياً.وها أمامنا اللوحة المجيدة التى رسمها لنا معلمنا بولس الرسول حينما قال: "لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات فى المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين، سنخطف جميعاً معهم فى السحب، لملاقاة الرب فى الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس 16:3،17).وهو نفس السر الذى كشفه لنا الرسول بولس حينما قال أيضاً: "هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكن كلنا نتغير. فى لحظة، فى طرفة عين، عند البوق الأخير، فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمى فساد، ونحن نتغير. لأن هذا (الجسد) الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد، ولبس هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ابتلع الموت إلى غلبة" (1كو51:15-54).وهكذا "نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو 2:3). "ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو 18:3).وواضح أن التشابه هنا هو فى جسد القيامة، وما سيعطيه الرب إياه من قداسة وخلود، وليس فى شئ آخر، فسوف يظل الله هو الله، والبشر هم البشر، ولكن مجددين ومقدسين بالروح القدس.
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
08 مايو 2022
الشعب السائر... من الأرض للسماء
اليوم هو الأحد الثاني من الخماسين المقدسة، والكنيسة في الفترة بين الخماسين وحلول الروح القدس وضعت فيها تعليم خاص جداً، الشعب السائر من الأرض للسماء والمهاجر من الحياة الأرضية للحياة السماوية والذي ترك كل ما هو في العبودية ويذهب لما هو حرية، له نفس صورة العهد القديم الشعب الذي خرج من أرض مصر ودخل أرض الموعد، وأن كان العهد القديم له شكل الرمز ولكن يأتي السيد المسيح الذي حقق النبوة وفتح آفاق الحياة الحقيقية يكشف لنا عن تلك الأمور التي كنا نظن أنها أمور حياتية، كنا نظن أن المن النازل من السماء فقط ليأكل الشعب، وأن الحية النحاسية هي مجرد للشفاء، وأن عبور البحر الأحمر فقط لكي ينقذ الشعب من فرعون ولكن بعد مجئ السيد المسيح تلك الأمور كانت لها أعماق أخري، وكانت لها آفاق يعيش فيها الشعب في ظل الرمز إلي أن يأتي الحقيقة ليُستعلن الرمز حياً ، لذلك كان هذا الشعب مطالب في البداية أن يُعلن إيمان قوي وتمسك بوجود ربنا في وسطه، وأبتدأت الكنيسة تخبرنا أن ما بعد القيامة يجب أن يكون الأيمان بالمسيح هوالمدخل لكل النعم ولكل الأسرار الحقيقية التي نعيش فيها.
ـ تلمذي عمواس كانوا سيفقدوا وجودهم الأبدي حينما فقدوا الإيمان.
ـ توما كان سيفقد وجوده كتلميذ حينما فقد إيمانه.
يقول ماريوحنا: " أنه دخل والأبواب مغلقة" وهي تلك المداخل النفسية والعقلية التي لا نري فيها وجوده إلا بالأيمان، فحينما يدخل المسيح تنفتح تلك الأبواب وتنفتح آفاق الإيمان الداخلية.
ـ الأسبوع الأول يتكلم عن أن الإيمان هو مدخل الحياة الجديدة، حينما فقد شعب بني إسرائيل الإيمان فقدوا التمتع بوجود الله، هؤلاء الذين كانوا يروا يومياً عمود السحاب والنار والمن ولكنهم لو يستطيعوا أن يروا الله في وسطهم لأن عيونهم كانت مغلقة.
الإيمان يدخلنا إلي مفاعيل القيامة "أن آمنت ترين مجد الله" ، "طوبي لمن آمن ولم يري" فالإيمان يدخل الإنسان إلي تلك الحالة الجديدة التي يستطيع أن يري الله حقيقة، لا يظن أحد أن الإيمان يُعطي لشخص ولا يُعطي لآخر. يقول لتلمذي عمواس: "ايها الغبيان والبطئ الفهم" معني هذا أن الأمور واضحه "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" الصوت مُعلن ، إن لم تؤمن بالكتاب المقدس آمن بما صنعه عبر التاريخ، إن لم تؤمن بتلك الكلمات آمن بقوتها، كيف غيرت أشراراً، وفلاسفه غير مؤمنين.
قال السيد المسيح: "أنا هو القيامة والحق والحياة" الحق هنا هو الأعلان الشخصي، الحق هو الأستعلان الداخلي، وحينما يُعلن المسيح ذاته في نفوسنا يجب أن يكون هناك ردود حياتية منا، مارتوما بعد إعلان القيامة سجد وقال: ربي وإلهي وخرج يكرز بتلك الحالة الجديدة التي تلامس بها، وتلميذي عمواس خرجوا للعالم كله وكرزوا بالمسيح القائم من الأموات، والمجدلية خرجت كارزة، قد تكون أنت غير مطالب أن تخرج كارز للكلمة ولكن مطالب أن تكرز بالحق بوجودك وكلامك، مطالب أن تقيم الحق لمن حولك في عملك أو دراستك.
ـ كما لم يجد الشعب الخارج من أرض مصر إمكانية الحياة إلا في المن النازل من السماء كذلك نحن الخارجين من حالة الموت بالقيامة يكون طعامنا الحقيقي هو "الأفخارستيا" الشعب خرج من رحم الموت (ضربة الأبكار) ثم عبر البحر الأحمر نزل في جوف البحر ثم خرج، نفس فكرة المعمودية "نحن الذين اعتمدنا بموته" نخرج نحن القائمين من الأموات مع المسيح لنا طعام حقيقي مثلما قال مار أغناطيوس: "أن الأفخارستيا هي التي تعطينا الخلود" "من يأكل جسدي ويشرب دمي يحيا إلي الأبد" كلماته ليست كلمات تأملية ولكن كل كلمة تخرج من فم الله هي روح وحياة، وهي تحمل قوة تعادل قوة الخلق، بهذا الفم المبارك قال: "ليكن نور فكان نور" وبنفس الفم وبتلك القوة الخالقة يقول: "من يأكلني يحيا بي" فمن يأكل المسيح يحيا إلي الأبد، لآن كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي، الأفخارستيا ليست مجرد طعام يعطي مغفرة خطايا فقط ولكنه يغير أيضاً كيانتنا الداخلية. يقول القديس كيرلس الكبير: "الذين يتناولون الأفخارستيا بوقار وتقوي يخرجون إلي العالم كأسود تنفخ ناراً" المدخل هو الإيمان والعمق الداخلي هو قبول التغيير. نحن خارج الأفخارستيا أموات، نحمل نجاسة الخطية وقد نحمل في داخلنا أثواب كفن مائت، ثم ندخل ونقدم توبة وإيمان ورفض لوجودنا في هذا الموت ثم ندخل في عمق الحياة فندخل وكأننا قائمين من الأموات.
ــ والشعب الخارج في البرية لم يكن له إمكانية آرتواء إلا حينما ضرب موسي بعصاه الصخرة، وكانت الصخرة هي المسيح وكانت العصا هي الصليب، حتي ندرك أننا نرتوي آرتوائاً جديداً "من يشرب من الماء الذي أنا اعطيه لا يعطش إلي الأبد" يقول ماريوحنا كان يتكلم عن الروح.
ـ كل من طلب روح الله أخذ، هو قال: "اطلبوا تجدوا"، كيف تغير هذا الشرس العنيف "الأنبا موسي الأسود" وصار قديساً عظيماً ملقب بالقوي لآنه صار قوياً بالروح.
ـ ما بعد القيامة حياة جديدة وطعام جديد وماء جديد ونور، القيامة هي حالة ما بعد الموت، وبينما القبر والجحيم ظلمة يأتي المسح ويقول: "أنا هو النور" المسيح هو طهر العالم كله، حتي جهادك وأصوامك وصلواتك إن لم تكن في المسيح تكون كلها بلا معني وإلا كان جهاد البراهمة والهنود يخلصهم، ولكننا بالمسيح نجاهد قانونياً، المسيح هو كل نور فينا وكل عمق ندخله "سيروا في النور مادام لكم النور" "سراجاً لرجلي كلامك ونوراً لسبيلي" "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات".
ـ الأحد الخامس هو الطريق لآن في نهايته الصعود"هاأنا ذاهب لأعد لكم مكان"، وكما تبعه الشعب في البرية حتي قادهم لأرض الموعد نتبعه نحن أيضاً بكل قلوبنا "لنا ثقه يا أخوتي بدخولنا إلي الأقداس بدم يسوع المسيح طريقاً كرسه لنا" كل يوم لا ندخل في شركة الحياة مع المسيح نفقد خطوة من هذا الطريق، لأن الخطية توهان وضياع طريق ووجود، بينما المسيح مستعد أن يعيد كل شئ مرة أخري إلي حالتنا الأولي بل أفضل.
ـ الأحد السادس: في نهاية الحياة ماذا تعطي عنواناً للحياة نحن المنتصرون، المسيح غلب لأجلك، المسيح هو القائم والمنتصر ويأخذنا في أحضانه لننتصر نحن أيضاً "في العالم سيكون لكم ضيق لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم".
لذلك آي إنسان يشعر بكآبه أو أنهزام أو ضعف هو لا يري المسيح، لآننا حتي لو كنا ضعفاء ولكن نحتفظ بوجوده في داخلنا يعطينا قوة، وإن كنا نسقط ونقوم ولكننا في المسيح يعطينا قوة.
ـ الأحد السابع: الذي صار في هذا الطريق لأبد أن يأخذ قوة الروح القدس "الكلام الذي اقوله هو روح وحياة"، "إن كنتم قد قمتم مع المسييح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس".
لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين
القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
07 مايو 2022
إيماننا بقيامة السيد المسيح
نحن نحيا قيامة السيد المسيح وثمارها طوال أيام الفصح من يوم القيامة وحتى عيد حلول الروح القدس وفي أيام الاحاد وفى باكر كل يوم نتذكر قيامة الرب يسوع، ونحن ابناء القيامة والمسيح القائم من بين الأموات، الذي مات من اجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا. لقد انتصرالمسيح بقيامته علي العالم والشيطان وسلطانه والموت وسطوته ووهب الحياة للذين في القبور. قام الرب يسوع المسيح منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، وليحيينا حياة أبدية بقيامته المجيدة. ان الله الكلمة المتجسد، الذي سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بسقوطها فى الخطية بارادتنا وحريتنا، برحمتة الغنية أراد لنا بالإيمان به وبقيامته ان نقوم معة في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. ومن بين عطايا القيامة الكثيرة فى حياتنا انها تجعلنا نحيا فى حياة السلام والقوة والفرح والرجاء والحياة الأبدية.
القيامة وحياة الإيمان ....
أول فاعلية لقيامة المسيح هي الإيمان به ربا ومخلصا وواهب الحياة الأبدية للمؤمنين به، فكما قام المسيح وغلب الموت فاننا سنقوم معه ونرث الحياة الأبدية وكما قال القديس يوحنا إن القيامة والآيات الأخرى التى صنعها يسوع قد كُتبت ليكون لنا حياة أبدية { لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه} ( يو 31:20). { من يؤمن بى فله حياة أبدية} (يو 47:6) { من يسمع كلامى ويؤمن… فله حياة أبدية ولا يأتى إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة} (يو24:5) وكما قال السيد المسيح لمرثا { أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيًا ويؤمن بى فلن يموت إلى الأبد} (يو26،25:11). ومن يؤمن بالمسيح ينال حياة أبدية تجعل روحه لا تموت، أما الجسد فبالتأكيد سيموت لكى يقوم فى حالة المجد فى القيامة العامة. لقد أتخذ التلاميذ من الإيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات. لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع} (1كو 15 : 20،14). لقد أحب الله العالم ومن أجل خلاصنا بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل لتكون له الحياة الأبدية { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية }(يو 3 : 16). وقيامة المسيح ووعودة للغالبين بالحياة الأبدية تجعلنا نشتاق ونجاهد للوصول للسماء { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن امام شهود كثيرين }(1تي 6 : 12). المؤمن يشتاق إلي شيء أكبر من العالم، وأرقي من المادة، وأعمق من كل رغبة أو شهوة يمكن أن ينالها علي الأرض. لقد نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة، واعتبروا أنفسهم غرباء في العالم، يشتاقون إلي وطن سماوي، وإلي حياة روحية خالدة. حيث نلبس أجساد روحانية نورانية ممجدة علي مثال جسد المسيح الممجد والقائم وسنكون كملائكة الله { لانهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء} (مت 22 : 30).
القيامة نبع للسلام ..
شتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب . كانوا في خوف في العلية والأبواب مغلقة عليهم ولكن دخل الرب يسوع اليهم وقال لهم سلام لكم (و لما كانت عشية ذلك اليوم وهو اول الاسبوع وكانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع و وقف في الوسط و قال لهم سلام لكم). (يو 20 : 19) . تحول الخوف الي شجاعة، والضعف الي قوة، والارتباك الي سلام، وجال الرسل يكرزون ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من اجل تبريرنا. ان كل من يؤمن بالقيامة مدعوا الي حياة السلام (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة. ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله ، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة.ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا}( رو31:8-38).
القيامة مصدر قوة للمؤمنين ...
فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر علية الرب بصليبة وقيامتة، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي اخزت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور(وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم). (اع 4 : 33). أخذنا قوة القيامة وكثمرة لها حلول الروح القدس وثمارة فلا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير (لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية و السامرة و الى اقصى الارض). (اع 1 : 8). هكذا راينا أبائنا وأخوتنا الشهداء يقدموا دمائهم علي مذبح الحب الالهي ويشهدوا لقوة إيمانهم بمن مات من اجلهم . لقد أعطانا الرب القائم من الأموات قوة من العلاء { ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء} (لو 10 : 19). نحيا على رجاء مجئيه الثانى { وحينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة ومجد} (مر 13 : 26). نحيا شهود للقيامة ونثق فى وعود الرب الحى الى الابد { فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا } (مت 14 : 27). قوة قيامة المسيح تغلب رائحة الموت والمرض والضعف وتعطي توبة وقيامة للأموات في الخطية وتحيي المائتين وتهبنا نصرة علي الموت وحياة أبدية سعيدة وكما قام المسيح فايماننا أكيد أن احبائنا الذين أنتقلوا ارواحهم في السماء تسبح في فرح ونور القيامة كملائكة الله في أنتظار للقيامة العامة ليقوم الجسد أيضا ويتحد بالروح ونحيا في أجساد روحانية نورانية ممجدة. لقد حطم السيد المسيح بقيامته شوكة وسطوة الموت ووهب المؤمنين الثقة والرجاء فى الحياة الأبدية، حتى قال القديس بولس الرسول "أين شوكتك يا موت؟ " لقد تحطم الموت، وأصبح لا مستحيل. وبالموت داس المسيح الموت ووهب الحياة للذين فى القبور.إن القيامة أعطت الناس قوة جبارة. وإذ تحطم الموت أمامهم، تحطمت أيضًا كل العقبات، وأصبح لا مستحيل. بالقيامة اصبح المؤمن لا يخاف الموت بل يقول مع القديس بولس { لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، فذال أفضل جدًا} (في 1 : 23). ويتحقق لنا ما وعدنا به الرب { أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن أعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إلي. حتى حيث أكون أنا، تكونوا أنتم أيضًا} (يو 14: 2، 3). أننا نثق في وعود الله الأمين التي تهبنا قوة لا تضعف في مختلف ظروف الحياة.
أفراح القيامة ....
فرح القيامة يغلب ضغوط الحياة واحزان العالم ومتاعبه ويتغلب علي الخطية والضعف والموت فالمؤمن يحيا في فرح بخلاص المسيح كل حين ويستمد فرحه لا من الظروف ولا من تمتع وقتي بعلاقات او اشياء بل من المسيح القائم ومن إيمانه الحي الواثق بان الله يرفعه ويعبر به ضيقات وتجارب الحياة وينقيه ويكمله ويجمله ليجعله لائق لمملكة السماء. نفرح أن الله معنا كل حين وهو لنا في الضيق معين، ولنا ملجأ حصين به نحيا دوما فرحين. لقد أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح. السيد المسيح قال لتلاميذه قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) (يو 20:20). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة .هكذا راينا الرسل بعد ان تعرضوا للأضطهاد امام المقاومين ( اما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه} (اع 5 : 41). وهكذا يوصينا الإنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة ( فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة)(رو 12 : 12). القيامة معجزة مفرحة لأن بها تكمل الحياة، وينتصر الإنسان علي الموت ويحيا إلي الأبد. الحياة الأبدية والخلود هي حلم البشرية التي يهددها الموت بين لحظة وأخري، الإنسان حياته قصيرة علي الأرض، وبالرغم من قصرها فهي مملوءة بالمتاعب والضيقات، لذلك كم يكون فرح عظيم للإنسان أن يتخلص من التعب ومن الموت، ويحيا سعيد في النعيم الأبدي كملائكة الله.
القيامة والتوبة...
إيماننا بقيامة السيد المسيح يجعلنا نحيا حياة التوبة كابناء لله وأن حدث وسقط المؤمن فى الخطية لضعف بشري عليه أن يتوب. فالرب عندما كلم التلاميذ قبل صعوده عرّفهم أنه ينبغى أن يكرز باسمه للتوبة { أن يُكرز باسمه للتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم} (لو47:24). وعندنا سُئل بطرس يوم الخمسين من الجموع ماذا يفعلون لكى يخلصوا أجابهم { توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس } (أع38:2). فالذى ينال نعمة الحياة والخلاص بالمعمودية فى طفولته يحتاج إذا فقد شركة الحياة مع المسيح أن يستعيد فاعلية القيامة التى حصل عليها في المعمودية بالتوبة وهذا أيضًا مجال لعمل الروح القدس فالتوبة هى معمودية ثانية كما قال مجمع قرطاجنة فى القرن الرابع. إذ بالتوبة يتجدد فينا فعل الروح القدس الذى قد حصلنا عليه أولاً فى المعمودية. وكما يقول القديس أنطونيوس: ( إن الروح القدس المعزى المأخوذ فى المعمودية يعطينا العمل بالتوبة ليردنا ثانيةً إلى رئاستنا الأولى). التوبة الصادقة والرجوع بقلب مخلص إلى المسيح تفيض عطية الروح القدس فى القلب من جديد. فعندما يستجيب الإنسان لنداء التوبة ويرجع تظهر فيه جدة الحياة الكامنة فيه بعمل الروح القدس. ويبدأ الإنسان يعيش الحياة الجديدة مرة أخرى، هذه الحياة التى هى حياة المسيح القائم من بين الأموت.
القيامة والرجاء ...
القيامة تغلب ظلمة وظلم العالم وتهبنا حياة الرجاء فنحن فرحين في الرجاء صابرين في الضيق ومواظبين علي الصلاة. لنا رجاء في المسيح الحي انه يخلصنا من الخطية والمرض والضعف والخوف ويهبنا قوة القيامة وبركاتها وجسدها الممجد ونجاهد في رجاء ان الله ليس عنا ببعيد بل يتألم مع المتالمين ويجوع مع الجائعين ويعاني مع المضطهدين ويدافع عنهم فهو الله القادرعلي كل شئ ويقدر ان يهب عزاء وصبر وهو الذي خرج غالبا ولكي يغلب بنا وفينا ومعنا. سر القيامة يسري في كنيستنا واعضائها لتعيش للابد شاهدة للمسيح. نحن ابناء كنيسة حية تقدم شهادة حية مختومة بدم شهدائها انها تحب مخلصها وتحمل صليبه لتقوم معه وربها قادر ان يمنحها سلام ويحفظها وسط أتون النار ويهبها صبر في الآلام ورجاء في الظروف الصعبة ومحبة للجميع وعمل الخير والرحمة حتي مع المقاومين فمن قوة القيامة نستمد قوة لنشهد للمسيح ونحيا بلا عيب كانوار تضئ ويأخذ الله بيدنا في طريق الفضيلة والبر والقداسة لنكون سفراء للملكة السماء ولنا في القديسين الذين سبقوا قدوة وعزاء ونحن ناظرين الي رئيس إيماننا ومكمله الرب. القديس بطرس الرسول يقول إن الله ولدنا ثانية لرجاء حى بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات (1بط3:1). فبقوة القيامة يتوّلد فينا رجاء حار من جهة الميراث الذى لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل الذى هو ميراث الملكوت السماوى المحفوظ لنا. وهذا الرجاء النابع من قيامة المسيح يتحدث عنه القديس يوحنا ذهبى الفم فى عظته عن قيامة الأجساد، إذ يشرح معلقًا على قول الرسول بولس { عالمين أن الذى أقام الرب يسوع سيقيمنا أيضًا ويُحضرنا معكم.. لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا} (2كو 14:4، 16). إن إنساننا الخارج يفنى أى جسدنا يضمحل طالما نحن فى غربة هذا العالم، ولكن بينما نحن نسير فى حياتنا وتقابلنا ضيقات وصعوبات وآلام تساهم فى اضمحلال الجسد أى إنساننا الخارج الذى يفنى، نستمد من قيامة المسيح رجاءً وقوة. إن رجاء القيامة يجدد إنساننا الداخلى فى وسط هذه الآلام والضيقات { لأن الذى أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضًا} (2كو 14:4) وهذا يعنى أنه من الآن وقبل القيامة الآتية فإننا ننال مكافأة احتمال الأتعاب وتتجدد النفس فى وسط الضيق وتصير أكثر قوة وأكثر إشراقًا.
الحياة المقامة فى الرب ..
قيامة الرب يسوع من بين الأموات علينا أن نحياها ونجني ثمارها، نحيا في إيمان ولنا سلام وفرح ورجاء في المسيح وكما سار ابائنا الرسل علي درب سيدهم مقتدين به علينا أن نعرف المسيح وقوة قيامتة وشركة الآمه. وأثقين في أن الله قادر ان يقودنا في موكب نصرته لنحيا إيماننا ونشهد له لنكون شهود للقيامة ودعاة سلام وعدل وحرية ونبذل من وقتنا واموالنا وحياتنا في خدمة الجميع ومحبة الأخرين فقوة القيامة تعمل فى تحرير المؤمن من الأنانية وحب الذات الى المحبة الأخوية والعطاء. فالرسول يوحنا يعلمنا أن الدليل والبرهان على قيامتنا مع المسيح هو محبة الاخوة، إذ يقول { نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الاخوة… من لا يحب أخاه يبقى فى الموت} (1يو14:3). فالبرهان على أن قيامة المسيح عاملة هو قوة المحبة التى غلب بها المسيح الموت بأن بذل ذاته فداءاُ عنا.
نعمل على المشاركة الإيجابية والفاعلة والمستمرة فى بناء مجتمع تسوده روح القيامه والفرح والقوة والسلام . إن قيامة السيد المسيح ، سكبت علي البشرية قوة القيامة ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا القيامة { فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله}. (كو 3 : 1). أننا نصلى معكم للذى أبطل الموت وانار لنا الخلود والحياة ان يشرق فينا بشمس بره لنرى ونعاين ونحيا أمجاد القيامة وسلامها وافراحها وقوتها ورجاء الحياة الإبدية .
نصلي للمسيح القائم ...
نصلى ليهبنا الله قوة القيامة التي تهزم الخطية وتطرد روح المرض، ونصلي من المرضى لينعموا بالشفاء ومن رقدوا ليحيوا كملائكة الله ومن أجل أسرهم لينعموا بالعزاء والصبر ومن أجل كل نفس لتقوم من سقطاتها وتحيا النصرة على الخطية والشر والفساد وعلى كل أغراءات العالم الشرير حتى نعاين أمجاد القيامة وحياة الدهر الاتى .
نصلى من أجل الكنيسة، الرعاة والرعية لتعيش كنيستنا بمؤمنيها ثمار القيامة وأفراحها وليفتح الله أبواب الكنائس أمام المؤمنين ويخلص ويقدس الله شعبه، لنكون ابناء القيامة والفرح والسلام ونحيا على رجاء حياة الدهر الأتى .
نصلى من أجل بلادنا والعالم ليقوم من الوبأ والتباعد وتعود عجلة الأنتاج تعمل من جديد وننجح بقوة القيامة فى عبور الصعوبات لنصل الى حياة السلام والأمان والعدل والمساواة والرخاء والحرية. ليحيا كل مواطن إنسانيته وكرامته ونساهم جميعا فى خلق مجتمع أفضل يأمن فيه الناس على حياتهم ومستقبلهم، أمين .
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
06 مايو 2022
فرح التلاميذ إذ رأوا الرب
عندما ظهر السيد المسيح للتلاميذ في مساء أحد القيامة، وأعطاهم السلام، وأراهم يديه وجنبه.. يقول الإنجيل: "فرح التلاميذ إذ رأوا الرب" (يو20:20).فما هي أسباب هذا الفرح؟ وكيف نتمتّع نحن أيضًا معهم بهذا النوع من الفرح؟
لعل فرح التلاميذ كان لأنّهم:
أوّلاً: رأوا قوّة المسيح التي انتصرت على الموت.. على الرغم من الجراحات الخطيرة والعذابات المُميتة التي تعرّض لها.. ولكنّ قوّته غلبت كلّ هذا وقام مُنتصِرًا.. وهذا شيء مُفرح جدًّا لنا أنّنا نتبع هذا الإله.نحن ننتمي إلى إله قوي لا يُغلَب، ويمكننا أن نصير أيضًا أقوياء فيه كما أوصانا الإنجيل "تقوَّوا في الرب، وفي شدّة قوّته.." (أف6: 10). لقد هزم السيِّد المسيح الموت عدوّنا الشرس الذي كان يبتلع الألوف كلّ يوم في جوفه بلا رحمة وبلا عودة، ولكنّه عندما حاول أن يبتلع السيِّد المسيح أيضًا داسه الربّ وكسر شوكته، وخلّص الأبرار من جوفه، وارتقى بالبشريّة المؤمنة به إلى مستوى تحدِّي الموت بعد أن نقل إليها قوّة الحياة الجديدة التي لا يغلبها الموت عن طريق جسده ودمه ووصاياه.. فصار الموت بالنسبة لنا مُجرّد انتقال، وأصبح اشتياقنا هو أن ننطلق لنكون على الدوام مع المسيح القائم، ذاك أفضل جدًّا..!
ثانيًا: رأوا مقدار حبّه الهائل.. والذي تجلّى في جراحاته التي احتملها من أجل تتميم الخلاص.. فقد حرص السيِّد المسيح على كشف جراحاته للتلاميذ، ليس فقط لكي يؤكِّد لهم شخصيّته، ولكن أيضًا لكي يلفت نظرهم لعظيم حبِّه الذي جعله يحتمل كلّ هذه الآلام من أجلهم.. ونحن نعلم أن غالبيّة التلاميذ لم يكونوا عند الصليب ولا شاهدوا جراح الجَلْد أو المسامير أو الطعن، بل مجرّد سمعوا عنها من بعض الذين شاهدوها.. أمّا أن يشاهدوها الآن ويتلامسوا معها فهذا يُشعل القلوب بمحبّة الفادي الذي اجتاز معصرة الآلام حُبًّا فينا..!
ثالثًا: رأوا أنّه في وسطهم ولم يتركهم.. فقد ظنّ التلاميذ عند أحداث الصليب أنّهم قد فقدوا السيِّد المسيح؛ الراعي الحلو، والصَّديق القائد، والمعلِّم الأمين، صاحب السلطان الهائل مع القلب المملوء بالحُبّ.. ولكن ها هو الآن بعد القيامة قائم في وسطهم يعطيهم السلام، ولم يستطِع الموت بكلّ جبروته أن يفصله عنهم.. كما أكّد لهم الرب أيضًا أنّه سيكون معهم كلّ الأيام وإلى انقضاء الدهر (مت28: 20)، لذلك كان فرحهم عظيمًا.. وتحقَّق الكلام الذي قاله لهم السيِّد المسيح ليلة الصليب "لا أترككم يتامى، إنِّي آتي إليكم" (يو14: 18)، "سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم" (يو16: 22).في الحقيقة إنّ الإنسان بدون السيد المسيح يكون مثل اليتيم؛ يفتقر للطمأنينة والعزاء والحُبّ والحماية والسَّنَد والإرشاد والقوّة.. أمّا مَن يقتني الربّ يسوع في حياته فقد امتلك الحياة كلّها، وصار غنيًّا في كلّ شيء.. ولا ننسى أنّ الذي يختار أن يتبع السيِّد ويكون تحت قدميه، فقد اختار النصيب الصالح الذي لنّ يُنزَع منه أبدًا (لو10: 43).. فلو تعلّق الإنسان بأيّ شيء في العالم وأحبّه، لابد أن يأتي يومٌ تعيس يفقد فيه الإنسان ما قد أحبّه وارتبط به في العالم.. أمّا مَن تعلّق بالمسيح واختبر عِشرته فقد أمسَكَ بالحياة الأبديّة، وتذوّق حلاوة الحُب الحقيقي المُشبِع الذي ينمو بلا انقطاع إلى ما لا نهاية..!
رابعًا: رأوا أن الحياة قد انتصرت على الموت، والبِرّ انتصر على الشرّ، والحقّ انتصر على الباطل.. وهذا البُعد الإيجابي للقيامة يثير في الإنسان مشاعر فرح عظيمة.. فكم يحزَن الإنسان عندما يسمع بانتصار الشرّ والكذب والتلفيق في موقف من المواقف.. وبعكس ذلك كم يفرح عندما يرى تحقيق العدالة في قضيّة من القضايا.. لذلك فإنّ قيامة المسيح قد أكّدَت أنّ الحقّ هو الذي سينتصر في النهاية.. لهذا فرح التلاميذ جدًّا بهزيمة الموت والظُّلم والكراهية، وانتصار الحق والعدل والحُبّ.. فالسيِّد المسيح بقيامته أخرج الحقَّ إلى النُصرة تحقيقًا للنبوّة التي جاءت عنه في سِفر إشعياء وأكّدها القديس متى في إنجيله "... يُخْرِج الحقَّ إلى النُّصْرَةِ، وعلى اسمه يكون رجاء الأمم" (مت12: 20-21).هذا الفرح الذي فاض في قلوب التلاميذ عند رؤيتهم للمسيح المُنتصر على الموت، لا يزال يسري في الكنيسة حتّى الآن.. ويفيض في كلّ قلب تعلّق بالمسيح، وقَبِلَ أن يموت معه ويقوم معه في المعموديّة، وارتضى أن يسير معه طوال حياته في الطريق الضيِّق حاملاً الصليب، متغرِّبًا عن العالم، منتصِرًا على كلّ إغراءاته.. هنا يأتي المسيح القائم ويُظهِر نفسه لمثل هذا الشخص، ويعطيه السلام، فيفرح فرحًا عظيمًا جدًّا لا يُمكن وصفه بأي لغة بشريّة..!!
القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشكاجو
المزيد
05 مايو 2022
شخصيات الكتاب المقدس سارة
سارة
«إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر... قولي إنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك»
مقدمة
لا أعلم أن هناك إنساناً على الأرض يتمنى في حياته أن يكون دميمًا، أو عاطلاً من أي جمال، إذ يحب كل مخلوق في الأصل، أن يكون جميلاً، والجمال هو الأساس في هذا الكون، في الطبيعة والحياة، لأنه خرج من إله جميل، يعكس صورته الرائعة فيما يبدع أو يصنع، ولذا لا عجب أن تكون الكلمة المتكررة في قصة الخلق «ورأى الله كل ذلك أنه حسن» كما ختمت بالقول: «ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا».وما اقترب مخلوق أو إنسان من الله، الا وأضحى جميلاً، كمثل ما وصل إليه موسى من جمال أخاذ، مبهر، غير عادي، بعد أن صعد إلى الله، وبقى في حضرته العلية هناك أربعين يومًا في الجبل المقدس، والإنسان، وقد تملكه على الدوام حب الجمال، لا يألو جهداً - يدري أو لا يدري - أن يكون أشبه بالكاتب الفرنسي الكبير ديماس الذي إذ ولد أسمر اللون، أصر على أن يعيش أبيض بما يضفي على حياته من جمال وجلال وشخصية، ومن ثم نرى الناس تهرب من القبح، وتحاول أن تخفي البقع أو العيوب، بالمحاولات التي لا تنتهي من أسباب التزيين والتجميل، في المظهر والملبس، وما أشبه مما تراه في كل زمان وكل مكان حيث يوجد الناس على ظهر هذه الأرض...وإذا كان الجمال قد أحدث هذا الأثر أو الجهد في حياة الناس، فإنه يقف من الوجهة الأخرى، وراء أقسى ما عرفه الإنسان من تجارب وخطايا وأثام وآلام ومجازر وحروب في التاريخ البشري.. ومن الغريب أن الناس تقرأ قصة سارة الجميلة، والجميلة جدًا، دون أن تتلفت أو تتأمل في أثر هذا الجمال من وجهتيه القويتين في حياتها.. وأغلب الظن أنهم يفعلون ذلك، لأن جمال سارة رغم أنه مفتاح حياتها ومحور كيانها وشخصيتها، إلا أنه دائمًا يقع في الظل، إذ أن شخصية إبراهيم زوجها، لم تعط الناس الفرصة الكافية الكاملة، للتحديق، والتدقيق، في هذا الجمال الأنثوي الرائع، ولعلنا اليوم نستطيع أن نتأمله كما جاء في القصة الكتابية من ثلاث وجهات.
سارة وروعة جمالها
مما لا شبهة فيه أن سارة كانت واحدة من أعظم الجميلات اللواتي ظهرت على هذه الأرض، والشيء العجيب والمثير حقًا، أن المصورين لم يتعرضوا بأعمال الخيال، في صورهم التي خلدوا بها بعض السيدات، أمام عقول وأفكار الناس، لأم المؤمنين، ليخرجوها في هذه الصورة أو تلك، على ما كانت عليه من جمال أدار الرؤوس، في كل مكان ذهبت إليه، وقد يكون هذا كما أشرنا، إلى وجودها على الدوام، في ظل زوجها، الذي استرعى كل الانتباه، كما أنها في طبيعتها، وعلى عكس المألوف في الجميلات، كانت لا ترغب في الظهور، أو لفت النظر إلى هذا الجمال إذ هي ساكنة إلى خيمتها، منزوية فيها، لا تظهر أمام الآخرين، كما جاء في جواب إبراهيم على سؤال مولاه: «أين سارة امرأتك، فقال ها هي في الخيمة».ومهما كان الأمر فمما لاشك فيه إنها كانت واحدة من أجمل بنات جنسها في عصرها، وفي كل العصور كان جمالها، الجمال الكلداني الذي جاء من وراء آرام النهرين، الجمال الذي كان يلفت النظر لكل من يقترب منه أو يتطلع إليه، الجمال الذي كان ولاشك معروفًا لديها، فلم تكن تجهل حقيقة جمالها، أو عظمة هذا الجمال، الجمال الذي كان يدركه إبراهيم إدراكًا عميقًا في قوله: «أني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر».... الجمال الذي رآه المصريون: «فرأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون».. أو هو الجمال الذي لم يكن في نظرهم يليق بأقل من الملك نفسه، كما أن أبيمالك ملك جرار كان على ذات الفكرة عندما رآها «وأراد أن يتخذها لنفسه زوجة»... على أي حال فان المرء لا يمكن أن يمر بقصتها، دون أن يذكر في الحال، أنها من ذلك الصنف الطويل المبهر الذي لا ينتهي، في الجميلات المؤمنات، اللواتي أعدن الجمال إلى صاحبه، وخالقه، وكرسنه في الحياة أو الموت لمجد الله،.. عندما وقف الضابط الروماني في قصة اندروكليس يحاول أن يمنع الفتاة المسيحية من الاستشهاد، وهو يقول إن جمالها هذا لا ينبغي أن يذهب نهبة الضياع، والهلاك، والموت، وهي تتعلق بأمل، قد لا يكون موجودًا عن عالم آخر! أما هي فقد أجابته بنبل وشهامة.. إن الله استولى على جمالها!! وإنها ستذهب إليه، لأنها ستجد هناك جمالاً أبهر وأعظم وأمجد!! وكانت الفتاة على حق، فإن جمال الجسد أي جسد كان، هو لله، قبل أن يكون لصاحبته، أو لزوج من الأزواج بين الناس، وأن هذا الجسد، مهما بلغ من الروعة والعظمة والمجد، سيبقى جسدًا ترابيا حيوانيًا، حتى يبلغ ما ذكره الرسول في قوله: «وأجسام سماوية، وأجسام أرضية لكن مجد السموات شيء ومجد الأرضيات آخر... هكذا أيضًا قيامة الأموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد، يزرع في ضعف ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا».. وهذا ما تعرفه المسيحية بخلاص الجسد.. فإذا كان المسيح يخلص أرواح المؤمنين، غداة انتقالها من الجسد إلى الله، فان خلاص الجسد ومجده الأعظم لابد أن يتحقق في صبح القيامة في اليوم الأخير!! واذا عن لواحد أن يسأل عن الفرق بين هذا وذاك، ونسبة الامتياز في الأخير عن الأول من حيث الجلال والمجد، فعليه أن يذكر ما أشار إليه الرسول بولس من فارق بين حبه الحنطة والشجرة الجميلة الخضراء المثمرة والمنبثقة عنها... على أن سارة كانت إلى جانب جمال شكلها، على حظ وافر وكبير من جمال العقل، قال أحدهم إذ قرأ بعض كتابات جون رسكن، يا لهذا الرجل من عقل جميل، ومع أن سقراط كان دميم الخلقة، إلا أنه كان جميل العقل جبار التفكير، والمرأة التي تجمع إلى جمال شكلها، جمال العقل،.. تعتبر بحق امرأة ممتازة بين الناس،.. وجمال سارة من هذا القبيل، إنها عاشت على الدوام تأخذ مكانها إلى الخلف من إبراهيم تطيعه داعية إياه سيدها، ولم يكن هذا مما يقلل مركزها، أو يفقدها مكانتها من الإجلال والاحترام، بل بالحري، يعظمها ويكرمها، وفي الوقت نفسه ينظم العلاقة الوظيفية بينها وبين زوجها، فيأخذ هو مركز القيادة، وتأخذ هي مركز الدفع الخفي والخلفي، المتاح لها، في دفع القافلة إلى الأمام، في الرحلة التي خرج كلاهما ليكونا رائديها وأبويها على مر العصور والأجيال، وقد كان إبراهيم الرحالة الأول في سبيل الإيمان، سعيدًا كما قال أحدهم: لأنه في رحلته الخالدة لم يجد امرأة تكثر الأسئلة وهو ينقل من مكان إلى مكان، ولا ينبغي أن يتصور أحد أن مرجع هذا كله، أنها كانت ضحلة التفكير سطحية التأمل، بل على العكس تمامًا أن تفكيرها وذكاءها، كانا محسوبين عليها، كما سنرى فيما بعد، عندما دفعت هاجر إلى حضن إبراهيم، فسقطت فيما يسقط فيه الأذكياء من الاعتماد على الفكر أو الرأي، دون الانتظار لإرادة الله الأعلى والأسمى، وفي غير هذا الأمر، كانت وستبقى المثل العظيم، للمرأة الفاضلة التي تبني بيتها، بالحكمة المضاعفة، حكمة من يعمل ولا يظهر ويدفع ولا يبين، ويؤثر ولا يفتخر،.. زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض، كما يقول الحكيم سليمان، وليس مهملاً أو متروكًا أو منتقص القدر أو الكرامة، كما تفعل الكثيرات من الجميلات، تعاليا أو كبرا أو بدعوى أن الزوج ليس مثل إبراهيم في قوة الشخصية، أو عظمة حياته، أو جلال تدبيره، اذ أن هذا الفرض أن صح وجوده، لا يبرر ظهور امرأة على الرجل، أو دفعه إلى الخلف بأية حركة، بل العكس هو الصحيح، اذ يضاعف من جهدها، في تغطيته بحكمة، متى ظهر منه النقص والعورة والضعف والقصور، وكم لعبت نساء حكيمات مثل هذا الدور في كل العصور، حتى يقال بحق خلف كل رجل عظيم امرأة عاقلة!! على أن جمال الروح أعظم من جمال البدن، والعقل عند هذه الأم العظيمة القديمة!!.. قالت الفتاة المأخوذة بروعة جلستها مع سيدة عظيمة: يا سيدتي إني مستعدة أن أعطي العالم كله، إذا كان لي أن أحصل على مثل هذا البهاء والجمال المتوفرين لشخصك، والظاهرين في حياتك والمرسومين على وجهك، وأجابت الأخرى بكل هدوء ورصانة! وهذا يا بنيتي، هو الثمن الذي دفعته بالضبط للحصول على ذلك، وما من شك بأن سارة يحق لها أن تقول مثل هذا القول إذ إن جمال روحها كان واضحًا من اللحظة الأولى التي خرجت فيها مع زوجها العظيم في رحلته الخالدة، إلى حيث لا يعلم إلى أين يأتي، ولا شبهة في أنها وهي تطوح بالعالم القديم خلفها، لتكون أما لجميع الخالدين من المؤمنين، كانت تكشف عن روح من أجمل الأرواح التي عاشت على ظهر الأرض بين الناس، كانت سارة واحدة من أعظم الحالمات بالرؤى العظيمة، اذ عاشت سنوات طوالاً، تحلم برؤيا أمم وممالك وشعوب، تخرج من أحشائها وتبارك كل الأرض، وما من شك بأن هذه الرؤيا رسمت، تدري أو لا تدري، أروع وأمجد مظاهر الجلال والجمال في حياتها ونفسيتها العظيمة، وليس هناك فيما أعتقد، ما يعطي الإنسان جمالاً، أو يضفي عليه من مسحة نورانية قدر تملكه لرؤيا عظيمة، أو حلم كبير! ان الرؤيا أو الحلم يصنع للإنسان جناحين عظيمين يحلق بهما على ارتفاع من كل ضيق أو سأم أو ملل أو تعب أو شك ويرقي به فوق كل ما يعكر النفس، ويهزم المشاعر، ويحطم الآمال، وأصحاب الشباب الخالد، هم الذي علت أحلامهم على واقع الحياة المضطربة بالمآسي والمفشلات والمتاعب والدموع، كانت سارة امرأة غنية ولو قيس ما عندما من ذهب وثروة بمقاييس عصرنا الحاضر، لكانت من أولئك الذين يطلق عليهم في عالمنا بأصحاب الملايين، لكني اعتقد أن غناها الحقيقي لم يكن فيما تملك من مادة، بل فيما وصلت إليه من إيمان، اذ قيل: «بالإيمان سارة نفسها أيضًا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت اذ حسبت الذي وعد صادقًا».. كانت سارة غنية في روحها بالإيمان بالله!.وإلى جانب هذا كله لم تعرف المرأة الجميلة قط، حياة الشموخ، أو التعالي، أو الكبرياء، بل على النقيض كانت زينتها الحقيقية الروح الوديع الهادي، الذي هو قدام الله كثير الثمن، كانت هذه المرأة - اذا جاز التعبير - ذات جسد من لجين، أو فضة كما يقولون، وعقل من ذهب، وروح درية، ينطبق عليها حقًا قول الحكيم القديم «امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآليء».
سارة وتجارب جمالها
وهل يمكن أن يوجد في الوجود جمال، دون أن يخلق في عالمنا هذا، عالم المتناقضات، الكثير من المتاعب والتجارب، ولعل أول تجربة لهذا الجمال تجربة القلق والخوف، كان إبراهيم كرحالة، يخشى، كما هو متصور، من الاعتداء على كل ثمين وغال عنده،... إذ ليس لمعدوم أن يخشى متابعة سارق أو مطاردة لص ولكن إبراهيم لم يكن معدمًا، بل كان رجلاً واسع الثراء، غنيًا جدًا، على أن أغلى ما كان يملك، لم يكن متاعا أو شيئًا، بل شخص زوجته الجميلة الحسناء، اذ كانت هي وحدها في كفة، وكل ذهبه، وفضته ومقتنياته في الكفة الأخرى،.. وكان إبراهيم يخاف على زوجته، أكثر من كل ما يقتني بل أكثر من حياته هو أيضًا، ولم يكن اتفاقه مع زوجته، على أن تذكر أنها أخته في كل مكان يقصد حماية حياته هو، بل أنه وقد أحبها حبًا عميقًا، كان يقصد أن يعيش من أجلها كما هو ظاهر من قوله: «وتحيا نفسي من أجلك» كانت سارة في الأصل اسمها «ساراي» أو «أميرتي» وكانت أشبه بالدرة أو التاج على مفرق الرجل، كانت أميرته المحبوبة والعزيزة عليه، وكان جمالها غير عادي يثير خوفه وفزعه، كما يخاف الإنسان على اللبن النقي من أن تعلق به أوساخ أو ذرات من التراب، وهذا في الواقع مجد الجمال، وخطورته أيضًا، فهو على قدر ما يريح العين لصاحبه، يثير الرغبة والشهوة في نفس الكثيرين، ومن الوقت الذي صاح فيه لامك لامرأتية عادة وصلة «اسمعا قولي يا امرأتي لامك، واصغيا إلى كلامي، فاني قتلت رجلا لجرحي وفتي لشدخي» ويقال أن ذلك كان بسبب تعرض آثم لحياته الزوجية،.. إلى الوقت الذي يضيع فيه آمنون أخته وضاع في أثرها،... إلى حروب تروادة من أجل هيلين اليونانية الجميلة... إلى قصص لا تنتهي، في كل جيل وعصر، سيبقى الجمال في القمة بين أعظم أسباب المتاعب والشرور والمخاوف والمجازر والآلام البشرية، على أنه إذا كان الجمال تجربة بهذا المعنى، والتجربة تقتضي أن يواجهها الإنسان بكل تأمل وحرص، إلا أن التجربة تتجاوز حدها، إذا تحول هذا التأمل والحرص، إلى القلق والخوف والفزع، وهذه مأساة الإنسان ومحنته الدائمة في الأرض، كان إبراهيم يعلم من اللحظة الأولى، أنه يسير كغريب في الأرض في كنف الله وحمايته ورعايته، وأنه لا يستطيع أن يحرس نفسه أو زوجته، دون سند من الله أو عونه أو ستره أينما اتجه أو سار أو تولى.. وكان وهو أبو المؤمنين، عليه وأن يعلم أنه يسلك على الدوام بالإيمان لا بالعيان، ومن ثم كان خليقًا به وبزوجته، ألا يلجأ إلى ما اتفقا عليه من ذكر نصف الحق وليس الحق كله، بأن تذكر سارة أنها أخته، وتتحاشى أن تشير إلى أنها زوجته، ومرات كثيرة ما يكون نصف الحق، أبشع من الباطل والافك والكذب بعينه، وإذا كان الله قد أفهمها بوضوح، عدم رضائه على ما فعلا في مصر، وكيف تدخل بالضربات العظيمة على فرعون وبيته لينقذهما من آثار ما أقدما عليه من حكمة بشرية كاذبة، فكيف يمكن تفسير تكرار الأمر نفسه في جرار بعد سنوات كثيرة من الحادثة الأولى، وبعد توالي معجزات الله العظيمة في حياته، والتي علمته بما لا يقبل الشك أن قوته ترجع أولاً وأخيرًا، إلى يد الله القوية المتداخلة في رعايته وحراسته، على أي حال أن طبيعتنا البشرية الراهنة تردنا بين الحين والآخر إلى إدراك، مدى الوهن والضعف الذي نحن عليه، والذي يمكن أن تتعرض إليه، حتى ولو كنا في مجد الحياة، وجلال السمو، نحلق في آفاق الإيمان العظيمة المرتفعة، وأكثر من هذا فأنه عندما تكثر الخطية، تزداد النعمة، وأن التجارب التي تحيط بنا كان يمكن أن تضيع تاريخنا وتمحو إيماننا، لولا يد الله الرحيمة التي تمتد إلينا عند ما نشرف على الغرق، أو نقترب من الهلاك والهاوية!! كما ينبغي أن نعلم أن نصف الحق أو الكذب الأبيض، أو ما إلى ذلك من صور، قد تنتهي بالإنسان إلى عكس ما كان يحلم أو يشتهي أو يتصور، فيلحق بقائله ما لحق بإبراهيم من هوان وتوبيخ على يد فرعون وابيمالك الوثنيين، إن مزج الاتكال على الله بالحكمة البشرية ومحاولة الربط بينهما، كثيرًا ما أديا إلى نتائج، لولا رحمة الله لكان من الصعب أو المستحيل تدارك آثارها المفجعة الرهيبة!!
ويظهر هذا على وجه الخصوص في التجربة الثانية، تجربة التأثير البشري المتولد عن سلطة الجمال وقوته! نحن نعلم أن الجمال كثيرًا ما يلعب بالرؤوس، ويثير المشاعر، ويسلب ألباب الناس، بسحره القوي، وسلطانه العظيمة، ولا أعلم إلى أى مدى، كان إبراهيم واقعًا تحت سلطان جمال امرأته العظيم، لكنني أعلم على أي حال، ان إبراهيم لم يبدأ في التفكير في قصة ارتباطه بهاجر، بل أن القاريء المتعمق للقصة الكتابية يرى أن هذه الفكرة بدأت واختمرت في ذهن سارة، وأن إبراهيم كان مترددًا كل التردد تجاهها حتى خضع لرأي زوجته، والمفسرون مختلفون في هذا الأمر إلى حد كبير، فما هو الدافع ياترى لهذه الفكرة التي سيطرت بشدتها وعنفها على سارة حتى الزمت إبراهيم أن يخطو خطواته التنفيذيه فيها.. هل يرجع الأمر إلى أن هذه المرأة الجميلة، بلغ جمالها زروته في نكران الذات، وهي اذ عجزت عن أن تأتي لإبراهيم بابن الموعد، طلبت أ ن يأتي عن طريق آخر، عن طريق جاريتها هاجر، أم أن الأمر على العكس من ذلك، كما يتصور البعض، إذ أنها الكبرياء، التي نهضت في أعماق المرأة ورغم وداعتها، لتحصل على الولد بأي ثمن، وحيث أن النظام المتبع في تلك العصور، إن ابن الجارية يحسب لها، دفعت جاريتها إلى حضن زوجها ليأتي لها بالابن المنشود المرتقب، أم هي كما يرى آخرون نوع من الحكمة الواهمة، التي تحاول بالتحايل أن تحصل على ما ترغب أو تريد عن طريق الذكاء والفهم وإعمال الفكر البشري، أم هي الحيرة التي تتخبط هنا وهناك عندما لا يسعفها الصبر، فتأتي من الأعمال مالم تكن تشتهي أن تطلب أغلب الظن أن سارة لم تكن تعرف بالتمام أن الطبيعة البشرية تتشابك عواطفها كأشجار الغابة، فلا تكاد تعرف تمامًا حقيقة الوازع أو الدافع، خلف مختلف الأعمال التي تقوم بها أو تنتهجها، على أي حال مهما كان الدافع أو الوازع فان سارة قالت لابرام هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة، أدخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين فسمع أبرام لقول ساراي فأخذت سارة امرأة ابرام هاجر جاريتها بعد عشر سنين لإقامة ابرام في أرض كنعان وأعطتها لابرام رجلها زوجة له» وتم للمرأة ما يفرضه الجمال من سلطان وقوى على الكثيرين من الأزواج بين الناس.
والتجربة الثالثة لما يمكن أن يفعله الجمال تجربة القسوة التي نراها في قصة سارة تجاه زوجها، وجاريتها، وإسماعيل الصغير معا، أما زوجها، فقد أخذت تحمله ظلما هي السبب فيه، ونتائج، لو أنصفت لأدركت أنها هي، وليس هو، الأساس والمصدر لكل ما وصلا إليه، أما جاريتها، فقد أذلتها، حتي هربت أولا، ثم طردت مع ابنها ثانيًا، الذي كاد يصل إلى الموت عطشًا عندما تاهت في برية سين، ومع أن لله في كل هذا إرادته العليا، وحكمته الخالصة، وأنه وحده قادر أن يستخلص، من مقاصد الناس ونواياهم ودوافعهم المتباينة ما يتمم به مشيئته العليا، وإرادته الأزلية، إلا أن ما يعينيا ههنا، أن المرأة الجميلة قد تتحول لأسباب كثيرة، إلى الأنثى الطاغية، التي تخرج عن رقتها وهدوئها، فتتحرك لتفعل بأسلوب مباشر أو غير مباشر ما يتردد الرجل مرات كثيرة عن اتيانه، أو الإقدام عليه!!
سارة ومجد جمالها
على أنه إلى جانب هذا كله، فمما لاشك فيه أن جمال سارة بلغ ذروته الحقيقية، ومجده الأعلى، في السنين الأخيرة من حياتها عندما استوى ونضج، وتجاوز حد التجارب، وخلفها وراءه، كانت المرأة الكبيرة، أشبه بقرص الشمس الذهبي، عندما يأخذ سبيله لحظة الشفق إلى الغروب، لقد تطهر جمالها واتسع، وخلا من البقع المتناثرة، التي علقت به في وسط التجارب التي ألمت به كما أسلفنا في رحلة الحياة،..فقد عاشت سارة في السنوات الأخيرة من عمرها تتوفر على تربية اسحق ابنها، مع إبراهيم أبيه، والبادي أن اسحق أخذ منها الكثير، مما طبع عليه من حياة الهدوء والسلام، مما جعله أقرب إليها من أبيه، كما أن أسحق أعطاها بمولده ومجيئه بعد تسعين عاماً من عمرها، الابتسامة التي ارتسمت على وجهها وأضاءت حياتها بأكملها، حتي أنها اسمته اسحق أي ضحك، تعبيرًا وتجسيدًا للبهجة والسرور والإشراق، التي تغلغت في حياتها، مما لم تكن عرفته واختبرته من قبل، على امتداد السنين الطويلة قبل مولده، لقد عرفت قبل اسحق جمال الشكل، والعقل، والروح، ولكنها بعد ميلاد ابنها، عرفت جمال الأمومة على نحو كان من العسير أن تدركه في معناه الصحيح، لو عاشت عاقرًا فاذا جاءت بناتها فيما بعد، على مختلف العصور والأجيال، يرين في العقم عاراً وذلة وهواناً مثل راحيل، وحنة، واليصابات، وغيرهن، تبين لنا إلى أي مدى توج جمال سارة بهذا اللون البهيج العظيم، مما تفخر به المرأة، جمال الأمومة، على أن هذه المرأة لم تقف عند جمال الأمومة القاصرة على أسرة محدودة أو بيت، لقد تحولت من «ساراي» أميرتي إلى سارة «أم الجماهير» لقد زها نورها عن أن يلمع في مجرد بيت أو أسرة أو شعب، ليمتد إلى أحشاء الزمن، ويتغلغل في جنبات التاريخ لتضحي أم القديسين والقديسات، من بيوت وأسر وأمم وشعوب، واتسعت هالة نورها، على نحو ربما لم تعرفه امرأة أخرى، سوى مريم العذراء، التي ولد منها المسيح سيدنا وربنا مخلص العالم!
على أبواب مغارة المكفيلة أودع إبراهيم ميته، ليشتري الحقل والمغارة، قبل أن يدفن جثمانها المسجي، وهل لنا أن نلقي نظرة أخيرة على هذا الجمال العظيم المتألق، الذي لم تستطع الشيخوخة أن تنال منه، بل لعلها أعطته مسحة من القداسة التي بقيت في ذهن الرسول بطرس عندما قال: «فإنه هكذا كانت النساء القديسات أيضًا المتوكلات على الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها التي صرتن أولادها صانعات خيرًا وغير خائفات خوفاً البتة»...
المزيد
04 مايو 2022
الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج١
سؤال
بأي جسد قام السيد المسيح هل بجسد عادي مثل جسدنا أم بجسد ممجد؟ وإن كان بجسد ممجد.. فما هو معني أنه "أكل مع تلاميذه" (لو 24: 43)؟ وما معني أنهم جسوا لحمه وعظامه (لو 24: 39).وهل الجسد الممجد الذي قام به هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء؟ ولماذا لا نقول أيضًا إنه قد ولد بجسد ممجد؟
جواب
1- لا شك أن جسد القيامة بصفة عامة هو جسد ممجد.وقد شرح القديس بولس هذا المجد بقوله "هكذا أيضًا قيامة الأموات.. يزرع في هوان، ويقام في مجد، يزرع في ضعف، ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 49، 50).
2- فإن كنا نحن سنقوم بجسد ممجد.. بجسد روحاني فكم بالأولي كانت قيامة السيد المسيح.هذه القيامة التي كانت "باكورة" (1 كو 15: 20، 23) ونحن كلنا علي مثالها سنقوم في القيامة العامة. وأكبر دليل علي أننا سنقوم بمثال مجد تلك القيامة هي قول القديس بولس الرسول في رسالته في فيلبي:"يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده" (في 3: 21). إذن السيد المسيح قد قام بجسد ممجد، ونحن سنقوم أيضًا "علي صورة جسد مجده "هذا أمر واضح لا يحتاج إلي إثبات، ولا يقبل نقاشًا.والمعروف أن الجسد الممجد هو جسد روحاني علي حسب قول الرسول في (1 كو 15: 44، 49) والجسد الروحاني قد ارتفع عن الوضع المادي من أكل وشرب. وارتفع عن مستوي اللحم والعظام.. وهنا يقف أمامنا سؤال هام:
3- كيف قيل عن المسيح بعد قيامته أنه أكل.. وأنه كان له لحم وعظام؟!وهذا الأمر واضح في الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير، إذ ورد في ظهور السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة أنهم "جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا. فقال لهم أنظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني، وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه" (لو 24: 37-40) وفي نفس الأصحاح وفي نفس المناسبة، أخذ طعامًا منهم وأكل قدامهم (لو 24: 41-43) فكيف نفسر ذلك؟
4- نفسر ذلك.. بأنه أراد أن يثبت لهم قيامة جسده.. وهم لا يفهمون معني الجسد الروحاني..في ذلك الحين ما كانوا يفهمون كنه(1) الجسد الروحاني، وما كانت هذه العبارة قد طرقت أسماعهم أو افهماهم. ويقينًا بدون هذه الإثباتات التي قدمها لهم من أكل ومن جس للحمه وعظامه، كانوا سيظنون أنهم رأوا روحًا (لو 24: 37) مجرد روح بلا جسد!! أي أن الجسد لا يكون قد قام في فهمهم.
5- والمهم في القيامة.. قيامة الجسد.لأن الروح بطبيعتها حية لا تموت.. والذي هو الجسد بانفصاله عن الروح.ويتحول إلي تراب، وتبقي الروح حية في مكان الانتظار. إذن القيامة هي قيامة الجسد واتحاده بالروح مرة ثانية.. ونحن في طقس "جحد الشيطان "في المعمودية نقول: "نؤمن بقيامة الجسد "فكون التلاميذ ظنوا أنهم نظروا روحًا، معني هذا أن فكرة قيامة الجسد كانت بعيدة عن إقناعهم وقتذاك. وكان لابد من إقناعهم بها، ليقنعوا بها غيرهم.
وهنا نذكر قول القديس بطرس السدمنتي: إن السيد المسيح قبل صلبه كان يثبت للناس لاهوته.. أما بعد قيامته فأراد أن يثبت لهم ناسوته.والروح وحدها لا تمثل ناسوتًا كاملًا، فلابد من إثبات أن الجسد قد قام، لهذا قال لتوما "هات أصبعك إلي هنا وأبصر يدي. وهات يدك وضعها في جنبي. ولا نكن غير مؤمن بل مؤمنًا" (يو 20: 27). وقال للتلاميذ "جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39). كما سمح لمريم المجدلية ومريم الأخرى حينما سجدتا له بعد القيامة. أن تمسكا بقدميه (متى 28: 9). كل ذلك لإثبات قيامة الجسد.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
وللحديث بقية
المزيد
03 مايو 2022
الرسالة الفصحية السابعة
لنحمل سمات المصلوب!
كتب بولس الطوباوي إلى أهل كورنثوس أنه یحمل في جسده على الدوام إماتة یسوع ٢كو ١٠:٤ ، لیس كمن یحمل هذا الفخر وحده بل ویلزمهم هم، كما نحن أیضًا أن نحمل هذا.لیتنا یا أخوتي نقتفي آثاره! ولیكن هذا هو فخرنا الدائم فوق كل شيء في كل وقت.هذا یصیر فینا خاصة في أیام العید إذ نذكر موت مخلصنا، لأن من یصیر مشابهًا له في موته، یصیر أیضًا مجاهدًا في الأعمال الفاضلة، ممیتًا أعضاءه التي على الأرض مز ٢٢:٢٤، صالبًا الجسد مع الأهواء والشهوات كو ٥:٣ ، ویحیا في الروح سالكًا حسب الروح غلا ٢٤:٥ -25 مثل هذا الإنسان یكون دائم التفكیر في اله فلا ینسى الله قط، ولا یفعل أعمال الموت.والآن، فإنه لكي نحمل في جسدنا إماتة یسوع، أضاف الرسول للحال موضحًا لنا الطریق الذي نتبعه قائلاً "فإذ لنا روح الإیمان عینه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت. نحن أیضًا نؤمن ولذلك نتكلم أیضًا"٢كو ١٣:٤. وقد أردف أیضًا متحدثًا عن النعمة التي تنبع عن المعرفة قائلاً "عالمین أن الذي أقام الرب یسوع سیقیمنا نحن أیضًا یسوع ویحضرنا معكم"١كو ١٤:٤
بالإیمان والمعرفة نحیا بالروح
عندما احتضن القدیسون مثل هذه الحیاة الحقیقیة بواسطة الإیمان والمعرفة" ینالون بلا شك الفرح السماوي. ذلك الفرح الذي لا یهتم به الأشرار إذ هم محرومون من التطویب النابع عنه… لأنهم لا یرون جلال الرب أش ١٠:٢٦
فإنهم وإن كانوا یسمعون الإعلان العام "استیقظ أیها النائم وقم من الأموات" أف ١٤:٥ ، ویقومون ویأتون إلى السماء قارعین الباب قائلین "افتح لنا" مت ١١:٢٥، إلا أن الرب سینتهرهم كمن لا یعرفهم… قائلاً لهم "لا أعرفكم"،ویصرخ الروح ضدهم "الأشرار یرجعون إلى الهاویة كل الأمم الناسین الله".
هل یعید الشریر؟
أننا نقول بأن الأشرار أموات، لكن لا في حیاة تعبدیة ضد الخطیة، ولا هم مثل القدیسین یحملون الموت
في أجسادهم، إنما یدفنون النفس في الخطایا والجهالات فتقترب النفس من الموت. وإذ یشبعونها بالملذات
الممیتة، تكون نفوسهم أشبه بنسور صغیرة تحوم فوق جثث الموتى. وقد أعلنت الشریعة عن هذا إذ تأمر في صورة رمزیة بعدم أكل النسور وجمیع الطیور التي تأكل الجیف (لا ١٣:١١).هؤلاء یقتلون النفس بالشهوات، ولا یقولون سوى "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش ١٣:٢٢).وقد وصف النبي الثمرة التي یجتنیها أمثال هؤلاء الذین ینغمسون في الملذات، فقال "فأعلن في أذني رب الجنود لا یغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا" (إش ١٤:٢٢). إذ یحسبون آلهتهم بطونهم، وعندما یموتون یتعذبون ، نعم، حتى عندما یعیشون، فإنهم یكونون في عار لأنهم افتخروا بمثل هذا الموت.ویحمل بولس أیضًا شهادة عن هذه النتیجة فیقول "الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سیبید هذا وتلك" ( ١ كو ١٣:٦).وتعلن الكلمة الإلهیة عن هؤلاء بأن موت الأشرار شر ومبغضو الصدیق یخطئون (مز ٢١:٣٤ )، لأن الأشرار یرثون ناراً مرة وظلامًا مهلكًا.
كیف یعبد الأبرار؟
أما القدیسون والذین یمارسون الفضیلة ممارسة حقیقیة، فقد أماتوا أعضاءهم التي على الأرض، الزنا
والنجاسة والهوى والشهوة الردیئة (كو ٥:٣ ). فیتحقق فیهم، بسبب هذه النقاوة وعدم الدنس، وعد مخلصنا "طوبى للأنقیاء القلب لأنهم یعاینون الله" (مت ٨:٥). هؤلاء صاروا أمواتًا للعالم، وازدروا بمقتنیاته مقتنین موتًا مشرفًا، إذ هو "عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" مز ١٥:١١٦هؤلاء أیضًا قادرون على الاقتداء بالرسول القائل "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" غلا ٢٠:٢
هذه هي الحیاة الحقیقیة التي یحیا الإنسان في المسیح، فأنه وإن كان میتًا عن العالم إلا أنه كما لو كان قاطنًا في السماء، منشغلاً في الأمور العلویة، كمن هو هائم في حب تلك السكنى السماویة، قائلاً إننا وإن كنا نسلك في الأرض "فأن سیرتنا نحن هي في السموات" في ٢:٣ الذین یحبون هكذا مشتركین في فضیلة كهذه، هم وحدهم القادرون على تمجید الله… وهذا هو ما یعنیه العید. فالعید لا یعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أیام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقدیم الشكر والحمد له.
هذا الشكر وهذا الحمد، یقدمه القدیسون وحدهم الذین یعیشون في المسیح، إذ مكتوب "لیس الأموات یسبحون الرب ولا من ینحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" مز ١٧:١١٥،١٨ هكذا كان الأمر مع حزقیا الذي خلص من الموت فسبح الله قائلاً "لأن الهاویة لا تحمدك. الموت لا یسبحك….الحي هو یحمدك كما أنا الیوم" أش ١٨:٣٨،١٩ فتسبیح الله وتمجیده هو من اختصاص الذین یحبون في المسیح وحدهم، هؤلاء یصعدون إلى العید، لأن الفصح لیس للأمم ولا للذین هم یهود بحسب الجسد بل للذین یعرفون الحق، وذلك كقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العید "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا". لذلك وإن كان الأشرار یقحمون أنفسهم لكي یحفظوا العید، بینما عملنا في العید وهو تمجید الله، لهذا فأنهم كأشرار یقتحمون متطفلین في دخولهم كنیسة القدیسین. هؤلاء یوبخهم الله معاتبًا كل واحد منهم "مالك تتحدث بفرائضي" مز ١٦:٥٠والروح القدس یوبخهم قائلاً بأنه لیس للتسبیح مكانًا في فم الخاطئ ابن سیراخ ٩:١٥ ، ولا للخطیة وجود في مذبح الله،لأن فم الخاطئ یتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل "فم الأشرار ینبع شروراً" أم ٢٨:١٥ كیف یمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا یمكن أن یتفق النقیضان معًا؟! "لأنه أي خلطة للبر والإثم. وأیة شركة للنور مع الظلمة"٢كو ١٤:٦. هذا ما یعلنه بولس خادم الإنجیل.لهذا لا یمكن للخطاة والغرباء عن الكنیسة الجامعة أي الهراطقة والمنشقین المستبعدین عن أن یمجدوا الله مع القدیسین، أن یستمروا في حفظ العید كما ینبغي. أما البار، فإنه وإن كان یظهر میتًا عن العالم، لكنه یتجاسر فیقول "أنا لا أموت بل أحیا وأحدث بأعمالك العجیبة" راجع مز ١٧:١١٨. فإنه حتى الله لا یخجل من أن یدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذین بحق یمیتون أعضاءهم التي على الأرض كو ٥:٣ ، ویحیون في المسیح الذي هو إله أحیاء لا إله أموات. هذا الذي بكلمته ینعش كل البشر، ویعطیهم طعامًا یحیا به القدیسون، كما أعلن الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة" یو ٤٨:٦ ولما كان الیهود عدیمي الإدراك ولم تكن حواسهم مدربة على الفضیلة، لهذا لم یفهموا أقواله عن "الخبز" فتذمروا ضده لأنه قال عن نفسه أنه الخبز الحي الذي نزل من السماء ویهب حیاة للبشر یو ٥١:٦
بین الخبز الحي وخبز الخطیة
الخطیة لها خبزها الخاص بها، الذي یدعو المحبین لملذاتها لیموتوا بموتها، وتدعو ناقصي الفهم قائلة "المیاه المسروقة حلوة وخبز الخفیة لذیذ" أم ١٧:٩. لأنه حتى من یلمس هذا الخبز لا یعرف أن ما هو مولود من الأرض یبید معها. فعندما یفكر الخاطئ في أن یجد لذة، فإنه في نهایة هذا العام لا یجد فیه بهجة، كما تقول حكمة الله أن خبز الخداع مسر للرجل، لكن فمه بعد ذلك یمتلئ حصاة. وأن العسل یسقط من شفتي المرأة الزانیة التي تكون إلى حین حلوة، ولكن النهایة تجدها أكثر مرارة من المر ذاته، وأكثر حدة من السیف ذي الحدین.هكذا إذ یأكل الخاطئ ویفرح إلى حین، فأنه عندما ترحل نفسه (من هذا العالم) سوف تستخف بهذا الطعام! فالغبي لا یدرك أن من یبتعد عن الله یهلك. مع أنه یوجد صوت نبوي یقول رادعًا "والآن مالك وطریق مصر(تشیر إلى العبادة الوثنیة بما فیها من ملذات وشهوات) لشرب میاه شیمور؟! ومالك طریق أشور لشرب میاه النهر؟! أر ١٨:٢وحكمة الله التي تبني البشریة تمنعهم من هذه الأشیاء (خبز الخطیة)، صارخة أن ینفصلوا عنها ولا یتأخروا في المكان ولا یتطلعوا إلیها، لأنها میاه غریبة سوف تعبر وترحل سریعًا…كذلك تدعونا الحكمة إلى نفسها قائلة "الحكمة بنت بیتها نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها.أیضًا رتبت مائدتها. أرسلت جواریها تنادي على ظهور أعالي المدینة. من هو جاهل فلیمل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له: هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" أم ١:٩-5 وبأي رجاء یأكل خبز الحكمة؟ "اتركوا الجاهلات فتحیوا وسیروا في طریق الفهم" أم ٦:٩ لأن خبز الحكمة محي، إذ یقول الرب "أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن كل أحد من هذا الخبز یحیا إلى الأبد" یو ٥١:٦ ویلمنا الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة. آباؤكم أكلوا المن في البریة وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي یأكل منه الإنسان ولا یموت" یو ٤٨:٦-51
الأبرار یشبعون والخطاة یفتقرون
أن ألأشرار یفتقرون إلى خبز كهذا… أما الأبرار فهم وحدهم الذین تهیأوا لكي یشبعوا، قائلاً كل واحد منهم أما أنا فالبر أنظر وجهك. أشبع إذا استیقظت بشهبك" مز ١٥:١٧ لأن من یشترك في الخبز الإلهي دائمًا یجوع مشتاقًا، وإذ هو جائع لا یحرم من أن یعطي له كما وعد "الحكمة" ذاته قائلاً "الرب لا یجمع نفس الصدیق" أم ٣:١٠. وكما وعد أیضًا في المزامیر "بطعامها أبارك بركة مساكینها أشبع خبزاً" مز ١٥:١٣٢إننا نسمع مخلصنا یقول "طوبى للجیاع والعطاش إلى البر لأنهم یشبعون" مت ٦:٥ حسنًا إذن ما یفعله القدیسون، إذ یحیون في المسیح، ویبثون في أنفسهم شوقًا نحو هذا الطعام.وقد تفجر شوق أحدهم إذ یقول "كما یشتاق الإیل إلى جداول المیاه هكذا تشتاق نفسي إلیك یا الله" مز ١:٤٢"نفسي عطشت إلى الله الحي متى أجيء وأعاین وجه الله؟!"."یا الله إلهي أنت إلیك أبكر. عطشت إلیك نفسي. یشتاق إلیك جسدي في أرض ناشفة ویابسة لكي أبصر قوتك ومجدك كلما أ ریتك في قدسك" مز ١:٦٣،٢
الإیمان والخبز الحي؟
ما دام الأمر هكذا یا أخوتي، فلیتنا نمیت أعضاءنا التي على الأرض كو ٥:٣ ، ونتقوت بالخبز الحي الإیمان بالله وحب الله، عالمین أنه بدون إیمان لا یمكن أن تكون لنا شركة في خبز كهذا. لأنه عندما دعي ربنا الكل إلیه قال "إن عطش أحد فلیقبل إلي ویشرب" یو ٣٧:٧ وللحال تحدث عن الإیمان الذي بدونه لا یقدر إنسان أن یأخذ من مثل هذا الطعام "ومن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" یو ٣٨:٧بهذا الهدف كان ینعش تلامیذه المؤمنین بكلماته ویعطیهم الحیاة باقترابهم من لاهوته. أما المرأة الكنعانیة فإذ لم تكن بعد مؤمنة لم یتكرم علیها حتى بمجرد الإجابة علیها رغم احتیاجها الشدید إلى طعام منه.وهو لم یصنع هذا احتقاراً بها. حاشا له، لأنه محب لكل البشر… ولهذا نجده یذهب إلى سواحل صور وصیدا(أي یذهب عند غیر المؤمنین)، ولكن صنع هذا معها لأنها لم تكن آمنت بعد ولا أخذت حكمة.
وبحق صنع هذا یا أخوتي، ما كان لها أن تنتفع شیئًا لو استجاب لطلبتها قبل أن تعلن إیمانها، ولكن بإیمانها یمكنها أن تنال طلبتها إذ یجب أن الذي یأتي إلى الله یؤمن بأنه موجود وأنه یجازي الذین یطلبونه" وأنه "بدون إیمان لا یمكن إرضاؤه" عب ٦:١١ هذا ما یعلم به بولس.فهي إذ كانت إلى تلك اللحظة غیر مؤمنة، الأمر الذي یجعلها دنسة، وهذا یظهر من قوله "لیس حسنًا أن یؤخذ خبز البنین ویطرح للكلاب" مت ٢٦:١٥وعندما وثقت في قوة "الكلمة" وغیرت من طریقها اقتنت أیضًا الإیمان، وبالتالي لم یعد بعد یحدثها كأنها "كلب" إنما غیر طریقة حدیثه عنها على أنها مخلوق بشري قائلاً "یا امرأة عظیم إیمانك" مت ٢٨:١٥ وإذ آمنت وهبها ثمرة إیمانها قائلاً لها "لیكن لك كما تریدین. فشفیت ابنتها من تلك الساعة".
لا تدس دم ابن الله
من یؤهل للدعوة السماویة، بهذه الدعوة یتقدس، لكنه إن سلك في هذه الدعوة بإهمال، فإنه وإن كان قد تنقى لكن(بإهماله هذا) یصیر دنسًا. یقول الرسول "(فكم عقابًا أشر تظنون) أنه یحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" عب ٢٩:١٠أنه سیسمع تلك الكلمات "یا صاحب كیف دخلت إلى هنا ولي علیك لباس العرس؟! مت ١٢:٢٢ لأن ولیمة القدیسین طاهرة بلا دنس "لأن كثیرین یدعون وقلیلین ینتخبون" مت ١٤:٢٢ویشهد بهذا یهوذا، الذي وإن جاء إلى العشاء، لكنه احتقر الولیمة وخرج من حضرة الرب وفقد حیاته خانقًا نفسه. وأما التلامیذ الذین استمروا مع المخلص، فقد صارت لهم سعادة الولیمة.وذاك الشاب الذي ذهب إلى كورة بعیدة وبدد أمواله في عیش مسرف، متى عاد مشتاقًا إلى الولیمة السمائیة ورجع إلى نفسه قائلاً "كم من أجیر لأبي یفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟!" لو ١٧:١٥. وللحال قام وذهب إلى أبیه واعترف قائلاً له "أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا بل اجعلني كأحد أجراك"، فأنه بعدما اعترف هكذا صار مستحقًا لأكثر مما طلب. لأن الآب لم یقبله كعبد أجیر ولا تطلع إلیه كانسان غریب، بل قبله كابن، ورده من الموت إلى الحیاة، واعتبره مستحقًا للولیمة الإلهیة، وأعطاه ثوبه الأول الثمین، حتى أنه بسبب هذا صار غناء وفرح في بیت الأبوة.
الله ینتظرك!
هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه لیس فقط یقیم الإنسان من الأموات بل ویعید إلیه نعمته
العظیمة خلال الروح. وبدل الفساد یلبسه ثوبًا غیر فاسد، وبدل الجوع یذبح العجل المثمن، وعوض المسافة الطویلة التي قطعها في رحلته فأن الآب المنتظر رجوعه یقدم حذاء لقدمیه. وما هو أعجب من هذا یعطیه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله یجعله في صورة مجد المسیح….. هذه هي العطایا المجانیة التي یقدمها الآب، والتي بها یكرم الرب الساكنین معه والراجعین إلیه تائبین، ومنعشًا
.( إیاهم. فأنه یعدنا (یسوع) قائلاً "أنا خبز الحیاة من یقبل إلي لا یجوع. ومن یؤمن بي فلا یعطش أبدًا" یو ٣٥:٦ ونحن أیضًا فسنحسب مستحقین لهذه الأمور، إن كنا في هذا الزمان نلتصق بمخلصنا، وكنا أطهاراً لا في أیام الفصح والسنة (أسبوع البصخة) وحدها، بل ونأخذ في اعتبارنا كل زمان حیاتنا كما لو أنها كانت عیدًا. فنستمرقریبین منه غیر مبتعدین عنه "إذ نقول له "إلى من نذهب وكلام الحیاة الأبدیة عندك؟!" یو ٦٨:٦ لیت الذین هم منا وقد ابتعدوا عنا یرجعون مرة أخرى، معترفین بخطایاهم، ولا یكون في قلبهم شيء ضد أحد، بل بالروح یمیتون أعمال الجسد رو ١٣:٨. لأنه هكذا إذ ینعشون النفس هنا، یشتركون مع الملائكة في المائدة السمائیة الروحیة، ولا یكونوا كالعذارى الخمس الجاهلات مت ١:٢٥-12 اللواتي كن یقرعن ولكنهن رفضن، بل یدخلون مع الرب مثل العذارى الحكیمات المحبات للعریس. وإذ یظهرون إماتة یسوع في أجسادهم٢كو ١٠:٤ فأنهم یقبلون منه الحیاة والملكوت…
القديس البابا أثناسيوس الرسولى
المزيد
02 مايو 2022
حاجتنا إلى القيامة
المسيح قام ... بالحقيقة قام
لقد قام السيد المسيح من الأموات من أكثر من ألفي عام ، والحقيقة أننا نحن الذين في حاجة شديدة لأن نقوم من الأموات كما يقول الرسول لكل من واحد منا « قم أيها النائم واستيقظ من الأموات فيضيء لك المسيح » ( أف ١٤ : 5 ) ويقول أيضا أنها الآن سـاعـة لنستيقظ من النوم ( الموت ) ... قد تناهى الليل وتقـارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور ( رو ۱۱ : ۱۳ ) لقد سيطر علينا ثبات نوم الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس وسيطرت علينا أعمال الظلمة بعدنا عن الله وصرنا أكثر اقترابا من العالم وسيطر علينا العالم بغروره وشهواته وملذاته وكل ما فيه رغم أن الرسول ينصحنا لاتحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم ( ۱ یو ١٧ : ٢ ) . وأيضا قول الرسول يعقوب « أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله فمن كان محبا العالم فقد صار عدوا لله ( يع ٤ : ٤ ) لم نعد نفكر في السماء وفيما هو فـوق صـار كل تفكيرنا أرضـيـا وهكذا أيضـا مـشـاعـرنا رغم أن الرسـول يقول : إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ( كو ۱ : ۳ ) . نحن في حـاجـة لأن نقـوم مـع المسيح الذي قـام ظـافـرا منتصرا على الموت وعلى الشيطان وعلى العالم كله . ونحن نود أن نقوم وننتصر ونغلب ونصـارع ضد كل هؤلاء الاعداء جميعا حتى يكون لنا نصيب وميراث فيما هو فوق . نحن في حاجة لأن نعيش القيامة الثانية قيامة التوبة والرجوع إلى الله وأن نمسك فـيـه بكل قـوة مثلما فعلت مریم المجـدليـة التي أمسكت به ولم ترد أن ترخه ( نش ٤ : ٣ ) الأيام أصبحت شديدة وقاسية ونحن صـرنا ضعفاء وفي أمس الحاجة إلى قـوة تسندنا نظیر قوتنا التي خارت وأنهكت لهذا يسعفنا الرسول بالعلاج فيقول : « لأعرفه وقوة قيامته وشركة ألامه متشبها بموته ( في ۱۰ : ۳ ) .
إذن فلندخل إليه في شركة ألامه بالصبر والجهاد والاحتمال وطول الأناة ونحن ناظرون إلى رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع ( عب ۲:۱۲ ) حتى نكون مستحقين أن نحصل على قوة وأمجاد قيامته ونظفر بإكليل المجد الذي قيل عنه ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالو اكليل المجد الذي لايبلى ( ابط٥ : 4 ) .
القمص هدرا وديع ـ سوهاج
المزيد