المقالات
18 مارس 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع الرابع (لو ٩ : ٥٧ - ٦٢)
وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْ كَارٌ ، وَأَمَّا ابْنُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأَسَهُ». وَقَالَ لَآخَرَ : «اتَّبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنِ الْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاتِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّهِ ] .
تبعية المسيح
إنجيل هذا القداس هو عن الدعوة لاتباع الرب، هذا الإنجيل يخصنا في الصميم. أعطانا فيه المسيح ٣ أمثلة، تبلورها في البداية لكي تكونوا على وعي بها، وكلها واقعة تحت الخداع الأول شخص واقع تحت خداع المظاهر، الثاني: شخص واقع تحت خداع المجاملات، الثالث: واقع تحت خداع العواطف.
الشخص الأول: «يا سيد أتبعك أينما تمضي». المنظر يبدأ هكذا كانت الرفقة تسير مع يسوع ملتفين حوله في سعادة غامرة، يسألون يسوع وهو يجيبهم بأحاديثه التي لا يمكن أن يجاريها حديث قيل عنها: إنه «ليس كالكتبة والفريسيين»، وإنه « لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان». هذا الكاتب أخذ بالجماعة السائرة التي تتحدث بفرح وسعادة عن ملكوت الله، فكر في نفسه: لماذا لا يتبع ذلك المعلم كفاه قوانين الناموس وتعقيدات التلمود. لم يدر هذا الكاتب أن هذا الفرح والسرور وهذه البهجة ثمرة نباتها مر علقم، نباتها اسمه الضيقة. وبدون الضيقة لا يمكن لإنسان أن يذوق فرح ولا بهجة سماوية انخدع الكاتب بالمظهر الخارجي لأنه وجد أن كلام المسيح شهي، حياة تبدو أنها جميلة جداً، لم يكن يعلم ما وراءها، لم يعمل حساب النفقة طبعاً الذي تغره المظاهر من المستحيل أن يسأل عن الأتعاب التي وراءها. هذا المعلم الذي تريد أن تتبعه أيها الكاتب وراءه صليب يُحمل من دون الصليب لا يمكن أن يكون هو معلم صح، ولا أنت تلميذ صح كان رد المسيح لهذا الشخص، كما لكل إنسان: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه». لم يقصد المسيح أن ييس هذا الكاتب، ولكن أن يُوَعيه، فإن كان هو يطلب حقاً الفرح الحقيقي الذي يدوم معه، لابد عليه أن يُفرِّط، لابد أن يترك الأرض التي هو ممسوك بها والمواريث التي تقيده وكل ما يتعلق بالماضي والحنين إليه قال له المسيح: أنا ليس لي مكان أستريح فيه على الأرض، مكان راحتي هو في قلب الآب؛ فإن كنت تراني فقط كإنسان يستطيع أن يعطيك ما تطلبه وما ترتاح له، فأنت مخطئ. أما إن كنت تستطيع أن تبقى كالثعالب وكالطيور، لا يكون لك جحر يأويك وعش ترجع إليه، تكون كطائر سماوي، هنا فقط تقدر تتبعني.المسيح هنا يضع الحد الفاصل بين أهداف مربوطة بالأرض وأهداف مربوطة بالسماء. الله قال لإبراهيم: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك. دعاه ليخرج من وطنه الأكبر أي أرضه، ومن وطنه المتوسط أي عشيرته، ثم يخرج من وطنه الأصغر أي بيته. هذه هي الأشياء التي تحجبه عن الله، التي تمنعه من الاستمرار في المسيرة السماوية. قال له اترك كل هؤلاء! أطاع إبراهيم. ولكن كيف استطاع إبراهيم أن يطيع، على أي أساس، ونحن نقول إنَّ الغريزة تتملك في الإنسان مثل هذا التملك؟!
اسمع أعجب ما في الإنسان إنه يحوز غريزة أقوى، غريزة الخلود، غريزة الحياة الأبدية. هذه الغريزة هي الأفضل وهي الأقوى، إذا صحيت في الإنسان تخمد الغريزة الجسدية، لا يعود لها وجود. لذلك سمع إبراهيم الصوت وأطاع، لأن صوت الله أحيا فيه الحنين إلى ما فوق.
الشخص الثاني هنا الرب هو الذي يدعو : وقال لآخر اتبعني. فقال يا سيد الذن أولاً أن أمضي وأدفن أبي كلمة: أولاً، أتعبت المسيح جداً، المسيح لا يلقي الدعوة جزافاً، إنه يدعو إنساناً وجده مستحقاً وجديراً بالدعوة، إلا أنه أحس بأن هناك ربط تكبله بالأرض ولا تجعله قط قادراً أو مهياً لملكوت الله فانتهز له فرصة أو بالحري مأزق ومحك شديد، دعاه لحظة وفاة أبيه وهو ما يزال بعد في البيت لم يُدفن. هذا الإنسان كان . مربوطاً بالأصول والواجبات، دعاه المسيح وهو في أحرج المواقف، ولكن كان قصد المسيح أن يحرره إلى الأبد من ربط المجاملات التي كانت كفيلة بأن تطمس معالم الحياة الأبدية من قلبه إلى الأبد. هذا الموقف نجح فيه أنطونيوس، ترك أباه، وانطلق.
الشخص الثالث: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع أهل بيتي».
هذا هو الشخص المربوط بالعواطف والمجاملات، المسيح استطاع أن يفكه منها. في الحقيقة إن الذي يحب أهل بيته أكثر من الله إنما هو يهين الله، والذي يحب العالم يكون عدواً لله . «محبة العالم عداوة لله». لذلك حقاً قال المسيح: «أعداء الإنسان أهل بيته».
قصة بنت يفتاح في العهد القديم، التي أمر أبوها بتقديمها ذبيحة، فقالت له: أعطني مهلة 3 شهور أبكي فيها عذراويتي، ثم اذبحني بعدها. وكأني بهذا الرجل يريد أن يبكي عذراويته يبكي موته. يذهب إلى الحياة ليبكي موته! هنا معكوسة. المسيح لا يدعو إلى الموت، إنه يدعو إلى الحياة. هل الشخص المدعو للحياة يذهب ليودع الموت والموتى!!
مشورة الجسد مسمومة هذا الشخص يريد أن يعود للجسد ليتلقى قبلة الأم، فتكون سهماً في قلبه لا يعرف أن يتخلص منه للأبد. كان رد المسيحعليه أشد الردود جميعاً، وأكثرها قطعاً ومنعاً: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». المحراث هو الإنجيل، والذي يحرث لابد عليه أن ينظر لفوق حتى تخرج الخطوط مستقيمة. أن ننظر للوراء معناه أن المحراث سوف يفلت منا، معناه حرث معوج، معناه إهانة لله الله وضع للإنسان بعدين: بعد للأمام للملكوت، وبعد خلفي للبيت ولأهل البيت. فإذا سرت صح من أول خطوة في الطريق؛ ستأخذ قوة للترك وللاندفاع إلى الأمام، وتكون مثل بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام». يا تيموثاوس: امسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت».
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
17 مارس 2025
في الصوم: تقوية للإرادة
في الوقت الذي يرفض فيه معلمنا القديس بولس الرسول، في عصر النعمة، العوائد اليهودية في الإمتناع عن بعض الأطعمة، وذلك لأن هذا المنع كان يقوم على كونها نجسة، فيقول: «إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ» (رو14:14). في نفس الوقت ينادي بالصوم، ويعيشه (2كو6: 5؛ 11: 27)، فالصوم يعتمد على أن كل ما خلقه الله مقدس. فمنع بعض الأطعمة (الأطعمة الحيوانية) ليس لكونها نجسة؛ بل للتحكم في الإرادة، وكذلك العودة إلى حالة البر الأولى التي خُلِق عليها الإنسان، والتي فيها كان طعامه من أصل نباتيّ.
الصوم وسيلة وليس غاية:-
الصوم νηστία هو الامتناع عن الطعام لفترة محددة، يعقبه تناول أطعمة نباتية، هدفه قمع وانضباط للجسد والنفس، فعندما أوصى الله آدم أن لا يأكل من الشجرة، وإن أكل منها موتًا يموت، هذه الوصية الأولى بالصوم. الجوع الجسديّ يعبّر عن الجوع الروحيّ «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (مت5: 6) فبالصوم تقوّي الإرادة ويسيطر الإنسان على أهوائه الصوم يجعل الإنسان في حالة تركيزٍ روحيّ، فهو وسيلة لتطهير النفس: «تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ لأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ. مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ تَطْهُرُونَ» (لا16: 29، 30) جاء في كتاب الأنظمة ليوحنا كاسيان [ينبغي علينا أن نُظهر أولًا أننا أحرار من الخضوع للجسد؛ لأن الشخص هو عبد لمن ينغلب منه لأنه من المستحيل للمعدة الممتلئة أن تنهض بمعارك الإنسان الباطنيّ ولا من الصواب لمَن قُهِر في أدنى مناوشة أن يكون جديرًا لأن يُجرَّب بمعارك أصعب] (أنظمة13).
«أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27):-
لأن الإنسان خُلِق على صورة الله، في الحرية والإرادة، وعندما يفقدها تسيطر الغريزة، وفي هذه الحالة ينطبق عليه قول المزمور«إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مز49: 20) يقول القديس باسيليوس الكبير[الإنسان الذي هو أقل قليلًا من الملائكة، وعنه يقول سليمان الحكيم «اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ» (أم20: 7)، هذا الإنسان لأنه لم يدرك قيمته العظيمة، أُستعبد إلى الشهوات الجسدية] (PG29/460) فالإنسان يختلف عن الحيوان في القدرة على تنظيم الحصول على إحتياجاته الأساسية بصورة تليق بالحالة التي جُبل عليها فلو لم نقمع شهوات أجسادنا، فان الشهوات ستمتلكها وتقيدها وتقيدنا معها.
يقترن الصوم دائمًا الصلاة والصدقة:-
يقول دانيال النبي: «فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ» (دا 9: 3)،هكذا يذكر نحميا اقتران الصوم بالتوبة: «اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ» (نح9: 1 ،2) والمسيح إلهنا نفسه، قال عن الأرواح النجسة «هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (مر9: 29) يصاحب الصوم قلب تائب، في اشتياق لتجديد علاقة مع الله فزمن الصوم هو زمن التوبة والعودة إلى الذات ويقول القديس يوحنا الدرجي [الصوم هو كبح رغبات الجسد، وابتعاد عن الأفكار الشريرة، وتحرر من التخيلات المذنبة هو طهارة الصلاة، نور للنفس، ويقظة العقل والقلب معًا فهو انتظار الرب، هو فتح القلب وتحرره من كل شيء يمكن أن يعرقل هبة فصح المسيح] لذلك الصوم يهيّئ الإنسان لمقابلة الله موسى النبي لكي يتهيّأ لإستلام لوحي الشريعة صام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وعند اختيار برنابا وشاول للخدمة «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا» (أع13: 3) ومن العبارات الكتابية القوية في ذلك «صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ» (أع24: 23) يقول القديس يوحنا ذهبيّ الفم [لنطلب الطعام لكي نقتات به، لا ليحطمنا نطلب الطعام كقوتٍ لنا، لا كمجال للأمراض، أمراض النفس والجسد نطلب الطعام الذي يعطي راحة لا ترفًا حيث يكون مملوء إزعاجًا] (عظة27 على أعمال الرسل)
القمص بنيامين المحرقي
المزيد
16 مارس 2025
انجيل يوم الاحد الثالث من الصوم الكبير
تتضمن الحث على الصدقة والاعتناء بالباقيات مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " إنسان كان له ابنان فقال اصغرهما لابيه يا ابي أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال " ( لو١١:١٥-٣٢)
إذا كنت قد أخذت نصيبك من المال وأنفقته مع الخارجين وعاشرت الفاسقين وأصحاب الخلاعة وأتبعت اللذات والشهوات البدنية زماناً طويلاً أفما حان لك أن ترجع الآن إلى ابيك وتقرع باب رحمته بالتوبة والاستغفار لكي يلبسك الحلة الأولى وخاتم الذهب وتأكل العجل المسمن وتستريح من عذاب الغربة وأكل الخرنوب ورعى الخنازير ومكابدة ذل الخدمة ما بالك لا تنهض من كسلك وتبادر إلى حضن ابيك قبل أن يغلق الباب وتكون أنت خارجاً عارياً يا للعجب من كون هذا النازح عن أبيه المخالف له زماناً طويلا المبدد ماله مع الزواني كيف انه لما رجع وقرع باب رحمته أكرمه أبوه وجاد عليه بالملابس الفاخرة والأطعمة الشهية وأنت قدير يرجع اليك أخوك المسيحي ويقصد منزلك بعد أن اضاع ماله في عمل الخير فلا تلقاه كما ينبغي ويسألك فلا تجيب السؤال ويستعطفك فلا تصغى ويعتذر لك فلا تسمع ويخاطبك بصوت المذلة فلا ترحمه هذا مع أنه قد لا يطلب منك إلا رغيفاً وقليلاً من الفضة فكيف لو طلب منك حلة من الديباج أو خاتماً من الذهب ؟ وكيف إذا ارسل اليك الشيطان جنوده الذين يرقصون في الملاعب ويتكلمون بما لا يليق ويعد لك إذا قبلتهم الهلاك في الجحيم فتبادر إلى اكرامهم بالعطايا أما السيد المسيح فإنه عندما يرسل اليك أخوته المساكين ويمد اليك يده أمامهم ويعد لك إذ قبلتهم الخلود في النعيم فانك لا تسمع له ولا تلتفت اليه إن المسيح يشبه رجلا بيده حلة نفيسة من الأرجوان مرصعة بالذهب والجواهر الكريمة وهو يشير إلى العابرين قائلا من قبل أحد عبيده في الغربة كانت له هذه الحلة الثمينة أما الشيطان فانه يشبه رجلاً من الخادعين بيده ثمرة مملؤة من السموم القاتلة وهو يبرزها ويصفها بانها من المأكل اللذيذة ويغر بمنظرها الجهلاء الغافلين أفلا ترى كيف يتسابق الصبيان إلى هذه الثمرة الغاشة ولا يلتفتون إلى تلك الحلة الشريفة ؟
وإذا عرفت ان لك منزلين أحدهما في دار الدنيا والآخر في دار الآخرة وانك ستفارق أحدهما بالضرورة عارياً من جميع مقتنياتك وتصير إلى الآخر وتكون فيه دائماً فما بالك لا تقدر خيرك وتنزع هواك من قلبك وتحمل ذخائرك من دار غربتك إلى دار مقرك الابدى فإن قلت وكيف أنقل ذخائرى إلى هناك وأنا أذهب عارياً أجبتك قد قال المسيح أعطها لإخوتى المساكين وأنا اعوضك عن جميعها بما لا يفنى وليس بمثلها فقط بل عن الواحد أضعافاً كثيرة وإن بخلت نفسك عن هذا العطاء وحاربك الشيطان ومنعك من الرحمة فقل لنفسك معاتباً إياها اليس انك يا نفس في كل مناسبة تصنعين موسماً وتعدين وليمة للاصحاب وتنفقين كثيراً من المال في ثمن الخراف والدجاج والفواكه مما لا ترجعين إلى غاية أكثر من طرحه في القاذورات سريعاً فما بالك لا تعدين وليمة لخالقك وموجدك من العدم وتكريمه بها مرة واحدة في الأسبوع لكى يجازيك عن ذلك بسعادة الابد فإن امتثلت النفس لهذا الرأى وعرفت الفوائد التي تحصل لها منه فاحسب لها ثمن نفقة هذه الوليمة الطاهرة حيث لا تكون خراف ولا فواكه بل خبز وماء فقط واجعل ذلك مرة من وقت لآخر لإفتقاد المحتاجين وللعجب من كون إلهنا له المجد جاد عليك بالنفس والجسد وفضلك على جميع المخلوقات وسلطك على جميع الحيوانات والمعادن والنباتات وأعد لك سعادة الابد وأنت تبخل عليه باليسير مما أعطاك يسألك المحتاج شيئاً يسيراً فترده فارغاً أو تعطيه بعض الأحيان كارهاً وكيف لا نستحى من خالقنا عند ذلك ؟ ولماذا لا نذكر قول الرسول: " إن من يزرع بالشح فبالشح ايضاً يحصد " وما بالنا لا نتشبه بالمؤمنين الذين يحملون إلى بيعة الله من العشور والابكار والنذور والصدقات ما يفرج كربة المتضايقين ويكفى حاجات المرضى والوافدين من الغرباء والذين في السجون وخدام المذبح وغيرهم فسبيلنا أن نستيقظ من غفلتنا ونجتهد فى نقل أموالنا إلى دار مقرنا الابدى عن يد إخوتنا المساكين لنأخذ المجازاة من ربنا ومخلصنا ذلك الذي له المجد إلى الابد أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
15 مارس 2025
الغيرة
هُناك أمراض تُصيب الجسد وَأُخرى تُصيب النَفْسَ ، فمثلاً الشهوة مرض جسدِى ، بينما الغيرة وَالكبرياء مِنْ أمراض النَفْسَ ، فكما أنّ الجسد لهُ ضعفات ، هكذا النَفْسَ أيضاً ، الغيرة مرض نَفْسِى يبدأ بعدم المحبّة ثُمّ الغيرة ثُمّ الحسد وَينتهِى بالإِنتقام ، وُهُناك فِى الكِتاب المُقدّس أمثِلة للغيرة المُرّة مِنها :-
قصّة قايين وَهابيل:- هابيل قدّم للرّبّ مِنْ أبكار غنمِهِ وَسمانِها ، أمّا قايين فقدّم للرّبّ مِنْ أثمار الأرض ، فنظر الرّبّ لهابيل وَقُربانه وَأمّا لقايين وَقُربانه فَلَمْ ينظُر [ فإِغتاظ قايين جِداً وَسقط على وجهِهِ ] ( تك 4 : 5 ) ، بدأت بعدم محبّة ثُمّ غيرة ثُمّ غيظ وَإِنتهت بقتل قايين لهابيل 0
قصّة سارة وَهاجِر:- طلبت سارة مِنْ أبينا إِبراهيم أنْ يتزّوج مِنْ هاجِر جاريتها ليُقيم لها نسل بإِسمها ، وَعِندما أصبحت هاجِر حُبلى غارت مِنها سارة [ فدخل على هاجِر فحبلت وَلمّا رأت أنّها حُبلى صغُرت مولاتِها فِى عينيها ، فقالت ساراى لأِبرام ظُلمِى عليك أنا دفعت جاريتِى إِلَى حِضنك 0 فلّما رأت أنّها حبلت صغُرت فِى عينيها يقضِى الرّبّ بينِى وَبينك 0 فقال أبرام لساراى هوذا جاريتِك فِى يدكِ إِفعلِى بِها ما يحسُن فِى عينيكِ ، فأذلّتها ساراى فهربِت مِنْ وجهِها ] ( تك 16 : 4 – 6 ) 0
الغيرة مرض نَفْسِى يُصيب الإِنسان بعدم المحبّة ، وَيجعلهُ فِى مُقارنة مَعَ غيرِهِ ، وَكُلّ ما كان الإِنسان أنانِى وَمُحِب لذاته كُلّما يزداد بُغضة وَكُرهه لِمَنْ حوله ، لِذلِك الغيرة هى مِنْ حروب عدو الخير للإِنسان يجعلهُ يفقِد طاقِة المحبّة وَيُحوّلها لطاقِة هدم وَمُقارنة وَإِفساد ، الله أعطى الإِنسان طاقات حُب مُمكِن يحِب بِها مَنَ حوله ، وَمُمكِن يتعِب نَفْسَه بِها ، مُمكِن أحِب إِخوتِى وَأكون عُضو بنّاء وسطهُم ، أُختِى عندها صِفة تُميّزها وَأنا عِندِى أُخرى تُميّزنِى 0
أ- الغيرة المره
الغيرة فِكر لابُد أنْ نُعالِجه ، أولاً لابُد أنْ نؤمِن أنّ الله مُعطِى الإِنسان كُلّ طاقاته[ مِنْ يدك أعطيناك ] ، فَلاَبُد أنْ تكون هذِهِ الطاقات بنّاءة لِكى يكون الكُلّ واحِد ، طاقِة المحبّة تجمعنا بعضُنا حول بعض وَقَدْ رأينا نماذِج للغيرة مِثل سارة وَهاجِر ، قايين وَهابيل ، أيضاً نموذج آخر وَهُو ليئة وَراحيل ، فقد تزوّج أبونا يعقوب بليئة ثُمّ راحيل ، وَكان يُحِب راحيل ، لكِن كان الله قَدْ أغلق رحمها ، بينّما ليئة تلِد لهُ البنين ، فغارت راحيل مَنْ أُختها وَجعلت يعقوب يتزّوج بجاريتها لِيُنجِب لها بنين ، فِى ذلِك الوقت كانت ليئة قَدْ توقّفت فِترة عَنِ الإِنجاب فغارت هى أيضاً وَأعطت أبونا يعقوب جاريتها لِتلِد لها بنين وَهكذا حتّى فتح الله رحِم راحيل فولدت يوسِف وَبنيامين كان مِنَ المفروض أنْ تفرح الأُخت لأُختها ، لكِن الغيرة جعلت راحيل تقول ليعقوب [ هَب لِى بنين وَإِلاّ فأنا أموت ] ( تك 30 : 1 ) فِى قصّة يوسِف العفيف [ أمّا إِسرائيل فأحبّ يوسِف أكثر مِنْ سائِر بنيه لأنّهُ إِبن شيخوختِهِ ، فصنع لهُ قميصاً مُلّوناً ، فلّما رأى إِخوتهُ أنّ أباهُم أحبّهُ أكثر مِنْ جميع إِخوتِهِ أبغضوه وَلَمْ يستطيعوا أنْ يُكلّموه بِسلام ] ، كان العشر إِخوه يذِلّوا يوسِف فِى تعامُلهُم معهُ ، وَلمّا ذهب يوسِف ليطمئِن على سلامِة إِخوتِهِ قالوا [ هذا هُو صاحِب الأحلام هلُمْ نقتُلهُ ] ، فألقوهُ فِى البِئر وَجلسوا يأكُلون وَهُم فرِحون أيضاً مِنْ نماذِج الغيرة المُرّة قِصّة شاول الملِك وَداوُد ، عِندما قتل داوُد جُليات الجبّار صارت بنات إِسرائيل يُغنّين قائِلات [ قتل شاول ألوف وَداوُد ربوات ] ، [ فإِحتمى شاوِل جِداً وَساء هذا الكلام فِى عينيهِ ، وَقال أعطين داوُد ربوات ، أمّا أنا فأعطيننِى الأُلوف وَبعد فقط تبقى لهُ المملكة ، فكان شاول يُعايِن داوُد مِنْ ذلِك اليوم فصاعِد ] ، أىّ وضع فِكره عليه ، غيرة مُرّة شاول كان يتعقّب داوُد وَعمل معهُ مُطاردات ، وَكم مرّة حاوِل قتله لأنّهُ يُغار مِنهُ ، الغيرة مرض صعب جِداً ، قال يعقوب الرسول [ حيثُ الغيرة وَالتحزُّب هُناك التشويش وَكُلّ أمرٍ ردىءٍ ] ، " تحزُّب " أىّ كُلّ إِنسان لهُ فِكرةُ الخاص يعمل حِزب ، لأنّ المحبّة عِندما تختفِى يختفِى الله وَتُصبِح حياة الإِنسان جحيم مُر ، لِذلِك تُسمّى غيرة مُرّة يُقال عَنِ بولس الرسول [ لمّا رأوا الجمع إِمتلأوا غيرة وَجعلوا يُقاوِمون بولس مُجدِّفين ] ، أيضاً حدثت غيرة عِند تلاميذ يوحنا المعمدان مَعَ يسوع ، حيثُ كان تلاميذ يوحنا المعمدان يُعمِّدون وَلمّا جاء يسوع بدأت الجموع تلتف حولهُ فغار تلاميذ يوحنا وَقالوا لِمُعلّمهُم [ يا مُعلِّم هوذا الّذى كان معك فِى نهر الأُردُن الّذى أنت شهدت لهُ يُعمِّد وَالجميع يأتون إِليهِ ] ، أما يوحنا المعمدان فأجابهُم قائِلاً [ ينبغِى أنّ هذا يزيد وَأنا أنقُص00مَنْ لهُ العروس فهو العريس ] ، أنا مُجرّد صديق للعريس وَليس العريس نَفْسَه أيضاً السيِّد المسيح نَفْسَه وجد غيرة شديدة مِنْ الكتبة وَالفريسيين ، وَكُلّما كان يصنع مُعجِزة خاصةً فِى اليهودية كان يجِد مُقاومة شديدة ، وَأكثر مُعجِزة وجدت غيرة شديدة مُعجِزة إِقامة لِعازر الّذى ظل أربعة أيامٍ فِى القبر وَأنتن ، وَقال السيِّد المسيح الّذى لاَ يُصدّقنِى يذهب وَيسأله وَيسأل إِخوتهُ أمّا الكتبة وَالفريسيين فإِجتمعوا وَقالوا [ ماذا نصنع فإِنّ هذا الإِنسان يعمل آيات كثيرة ، وَمِنْ هذا اليوم إِبتدأوا يتشاورون لِيقتِلوه ] ، وَالإِنجيل يقول [ أنّهُم أسلموه حسداً ] ، الحسد بعد الغيرة ثُمّ بُغضة وَقتل صعب أنْ يكون فِى قلب الإِنسان غيرة مِنْ ناحية أخيهِ فتسرِق مِنهُ أىّ بركة وَنعمة ، فِى حين أنّ الكِتاب المُقدّس يقول [ حسِنة هى الغيرة فِى الحُسنى ] ، صعب أنْ يغيِر إِنسان مِنْ أخيه مِنْ أجل عطيّة مُعيّنة سمح بِها الله لهُ ، مُمكِن يكون أخِى مُميّز عنّى فِى شىء مُعيّن يشجعنِى أنْ أتميّز مِثله ، أخِى لهُ عِشرة حِلوة مَعَ الله يشجّعنِى أنْ أدخُل فِى عِشرة مَعَ الله مِثلهُ ، غيرة حسِنة للبُنيان وَليس للهدم وَالمُقاومة ، غيرة للأفضل ، أنا فرحان أنّ أخِى أفضل منّى وَأتمثلّ بِهِ أحد الرُهبان أخذ تدريب مِنْ أبيهِ الروحِى وَهُو أنْ يسهر سهرة مُعيّنة ، وَ معروف أنّ سهر الرُهبان عِبارة عَنِ جُزء مِنْ الليل تسبيح وَجُزء قِراءة إِنجيل وَجُزء صلوات وَجُزء قِراءة سير آباء قديسين ، وَبعد التدريب ذهب الراهِب لأبيهِ وَسألهُ أبوه عمّا فعلهُ فِى خِلال سهره فأجابهُ أنّهُ لَمْ يسهر لِيُصلّى أوْ يقرأ فِى الإِنجيل وَسير الآباء وَلَمْ يُسبِّح ، فوبّخهُ أبوه وَسألهُ عمّ فعلهُ خِلال سهره ، فأجابهُ الراهِب أنّهُ ظلّ الليل كُلّه يُعدِّد فضائِل أخوه الّذى بجانبِهِ فوجدهُم 36 فضيلة ، فظلّ يُجاهِد طول الليل لِكى يقتنِى تلك الفضائِل ، عِندئِذٍ أجابهُ أبوه الروحِى قائِلاً " هذِهِ الطياشة صارت لك أحلى مِنْ أىّ زكاوة " ، غيرة فِى الحُسنى ، أعدِّد فضائِل إِخوتِى لِكى أتعلّم منهُم وَأجاهِد لأكتسِبها ، وَليس للبُغضة وَللمُقاومة وَ للمذلّة ، كما كانت سارة مَعَ هاجِر وَكما كان إِخوة يوسِف معهُ المحبّة قائِمة بينِى وَبين مَنْ حولِى وَأحاوِل أنْ أقتنِى فضائِلهُم ، لابُد أنْ يكون عِندنا غيرة مُقدّسة على الوصايا وَعلى العقيدة وَعلى الإِيمان وَعلى لقبِى أنِّى مسيحِى ، مُعلّمِنا بولس الرسول يقول [ أغار عليكُم فِى الرّبّ ] ، أىّ يغير عليهُم حتّى لاَ يذهبوا لآخر غير المسيح ، أيضا مُعلّمِنا يعقوب الرسول يقول [ الرّوح الّذى حلَّ فينا يشتاقُ إِلّى الحسدِ ] ، أىّ روح الله الّذى بِداخِلنا يغير علينا حتّى لاَ نكون مِلك لآخر غير الله ، [ خطبتكُم لِرجُلٍ واحِدٍ لأُقدِّم عذراء عفيفةً للمسيح ] ، إِذاً المسيح نَفْسَه يغير علينا غيرة حسِنة حتّى لاَ نكون لآخر غيره 0
ب- أضرار الغيرة
الغيرة جعلت الإِخوة يُبغِضون بعضهُم بعض ،وَجعلت سارة تذِل هاجِر،وآخر مِثل شاول يُدبِر مكائِد لداوُد ، رأينا سارة تقول لإِبراهيم ظُلمِى عليك ، هذا دليل أنّ النَفْسَ مُرّة وَمريضة الغيرة تجعل المحبّة تتآكل بآفة صغيرة ، المحبّة التّى هى سِر التعاون وَالبُنيان تُصبِح طاقة هدم وَصِراع ، الغيرة تُلِّوث المشاعِر ، تخيّلوا أنّ راحيل وَليئة أُختين تحيان معاً فِى بيت واحِد وَتغيران مِنْ بعضهُما ، فكيف كانتا تتعاملان معاً الغيرة تجعل الإِخوة ينقسِموا ، تجعل الإِنسان ينظُر لغيره وَليس لِنَفْسَه ، الغيرة تُضيِّع هدف الإِنسان وَتُصبِح الغيرة نَفْسَها هى هدف الإِنسان ، بالغيرة عدو الخير يقطُف أجمل ثِمار فِى حياتنا ، الّذى قال [ صيّرنا أطهاراً بروحك القُدّوس ] ، هذا الرّوح نجعلهُ حزين بالغيرة لنرى صِراعات شاول وَداوُد كانت صِراعات مريرة حتّى أنّها أنست شاول بُناء المملكة رغم أنّهُ كان مِنْ المُمكِن أنْ تكون هدفه أوضح مِنْ هذِهِ الصراعات التّى أضاعت عُمره وَمملكته كُلّ ما فينا هُو صالِح وَكُلّ عطايا الله صالِحة وَمُقدّسة ، أعطانا الله طاقِة حياة وَوجود وَأصدِقاء وَمحبّة ، كُلّ هذا لِبُناء النَفْسَ وَليس لهدم الآخرين ، لو شجرة بِها عُصارة كميتها ثابِتة ، إِذا أعطت الشجرة كُلّ عُصارتها لفرع واحِد لاَ يُعطِى ثمر ، فلن تُعطِى ثمر على الإِطلاق ، لابُد أنْ نُثمِر بِطاقتنا إِنْ وُجِدت غيرة تكون بين عناصِر قريبة مِنْ بعضها ، أصدِقاء ، أُخوة ، وَأجمل المشاعِر تتلّوث رغم أنّ هذِهِ المجموعة هى التّى أتعايش معها وَهى تُعطِى قوّة فكيف تتلّوث مشاعِرنا بالغيرة الغيرة تُبدِّد مِنْ الإِنسان روح البذل وَالعطاء ، الغيرة تجعل الإِنسان لهُ طاقة ذاتيّة تُفيد المصلحة فقط ، مادامت توجد محبّة إِذا كان لدىّ شىء يُفيد مَنْ حولِى أُعطيه بدون تردُد ، وَإِخوتِى كذلِك يُعطونِى محبّة وَبذل وَعطاء ، الغيرة تجعل الأُخوة يتقاتلون ، أُخوة معاً فِى نَفْسَ البيت لكِن النِفوس ضعيفة 0
ج- عِلاج الغيرة
1- لابُد أنْ يكون الله هُو سِر غِناك وَشبعك وَكِفايتك ، أىّ لو الإِنسان كان مُقتنِع أنّ الله هُو شبعه وَسِر نُصرته وَإِتكاله وَسنده وَسروره يكون مُكتفِى مهما تقدّم عنّه مَنْ حوله لاَ يغار ، كما قال مُعلّمِنا بولس الرسول [ كِفايتنا مِنْ الله ] ، الله هُو سِر غِناى ، فَلاَ أنظُر لآخربل لِتكُن مشيئة الله ، أنا غِنى بِداخِلِى حيثُ الله ساكِن وَفائِض بخيّراته وَبركاته الكثيرة علىّ ، الّذى يشعُر بالله لاَ ينظُر لِمَنْ حوله ، وَإِنْ نظر إِليّهُم يُباركهُم وَ لاَ يلعنهُم 0
2- قبول النَفْسَ
كُلّ ما بِداخِلِى جميل لأنّ الله مُعطنِى إِيّاه ، وَمهما كان بىّ عيوب لكِن بىّ أيضاً مُميّزات وَفضائِل ، عيوبِى أعالِجها وَفضائِلِى أنمّيها ، الله لاَ يترُك أحد بِدون فضائِل ، السامريّة كان بِها فضائِل وَإِشتياق للسجود ، وَالله إِكتشفها لها وَأعطاها ثِقة فِى نَفْسَها ، ليتنا لاَ ننظُر لأنَفُسَنَا بِضعفاتها فقط بل وَفضائِلها أيضاً أنا عمل الله وَبالتأكيد عوّضنِى عَنِ نقائِصِى بِفضائِل أُخرى ، فَلاَبُد أنْ أقبل نَفْسَى جُملةً ، الله يُبارِك لىّ فيما لدىّ وَيُبارِك لغيّرِى فيما عِنده ، لو كانت راحيل نظرت بِحكمة لوجدت أنّ الله عوّض ليئة عَنِ ضعف عينيها بالأولاد وَعوّضها هى عَنِ الأولاد بالجمال ، لكِنّها لَمْ تنظُر إِلَى ما لديها بل إلَى ما عِند غيرِها الله دائِماً يُعوِّض النقائِص ، فمثلاً الله مُعطِى قوّة فِى الخمس حواس ، إِذا فقد إِنسان أحد هذِهِ الحواس يُعوِّضه عنها الله فِى الأربعة الباقين ، وَكأنّ الأعمى يرى وَالأصّم يسمع ، لابُد أنْ أقبل نَفْسَى ، وَإِذا قبِلتها لن أغير مِنْ أحد لأنّ هذِهِ هى إِرادة الله 0
3- لابُد أنْ يكون لنا إِيمان بالتكامُل وَ التنّوُع
إِذا أعطى الله أخِى موهِبة لَمْ يُعطيها لىّ أنا فَلاَ أغير مِنهُ لأنّ الله عوّضنِى عنها بِموهِبة أُخرى ، إِيمان بالتنّوُع وَالتكامُل ، لِماذا نكون نُسخ مُتشابهة مِنْ بعضِنا البعض ؟ كان تلاميذ يسوع لِكُلٍّ منهُم شخصيّة مُختلِفة عَنِ الآخر ، وَلكنّهُم مُتكاملين ، الوحدانيّة هى أنّ لِكُلّ واحِد موهِبتة وَإِسلوبه وَيخدِم نَفْسَ الغرض ، مُعلّمِنا بولس الرسول لاَ يستطيع أنْ يكون يوحنا الحبيب ،وَ لاَ يكون يوحنا بولس ، الله إِستخدِم بلاغة بولس وَرِقّة يوحنا وَغيرة بُطرُس لِنَفْسَ الغرض الواحِد ، إِذا كانت المدينة كُلّها أطباء فَمَنْ يُعلِّم وَمَنْ يبنِى وَمَن العمل البسيط وَ العمل القوِى يخدِم مصلحة واحدة 0
4- ينبغِى أنّ ذاك يزيد وَأنا أنقُص
هذا أفضل دواء للغيرة ،إِذا فرحت أنّ غيّرِى أفضل منّى تنتهى الغيرة ،فكيف نقبل ذلِك ؟ لأنّ الله سِر غِنانا ، فمهما أنقُص عَنِ غيّرِى فِى شىءٍ ما لاَ أحزن لأنِّى مُكتفِى بالله ، وَمهما زاد غيّرِى عنّى فأنا كامِل بالله عِلاج مَنْ يغير منّى هُو المحبّة ، لاَ أُشعِره أنِّى فِى تسابُق معهُ ، المحبّة أقوى مَنْ الموت ، إِذا تأكّد مَنْ حولِى إِنِّى أُحِبُهُم لاَ يغيرون منّى لأنّنا نتكامل إِلَى واحِد يُحكى فِى تاريخ الكنيسة أنّ إِبنة محمد على كان بِها روح شرّير ، فأشاروا عليه أنْ يذهب بِها للبابا بُطرُس الجاولِى البطريرك لِكى يُصلّى لأجلِها ، وَلمّا ذهب بِها للبابا بُطرُس كان عِنده فِى تلك الساعة الأنبا صرابامون أبو طرحة الأُسقُف ، وَطلب البابا بُطرُس مِنْ الأنبا صرابامون أنْ يُصلّى هُو لإِبنة محمد على ، وَلكِنّه خجِل مِنْ البطريرك وَدعاه هُو للصلاة مِنْ أجلِها ، وَظلاّ هكذا فِترة حتّى إِضطر الأنبا صرابامون لِقبول دعوة البابا ، فأخذ صليب البابا بُطرُس وَصلّى بِهِ لإِبنة محمد على ، فخرج الرّوح الشرير ، فقال البابا بُطرُس أنّ الرّوح خرج بِصلاة الأنبا صرابامون ، بينّما قال الأنبا صرابامون أنّ الرّوح خرج بِصليب البابا بُطرُس 0
5- صلاة مِنْ أجل الّذين أغير منهُم
نُصلّى مِنْ أجلهُم ،وَمِنْ أجل ضعفاتنا ،عِندئِذٍ طِلبتنا تدخُل فِى الحال لحضرة الله ، صلّى مِنْ أجل حِماية محبِتك ، وَمِنْ أجل الآخرين أنْ يُزيدهُم الله بِمواهِب ، إِذا تخلّصنا مِنْ الغيرة تصير حياتنا كُلّها فرح وَمحبّة لِمَنْ حولنا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِتة وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
14 مارس 2025
مائة درس وعظة (٦٧)
لماذا ندرس الكتاب المقدس؟
"اكشف عن عينى فأرى عجائب من شريعتك" (مز ۱۸:۱۱۹)
ندرس الكتاب المقدس لأنه: اولا كتاب الخلاص
يحوى الكتاب المقدس رسالة الخلاص وهذا الخلاص بدا منذ أيام ادم، مروراً بالعهد القديم ثم العهد الجديد قصة الخلاص قد أخذت الاف السنين منذ خطية ادم وحواء حتى مجيء السيد المسيح وتقديمه الخلاص على الصليب، ثم على الصليب قال السيد المسيح "قد أكمل" (يو ۲۰:۱۹)، بمعنى انه قد كملت قصة الخلاص
ثانياً غذاء الإنسان
طعام الجسد مصدره الأرض، من خضروات فاكهة إلخ ومن المعروف عن الجسد انه تراب "لانك تراب وإلى تراب تعود، (تك ١٩:٣) أما الروح التي هي نسمة الحياة فلها غذاء آخر. كما يقول الكتاب "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله". (مت٤:٤)
الإنسان إن لم يأخذ غذاء الجسد سيضعف ويفقد طاقته، ويصبح غير قادر على العمل، أو الحركة، وأيضاً ستضعف مقاومته للمرض، وهكذا الروح أيضا، لذلك الروح تحتاج في كل يوم إلى غذاء
ثالثاً: قانون الأبدية
إن السماء مثل الأرض، ففي الأرض نأخذ مقرراً، لكي ما نذاكره ونمتحن فيه حتى ننجح وهكذا السماء يوجد بها مقرر يجب مذاكرته وفهمه ومعايشته حتى نستطيع النجاح في الأبدية، والكتاب المقدس هو قانون الأبدية المسيح له المجد يقول "من رذلني ولم يقبل کلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير (يو ٤٨:١٢)، فتخيل أن الله يجلس أمامك في يوم الدينونة، ويقلب في صفحات الكتاب ويسألك فيها، وأنت لا تستطيع أن تجيب على اي سؤال
رابعا: رسالة سلام
.السلام هو الاحتياج الأول للإنسان والكتاب يقول "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون ( مت ٩:٥) ولكن الإنسان لا يستطيع أن يصنع السلام، بدون أن يمتلئ هو أولاً بالسلام، ولذلك فإن الكتاب المقدس هو رسالة سلام، ويملا الإنسان بالسلام، ويقول داود النبي "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" (مز ١٩:٩٤) ومن الألحان المشهورة في الكنيسة "يا ملك السلام اعطنا سلامك قرر لنا سلامك واغفر لنا خطايانا".
خامساً : رسالة شخصية
الكتاب المقدس هو رسالة شخصية وأيضاً سلاح شخصي، فإن كان الإنسان يسير في طریق به بعض الكلاب الضالة، لابد أن يحمل معه عصا كسلاح له أو شخص آخر يسير في طريق مظلم، فإنه يرشم الصليب، طوال الطريق كسلاح له وهكذا الكتاب المقدس رسالة شخصية. وسلاح أمام الأعداء، فالشيطان في تجربته للسيد المسيح، كان يجيبه رب المجد، في كل مرة بقوله "مكتوب" (مت٤:٤) فالكتاب المقدس، يشبه السن المدبب الذي في طرف السهم والذي هو الجزء الفعال في السهم والكتاب المقدس يعلمنا قائلاً "إن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته (عب٤ :۱۲) وكلمة ، أمضى، تعنى حادة أكثر من كل سيف فالكتاب المقدس هو سلاح الإنسان أمام الخطية، والبابا شنودة له هذا القول الجميل "احفظوا الانجيل يحفظكم الإنجيل".
قداسة البابا تواضروس الثانى
عن كتاب صفحات كتابية
المزيد
13 مارس 2025
بدعة تاتيانوس السوري
ولد تاتيانوس في الجزيرة السفلى في حديابين من أبوين وثنيين فتربى في الوثنية. ثم طلب الحكمة فرحل وتجول وأقام في بلاد اليونان مدة من الزمن وانتهى في روما. وعاشر اليونانيين والرومانيين ومارس طقوسهم فلم يجد في أديانهم إلا ضلالاً وفساداً. فهو يقول: "لقد رأيت هذه الأشياء واشتركت في ممارسة الأسرار وتفحصت جميع الطقوس التي أنشأها المخنثون والخناثي فوجدت جوبيتر الروماني يستلذ الدم البشري والذبائح البشرية وكذلك أرتميس فإنها أجازت مثل هذا. ووجدت شياطين آخرين يقذفون انفجارات من الشر. وعندئذ عدت إلى نفسي أبحث عن السبل التي تقودوني إلى الحقيقة فوقعت يدي على مصنفات برابرة أقدم من آراء اليونانيين وأقرب من ضلالتهم إلى الحق الإلهي. فراقت لي سذاجتها وتجلى لي صدقها وحسن عندي تعليمها بوحدانية الله. وثبت لدي أن الطقوس الوثنية تقود إلى الدينونة والعقاب وأن هذه الأسفار تخرج من العبودية وتخلّص من ربقة الطغاة وجمهور المعلمين" ويرى العلماء الباحثون أن تاتيانوس اعتنق المسيحية في رومة ولزم يوستينوس الفليسوف وأخذ عنه وانتصر للمسيحية ودافع عنها. ولكنه خالف أستاذه في موقفه من الفلسفة اليونانية. فيوستينوس وجد شيئاً من الحقيقة في ما صنّفه رجال الفكر اليوناني واحترم فلسفتهم. أما تاتيانوس فإنه انثني على اليونانيين بالملام الشديد فانهال على فلسفتهم وعلومهم وفنونهم ولغتهم وعذلها عذلاً وأنشأ تاتيانوس بعد استشهاد معلمه مدرسة في روما علّم في الدين وشرح الأسفار. والتف حوله عدد من الطلبة بينهم ردودن Rhodon وصنف تاتيانوس لمناسبة الأستذة خطاباً في أربعة أجزاء خص الأول منها بالكوسمولوغية فأبان موقف المسيحيين من الإله الخالق وعلاقة الكلمة بالآب وكيفية خلق العالم والإنسان والملائكة. وبحث في الجزء الثاني من هذا الخطاب في الشياطين والشيطنة وشدد في الثالث النكير على الحضارة اليونانية فأظهر مُحالية الفلسفة اليونانية وسمو التجسد المسيحي ورذائل المسرح اليوناني والتناقض بين الفلسفة اليونانية والشرع اليوناني وتفوق المسيحية. وأبان في الجزء الرابع من هذا الخطاب عهد الآداب المسيحية وساقه الغرور إلى الإنحراف عن الإيمان القويم وأخذ عن الغنوسيين وغيرهم من هراطقة القرن الثاني فانكفأ إلى وطنه حوالي السنة 172 وأقام مدة في أنطاكية فقيليقية فالرها. وجمع في الرها الأناجيل الأربعة في كتاب واحد أسماه "من خلال الأربعة Diatessaron" و"الإنجيل الرباعي" وكتبه باليونانية أولاً ثم بالسريانية فتليَ في كنائس الرها وأقليم الفرات زماناً مديداً -حتى القرن الخامس- حتى أبطَله رابولا أسقف الرها بالأناجيل المنفصلة. وقد عثر المنقبون في دوره في سنة 1934 على جزء من الدياتيسرون باليونانية يعود فيما يظهر إلى ما قبل السنة 254 ونُقل إلى الأرمنية في القرن السادس وإلى العربية في القرن الحادي عشر وذلك على يد الراهب أبي الفرج ابن الطيب. ودعي ب "الرباعي" ويرجح العلماء المدققون أن تاتيانوس هو مؤسس مذهب الأنكراتيت. وهؤلاء قوم "من غلاة الأغفة نسجوا على بعض منوال المرقيونية واستهواهم الإفراط في الزهد فحرموا أكل اللحم وكل ذي نفس والخمر والزواج" واستعاضوا عن الخمر بالماء في سر الأفخارستية فسموا "الا كواريون" أيضاً. ولا نعلم شيئاً عن وفاته يشكل وجود هذا الكتاب -الإنجيل الرباعي- دليلاً قاطعاً على أن كنيسة القرن الثاني كانت قابلة للأناجيل الأربعة.
المزيد
12 مارس 2025
المغفرة والله الغفور
نحن يا إخوتي كلنا خطاة وكما قال القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليست لنا خطية،نضل أنفسنا وليس الحق فينا »(1يو 8:1 ) ومادامت لنا خطايا، فنحن نحتاج إذًا إلى المغفرة وهكذا فإننا نطلب المغفرة في كل يوم،قائلين في الصلاة «أغفر لنا ذنوبنا » حسب ما أوصانا الرب أن نقول وفي كل هذا نعتمدعلى الله الغفور.
الله الغفور:
ورد في سفر إشعياء النبي «هلمَ نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضَ كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير بيضاء كالصوف » (إش 18:1 ) ويقول في سفر حزقيال النبي «إذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقًا وعدلاً، فيحاة يحيا، لا يموت كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا » (حز 21:18 -22 ) وداود النبي يشهد في المزمور فيقول «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته –الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يفدي من الحفرة حياتك » ( مز 2:103-3 ) ويقول أيضًا «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا كما يترأف الأب على البنين، يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن »( مز 8:103 - 14 ).
والرب يغفر لأن هذه هي طبيعته:
المحبة والرحمة وأيضًا لأنه يقول: «هل مسرة أسرَ بموت الشرير – يقول الرب – إلا برجوعه عن طرقه فيحيا » ( حز 23:18 ) إنه لم يغفر فقط، وإنما أعطى سلطان المغفرة لكهنته، فقال «من غفرتم خطاياه تغفر
له » ( يو23:20)« وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » ( مت 18:18 ) بل وأمر الناس أيضًا أن يغفروا بعضهم لبعض وقال «اغفروا يُغفر لكم » ( لو 37:6 ) وحذّر من عدم المفغرة قائلاً «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ) ولما سأله بطرس الرسول «كم مرة يارب يخطئ إلىّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟ » أجاب الرب «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات » (مت 2221:18 ) أى ما لا يُحصى من المرات.
أمثلة للمَغفرة:
لقد غفر الرب لأهل نينوى بعد أن كان قد حكم عليهم بالهلاك ويقول الكتاب في هذا «فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه » ( يون 10:3 ). وقال ليونان النبي «أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟ » ( 11:4) وغفر الرب لزكا العشار، ودخل بيته غير مبالٍ بتذمر اليهود لأنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ بل قال «اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم » ( لو 5:19 – 9) وبالمثل كان يحضر وليمة للعشارين فلما تذمر الفريسيون، قال لهم «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى فأذهبوا وتعلّموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم أتِ لأدعو
أبرار اً بل خطاة إلى التوبة » (مت 10:9 - 13 ) ولقد غفر الرب للص اليمين المصلوب معه، وأعطاه وعدًا بالدخول إلى الفردوس قائلاً له «الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس » ( لو 43:23 ) أى أنه غفر لهذا اللص الذي قضى كل حياته في الشر، ونال الوعد بالخلاص في آخر ساعات حياته وغفر الرب لكثير من النساء للمرأة التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، وفضّلها على الفريسي وقال «إن خطاياها الكثيرة قد غُفرت لها لأنها أحبت كثيرأ » ( لو 36:7 -46 ) وغفر للمرأة الزانية المضبوطة في ذات
الفعل، التي أراد الكتبة والفريسيون رجمها حسب شريعة موسى فوبخهم الرب قائلاً «من كان منكم بلا خطية فليَرمها بأول حجر » ولما صرفهم عنها، قال لها «أين المشتكون عليك؟ أما دانك أحد وأنا أيضًا لا أدينك أذهبي ولا تخطئي أيضًا » ( يو 3:8 - 11 ) وغفر أيضًا للسامرية التي أخطأت مع خمسة رجال، والذي كان معها وقتذاك لم يكن لها وحدثها عن الماء الحى، وعن السجود لله بالروح والحق فصارت مبشرة لأهل مدينتها ( يو 6:4 - 29 ) وغفر الله للذين في السبى، وأرجعهم منه وغفر ليهوشع الكاهن العظيم وجعل ملاكه يوبخ الشيطان المقاوم له ويقول له «لينتهرك الرب أيها الشيطان، لينتهرك الرب أليس هذا شعلة مُنتشلة من النار » وبعد أن كان يهوشع بملابس قذرة، قال له أنظر، قد أذهبت عنك آثمك، وألبسك ملابس مزخرفة، وألبسوه عمامة طاهرة (زك 3) وحكى لنا عن قصة الابن الضال الذي رجع، فقبله الآب وذبح له العجل المُسمَّن، وألبسه الحلة الأولى وقال «نفرح لأن ابني هذا كان متيًا فعاش، وكان ضالاً فوُجد » ( لو 21:15 - 24 ) وقال الرب «هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين باراً لا
يحتاجون إلى توبة » ( لو 7:15 ) ومن أمثلة مغفرته أنه غفر لبطرس الذي أنكره 3 مرات وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل ولكن الرب غفر له ذلك وقال له «أرعَ غنمي أرعَ خرافي » ( يو 15:21 - 18 ) كذلك
غفر لشاول الطرسوسي الذي كان مُضطهِدًا للكنيسة، ويجر رجالاً ونساءً إلى السجن فظهر له الرب في طريق دمشق، ودعاه إليه، وجعله رسولاً للأمم، ومنحه نعمة كبيرة (أع 9) وأيضًا غفر لتوما الذي شكَ في قيامته، وظهر له وأزال شكوكه كما غفر لكل التلاميذ الذين هربوا أثناء القبض عليه فلم يعاتبهم على ذلك، بل ظهر
لهم بعد القيامة، وقال لهم «كما أرسلني الآب،أرسلكم أنا » ومنحهم الروح القدس وسلطان الكهنوت ( يو 19:20 - 23 ) نلاحظ أيضًا أن الرب غفر لداود الذي زنى وقتل ولكنه لما قال «أخطأت إلى الرب » قيل له «والرب قد نقل عنك خطيئتك لا تموت » (2صم 13:12 ) بل أكثر من هذا حينما أخطأ سليمان وقرر له أن يمزق مملكته،قال له الرب «إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود عبدي بل من يد ابنك أمزقها »( 1مل 12:11 ).
مَعنى المغفرة:
ليس معنى المغفرة تنازل الرب عن عقوبتها، وإلا فإن ذلك يعتبر نقصًا في عدل الله،ونقضًا لقوله «النفس التي تخطئ هي تموت »( حز 20:18 ) إنما مغفرة الخطية معناها نقلها إلى حساب المسيح، الذي يتألم عنها ويموت،ويمحو هذه الخطية بدمه ونقل الخطية واضح في مغفرة خطية داود، إذ قيل له «الرب نقل عنك خطيئتك، لا تموت»( 2صم 13:12) والأمر واضح أيضًا في نبوءة إشعياء النبي عن آلام المسيح، قوله«هو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا » ( إش5:53 -6).
مَا يصاحب المغفرَة:
مع المغفرة يستر الرب الخاطئ، ويمحو إثمه، ولا يعود يحاسبه على ما أخطأ به بل أيضًا لا يذكر خطيته بعد وينال الخاطئ تطهيراً له من خطاياه ويغسله الرب فيبيضَ كالثلج أو أكثر من الثلج وهذا كله واضح في المزامير والنبوءات وتعليم الإنجيل كما سنرى ففي (مز 1:32 -2) «طوبى لمن غُفر إثمه، وسترت خطيته طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية » وفي المزمور الخمسين «أغسلني كثير اً من إثمي، ومن خطيئتي تطهرني »، وأيضًا «مثل كثرة رأفاتك تمحو إثمي » وفي ( 2كو19:5)« الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم » وفي (حز22:18)« لأني أصفح عن خطاياهم ولا أذكر خطيتهم بعد » وفي ( إش18:1)«إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضَ كالثلج » على أنه في المزمور الخمسين يقول «أبيض أكثر من الثلج »
التوبَة وشروطها:
التوبة مهمة جدًا للمغفرة وفي ذلك قال الرب «إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون » ( لو 3:13 ,5) وقيل في سفر الأعمال إن الله أعطى الأمم التوبة للحياة ( أع 18:11 ) وقال الرب كثيراً «أرجعوا إليّ فأرجع إليكم » وركّز في أسفار الأنبياء على أن ترجعوا بكل قلوبكم،ومعنى هذا إن الإنسان لا يعرّج بين الفرقتين، بين الله والخطية.
ومن شروط المعفرة أن نغفر للآخرين فقال «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ).
ومن شروط التوبة للمغفرة: أن يصلح التائب نتائج خطيئته على قدر الإمكان وفي ذلك قال زكا في توبته «وإن كنت ظلمت أحدًا في شئ، أردّ أربعة أضعاف » ( لو 8:19 ) فالسارق الذي يتوب، عليه أن يرد ماسرقه والظالم في توبته يجب أن يرفع ظلمه ومن أساء إلى سمعة إنسان، عليه أن يرد له اعتباره.
أخيراً يقول الكتاب «إن سمعتم صوته،فلاتقسوا قلوبكم » (عب 7:3 ,8).
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
11 مارس 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث (یو ۸: ۳۱- ۳۹)
فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ تَبْتُمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاميذي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». أَجَابُوهُ: «إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ تُسْتَعْبَدُ لأَحَدٍ قَطُّ كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَاراً؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الْابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً. أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لأَنَّ كَلَامِي لَا مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ». أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ : أَبُونَا هُو إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!]
ما الذي تفعله الخطية؟
إنجيل هذا الصباح يحمل قضية الإنسان العظمى، الأولى والأخيرة قضية الخطية: «من يعمل الخطية فهو عبد للخطية». سنتكلم هنا عن كيف تستعبد الخطية الإنسان، وكيف يصير الإنسان خاضعاً كسيراً مقهوراً تحت سلطانها. سنعبر عليها درجة درجة
الدرجة الأولى: حينما يخطئ الإنسان الروحي لأول مرة يحس أن الخطية غريبة عليه، ويبدأ الضمير يشهد ضده. يضطرب قلبه تضطرب نفسه، يشعر أن عنصراً خطراً دخل فيه. ثم بعد أن يقع الإنسان في أول خطية، في الحال. يحس بشعور الذنب هنا الخطية أعلنت عن نفسها بمنتهى الصراحة، كما أعلن الله نفسه أيضاً بمنتهى الصراحة. إذ يشعر الضمير أنه قد اقترف التعدي. وهنا يُبرئ الله ذمته من الإنسان، ليبدأ الإنسان يدخل مجال الخطية بإرادته.
الدرجة الثانية: تبدأ الخطية تستقر في أعماق الشعور، أي العقل وما يتبعه، أي الإنسان الباطن غير الواعي تبدأ الخطية تعيش في الإنسان كغريب ولكن مقتحم أعطني له الفرصة أن يدخل البيت رسمياً وبأمر من الإرادة وبموافقة من النفس والعقل ، فهو صحيح غريم خطير ؛ ولكن في يده تذكرة دخول لا يستطيع الإنسان أن يحتج، فإرادته الحرة هي التي سمحت لها بالدخول.
الدرجة الثالثة: تبدأ الخطية تنطبع في الإنسان قليلاً قليلاً، لدرجة أننا نطلق على الإنسان اسم الخطية، وكأن الخطية صارت جزءاً لا يتجزأ من طبيعته. الإنسان العظيم الذي على صورة الله أخذ اسم الخطية بكل مسمياتها الكريهة، فهذا سارق، وهذا زاني، وهذا مغتصب. يا إلهي وهكذا ترتفع الخطية على الإنسان وتستحوذ على أثمن ما في داخله وما في خارجه.
الدرجة الرابعة هي المعركة الحاسمة : حيث ينتبه الإنسان لحاله الرديء بأي طريقة من الطرق عظة كلمة روحية نصيحة ناصح، أو حتى من ضميره. يحس بالفارق فيما كان وفيما صار إليه، يحس باحتقار الناس له، ولكن بالأكثر يحس باحتقاره لنفسه في نفسه، هذا أمر صعب جداً. وفي الحال يفكر بعزم أن يقاوم. ولكن، إذ به يتكشف له، ولأول مرة في حياته، أن الخطية تحصنت داخله وعملت لها سراديب داخل نفسه وشعوره ولا شعوره داخل الأعصاب والعواطف والمشيئة، وإذا بها متسلحة به ضده.
يستجمع إرادته؛ يلقاها متآكلة يستنفر قواه النفسية فلا يجدها، ويكتشف أن الخطية كانت هي اللص الذي اعتاد الدخول فعرفت خفايا البيت، وتسلحت بأسلحة صاحب البيت تسلحت بالإرادة ضد الإرادة، وبالفكر ضد الفكر، وبالنفس ضد النفس، وينقسم الإنسان على ذاته، ولا يبق له إلا الخراب في الخراب وتكون النتيجة أن كل محاولاته تبوء بالفشل وتزيده سقوطاً في الوحل.
حصر التلفيات، ماذا صنعت الخطية؟
الخطية فعل سلبي، والأفعال السلبية حينما تتكرر، تعمق وتحفر داخل الإنسان الطبيعي لتشوه صورته الطبيعية وتعطيه صورة غير طبيعية، ويكتشف الشخص الأضرار:
أولاً النفس: تصبح نفساً منحرفة لا تسير في مسارها المستقيم، بل تنحرف ذات اليمين وذات الشمال.
ثانياً الإرادة كل مرة يخطئ فيها الإنسان بإرادته أو بجزء من إرادته تلتهمه الخطية ويصير تابعاً لها، ومرة وراء مرة تبتدئ الإرادة تتهرأ وتنحاز إلى الخطية.
ثالثاً الأعصاب الأعصاب مخلوقة في الإنسان لتعمل على مستوى الطبيعة الإيجابي، ولكن ما أن ينحرف عن ما خُلق عليه؛ يصير ثقل الخطية على الأعصاب أكثر من احتمالها، ولا يعود ذلك الجهاز الحساس على مستواه الأول، بل تحدره الخطية إلى مستوى الصفر.
رابعاً الشعور الواعي وهو الذي يُعبّر عن الشخصية، مثل العقل والعواطف والمشاعر، فهو من كثرة التأنيب والعجز عن المقاومة، تضعف الشخصية، ويحس الإنسان إنه ضاع.
عنه خامساً اللاشعور : معروف أن . كل فعل يؤديه الإنسان وهو غير راض . يسقط في اللاشعور، ويعيش هناك ويُفرّخ، ثم يظهر بصورة تلقائية غير إرادية ويفضحه، كما يظهر في أحلام النوم، فيستيقظ الإنسان فيرى أن الخطية قد استطاعت تخريب كل ملكاته الداخلية وأضعفت نفسه وكل ملكاته.
مزيد من التلف
بتكرار المحاولات الفاشلة التي يحاول بها الإنسان في ضعفه وعجزه أن يتغلب على الخطية يزداد يأسه فيزداد ضعفه وكلما استنزفت الخطية من إمكانياته كلما خضع لها أكثر وأكثر، وازدادت عبوديته إجباراً.
وهكذا، في النهاية، يكتشف هذا الإنسان العظيم الجبار ذو النفس الجميلة البهية كيف هو صار مقهوراً ساقطاً تحت سلطان الخطية، وكيف هي غررته وخدعته تحت سلطان الشهوة واللذة والغنى الحرام، ويقيس فيجد أن كله كذب في كذب، لأن الخطية في الحقيقة هي أكبر كذبة في عالم الإنسان، ولا يدرك هذه الحقيقة إلا من تمرمر تحت ثقلها وذاق عمقها الفاجر، لكي تتركه في الختام فاقداً أعز ما يملك. وبهذا يتم قول المسيح: الذي يعمل الخطية هو عبد للخطية».
ولكن، الله، لم يترك الإنسان في هذا الوضع، الله تحرك منذ البدء وحرك السماء والأرض وحرَّك الأجيال والأنبياء والزمان والتاريخ ليعمل كله لحساب هذا الخاطئ الواقع في هذه العبودية، أرسل ابنه لينقذه منها، بل إن أول اسم حازه المسيح هو : مخلص، جاء ليخلص شعبه من خطاياهم، هذا هو عمله الوحيد أمات الخطية وقام غالباً إياها ورفع عن الإنسان ثقلها، وأعطاه جدة روحية في كل شيء فكر جديد، إرادة جديدة، مشيئة جديدة. كل شيء قد صار جديداً للإنسان.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
10 مارس 2025
«لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ» (يع1: 19)
تأتي الكلمة اليونانية κούω͗α بمعنى ينصت باهتمام، معبرة عن الإدراك عن طريق السمع وهو الأمر عينه الذي يوصى به يشوع بن سيراخ، قائلًا «كن سريعا في الاستماع وكثير التأني في إحارة الجواب» (سي5: 13) لقد أعطى الله الخالق للإنسان أُذنين بارزتين من رأسه، لكي يسهل له عملية الاستماع وكلمة "مسرعًا" تعني راغبًا أن يسمع باشتياق وبحب؛ فبالتالي هو لا يستمع بهدف الجدال أو المخاصمة، بل بعد السماع والإدراك يدخل حيز التنفيذ والعمل فنصلي في أوشية الإنجيل [فلنستحق أن نسمع ونعمل، بأناجيلك المقدسة، بطلبات قديسيك] ولكن يجب أن نلاحظ أن الإسراع في الاستماع ليس مطلقًا، فهناك أشياء لو سمعها الإنسان تضرّه، لذلك يوصينا سليمان الحكيم، «لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ» (جا7: 21) ومنها أن لا نشغل أنفسنا بكلمات الغير ضدنا، فالاهتمام بكلام أهل العالم، يجعلنا نصير عبيدًا للناس فلا نبالي لا نحب مديحهم، ولا نكره ذمّهم بل الإسراع في الاستماع لما يخص خلاص النفس والسماع إلى «خَبَرِ الإِيمَانِ» (غلا3: 5) فهذا واجب بأن نسرع دائمًا للجلوس تحت أقدام المسيح إلهنا، كما جلست مريم أخت لعازر الإستماع وصية إلهية يبدأ الله حديثه في الوصايا العشر، قائلًا «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ » (تث6: 4) فالاستماع أفضل من تقديم الذبيحة (1صم15: 22)، بل ويطلب معلمنا إشعياء النبي من الطبيعة غير العاقلة أن تستمع «اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ» (إش1: 2) يقول القديس أمبروسيوس [لم يقل "تكلم" بل "اسمع" فقد سقطت حواء، لأنها تكلمت مع آدم بما لم تسمعه من الرب إلهها فالكلمة الأولى التي يقول لك الله "اسمع" فإن كنت تسمع تحتاط في طريقك، وإن سقطت تصلح بسرعة طريقك لأنه «بماذا يصلح الشاب طريقه إلاَّ بحفظ كلمة الرب؟!» (مز119: 9) لذلك قبل كل شيء اصمت واسمع، فلا تسقط بلسانك إنه لشر عظيم أن يُدان الإنسان بفمه] (Duties of the Clergy,Book1, ch. 2) وعدم الاستماع لصوت الله، ووصاياه خطيئة قبل سبي بابل كانت مهمة الأنبياء أن ينادوا بأن الله سيدين من لا يسمع لصوته، بل وجعل المسيح إلهنا لمن لا يسمع لصوت المصالحة أو من الكنيسة؛ كالوثنيّ والعشار (مت18: 17) مع ملاحظة قول المسيح إلهنا للرسل «اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي» (لو10: 16)، فالكنيسة لا تتكلم إلا بكلام الله الله يسمع كما يطلب الله من أبنائه أن يستمعوا له، هو أيضًا يسمع لهم، ويستجيب وهذا ما يميز الإله الحي الحقيقيّ عن الآلهة الكاذبة، التي لها آذان ولا تسمع «فحسبوا جميع أصنام الأمم آلهة، مع أنها لا تبصر بعيونها، ولا تتنشق الهواء بأنوفها، ولا تسمع بأذنها ولا تلمس بأصابع أيديها أما أرجلها فعاجزة عن المشي» (حك15: 15).الاستماع للآخر يعالج معلمنا القديس يعقوب الرسول، أمرٌ خطير في حوارنا مع بعضنا البعض، فنحن قد لا نعطى فرصة لمن يريد أن يتكلم حتى يُعبِّر عن نفسه، بل نقاطعه لنعلن رأينا نحن!! وهنا نسمع الطريقة الصحيحة للحوار، أن نعطي للمتكلم فرصة كافية ولا نقاطع المتكلم فالاستماع في حد ذاته وسيلة للعلاج، فقد يكون المتكلم يريد أن يخرج ما بداخله من أمور مكبوته، وفقط يطلب من يسمعه، وهذا أمرٌ هام بالنسبة للأب الكاهن أو الإخوة الخدام من ناحية أخرى سماع الآخر، ولا سيما صاحب الرأي الآخر، سواء في حوارٍ لاهوتيّ، أو مناقشة من تعرّض لأفكار إلحادية؛ وسيلة هامة جدًا أن نستمع لهم حتى نحدد الفكر الخاطئ بدقة، ولا نتوهم نحن المشكلة، فمن يسمع للناس بهدوء لن يخطئ في الرد عليهم.
القمص بنيامين المحرقي
المزيد