المقالات
23 أبريل 2025
قوة القيامة
قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوى من الضلالة الأولى، التي هي كرازة المسيح.
فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟
1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو على القوة المعجزية التي له فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل على التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19).
2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد كل الذين قاموا من قبل، أقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22) وابن الشونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36) وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأن قوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4).
3- وقد قام المسيح على الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي على باب القبر القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوى منها ودلت قيامته على أنه كان أقوى من كل العوائق كانت قيامته انتصارًا على كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار على الموت وعلى الهاوية وعلى القبر وعلى الحجر الكبير وعلى الأختام وعلى الأكفان اللاصقة لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10) إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلى المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضيء كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16) كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلى أن أتى ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا...
4- مظاهر قوته بعد القيامة:
هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس على الأرض، إلى جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب وقوة دخوله إلى العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلى أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخرى سبقت قيامته.
5- قوته ما بين الموت والقيامة:
تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلى أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10).
6- أما السيد المسيح فقد دل بقيامته على أنه كان أقوى من الموت، وعلى أن موته لم يكن ضعفًا منه،ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من على الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء القيامة دلَّت على أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا فقوة القيامة أقوى رد على من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا على معجزة!!
بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد على رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان إن صمت المسيح في محاكمته، دليل على أنه مات بإرادته ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا وكما قام في قوة لا ننسى أنه مات في قوة لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق على الصليب وهو قد مات بالجسد ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم على رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع على القبر لم يحد أن أحدًا -غير المسيح- هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون.
7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين.
كان دليلًا على جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب وكان دليلًا على كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28) وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود لأنها كانت تدل على بره فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم وكما كانت القيامة دليلًا على بره، كانت في نفس الوقت دليلًا على ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلى تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود على ذلك" (أ ع 3: 13-15).
8- أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا على مسار عقائدهم وتعليمهم ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة فألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في حبس العامة" (أ ع 5: 17، 18) ولكن قوة القيامة، كانت أقوى من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوى من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا على أنه مات بإرادته وليس مرغمًا وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18).
9- كانت قيامته دليلًا على أنه أقوى من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوى من كل قوة البشر التي تقتل وتميت كان أقوى من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه على الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا "وكشاة تساق إلى الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها" قيامته دلت على أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحى وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18) هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24).
10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة أما المسيح فقد قام حيًا إلى أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20).
11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة...
لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلى السماء ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21).
12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها على الكنيسة والجميع استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون على المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة على الكرازة وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يُطَاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19).
13- ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين:
(أ) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوى من الموت.
لقد انتصر على الموت وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18).
(ب) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا.
وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23).
14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3) في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة،وهم في منتهى القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين وأصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلى العالم بأسره في ثقة وفي يقين.
15- قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية وكانت قوية في الدلالة على طبيعة المسيح ما هي ومَن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود وكانت ردًا مفحمًا على الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
22 أبريل 2025
" الإنسان الأول من الأرض ترابى الإنسان الثانى الرب من السماء" ( 1كو47:15)
یتحدث القدیس بولس الرسول عن إنسانین: الترابي والسماوي الترابي ھو آدم وكل نسله والسماوي ھو ربنا یسوع المسیح لقد خلق الله آدم من تراب الأرض (تك ۲: 7) ، وقال له بعد السقوط "لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ
تَعُودُ" (تك ۳: 19) ، ولذلك قال الجامعة "فَیَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاھَا" (جا ۱۲: 7) وھكذا دعي كل نسله ترابیون فیقول إبراھیم أبو الآباء "إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ" (تك ۱۸: 27) ویقول داود النبي في مزمور ۱۰۳ "لأَنَّه یَعْرِفُ جِبْلَتَنَا یَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ" (مز ۱۰۳: 14) ویتساءل أیوب "اُذْكرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّینِ، أَفَتُعِیدُني إِلَى التُّرَابِ؟" (أي ۱۰: 9)
ویجیب معلمنا بولس الرسول على ھذا السؤال "وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَیْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ" ( ۱كو ۱٥: 49) لذا جاء الإنسان الثاني الرب من السماء كما قال الرب "أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ (ترابیون)، أَمَّا
أَنَا فَمِنْ فَوْقُ أَنْتُمْ مِنْ ھذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ ھذَا الْعَالَمِ" (یو ۸: 23) ونلاحظ أن ضد المسیح طالع من الأرض (رؤ ۱۳: 11) لقد ولدنا ترابیون "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ ھُوَ" (یو ۳: 6) ، ولكي نلبس صورة
السماوي لا بد أن نولد من الروح "َالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ ھُوَ رُوحٌ" (یو ۳: 6) وتتم ھذه الولادة في المعمودیة فنصیر خلیقة جدیدة ( ۲كو ٥: 17) في المعمودیة نأخذ حیاة المسیح القائم من الأموات ھذه الحیاة مستترة فینا الآن مثل الحیاة المستترة في البذار "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ (بالمعمودیة) وَحَیَاتُكُمْ (المقامة) مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِیحِ
(القائم) فِي اللهِ" (كو ۳:3) فنحن الآن كبذار حیة وفي مجیئه الثاني ستظھر ھذه الحیاة المستترة ونقوم بالأجساد الممجدة لابسین صورة السماوي "مَتَى أُظْھِرَ الْمَسِیحُ حَیَاتُنَا، فَحِینَئِذٍ تُظْھَرُونَ أَنْتُمْ أَیْضًا مَعَه فِي الْمَجْدِ" (كو ۳: 4) ولأننا اشتركنا في قیامته صارت لنا الجنسیة السمائیة "فَإِنَّ سِیرَتَنَا (جنسیتنا) نَحْنُ ھِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْھَا أَیْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا ھُوَ الرَّبُّ یَسُوعُ الْمَسِیحُ، الَّذِي سَیُغَیِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِیَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ" (في ۳: 20, 21) وھذا ھو معنى فداء الأجساد (رو ۸ :23) ھذه البذار لابد أن تموت وتدفن لكي تظھر ھذه الحیاة المستترة، ولكن إن فسدت ھذه البذار بالخطیة فلن تعطي أي ثمر عند دفنھا "قیامة الدینونة" (یو ٥: 29) السید المسیح ھو "قیامتنا كلنا" فنحن كنا أمواتًا بالخطایا ولكن "الَلهُ الَّذِي ھُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِه الْكَثِیرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِھَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَایَا أَحْیَانَا مَعَ الْمَسِیحِ -بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ- وَأَقَامَنَا مَعَه، وَأَجْلَسَنَا مَعَه فِي السَّمَاوِیَّاتِ فِي الْمَسِیحِ یَسُوعَ" (أف ۲:٤-6) لذا إن كنا قد قمنا مع المسیح یجب أن نسلك كسمائیین في ھذا العالم كما سلك ھو: "أَنَّه كَمَا ھُوَ فِي ھذَا الْعَالَمِ، ھكَذَا نَحْنُ أَیْضًا" ( ۱یو ٤: 17) وتكون اھتماماتنا سمائیة ولیست أرضیة "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِیحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَیْثُ الْمَسِیحُ جَالِسٌ عَنْ یَمِینِ اللهِ اھْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ" (كو ۳: 1, 2) القیامة لیست حدث تاریخي نتذكره ونحتفل به كل عام ولكنھا ھي حیاة معاشة وقوة أخذناھا بقیامة المسیح "وَھُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِیعِ كَيْ یَعِیشَ الأَحْیَاءُ فِیمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِھِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِھِمْ وَقَامَ" ( ۲ كو5 :15)
نيافة الحبر الجليل الأنبا يوسف مطران جنوب الولايات المتحدةالأمريكية
المزيد
21 أبريل 2025
الظهورات أثبتت أهمية الفرد عند السيد المسيح
كل عام وأنتم بخیر
خریستوس آنیستي.. آلیثوس آنیستي ...
یحلو لنا أن نتأمل في ظھورات السید المسیح بعد قیامته لنتعلم منھا دروسًا أحدھا ھو أن السید المسیح یھتم بكل أحد یھتم بالجموع ویھتم بالفرد، ولم ینس واحدًا، وھذه بعض الإثباتات:
۱- اھتم بتوما وظھر له خصیصًا لیزیل شكه ویعیده إلى الإیمان، كان یمكن أن یكتفي الرب بشھادة التلامیذ العشرة، ولا یھتم بتوما فإذا قال عشرة رأینا الرب واعترفوا بقیامته وواحد لم یعترف فما قیمة الواحد... ھذا یمكن أن یكون في العالم ولكنه لیس عند المسیح الذي یھتم بكل واحد منذ البدایة.
۲- اھتم بزكریا الكاھن وبطلبته ھو وزوجته واستجاب لطلبھما وكذلك أرسل له ملاكه الجلیل جبرائیل لیبشره بمیلاد یوحنا المعمدان السابق والصابغ.
۳- اھتم بالعذراء منذ طفولتھا، وبإعدادھا لكي تكون أمًا له، وأرسل إلیھا ملاكه الجلیل جبرائیل لكي یعطیھا السلام ویبشرھا بالحبل الإلھي بالسید المسیح.
٤- اھتم بالعذراء مریم واختار لھا رجلاً قدیسًا ھو یوسف النجار لكي تكون في حمایته ورعایته حتى یتم المیلاد البتولي العذراوي بدون معوقات.
٥- اھتم بیوسف النجار وأرسل له ملاكه لیزیل شكه في حبل السیدة العذراء،وكذلك اھتم بھا ودافع عنھا ضد الاتھامات والشكوك، دافع عنھا وھي صامتة.
٦- اھتم بالرعاة وأرسل لھم مجموعة من الملائكة لیبشرھم بمیلاده العجیب، مما دفعھم للذھاب إلیه ورؤیته وأخذ بركته.
۷- اھتم بالمجوس وأرسل لھم نجمه وقادھم طوال الطریق حتى وصلوا إلى الطفل وقدموا ھدایاھم وسجدوا له، كذلك اعتنى بھم في طریق العودة وقادھم بعیدًا عن ھیرودس وشروره.
۸- اھتم بنیقودیموس وقضى اللیل معه یوضح له كیفیة معاینة ودخول ملكوت الله.
۹- اھتم بكل مرضاه واحدًا واحدًا (المولود أعمى، المفلوج المدلى من السقف، مریض بركة بیت حسدا، عبد قائد الجند، ابنة الكنعانیة، إلخ.).
۱۰ - اھتم بكل من أقامھم من الموت (ابنة یایرس، ابن أرملة نایین، لعازر).
۱۱ - اھتم بزكا العشار ودخل بیته، واھتم بالسامریة وسار لأجلھا ساعات طویلة.
۱۲ - اھتم بالتلامیذ ودعاھم واحدًا واحدًا. اھتم ببطرس وحذره من الاندفاع والنكران، واھتم بیھوذا الإسخریوطي وحذره أكثر من مرة من السقوط في خطیة تسلیم المسیح.
۱۳- وبعد قیامته اھتم بمریم المجدلیة فظھر لھا أولاً، رغم أنه كان بھا سبعة شیاطین أخرجھم منھا.
۱٤- واھتم ببطرس رغم إنكاره وظھر له خصیصًا، وكذلك أعاده إلى رسولیته مرة أخرى، فقد قال الملاك للمریمات "اذْھَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِیذِهِ، وَلِبُطْرُسَ" (مر ۱٦: 7) ، واختصه بذكر اسمه دون التلامیذ لأنه ظن أنه رُفض بعد أن أنكر، لذلك أراد الرب أن یطمئنه أنه قبل دموعه وتوبته وكذلك ظھر له على بحر طبریة وجعله یصحح ما سقط فیه من إنكار بأن یقول ثلاث مرات"أَنِّي أُحِبُّكَ" (یو ۲۱: 16) ، ورده إلى رسولیته ورسالته مرة أخرى.
۱٥- ظھر لیعقوب وحده أول رسول شھید "وَبَعْدَ ذلكِ ظَھَرَ لیِعْقوُبَ، ثمُّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِینَ" ( ۱ كو ۱٥: 7).
۱٦- ظھر لبولس الرسول "وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّه لِلسِّقْطِ ظَھَرَ لِي أَنَا"(1 كو ۱٥: 8 ).
كل ھذا یوضح عنایة الرب واھتمامه بالنفس الواحدة لذلك فلا تدع الأفكار تسیطر علیك وتفقدك الأمل في اھتمام الرب بك وعنایته لك واستجابته لصلاتك وتدخله في حیاتك فأنت مھم عنده فلابد أن تثق في ھذا وتؤمن به ففي ذلك علاج لكثیر من متاعبك الروحیة والنفسیة.
نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا مطران دشنا وتوابعها
المزيد
20 أبريل 2025
الرسالة البابوية لعيد القيامة المجيد
باسم الآب والابن والروح القدس الإﻟﻪ الواحد آمين ﺗﺤل علينا نعمته ورﺣﻤته من الآن وإﻟﻰ الأبد آمين.
إخرستوس آنيستى، أﻟﻴثوس آنيستى اﻟﻤسيح قام، حقًا قام.
أھنئُكم أیھا الأحباءُ بعیدِ القیامةِ المجید أھنئُ كلَ الكنائسِ والأدیرة القبطیة الأرثوذكسیة في قارات العالم: في أفریقیا وآسیا وأوروبا وأمریكا الشمالیة وأمریكا الجنوبیة وأیضًا في قارة أسترالیا وفي مدینة إلھِنا العظیم أورشلیم. أھنئُكم بھذا العید الذي نحتفلُ به بعد أن صمنا ھذا الصوم الكبیر، الصوم المقدس. وھو الصومُ الذي فیه نسكیاتٌ وفیه حیاةٌ روحیة، نمتلئ ونشبع بھا وعندما نأتي إلى القیامةِ وإلى فجرِ القیامةِ تأتي أمامَنا مشاھدٌ كثیرة من ھذه المشاھدِ مشھدُ المریمات وھن یحاولن أن یقدمن الأطیاب ولكن كان یشغلھن ھذا السؤال، من یدحرجُ لنا الحجرَ (مرقس ۱٦: 3)؟
وھذا السؤالُ لیس من عند المریمات فقط ولكنه یواجھنا في حیاتنا الیومیة نواجه موضوعاتٍ كثیرة ومواقفَ كثیرة في حیاة كلِ واحدٍ فینا،وأحیانًا یبقى ظاھرًا في حیاتنا حجرٌ ھذا الحجرُ یمكن أن یكون الخطیة ممكن أن یكون الكسل،ممكن أن یكون الانشغال الزائد بالعمل، ممكن أن یكون ذات الإنسان، ممكن أن یكون الأولویات
وترتیبھا من یدحرجُ لنا الحجر؟ الحجرُ ھنا یمثل صعوبةً أمامَ الإنسان من سیحركھا؟ طبعًا واضحٌ لنا أن
المریمات كن نساءً وقفن أمامَ حجرٍ كبیرٍ كان یسدُ بابَ القبرِ، ولم یكن بسھولة أن یحركنه فكان یسببُ مشكلة ونحن في حیاتِنا الیومیة نواجه مشكلاتٍ كثیرة ویأتي السؤالُ: من یدحرجُ الحجر؟ من یحِلُ المشكلة؟
من یزیلُ ھذه الصعوبة؟ من یفتحُ الطریقَ المسدود؟
أذكَّركم بالشاب الغني (مرقس ۱۰: 17-22) الشاب الغني الذي عاش وذھب لیسألَ المسیحَ سؤالاً جمیلاً
جدًا وقال "مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَیَاةَ الأَبَدِیَّةَ؟" سؤالٌ رائع شابٌ یبحث عن أبدیته وبعدما شرحَ له المسیحُ
أن یحفظَ الوصایا، قال له "ھَذِهِ كُلُّھَا حَفِظْتُھَا مُنْذُ حَدَاثَتِي" فقال له "یُعْوِزُكَ أَیْضاً شَيْءٌ وَاحِدٌ"باقٍ خطوة واحدة ما ھي الخطوة الباقیة؟ "اذْھَبْ بِعْ كُلَّ مَا لكَ وَأعَطِ الْفقُرَاءَ فَیَكُونَ لكَ كَنْزٌ فيِ السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِیبَ". یقول لنا الكتاب: "فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِینًا" (متى ۱۹: 22) كان ھناك حجرٌ أمامَه، وھذا الحجر لم یستطع أن یتخطاه كان غناه ھو الحجر. ویمكن أن أذكِّرُكم بمثل الفریسي والعشار (لوقا ۱۸: 9-14) عندما دخلا للصلاة، الفریسي وقفت أمامه الذات. الذاتُ وإحساسٌ بأنه ھو الأفضل. أما الرجلُ العشار فخرج مُبَررًا،لأنه قال عبارةً واحدةً: "اللھُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ"(لوقا ۱۸: 13) من یدحرجُ لنا الحجر؟
النقطة الثانیة: المریمات بالرغم من أن السؤال شغلْھن وكانت ھناك صعوبةٌ قدامھن، لكن –في الحقیقة- كان عندھن اجتھادٌ، وكان عندھن جھاد ماذا فعلن؟ أعددن الحنوطَ وابتدأن یحضِّرن أنفسَھن وابتدأن یَخْرُجْن ویمشین في الفجر مبكرًا(مرقس ۱٦: 1) لكي یذھبن ویضعن ھذه الحنوط على جسدِ المسیحِ الذي ماتَ على عودِ الصلیب لكن كان عندھن شاغلٌ: من یرفعُ الحجر؟ ھذا السؤال لم یجعلھن یتعطلن. بل حفَّزَھن لیكون عندھن جھادٌ، وعندھن نشاطٌ، وعندھن أملٌ،وعندھن إیمانٌ قويٌ أن ھناك أشیاء ستحدث القدیس بولس الرسول یقول لنا أیةً جمیلةً إذ یقول "غَیْرَ مُتَكَاسِلِینَ فِي الِاجْتِھَادِ حَارِّینَ فِي الرُّوحِ عَابِدِینَ الرَّبَّ" (رومیة ۱۲: 11) وفي سفر الأمثال في العھد القدیم یقول "الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَیْدًا" (أمثال ۱۲: 27) فھذا یعني لو أنك أحضرتَ صنارةً ووضعتھا ھكذا من غیر أن تستعدَ لھا جیدًا، سوف لا تمسك ولا سمكة[واحدة]. في العھد القدیم یأتي أمامَنا موقفُ نحمیا وھو في الأسْرِ أو السبي. فقد أتت لنحمیا أخبار أن بلادَه أسوارُھا مھدومةٌ وأبوابُھا محروقة بالنار وبعد أن أخذ إذنَ الملكِ، ابتدأ یرجع لمدینتِه التي ھي أورشلیم ویحاول أن یبني ولیس لدیه أيُ إمكانیات، فبدأ یقولُ للساكنینَ على محیطِ السور أن یبني كلُ واحدٍ جزءً من السورِ الذي یقعُ أمامَ بیتِه(نحمیا ۳: 28) وابتدأوا یعملون كذلك. وقال لھم شعارًا قویًا إذ قال: "إِنَّ إِلَه السَّمَاءِ یُعْطِینَا النَّجَاحَ وَنَحْنُ عَبِیدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي" (نحمیا ۲: 20) یعني أن ھذا النجاح نأخذه من ربنا، ونحن سنقوم ونعمل رغم أن السورَ كان أمامه مھدومًا والأبواب محروقةَ بالنار. ربما كان نفس ھذا الموقف أیضًا مع العذارى الحكیمات (متى ۲٥: 1-13) فقداجتھدن وحضَّرن الزیتَ وحضَّرن المصابیحَ وانتظرن المسیحَ. سھرن، رغم أنھن لم یكنَّ یعرفن متى سیأتي المسیحُ العریس.
الخطوة الأولى: مَن یدحرجُ لنا الحجر؟ ھذه ھي
الصعوبة.
الخطوة الثانیة: الاجتھاد والجھاد.
الخطوة الثالثة: كانت خطوةً طیبة، وھي خطوةُ الحجر المرفوع. وھي یدُ ربنا عندما تعمل. وصلن إلى القبر وشاھدن الحجرَ مرفوعًا (مرقس ۱٦: 4)وأرجوكم أن تتخیلوا مشاعرھن، وفرحتھن الداخلیة بأن الحجر -الذي كان یمثل المشكلة والصعوبة-رفعه السیدُ المسیحُ وقامَ من بین الأموات. وجدن الحجرَ مرفوعًا والقبرَ فارغًا ویدَ الله قد عملت لأجل ذلك وأنتَ أمام أي صعوبة، اعرف أن یدَ ربنِا تعمل. في یوم من الأیام، وقبل القیامة بیومین، كان الصلیبُ یوم الجمعة، وعلى الصلیب صُلب السید المسیح وعن یمینه لصٌ وعن شماله لصٌ، لكي یُحسَب الجمیع كأنھم لصوص. واللصُ الیمین قال عبارةً جمیلة، وأعتقد أنه لم یكن یتوقع نتیجتَھا:
"اذْكُرْنِي یَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" فكانت النتیجة: "الْیَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" (لوقا42:23-43) لقد قامَ المسیحُ لیُقیمَنا معه. لأجل ذلك أنت عندما تواجه صعوبة أو مشكلة، اجتھدْ وكنْ أمینًا واعرفْ أن یدَ الله تعملُ وستكون النتیجة مبھرةً بإیمانِك وبرجائِك.
أھنئُكم بھذا العید المجید. أھنئُ كلَ الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكھنة القمامصة والقسوس، أھنئُ الشمامسة والأراخنة والخدام والخادمات، وأھنئُ أیضًا كلَ أسرة قبطیة في كلِ كنیسة وفي أي مكانٍ، وأھنئُ الشبابَ والشاباتِ، وأھنئُ أیضا الفتیانَ والفتیات، وأھنئُ الأطفالَ والصغار. أھنئكم جمیعًا من أرض مصر ومن الكنیسة القبطیة الأرثوذكسیة، ھنا من الكاتدرائیة -كاتدرائیة مارمرقس- في العباسیة بالقاھرة، أرسلُ ھذه التھنئةَ إلى جمیعِكُم، وأرجولكم عیدًا مملوءً بالفرح والبھجة والشعور القوي الذي نشعرُ به في القیامة المجیدة التي نصلي بھا كل یوم في التسبحة ونقول: "قوموا یا بني النورِ لنُسبحَ ربَ القوات" إخرستوس آنيستى، أﻟﻴثوس آنيستى اﻟﻤسيح قام، حقًا قام.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
19 أبريل 2025
سبت الفرح والتهليل
لقاء حول ظهور النور في سبت الفرح
في جلسة عائلية بعد الاحتفال بعيد القيامة المجيدة، الذي كان يُدعى « عيد الفصح المسيحي » سألت الفتاة الصغيرة أن ( حنة ) لماذا يظهر النور في سبت النور من قبر المسيح وليس في أحد القيامة ؟
أجابت والدتها سوسنة : إذ تجسد كلمة الله وصار إنسانًا ليُخلصنا بصلبه، مات بإرادته في نهاية الجمعة العظيمة. مع بدء السبت انطلقت نفسه إلى الهاوية، فاهتزت أسوارها واستقبله الراقدون الذين ماتوا وكانوا يؤمنون بمجيء المسيح المخلص. انطلقت نفوس أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس ومعهم الآباء ابراهيم وإسحق ويعقوب وعائلاتهم والمؤمنون من نسلهم وأيوب البار وأمثاله في موكب عظيم يضم البلايين يقدمون الشكر والتسبيح تهللت كل القوات السمائية من ملائكة ورؤساء ملائكة وشاروبيم وسيرافيم وغيرهم في منظر جميل ورائع، الكل كانوا يسبحون المخلص بتسبحة جديدة، إذ رأوا ما كان سرًا إلهيا مخفيًا عنهم دهشوا لمحبة الله لبني البشر الذين صاروا كملائكة الله وقد انضموا إلى خورس الملائكة للتسبيح نحن أيضا نفرح في سبت الفرح ونتغنى بتسابيح المؤمنين الذين عاشوا في العهد القديم والعهد الجديد فظهور النور في يوم السبت يدعونا أن نهنئ الراقدين بتمتعهم بالقيامة قبلنا، ونحسب فرحهم في يوم السبت بداية لفرحنا يوم الأحد.
مارك : اخبريني يا أمي هل في السماء سننضم نحن الخطاة الضعفاء مع هؤلاء المسبحين لمسيحنا المصلوب القائم من الأموات؟
سوسنة : لماذا تقول هذا يا مارك ؟ انجيلنا معناه « الأخبار السارة » فهو يدعونا أن نلتقي مع مسيحنا مفرح القلوب بالتوبة.
مارك : أليست التوبة تعني الحزن على خطايانا ؟
سوسنة : التوبة هي رجوع إلى مخلصنا السماوي مفرح القلوب، ففي مثال الابن الراجع إلى أبيه (لوقا١٥)، عاد الابن إلى أبيه حزينًا على خطاياه ومتهللا بأبيه الذي انطلق إليه وحضنه وقبله، ودخل به إلى البيت ليجد وليمة عظيمة أعدها أبوه له. فالتائب مثل داود النبي كان يبكي على خطاياه وكانت دموع الفرح أيضًا تتدفق من عينيه إذ يرى ويلمس حب الله له !
لماذا كل هذه التسابيح في سبت النور ؟
آن : لاحظت يا أبي أننا في سبت الفرح نسبح بتسابيح كثيرة لأناس في أجيال متعددة مثل موسى النبي، وحنة أم صموئيل، وحبقوق النبي، ويونان النبي، وحزقيا ملك يهوذا، وابنه منسى الذي كان أشر ملوك يهوذا لمدة أكثر من خمسين عامًا وتاب في آخر أيامه، وإشعياء النبي، وإيليا النبي، وسليمان النبي وسمعان الشيخ، وغيرهم كثيرون الكنيسة كل هذه التسابيح ؟ لماذا وضعت
الأب دانيال : وضعت الكنيسة هذه التسابيح لأشخاص في أجيال متنوعة، وأيضًا في ظروف مختلفة، رجال ونساء، لكي تجعلنا دائما في رجاء بدون يأس مهما كانت خطايانا ما دمنا نطلب نعمة الله وحبه ونؤمن في جدية أنه غافر الخطايا، ونجاهد كأبناء واثقين في محبة أبينا السماوي.
مارك : كيف يفرح كل المؤمنين، خاصة إذا ظلمهم الناس أو ضايقوهم أو أصيبوا بمرض شدید؟
الأب دانيال : هلم نرى كيف يريدنا ربنا أن نعيش متهللين به على الدوام انظر عندما تجلى السيد المسيح أمام بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور، رأوا السيد المسيح كله نور حتى سقطوا على الأرض، وكان معه موسى النبي الذي عانى الكثير من الشعب في البرية حتى طلبوا قتله هو وأخيه هرون الكاهن، كما ظهر إيليا النبي الذي كانت الملكة إيزابيل وزوجها الملك أخاب يطلبان قتله، ترى كيف كان حال موسى وإيليا وهما مع السيد المسيح المنير ببهاء عظيم في تجليه ؟!
مارك : حتما كان نور المسيح منعكسا عليهما، وكانا يتحدثان معه بفرح شديد عن ما سيقدمه المسيح للبشرية بصلبه وقيامته.
دانيال : وماذا كان حال بطرس ويعقوب ويوحنا ؟
مارك : لقد طلب بطرس لنفسه وليعقوب وليوحنا من الرب المنير : ( جيد يا رب أن نكون ها هنا » (مت ١٧ : ٤)، فالثلاثة اشتهوا أن يعيشوا إلى الأبد على الجبل مع السيد المسيح وموسى وإيليا.
دانيال : هل كان يفكر موسى وإيليا في الذين كانوا يريدون قتلهما ؟
مارك : حتما إن ما كان يشغلهم هو الشكر والتسبيح لهذا المخلص المنير، الذي يهبهم انعكاس مجده عليهما.
دانيال : ونحن أيضًا نتألم قليلاً في العالم، لكن السماء ترحب بنا والرب وملائكته ينتظروننا بفرح.
صلاة منسى بين التسابيح
آن : يقول الكتاب المقدس عن منسى بن حزقيا الملك الصالح أنه أشر ملوك يهوذا قيل عنه إنه أضل الشعب ليعملوا أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (۲مل ۲۱ : ۹) ، « وجعل أيضا يهوذا يخطئ بأصنامه » (۲مل ۲۱ : ۱۷) ؟
سوسنة : حقا قضى منسى أغلب ملكه الذي استمر ٥٥ عامًا يمارس شرورا خطيرة، لكنه في أواخر حياته تاب، وجاء في صلاته الواردة في الترجمة السبعينية للعهد القديم" الآن أحني ركبتي قلبي، وأطلب من صلاحك. أخطأت يا رب أخطأت، وآثامي أنا عارفها. ولكن أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لي، ولا تهلكني بآثامي لأنك أنت إله التائبين فأسبحك في كل حين كل أيام حياتي، لأنك أنت هو الذي تسبح لك كل قوات السماوات، ولك المجد إلى الأبد آمين لقد صار منسى شاهدًا عجيبا الله غافر الخطايا، مراحمه أعظم من كل الخطايا كل من يتطلع إليه لا ييأس مطلقا من مراحم الرب.
تسبحة الثلاثة فتية القديسين
مارك : لماذا نسبح الله بتسبحة الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا يتمشون في وسط النار وهم متهللين، وتسمي الكنيسة هذه التسبحة الهوس الثالث نرددها كل يوم، أما في سبت النور فلها لحن رائع يردده حتى الأطفال الصغار وهم متهللين، يقولون سبحوه مجدوه، زيدوه علواً إلى الأبد رحمته، فهو المسبح، والمجد، والمتعالي علي الأدهار ، وإلى الأبد رحمته.
سوسنة : إننا نردد هذه التسبحة كل يوم لأن الكنيسة تكشف لنا أن ظلم الأشرار حتى ولو صدر عن أباطرة وملوك، يحوّله الله إلى مصدر فرح وتهليل، لأن النار صارت للفتية كأنها ندى رقيق ولطيف رأى الامبراطور في النار الذي أعدها لحرق الثلاثة فتية شخصا يصاحبهم، قال عنه إنه شبيه بابن الآلهة يليق بنا ألا نخاف من أية ضيقة مهما كانت شديدة فالله يحولها لفرح قلوبنا ومجدنا الأبدي.
صلاة ختامية
وقفت الأسرة كلها للصلاة، وقام الفتى الصغير بالصلاة قائلاً نشكرك يا رب، لأنك مفرح قلوبنا بصليبك فرحت الطغمات السماوية، لأنك حطمت الهاوية ووهبتنا أن نتمتع بالفردوس لم نعد نخاف الموت، إذ نراك ترحب بنا وتدهش الملائكة أننا ننضم إليهم نعمتك تسندنا، حتى إن كنا في وسط النار نسبحك مع الثلاثة فتية القديسين نعتذر لك عن كل أخطائنا وشرورناهب لنا أن نتقدس ونتمتع ببرك !
بموتك تحوّل الراقدين في الهاوية إلى خورس للتسبيح نردد بالحقيقة مع الرسول بولس أقمتنا من موت الخطية
وأجلستنا في بهجة السماوات. »
أحببتنا، ونحن نشتاق أن نراك !
نعم، تعال سريعا أيها الرب يسوع. آمين.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
18 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الجمعة الكبيرة + مت ٢٧: ١٥ - ٢٦ + مر ٦:١٥- ٢٥ + لو ٢٣ : ١٣ - ٢٥ + يو ١٩: ١- ١٢
وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي العِيدِ أنْ يُطلِقَ لِلجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسِ. " فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بيلاطس: «مَنْ تُرِيدُونَ أنْ أَطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. " وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الولايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قائلة: «إِيَّاكَ وَذَلِكَ الْبَار لأني تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلم مِنْ أَجْلِهِ». وَلَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشَّيُوحَ حَرَّضُوا الجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلَبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.فأَجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْ الاثنين تُريدُونَ أَنْ أُطلِقَ لَكُمْ؟» فقالوا: «بَاراباس!». " قالَ لَهُمْ بيلاطس: «فَمَادًا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلب!» فقالَ الْوَالِي: «وَأَيُّ شَرِّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخا قَائِلِينَ: «لِيُصْلِبْ!» فلما رأى بيلاطس أنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَعْبٌ، أَخذ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قَدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَم هذا الْبَارِ أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا». حِينَئِذٍ أَطلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلِبَ.
أما يسوع فجلدوه وأسلموه ليصلب
طوبى للحزائي لأنهم يتعزّون، طوبى للمصلوبين لأنهم يتجلون، طوبى للمنسحقين لأنهم يملكون، طوبى للجياع لأنهم يشبعون، حيث تُنسى هناك كل أوجاعهم وتمسح دموعهم وينمو موضعها نور يشير إلى الأهوال التي اجتازوها وإلى سر المجد المتحصل منها، ويشرح عظم صبر الإنسان وقوة مراحم الله، حيث تبدو النسبة بين مقدار الألم ومقدار المجد المتحصل منه نسبة هائلة وغير معقولة، فيكتشف الإنسان أن الآلام كانت فخاً مقدساً نصبه الله ليصطاده إلى مجده. فاحتمال الألم أقوى من العبادة ويقول أحد القديسين أنه رأى في رؤيا جماعة الشهداء في مجد يفوق مجد الملائكة الذين كانوا معهم، ورأى حول أعناق الذين ماتوا منهم ذبحاً بالسيف زهوراً حمراء كعقد موضع الذبح تضئ وتتلألأ أشدّ لمعاناً من كل نور آخر ظهر في الرؤيا!
إن سرّ الصليب بالنسبة للمسيح هو سر مجده فالألم الساحق الذي عاناه الرب تحت وطأة التمزيق النفسي بسبب الظلم أثناء المحاكمة، وخيانة التلاميذ وتسليم يهوذا، وإحساسه أن حياته ثمنوها بثلاثين من الفضة ... هذه كلها كانت معبراً من عالم التفاهة المتناهية إلى مجد الآب. وعلى هذا المعبر عينه يلزم أن تمر أقدام الإنسان في كل زمان ومكان الصليب بآلامه الرهيبة لا يُمكن أن يساوى المجد الذي تحصل منه. الصليب لم يصادف الرب في طريق حياته، ولكنه ولد له "لهذه الساعة أنا أتيت" الإنسان يُولد للألم، والألم مولود للإنسان. ولكن في نفس الوقت، الصليب لم يكن إلزاماً حتمياً على الرب، كما نشعر من كلامه، وكما نتأكد من جهة قداسته ولاهوته، ولكن هو نفسه جعله إلزاماً حتمياً على نفسه الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ لكي يشاركنا في حتمية الألم، فبدا الله في شخص المسيح ابنه أنه يتألم اضطراراً، حتى يجعل اضطرار الألم مساوياً لاختياره، حتى لا يُحرم أي إنسان في الوجود من رحمة الله، ويمتد الصليب ليشمل كل من تألم ظلماً إن الألم عشرة كبرى لعقل الإنسان، فالعقل لا يُجيز الألم كواسطة لأي خير، وما جهاد الإنسان في ميادين العلوم المختلفة ليس إلا محاولة لتجنب الألم والتعب لذلك فحتمية الألم لدى العقل أمر عسير وشاق جداً، بل ومحال قبولها، لأن الرضى بالألم هو بعينه إلغاء العقل وكل نشاطه فلو أدركنا أن الصليب هو أعظم مظاهر تحرك الله على الصعيد العياني المنظور الذي فيه تجلى الله للإنسان أكثر من تجليه على جبل تابور، حيث الصليب هو الألم في صورته التعسفية الظالمة؛ حينئذ علينا أن نحس أن الصليب هو الدابة التي ركبها الله القدير وانحدر عليها من مكان سكناه هناك من موطن احتجابه الأزلي، وجاء إلينا وصافحنا يداً بيد الصليب هو قوة ديناميكية الله الفائقة التي أحدرت الله إلينا واستعلنته واضحاً. الألم هو بصورته المادية جمود والحصار وتوقف، ولكن بجوهره الروحي تحرك وأي تحرك !
الإنسان يظل متوقفاً روحياً، وعاطلاً عن المسير، راجعاً مع المسيح إلى الله إلى أن يحمل صليبه الإنسان يستحيل أن يتحرك نحو الله عقلياً، فالعقل مهما بلغ بالتأمل، إنما يكتشف الله وحسب، ويكتشف نوره وحبه ويسعد ويرتد؛ ولكن التحرك الحقيقي کائن بالمسيح، فهو ابن الله الآتي إلينا على الصليب، وعلى الصليب نتبعه إلى الآب.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
17 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الخميس مت ١٧:٢٦ - ١٩
وفي أول أيام الفطير تقدَّمَ التَّلَامِيدُ إلى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أنْ نَعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الفِصْحَ؟» فقالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إلى فلان وَقُولُوا لَهُ : الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقتِي قريب. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تلاميذي». " فَفَعَلَ التَّلَامِيدُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ.
جسد ودم وروح وحياة
المسيح هنا يرفع الأكل من الجسد المقدس والشرب من الدم المقدس من حالة الاختيار الحر والإرادة الحرة، إلى التزام، يُحسَب التخلي عنه موتاً أبدياً وحرماناً أبدياً من المسيح، وبالتالي حرماناً أبدياً من الحياة الأبدية لأن أكل الجسد وشرب الدم، مع الإيمان الصادق بالمسيح، هو بمثابة كل ما عمله المسيح لخلاصنا بالفداء الذي أكمله على الصليب، والقيامة المجيدة. فالذي يأكل جسد المسيح ويشرب دمه الأقدسين، يكون صدق وشهد وآمن بكل ما عمله المسيح للخلاص المجاني. فأكل الجسد وشرب الدم مصادقة إيمانية خالصة وكاملة ولها كل ما عمله المسيح في نفسه لأجلنا إنها بمثابة إعلان ونطق إيماني باتخاذ المسيح رباً وإلهاً. لذلك تدخل الشركة المقدسة في جسد المسيح ودمه، جزءًا لا يتجزأ من إعلان الإيمان بالمسيح والشهادة له فهي عملية إيمانية ذات أثر روحي يلازم المتناول من الجسد والدم يهبه شركة واقعية في المسيح ليس في جميع الأسرار التي تصادفنا في حياة المسيح وأقواله ومعجزاته ما يعادل هذا السر الرهيب، سر الخلود الذي أبقى المسيح إعلانه حتى آخر ساعة من حياته ففي الليلة التي كان مزمعاً أن يسلّم فيها نفسه للموت من أجل حياة العالم، جلس مع تلاميذه ومهد للسر بإعلان حبه لخاصته الذين في العالم، حبا وصفه الإنجيل أنه حتى المنتهى والمسيح لم يكن مغالياً حينما قال: " أنا هو خبز الحياة . إذ في العشاء الفصحي الأخير، لما أخذ الخبز على يديه ونظر إلى فوق، بثه روح الحياة الأبدية التي فيه. فحمل الخبز ذات الحياة الأبدية التي في جسده فصار الخبز الطبيعي معادلاً لجسده الإلهي الحي، أي خبزاً للحياة. وتمادى المسيح في إجراء السر على السر، إذ كسر الخبز من واقع ما سيتم على الصليب. وهكذا بث الخبز الحي موته المحيي أي حمله قوة الفداء والغفران بآن واحد. وهكذا أصبح كل مَنْ يأكل من هذا الخبز يعبر -كما عَبَرَ المسيح - بالجسد من الموت إلى الحياة، أي صارت في هذا الخبز الحي قوة القيامة من الأموات وهكذا حمل المسيح الخبز كسر الجسد، كما حمل الكأس سفك الدم وغفران الخطايا: «وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا». وهنا بقوله " شكر" وهو رافع عينيه إلى فوق يكون قد استودع الدم روح الحياة الأبدية التي فيه وهكذا حمل المسيح الخبز والكأس، سر كسر الجسد وسفك الدم على الصليب، ومغفرة الخطايا. ومن مضمون مغفرة الخطايا تستعلن الحياة الأبدية. وإذ عبرهم الموت بأكلهم الجسد المكسور وشربهم الدم المسفوك للفدية، فنالوا مغفرة الخطايا وقاموا معه الحياة أبدية، يكون قد سلمهم سر الخلود" الذي سماه القديس إغناطيوس ترياق عدم الموت". وبقول أوضح، ولكن أكثر سرية، يكون قد سلمهم ذاته ووجوده: جسد ودم، وروح وحياة !!
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
16 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الأربعاء لو ١:٢٢ - ٦
وَقَرُبَ عِيدُ القطير، الَّذِي يُقالُ لَهُ الفِصْحُ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَة يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثني عَشَرَ فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقَوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّة. فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةٌ لِيُسَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلُوا مِنْ جَمْعِ.
الصليب شهوة المسيح العظمى
لقد بلغت شهوة الفداء في قلب يسوعنا الحبيب ذروتها في هذا الأسبوع، فرأى الصليب وكأنه يوم عرسه. لقد كان حب أبيه يُحرِّك قلبه ولسانه ويقود قدميه إلى الجلجثة. لقد ذهب خلسة من وراء تلاميذه وعاين رابية الجلجثة دون أن يراه أحد، فسر بها جداً واستحسن المكان وكأنه الفردوس الجديد وكتب اسمه هناك على الجمجمة للتذكار:
"أنا يسوع حضرت وعاينت المكان، إنه أشهى بقعة وجدتها على الأرض العتيقة الأزرع فيها حبي! لقد صعدت إلى المرتفع فرأيتُ مشورة قلب أبي من وراء الأرض والزمان فوجدتها تماماً حسب قلبي".
إن ذبيحة نفسي صارت موضوع سروري أمامي من هنا سأعلن للعالم كله عن أعظم هدية حملتها من عند أبي لبني الإنسان: آلامي التي هي سر الصعود إلى المجد. نعم سأجعل صليبي في متناول كل إنسان، حتى إذا انفتحت عيناه على سر آلامي ورأى وعاين وصدق وشاركني في ذبيحة حبي ولو بألم يسير يدخل إلى مجدي عيد صليبي؛ عيد جسدي المكسور، ليعاين سرى وسرَّ أبي؛ سر الحب الذي يجمع المتفرقين إلى واحد لقد غرست أمجادي في آلامي وأخفيتها فيها جداً بكل حكمة وفطنة، حتى لا يستطيع أحد أن يفرق أبداً بينهما، فلا يأخذ الواحدة ويترك الأخرى! لقد صممت أن أهب آلامي لكل إنسان حتى لا يُحرم أحد قط من مجدي؛ كل مَنْ ذاق ألماً باسمي !
المجد الذي أعطيه هو صليبي عاري مع خزيى، مري مع خلى، جسدي مع دمى. وآلامي الظاهرة مخفى فيها مجدي الذي لا ينطق بها كل من يتشجع ويذوقه يتحول تحت لسانه إلى بذرة حية، بذرة تسبيح وتمجيد لا يهدأ ، لا يسكنها خوف ولا ألم ولا وجع ولا موت، تظل تعطي المجد الله أي مع السبح والكرامة والسجود لأبد الآبدين أنا يسوع، أعطيت آلامي لتكون لحن الخليقة الجديدة، سأضع هذه البذرة في كل لسان يتحدث باسمي ويشهد لآلامي يا يسوع، لقد أحببت صليبك جداً، وكلنا تحبّك، تحبك كثيراً يا يسوع من أجل صليبك. لقد أسرتنا جلجثتك جداً، وسنذهب جميعاً وسنمضى كلنا كل واحد باسمه تحت إمضائك. لقد عشقنا صليبك بشهوة وأحببنا موتك، فكلاهما قد صار لنا ينبوعاً من الدموع أحلى وأشهى لنا من كل أمجاد الدنيا. سوف نحيا في الجلجثة، سنصنع فيها خيمتنا، سننتظرك هناك حتى تأتي حسب الوعد لقد بكيت بلا وعى، بكيتُ حتَّى لم تعد في داخلي قوة على البكاء.أسكت لا تبك كثيراً، هكذا سمعت صوتاً من داخل أعماقي. هوذا المسيح قادم من وراء القبر الفارغ، هو سيمسح دموعك. ولكنني ظللت أبكى وجريت نحوه. هل رأيتي يا ربي وأنت على الصليب؟ لقد كنتُ أنظر آلامك فتسيح الدموع من عيني بلا كيل، كنت أستمد دموعي من محبتك وليس من يأسى؛ ليس من يأسي أبداً يا رب أنا أحب صليبك يا رب، لأني أرى كل آلامي منقوشة عليه ومعها اسمي - الذي تعرفه أنت يا رب، الذي قد غيرته لي حين وجدتني تائهاً في دروب العالم -محفوراً على الخشبة ومطبوعاً على يدك الدم رسمه رسماً على كفك كختم. فكيف إذا لا يُمكنني أن أحب صليبك يا رب؟ إنه صليبي ويحمل اسمي.
آه يا ويحي من وجهك الشاحب الذي لمحته حين أنزلوك من على الخشبة! عندما سكنت خفاقات آلامك لما توقف قلبك. لقد خَفَقَ الحزن داخلي وسَرَتْ فِي خصة ربطتني بموتك إلى الأبد. فأقسمت بحبك ألا أحب أي وجه غير وجهك. وأحسست أن خفقات آلامي داخلي تشدني إليك وقد تحولت إلى خفقات الحياة آه! لقد تحول موتك إلى حياتي يا ربي أنا أحب موتك جداً، أحسه في داخلي حياة، وعبيقه أشهى من رائحة لبنان.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
15 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء مت ۲۳ : ۳۷ - الخ، ١:٢٤، ٢
( يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَة الأَنْبِيَاءِ وَرَاجمَة الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أنْ أجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحتَ جَنَاحَيْهَا ، وَلَمْ تُريدُوا ! هُوَذا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!. ثمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَل، فتَقدَّمَ تَلاَمِيدُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةُ الْهَيْكَل. فقالَ لَهُمْ يَسُوعُ أمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا يُتْرَكُ ههنا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقِضُ !).
يا أورشليم يا أورشليم
حينما كرر المسيح القول: «يا أورشليم يا أورشليم» وأردف مباشرة بتصوير الدجاجة وهي تجمع أفراخها تحت جناحيها، يكون المسيح قد كشف عن مكامن أعماق الحب الإلهي بالنسبة لشعبه وحينما ناداها بخطيتها وبسفك دم الأنبياء ورجم المرسلين يكون قد كشف عن خطية الشعب وحينما سجل عليها عدد المرات التي طلب فيها أن يجمع أولادها فرفضت سجل عليها دينونتها العاجلة وحينما أفصح عن ذهابه وغيابه ثم عودته المباركة باسم الرب يكون قد أعطى الوعد بالمجيء الثاني حينما يكرر المسيح اسم أورشليم يذكرنا في الحال بـ «مرثا مرثا» و «شاول شاول» ويهوه في القديم إبراهيم إبراهيم بهذه النغمة الحبية التي تعبر عن القرب والانتماء لله، وبآن واحد تحمل هنا رئة حزن أسيف على فرصة انقضت كانت تتيح لأورشليم أعظم الفرص للمجد لتكون أم الدنيا وباباً أبدياً للملكوت. ولكن لم تكن تلك المرة الأولى بل الأخيرة، لأن يهوه في القديم أحبها وتودد إليها، ولكنها كانت دائماً أبداً تخون الأمانة والمودة، وكان تعبير المسيح لها بقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين سيرة ممتدة حملتها أورشليم على مدى التاريخ، وقد اختصت دون كافة المدائن بالنصيب الأوفر في سفك دماء الأنبياء حتى قالها المسيح: «لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، هذه شهادة دموية وضعها المسيح على جبين التاريخ لأورشليم والمسيح بقوله: «كم مرة أردت أن أجمع أولادك» فهو إنما يتكلم أيضاً بفم یهوه: « بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد» (إش ٦٥: ٢ ، رو ١٠: ٢١).والمسيح في هذا القول يحكي عن خبرته هو ، لأن قوله: كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها يعني تماماً أنه كان جادا في حمايتها من أعدائها ومن الرومان أيضاً، بأن يبث فيها روح السلام والوداعة والمحبة لتصبح هي مسئولة عن سلامة روما والعالم كله. فهي إن كانت وقعت فريسة الأسد الروماني الذي عراها من مجدها وخربها وتركها خاوية تنعي تاريخ مجدها، فلأنها قدمت لروما أسوأ صورة لأمة تعاهدت مع الشيطان للقتل والمقاومة بشراسة فبعد أن قتلت رئيس السلام ماذا يتبقى لها إلا الحديد والنار. رفضت السلام بيد الله فشربت كأس النقمة حتى النهاية ثلاث سنوات وأكثر وهو يتودد لها ليسقيها كأس المصالحة مع الله ويرفع رأسها وسط الشعوب لتصبح مدينة السلام بالحق كاسمها، ولكنها عوض أن تقبل من يده خلاصاً؛ سفكت دمه على الأرض ظلماً وهواناً.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد