المقالات

10 سبتمبر 2025

نعم نؤمن بالروح القدس

نؤمن أن الله حي، وهو حي بروحه فالروح القدس هو روح الله، روح الآب، وروح الابن ولأنه روح الله، لذلك سمي الروح القدس The Holy Spirit وهكذا قال السيد الرب وهو يمنح تلاميذه سر الكهنوت "اقبلوا الروح القدس مَن غفرتم خطاياه، غفرت له. ومن أمسكتم خطاياه، أمسكت" (يو 20: 22-23). وقال عن بدء خدمتهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا، في أورشليم، وكل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 1: 8) وأيضًا قال القديس بولس الرسول لأساقفة كنيسة أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (أع 20: 28) وقال لليهود في رومه "حسنًا كلم الروح القدس آباءنا" (أع 28: 25) وأحيانًا كان الروح القدس تطلق عليه كلمة (الروح) فقط مثل قول الكتاب "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ2: 29) (رؤ 3: 6،13، 22) أي ما يقوله روح الله للكنائس ومثل قول الرب لنيقوديموس عن المعمودية "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) يقصد الميلاد من الماء والروح القدس ومثلما قيل عن الرسل في يوم الخمسين "وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أع 2: 5). أي كما أعطاهم الروح القدس كذلك ما ورد في (1كو 12) عن مواهب الروح، كله عن مواهب الروح القدس أما عن كون الروح القدس روح الرب أو روح الله، فكما يقول الكتاب "روح السيد الرب علي. لأن الرب مسحني.." (أش 61: 1) "أما الرب فهو روح. وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو 3: 17) ومثل قول الرب "أجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حز 36: 27). وكقوله "أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا" (يوء 2: 28) ومثل قول داود النبي لله في صلاته "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟!" (مز 139: 7). وأيضًا قوله "روحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11). أما عن كون الروح القدس، هو روح الآب. فكقول السيد المسيح لتلاميذه "لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20) يطابق هذا ما قيل في (مر 13: 11) "لأن لستم أنتم المتكلين، بل الروح القدس" وأما ورد في (لو 12: 12). أما عن كون الروح القدس، هو روح الابن، أو روح السيد المسيح فكما يقول القديس بولس الرسول "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم " (غل 4: 6) وكقول القديس بطرس الرسول "باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ شهد بالآلام التي للمسيح" (1بط 1: 11) أن كون الروح القدس، هو روح الآب وروح الابن، لا شك أن هذا يدل على الوحدة في الثالوث القدوس. لاهوت الروح القدس هذا الذي أنكره مقدونيوس، فحرمه المجمع المسكوني المقدس الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م وقرر لاهوت الروح القدس في عبارة "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والابن" وكلمة (الرب) هنا تعني (الإله)، والمحيي تعني المعطي الحياة Life giver ومما يدل على لاهوت الروح القدس توبيخ القديس بطرس الرسول لحنانيا (زوج سفيرا) بقوله "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس أنت لم تكذب على الناس، بل على الله" (أع 5: 3-4) ومثال ذلك ما قاله القديس بولس الرسول عن سكني الروح القدس فينا إذ قال "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 19). وقال أيضًا في نفس الرسالة "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16) وهكذا قال مرة "هيكل الروح القدس" ومرة أخرى هيكل الله ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا، قول الكتاب "أما الرب فهو الروح" (2كو 3: 17) وأيد هذا السيد المسيح نفسه بقوله للسامرية "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا "(يو 4: 24) فما دام الله روح،إذن هو الروح القدس، كما هو الآب والابن ومما يدل على لاهوت الروح القدس، قدرته على الخلق والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده وفي ذلك يقول المرنم لله عن المخلوقات "كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود ترسل روحك فتخلق.." ( مز 104: 27، 30) كذلك مما يدل على لاهوت الروح القدس، وجوده في كل مكان وفي هذا يقول المرنم في المزمور لله "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟! إن صعدت إلى السماء فأنت هناك. وأن فرشت في الهاوية، فها أنت" (مز 139: 7-8) والوجود في كل مكان من صفات الله وحده ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا المواهب التي يمنحها للناس وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد وأنواع مواهب موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو 12: 4- 11) وهذه كلها سماها الرسول "مواهب الروح القدس" (عب 2: 4) وقال القديس يعقوب الرسول عن المواهب "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق، نازله من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17) إذن المواهب يرسلها الله بروحه القدوس ومما يدل على لاهوت الروح القدس، أن السيد المسيح له روح أزلي فالكتاب يقول "فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله" (عب 9: 14) فالروح القدس هو روح المسيح كما قلنا كذلك فإن الأزلية هي من صفات الله وحده فهذه الآية أذن تدل على لاهوت المسيح، وعلى لاهوت الروح القدس ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا أنه (المحيي) أي المُعْطي الحياة. الرب المحيي المعروف أن الروح هو مصدر الحياة إذن فهو المحيي ويظهر هذا من إحياء العظام في (حز 37) حيث يقول حزقيال النبي "كانت عليَّ يد الرب فأخرجني بروح الرب، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا وقال لي يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيد الرب أنت تعلم" (حز 37: 1- 3) "فدخل فيهم الروح فحيوا" (حز 37: 10) وقال الرب "أجعل روحي فيكم فتحيون" (حز 37: 14) وهكذا قيل أيضًا في سفر الرؤيا على الشاهدين المقتولين "دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهم" (رؤ 11:11) حقًا كما قال السيد المسيح "الروح هو الذي يحيي" (يو 6: 63) كما قيل أيضًا أن الله هو "الذي يحيي الموتَى" (رو 4: 17) وقيل أيضًا "اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ" (1تي 6: 13) ولا شك أن الله يحيي الموتى بروحه القدوس يجعل روحه فيهم فيحيون (حز 37: 14) يعلمنا الكتاب في مواضع كثيرة إن الله هو الذي يميت ويحيي (2مل 5: 7) (تث 32: 39) ومادام روحه هو الذي يحيي (حز 37: 14)، إذن فهذا إثبات آخر على لاهوت الروح القدس الذي هو (الرب المحيي) حسبما يعلمنا قانون الإيمان، الذي يقول عن الروح القدس أيضًا: المنبثق من الآب. المنبثق من الآب وهذا واضح من قول الرب عن الروح القدس "رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (يو 15: 26)غير أن أخوتنا الكاثوليك أضافوا إلى قانون الإيمان كلمة Filioque ومعناها باللاتينية "ومن الابن" وهذه الإضافة كانت سببًا لانقسام في الكنيسة، ولا تزال وإن كان السيد المسيح قد قال "المعزي الذي أنا أرسله إليكم من الآب" (يو 15: 26) وأيضًا "إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت، أرسله إليكم" (يو 16: 7) فمن المهم أن نعرف إن هناك فرقًا لاهوتيًا كبيرًا بين الإرسال والانبثاق فالإرسال في حدود الزمن أما الانبثاق فهو منذ الأزل السيد المسيح أرسل الروح القدس للتلاميذ في يوم الخمسين ولكن الروح القدس كان موجودًا قبل ذلك، لأنه روح الله وقد قيل عنه في قصه الخليقة "في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تك 1: 1-2) والكتاب المقدس يذكر لنا عمل الروح القدس في العهد القديم، وحلوله على الأنبياء وبعض شخصيات الكتاب يذكر كيف أن روح الله قد حل على شاول الملك فتنبأ (1 صم 10: 10-11) ثم كيف فارقه روح الرب (1صم 16: 14). ويذكر لنا أن روح الرب حل على داود (1صم 16: 13)وأن روح الرب كان يحرك شمشون (قض 13: 25) وأن روح الرب قد حل على شمشون (قض 14: 6). كما يحدثنا الكتاب عن عمل روح الرب مع حزقيال النبي، كما في (حز 37: 1) وما أكثر ما ورد عن روح الله في مزامير داود النبي والحديث عن عمل روح الله في العهد القديم هو حديث طويل، كذلك فترة ما بين العهدين قبل ميلاد السيد المسيح فقد قيل عن يوحنا المعمدان في البشارة به "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15) وقيل عن أمه أليصابات "وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو 1: 41) وقيل عن زكريا الكاهن "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ" (لو 1: 67) قيل أيضًا للسيدة العذراء في بشارتها بالسيد المسيح "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك " (لو 1: 35). وقال ليوسف النجار عنها "أن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20) وقيل عن سمعان الشيخ إنه "كان بارًا تقيًا ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيح الرب" (لو 2: 25-26) إذن مسألة إرسال السيد المسيح للروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، لا علاقة لها مطلقًا بانبثاق الروح القدس من الآب منذ الأزل فالروح القدس هو روح الله، وهو أقنوم الحياة في الثالوث القدس. والله حي بروحه والروح القدس منبثق من الذات الإلهية منذ الأزل، قبل أن توجد خليقة وقبل أن يوجد تلاميذ يرسله الرب إليهم وكمثال نقول كما أنه قيل عن تجسد الابن "ولكن لما جاء ملْ الزمان أرسل لنا الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس" (غل 4: 4-5) وعلى الرغم من إرسال الابن إلى العالم في ملء الزمان، ألا أن الابن كان مولودًا من الآب منذ الأزل بل أن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) فولادته الأزلية شيء، وإرساله في ملء الزمان شيء أخر هكذا الأمر مع الروح القدس انبثاقه الأزلي من الآب شيء، وإرساله في يوم الخمسين على التلاميذ شيء آخر. ولئلا يظن البعض أن الروح القدس أقل من الآب والابن!! باعتباره الأقنوم الثالث، أو لأن الابن قد أرسله من عند الآب، لذلك قيل في قانون الإيمان "نسجد له ونمجده مع الآب والابن". نسجد له ونمجده نسجد له سجود العبادة، السجود اللائق به لكونه روح الله ونمجده مع الآب والابن بنفس المساواة وهكذا نقول في صلواتنا "المجد للآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي"ونبدأ صلواتنا بعبارة باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين" على أن إرسال السيد المسيح للروح القدس، لا يعني أن الروح القدس أقل منه فالسيد المسيح نفسه (الابن) يقول حسب نبوءة أشعياء - "السيد الرب أرسلني وروحه" (أش 48: 16) ويقول أيضًا "روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني" (أش 61: 1) ولا يعني هذا أن الابن أقل من الروح القدس! وقد أمرنا الرب أن نعمد الناس بقوله "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) وقال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة (اللوجوس) والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 5: 7). نسجد له ونمجده مع الآب والابن وبنفس الأقانيم الثلاثة معًا تمنح البركة قائلين "محبة الله الآب، ونعمة ربنا يسوع المسيح، وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم" وذلك حسب تعليم الكتاب في (2كو 13: 14) إن عبارة نمجده مع الآب والابن تعني المساواة بين الأقانيم الثلاثة كل الأقانيم تتساوَى في الصفات الإلهية الذاتية فكم أقنوم أزلي، أبدي، خالق، موجود في كل مكان، غير محدود، قادر على كل شيء في كل هذا يتساوَى الروح القدس مع الآب والابن غير أننا نقول عن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور ونقول عن الروح القدس إنه منبثق من الآب، قبل كل الدهور أيضًا وكما نصلي إلى الآب، نصلي أيضًا إلى الابن، وإلى الروح القدس توجد أمثله لكل هذا في الأجبية، وفي الكتاب المقدس والصلاة إلى الآب واضحة وكثيرة والصلاة إلى الابن مثل قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة أثناء استشهاده بقوله "أيها الرب يسوع، اقبل روحي" (أع7: 59) ومثل صلاة "يا ربي يسوع المسيح ارحمني" والصلاة إلى الروح القدس، مثل صلاتنا في الأجبية في الساعة الثالثة قائلين "أيها الملك السمائي المعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، هلم تفضل وحل فينا". الناطق في الأنبياء ورد بعد هذا في قانون الإيمان عن الروح القدس الناطق في الأنبياء وهذا واضح من قول القديس بطرس الرسول " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس" (2بط 1: 21) وقال القديس بولس الرسول لليهود "حسنا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي قائلًا " (أع 28: 25) وقال السيد المسيح لتلاميذه "لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس" (مر 13: 11) وهكذا قال القديس بولس الرسول "نتكلم لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس" (1كو 2: 13) ولعل هذا يذكرنا بقول السيد المسيح لتلاميذه القديسين "وأما المعزي الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم ما قلته لكم" (يو 14: 26) وما أكثر ما تكلم الروح القدس من فم داود النبي وفي ذلك قال السيد الرب "كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مر 12: 35-36) وأيضًا (مت 22: 43-44) (مز 110: 1)وقال القديس بطرس الرسول عن يهوذا الإسخريوطي "كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا" (أع 1: 16) (عبارة الناطق في الأنبياء) تعني الوحي الإلهي كما قال الرسول "كل الكتاب هو موحَى به من الله ونافع للتعاليم.." (2تي 3: 16) وكيف هو موحَى به من الله؟ بالروح القدس وهذا دليل آخر على لاهوت الروح القدس بهذا ينتهي الجزء الخاص بالثالوث القدوس في قانون الإيمان ثم يأتي بعد ذلك ما يختص بالكنيسة والمعمودية، والمجيء الثاني وحياة الدهر الآتي. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
09 سبتمبر 2025

تسلسل أحداث المجيء الثاني

1- المجيء الأول (الاختطاف Rapture) والقيامة الأولى (قيامة الأبرار فقط): تقول هذه المدرسة أن الرب يسوع سينزل من السماء بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله. هذا هو الاختطاف (1تس4: 15 –18) ويقوم الأموات، الأبرار فقط، من قبورهم سواء الذين من العهد الجديد أو العهد القديم لمقابلة الرب في الهواء، أما الأموات الأشرار فسيظلون في قبورهم إلى ما بعد ذلك ب1007 سنة، أي لما بعد الملك الألفي. ويؤمن التدبيريون بأن هناك فرقاً بين المجيء الثاني للمسيح قبل الأسبوع الأخير من أسابيع سفر دانيال السبعين ومبتدأ الأوجاع، والذي يرتبط في نظرهم بالاختطاف، وبين مجيئه بعد الملك الألفي، والذي يسمونه بالظهور. ثم ينتهي هذا التدبير الحاضر، تدبير النعمة باختطاف كل المؤمنين الذين سيكونون أحياء علي الأرض في وقت مجيئه ليخطفوا مع القديسين المقامين والأطفال الذين هم دون سن المسؤولية من جهة خطاياهم، ولهم والدان مؤمنان، أو حتى أحد الوالدين مؤمن، ومفديان، فسيصبح لهؤلاء نصيب في الاختطاف لملاقاة الرب في الهواء. لأنهم مقدسون في الوالدين المؤمنين، أو في أحدهما. أما بقية الأطفال فسيتركون مع والديهم غير المؤمنين ليجتازوا معهم فترة الضيقة وستكون لهم الفرصة أن يسمعوا ويؤمنوا بإنجيل الملكوت (1كو 7: 14)، وسيترك ويبقى على الأرض كل الذين لم يعرفوا الرب كمخلص لهم، والذين لم تغتسل خطاياهم في دمه ليجتازوا الضيقة (مت25: 10 – 12). ومن وقت الاختطاف فصاعدا سيكون العريس، المسيح والعروس، الكنيسة وأصدقاء العريس الذين هم قديسي العهد القديم، معا إلي الأبد. ومن ثم، كما يقولون، فالكنيسة لن تجتاز الضيقة لأنها ستؤخذ للمجد عند مجيء الرب واختطافه لها، قبل الضيقة مباشرة (رؤ3: 10). وبعد أن يأخذ الرب كنيسته إلي بيت الآب الذي سيصبح مسكنها الأبدي سيجلسها علي مائدته ويتقدم ليخدمها بالسعادة والمسرات السماوية (لو 12: 37). " إن الاختطاف سيكون لكل المؤمنين سواء كانوا أحياء أم راقدين (أي أموات في المسيح) لذا يقول " سنخطف جميعا " [ 1 تس 4: 17 ] ابتداء من هابيل إلي آخر مؤمن في العهد الجديد، بعد اختطاف الكنيسة 000 سوف يكون لله بقية من اليهود والأمم يتعامل الرب معها لتكون له: " سأرجع بعد هذا وأبني أيضا خيمة داود الساقطة، لكي يطلب الرب. جميع الأمم الذين دعي اسمي عليهم " [ أع 15: 13- 19 ]، وأيضا [ رو 11: 25 – 32 ] " إن القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل 000 وهكذا سيخلص جميع إسرائيل ". إن أورشليم وما حولها هي محور النبوات الخاصة بالأرض، بل نقول هي مسرح الأحداث المستقبلية بعد اختطاف الكنيسة 00 أن هذه الأقوال تخص بالذات الشعب الأرضي و ليس السماوي، وكذلك أورشليم الأرضية (شعبك - مدينتك - أورشليم). وبعد اختطاف الكنيسة وارتفاع الروح القدس سينتشر الشر والفساد والتمرد سريعا في الأرض وتصبح الأخلاقيات بنفس الصورة التي كانت عليها في أيام نوح ولوط (لو 17: 26- 29) وسيزداد الإثم (2 تس 6- 7، مت 24: 12). وبعد الاختطاف سيجمع نظام روما الكاثوليكية، كما يقول البعض منهم، حوله العديد من الطوائف المسيحية، أو تتجمع المسيحية الاسمية، كما يقول البعض الآخر، ليكونوا نظاما واحدا دينيا فاسدا يسمي " ببابل الزانية العظيمة " (رؤ17: 1 -2). وستسعى هذه الكنيسة الاسمية، كما سعت كنيسة روما في الماضي، لتؤثر علي الحكومات ولتجمع حولها أمم أوروبا الغربية وربما بعض أجزاء من أمريكا الشمالية ومناطق مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وغيرها من الدول التي كان ينتشر فيها نور المسيحية ذات يوم، وذلك لإحياء الإمبراطورية الرومانية بممالكها العشر، التي يرونها في أصابع قدمي التمثال البهي في حلم نبوخذ نصر والقرون العشرة للوحش الرابع في سفر دانيال النبي (2و7)، ويشار إليها سياسيا باسم بابل،فيتكون حلف من عشر دول غربية متحدة تسمي الوحش. ويتكون هذا الحلف الغربي من الكنيسة الاسمية أو كنيسة روما التي ستتحكم في الإمبراطورية الرومانية العائدة للحياة إلي حين. ويشيرون إلى ذلك بالمرأة الجالسة علي الوحش (رؤ 17: 1- 13). ومن ثم فستصبح مدينة روما المركز الإمبراطوري وعاصمة الإمبراطورية العائدة للحياة (رؤ 17: 9- 13) ويتم تجميع اليهود من الشتات إلي أرض إسرائيل،وسيعود منهم تقريبا ما بين 13 إلي 14 مليون يهودي من كل أجزاء الأرض لأسباب سياسية وتجارية وثقافية فقط وليس بدافع الإيمان، ولكن سيوجد بين هؤلاء العائدين بقية خائفة الله،متميزة تخاف الله وترتعب من كلمته، وسيكون رجاء هذه البقية اليهودية التقية هو مجيء المسيا المنتظر الذي انتظروه طويلا ليملك عليهم ويملكون من خلاله على العالم كله. وستكرز هذه البقية بإنجيل الملكوت ثم يكرز الأمم أيضا به. وستؤمن أعداد غفيرة من اليهود والأمم بهذا الإنجيل. النصف الأول من الأسبوع السبعين (مبتدأ الأوجاع): أو "1260 يوما أي ثلاث سنوات ونصف أو 42 شهرا. وبتعبير آخر زمان وزمانين ونصف زمان "(ارجع إلي مت 24: 5- 8، رؤ 6- 8). أما أحداث الضيقة العظيمة ففي نبوة دانيال [ 9: 27 ] " وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب. في وسط الأسبوع " أي في النصف الثاني من الأسبوع، أي ثلاث سنوات ونصف (راجع رؤ 11: 2- 3 و 12: 6،14 و 13: 5) وسيحدث الأتي فترة مبتدأ الأوجاع: الاتحاد الثلاثي الوحشي الشيطاني (الشيطان والوحش وضد المسيح) ؛ أ - الوحش (والذي يدعونه أيضا بالسوط الجارف أو المخرب الآشوري) ؛ حيث يفرز الشيطان شخصا من الغرب هو " القرن الصغير " الذي يدعوه الكتاب " الوحش " و" ملك بابل "، هذا الشخص سيكون من الأمم لأنه خارج من البحر الذي يمثل الحالة غير المستقرة للشعوب. وبعد هذا، يقوم الوحش، أي الأمم العشرة المتحدة اتحادا فيدراليا، مع القرن الصغير الذي علي رأسها بطرح الزانية، التي هي الكنيسة الاسمية، بنظامها الديني الذي سيقود الإمبراطورية في الثلاث سنين ونصف الأولي. ويقولون أن هذا ما يشار إليه في الرؤيا بعبارة " سقطت بابل ". ثم تطرح الإمبراطورية النظام الديني عنها وتتخذ نظاما جديدا مختلفا وشيطانيا، بقيادة " القرن الصغير ". وسيتسمر ذلك لمدة اثنين وأربعين شهرا، أو ثلاث سنين ونصف (رؤ13: 2-8). وسيتعجب كل العالم وراء الوحش أو الاتحاد الفيدرالي للعشرة الأمم الغربية في شكلها الجديد. ب - ضد المسيح ؛ وسيظهر، في ذلك الوقت، شخص آخر في أرض إسرائيل، يقولون أنه غير الوحش، وسيعمل بكل قوة الشيطان (2تس 2: 9) وبالارتباط مع الوحش الأول أو " القرن الصغير ". ويقولون أنه سيكون إسرائيليا وربما من سبط دان (دا 11: 37، تك 49: 16-17، ويغيب هذا السبط من رؤ 7). هذا الشخص هو " ضد المسيح " و " إنسان الخطية " و " النبى الكذاب "الذي سيظهر نفسه لليهود على أنه المسيا المنتظر والذي انتظروه طويلا، وسيصدقه اليهود ويقبلونه ويجعلونه ملكا لهم وسيحكم أرض إسرائيل. وسيكسر الوحش العهد مع اليهود بمساعدة " ضد المسيح " هذا، وسيبطل كل نشاط ديني في مملكتهم، وستتوقف كل عبادة مزيفة سواء كانت مسيحية أو يهودية كاذبة. مما يؤدى إلى عبادة الوحش الذي ستوضع صورته، بمساعدة " ضد المسيح "، في هيكل أورشليم،الهيكل الثالث الذي سيبنيه اليهود، غير الهيكل الرابع الذي سيبنى في الملك الألفي، وهذه هي " رجسة الخراب ". يقول أحدهم " هل سيعاد بناء الهيكل وتمارس الطقوس اليهودية مرة أخرى؟ " ويجيب " نعم. عندما يأتي ضد المسيح فأنه سيجلس في هيكل الله فيتعبدون له (2تس4: 1). والهيكل سيكون موجودا مع الذبيحة اليومية والعبادة القائمة 000 الرب أيضا في كلامه النبوي الواضح (مت15: 24) يشير إلى " المكان المقدس " الذي سيكون في المستقبل. وأن كان الكتاب لا يسجل شيئا عن أقامته بل ملاحظات بسيطة عن هذه الحقيقة. والأجزاء النبوية من دانيال تفترض أيضا وجود الهيكل وبالتالي الطقس اليهودي. (دا 27: 9) " (11). ثم يصدر قرارا في كل أنحاء الإمبراطورية بعبادة صورة الوحش وتفرض الوثنية علي اليهود في إسرائيل وعلي كل سكان الأرض من المسيحيين المرتدين الذين سمعوا ورفضوا إنجيل نعمة الله في وقتنا هذا.وسيسيطر الوحش مع " ضد المسيح " سيطرة تامة علي ارض إسرائيل التي ستصبح أسيرة ومرتبطة بالإمبراطورية لمدة الثلاث سنين ونصف الأخيرة، وسيخضع كل من في ارض إسرائيل لسيطرتهما. وسيبذل ضد المسيح جهده ليجعل كل أمم الغرب، المسيحية، وأرض إسرائيل تقبل سمة الوحش سواء علي جبهتهم أو علي يدهم اليمني،هذه السمة التي بدونها لا يقدر الناس أن يشتروا أو يبيعوا (رؤ13: 16 –18). ولكن البقية التقية من اليهود ومن الأمم الذين يؤمنون بإنجيل الملكوت سيرفضون السجود لصورة الوحش أو قبول سمته مما يثير ضدهم عداوة الوحش، ضد المسيح والنبي الكذاب اللذين سيضطهدانهم بأشد الاضطهادات قسوة ويقتلان الكثيرين منهم. (ج) الضيقة العظيمة ؛ وسيؤدى هذا الاضطهاد الرهيب إلى " الضيقة العظيمة " التي ستدوم لمدة 1260 يوم (وهي تنقص مدة 18 يوم عن 5ر3 سنة)، لأن 5ر3 سنة مدتها 1278، وتسمي أيضا " ضيق الأزمنة "، وستهرب البقية الأمينة اليهودية من هذا الاضطهاد إلي الجبال والكهوف وشقوق الأرض. وسيمجد " ضد المسيح " ويعظم نفسه فوق كل ما هو من الله وسيجلس في هيكل الله مظهرا نفسه أنه إله يجب أن تقدم له العبادة (دا 11: 36، 2 تس 2: 3 –4). ثم يضرب أمراء أوروبا الغربية، الذين قبلوا سمة الوحش وسجدوا لصورته بدمامل خبيثة وردية. وتعنى هذه الدمامل الألم المفزع لضمائر مذنبة (رؤ 16: 2) (الجام الأول). ويقولون، كما سبق أن بينا، أن الكنيسة لن تجتاز هذه الضيقة التي يصفونها ب " ضيقة يعقوب " (ار7: 30) " وإذا رجعنا إلي العهد القديم نجد رمزا للكنيسة التي لا تجتاز الضيقة في أخنوخ السابع من آدم، إذ مكتوب عنه " وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه (نقله) " [ تك 5: 24 وعب 11: 5 ]، وإذا قرأنا سفر التكوين سنجد نوحا الذي دخل الفلك مع بيته، ونزل الطوفان، وانفتحت طاقات السماء بعدما انفجرت كل ينابيع الغمر، وتكاثرت المياه وتعاظمت جدا، ولكن رغم هذا كله بقي نوح والذين معه فقط في الفلك "(12). (د) السخط ؛ ثم تتصاعد الضغوط السياسية في الشرق الأوسط، وتزداد عداوة الأمم، وخاصة العرب، لإسرائيل. وهذا ما يسمي بالسخط، الذي سيغطي فترة 75 يوما في نهاية الضيقة العظيمة وقبل إعلان الملك الألفي.وفي هذه الفترة يقود الشيطان أمما كثيرة لتدخل أرض إسرائيل بالقوة لتدمرها وتتحدي المسيح بعد رجوعه، بالحرب مطالبة بحقوقها في الأرض ومن ثم يصب الرب سخطه علي هؤلاء الثائرين ويبيدهم تماما. ونتيجة لذلك ستصارع الدول المختلفة لأجل التفوق العالمي واستمرار البقاء، وسيصطفون في عدة أحلاف مشتركة وستكون هناك ستة جيوش مختلفة تدخل فيما يسمى بمعارك السخط، وهي: 1 - ملك الجنوب وحلفه (دا 11: 40، حز 30: 1 –8) ؛ وهذا الحلف يشمل مصر، ملك الجنوب، والدول التي في شمال شرق أفريقيا التي يرون أنها أثيوبيا وليبيا، وربما السودان ودولا أخري. 2 - ملك الشمال وحلفه الذي يضم الدول العربية ؛ (دا 11: 40، مز 83: 3 –8). ويضم هذا الحلف تركيا والتي يرجح أنها ستكون ملك الشمال اعتمادا على ما جاء في يوحنا دار بي (مجلد 2 ص 343)، والدول العربية التي تقع في شمال وشرق إسرائيل، وهي سوريا والعراق ولبنان والأردن والمملكة العربية وغيرها، وهذا هو الحلف الإسلامي، في نظرهم. 3- التحالف الغربي، أي الإمبراطورية الرومانية العائدة إلي الحياة وتدعي الوحش ؛ ويضم هذا التحالف عشرة بلاد من غرب أوروبا هى إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وغيرها وربما بعض ولايات من أمريكا الشمالية. والتي هي بلاد مسيحية اسما فقد كان بها نور المسيحية وامتيازاتها ولكن دون معرفة يسوع المسيح كالمخلص. وهذه المجموعة من الدول يشيرون إليها، سياسيا، بأنها بابل. 4 - جوج وماجوج وتحالفهم (حز 38: 1-7). ويضم هذا الحلف روسيا ودولا أخري في أقصي الشمال وشرق إسرائيل، وربما ألمانيا وبعض دول من شرق أوربا، وإيران.. الخ. 5 - جيش إسرائيل (أر 51: 19- 23؛ مز 108: 10- 13 ؛ مي 4: 13، زك 12: 6، 14: 14). هذا الجيش يضم مفديين من الاثني عشر سبطا. 6 - ملك الملوك وجيوش السماء (رؤ 19: 11- 16). وهي جيوش الرب يسوع المسيح (ملك الملوك)، والتي تضم كل الذين أخذوا إلي المجد في الاختطاف والذين اشتركوا في القيامة الأولى من العهدين القديم والجديد، أي قديسو الله المفديون السماويون. (ر) معركة هرمجدون: ويقولون أنه ستندلع سلسلة معارك أثناء السخط في هرمجدون تبدأ بملك الجنوب، مصر، وحلفائه من الجيوش التي ستغزو أرض إسرائيل من الجنوب ويقولون أن نهر الفرات سيجف ليتيح للأعداد الغفيرة بقيادة ملك الشمال أن تغزو ارض إسرائيل من الشمال مثل العاصفة، وهذا يشار إليه أيضا بأنه الهجوم الآشوري الأول. هذا الغزو الجبار سيخرب الأرض بقسوة وستكون الأرض في أعينهم شبيهة بجنة عدن، ولكنها ستصبح بعد غزوها برية خربة. هذا " السوط الجارف " سيقيمه الله للقضاء علي جموع غفيرة مرتدة من اليهود التي قبلت ضد المسيح وعبدت الوحش. وعند وقوع الكارثة العظمي سيهرب المسيا الكاذب اليهودي، ضد المسيح،، وسيؤخذ نصف مدينة أورشليم سبايا (زك 14: 2) وسيدمر الهيكل الذي أقامه اليهود. (س) ظهور المسيح وملحق القيامة الأولى!! وبمجرد أن يدخل الوحش وجيوشه، أي الحلف الغربي أو الإمبراطورية الرومانية العائدة للحياة، أرض إسرائيل، سيأتي الرب من السماء علي فرس أبيض، والقديسون السماويون الذين اختطفوا سوف يأتون معه ويشار إليهم بجنود السماء، وذلك للحرب بلهيب نار وللدينونة وسيقضي علي جيوش الوحش ببهاء مجيئه. هذا هو ظهور المسيح ودينونة بابل السياسية. وسيأخذ ملحق القيامة الأولى مجراه حيث يقوم من الموت كل الذين ماتوا أثناء السبع سنين، ما بين الاختطاف والظهور، الذين آمنوا بإنجيل الملكوت الذي كرز به بعد الاختطاف ثم ماتوا سواء بالاستشهاد أو بأي طريقة أخري، ليلحقوا بالقديسين السماويين. وستكون هناك فئتان من القديسين الشهداء المقامين: الذين قتلوا أثناء حكم الكنيسة المزيفة (الزانية العظيمة) في الثلاث سنين ونصف الأولى (رؤ 6: 9 –11) والذين قتلوا أثناء حكم الوحش وضد المسيح في الثلاث سنين ونصف الأخيرة (رؤ 15: 2-4). وكلاهما سيشارك في البركة السماوية وسيعيشون ويملكون مع المسيح فوق الأرض (رؤ 14: 13،20: 4 –5). وسيقبض الرب علي كل من الإمبراطور الروماني (الوحش أو القرن الصغير) والمسيا اليهودي الكاذب (ضد المسيح) ويلقيهما حيين في بحيرة النار. وبظهور الرب ليدين التحالف يبدأ " يوم الرب " عندما يظهر علنا قوته الكونية وسلطانه علي كل من السماوات والأرض وسيبدأ الرب بإخضاع وطرد كل قوة معادية، وسيمتد يوم الرب طيلة الألف عام من حكم المسيح الألفي. وسيأتي الرب ليدافع عن أورشليم من ملك الشمال وجيوش العائدة، وسيواجه ملك الشمال الرب في الأرض ويقف ضده في المعركة، وتكفى قوة صوت الرب لهزيمة ملك الشمال وجيوشه، وعندما يسقط ملك الشمال، فإن جوج، روسيا، الذي سانده بالعتاد الحربي لا يأتي لمعونته " ولا معين له ". ثم يلقي الرب ملك الشمال حيا في بحيرة النار مع الوحش والنبي الكذاب، ضد المسيح. (ص) رجوع إسرائيل: ويقولون أنه ليس الغرض من ظهور الرب في ذلك الوقت هو القضاء علي القوى الأممية فقط بل أيضا لخلاص البقية التقية من اليهود ورجوع العشرة الأسباط المفقودة من إسرائيل(لو18: 1- 8، مز90- 106، الكتاب الرابع من المزامير). وعندما تلمس قدمي الرب جبل الزيتون فإنه ينشق إلي اثنين ويكون واديا عظيما يمتد شرقا وغربا (زك 14: 4)، وسيتحول الذين سيرونه إلى رسل للبقية الباقية التي ستخرج من أماكن اختبائها إلى الوادي العظيم الذي شقته قدما الرب (أش 52: 7؛زك 14: 5). وستنظر البقية اليهودية إليه - ذاك الذي طعنوه وينوحون نادمين عليه. وسيعترفون بذنب دمه إذ صلبوا رب المجد، وسيرسل الرب ملائكته ليجمع مختاريه من أسباط إسرائيل. وستصعد جماعة عظيمة جدا من كل مدينة على الأرض، حتى من أقصى البلاد كالصين (سينيم أش 49: 12) وأجزاء من روسيا (ماشك مز 120: 5). أما احتياجات الأسباط العائدة من إسرائيل فستقوم بها بعض الأمم التي ستتذلل أمام قوة ومجد الرب والتي ستظهر في الأرض (مز18: 44 45 ؛66: 3). وسيأتون راكبين على الخيل والبغال والجمال والعربات والمركبات والسفن وستولد الآمة الإسرائيلية، الاثنا عشر سبطا معا، دفعة واحدة (أش60: 2؛66: 8) وسيقيم الرب عهدا جديدا أبديا مع إسرائيل ويمنح اليهود قلبا جديدا وهم سيطيعون ناموس الله (حز 36: 25 27)، وستمتلئ أفواه الاثني عشر سبطا ضحكا وألسنتهم بالترنم والفرح (مز 126). وستملئ الأرض منهم حتى لا تسعهم وسيكونون كرمل البحر الذي لا يعد وسيطلبون من الرب أن يوسع التخوم. ونظرا لاستمرار السخط سينزل جوج، روسيا، وكل جمهورها العظيم، الآشوري العظيم في شكله النهائي،، من أراضيه في أقصي الشمال محاولا أن يسقط مملكة يسوع المسيح في إسرائيل، وهذا ما يشار إليه بالهجوم الآشوري الثاني، ومن ثم يستخدم الرب هذه الفرصة ليجعل العديد من جيوش الأمم تصعد معهم، وسيقود جوج (روسيا) هذا الهجوم النهائي. وتصل إلي أسماع الإسرائيليين الذين اجتمعوا هناك حديثا أنباء اقتراب الجمهور العظيم بقيادة جوج، عندئذ يصرخون إلي الرب لكي ينفذهم، وحيث أن الرب يكون في صهيون في ذلك الوقت، فإنه لا يسمح بأن تؤخذ مدينة أورشليم مرة أخري ومن ثم يشجع إسرائيل لكي تثق فيه كالملجأ. وستصعد الجيوش الغفيرة التي بلا عدد مثل سحابة (حز 38: 16). وللحال فإن الرب سيسمح بزلزال قوي لكي يمزق خطط جيوش الحرب وينتشر الخوف والشائعات بين الجنود، ويزداد الهلع في الجيوش فيضرب الواحد أخيه، وفي ذات الوقت فإن الرب يسمح بكوراث طبيعية ترافق الزلزلة، مثل الأوبئة وحجارة البرد والأمطار الجارفة والنار، وسيزمجر الرب من صهيون ليدوس معصرة خمر وسخط غضب الله. وهذه هي دينونة عناقيد كرم الأرض. وسيقود جوج، روسيا، المعركة، ولكنه سيسقط علي جبال إسرائيل وسيهلك حوالي خمسة أسداس جيش جوج، روسيا (حز39: 2). وسيطىء الرب، في سخطه المخيف، بقدميه الأمم التي اتبعت جوج، وسيسير في الأرض من أورشليم حتى يصل إلي أدوم حوالي مائتي ميل حب. وأدوم، من المرجح أنها جزء من العربية، ستكون المكان الذي يضرب فيه الرب الأمم التابعة لجوج بغضبه ويسحقهم بغيظه وسيكون قتال الجيوش هناك عظيما لدرجة أن الدماء المسفوكة منهم تصل إلي لجم الخيل. هذا هو يوم سخط الرب، وستصعد نتانة جثثهم من الأرض، وطيور السماء تأكل لحمهم، وسيرسل الرب نارا آكلة وريحا عظيمة إلى ارض روسيا وإلي أجزاء عديدة من الأراضي البعيدة علي أولئك غير المؤمنين. وسيكون القضاء من الرب بالإبادة والقتل ممتدا من أقصاء الأرض إلي أقصائها. أما الأمم الذين نجوا من قضاء الرب المدمر فسيعودون إلي أراضيهم، إلى الأجزاء البعيدة من أرضهم ليعلنوا مجد الرب. وستسمع الأمم وتخاف وستعين بقية إسرائيلية لتعود إلي أرضها. وسيقضى الرب علي الأمم المجتمعة التي اتبعت روسيا في الحرب، في أدوم، وسيكون قضاء رهيبا حتى أن أرض أدوم نفسها ستترك في خراب أبدي، وستبقي عقيمة وخربة من جيل إلي جيل أثناء الملك الألفي. وسيعود الرب إلي إسرائيل من أدوم بعد أن وطئ وحده المعصرة، وعندما يعود الرب، فإنه يقود جيوش إسرائيل ليحاربوا ويخضعوا الأعداء الباقين الذين يقيمون في أرضهم كما كان في أيام يشوع الذي قاد بني إسرائيل إلي الانتصار. وستمتد المعركة حتى إلى ارض أشور (مي 5: 5- 6). وفي ذلك الوقت فإن إسرائيل سيضع يده علي كل الحدود المعطاة له بالوعد كميراث من نهر مصر إلى نهر الفرات، وسيقع القضاء النهائي علي الفلسطينيين من جيوش إسرائيل أيضا ولا تبقي بعد كأمة، وسيخضع موآب وعمون لإسرائيل ويوضعون تحت الجزية. وسيسمح لبقية منهم بالبقاء في الأرض أثناء حكم المسيح الشخصي. وسيقيد إبليس ويطرح في الهاوية السحيقة لمدة ألف سنة (رؤ 20: 1- 3)، وسينهي الرب كل حرب وتمرد، ولن يعود هناك مغتصب من ذلك الوقت وفيما بعد لكي يضايق إسرائيل مرة أخري، وسيقيم الرب عرش مجده في إسرائيل، وكل الأمم الباقية في الأرض ستجتمع أمامه لكي تدان بحسبما تعاملت مع رسل إنجيل الملكوت الذين خرجوا ليكرزوا به في كل الأمم (مت 24: 14). وسيقسمهم الرب كالراعي الذي يميز خرافه من الجداء، والأمم الذين اظهروا أنفسهم أبرارا سيدخلون للتمتع بالبركة الأرضية مع إسرائيل، أما الأمم التي أظهرت نفسها في عدم البر فسترسل إلي العقاب الأبدي. وهذه هي دينونة عرش الرب (مت25: 31- 46). وبذلك فإن مدة 1335 يوما منذ منتصف الأسبوع قد انتهت وكل شر ومقاومة ستخضع (دا 12: 12؛ 1مل 5: 4). المتنيح القمص عبد المسيح بسيط
المزيد
08 سبتمبر 2025

علامات مجيء الملكوت

حديث السيِّد المسيح عن مجيء الملكوت السماوي يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا، أعلن عن مجيء الملكوت الأخروي، ومجيئه في كنيسة العهد الجديد، كما يمتزج بمجيئه داخل النفس. 4. حدوث مضايقات "حينئذ يسلّمونكم إلى ضيق، ويقتلونكم،وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي.وحينئذ يعثر كثيرون، ويسلّمون بعضهم بعضًا،ويبغضون بعضهم بعضًا" [9-10]. إذ يتقبّل الإنسان ملكوت الله داخله ينتقل من الضيقة العامة، أي الجو الخارجي الذي يثيره العدوّ ضدّ الملكوت بقصد إرباك المؤمنين وشغلهم عن المسيح، ليدخل بهم إلى ضيقات خاصة بهم، فيهيّج العدوّ الآخرين عليهم لمضايقتهم وقتلهم، لا لذنب ارتكبوه، وإنما من أجل "اسم المسيح"، وهذه هي جريمتهم. فالضيقة هي إحدى ملامح الطريق الأساسية للملكوت، إذ يمتلئ القلب من الداخل فرحًا بالمسيح الساكن فيه، بينما يُعصر في الخارج بالضيق. 5. ظهور أنبياء كذبة "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلّون كثيرين،ولكثرة الإثم تبرد محبّة الكثيرين،ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلّص.ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم،ثم يأتي المنتهى" [11-14]. هذا هو السهم الثالث الذي يصوِّبه عدوّ الخير ضدّ أبناء الملكوت. السهم الأول هو خلق جو عام قابض للإنسان يسحبه بعيدًا عن حياته الداخليّة، السهم الثاني هو تصويب الضيق إليه شخصيًا من أجل المسيح، أمّا الثالث وهو الأخطر فهو تصويب السهم ضدّ الإيمان، لينحرف به بعيدًا عن مسار الملكوت. فإن كان من الجانب التاريخي يظهر أنبياء كذبة يضلّلون الكثيرين، فإن هذا أيضًا يمكن أن يأخذ صورًا متعدّدة، كظهور فلسفات جديدة، ربّما تختفي وراء الدين، غايتها أن تقدّم أفكارًا برّاقة فلسفيّة وأخلاقيّة بعيدة عن الحياة مع المخلّص واختبار عمل الروح القدس الناري فينا. إنهم يلبسون ثوب النبوّة أو التديّن، لكنهم مضلِّلون يقودون النفس بعيدًا عن سرّ حياتها الحقيقي.ويظهر ثمر هؤلاء الأنبياء الكذبة عمليًا إذ تبرد محبّة الكثيرين، فيصير التديُّن كلمات جوفاء ومعرفة ذهنيّة وفلسفات بلا روح. يفقد الإنسان قلبه، فلا يقدر أن يحب الله والناس بل يبقى كائنًا جامدًا. إن كان عمل إبليس هو بث البرود الروحي في حياة الناس، خاصة خلال الأنبياء الكذبة، فإن الله هو وحده الذي ينزع هذا البرود. وكما يقول القديس جيروم: [إن كان الله نارًا، فهو نار لكي يسحبنا من برود الشيطان... ليت الله يهبنا ألا يزحف البرود إلى قلوبنا، فإنّنا لا نرتكب الخطيّة إلا بعد أن تصير المحبّة باردة هنا يقدّم لنا السيِّد وعدًا ليبعث فينا الرجاء، وهو أنه بقدر ما تنتشر الأضاليل ويخسر الكثيرون حياة الحب يعمل روح الله بقوَّة للكرازة بين الأمم في كل المسكونة. إنه صراع بين النور والظلمة، ينتهي بنصرة النور؛ مقاومة الباطل للحق تنتهي بتزكيَّة الحق ونموّه فينا. 6. رجسة خراب الهيكل في العبارات السابقة حدّثنا السيِّد عن نهاية الهيكل وخراب أورشليم بطريقة خفيَّة، أمّا هنا فيتحدّث علانيّة، إذ يقول: "فمتى نظرتم رِجْسَة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدّس، ليفهم القارئ" [15]. هكذا كان السيِّد المسيح يدعوهم لقراءة سفر دانيال (9: 27)، ليتأكَّدوا من خراب الهيكل اليهودي.ما هي رِجْسَة الخراب هذه؟ أولًا: يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنها تعني الجيش الذي به خربت أورشليم؛ نقلًا عن كلمات السيِّد نفسه: "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذ اِعلموا أنه قد اِقترب خرابها" (لو21: 20). فقد دخل الأمم الهيكل ودنَّسوه بل وحطَّموه تمامًا، وكان ذلك علامة نهاية الملكوت الحرفي، وقيام الملكوت الروحي. ثانيًا: يقول القديس جيروم: [يمكن أن تفهم عن تمثال قيصر الذي وضعه بيلاطس في الهيكل أو (تمثال) هادريان الفارسي الذي أُقيم في قدس الأقداس... في العهد القديم يُدعى التمثال بالرِجْسة، وقد أضيفت كلمة "خراب"، لأن التمثال قد وُضع في وسط الهيكل المهجور وقد أخذ القديس يوحنا الذهبي الفم بذات الرأي أيضًا. ثالثًا: يرى القديس هيلاري أسقف بواتييه أن هذه الرِجْسَة إنّما تُشير لما يحدّث في أيام ضد المسيح إذ يقول: [أعطى الله علامة كاملة عن مجيئه الأخير، إذ يتحدّث عن أيام ضدّ المسيح. يسمِّيها رِجْسَة لأنه يأتي ضدّ الله ناسبًا كرامة الله لنفسه. إنها رِجْسَة خراب لأنه يدمر الأرض بالحروب والقتل. يقبله اليهود، فيأخذ موقف التقدّيس، وفي الموضع الذي تقام فيه صلوات القدّيسين يستقبلون الخائن كمن هو مستحق لكرامة الله. وإذ يصير هذا الخطأ شائعًا بين اليهود فينكرون الحق ويقبلون الباطل، لذلك يطلب الله (من شعبه) أن يتركوا اليهوديّة ويهربوا إلى الجبال حتى لا يعوقهم أتباعه ولا يؤثِّرون عليهم 7. وصايا للدخول في الملكوت "فحينئذ ليهرب الذين في اليهوديّة إلى الجبال،والذي على السطح، فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا،والذي في الحقل، فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه،وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام،وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت" [16-20]. من الجانب التاريخي إذ رأى المسيحيّون الذين في أورشليم الرومان يحاصرونها أدركوا ما سيحل بها من خراب، كقول الرب فهربوا سريعًا. وهذا ما يحدث عند مجيء ضدّ المسيح كما رأينا في كلمات القديس هيلاري السابقة، فإذ تراه الكنيسة قد أقام نفسه إلهًا في هيكل الرب (2تس1-4) تهرب إلى البرّيّة "حيث لها موضع مُعد من الله، لكي يعولها هناك ألفًا ومائتين وستين يومًا" (رؤ 12: 6).وفي حياتنا الروحيّة إذ نرى هيكل الحرف ينهار في داخلنا، يلزمنا أن نهرب من اليهوديّة إلى الجبال، أي من حرفيّة اليهود في فهم الوصيّة إلى انطلاقة الروح العالية لتدخل إلى الفهم السماوي. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [ليت الذين ينظرون هذا يهربون من حرف اليهوديّة إلى جبال الحق العالية. وإن صعد أحد إلى سطح الكلمة ووقف على قمّتها فلا ينزل ليطلب شيئًا من بيته، وإن كان في الحقل حيث يختبئ فيه الكنز فلا يرجع إلى الوراء، بل يجري من خطر خداع الكلمة الباطلة (ضد المسيح)، ويكون هذا على وجه الخصوص متى خلع ثوبه القديم فلا يرتدّ إليه ليلبسه مرّة أخرى الجبال كما يقول القديس أغسطينوس: تشير إلى النفوس العاليةأو إلى القدّيسين حيث تستند التلال (النفوس الصغيرة) عليها. وكأن دعوة السيِّد المسيح للهروب هنا هي دعوة للالتصاق بالقدّيسين والشركة معهم.يوصي السيِّد مَنْ كان قد ارتفع بالروح القدس من طابق إلى آخر كما من مجدٍ إلى مجدٍ حتى بلغ السطح ليرى السماء قدام عينيّه واضحة ومكشوفة، لا تعوقها الأسقف الطينيّة أي الأمور الزمنيّة، فلا ينزل ثانية لتبقى حياته في حالة صعود بلا نزول، مع انتظار على السطح لرؤية السيِّد قادمًا على السحاب فلا يعود يطلب الأمور الزمنيّة التي هي سُفليّة. السطح هو أعلى مكان في البيت، قمّة المبنى وكماله، لذلك من يقف عليه يكون كاملًا في قلبه، متجدِّدًا، غالبًا في الروح، ليحتفظ لئلا ينزل إلى الأمور الدنيا ويشغف بالممتلكات الزمنيّة. القديس هيلاري أسقف بواتييه لنحذر في الضيقة من النزول عن المرتفعات الروحيّة ونرتبط بالحياة الجسدانيّة. ومن تقدّم لا ينظر إلى الوراء فيطلب الأمور الأولى ويتردّد راجعًا إلى الأمور السُفليّة. القديس أغسطينوس من له ثوب المسيح فلا ينزل من السطح ليحضر ثوبًا آخر. لا تنزل من سطح الفضيلة لتطلب الملابس التي كنت ترتديها قديمًا، ولا ترجع من الحقل إلى البيت. القديس جيروم إن كان أحد على السطح، أي سبق فصعد إلى القمة حيث الفضائل العُظمى، فلا يعود ينزل إلى أعماق الأرض وهذا العالم. على السطح وقفت راحاب الزانية، رمز الكنيسة، واتّحدت في شركة الأسرار نيابة عن شعوب الأمم. خبَّأت الجاسوسين اللذين أرسلهما يشوع (يش 2: 1)، فلو نزلا إلى أسفل البيت لقتلهما الذين أُرسِلوا للقبض عليها. إذن السطح هو قمّة الروح حيث يتحصَّن الإنسان من ضعف الجسد الخائر بلا قوّة. هنا أفكر في المفلوج الذي حمله أربعة رجال ودلُّوه من السطح...! لنتبع بطرس الذي شعر بالجوع فصعد إلى سطح المنزل (أع 10: 9)، فهناك عرف سرّ نشأة الكنيسة، فما كان ينبغي له أن يحكم بنجاسة شعوب الأمم، لأن الإيمان يقدر أن يطهّرها من كل دنس... فإن كان بطرس لم يقدر أن يدرك هذا السرّ وهو أسفل، فكيف تستطيع أنت أن تفهمه (ما لم ترتفع إلى السطح)؟! لقد أدركه بطرس إذ صعد ليبشّر بالرب (إش 40: 9). القديس أمبروسيوس ومن كان في الحقل الإلهي يعمل لحساب السيِّد المسيح فلا ينظر إلى الوراء، مرتبكًا حتى بضروريَّات الحياة كالأكل والشرب والملبس، إنّما ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام، ناظرًا جعالة الله العُليا. النفس التي خلعت ثوب أعمال الإنسان القديم وانطلقت إلى الحقل تعمل لحساب المسيح لا ترتد إلى الوراء لترتديه مرّة أخرى، بل تتمثل بيوسف بن يعقوب، إذ يقول القديس جيروم: [ليتك بالأحرى إن أمكنك أن تتمثل بيوسف، فتترك ثوبك في يد سيِّدتَك المصريَّة وتتبع ربَّك ومخلّصك عاريًا من كان في الحقل فلا يرجع إلى الوراء. ما هو هذا الحقل؟ لقد أعلمني إيّاه يسوع بقوله: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 12)... لتحرس حقلك إن كنت تريد بلوغ ملكوت الله، فيزهر لك أفعالًا صالحة خصبة، ويكون لك بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك (مز 127: 3)... ليدخل الرب يسوع في الحقل: "تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل" (نش 7: 11). فيقول: "دخلتُ إلى جنَّتي يا أختي العروس قطفتُ مُرّي مع طيبي، أكلتُ شهدي مع عسلي" (نش 5: 1). هل يوجد محصول أفضل من محصول الإيمان الذي يثمر أعمالًا صالحة ترتوي بينبوع الفرح الأبدي؟! إن كان قد منعك من النظر إلى الوراء، فبالأحرى يمنعك من الرجوع لتأخذ ثوبك. فمن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضًا (مت 5: 40)، فيليق بك لا أن تترك الخطايا فقط، بل وتمحو كل ذكرى لأعمالك السابقة، فكان بولس ينسى ما هو وراء (في 3: 13)، يخلع عنه الخطيّة ولا يترك التوبة. القديس أمبروسيوس خلال هذا الجهاد الحيّ الذي فيه نهرب من يهوديّة الحرف إلى حرّية الجبال المقدّسة، نرتفع على السطح لنرى السماوات مكشوفة، فلا ننشغل بغير مجيء المسيح الأخير، نعمل في الحقل ممتدِّين إلى قدَّام بلا تراجع من أجل الدخول في الأبديّة. يُعلن السيِّد الويْل للحبالى والمُرضِعات. من هن هؤلاء الحبالى إلا النفوس التي وإن عرفت السيِّد المسيح لكن ثمر الروح لم يُعلن بعد فيها، والمُرضِعات هن اللواتي يبدو ثمرهن كرضع صغار. مثل هؤلاء اللواتي بلا ثمر عملي أو قليلي الثمر لا يقدرن على مواجهة الأيام الصعبة خاصة أيام ضد المسيح قبل مجيء المسيح. النفس التي حبلت ولم تلد ثمرة الكلمة تسقط تحت هذا الويل، إذ تفقد ما حبلت به وتصير فارغة من رجائها في أعمال الحق. وأيضًا إن كانت قد ولدت لكن أطفالها لم ينتعشوا بعد. العلامة أوريجينوس ويرى بعض الآباء أن الحَبَل هنا إنّما هو الالتصاق بالخطيّة ليحمل الإنسان في داخله ثمر المُرّ، أمّا المُرضِعات فهنَّ النفوس التي أثمرت فيهن الخطيّة ثمارًا مُرّة. هؤلاء جميعهنَّ لا يستطعنَ الخلاص من ضد المسيح. لا يفهم هذا على أنه تحذير من ثِقل الحَبَل، وإنما يُظهر أثقال النفس المملوءة بالخطايا، التي لا تستطيع أن تهرب من السطح أو الحقل حيث يحلّ غضب الله. أيضًا ويل للمُرضِعات، إذ يَظهرنَ المتخلّفين في معرفة الله كمن يرضعْن لبنًا، ويل لهم لأنهم سيكونون ضعفاء جدًا غير قادرين على الهروب من ضدّ المسيح، غير مستعدين على مجابهته، إذ لم يتوقّفوا عن الخطيّة ولا أكلوا خبز الحياة. القديس هيلاري أسقف بواتييه الحَبالى هم الذين يطمعون فيما ليس لهم، والرُضَّع هم الذين نالوا بالفعل ما طمعوا فيه، هؤلاء يسقطون في الويْل في يوم الدينونة. القديس أغسطينوس يطالبنا السيِّد أن نصلّي ألا يكون هربنا في شتاء ولا في يوم سبت، أي لا تكون حياتنا قد أصابتها برودة الروح القاتلة كما في الشتاء، ولا حلّ بها وقت البطالة كما في السبت. فإن النفس الباردة والبطالة تسقط في خداعات المسيح الكذاب، ولا تقدر على ملاقاة رب المجد يسوع. قال هذا لكي لا نوجد في صقيع الخطيّة ولا في لا مبالاة من جهة الأعمال الصالحة، فيفتقدنا العقاب الخطير. الأب هيلاري عندما يصنع ضدّ المسيح أضاليل أمام أعين ذوي الفكر الجِسداني (السالكون في الشتاء) يجتذبهم إليه، لأن من يُسر بالأرضيّات لا يتردّد في الخضوع له. الأب غريغوريوس (الكبير) القمص تادرس يعقوب وللحديث بقية
المزيد
07 سبتمبر 2025

انجيل قداس يوم الأحد الذي يقع في أيام النسئ

تتضمن علامات يود الدينونة مرتبة على قوله تعالى: "وفيما هو جالس على جبل الزيتون "( مت ٣٤ : ٣-٣٥ ) سمعنا الآن قول ربنا للذين يتنازعون على الرئاسة ويتسابقون إلى صدور المجالس ويعدون الدعوات العالمية، فينبغي لنا أن نسارع إلى الهروب من طلب الرتب العالية والتفاخر بالمناصب الزائلة ونتنافس في الإتضاع والتماس أقل الدرجات لترتفع إلى ذروة الفضيلة ونفوز بأول المتكأت في منازل السعداء فإن قلت وهل يوجد الآن من يترك علو الدرجات ويطلب دناءتها ؟ أجبتك نعم وأنا ادعوك إلى منازل الأبرار ومظال القديسين فأطوف بك الجبال والصحارى وبطون الأودية لترى هناك أناساً جائلين في سبيل الله قد تخلى بعضهم عن الغنى وبعضهم عن الرتب العالية وبعضهم عن الشهوات البدنية وبعضهم عن الأملاك وبعضهم عن الزراعات وباقى الأمور العالمية والتزموا الأعمال المتعبة والصنائع الدنيئة فصار قوم منهم يحرثون الأرض وقوم يزرعونها،وقوم يحصدون وقوم يدرسون وأناس يجمعون الحطب واناس يضفرون القفف وأناس يخدمون الغرباء وجميعهم قد رفضوا التكبر والافتخار وارتاضت نفوسهم واشرقت أشعة فضائلهم ولهذا صار لجميعهم منزل واحد ومائدة واحدة وغرض واحد ورجاء واحد، ومن أين يوجد بينهم الصلف والكبرياء وحب الغلبة ؟ وهم قد خلعوا الأخلاق الدنيوية ورفضوا العوائد العالمية وجردوا ذواتهم لبنيان الفضيلة وكيف يكون متعظماً من وقف نفسه لخدمة الأرض ومعاناة الزراعة ولبس المسوح الشعرية وأكلا الأطعمة الدنية ؟ وليس هذا فقط بل إنهم يخدمون المرضى أيضاً ويقودون العميان ويمسحون قروح المجذومين ويأكلون مع المبتلين ويحتملون أثقال المساكين ولا يوجد بينهم خصام ولا شقاق فإن قلت وما الفائدة الحاصلة لهم من احتمال هذه الاتعاب إذا هم أهلكوا ذواتهم وحرموا شهوات نفوسهم وهجروا لذات عيشهم ؟ أجبتك إسمع قول سيدك : من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها " " لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه " وقوله: ويل لكم ايها الاغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم ويل لكم ايها الشباعي لأنكم ستجوعون ويل لكم أيها الضاحكون الآن لانكم ستحزنون وتبكون " وقوله: طوبى للحزاني لانهم يتعزون طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون وقوله ايضاً " أدخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه " فإن قلت كيف يخلق الله اناساً ويأمرهم بالدخول في المصاعب ويكلفهم الاتعاب والمشقات؟ قلت ليجربهم ويمتحن ضمائرهم ويعطيهم الملكوت بعد جهاد وكد وتعب لا بالطريق التفضل جوداً منه ورحمة للبشر فسبيلنا أن نسمع اقوال ربنا ونطيع المتجسد لاجل خلاصنا، وأن نصنع دعواتنا واجتماعاتنا ومواسمنا حسب إرادة المنعم علينا مزينة بحضور الضعفاء والمساكين والايتام والأرامل والبائسين فى منازلنا لينزع الله عنا ثياب المسكنة ويلبسنا حلة المجد في النعيم الأبدى بنعمة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
06 سبتمبر 2025

يوم الدينونة

بسم الآب وَ الإِبن وَ الرّوح القُدس الإِله الواحِد آمين فلتحِل علينا نعمِته وَ بركته الآن وَ كُلّ أوان وَ إِلَى دهر الدهُور كُلّها آمين بِتتعوّد الكنيسة يا أحِبّائِى وَ نحنُ فِى نهايِة عام قبطِى أنْ تقرأ لنا فصُول عَنْ نِهايِة العالم ،وعَنْ الدينُونة ، فالسنة مرّت وَ هذا إِنذار لنا أنّ هذا هُوَ نِهاية لِحياتنا ،وَ بِإِستمرار أخِر إِسبُوعين فِى السنة القِراءات تدُور حُول علامات المجىء الثانِى وَ إِستعلان مجيئه لقد تكلّمت معكُمْ فِى عِدّة مرّات عَنْ السَّماء ، وَ بِما أنّنا فِى نِهاية العام وَ الكنيسة تُرِيد أنْ تُكلّمنا عَنْ الدينُونة فأُرِيد أنْ نتكلّم اليوم عَنْ الدينوُنة يمكِن كثيرِين بِيهربوا مِنْ الكلام عَنْ الدينُونة لأنّهُ مُخِيف ،وَ لكِنْ لابُد أنْ ننتبِه إِليهِ ،وَ لابُد أنْ نعرِف أنّهُ تُوجد نِهاية ،وَتُوجد مُجازاة للأشرار وَ مُكافأة لِلأبرار نقُول جُزء مِنْ سِفر الرؤيا إِصحاح 6 : 15 – 16 [ وَ مُلُوكُ الأرضِ وَ العُظماءُ وَ الأغنِياءُ وَ الأُمراءُ وَ الأقوِياءُ وَ كُلُّ عبدٍ وَ كُلُّ حُرٍّ أخفوا أنفُسهُمْ فِي المغايِرِ وَ فِي صُخُورِ الجِبالِ وَ هُمْ يقُولُونَ لِلجِبالِ وَ الصُّخُورِ أسقُطِي علينا وَ أخفِينا عَنْ وجهِ الجالِس على العرشِ وَ عَنْ غضبِ الخرُوفِ ] فأكثر ناس بِنُعطِيهُمْ عظمة وَ كرامة فِى هذا الدهرِ يقُول عنهُمْ كانُوا بِيختبِأوا فِى صُخُور الجِبال مِنْ وجه الجالِس على العرش ، نحِب أنْ نأخُذ فِكرة بسيِطة عَنْ دينُونة يسُوعَ ،نأخُذ أولاً:- 1- مفهُوم الدينُونة :- فهل أنت يارب ستأتِى لِتُدِين أولادك وَ تُدِين العالم ،وَ ستُفرِّق العالم إِلَى أبرار وَ أشرار ؟ وَهل الصُورة التَّى تعّودنا عليها صُورة الحمل الهادِىء الّذى لاَ يصيِح ،الّذى[ قصبة مرضُوضةً لاَ يقصِفُ وَ فتيِلةً مُدخِّنةً لاَ يُطفِىءُ] ( مت 12 : 20 ) ، فهل ستكُون بِنَفْسَ وداعتك أم ستأتِى غاضِب مُنتقِم ؟ فهل نستوعِب أنّ ربِنا تخرُج مِنْ فمِهِ كلِمات لعنة وَ يقُول إِبعدوا عنِى يا ملاعيِن ،فإِنْ كان ربّ المجد يسُوعَ قَدْ غفر لِصالِبيه حماقتهُمْ وَ قال[ يا أبتاهُ إِغفِر لهُمْ لأنّهُمْ لاَ يعلمون ماذا يفعلُون] ( لو 23 : 34 ) ، فهل أنت يارب تسترِيح وَ مراحمك تسترِيح عِندما تقُول [ فحيِنئِذٍ لَمْ أعرِفكُمْ قط إِذهبوا عنِّى يا فاعِلِي الإِثْمِ] ( مت 7 : 23 ) ؟ هل أنت يارب ستكُون راضِى تماماً عَنْ دينُونتك ؟ وَ هل ستكُون أحشاءك مُسترِيحة وَ أنت سامِع صُراخ الخُطاه وَ بُكاءهُمْ ؟ فهُوَ ليس فقط بُكاء وَ لكِنْ صرِير الأسنان ففِى إِنجيِل يُوحنا إِصحاح 12 يقُول آية ذهبيَّة ،قال [ لأِنِّى لَمْ آتِ لأدِين العالم بل لأُخلِّص العالم ] ( يو 12 : 47 ) ، فأنت مُخلِّص وَ ليس ديَّان ، وَ لكِنْ بعدها قال [ مَنْ رذلنِى وَ لَمْ يقبل كلامِى فلهُ مَنْ يدِينُهُ ، الكلامُ الّذى تكلّمتُ بِهِ هُوَ يدِينُهُ فِى اليوم الأخيِر ] ( يو 12 : 48 ) كلامِى هُوَ الّذى سيُدِينه ، وصيَّة ربِنا هى التَّى ستُدِينه ، وَ لكِنْ هل فِى الدينُونة سنتذّكر أعمالنا ؟! فتُوجد ثلاث أُمور ستُذّكِرنِى بِأعمالِى :- أ/ الزمن سيُرفع 0 ب/ الجسد الضعِيف سنكُون قَدْ تخلّصنا مِنهُ ، وَ مِنْ سِمات الجسد الضعيِف هُوَ النِسيان ،فَلاَ يوجد زمن وَ لاَ يوجد نِسيان 0 ج/ سنكُون فِى حضرِة الله 0 أ- الزمن سيُرفع :- فهذا هُوَ الجو المُحِيط بِالدينُونة ، فأحداث عُمر الفرد ستكُون مُتواصِلة ،وَ كأنّها فِى لحظة واحدة ، فحياتِى كُلّها ستكُون أمامِى كُلّها فِى لحظة واحِدة ،وَ سأكُون فِى وعى كامِل ، فالوعى الّذى سيكُون عِندنا فِى الأبديَّة سيفُوق أىّ وعى نحنُ قَدْ مررنا بِهِ على الأرض ،وَ سأكُون فِى وعى كامِل لِكُلّ أحداث حياتِى ،وَ لِكُلّ سقطاتِى ،وَ لِكُلّ ضعفاتِى وَ سهواتِى ،وَ ستمُر فِى لحظة واحِدة ، وَ لِذلِك يقُول [ مُخيِف هُوَ الوقُوعُ فِي يديِ الله الحىِّ ]( عب 10 : 31 ) ،كم أنّ الحياة الماضية كُلّها ستكُون حاضِرة أمامِى الآن ، وَ فِى نُور وجُود الله سيكُون لها رؤية أُخرى تخيّل عِندما تتواجد ضعفاتِى فِى حضرِة الله ، فالشيء القبيِح لاَ يظهر عِندما يكُون فِى وسط شيء قبيِح ،وَ لكِنْ لو رميت قشرة لب فِى مكان نظيِف فإِنّهُ سيكُون شيء غرِيب ، فنحنُ خطيتنا أمام حق الله ستكُون أفظع وَ ستظهر قباحتها أكثر ممّا نتخيّلها 0 ب- لاَ يوجد نِسيان :- مُمكِنْ أنْ نكُون الآن بِننسى ،فالنِسيان داخِل مِنْ خلال الزمن ،وَ لكِنْ فِى الأبديَّة سنكُون فِى يقظة شامِلة ، خالية مِنْ كُلّ سهو ،وَ ستُعرض علينا فِى لحظة واحِدة أمام نُور وَ حق الله ،كم أنّها يا أحِبّائِى ستكُون لحظة مُرعِبة ،كم أنّ نُوره عِندما يدخُل إِلَى كياننا ستكُون الخطيَّة خاطِئة جِدّاً ،وَ سيكُون فِى لُون مِنْ ألوان الخِزى وَ لِذلِك لاَ تتعّجب مِنْ الملُوك وَ الأُمراء عِندما يقُولُوا[ لِلجبال وَ الصُخُور أسقُطِى علينا وَ أخفِينا عَنْ وجه الجالِس على العرش وَ عَنْ غضب الخرُوف] ( رؤ 6 : 16 ) ،غير قادِر أنْ ينظُر ،غير قادِر أنْ يحتمِل نُور حق ربِنا ، فِى حِين هُوَ عايِش فِى ظُلمة ،فماذا سيفعل معنا ربنا يسُوعَ ؟! وَ لِمَنَ ستكُون الدينُونة ؟! فيوم ظهُوره نقُول عنهُ فِى القُدّاس [ وَ ظهُوره الثانِى الآتِى مِنْ السَّموات المخُوف المملوء مجداً ] 0 ج- سنكُون فِى حضرِة الله :- السيِّد المسيِح هُوَ الوحيِد المُستحِق أنْ يُدِين لأنّهُ هُوَ القداسة الفائِقة ،هُوَ النُور الحقيقِى ،لأنّهُ أخذ جسدنا وَ شاركنا فِى اللحم وَ الدم ،هُوَ سيُدِين الطبع البشرِى ،وَ لِذلِك أعطى حق الدينُونة للإِبن ، فأعماله وَ قداسته تشهد لهُ فالحق الّذى فِى ربِنا يسُوعَ يكفِى أنْ يُعطيهِ الحق بأنْ يُدِيننِى بِدُون أنْ أعترِض ،بل بِالعكس أخضع لِدينونتهُ جِدّاً لأنّهُ هُوَ الّذى غلب الموت وَ دان الخطيَّة ،فعِندما أكُون أنا إِنسان مُحِب لِذاتِى وَ مُحِب لِشهواتِى مُجرّد أنْ أقِف أمامه أشعُر بِالدينُونة ،لأنّهُ هُوَ القداسة الكامِلة ، وَ هُوَ الحق وَ هُوَ الحياة وَ هُوَ النُور ، لأنّ ما مِنْ موقِف أقع فِيه إِلاّ وَ هُوَ غلبهُ ،وَيقُول لك لِماذا ؟ فأنا غلبت ، أنا أخذت نَفْسَ جسدك فلِماذا تُغلب ؟! وَ لِذلِك كم أنّ ظهُوره سيكُون مُخيِف ، وَ سيحدُث أمرين :- الأبرار سيمتلِئوا فرحاً وَ تهليلاً ، وَ ستكُون الدُنيا لَمْ تسعهُمْ ، ففرحِة العرُوس بِعريسها لاَ تُقاس بِفرحِة الأبرار بِالمسيِح ، إِنَّها فرحة لاَ يُعبّر عنها 0 وَ لِلأشرار ستكُون رُعب ، وَ ستكُون كارثة ، وَ هُمْ سوف لاَ يستطيِعُوا أنْ ينظُرُوا إِليهِ ، وَ لِذلِك يقُولُوا [ لِلجبال أسقُطِى علينا وَ لِلآكام غطّيِنا ] وَ لِذلِك وَ هُمْ كانُوا يعيِشُون فِى دنس وَ يعيِشُون لِلعالم ، عِندما ينظُروه هُوَ الفائِق القداسة فإِنّهُ سيُدِين نجاستهُمْ وَ سيرتعبُوا ، مِثل النتيِجة لِلتلميِذ البليِد فإِنّهُ يكُون يوم حزِين وَ كآبة ، وَ لكِنْ لِلمُجتهِد يكُون يوم تتوِيج ، يوم فرح وَ مسرّة وَ لِذلِك تتذّكرُوا القِصَّة التَّى فِى لوقا 8 وَ هى قِصَّة الشخص الّذى كان عليهِ شيَّاطيِن كثيرة ، وَ كانت تُرِيد أنْ تخرُج مِنهُ ، وَ قالُوا لهُ أُأمُرنا أنْ ندخُل فِى قطيِع الخنازِير ، فالشيَّاطِين غير قادِرة على أنْ تتقابل مَعْ قداستِهِ ،الإِنسان الّذى يعيِش فِى الشرّ سوف لاَ يحتمِل أنْ ينظُر ربنا يسُوعَ فنحنُ كُلُنا فِى إِشتياق لِهذِهِ اللحظة بأنْ نراه ، الكنيسة مُتوّقِعة أنْ تراه ، الكنيسة كُلّها مُترّقِبة أنْ تراه ، الكنيسة مُشتاقة أنْ تراه ، وَ لكِنْ الأشرار لاَ فسوف لاَ يحتمِلُوا أنْ يروه وَ لِذلِك الإِنسان عِندما يعيِش فِى القداسة سيكُون يوم مجىء ربنا يسُوعَ يوم بهجة ،وَ لِذلِك كُلّ مجد ربِنا يسُوعَ هُوَ للأبرار ، الكُلّ سيراه ، حتَّى الّذين طعنوه سيروه ، فالّذى طعنهُ هُوَ واحِد فقط وَ لكِنْ هُنا يقُول الّذين طعنوه فإِنّ كُلّ خطيَّة هى طعنة لِربّ المجد يسُوعَ ، وَ فِى وقتها سنتذّكر كلامه ، وَ سنتذّكر لُطفه ، وَ سنتذّكر حنان ربنا يسُوعَ ، وَ سيشمل البار ، وَ لكِنْ الخاطىء ستكُون حنان ربِنا يسُوعَ وَ لُطفه نار عليه وَ لَمْ يستطع أنْ يحتمِلهُ [ شدّة وَ ضيِق وَ غضب على الّذين فعلُوا الخطيَّة ] ، وَ لكِنْ للّذين فعلُوا البِر[ مجد وَ كرامة وَ سلام] ( رو 2 : 10 ) رؤية ربنا يسُوعَ ستجعل ناس فِى ضيِق ، وَ ستجعل ناس أُخرى تكُون فِى محّبتِهِ ، وَ لِذلِك الكنيسة تقُول لهُ " كيرياليسُون يارب إِرحم " ، وَ لِذلِك فالإِنسان الّذى يعيِش فِى البِر رؤية ربنا يسُوعَ ستكُون بِالنسبة لهُ فرحة وَ مُكافأة ، وَ لِذلِك النَّاس الّذين يعيِشُون فِى الشرّ يطلبُون الموت وَ هُمْ فِى حضرِة الحياة ، وَ الحياة هُوَ ربّ المجد يسُوعَ ، فهُوَ يوم مُرعِب لِلخاطِىء وَ يوم مُبهِج لِلبار فِى سِفر يُوئِيل يتكلّم فِى إِصحاحين عَنْ يوم الرّبّ ، وَ كم أنّهُ يوم ظلام وَ قِتام لِلأشرار ، وَ يوم مُفرِح لِلأبرار ، فالإِنسان الّذى يعيِش فِى القداسة سيكُون مُكافأة لهُ ، وَ كم يكُون فِى تأمُل فِى حضرِة الله ، وَ كم تكُون سعادِة الإِنسان عَنْ كُلّ أتعابه الماضية فيكفِى فقط أنْ يراه ، أجمل مُكافأة هى أنّنا نكُون معهُ وَ نراه وَ نُعايِن وجههُ ، وَ نرى إِستعلان مجده وَ نفهم أسراره 0 وَ لكِنْ ما هى الأُمور التَّى ستُدِيننا ؟ 1- الوصيَّة :- وصيَّة ربِنا يسُوعَ ستدُيننا كسيف ذو حدين ، ستُدِيننا بِحزمٍ فائِق لاَ نتخيّله أبداً وَ لاَ نتّوقعه أبداً الوصيَّة التَّى تأخُذ شكل التحايُل وَ التَّى بِتتودّد إِلينا ، فِى يوم الدينُونة ستأخُذ شكل القاضِى ، فالوصيَّة التَّى تقُول لك يا حبيبِى أرجُوك صلِّى ، وَ التَّى تقُول لك لو سمحت إِعطِى العشُور فِى يوم الدينُونة ستجِد الوصيَّة مكتوبة بِأحرُف مِنْ نور وَ تُدِين الإِنسان الّذى كان لاَ يفعلها فأنا مُمكِنْ أنْ أعرِف الحُكم الّذى علىَّ قبل أنْ يصدُر ، لأنّ نص القانُون يقُول كذه وَ يُدِين الإِنسان ، الحق الّذى فِى الوصيَّة يا أحِبَّائِى سيقِف فِى صُورة مُرعِبة وَ حازِمة وَ بِخاصةً للإِنسان الّذى يُحِب العالم وَالإِنسان الّذى كان مُتهاوِن فِى الصلاة ، وَ سيقُول لهُ الله أنا قُلت لك [ وَاظِبُوا على الصَّلوةِ ساهِرِين ]( كو 4 : 2 ) ،وَكُلّ إِنسان كان لاَ يعيِش بِالمحبَّة سيقُول لهُ أنا قُلت [ أحِبُّوا أعداءكُمْ ] ( لو 6 : 27 ) ، وَ كُلّ إِنسان كان يُحِب العالم يقُول لهُ أنا قُلت [ لاَ تُحِبُّوا العالم وَ لاَ الأشياء التَّى فِى العالم ] ( 1 يو 2 : 15 ) الوصيَّة ستأخُذ صُورة القاضِى الحازِم ، وَ ستكُون فِى شكل جدِيد ، فهذا حق ربِنا ،وَ ستلبِس الوصيَّة صُورة القضاء ، وَ هى سوف لاَ تُدِيننا فقط على أنّنا كسرناها وَ لكِنْ أيضاً على كم مرّة تحايلت علينا أحد القديسيِن يقُول [ ستأتِى الوصيَّة وَ تُطالِبنا بِثمن توّسُلاتِها السابِقة ] ، كثيراً ما قدّمت الوصيَّة توّسُلات ، وَ آباء الإِعتراف شِبه بِتتوّسل ،وَ يقُولُوا لك يا إِبنِى صلِّى يا إِبنِى إِعطِى إِعطِى ربِنا حقوقه ، وَ لِذلِك الحق الّذى كُنّا نُقدّمه فِى صُورة توّسُلات سيأتِى فِى شكلٍ جدِيد ، سيأتِى بِقوّة جبّارة ، فِى صُورة فائِقة 0 2- منظر ربِنا يسُوعَ المصلُوب :- حق جِراحاته ستكُون فِى حد ذاتها ستُدِين الأشرار ، فِى سِفر الرؤيا يقُول عنهُ أنّهُ[ خرُوفٌ قائِمٌ كأنّهُ مذبُوحٌ ] ( رؤ 5 : 6 ) ، لِكى تكُون جِراحاته شاهِد عَنْ حُبّه الّذى لاَ يُعبّر عنهُ ، وَ عَنْ غُفران للّذى يُرِيد أنْ يتوب ، وَ عَنْ الدينُونة للّذى لاَ يُرِيد أنْ يتوب ، فيقُول لك لِماذا أنت مُصّمِمْ على الخطيَّة وَ أنا قدّمت لك كُلّ هذا الحُب ، ففِى ناس بِتستهيِن بِدم الله ، وَ لِذلِك البِر الّذى نحنُ مدعُويِن أنْ نعِيشه هُوَ بِر بِحسب قلب الله منظر ربِنا يسُوعَ وَ إِكليِل الشُوك وَ جرح جنبه وَ جرح رجليه وَ جرح يديه سيكُون منظر فظيِع لِلأشرار ، فالّذى كان يفعل الخطيَّة كأنّهُ يُعيِد موته مرّة أُخرى ، لأنّ الخطيَّة هى مُوت ، وَ هُوَ مات مِنْ أجلِنا. 3- الأبرار وَ الأنبياء وَ الشُهداء وَ القديسيِن سيُوقِفهُمْ عَنْ يمينه مِنْ أجل دينونتنا :- حتَّى يقُول لك فها هُمْ مِنْ كُلّ النوعيات ، الشيُوخ وَ السيِّدات وَ المُتزّوجيِن وَ غير المُتزّوجيِن وَ العذارى وَ البتوليين ، ناس أُمراء ، ناس رُتب مِنْ كُلّ الطبائِع سيُوقِفهُمْ عَنْ يمينه ، لأنّ مُمكِن واحِد يقُول لهُ أنا كُنت دكتور وَ كُنت مشغُول جِدّاً فإِنّهُ سيقُول لهُ أُنظُر فهذا فُلان كان أيضاً دكتور ، فهُوَ سيُدِيننا بِأنفُسنا وَ سيأتِى الأبرار وَ هُمْ النَّاس الناجحة كإِعلان عَنْ صِدق مواعِيده ، وَ أنّ الوصيَّة ليست مُستحيِلة ، وَ أنّ الوصيَّة مُمكِنْ أنْ تكُون مُعاشة بِالجسد ، وَ لِذلِك سيوقِف الأبرار بِجانِبِهِ وَ يُدِينُوا العالم فكُلّ وصيَّة نعيشها يُكافِئنا عنها ، وَ كأنّ ربنا يُرِيد أنْ يقُول لك أنا أُرِيد أنْ تكُون واحِد مِنَ الّذين سأُدِين بِهُمْ العالم الأبرار يا أحِبَّائِى الدينُونة سوف لاَ تُرعِبهُمْ وَ لاَ تُخِيفهُمْ ، وَ الخُطاه سوف لاَ يجِدوا راحة إِلاّ فِى بُكاءهُمْ وَ صرِير أسنانهُمْ ، كم أنّ الخطيَّة مُتعِبة لِدرجِة أنّهُ يقُول لك أنّهُمْ لاَ يرتاحُون إِلاّ فِى الظُلمة ، فهُمْ لاَ يُحِبُّوا أنْ يروا الأبرار ، ياه عقُوبة صعبة وَ لكِنْ هُمْ الّذين حكموا على أنفُسهُمْ ، وَ سوف لاَ يحتمِلُوا أنْ يكُونوا فِى حضرِة ربِنا ، فالعذاب أهون لنا مِنْ أنْ نجلِس أمامك ولِذلِك الإِنسان المُنشغِل بِالحياة وَ بِهمومها لابُد أنْ يُفكِّر فِى الدينُونة ،لأنّهُ [ الحُكمْ هُوَ بِلاَ رحمةٍ لِمَنْ لَمْ يعملْ رَحمَةً ] ( يع 2 : 13 ) ،الكنيسة بِتضع لنا الدينُونة كُلّ يوم فِى صلاة النُوم [ هوذا أنا عتيِد أنْ أقِف أمام الديَّان العادِل ] ، فأهم شيء هُوَ أنّ الإِنسان يتُوب فالدينُونة الآن وَ المجِىء الثانِى هُوَ الآن وَ العِقاب هُوَ الآن ، فالإِنسان لابُد أنْ يستعد لِلأبديَّة يا أحِبَّائِى ، لأنّهُ سيكُون يوم مُبهِج لنا إِنْ عِشنا فِى البِر وَ سيكُون يوم مُفزِع لو عِشنا فِى الشرّ ربِنا يجعلنا نكُون مِنْ القطيِع الّذى عَنْ يمينه لِكى نفرح بِلِقاءه ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَ لإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
05 سبتمبر 2025

تاريخ مجيد

التاريخ هو الحياة وهو صفحات متعاقبة نرى فيها يد الله التي تعمل مع البشر لأنه ضابط الكل والتاريخ المصري غني لمن يريد أن يتعلم ويستقي الدروس وخبرات الحياة.. قبل ميلاد السيد المسيح دخلت مصر تحت حكم روما، وصارت مِلكًا خاصًا للإمبراطور الذي احتفظ بالسلطة العليا فيها باعتباره وارث عرش الفراعنة. وخضعت مصر للرومان عام 31ق.م. وصارت ولاية رومانية حتى سنة 395م، أما الفترة من 395-641م فهي المعروفة بالعصر البيزنطي، وكان المجتمع المصري يتألف من طوائف الرومان والإغريق واليهود وأخيرًا المصريين، الذين عانوا الفقر والحرمان عدا قلة ضئيلة. ورغم ذلك أعتبرت مصر كأنها مزرعة كبيرة لروما ومصدرًا رئيسيًا لتوريد القمح لها. وظلت الإسكندرية عاصمة مصر، وأعظم مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما، وأضخم مواني البحر الأبيض المتوسط، وأهم مركز للثقافة الراقية والفن الرفيع وفي عهد الإمبراطور طيباريوس قيصر (14-37م) جاء السيد المسيح يكرز بالتوبة لاقتراب ملكوت السموات، وخلال الفترة من سنة 54-68م حكم نيرون الطاغية وامتد طغيانه إلى كل أرجاء الإمبراطورية، ومنها مصر بالطبع. وفي عهده جاء القديس مرقس البشير إلى مصر (الإسكندرية) ليكرز بالمسيح مخلصًا وبه تأسست كنيسة الإسكندرية وهربًا من بطش هيرودس ملك اليهودية الروماني، جاء السيد المسيح إلى مصر مع مريم العذراء أمه ويوسف النجار خطيبها. وهناك بردية أثرية من القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود العائلة المقدسة في مصر، وأنها استمرت 3 سنوات وأحد عشر شهرًا. وهذه البردية مكتوبة باللهجة القبطية الفيومية وطولها 31,5سم وعرضها 8,4سم ونشرتها جامعة كولون بألمانيا لأول مرة في مايو 1998م. ومكتوب بالبردية إن مصر أعظم أرض في العالم، وأن نيل مصر لم ينضب طوال الدهر، وأن ثمارها أطيب ثمار، وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة. ونحن نحتفل في 24 بشنس بتذكار دخول العائلة المقدسة إلى مصر والموافق الأول من شهر يونيو كل عام وتتوالى صفحات التاريخ المصري امتدادًا من العصور الفرعونية إلى العصر المسيحي بدخول القديس مارمرقس إلى الإسكندرية للكرازة بالمسيح، وتأسيس مدرسة التعليم المسيحي، ثم عصور الاستشهاد والتي سادت حتى القرن الرابع، ثم الرهبنة المسيحية وتأسيس الأديرة وظهور القامات الروحية لقادة الحياة الرهبانية وواكب ذلك عصر المجامع المسكونية إلى أن دخل العرب مصر وبدأ العصر الإسلامي، وتوالت حقبات الملوك والولاة والخلفاء، وظهور الدولة الأموية ثم الطولونية ثم الإخشيدية ثم عصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك، إلى أن جاء العصر العثماني والذي فيه تدهورت حالة الأقباط بشدة، وخلاله جاءت الحملة الفرنسية على مصر والتي كان لها عدد من الفوائد أهمها تسجيل حالة مصر من جميع الجوانب فيما سمي كتاب “وصف مصر”، والذي يحوي مجلدات وشرحًا وتوصيفًا في غاية الجمال. وبدأ بعد ذلك عهد محمد علي باشا وأسرته، وظهرت بعض الثورات مثل ثورة أحمد عرابي وثورة سعد زغلول وشملت الكنيسة القبطية نهضة واسعة في زمن البابا كيرلس الرابع ثم البابا كيرلس الخامس (1874-1927م) وتأسيس المتحف القبطي. ثم جاء النظام الجمهوري وفيه وقعت حرب يونيو 1967، وبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بالقاهرة 1968، وظهور القديسة مريم العذراء في الزيتون في ذات العام مع دخول رفات مارمرقس الرسول. وأود أن أتوقف عند العام 1973 والذي شمل حدثين في غاية الأهمية أحدهما كنسي والآخر وطني في 10 مايو 1973 كان اللقاء الأول بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الفاتيكان ممثلاً في زيارة البابا القبطي شنوده الثالث إلى البابا الكاثوليكي بولس السادس، وإعلان بيان مشترك بين الكنيستين اعتبر قاعدة العلاقات والحوارات بينهما وكذلك قدمت كنيسة روما جزءً من رفات القديس أثناسيوس الرسولي البطريرك العشرين (328-373م) في مناسبة مرور 16 قرن على نياحته (373-1973م) وأقيم احتفال عظيم في القاهرة ثم الإسكندرية حيث يرى المصريون أن البابا أثناسيوس (ومعنى اسمه الخالد) رمزًا للإيمان المستقيم ولا أحد يملي آراءه أو عقائده على كنيسة الإسكندرية أما الحدث الوطني فهو انتصار العسكرية المصرية يوم 6 أكتوبر 1973 في حرب ساحقة مع إسرائيل، وكان للرئيس السادات الفضل في قرار الحرب الذي استعادت به مصر جزءًا من شبه جزيرة سيناء، واكتملت بالمفاوضات والتحكيم الدولي. واليوم نحتفل باليوبيل الذهبي لهذا النجاح وهذا التاريخ المجيد، ونقدِّم التحية إلى القوات المسلحة المصرية والعربية التي شاركت في صنع هذا النصر العظيم، ذاكرين كل الشهداء والتضحيات التي قُدِّمت ثمنًا لنصر عزيز مُلهم لجميع الأجيال.. وتحيا مصر. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
04 سبتمبر 2025

بدعة نوئيطوس

بدعة الشكلانية (Modalisme) الاتجاه الأول أراد المحافظة على وحدانية الله ووحدانية مبدأ الكون،لكنه رأى أن تلك الوحدانية لا يمكن أن تثبت إذا آمنّا بوجود ثلاثة أقانيم في الله؛ لذلك اعتقد أن الثالوث الأقدس ليس في الواقع إلا أقنوماً واحداً ظهر لنا في ثلاثة أشكال أو أحوال: حال الآب، وحال الابن، وحال الروح القدس وعليه دعيت تلك البدعة "الشكلانية" أو "الحالانية" (modalisme)، أو بدعة المبدأ الواحد (Monarchianisme) فالتمييز في الله، بموجب تلك البدعة، ليس بين أقانيم متساوية في الجوهر؛ بل بين أحوال وأشكال ثلاثة اتخذها الإله الواحد في الزمن لذلك نستطيع أن نخلع عليه ثلاثة أسماء، فندعوه تارة الآب لأنه مبدأ الكون وخالقه، وتارة الابن لأنه تجسّد وصار إنساناً، وتارة الروح القدس لأنه يملأنا بحضوره لقد انتشرت هذه البدعة في آسيا الصغرى ورومة وشمالي أفريقية في أواخر القرن الثاني وفي النصف الأول من القرن الثالث ومن أهم دعاتها نوئيطوس الذي بشّر في أزمير بين سنة 180 وسنة 200، وبراكسياس الذي نشر تعاليمه في قرطاجة ورومة، وصابيليوس أسقف بطوليمَائيس في الخمس المدن، وقد كان له تلامذة كثيرون في رومة، ودُعيت البدعة نفسها أيضاً باسمه: الصابيلية. نجد دحضاً لتعاليم نوئيطوس في كتاب "دحض جميع الهرطقات" المنسوب إلى القديس ايبوليتوس الروماني (170- 235)،ودحضاً لتعاليم براكسياس في كتاب لترتوليانوس عنوانه "ضد براكسياس" ويذكر المؤرّخ افسافيوس أسقف قيصرية في كتابه "تاريخ الكنيسة" (7: 6) أن ديونيسيوس أسقف الاسكندرية (190- 264) كان ينعت أصحاب تلك البدعة بالتجديف والكفر وعدم الاحترام للآب والابن والروح القدس كما نجد ذكر الصابيلية بين البدع التي يجب نبذها، في القانون الأول من قوانين المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381، وكانت تلك البدعة قد فقدت عندئذٍ قوّتها كتنظيم خاص، إلاّ أنّ آراءها كانت لا تزال شائعة عند بعض فئات من الناس لماذا حرمت الكنيسة تلك البدعة؟ وماذا نستطيع أن نستنتج من هذا الحرم بالنسبة الى إيماننا بالمسيح؟ يقوم ضلال تلك البدعة على أنها لم تميّز في الله بين الأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد اعترفت بألوهية المسيح، لكنها قالت ان المسيح هو نفسه الله الآب وينتج من هذا القول أن الآب نفسه هو الذي تجسّد في الزمن في أحشاء مريم العذراء ووُلد منها طفلاً وتألّم وصُلب ومات وقام،ممّا يناقض مناقضة صريحة كل تعاليم العهد الجديد حول المسيح والآب فالمسيح الذي عاش على الأرض هو ابن الله الذي جاء ليتمّم في حياته إرادة أبيه؛والابن والآب أقنومان أو شخصان متميزان؛ والابن هو الذي، تتميماً لإرادة الآب، قبل الألم والصلب والموت؛ أما الآب فبقي منزّهاً عن الجسد والألم والموت إنّ ما أكّدته الكنيسة في رفضها تعاليم تلك البدعة، وما يجب أن نؤكّده اليوم أيضاً، هو سموّ الله وتعاليه في سرّ التجسّد فالله "هو هو أمسِ واليوم وإلى الأبد"،لا يمكن أن يتحوّل فيصير من حال إلى حال، ولا أن يتغيّر فينتقل من شكل الى شكل هذا ما تعلنه المسيحية في رفضها القول بتجسّد الآب وفي هذا تتّفق مع سائر الديانات التي تؤمن بالإله الواحد، كاليهودية والإسلام، إلاّ أنّها تدخل كثر من تلك الديانات في سرّ الله، فتؤكّد، إلى جانب سموّ الله وتعاليه، قربه من الانسان. والله لم يقترب من الانسان فقط، كما في اليهودية والاسلام، بما أوحاه إلى أنبيائه وبالكلام الذي تكلّم به على ألسنتهم،فالمسيحية تؤمن أن اقتراب الله من الانسان هو اقتراب شخصي. فكلمة الله هو نفسه صار بشراً، والكلمة هو شخص في الله: انه الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. وهذا الأقنوم هو الذي أخذ من مريم العذراء طبيعة بشرية وصار إنساناً خاضعاً مثلنا للألم والموت إلاّ أن المسيحية تعود فتؤكّد، في شخص المسيح أيضاً، سموّ الله، فتقول ان المسيح لم يخضع للألم والموت إلا في طبيعته البشرية.
المزيد
03 سبتمبر 2025

وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء

كلمة (تجسد) تعني أنه أخذ جسدًا وبالقبطية أي أخذ جسدًا أي اتحد بهذا الجسد اتحدت به الطبيعة اللاهوتية ولكن كيف أخذ هذا الجسد؟ من أي مصدر؟ لذلك قيل بعد ذلك: من الروح القدس ومن مريم العذراء: العذراء وحدها ما كان ممكنا أن تلد طفلا "وهي لا تعرف رجلًا" (لو 1: 34) لذلك قال لها الملاك مُفَسِّرًا الأمر "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك" (لو 1: 35) حلول الروح القدس في بطنها، كان حلولًا أقنوميًا إنها حالة استثنائية فالبشر لا يحل عليهم الروح القدس حلول أقنوميًا وقد حل الروح القدس على مريم العذراء لسببين: أولًا لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر وثانيًا لكي يقدس مستودعها، بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية وهكذا صار حبلها بالسيد المسيح حبلا بلا دنس وفي هذا المعنى قال الملاك المبشر "الروح القدس يحل عليك لذلك القدوس المولود منك يُدْعَى ابن الله" ( لو 1: 35) هو إذن قدوس "شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (القداس الغريغوري) حتى أنه إذا مات، لا يموت عن خطية له، إذ هو بلا خطية بل يموت عن خطايا الغير عبارة (تجسد) لا تعني فقط أنه أخذ جسدًا بشريًا، بل طبيعة بشرية كاملة، من جسد وروح لذلك لم يكتف قانون الإيمان بكلمة تجسد، إنما أضاف عليها (وتأنس) أي صار إنسانًا. وَتَأَنَّس صار إنسانًا كاملًا، له طبيعة ناسوتية لذلك قال الرسول "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2: 5) ذلك لأن الحكم صدر ضد الإنسان فيجب أن الذي يموت يكون إنسانا من نسل ذلك الإنسان فإن لم يكن إنسانًا كاملًا، لا يكون قد شابهنا في كل شيء ولا يكون قد أخذ طبيعتنا المحكوم عليها بالموت نقول هذا لأنه قامت هرطقة تقول أن السيد المسيح لا يحتاج إلى روح إنسانية يحيا بها يكفي أنه يحيا بلاهوته المتحد به يحيا بالروح القدس المتحد به أقنوميًا وليس بروح بشرية!! وقد حرم المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنه 381 م هذه الهرطقة (هرطقة أبوليناريوس)، لأنها تقلل من ناسوت المسيح فلا تجعل له ناسوتًا كاملا بل مجرد جسدا!! وأصبحت عبارة "تجسد وتأنس" تُتْلَى في قانون الإيمان، ونصليها أيضًا في القداس الإلهي اعترافا بناسوت المسيح الكامل، الذي ناب عن البشر مقدما نفسه ذبيحة عن خطايانا وهكذا قال الرسول "وسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1 تي 2: 5-6) وبهذا كان السيد المسيح يتمسك بلقب (ابن الإنسان)، ويكرره كثيرا، لأنه يمثل نيابته عن الإنسان عموما في موته عن الخطية وبالقبطية تأنس أي صار إنسانا صار الإنسان القدوس الذي اتحد به اللاهوت داخل بطن العذراء منذ أول لحظة للحبل المقدس لما حل عليها أما القديسة مريم فقد حبل بها حبلًا عاديًا لذلك تحتاج إلى الخلاص كباقي البشر وهكذا قالت في تسبحتها" وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 47). وصُلِبَ عنّا "وصُلِبَ عنا على عهد بيلاطس البنطي" عبارة "صلب عنا" تعني نيابة عنا أو بدلًا منا نحن الذين كنا مستحقين الموت، لأننا أخطأنا و"أجرة الخطية هي الموت" (رو6: 23) "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12) ثم جاء المسيح الذي بلا خطية تستحق الموت، لكي يموت عن الخطاة الذين هو تحت حكم الموت بهذه الشهادة دافع عنه اللص اليمين، فقال لزميله المجدف "أما نحن فبعدل (جوزينا) لأننا ننال استحقاق ما فعلنا وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله" (لو 23: 41) وأيضًا بيلاطس الذي حكم أخيرًا بصلبه، قال لرؤساء اليهود الذين قدموه للموت "إني لم أجد علة للموت" (لو 23: 22،14) وقال أيضًا "إني بريء من دم هذا البار" (مت 27: 24) وهكذا صلب هذا البار، نيابة عنا نحن المستحقين الموت "كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6) إذن مات عنا لكي يفدينا بموته والفداء يعني أن بارا يموت عن مذنب فالخاطئ يموت بسبب خطيئته أما البار -في الفداء- فيموت عن خطيئة غيره، ليفدى هذا الغير من حكم الموت ولم يكن هناك بار ولا واحد بل المسيح هو الوحيد البار "الجميع زاغوا معًا وفسدوا وليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز 14: 3) أما المسيح فهو القدوس، الذي يمكنه أن يموت عن غيره في البشارة بميلاده، قال الملاك جبرائيل للقديسة العذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35) والقديس بطرس الرسول لما وبخ اليهود على صلب المسيح، قال لهم "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل" (أع 3: 14) وقال عنه القديس بولس الرسول "كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26) إنه قدوس، ولكنه حمل خطايانا في صلبه لم يكن خاطئًا، إنما حامل خطايانا حامل خطايا غيره خطايا العالم كله، خطايا الماضي والحاضر والمستقبل قال القديس يوحنا الرسول"إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 1-2) وقال عنه القديس يوحنا المعمدان هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29) إنه يذكرنا بذبائح ومحرقات العهد القديم التي كانت ترمز إليه في العهد القديم، كان الخاطئ يأتي بذبيحة كفارة عن خطاياه يأتي بحيوان بريء ويضع يده عليه ويقر بخطاياه على رأس الذبيحة وكان وضع يده على رأس الذبيحة، إشارة إلى قبوله لأن تنوب عنه وأيضًا إشارة إلى انتقال خطاياه إليها، حتى تحملها وتموت نيابة عنه وهذه الحيوانات البريئة التي كانت تذبح وتموت، لم تكن خاطئة، وإنما حاملة خطايا، تحمل خطايا الذين يؤمنون بالكفارة والفداء، ويقبلونها عنهم قيل عن ذبيحة الخطية إنها قدس أقداس (لا 6: 25) وتكرر هذا التعبير أيضًا "إنها قدس أقداس" (لا6: 29) ولذلك كانت تذبح في المكان الذي تذبح فيه المحرقة، وقيل عن المحرقة أنها "رائحة سرور للرب" (لا1: 9، 13، 17) كذلك قيل عن تقدمة الدقيق أنها "رائحة سرور للرب" قدس أقداس من وقائد الرب" (لا2: 2-3، 9-10) كذلك قيل عن ذبيحة الإثم قدس أقداس في المكان الذي يذبحون فيه المحرقة، يذبحون ذبيحة الإثم" (لا7: 1-2) وهكذا كان المسيح ذبيحة خطية وذبيحة إثم، وقدس أقداس فيما يحمل خطايا العالم، وكان رائحة سرور للرب كانت هذه الذبائح التي تحمل الخطايا، "تحرق أجسادها خارج المحلة" (عب13: 11) وهكذا المسيح أيضًا "لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب"، صلبوه خارج المحلة، لأننا نحن كخطاة، كنا معتبرين خارج المحلة فخرج هو خارج المحلة نيابة عنا، لكي بذلك يدخلنا إلى داخل المحلة صلب عنا ومات عنا، لكي نحيا نحن بموته لقد تحدوه قائلين "لو كنت ابن الله، انزل من على الصليب" ( مت27: 40) "فلينزل الآن على الصليب فنؤمن به" (مت27: 42) (مر15: 32) ولكنه لم يفعل ذلك لأنه أراد أن يموت عنا، لكي نخلص نحن بموته ولكن لماذا اختار الموت مصلوبًا. أولا: لأنه كان أكثر أنواع الموت آلامًا تنزف فيه كل دمائه وتتمزق فيه كل أعصابه إلى جوار الآلام بسبب احتكاك المسامير بجسده. ثانيا: لأن آلام الصلب تستمر مدة أطول ربما قطع الرأس لا يأخذ سوى لحظة وكذلك آلام الحرق تستمر لحظات، وأيضًا الشنق وباقي أنواع الإعدام قد لا تقضي سوى دقائق أما صلبه فقد استمر ثلاث ساعات من السادسة إلى التاسعة، يضاف إليها عملية الاستعداد لصلبه. ثالثا: لأن الصليب فيه تشهير به وإعلان لعقوبته فالصليب في مكان مرتفع يراه الجميع وكثير من أهل المدينة وخارجها يرونه. رابعا: لأن الموت صلبًا، كان يعتبر لعنة في العهد القديم، في ناموس موسى (تث21: 22-23) "لأنه مكتوب ملعون كل مَنْ عُلِّقَ على خشبة" (غل 3: 13) فالسيد المسيح بصلبه "افتدانا من لعنه الناموس" باحتماله لها بدلًا منا ولأن موت الصليب موت وعار، لذلك قيل عنه "وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2: 8) لقد ناب في الصلب والموت والعار واللعنة وليس في هذا كله فقط عندما صام، صام عنا وما كان محتاجًا مثلنا إلى الصوم وحينما دخل في معمودية التوبة، إنما دخلها نيابة عنا لأنه ما كان محتاجًا إلى المعمودية، ولا إلى توبة وكذلك في طاعته لكل وصايا الناموس "لكي يكمل بر" (مت3: 15)، إنما خضع للناموس نيابة عنا حيث قدم لله الآب صورة عملية للإنسان الكامل، في وقت لم يوجد فيه الكمال على الأرض. إذ الجميع ضلوا وزاغوا، وأعوزهم مجد الله قدم له ناسوتًا كاملًا بلا خطية يفعل في كل حين ما يرضيه (يو8: 29) لقد صلب المسيح عنا ولكن لماذا قيل قانون الإيمان صلب عنا بيلاطس البنطي إنها حادثة تاريخية، أراد قانون الإيمان أن يثبت زمنها أيضًا من الناحية التاريخية بالضبط، في عهد أي وال من ولاة الرومان وذكر أيضًا إنه "صلب عنا وتألم". تألم أهمية إثبات الألم هام جدًا، فلماذا؟ لئلا يظن البعض أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح قد حمي الناسوت من الألم!! وهنا تكون مسألة الصلب شكلية بحتة! ولا يكون المسيح قد دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي حاشا!! إن آلام الصلب حقيقة ثابتة وعنها تنبأ إشعياء النبي فقال "رجل أوجاع ومختبر الحزن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله ومذلولًا وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا أما الرب فَسُرَّ أن يسحقه بالحزن، أن جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش 53: 3-10) ومن شدة ألمه على الصليب، قال "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مر 15: 34) ومن شدة ما نزل منه عرق ومن دم، قال "أنا عطشان" (يو 19: 28) لقد تألم السيد المسيح آلامًا حقيقة مبرحة وقد تركه الآب للألم، وسر أن يسحقه بالحزن وعبارة "لماذا تركتني" لا تعني انفصاله عنه، حاشا إنما تعني تركه للألم، دون أن يمنع الألم عنه لذلك تحتفل الكنيسة سنويا بأسبوع الآلام وتصوم كل يوم جمعة تذكارا لألم المسيح إن السيد المسيح لم يستخدم لاهوته أبدًا من أجل راحة ناسوته ليس ذلك في وقت الصلب بل طوال فترة تجسده على الأرض حينما هرب من سيف هيرودس إلى مصر كان يستطيع بقوة لاهوته أن يضرب هيرودس ضربة لا قيام بعدها، لكنه لم يفعل، ولم يستخدم لاهوته وفي صومه على الجبل، كان بإمكان لاهوته أن يحمي جسده من الجوع ولكنه لم يفعل، بل قيل عنه أنه "جاع أخيرًا" (مت 4: 2) هكذا احتمل الجوع، ولم يستخدم لاهوته لراحة جسده وأيضًا لم يحول الحجارة إلى خبز حسب اقتراح الشيطان!! وطوال فتره تجسده على الأرض، كان يجوع ويعطش، ويتعب ويتألم ولم يستخدم لاهوته لمنع شيء من هذا عن نفسه وفي أثناء حمله للصليب إلى الجلجثة (يو 19: 17)، من فرط التعب وقع وحمله عنه سمعان القيراوني (مر 15: 21) وكان يمكنه بقوة لاهوته أن يحمل الصليب بدون القيراوني! كذلك لم يستخدم لاهوته في منع أو إيقاف كل الذين أهانوه ولطموه (مت 27: 29-31) وهو نفسه تنبأ -قبل الصلب- عن هذه الآلام فقال لتلاميذه "إنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة وفي اليوم الثالث يقوم" (مت 16: 21) "وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا، ويُرْفَض من الشيوخ ورؤساء الكهنة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر 8: 31) "وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويرذل" ( مر 9: 12) (لو 9: 22) وكررها مرة أخرى فقال كذلك أيضًا يكون ابن الإنسان في يومه ولكن ينبغي أولًا أن يتألم كثيرًا، ويرفض من هذا الجيل" (لو17: 25) كذلك بعد القيامة، ذكر أن آلامه قد تحدث عنها الأنبياء من قبل، فوبخ تلميذيّ عمواس قائلًا لهما "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء أما كان ينبغي أن المسيح يتألم ويدخل إلى مجده" (لو 24: 25-26) وقال لتلاميذه أيضًا "هكذا مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو 24: 46) آلام المسيح كانت ترمز إليها الذبائح في العهد القديم خروف الفصح مثلًا، كان يرمز إلى السيد المسيح، إذ قيل "لأن فصحنا أيضًا، المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو 5: 7) هذا الفصح قيل عنه إنه قيل عنه أنه يكون "مشويًا بالنار" (خر 12: 8) وهذا الشيء رمز للآلام والمحرقة التي كانت ترمز للمسيح في وفاء العدل الإلهي، وأنها رائحة سرور للرب (لا 1: 9) قيل في شريعتها "تكون على الموقدة فوق المذبح كل الليل حتى الصباح والنار على المذبح تتقد عليه لا تطفأ نار دائمة على المذبح، لا تطفأ" (لا 6: 9 - 12) كل هذه النيران رمز للعدل الإلهي الذي يأخذ حقه من المحرقة، حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 10) أي آلام أكثر من هذه في تحقيق الرمز! ومما يعبر عن آلامه في الصلب، ما قيل عنه في المزمور "ثقبوا يدي وقدمي، وأحصوا كل عظامي" (مز 22: 16) كل هذا المزمور عن آلام الصلب التي وجهت إلى الجسد والنفس يقول "صار قلبي كالشمع ذاب في وسط أمعائي يبست مثل شقفة قوتي، ولصق لساني بحنكي.." (مز 22: 14 ، 15). وقُبِرَ أي وضع في قبر هذا هو الذي حدث بعد أن كفنه يوسف الرامي ونيقوديموس "فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا وكان في الموضع الذي صلب، فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط فهناك وضعا جسده"(يو 19: 40-42) ونساء كثيرات نظرن القبر وكيف وضع جسده" (لو 23: 55) والقبر الذي دُفِنَ فيه السيد، كان منحوتًا في صخرة ولما وضعه فيه يوسف، "دحرج حجرًا على باب القبر" (مر 15: 46) "وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي، تنظران أين يوضَع" (مر 15: 47) إلى هذا القبر أتى رؤساء الكهنة والفريسيون -بالاتفاق مع بيلاطس- ومضوا إلى القبر وضبطوه بالحراس، وختموا الحجر وذلك لخوفهم من أن يأتي التلاميذ ليلًا ويسرقوا الجسد، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات" (مت 27: 62-66) وملخص الموضوع أن يوسف الرامي ونيقوديموس كفنا جسد المسيح، ووضعوه في قبر جديد منحوت في صخرة، ودحرجا حجرًا على فم القبر، ونسوة كثيرات رأين ذلك ثم أن رؤساء الكهنة والفريسيين ضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر الذي على فم القبر وكل ذلك ساعد إثبات القيامة لأنه كيف يستطيع التلاميذ أن يسرقوا الجسد، مع وجود الحراس، ووجد الحجر الذي يسد باب القبر، والحجر عليه الختم يُضَاف إلى هذا أن السبت قد حل مساؤه (مر 15: 42) واستراح الناس حسب الوصية (لو 23: 56) وعلى الرغم من كل ذلك قام السيد المسيح وكان القبر الفارغ دليل قيامته. وقام من الأموات "وقام من الأموات في اليوم الثالث، كما في الكتب" أن قيامة المسيح تختلف عن كل شخص أخر عاد إلى الحياة في الأمور الآتية: 1 - إن السيد المسيح قد قام بذاته، ولم يقمه أحد. هناك ثلاثة عادوا إلى الحياة في العهد القديم: ابن أرملة صرفة صيدا، أقامه إيليا النبي (1مل 17: 22)، وابن المرأة الشونمية، أقامه أليشع النبي (2مل 4: 25) وثالث مات فطرحوه في قبر أليشع عاش وقام (2مل 13: 21) وهناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح ابن أرملة نايين (لو7: 15) وابنة يا يرس (لو 8: 55) ولعازر (يو11: 43-44) وقد أقام بولس الرسول الشاب أفتيخوس (أع 20: 10) وأقام بطرس تلميذة أسمها طابيثا (أع9: 40) كل هؤلاء أقامهم غيرهم أما السيد المسيح فهو الوحيد الذي قام بقوة لاهوته. هو قام، أما أولئك فأقيموا.. 2 - هو الوحيد الذي قام بحسد ممجد: والقديس بولس الرسول عندما تحدث عن أجسادنا في القيامة العامة، قال "ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 20-21) هذا الجسد الممجد الذي للسيد المسيح، استطاع -في القيامة- أن يخرج من القبر وهو مغلق وعلى بابه حجر كبير واستطاع أن يدخل على التلاميذ في العلية، وكانت الأبواب مغلقة (يو 20: 19) واستطاع بهذا الجسد الممجد أن يصعد إلى السماء وأخذته سحابه والتلاميذ ينظرون (أع 1: 9-10) أما إن كان قد أكل مع التلاميذ بعد القيامة، أو أراهم جروحه، فذلك لكي يثبت لهم قيامته، لأنهم ظنوه روحًا (لو 24: 37- 43). 3 - السيد المسيح هو الوحيد الذي قام قيامة لا موت بعدها. كل الذين أقيموا من قبل، عادوا فماتوا ثانيه وينتظرون القيامة العامة سواء الذين أقيموا في العهد القديم، أو الذين أقامهم الرسل أما السيد المسيح، فقد قام واستمر حيا، وهو حي إلى أبد الآبدين لذلك ليس عجيبا أن يقسم البعض باسم المسيح الحي، أو أن يصلوا إلى المسيح الحي وهكذا أطلق عليه القديس بولس لقب (باكورة الراقدين) (1 كو 15: 20) فهو البكر في القيامة من الأموات، أي أول شخص قام قيامة أبدية لا موت بعدها وهو نفسه قال للقديس يوحنا في سفر الرؤيا "أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 17-18) كانت قيامة المسيح أمرًا هامًا جدًا بشَّر به الرسل، وانزعج اليهود جدًا لذلك يقول سفر أعمال الرسل "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع4: 23). وانزعج رؤساء اليهود لهذا الأمر، لأن المناداة بقيامة المسيح تثبت لاهوته وبره، وتدل على أن اليهود صلبوه ظلمًا، وأنهم مطالبون بدمه لذلك استدعوا الرسل وقالوا لهم "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع5: 27-28) وكان التوبيخ الذي سمعه اليهود من الرسل "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه" (أع 3: 14-15). 4- وكانت قيامة المسيح تدل على قوته وانتصاره وبشرى لنا بأنه سيقيمنا معه. فهو الوحيد الذي انتصر على الموت بقيامته، وداس الموت بقوته وأعطانا الوعد أيضًا بالقيامة "فكما أنه في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع "فإنه إذا الموت بإنسان، فبإنسان أيضًا قيامة الأموات"، "المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه" ( 1كو 15: 21-23) هذا الرجاء في قيامة الأموات، سببه قيامة المسيح وفي هذا يقول القديس بولس الرسول "إن لم تكن قيامة الأموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلةٌ كرازتنا، وباطل أيضًا إيمانكم ونوجد نحن أيضًا شهود زور وإن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1كو 15: 13- 20) ولو كان المسيح لم يقم، لأصبح مثل أي إنسان عادي ويكون قد أنتصر عليه أعداؤه، وأنتصر عليه الموت أيضًا!! ولكنه قام "لأن فيه كانت الحياة" (يو 1: 4) ولأنه "رئيس الحياة" (اع 3: 15) لأنه هو القيامة والحياة (يو 11: 25) كما قال لمرثا أخت لعازر قبل أن يقيمه قيامة السيد المسيح كانت أمرًا بشر به تلاميذه قبل صلبه قال لهم انه "ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت 16: 21) (مر 8: 31) وكرر نفس هذا الكلام في (لو 9: 22) وبعد قيامته أخبرهم أن هذا الأمر وارد في أقوال الأنبياء قال لهم "هكذا مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو 24: 46) وكذلك فإن النسوة اللائي أتين إلى القبر حاملات حنوطًا، قال لهن الملاك "لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا ، لكنه قام اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم، فتذكرن كلامه" (لو 24: 5-7) وكانت قيامة الرب في اليوم الثالث تطابق الرمز في سفر يونان وهكذا عندما طلب اليهود منه آية، بعد آيات كثيرة صنعها، قال لهم موبخًا "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطي له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت 12: 39-40) مشيرًا بهذا إلى موته، وقيامته في اليوم الثالث يقوم في اليوم الثالث كما في الكتب، أي كما وردت أخبار هذه القيامة في الكتب المقدسة، وقد كان تسجيلها في الكتب المقدسة دليلًا على أهميتها، وكذلك تبشير الرسل بها. وصعد إلى السموات المقصود طبعًا أنه صعد بالجسد ذلك لأن اللاهوت لا يصعد ولا ينزل اللاهوت موجود فوق وتحت، وما بين الفوق والتحت موجود في السماء وعلى الأرض وما بينهما لذلك فهو لا يصعد ولا ينزل، لأنه مالئ الكل، وهو في كل مكان إنما السيد المسيح صعد إلى السماء جسديًا، حسبما نقول له في القداس الغريغوري "وعند صعودك إلى السماء جسديًا" لقد رآه التلاميذ صاعدًا بالجسد إلى فوق "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابه عن أعينهم" (أع 1: 9) وطبعًا رأوه صاعدًا بالجسد، لأنهم لا يمكن أن يروا اللاهوت وكان صعود السيد إلى السماء بالجسد الروحاني الممجد هذا الجسد الروحاني الذي سنقوم به أيضًا حسبما قال الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس عن قيامة جسدنا "يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا كما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو 15: 44، 49) وهذا الجسد الروحاني السماوي الذي سنقوم به، هو على شبه جسد الرب يسوع في قيامته، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21) وكما قلت من قبل أن معجزة الصعود ليست تحديًا للجاذبية الأرضية بل هي معجزة الجسد الروحاني الممجد، الذي لا يدخل في نطاق الجاذبية الأرضية إنما يخضع للجاذبية الأرضية الجسد المادي أما صعود الرب إلى السماء، فكان بجسد روحاني سماوي ممجد، لا علاقة له بجاذبية الأرض إذن فلم يكن هناك أي تحد لجاذبية الأرض وهكذا نحن في القيامة العامة، حينما "نخطف جميعًا في السحب لملاقاة الرب في الهواء، ونكون كل حين مع الرب" (1 تس 4: 17)، سوف لا يكون اختطافنا في السحب تحديًا للجاذبية الأرضية لا تكون ملاقتنا للرب في الهواء تحديًا للجاذبية الأرضية. لأن الأجسام الروحانية السماوية التي نقوم بها، لا تدخل في نطاق هذه الجاذبية ولا سلطان للجاذبية الأرضية عليها كم بالأكثر صعود السيد المسيح بعد قيامته وعبارة صعد إلى السماوات تعني سماء السموات سماء السموات هذه التي لم يصعد إليها أحد من قبل لا إيليا ولا أخنوخ ولا أحد آخر كما قال الرب لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء (يو 3: 13) عبارة (سماء السموات) وردت في صلاة سليمان يوم تدشين الهيكل، حينما قال للرب "هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1مل 8: 27) وردت أيضًا من قبل ذلك في سفر المزامير، إذ يقول المرتل "سبحوا الرب من السموات، سبحوه في الأعالي سبحيه يا سماء السموات " (مز 148: 1، 4) سماء السموات هي أعلى علو أي لو اعتبرت كل السموات كأنها أرض، لكانت هذه سماءها هي الخاصة بعرش الله ومجده (مت 5: 34). وجلس عن يمين أبيه جلوس المسيح عن يمين الآب وارد في مواضع عديدة من العهد الجديد، مع نبوءة في المزاميرقيل في (مر 16: 19) "ثم أن الرب بعدما كلمهم، ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله" وفي (عب 8: 1) "وأما رأس الكلام فهو أنه لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات" وقيل عنه في نفس الرسالة أيضًا "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرًا أعظم من الملائكة" (عب 1: 3) وأيضًا من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عب 12: 2) وكان هذا أيضًا ضمن كلام الرب أمام مجمع السنهدريم إذ قال لهم "من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء" (مت 26: 64) وهذا ما رآه القديس اسطفانوس في وقت استشهاده."إذ شخص إلى السماء -وهو ممتلئ من الروح القدس- فرأي مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 55) "فقال هأنذا أنظر السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 56) وورد في سفر المزامير "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موضعًا لقدميك" (مز 110: 1). ما معني عبارة "جلس عن يمين أبيه"؟ أولًا نقول أن الله ليس فيه يمين ولا شمال لأن الكائن المحدود هو الذي له يمين يحده من ناحية وله شمال يحده من ناحية أخرى أما الله فغير محدود، لا نقول إن له يمينًا أو شمالًا كذلك لا يوجد فراغ عن يمينه لكي يجلس فيه كائن أخر وأيضًا لو جلس الابن عن يمينه بهذا المعنى المكاني، فلا يمكن حينئذ أن ينطبق قوله "أنا في الآب والآب في" (يو 14: 11)، بل يكون هناك مجرد خط تلامس كأي جالسين إلى جوار بعضهما البعض إذن ما معني كلمة يمين؟ كلمة يمين -في الاصطلاح الكتابي- تعني أحيانًا القوة أو البر أو الكرامة كما يقول المرتل في المزمور "يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل أحيا" (مز 118: 15- 17) وأيضًا "يمينك يا رب تحطم العدو" (خر 15: 6) كما في تسبحة موسى، أي قوتك وأيضًا "خلص بيمينك" (مز 60: 5) (مز 108: 6) في مباركة أبني يوسف (أفرايم ومنسى)، كان وضع اليد اليمني يعني كرامة أفضل ( تك 48: 17- 19) ونفس معني الكرامة يقصده المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز 45: 9) وبالرمز يعني الكرامة المعطاة للقديسة العذراء وبنفس المعنى قول المزمور "الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكًا" (مز 110: 5) نلاحظ في يوم الدينونة، جعل الرب الأبرار عن يمينه، والأشرار عن يساره وهنا يرمز اليمين إلى البر وإلى الكرامة، ونحن بنفس المعنى نسمي اللص الذي أخذ وعدًا بالفردوس وهو على الصليب (اللص اليمين) من هنا كان جميلًا أن الملاك الذي بشر زكريا الكاهن بميلاد يوحنا، ظهر له واقفًا عن يمين مذبح البخور (لو 1: 11) إذن عبارة (عن يمين الله) تعني في قوته وبره وكرامته أو مجده وعبارة (جلس) تعني استقر أي أن السيد المسيح عندما صعد إلى السماء، استقر في القوة والمجد والكرامة كما استقر في البدء، بمعنى أن هذا الذي اتهموه ظلمًا وحسدًا، قائلين عنه هذا المضل (مت 27: 62) كاسر السبت (يو 9: 16) الذي ببعلزبول يخرج الشياطين (مت 12: 42) الذي أهانوه قائلين "ألسنا نقول حسنًا أنك سامري وبك شيطان!" (يو 8: 48) كل هذه الاتهامات والإهانات وأمثالها زالت بصعوده إلى السماء، بجلوسه عن يمين الآب عبارة "جلس عن يمين أبيه عن يمين أبيه" تعني انتهاء فترة إخلائه لذاته يقول الكتاب إنه أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7) وبهذا الإخلاء احتمل ضعف الطبيعة البشرية، فكان يجوع ويعطش ويتعب وينام كل هذا انتهي بجلوسه في قوته عن يمين الآب الضعف الذي به قبضوا عليه وأهانوه وجلده وصلبوه، وكل هذا انتهي وهكذا في مجيئه الثاني سيأتي في قوة ومجد. وهنا يقول قانون الإيمان. وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات يأتي في مجد طبيعته الإلهية، وليس في مجد جديد يمنح له. بل في المجد الذي كان له قبل كون العالم (يو 17: 5) المجد الذي أخلى ذاته منه حينما تجسد كإنسان وولد في مزود ثم عاد فأسترده حينما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب لذلك قال " ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين" (لو 9: 26) عجيبة جدًا عبارة "يأتي في مجد الآب" إنها مكررة أيضًا في قوله "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله" (مت 16: 27) يقول (في مجد أبيه) لأن مجد أبيه هو مجده، ومجده هو مجد أبيه لأنهما واحد في مجد اللاهوت وواضح هنا أن مجيئه الثاني هو مجيء للدينونة "يأتي ليجازي كل واحد بحسب عمله". وهذا ما يقوله أيضًا في (مت 25): يقول "ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره " (مت 25: 31- 46) وتبدأ الدينونة ومجيئه للدينونة واضح في أخر إصحاح من سفر الرؤيا، إذ يقول "ها أنا أتي سريعًا وأجرتي معي، لأجازي كل واحد كما يكون عمله" (رؤ 22: 12) ومجيئه هذا للدينونة سيكون في انقضاء العالم كما يقول في مثل الزارع عن الحصاد "الحصاد هو انقضاء العالم، والحصادون هم الملائكة فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء العالم يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 39- 43) وفي مجيئه للدينونة، يكون القيامة العامة "يسمع جميع من في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28-29) إذن مجيء المسيح الثاني، تصحبه القيامة العامة والدينونة، وانقضاء العالم وفي الدينونة يدين الأحياء والأموات أي الذين كانوا أحياء على الأرض أثناء مجيئه والذين كانوا أمواتًا فقاموا من الموت، سواء الذين فعلوا الصالحات أو الذين عملوا السيئات وعن الدينونة يقول الرسول أيضًا "لأنه لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10) وبالدينونة يدخل المسيح في ملكوته الأبدي وهنا يقول قانون الإيمان الذي ليس لمُلكه انقضاء. الذي ليس لمُلكه انقضاء وفي ذلك تقول نبوءة دانيال النبي "سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14) وعن هذا الملكوت الذي ليس له انقضاء، قال الملاك جبرائيل حينما بشر القديسة العذراء بميلاده "يملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 33) ملكوته روحي، وليس ملكوتًا أرضيًا محددًا بزمن!! إنه الملكوت الذي اشتهاه اللص اليمين قائلًا "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 23: 42) ولأن ذلك الملكوت كان بعيدًا لا بُد أن تمضي أجيال حتى يجيء لذلك قال له الرب "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43) لأن الفردوس هو عربون الملكوت الذي يدخل الفردوس سيدخل الملكوت بهذا ينتهي ما يخص الابن في قانون الإيمان. وبعده الجزء الخاص بالروح القدس. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
02 سبتمبر 2025

المدرسة التدبيرية والمجيء الثاني والاختطاف والملك الألفي

يرجع تاريخ هذه المدرسة التفسيرية التدبيرية إلى " حركة الأخوة البليموث " التي نهضت في إنجلترا وأيرلندا حوالي سنة 1830م، أي في الفترة التي حدد فيها الكثيرون تواريخ محددة للمجيء الثاني ونهاية العالم. وغالبا ما يؤرخ لتاريخ هذه الحركة بمقال نشره جون نيلسون داربى Darby (1800 - 1882م) بعنوان " اعتبارات لطبيعة وحدة كنيسة المسيح ". وعرف أتباع هذه الحركة غالبا ب " الأخوة البليموث " لأن مدينة بليموث في إنجلترا كانت من أقوى مراكزهم. كما دعيت الحركة أيضا بالداربية Darbyism لأن داربى كان وما يزال أبرز ممثل لها. وقد ركزت هذه الحركة على الكنيسة والنبوة، وخاصة المجيء الثاني للسيد المسيح والذي توقعوا أن يأتي في لحظات قريبة جداً، في أيامهم، وفسروا نبوات ورؤى العهد القديم، الخاصة بإسرائيل، وسفر الرؤيا تفسيرا حرفيا دون أن يضعوا في الاعتبار الأسلوب الرمزي والمجازى الذي تتصف به معظم النبوات والرؤى، بل وطبقوا الكثير من النبوات التي تمت بالفعل على إسرائيل بعد سبى بابل وقبل تجسد السيد المسيح على إسرائيل في المجيء الثاني، وطبقوا بعض الأحداث التي تمت تاريخيا مثل دمار الآشوريين لمملكة إسرائيل أو الأسباط العشرة تطبيقا نبويا وخرجوا منها بشخصية ما يسمى بالآشوري الذي سيحاول تدمير إسرائيل قبل الملك الألفي مباشرة!! وصوروا الأحداث السابقة للمجيء الثاني بمنظور إسرائيلي بحت وبصورة أقرب ما تكون لما كان يحدث بين إسرائيل وجيرانها في فترة الأنبياء عندما كان الله يتدخل لنجدتهم عندما يحيط بهم الأعداء. كما اعتبروا أن كل تاريخ الكتاب المقدس، بل والتاريخ البشرى كله، مرتبط بإسرائيل كشعب الله إلى الأبد، وأن المسيح لابد أن يأتي ليحكم العالم من خلال اليهود، وأن الكنيسة ما هي إلا فترة عارضة في التاريخ، ظهرت عندما فشل اليهود في قبول المسيح ورفضوه فرفضهم الله إلى حين؛ " إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله " (يو11: 1-13). كانت " فترة الكنيسة، في نظرهم، فترة عارضه لا علاقة لها بالأزمنة النبوية 000 إن النبوات الكتابية مرتبطة بالأرض والشعب الأرضي وليس بالسماء والسماويين، لأن الكنيسة دعوتها سماوية وليست أرضية [في 3: 20]"(1). " كانت المواعيد لإسرائيل بحسب الجسد أما الكنيسة فمواعيدها سمائية بدأت بحلول الروح القدس بعد الصعود مباشرة وستنتهي بارتفاع الروح القدس في الاختطاف قبل الضيقة العظيمة والملك الألفي، لتعود السيادة والريادة لإسرائيل من جديد، في نهاية " أزمنة الأمم "وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم " (لو21: 24) أو " ملء الأمم " أن القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل إلي أن يدخل ملؤ الأمم " (رو25: 11). وفيما يلي جوهر عقائد هذه المدرسة المنتشرة في عده مذاهب بروتستانتية مثل الأخوة البليموث، كنائس الأخوة المختلفة، والكنائس الخمسينية والمعمدانية والرسولية ونهضة القداسة وبيت عنيا ومن تأثر بكتبهم وغيرهم(2): 1 - التدابير السبعة(3) تؤمن هذه المدرسة، التدبيرية، أن خطة الله للبشرية مكونة من سبعة تدابير أو " التدابير السبعة " التي هي " مراحل خطة الله للبشرية " من خلق آدم وحتى نهاية العالم، والتدبير في نظرهم هو " اصطلاح 000 يعنى نظام إلهي معين يحكم علاقة الإنسان بالله خلال فترة من الزمان قد تطول وقد تقصر، فيها ومن خلال هذا النظام يختبر الله مدى نجاح الإنسان في طاعته وفى خضوعه لتعليماته ووصاياه "(4).وهذه التدابير السبعة هي: (1) تدبير البراءة ؛ أو الإنسان في طهارته الأولى قبل السقوط والطرد من جنة عدن. فقد خلق الله آدم طاهرا لا يعرف الشر، أي، في حالة براءة ووضعه في جنة عدن وسلطه على جميع المخلوقات على الأرض وكان عليه أن يكون خاضعا لله حاكمه الأعلى وأوصاه أن يأكل من جميع شجر الجنة فيما عدا شجرة معرفة الخير والشر التي أن أكل منها موتاً يموت وذلك اختبار لطاعته وخضوعه لله. ولكنه سقط في الخطية ومخالفة وصية الله فصار تحت حكم الشيطان، واستحق الطرد من جنة عدن. ومن ذلك الوقت صار الشيطان رئيسا لهذا العالم. (2) تدبير الضمير ؛ أو الفترة التي عاشها الإنسان الساقط تحت حكم ضميره، بدون ناموس مكتوب، من طرد آدم من جنة عدن وحتى الطوفان. فقد صار الإنسان تحت حكم الشيطان ولكنه صار أيضا، بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر، مميزا للخير والشر، لديه ملكة التمييز بين الخير والشر، أي الضمير، ومن ثم فقد صار يعيش تحت حكم ضميره الذي كان عليه أن يدفعه لفعل الخير والامتناع عن الشر ولكنه باختياره أستسلم وخضع للشيطان " ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وان كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم 000 فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته "(تك5: 6،7). (3) تدبير الحكومات البشرية؛ الإنسان الساقط تحت حكم السيف، الحكومات البشرية، من الطوفان وحتى بلبلة الألسنة في بابل وتشتت الإنسان على وجه الأرض. فقد صار الإنسان بعد الطوفان تحت حكم الحكومات البشرية والحكام الطغاة وكان أول هؤلاء الحكام الطغاة هو نمرود مؤسس مملكة بابل، المكان الذي بلبل الله فيه الألسنة عندما تجمع أحفاد نوح لبناء برج يقيهم خطر الطوفان إذا تكرر مرة أخرى متحديين بذلك لله!! بالرغم من أن الله كان قد وعدهم بعدم تكرار مثل هذا الطوفان، ولكن بدلا من طاعة الله فقد تمردوا عليه وانساقوا في عمل الشر. (4) تدبير الوعد بالحكم لنسل إبراهيم ؛ من دعوة إبراهيم وحتى العبودية في مصر. دعا الله إبراهيم من وسط سلالة مؤسسي بابل المشتتة وكان يدعى إبرام فدعاه، بعد ذلك، إبراهيم أي أب لجمهور، ليكون أبا وأصلا لنسل يؤمن بالله ويعبده ويطيعه شهادة له في وسط عالم مرتد " الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم مع انه لم يترك نفسه بلا شاهد " (أع16: 14،17). ووعد الله أن يكون نسل إبراهيم الذي هو " المسيح " (غل15: 3،16) وارثا للعالم " (رو15: 11) أو ملكا عليه لينزع منه الأوثان والوثنيين والطغاة ويجعل الله معبود الباقين الأوحد وحاكمهم الأعلى الذي إياه وحده يعبدون ويطيعون. ولكن بسبب خطايا يعقوب وأولاده قضى الله عليهم بالعبودية في مصر. (5) تدبير الناموس ؛ أو الحياة بحسب ناموس موسى، من الخروج من مصر إلى يوم الخمسين الذي أنسكب فيه الروح القدس على التلاميذ. وينقسم هذا التدبير إلى أربعة مراحل: 1- المرحلة الأولى من خروج بنى إسرائيل من مصر إلى نهاية حكم الملك سليمان. 2 - المرحلة الثانية من انقسام المملكة بعد حكم سليمان إلى السبي البابلي. 3 - المرحلة الثالثة من الرجوع من السبي إلى نهاية العهد القديم. 4 - المرحلة الرابعة من بداية العهد الجديد إلى يوم الخمسين. وفى كل هذه المراحل فقد أخطأ بنو إسرائيل وحادوا عن الله وعبدوا الأوثان فانتهت المرحلة الأولى منها بانقسام المملكة والثانية بدمار أورشليم والهيكل والسبى إلى بابل والثالثة انتهت بسقوطهم تحت حكم دول مختلفة، والرابعة انتهت برفضهم للمسيح ملكهم فرفضهم الله كشعبه ومملكته وسلمهم للسيف وللأمم، فترة تسمى بأزمنة الأمم " ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم " (لو24: 21). ويرون أن أزمنة الأمم ستنتهي بمجيء المسيح ثانية واختطافه للمؤمنين وارتفاع الكنيسة عن العالم فلا يبقى في العالم سوى اليهود والأمم (الأشرار)، وهنا يرد الله الملك لإسرائيل ويورثهم الأرض. (6) تدبير النعمة أو عهد الكنيسة ؛ من يوم الخمسين إلى المجيء الثاني واختطاف الكنيسة. ويرون أن فترة حلول الروح القدس أو زمن وجود الكنيسة على الأرض، ستنتهي باختطاف الكنيسة إلى السماء. (7) تدبير الملك الألفي ؛ الذي سيحكم فيه المسيح العالم لمدة ألف سنة حرفية على الأرض من دينونة الأمم إلى أورشليم الجديدة. فبعد اختطاف الكنيسة إلى السماء يظهر ضد المسيح، الأثيم الذي سيجلب حكمه الشيطاني القصير أعظم ضيقة تأتى على المسكونة تؤدى إلى معركة هرمجدون حيث يأتي المسيح من السماء مع جيوشه السمائية التي يعدها بالأسلحة اللازمة ويجردهم ضد الشياطين مفسدين الأحكام والحكام المسخرين لإيقاع الظلم على الإسرائيليين، الذين سيفزعون إلى الرب وإلى جوده في فلسطين في آخر الأيام، أي بعد الاختطاف. ويقول أحد الكتاب " لقد كان اليهود هم المشكلة المحيرة في جميع القرون فإسرائيل كانت أحيانا يضرب بها المثل، وأحيانا تصبح موضع سخرية 000 أحيانا تكون بركة، وأحيانا أخرى تكون لعنة بين الأمم (زك3: 8) ولكنها عند مجيء المسيح ستستعيد مكانتها وتتجدد وتصبح كالقناة التي من خلالها تصل البشارة وتصل البركة إلى جميع الأمم في زمان الملك الألفي للمسيا الذي كان مرفوضاً "(5). وفى بداية الملك الألفي يقيد الله الشيطان مدة ألف سنة ثم يحله ثانية في نهاية الألف سنة ليضل الأمم من جديد لغربلة الأمم الألفية وكشف زوانها من حنطتها " لأنه وأن كان كل الذين دخلوا البركات الألفية كلهم أبرار، من يهود وأمم، إلا أن كثيرين من سلالة الأمم سيكونون غير متجددين وخاضعين للرب بخوف العين، لأن حكمه يومئذ عادل ومرهب (أش23: 66،24)، فتحت تأثير المهيجات الشيطانية، يرفع هؤلاء علم الثورة، ويتجمعون حول أورشليم لإسقاطها والتخلص من نير قيصرها السماوي " فتنزل نار من السماء وتأكلهم " (رؤ7: 20-9) ويطرح الشيطان نهائيا في البحيرة المتقدة، فلا يعود يخرج ولا يضل "(6). 2 - الكنيسة والنبوة ويرى هؤلاء، كما بينا، أن الكنيسة هي مجرد فترة زمنية أو فاصل زمني في تاريخ النبوة وأن عصر الكنيسة هو " فاصل زمني " بين ملكوت العهد القديم في الماضي وبين ملكوت العهد القديم في المستقبل، أو بمعنى آخر فالكنيسة جاءت " معترضة " في إتمام وعود الملكوت لإسرائيل. أو كما يقولون أن ساعة النبوة التي تدق توقفت عن الدق في بدأ الكنيسة ورفض إسرائيل وستستأنف الدق ثانية بعد اختطاف الكنيسة إلى السماء وعودة إسرائيل للملكوت والسيادة على العالم في الملك الألفي! 000 الكنيسة هي " سر " وجسد سماوي ولا صلة لها بالأرض ومميزة تماماً عن إسرائيل التي لها المواعيد الأرضية (7). ويطرح أحد كتاب هذه المدرسة السؤال التالي ويجيب عليه قائلا " هل هناك تمايز بين إسرائيل والكنيسة؟ نعم، ولا يمكننا أن نفهم الكتب النبوية فهما صحيحا بدون هذا التمييز بين إسرائيل باعتبارها مملكة المسيا، وبين الكنيسة باعتبار أنها جسد المسيح. فالأولى (إي إسرائيل) هي الموضوع العام لأسفار العهد القديم والذي يُعلن تاريخيا (في الماضي) ونبويا (في المستقبل) حكومة الله على الأرض والتي تُصبح فيها إسرائيل المركز 000 كان مُقدرا لإسرائيل أن تشغل قمة الأماكن على الأرض حيث حضور الله ومجده هناك كما تصبح رأسا للأمم أيضا. أما الكنيسة فهي سماوية في صفاتها وبركاتها ومركزها. فمشورات الله تجاه إسرائيل زمنية بينما مشوراته تجاه الكنيسة فأبدية. كانت إسرائيل موضعا جغرافيا في علاقتها بالناس وهى مركز للعالم (حز 25: 5؛تث8: 32،9) مُباركة وبركة للأرض (مز13: 102-16؛اش6: 27؛زك11: 2)، ولكن الكنيسة جالسة في السماويات في المسيح يسوع "(8). 3 - البقية اليهودية وتبع التعليم السابق عقيدة " البقية اليهودية "الذي يقول أنه إذا كانت الكنيسة مكونة من الذين افتدوا فيما بين العنصرة والاختطاف فستخطف كلية إلى السماء ولن يكون هناك على الأرض مسيحيون، ولكن بعد اختطاف الكنيسة ستنادى جماعة " بقية يهودية " بإنجيل الملكوت، ومن خلال بشارتهم بإنجيل الملكوت سيخلص 144,000 من اليهود (البقية اليهودية) وجمع كثير من الأمم (رؤ7). وقالوا بأن كل وعود الله في الكتاب المقدس كانت لإسرائيل وليست للكنيسة " إن النبوات الكتابية مرتبطة بالأرض والشعب الأرضي وليس بالسماء والسماويين، لأن الكنيسة دعوتها سماوية وليست أرضية [في 3: 20] " فإن سيرتنا نحن هي في السموات 000 وحينما يكتمل عدد المؤمنين المعينين وهم الكنيسة المختارة من قبل تأسيس العالم، سيأتي الرب لاختطافها سرا "(9). 4 - دانيال ونبوة الأسبوع السبعون قال الملاك جبرائيل لدانيال النبي: " سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين، فاعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها، ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب " (دا24: 9-27). ويجمع العلماء في كل مدارس التفسير على أن الأسابيع المذكورة هنا هي أسابيع سنين ومجموع السبعون أسبوعا هو 490سنة، تبدأ من صدور الأمر ببناء أورشليم وتجديدها في القرن الخامس قبل الميلاد وتنتهي بمجيء المسيح وصعوده. ويقسم التدبيريون هذه الأسابيع إلى ثلاث مراحل: أ -7 أسابيع + 62 أسبوع = 69 أسبوع وهى الفترة ما بين صدور الأمر بتجديد أورشليم وبنائها سنة 445 ق.م إلى دخول المسيح الانتصاري لأورشليم وقطع المسيح أي صلبه سنة 33م وصعوده وحلول الروح القدس يوم الخمسين. ب - ثم يقولون أنه سيحدث فاصل زمني أو فجوة زمنية تتوقف فيه ساعة النبوة! هذا الفاصل يمتد ما بين يوم الخمسين واختطاف الكنيسة لتعود ساعة النبوة لتدق من جديد ويبدأ الأسبوع السبعون بعد اختطاف الكنيسة، ويقولون أيضا " أن حبل النبوة بعد صلب المسيح ينقطع إلى أمد غير محدود ثم يعود ويستأنف من جديد ليتم الأسبوع الأخير المتبقي لاكتمال تاريخ الشعب اليهودي "(10). ج - الأسبوع الأخير والذي يتكون من 7 سنين، وينقسم أيضا إلى نصفين كل منهما ثلاث سنوات ونصف، يسمى النصف الأول منها بمبتدأ الأوجاع والثاني بالضيقة العظيمة، ويبدأ، هذا الأسبوع، بعد اختطاف الكنيسة ويأتي فيه ضد المسيح وتحدث الضيقة العظمة ويسبق الملك الألفي مباشرة. نبوة السبعين أسبوعا في الفكر التدبيرى 69 أسبوعا من السنين 69 X 7 = 483 (تنتهي في 6 أبريل 32م بقطع المسيح) فجوة زمنية مجهولة الأمد (زمن النعمة وتكوين الكنيسة) يليها الاختطاف الأسبوع الأخير 7 سنوات 3,5 3,5 مبتدأ الأوجاع الضيقة العظيمة 4- المجيء الثاني نادى الأخوة البليموث بأن هناك مجيئن ثانيين للسيد المسيح، الأول يأتي فيه لاختطاف المؤمنين (القديسين أو الكنيسة) قبل الضيقة العظيمة والملك الألفي والثاني يأتي فيه مع القديسين (الظهور أو الإعلان). وقالوا أنه يوجد ما بين الحدثين فترة زمنية فاصلة، أو زمن هام يسمى بالأسبوع السبعين من نبوة دانيال النبي الإصحاح التاسع تحدث فيه الضيقة العظيمة من جراء التحالف الثلاثي بين الشيطان وضد المسيح، النبي الكذاب، والآشوري، ملك الشمال " ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب " (دا25: 9)، ويطابقون الجزء الثاني منها مع أحداث رؤيا 4 إلى 19، أي أن هذا الفاصل الزمني يقع فيما بين الاختطاف والظهور. المتنيح القمص عبد المسيح بسيط
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل