المقالات
24 يونيو 2025
القديس بطرس والمحبة الخادمة
أتحبنى أكثر من هؤلاء
نحن نعلم أن بطرس أحب المسيح من كل قلبه، وأجاب بعمق على السؤال {أتحبني أكثر من هؤلاء} {وكان الجواب: أنت تعلم يارب كل شيء، أنت تعرف أني أحبك}(يو 21: 15 و17) ومع أن بطرس ارتكب الأخطاء وكان فيه بعض الضعفات والعيوب كواحد منا، لكن حبه لم يخنه وهو يخرج إلى خارج ليبكي كأعظم ما يكون المحبون في الأرض كانت أزمته يوم الصلب، نوعًا من الضعف أو فقدان الوعي الذي قلبه رأسًا على عقب، فأنكر سيده وربه، ولكنه ما إن استعاد وعيه حتى غسل بدموعه الغزيرة فعلته الشنعاء. على أن حب السيد كان أوفى وأعلى إذ في قلب الأزمة نظر إليه، ومن المؤكد أن النظرة وإن كانت تعبر عن قلب المسيح المجروح، إلا أنها كانت ممتلئة بالحنان والعطف والرقة والرحمة. وفي الحقيقة إن بطرس الرسول في حياته وموته بادل سيده حبًا بحب من أعظم وأشرف وأجل ما يمكن أن يتبادلها المحبون ، كان هذا الرجل على أي حال، محبا لسيده فهو إذ رآه فوق جبل التجلي، وقد تغيرت هيئته، و بدا منظره على الصورة التي تتجاوز الخيال البشري، ومعه موسى وإيليا، وإذا ببطرس ينسى الأرض وما عليها ومن عليها ويصيح صارخًا {يارب جيد أن نكون ههنا} انه لا يرضى عن المسيح بديلا {إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك} إنه الرجل الذي تبع سيده، سواء في أعلى الجبل أو في البحر أو في الطريق، وأصبح المسيح كنزه الوحيد {ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك} (مت 19: 27) إنه مثل القديس بولس الرسول الذي عندما أراد أن يعبر عن الحياة والموت قال {لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح}(في 1: 21) إن المسيحية منذ تاريخها الأول تذخر بالشجعان الأبطال الذين لا يخيفهم سجن أو اضطهاد أو تعذيب بل يقولوا {لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا} (أع 4: 20){فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة هذا رفعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضًا الذي أعطاه الله للذين يطيعونه} (أع 5: 29-32) ومع أننا لا نعلم بالضبط الأماكن التي تنقل فيها بطرس كارزًا وشاهدًا ليسوع المسيح، ولكن من الواضح أنه وعظ في أورشليم وأنطاكية، ومن المعتقد أيضًا أنه ذهب إلى روما، والكنيسة الكاثوليكية تعتقد أنه أول أسقف لروما، ولكن بولس الرسول هو الذى ذهب الى روما وبشر فيها أولا بل كان تواقًا إلى الذهاب إلى روما وكتب رسالته إليها ، وكان من عادة بولس الأكيدة أنه لا يعمل على أساس آخر، ومن غير المتصور أن يذهب بولس إلى كنيسة يؤسسها بطرس و بولس هو رسول الأمم لكن من المؤكد إن بطرس صلب في روما ،وكان ذلك إبان اضطهاد نيرون القاسي الشديد، قيل أيضا إن المسيحيين شجعوه على الابتعاد عن روما،وإنه أخذ سبيله ذات مساء إلى طريق ابيان الشهير، وظل سائرًا الليل كله، ولكنه في الصباح الباكر،عند شروق الشمس، أبصر شخصًا مهيبًا أمام عينيه،وإذ عرف أنه المسيح صاح "إلى أين يا سيد" وجاءه الجواب "إن لي تلميذًا كان هناك ثم هرب، وأنا ذاهب لأخذ مكانه، وأصلب مرة ثانية نيابة عنه" وصرخ بطرس "لا ياسيد أنا عائد" وعاد ليموت مصلوبًا، وعندما أرادوا أن يصلبوه قال إنه شرف لا أستحقه أن أموت مصلوبًا مثل سيدي، ولكني أرجو أن أصلب و قدمي إلى أعلى ورأسي إلى أسفل، لأني أضأل من أن أكون كسيدي. ويقال أنه نظر إلى روما وهو يقول "عما قريب تتحولين أيتها الهياكل الوثنية المتعالية إلى معابد للمسيح" وقال للجماهير المحتشدين "إن أولادكم سيكونون خدام للمسيح ها نحن نموت يا روما من أجل أن تخلصي، ويسيطر عليك روح المسيح. لسوف يجيء قياصرة ويذهبون ولكن مملكة المسيح ستظل ثابتة صامدة على مدى الأجيال" .
المحبة الشاهدة بلاهوت السيد المسيح المحبة العميقة التي أحب بها القديس بطرس سيده ومخلصه هي التي فتحت له باب المعرفة بفكر الله الأبوي الذي أرسل ابنه الوحيد لخلاص العالم والتي اعترف فيه بطرس بلاهوت المسيح، عندما ألقى المسيح سؤاله {من يقول الناس إني أنا؟} قد أوقف السؤال التلاميذ أمام أعمق تأمل يمكن أن يواجهوه، وعليه تبني المسيحية بأكملها، إلى كل الأجيال، وهنا يأتي اعتراف بطرس عجيبًا ومثيرًا واعلاناً اعُطى له من الاب السماوى وقد صعد بطرس بهذا الاعتراف بهوية السيد المسيح الإلهية { فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماوات} (مت 16 : 17) ليس بحكمة بشرية، أو فلسفتها العميقة أجاب بطرس الرسول، فالمسيح في نظر البعض إما هو يوحنا المعمدان كما قال هيرودس الملك الذي قتل يوحنا، أو هو واحد من أعظم الأنبياء القدامى إيليا الذي ينتظر البعض إلى اليوم عودته من السماء، أو إرميا وكان الشبه عظيما بين نبي الأحزان والمسيح المتألم، أو النبي كما أخبر موسى الكليم لكن بطرس شهد وشهادته حق، إذ لمع أمام عينيه الإعلان الإلهي البعيد العميق الغائر في بطن الأزل، وصاح {أنت هو المسيح ابن الله الحي}(مت 16: 16) ومن الواجب أن نشير إلى أن هذا ليس أول حديث عن المسيا، فقد قال نثنائيل من قبل عن السيد: «أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل» لكن إعلان بطرس كان أول وأعظم ومضة من النور عن شخص ابن الله العجيب، وكان أشبه بالشعاع الأول من نور الشمس، وهي تأخذ سبيلها إلى الشروق لتخرج الإنسان من الظلام إلى نور النهار الباهر لقد رأى بطرس النور واستقبله بالفرح العميق، وتوالت بعد ذلك الأشعة الساطعة حتى جاء بولس يقول{ عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد} (1تي 3 : 16) وما من شك في أن بطرس بلغ القمة هناك، وكانت كلماته هتاف المسيحي في كل العصور والأجيال. وتأكيد على قول الرب يسوع { انا والاب واحد ان كنت لست اعمل اعمال ابي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا ان الآب في وأنا فيه}( يو 30:10،38،37) ومع اعترافنا بدور القديس بطرس الرائع فى نشر الإيمان وتطويب السيد المسيح له { وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي و ابواب الجحيم لن تقوى عليها} (مت 16 : 18) فنذكر أن المسيح استعمل لفظ بطرس «بتروس» بمعنى حجر أو قطعة من الصخر ولكن لفظ صخرة هنا "بترا" فعلى صخرة الإيمان بلاهوت المسيح يُبنى إيماننا المسيحي وليس على شخص بطرس الرسول كما يذكر ذلك القديس بولس { وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا لانهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح }(1كو 10 : 4) وكما قال القديس أوغسطينوس إن الصخرة تشير إلى المسيح . فالله هو الصخر الوحيد{هو الصخر الكامل صنيعه}(تث 32: 4){وليس صخرة مثل إلهنا} (1صم 2: 2) إن بطرس يمكن أن يكون حجرًا في الكنيسة، ولكنه لا يمكن ولا يقبل مطلقاً ، حتى القديس بطرس نفسه ، ان يأخذ مركز الله في الكنيسة وفي حياة مؤمنيها { فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي هو يسوع المسيح}(1 كو 3: 11) عندما قال المسيح لبطرس: { وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات} (مت 16: 19) قال نفس الشيء للرسل جميعا { الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء} (مت 18: 18) لقد أعطي الرب سلطان الكهنوت لسائر التلاميذ {ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن امسكتم خطاياه امسكت} (يو 22:20-23) لم يكن سلطان الحل والربط جديدًا على أذهان التلاميذ إذ كان تعبيرًا شائعًا في حكم الكاهن على النجس والطاهر عندما يتقدم إليه الأبرص مثلا ليحكم بطهارته أو نجاسته، وهو ما تحكم به الكنيسة المسيحية، كما حكمت في مجمع أورشليم فرفعت نير الناموس الطقسي عن أعناق المؤمنين، والامتناع فقط {عما ذبح للأوثان وعن الدم والمخنوق والزنا}(أع 15: 29) وهو ما يحكم به الكاهن في قبول التائبين "حكم تقرير" وليس "حكم إنشاء" الكاهن قديمًا لم يكن حرًا ليحكم في ضربة البرص كما يشاء، بل هو مأمور بأن يفحص الضربة ليراها تنتشر أو تأخذ في الشفاء وخادم الله لهذا ليس حرًا في أن يفتح السماء أو يقفلها في وجه الإنسان، بل هو مأمور أن يطبق قاعدة الإنجيل على كل ما يرى، ويحكم إذا كان متمشيًا مع الحق الإلهي أو مناقضًا له على أي حال نحن كشرقيين نفهم دور القديس بطرس حتى عندما يتقدم فى الكلام على اعتبار انه الأكبر والمعبر عن لسان حال الرسل ولا رئاسة له أو لبابا روما كخليفة له على كنائس العالم الأمر الذي يتماشى مع جوهر المسيحية وتعاليم السيد المسيح عن الخدمة والرئاسة { فدعاهم يسوع وقال لهم انتم تعلمون ان الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما ومن أراد ان يصير فيكم اولا يكون للجميع عبدا لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين}(مر 42:10-45) رئيس إيماننا جاء ليخدم خلاصنا ويقدم ذاته فدية عن كثيرين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
23 يونيو 2025
الروح القدس المعلم والمعزى
أولاً الروح القدس المعلم....
الروح القدس يهب المؤمنين الحكمة والفهم والأستنارة وهو الذى وهب يوسف الصديق ودانيال النبي موهبة الحكمة وتفسير الأحلام والشفافية الروحية بل حتى فى أعمالنا نحتاج لروح الحكمة من الله للنجاح والتفوق كما منح الله بصلئيل قديما حكمة لصنع أدوات وأواني خيمة الشهادة { وكلم الرب موسى قائلا انظر قد دعوت بصلئيل بن اوري بن حور من سبط يهوذا باسمه وملاته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة} (خر 3 : 1-3) ولهذا علينا ان نصلى ونطلب حكمة من الله { وانما ان كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له} (يع 1 : 5) فروح الله هو روح الحكمة والفهم { ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب }(اش 11 : 2) وقد وعدنا الرب بان الروح القدس هو الذى يتكلم على السنتنا للشهادة للإيمان { فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس }(مر 13 : 11) الروح القدس يعلمنا طريق الرب ووصاياه وكلامه ويقودنا الى الحق ويهبنا الحكمة لكي نسير في طريق الرب الروح القدس هو الذى قاد الأنبياء والرسل فى كتابتهم للكتاب المقدس وعصمهم من الخطأ { لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس} (2بط 1 : 21). وهو الذى يعلمنا ويذكرنا بكل تعاليم السيد المسيح {وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يعلمكم كل شئ، ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو14: 26). والروح القدس يقودنا الى الحق والإيمان {متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق} (يو16: 13). وهو الذى يوحي للبشر بالرؤى والاحلام والأمور المستقبلية كما تنبأ عنه يوئيل النبي{ ويكون بعد ذلك اني اسكب روحي على كل بشر فيتنبا بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم احلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد ايضا وعلى الاماء اسكب روحي في تلك الايام.} ( يوئيل 28:2-29) { ويخبركم بأمور آتية}(يو16: 13). والذين ينقادوا لروح الله يرشدهم وقال القديس يوحنا عن مسحة الروح القدس {وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابته فيكم. ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهي حق} (1يو2: 27). إن الروح القدس هو المعلم والمرشد. يعلمنا كل شئ، ويكشف لنا الحق ويذكرنا بكل وصايا السيد المسيح.
ثانياً: الروح القدس المعزي
الروح القدس هو الملازم للنفس والموصل للتعزية والصبر والرجاء وقد دعى أسمه المعزى. فالمؤمنين يجدوا منه التعزية { واما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر } (اع 9 : 31). روح هو الله هو مصدر العزاء لكل المحزونين والمتضايقين ولهذا يقول الرسول بولس { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرافة واله كل تعزية. الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله. لانه كما تكثر الآم المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا.}( 2كو 3:1-5). الروح القدس يهب الفرح للمحزونين والصبر للمتضايقين والرجاء للبائسين والسلام للمجربين والإيمان والقوة للضعفاء والساقطين. وهو الذى يبكت الخاطئين ليتوبوا ويرجعوا لله وهو معلم ومعطي الحكمة للجهال وفيه لنا الرجاء كل حين { وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس}(رو 15 : 13)فليتنا نطلب منه عزاءنا كل حين، أمين
الروح القدس والتجديد
ثالثاً : الروح القدس واهب التجديد
أن التجديد والنمو دليل حياة الكائن الحي وتطوره للأفضل. والإنسان عليه أن يؤمن بمحبة الله المعلنة فى المسيح يسوع ربنا بالروح القدس والتى تهب لنا بالمعمودية نعمة البنوة لله وغفران الخطايا والإستنارة الروحية. وبالتوبة المستمرة تجدد الذهن ليرفض المؤمن الفكر الشرير والماضي الخاطئ وينطلق في حياة البر والتقوى الى أفاق المستقبل والحياة الأفضل. وهذا من عمل الله بروحه القدوس واهب الحياة الذى يؤازر جهادنا الروحي { ترسل روحك فتخلَق، وتُجدّد وجه الأرض} (مز 104: 30). المؤمن يصلي الى الله ويعترف بضعفاته ويتوب عنها ويكتسب عادات إيجابية جديده ويسعي فى عمل الخير ويستجيب وينقاد لعمل الروح القدس وإرشاده لهذا يدعونا الكتاب المقدس على البعد عن السلوك كأهل العالم ويحثنا علي معرفة إرادة الله الصالحة وتنفيذها فى حياتنا { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) الروح القدس هو الذى يغير القلب والفكر والروح ليكون لنا فكر المسيح، فنسلك فى محبة الله وطاعة وصاياه بنشاط وفرح وتدقيق { وأعطيهم قلبا واحدا وأجعل في داخلهم روحا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأعطيهم قلب لحمٍ} (حز 11: 19). لقد أدرك داود النبي حاجته الى التغيير فصلى قائلا { قلبا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله وروحا مستقيما جدّده في أحشائي}(مز 51: 10). ونحن نحتاج لعمل الله بروحه القدوس ليجدد شبابنا الروحي.{ واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون} (اش 40 : 31). الروح القدس يهبنا القوة والحكمة لنواصل مسيرة الحياة فى جد ونشاط ، فنحافظ على إيماننا الأقدس المسلم لنا بالروح القدس من خلال الكتاب المقدس بالاباء الرسل القديسين ونبني عليه حلول للمشاكل المعاصرة، حتى يكمل جهادنا لنصل تجديد الخليقة بمجئ السيد المسيح الثاني فننعم بالسماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ 21: 1)الله يدعونا الى النمو في الحياة الجديدة التي توهَب لنا خلال عمله الخلاصي ويريد لنا الخلاص ومعرفة الحق والسلوك فى طريق الخير والحياة { لا تذكروا الأوليات، والقديمات لا تتأَمَّلوا بها، هأنذا صانع أمرا جديدا. الآن ينبت. أَلا تعرفونهُ؟ اجعل في البرية طريقا، في القفر أنهارا} ( أش43: 18-19). الله يريدنا أن نخلع الإنسان العتيق بأعماله وننشغل بالحياة الجديدة التي تنبت فينا. إنه يجعل في البرية طريقًا، وفي القفر أنهارا. ما هو هذا الطريق الا السيد المسيح الذى قال {أنا هو الطريق والحق والحياة } (يو 14: 6). ليحل المسيح بالإيمان في قلوبنا لكي يدخل بنا إلى ملكوته. والأنهار التي يريد الله تتفجر فى حياتنا القفرة هي ينابيع الروح القدس التي تحول قلوبنا الى فردوس للسلام والمحبة والفرح فتصبح مسكن لله القدوس.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
22 يونيو 2025
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر بؤونة
سمعتم اليوم إيها الأحباء فصل أبراء المجنون الأعمى والأخرس وقد عرفتم حكم العامة العادل وقولهم عن سيدنا له المجد: " ألعل هذا هو ابن داود . ثم ميلان الفريسيين عن العدل بقولهم عنه انه: " لا يخرج الشياطين إلا بيعلزبول رئيس الشياطين ولابد انكم تتساءلون فيما بينكم عن السبب الذي دفع الفريسيين لحكمهم هذا الحكم الفاسد فأجيبكم أنه الحسد وهو الحزن لخير يحرزه قريب الحسود ان سيدنا له المجد انار بصيرة الأعمى. والحسد أعمى بصيرة الفريسيين. فلا تتعجبوا من هذا لأن الأهواء النفسانية تظلم بصيرة الأنسان بقدر ما ينير الله ذهنه. فإن قلت لماذا لم يتفق العامة مع الفريسيين؟ أجبتك لأن العامة كانوا سليمين من داء الحسد أما الفريسيون فكانوا حسودين بكل معنى الكلمة إن الحسد أيها الأحباء هو ثانى الخطايا التي دخلت إلى العامل عن يد قايين القاتل الأول كما قال الكتاب المقدس: وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جداً وسقط على وجهه. فقال الرب لقايين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك. إن احسنت إفلا رفع؟ وان لم تحسن فعند الباب خطية رابضة واليك اشتياقها وانت تسود عليها وكلم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كان في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله" هذه هي نتيجة الحسد. فأن قلت ما هو الحسد ؟ أجبتك أنه أختلاف قلب الحسود على الناس لكثرة أموالهم واغتمامه بسرورهم. أو هو حزن الحسود لخير يحصل لقريبه. وتمنيه بأن يكون له ذلك الخير دون سواه. ولكن البعض من الناس يخلطون الحسد بالغيرة وقد أخطأوا فى ذلك. لأن الغيرة إنما هي شئ داخلي يدفع الانسان إلى الاقتداء بالغير من ذو الفضل. نعم أن الغيور يحزن كما يحزن الحسود ولكن الفرق بين الاثنين عظيم لأن هذا إنما يحزن لحصول الخير لقريبة متمنيا أن يكون له كما سبق القول. أما الغيور فإنه يحزن على توانيه وعدم أحرازه لما احرزه غيره من الخير. فالحسد إذن رذيلة. والغيرة فضيلة لأن الله جل وعز قد غار على أورشليم وعلى صهيون غيره عظيمة والرسول بولس يقول: "حســـــنا هي الغيرة في الحسني" وهذا بخلاف الحسد الذى يقول عنه الحكيم: "من يقف قدام الحاسد" نعم أن الحسد هو جرثومة وأصل الشرور إذ منه ينبعث القتل والبغضة والنميمة والثلب . وإشتهاء الضرر للغير واشباه هذه. فمن منكم لا يعرف أن الأنسان بالحسد يصبح شبيه بابليس الذى بحسده دخل الموت إلى العالم أن الحسود من دأبه أن يفرح بنزول المصائب على قريبه ويحزن حينما يراه مسرورا هادئ البال. وبهذا صار كالحيوان البحرى الذي يسر ويلعب عند هيجان البحر ويحزن وينقطع صوته عند سكوته وهدوئه. فالحسد يجر إلى صاحبه غالبا شقا وحزنا وغما. كما أنه يزيد مركز المحسود ويرفعه إلى حيث لا يريد الحسود وها أنا مورد لكم ما يؤيد ذلك من الكتاب المقدس: كان يعقوب يحب ابنه يوسف أكثر من سائر أخوته ولذلك حسدوه وابغضوه وحدث أنه راى حلما وقصه عليهم فازدادت كراهيتهم له واشتد حنقهم عليه فارادوا قتله لولا رأوبين الذى أقنع اخوته بطرحه في بئر ثم نجا بواسطة قافلة الاسماعيليين الذين باعوه إلى فوطيفار خصى فرعون. وبالاجمال قد لاحظته العناية الالهية فصار سيدا على كل أرض مصر. وفي زمن اشتداد الجوع جاء أخوته وسجدوا له وهم لا يعرفون لمن يسجدون وقال الكتاب أيضا عن حسد شاول لداود: إنه حينما عاد داود من قتل الجبار جليات الفلسطيني خرجت النساء من جميع مدن اسرائيل بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وبفرح وبمثلثات. فأجابت النساء اللاعبات وقلن: ضرب شاول ألوفه وداود ربواته. فاحتمى شاول جدا. وساء هذا الكلام فى عينيه. وقال: أعطين داود ربوات وأما أنا فاعطينني الألوف. وبعد فقط تبقى له المملكة. فكان شاول يعاين داود من ذلك اليوم وقد حاول قتله بيده أكثر من مرة ثم بواسطة عبيده فلم يتمكن لا هو ولا عبيده من ذلك. لأن عين الله كانت عليه . أخيرا قضى شاول وصار داود ملكا مكانه وقال الكتاب أيضا إنه بسبب الحسد أمر الله الأرض ففتحت فاها وبلعت قورح وداثان وأبيرام وكل من كان لقورح مع كل الأموال قد ثبت إذن أن ما يتمناه الحسود لغيره من شر يعود عليه هو نفسه.فسبيلنا أيها الأحباء أن نظهر ذواتنا من هذه الرذيلة وأمثالها استجلابا لرضاء إلهنا وفادينا يسوع المسيح الذى له المجد إلى دهر الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
21 يونيو 2025
معرفة الله
بسم الآب وَالإِبن وَالرُّوح القُدس الإِله الواحِد أمين فلتحِل علينا نعمِته وَبركته الآن وَكُلّ أوان وَإِلَى دهر الدهُور كُلّها أمين
أتكلّم معكُمْ اليوم فِى موضُوع أشعُر أنّنا نحتاج إِليهِ جِدّاً وَلابُد بِنعمِة ربِنا أنْ يكُون فِى حياتنا معرِفة لِهذا الأمر وَهُوَ " معرِفة الله " أُرِيد أنْ أُكلّمكُمْ عَنْ معرِفة الله ، وَلابُد كُلّ واحِد يسأل نَفْسَه وَيقُول " يارب ياترى أعرفك أم لاَ ؟! وَلِكى أعرفك فبِماذا أشعُر ؟ وَما هى الخطوات لِمعرِفتك ؟ " فيوجد ناس يقُولُون أنّ ربِنا هُوَ قوة خفيَّة تحكُم الكُون ، وَآخر يقُول ربِنا غير موجُود ، وَواحِد يقُول إِنْ كان ربِنا موجُود إِقنعنِى ، وَلِكى أنا ألمِس وجُود ربِنا فِى حياتِى كيف يكُونُ ذلِك ؟ فَمَنَ هُوَ الله بِالنسبة لِى ؟
فالكنيسة مثلاً عِندما تُحِب أنْ تتكلّم عَنْ ربِنا يسُوعَ تقُول[ ربِنا وَإِلهنا وَمُخلِّصُنا يسُوع المسيِح ] ، فالمفرُوض أنْ نعرِفهُ كفادِى وَكمُخلِّص وَكرفيِق عُمرنا ، لابُد أنْ أعرِف أنّ قصتِى مَعْ ربِنا لَمْ تبدأ فقط عِندما وُلِدت وَلكِنْ قبل أنْ أُولد ،وَهى لَمْ تنتهِى وَستستمِر إِلَى الأبديَّة مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ كما إِختارنا فِيهِ قبل تأسيِس العالم ] ( أف 1 : 4 ) ، فقبل أنْ أُولد هُوَ عارفنِى ، وَقَدْ إِختارنِى ، وَعِندما إِختارنِى وجدت أنّ حياتِى تمتد معهُ إِلَى الملكُوت الأبدِى ، وَلِكى نختصِر الكلام وَنرّكِز توجد أربعة مراحِل لِمعرِفة الله :-
1- المعرِفة العقليَّة :-
ياترى هل أنا عِندِى معرِفة عنك بِعقلِى ؟ هل عقلِى بِيرشدنِى إِليك ؟ أنا مُمكِن لاَ يكُون عِندِى إِيمان بِالله وَلكِنْ عقلِى بِيرشدنِى لِمعرِفة الله ، فمُجرّد الإِنسان ينظُر لِلعالم وَالمخلُوقات وَالموجُودات يُؤمِن أنّهُ يوجد إِله ، فلو نظر نظرة مُحايدة كيف يسيِر هذا الكُون فإِنّهُ يقُول بِالحقيقة يوجد إِله فاليونانيين مجموعة فلاسِفة ، مُعلّمِنا بولس الرسُول إِبتدأ يقُول لهُمْ كيف تكُونُون حُكماء وَ لاَ تعرِفُوا ربِنا !! ففِى رِسالتهُ لِرومية يقُول [ إِذْ معرِفةُ اللهِ ظاهِرةٌ فِيهُمْ لأِنَّ اللهَ أظهرها لهُمْ0لأِنَّ أُمُورهُ غير المنظُورةِ تُرَى مُنذُ خلقِ العالمِ مُدركةً بِالمصنُوعاتِ قُدرتهُ السَّرمَدِيَّةَ وَلاَهُوتهُ حتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ ] ( رو 1 : 19 – 20 ) فأنا الآن لاَ أعرِف ربِنا وَلكِنْ أنا مُمكِن أموره غير المنظُورة أُدرِكُها بِالمصنُوعات التَّى صنعها ، فبِمُجرَّد أنْ أنظُر لِلشمسِ وَلِلكواكِب وَالنِجُوم ، مِنْ خِلالِها أُدرِك الله وَ " السَّرمَدِيَّةَ " أىَّ أزلِى أبدِى ، فقُدرة الله مُدركة بِالمصنُوعات قُدرتهُ السَّرمَدِيَّةَ حتَّى أنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ يُرِيد أنْ يقُول أنت لاَ تعرِف ربِنا فأنظُر لِلعالم ، أُنظُر لهُ كيف يسيِر ، أُنظُر لِلتكوينات00 المجموعات الشَّمسيَّة ، أُنظُر لِلكواكِب كيف تسيِر ، أُنظُر لِلبحرِ وَسُلطان ربِنا عليه ، المفرُوض أنْ أؤمِن بِوجوده مِنْ خِلال المصنُوعات ، وَأنْ أعرِفهُ بِعقلِى ، فعقلِى إِبتدأ يُشيِر أنّهُ يوجد إِله ضابِط الكُل ، الّذى صنع الزِرُوع وَالشَّمس ، أُنظُروا لأنواع النباتات ، أُنظُروا لأنواع الزِهُور فعقلِى هُوَ الّذى سيوصلنِى لِربِنا ، صدِّقُونِى ياأحِبَّائِى قصد الله أنْ يخلِق للإِنسان عقل هُوَ أنْ يوصّله لِربِنا ، وَأنْ يعبُد ربِنا بِهِ ، فقصد الله مِنْ عقل الإِنسان هُوَ أنْ يعرِفه بِالعقل الإِنسان عِندما يرى الله بِالمعرِفة العقليَّة هذِهِ يظِل يُمّجِد ربِنا ، وَعِندما نرى مُكّوِنات الجو وَكَمْ أنَّها ضروريَّة لِحياة الإِنسان ، فَخَلاَيا الإِنسان لاَ تشتغل إِلاّ بِالأوكسُجين ،مُخ الإِنسان العامِل الأساسِى لِتنشيطه هُوَ الأوكسُجين ، وَبِذلِك فإِنّ الله أعطى لنا الأوكسُجين فِى الجو لِكى يشّغل أجهزتنا ، فكُل مُكّوِنات الجو ضروريَّة أُنظروا لِلماء فإِنّهُ ضرورِى للإِنسان ، وَمِنْ العجائِب الشديدة جِدّاً لو عرفتِى مُكّوِنات الماء فقط ، فمِنها ما هُوَ سام ، وَمِنها ما يُساعِد على الإِشتعال ، فهى مُكّوِنات عجيبة ،فأنا لو لَمْ أستطع أنْ أصِل لِربِنا فمُمكِن أنْ أصِل إِليه بِالمعرِفة العقليَّة فكُون أنّ ربِنا يسُوعَ فدانِى وَخلّصنِى فكُل هذا يحتاج إِلَى معرِفة عقليَّة ، ففِى مرَّة قُلت لِلشباب تعالوا نفّكر فِى بدائِل لِلتجسُّد ، فإِنّ الله قال لآدم [ يوم تأكُلُ مِنها موتاً تموت ] ( تك 2 : 17 ) ، وَفِعلاً آدم أكل ، فإِنْ موِّت آدم وَخلق إِنسان جدِيد وَهذا الإِنسان خالف ربِنا فإِنّهُ سيُميتهُ وَيخلِق إِنسان آخر ، وَبِذلِك سيستمِر الأمر هكذا فكان رأى آخر أنّ ربِنا يسامِح آدم وَ لاَ ينّفِذ العقُوبة ، فإِنّهُ بِذلِك لاَ يوجد عدل عِند الله ، وَكلام ربِنا يكُون غير صادِق وَكان يوجد رأى آخر هُوَ أنّ الله كان يخلِق آدم مِنْ النوع الّذى لاَ يُخطِىء ،وَيكُون مُصّير لِلبِر ، وَعِندما يقُول لهُ الله لاَ تأكُل فإِنّهُ لاَ يأكُل ، وَلكِنْ عِندما يُحِب أنْ يُكافِىء آدم بِمُكافئة على شيء ، فإِنّهُ لاَ يستحِق المُكافأة صدِّقُونِى سوف لاَ تجِدوا أجمل وَأروع مِمَّا فعلهُ ربِنا معنا ، وَهُوَ أنْ يُعطينِى مِنْ السقطة قِيام ، وَفِى نَفْسَ الوقت حُكم العقُوبة يُنّفذ ، وَكُلّ يوم ربّ المجد يسُوعَ بِيُذبح على المذبح ، وَكُلّ خطيَّة أعترِف بِها أمام المذبح أُنظُروا لِروعِة تدبيِر الله ، فَلاَبُد أنْ أعرِف أنّ ربِنا يسُوعَ هُوَ إِبن الله وَتجسّد ، كُلّ هذِهِ أُمور عقليَّة ، وَلِذلِك فإِنّ بِدايِة معرِفة الله هى معرِفة عقليَّة ، لابُد أنْ أعرِف أنّهُ توجد معرِفة لله بِعقلِى وَفِكرِى ، فياترى أنا عقلِى فِعلاً بِيقدِّمنِى فِى معرِفة ربِنا ، مُهِم جِدّاً أنْ يكُون عقلِى خادِم فِى معرِفة ربِنا 0
2- المعرِفة الوجدانيَّة :-
وَهى معرِفة القلب وَالمشاعِر ،معرِفة العواطِف ، أنا أُعطِى لهُ فِكرِى وَمشاعرِى وَأُعطِى لهُ إِتجاهات محّبتِى ،لأنِّى عرفت أنّهُ صنع العالم هذا كُلّهُ مِنْ أجلِى وَهُوَ عمل لِى البحر وَعمل لِى الماء ، فالمفرُوض إِنِّى أُبادِلهُ حُب بِحُب ، ألَمْ أعترِف بِفضلِةِ علىَّ وَأقُول لهُ [ يا لِعظم حُبَّك أقمت السَّماء لِى سقفاً ، وَثّبت لِى الأرض لأِمشِى عليها ، مِنْ أجلِى ألجمت البحر ] ( مِنْ القُدّاس الغرِيغورِى ) تخيّلوا أنّ البحر لو لَمْ يكُنْ ربِنا قَدْ ألجمه فإِنّهُ كان بِإِستمرار سيدخُل على بلد ، وَيدخُل على النَّاس ، أليست كُلّ صنائِع الله تحتاج أنْ تأخُذ مِنِى إِهتمام ، وَأنْ أقُول لهُ[ أشكُرك ياإِلهِى ، وَتشكُرك عنِّى ملائِكتك وَخليقتك جميعاً لأِنِّى عاجِز عَنْ القيام بِحمدِك كما يستحِق حُبُك ] ( قسمة للإِبن سنوِى ) فالمعرِفة الوجدانيَّة هى التَّى تجعل الإِنسان فِكره يتقدّس ، وَيذكُر حضُور الله ، تعتقِدِى هذا الإِنسان تكُون أفكاره غير مُقدِّسة ؟! بِالتأكيِد لاَ ، فإِنْ كان الإِنسان بِمُجرّد أنّهُ ينظُر لِشجرة فإِنّهُ يُمّجِد ربِنا ، عِندما أرى حشرة أقُول لهُ ما أعظم أعمالك الإِنسان ياأحِبَّائِى الّذى عقله يُمّجِد ربِنا مِنْ المصنُوعات ، يشكُر ربِنا وَيُمّجِد وَيُسّبِح ، وَأقُول لهُ أنت عظيِم ، أنت جبَّار ، مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول[ الله الّذى أعبُدُهُ بِرُوحِى ] ( رو 1 : 9 ) فصليِب ربِنا يسُوعَ وَفِداؤه يجعل وجدان الإِنسان يذوب فِى محّبتِهِ ، فيوجد مُلحِديِن لَمْ يحتمِلُوا أنْ ينظُروا لِربِنا يسُوعَ المصلُوب ، فيقُولُوا مُستحيِل أنّ هذا إِنسان ، هذا إِله ، مُجرّد رؤية صليبه جعلت ناس تؤمِن بِهِ فأنا عرفتهُ بِالمعرِفة العقليَّة ، فالمفرُوض أنْ أعرِفهُ بِالمعرِفة الوجدانيَّة وَأتحِد بِهِ وَأمتزِج بِهِ ، فالبِنت التَّى مشاعِرها مُقدّسة نحو ربِنا لاَ تقُول أنا قابِلت فُلان وَإِستلطفتهُ ، فهى غير مُشبَعَةَ ، فهى لو كانت مُشبعة وَكيانها تقدّس تكُون راسِخة رسُوخ الجِبال ، وَتكُون مُشبعة ، وَمحبِّة ربِنا تكُون فِى داخِل قلبِها وَقَدْ ملكت عليها ، صدِّقُونِى كلِمة " ملكت " هى كلِمة ضعيِفة ، فالإِنسان عِندما تملُك محبِّة ربِنا على قلبه يحِس أنّ حياته عِبارة عَنْ مُناجاة بينه وَبين ربِنا بِإِستمرار وَالكنيسة واعية جعلت لنا تسابيِح وَتماجيِد بحيث تجعل مشاعرِى بِإِستمرار مُتحرِّكة وَمرفُوعة نحو ربِنا بِإِستمرار ، وَتجعلنِى فِى شرِكة مَعْ السَّمائيين ، إِحضرى تسبِحة فإِنَّكِ ستشعُرِى أنَّكِ خرجتِى مُقدّسة ، وَالمشاعِر العميقة لِلإِنسان تقدّست أبونا بيشُوى كامِل تعرّض لِعمليات جِراحيَّة ، وَعِندما يعمِلُوا لهُ العمليَّة كانُوا يُعطوا لهُ بِنج وَيُخرِج الّذى فِى داخِلهُ ، وَأثناء ذلِك كان يقُول القُدّاس ، ففِى مرَّة عمل تمجيِد كامِل لِلسِت العدرا بِكُلّ الألحان الخاصَّة بِالعدرا ، وَخين إِفران وَالمدِيحة ، فهُوَ الباطِن عِندهُ مُقدّس ، وَفِى مرَّة أُخرى صلّى القُدّاس بِالنغمة فأنا وُجدانِى ماذا يكُون ؟ فلو كشفنا الغطاء فماذا سيكُون فِى داخِلهُ ، فهل مشاعرِى مُتحرِّكة بِإِستمرار نحو الله ؟ على كُلّ واحِد يُرِيد أنْ يتحرّك نحو ربِنا لابُد أنْ تكُون مشاعره دافِئة نحو ربِنا ، المفرُوض أنْ تكُون مشاعره بِإِستمرار مُوّجه نحو ربِنا القديس أُوغسطينُوس جلس يُعاتِب نَفْسَه وَيلُوم نَفْسَه على غباؤه لِعدم معرِفته بِربِنا وَقال [ لقد تأخّرت كثيراً فِى حُبِكَ ] ، أنا آسِف ، أنا ضيّعت عُمرِى كثيراً أُدخُلِ مَعْ الله فِى عِلاقة وجدانيَّة ، إِعرفِ كيف تدخُلِ معهُ فِى عِلاقة وجدانيَّة لأِنّ كُلّ يوم لاَ تعرِفِ فِيهِ ربِنا هُوَ خِسارة مُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ الّذى وَإِنْ لَمْ تروهُ تُحِبُّونهُ ] ( 1 بط 1 : 8 ) ، الإِنسان الّذى كيانه تقدّس بِربِنا بكُون فرحان بِربِنا بِبساطة وَبِتلقائيَّة وَوُجدانه تقدّس فأكثر واحِد عرف ربِنا بعد القيامة وَقال هُوَ الرّبّ وَآمن بِقيامتِهِ وَتلامس معهُ بِقُرب هُوَ يُوحنا الحبيِب ، الّذى إِتكأ على صدرهِ وَعرفةُ بِالمعرِفة الوجدانيَّة ، فَمَنَ هُوَ الّذى مُجرّد أنْ رأى آمن ؟ هُوَ يُوحنا الحبيِب المعرِفة الوجدانيَّة تُسّهِل علينا طُرُق كثيرة ، مُجرّد إِنِّى أتكِأ على صدرِهِ أعرِفةُ ،فعِندما أعرِف ربِنا بِعقلِى وَبِوجدانِى أعرِف أميِّزه ففِى عصر الرُسُل كان يوجد ناس تظاهروا أنّهُمْ رُسُل ، فحاولوا أنْ يُخرِجُوا شيَّاطيِن مِثل الرُسُل ، فالشيَّاطيِن سألوهُمْ مَنَ أنتُمْ ؟ فقالُوا لهُمْ نحنُ نتبع بولس ، فقال لهُمْ الشيَّاطيِن أنتُمْ لستُمْ تبعهُ ، وَقالُوا [ أمَّا يسُوعُ فأنا أعرِفهُ وَبُولُس أنا أعلمهُ وَأمَّا أنتُمْ فَمَنْ أنتُمْ ]( أع 19 : 15 ) ، إِنْ كانت الشيَّاطيِن تعرِفهُ ، ألاَ يليِق أنّنا نحنُ نعرِفهُ !! فأنا إِبنك 0
3- المعرِفة الإِختباريَّة :-
وَهى جميلة جِدّاً ، فَلاَ يكفِى أنْ أعرِف ربِنا بِعقلِى وَ لاّ بِقلبِى وَلكِنْ هى معرِفة إِختباريَّة ، لابُد أنْ أختبِر وجوده فِى حياتِى ، لابُد أنْ أشعُر بِوجوده فِى حياتِى ، وَأنّهُ حىّ فِى حياتِى ، وَأشعُر بِإِحتضانه لىّ ، وَبِأنّهُ كيان حىّ فِى حياتِى ، صعب جِدّاً أنْ تكُون معرِفتنا لله ظاهِريَّة فقط فأحد القديسين يقُول [ إِنّ الكلام عَنْ العسل شيء وَمذاقِة العسل شيء آخر ] ، فهل إِختبرتِى ربِنا أم لاَ ؟ وَهل شعرتِى بِنُوره فِى حياتِك أم لاَ ؟ لابُد أنْ تعرِفِى نُور ربِنا ، فهل دخل فِى داخِل قلبِك عِندما قرأتِ الإِنجيِل أم لاَ ؟ فهل أحياناً وبّخِك على خطيَّة أم لاَ ؟ هل كثيراً سندِك وَشجّعِكَ أم لاَ ؟ نحنُ مُحتاجيِن لِهذا الأمر كثيراً فهل أنا فِى حياتِى إِختبرتهُ ؟ وَهل عِندما تُبتِى وَإِعترفتِى شعرتِى بِكُلّ أمانة وِبِكُلّ صِدق أنّ خطيتك هذِهِ غُفِرت أم لاَ ؟ فأنا لابُد أنْ ألمِس ربِنا فِى حياتِى ، فهل سيظِل مُجرّد معلُومات ، فهل سأظل أنّهُ موجُود فِى غيرِى فقط وَأنا لاَ ؟ فَلاَبُد أنّ الّذى شعرُوا بِهِ نحنُ نشعُر بِهِ أيضاً ، معرِفة إِختباريَّة ، فهل صوت ربِنا الّذى تسمعيه بِتتجاوبِى معهُ ؟ كُلّ هذِهِ هى أُمور ضروريَّة أجمل ما فِى حياة الإِنسان هُوَ أنْ يتغيّر ، المقياس الحقيقِى لِحياتك الرُّوحيَّة هُوَ أنَّكِ تتغيّرِى ، فهل أنتِ مازِلتِ إِنسانة مُتكّبِرة وَالشهوة مسيطرة عليكِ أم لاَ ؟ وَهل بِتتذّوقِى النِعمة فِى حياتِك ؟ فهذِهِ مُهِمَّة جِدّاً إِنْ أنا أشعُر إِنِّى تغيّرت القديس أُوغسطينُوس عِندما أتت إِليهِ السِت التَّى كانت تفعل معهُ الخطيَّة قال لها [ أنتِ هُوَ أنتِ ، وَلكِنْ أنا لستُ أنا ، أُوغسطينُوس الّذى تعرِفينهُ قَدْ مات ] ، أجمل إِختبار هُوَ الّذى تعيشِنهُ فِى حياتِك وَليس الّذى تسمعيه عَنْ غيرِك ، لقد سمعتِى كِفاية مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ الّذى أحّبنِى وَأسلم نَفْسَهُ لأِجلِى ] ( غل 2 : 20 ) ، فيوجد تغيُّر لابُد أنْ يحدُث فِى حياتِى الشخصيَّة ، فيوم أنّ ربِنا مَلَكَ على قلبِى بدِّل كُلّ شيء ، ربِنا عِندما يدخُل يُقّدِس المشاعِر وَيُقّدِس القلب وَيُغيِّر ، أُسجُدِى لِربِنا بِالرُّوح وَالحق ، وَأحنِى رأسِك وَأحنِى رغباتِك ، لابُد أنْ تكُون معرِفتِى بِربِنا معرِفة إِختباريَّة ، كِفاية معرِفة نظريَّة فما هُوَ دليِل حُبَّك لِربِنا ؟ ماذا فعلتِ مِنْ أجله ؟ فلو قُلت لكِ صلِّى فهل تفضّلِى الراحة؟ وَلو قُلت لكِ إِعطِى ، فهل ستُعطِى القليِل ؟ أين هى محبِّة ربِنا ؟ محبِّة جسده وَدمه جعلتِك لاَ تستطيعِى أنْ تبعِدِى عنهُ أُنظُروا لِواحِد مِثل الأنبا أنطونيُوس ، لقد إِختبر محبِّة ربِنا ، وَكَمْ أنّهُ إِختبار وَقوّة وَسُلطان ، فأنا محتاج أنْ أذُوق ربِنا فِى حياتِى كغافِر كرافِع كصديِق كُنقِذ مُعلّمِنا داوُد النبِى يقُول [ كُنتُ فتىً وَقَدْ شِختُ وَلَمْ أرَ صَدِّيقاً تُخُلِّى عنهُ ]( مز 37 : 25 ) ، خِبره ، الإِنسان مُحتاج أنْ يكُون لهُ مذاقة مَعْ ربِنا ،مُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ إِنْ كُنتُمْ قَدْ ذُقتُمْ أنّ الرّبَّ صالِحٌ ] ( 1 بط 2 : 3 ) فهل تعلموا أكثر شيء يعرّفنا أنّ الرّبّ صالِح أنّهُ ساكِت علىَّ ، وَأنّهُ ساتِر علىَّ ، فأنت يارب لو مِش صالِح لكُنت قَدْ أفنيتنِى ، كونِى إِنِّى دنِس وَأنت ساكِت علىَّ فهذا يدُل على أنَّك صالِح ، فأكبر دليِل أنّهُ صالِح أنّهُ غافِر لِخطاياى ، فهل إِختبرتِى صلاح الله أم لاَ ؟ ألَمْ يليِق أنّ الإِنسان يجلِس وَيُمّجِد الله على صلاحه ، وَيقُول لهُ أنت صالِح ، الكنيسة تقُول[ سبِحوه لأنّ إِلَى الأبد رحمتهُ ] 0
4- المعرِفة الإِتحاديَّة :-
وَأخِر نوع مِنْ المعرِفة هُوَ المعرِفة الإِتحاديَّة ، ما هُوَ غرض الله وَقصد الله مِنْ خِلقة الإِنسان؟ الإِتحاد بِهِ ، فَلَمْ يوجد عِندهُ هدف آخر غير ذلِك ، فأنا لمّا عرفته وَأحببته وَإِختبرته فَلاَ يكُون عِندِى رغبة إِلاّ محبّتِهُ ، فأقُول لهُ أنا يارب أُريِدك أنْ نكُون أنا وَ أنت شيء واحِد ،لاَ أُريِدك أنْ تفرّقنِى عنك ، وَ لاَ أشعُر أنّهُ يوجد شيء يجعلنِى أنفصِل عنك أبداً ،فإِنْ لَمْ تشعُرِى أنَّكِ أنتِ وَالله فقط فِى هذا الكُون فأنتِ بعيدة عَنْ الراحة إِتحادِى بِربِنا سيجعلنِى أشعُر إِنْ أنا وَإِلهِى فقط الموجوديِن فِى الكُون ، فَلاَ يربكنِى وجُود النَّاس ، وَلِذلِك ربّ المجد يسُوعَ فِى صلانه الوداعيَّة فِى يُوحنا 17 قال [ وَأكُونَ أنا فِيهُمْ ] ( يو 17 : 26 ) ، أولادِى هؤلاء أكُون فِى داخِلهُمْ ، [ لِيكُونُوا مُكمَّليِنَ إِلَى واحِدٍ ] ( يو 17 : 23 ) ، فهل تعلموا إِتحاد الآب وَالإِبن وَالرُّوح القُدس هُوَ إِتحاد لاَ ينفصِل ، تخيّلُوا إِنِّى أكُون مُتحِد بِهِ مِثل إِتحاد الثالُوث القُدُّوس ، وَهُوَ أنْ أكُون فِى داخِل ربِنا وَهُوَ فِى داخِلِى كان فِى مرَّة أحد الآباء الأساقِفة كان يُكلّمنا وَأحضر كوب ماء وَغطاء وَأدخل الغطاء فِى كوب الماء فحدث أنّ الغطاء أصبح شكله كبيِر ، وَعِندما أخرجه صار شكله صغيِر ، فماذا حدث لِلغطاء ؟ فقال لنا أنا فِى داخِل المسيِح أكبر وَبتحّول إِلَى شخص جدِيد ،فعِندما إِتحدت بِالمسيِح أخذت إِمكانيات إِلهيَّة ، فصِرت أسامِح ، المُشكِلة إِنِّى بحاوِل أنْ أنّفِذ الوصيَّة خارِج المسيِح ، وَلكِنْ أنا داخِل المسيِح قوِى وَقادِر فأنتِ لو إِتحدتِ بِالمسيِح ستكُونِى واحدة جديدة ، أضيِفِى إِليكِ المسيِح ، إِمكانيات إِلهيَّة ستأخُذِينها ، ستأخُذِى طهارتهُ ، ستأخُذِى محّبتهُ ، تخيّلِى إِنِّى أنا أكُون فِى داخِل ربِنا ،أكُون جبّار ، وَعِندما أخرُج أقُول لهُ يارب سأغرق ، فألجأ لهُ وَأحتضِنه ، هذِهِ هى المحبَّة الإِتحاديَّة مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول فِى رِسالتهُ إِلَى العبرانيين [ طرِيقاً كَرَّسَهُ لنا حَدِيثاً حَيّاً بِالحِجابِ أىْ جَسَدِهِ ] ( عب 10 : 20 ) ، كرَّسهُ لنا ،طرِيق جدِيد لِلقداسة هُوَ جسدهُ ، فعِندما إِتحدت بِهِ عرفت القداسة ، وَلِذلِك إِتحادِى بِالمسيِح هُوَ تركهُ لنا على المذبح وَلِذلِك نجِد القديس أبو مقَّار إِسمه " اللابِس الرُّوح " ،وَالقديس غرِيغوريُوس " الناطِق بِالإِلهيَّات " ،وَصار الإِنسان عِنده الإِمكانيَّة لِلإِتحاد بِالله ، لِدرجِة أنّ مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُوا [ وَأمَّا نحنُ فلنا فِكرُ المسيِحِ ] ( 1 كو 2 : 16 ) ،وَمُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ إِنْ كان يتكلَّمُ أحدٌ فكأقوالِ اللهِ ] ( 1 بط 4 : 11 ) فيكُون فِكرِى هُوَ فِكره ، وَفمِى هُوَ فمه ، وَأعمالِى مُستتِرة فِيهِ ، كُلّ هذا بِالإِتِحاد بِهِ ، وَإِنْ أنا وَحبيبِى فقط ، وَلِذلِك يُمّثِل هذا الإِتحاد بِإِتحاد الزوج بِزوجتهُ ، وَإِتحاد العرِيس بِعروستهُ ، إِتحاد لاَ ينفصِل ، صدِّقُونِى ياأحِبَّائِى النَفْسَ التَّى إِتحدت بِربِنا الكلام الّذى يقولهُ العُشَّاق تقُول أكثر مِنهُ القديس أُوغسطينُوس يقُول فِى معرِفته الإِتحاديَّة بِربِنا شعر أنّهُ هُوَ وَربِنا كُتلة واحدة ، فكان يقُول لِربِنا [ أنت تحتضِن وجُودِى بِرعايتك ، تسهر علىَّ وَكأنِّى أنا وحدِى موضُوع حُبَّك وَكأنّ لاَ يوجد غيرِى أنا الّذى تُعطينِى الحُب ] ، ثُمّ يختِم الكلام وَيقُول[ ليتنِى أُحِبُّك ياإِلهِى كما أحببتنِى أنت ] ياليت محّبتنا لِربِنا تكُون ظاهِرة فِى حياتنا فنصِل إِلَى قامِة مِلء المسيِح ، ربِنا يُعطِينا أنْ نُحِبّهُ مِنْ القلب ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
20 يونيو 2025
فضيلة الوفاء
في أحداث ميلاد السيد المسيح اجتمعت عدة شخصيات سواء قبل أو أثناء أو بعد الميلاد وعاشت هذه الشخصيات إيمانها القلبي في قداسة ونقاوة، وعبرت عن الإيمان بفضائل، فكان الاتضاع في الحوار عند مريم العذراء، والالتصاق بالرب عند حنة النبية والوفاء عند القديسة اليصابات والثقة في وعود الله عند سمعان الشيخ والرجاء عند زكريا الكاهن وهؤلاء كلهم وغيرهم قدموا في إيمانهم فضيلة، بحسب الوصية في رسالة بطرس الثانية الأصحاح الأول: ٥-٧ عن هذه الفضائل تتحدث معك هذه الصفحات.
فضيلة الوفاء (لو ٣٩:١-٥٦)
" فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة هى ثمرة بطنك فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربي إلى فهوذا حين صار صوت سلامك في أذنى ارتكض الجنين بابتهاج في بطني فطوبي للتي امنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب"
"فقالت مريم تعظم نفسى الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع امته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لان القدير صنع في عظائم واسمه القدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم اباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت إلى بيتها"( والمجد الله دائما)
هذا الجزء يقرأ في الأحد الثالث من شهر كيهك اود أن أتأمل في فضيلة من الفضائل الإنسانية الراقية وهي "فضيلة الوفاء"
"الوفاء" كصفة إنسانية يجب أن يتحلى بها هذا الكائن الذي خلقه الله على صورته ومثاله فضيلة راقية نراها في بعض الكائنات الحية الأخرى سواء الحيوانات أو حتى النباتات بصورة ما، ولكن في الإنسان فضيلة الوفاء تثبت أن أصلك حلو يقول في الأمثال الشعبية "على الأصل دور" ويقصد به اصل الإنسان
فضيلة الوفاء في الجزء الذي قرأته نجد امنا العذراء مريم جاءت لها بشارة راقية لم يسمع عنها من قبل "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك " تخيل امنا العذراء تسمع البشارة من الملاك وبصوت إلهي يقول لها ستصيري اما لابن الله (المولود منك يدعى ابن الله) اتضاعها كان واضحا في الحوار، لكن الأهم من هذا أنها تركت كل ما قيل في الحوار وتعلقت باخر معلومة قالها الملاك لها "وهوذا اليصابات نسيبتك هى ايضا حبلی بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا (لوا :٣٦) امنا العذراء في اتضاعها ومحبتها، وفي أصلها نسيت كل هذا وتذكرت شينا واحدا فقط يقول الكتاب "فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا (لوا :۳۹) لقد نسيت أنها نالت هذه البشري الكبيرة وصارت الممتلئة نعمة لكنها وضعت أمامها نقطة واحدة وهي أن اليصابات تلك التي صارت حبلي بابن في شيخوختها، وفى الشهر السادس یعنی 3 شهور وتلد ماذا صنعت أمنا العذراء؟
قامت بسرعة بدون أي تبريرات ولا اعذار وذهبت بسرعة إلى اليصابات، لم تفكر في مشقة الطريق ولا في نفسها، ولا حتى في اعتبار من تكون هى ولكنها فكرت في شيء واحد فقط هو "الوفاء"
الوفاء كلمة غالية في قاموس الإنسانية، ولكنها فضيلة على المستوى العام نجدها تنقرض ظهر الوفاء عند تلاميذ السيد المسيح في الصورة العظمى وبالصورة التي ليس فيها وفاء بالمرة لقد ظهرت في القديس يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدر السيد المسيح، وكان قريبا جدا منه ويكاد أن يسمع ضربات قلبه ويوحنا الحبيب صار مقربا وقريبا بسبب وفائه فقد أعطاه الله نعما كثيرة، منها أنه كتب انجيل يوحنا وثلاث رسائل وسفر الرؤيا لقد كتب خمسة أسفار في العهد الجديد لقد أعطاه الله هذه الكرمة الكبيرة لقد کرمه بسبب وفائه، وسمي بيوحنا الحبيب لانه امتلا حبا وظهر ذلك في كتاباته، وفي حياته التي بلغت مائة عام.الصورة المناقضة والعكسية تماما في صورة تلميذ اخر وهو يهوذا الإسخريوطى الذي نقول دائما عليه "التلميذ الخائن" وهذا النموذج الخائن هو الذي انتهت حياته وسيرته ولا يفكر فيها أحد حتى اليوم.
الوفاء كلمة كبيرة جدا تحوي في داخلها معاني كثيرة فهي تحمل معنى الإخلاص والولاء والانتماء كما أنها تحمل صورة الأمانة وكلمة الوفاء لا يمكن ان نحصرها بمصطلحات اللغة لكنها فضيلة تظهر في الوصايا العشر، فالوصية التي تقول "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر ٨:٣٠) كلمة سبت معناها راحة في اللغة العبرية بتعمل وتتعب وتزرع الأرض وتصلحها، هذا حسن جدا، لكن الله له مكان وزمان "اذكر يوم السبت لتقدسه أي اذكر الوقت الخاص الذي لله كن وفيا لله الذي اوجدك وخلقك وأعطاك المهارة والذكاء والقدرة ربنا يعمل معنا خيرا كل يوم، ويقدم لنا عطايا كثيرة في حياتنا وعملنا وبيتنا، ولكن للأسف قد ننسى ربنا . ايضا الوصية التي تقول اكرم أباك وامك (خر ١٢:٢٠)، هي أول وصية بوعد، هذه الوصية هى وصية وفاء من الدرجة الأولى أي إنسان ولد صغيرا، ولولا أنه يوجد أب وأم وأسرة ربوه وكبروه و علموه، وساروا معه مشوار الحياة الطويل هل أنت وفي لأسرتك؟
ان الوفاء ليس من الأمور المظهرية فاعتقد انه لو عاش الإنسان هذه الفضيلة، فقد تختفى نصف القضايا الموجودة في المحاكم، لكن للأسف ينسى الإنسان هذه القيمة الرفيعة في حياته "قيمة الوفاء".
صفات الإنسان الوفي
1- يتسم بالأصالة
الإنسان الوفي هو الذي نسميه الاصيل إنسان بمعنى الإنسانية، كما أراده الله، وتوجه بالعقل وبالقلب وبالنعم، وهو إنسان تربى تربية روحية أخلاقية، وتربى على الضمير الحي وتربى من صغره كيف يحفظ الجميل الوفي إنسان أصيل أصالته في إنسانيته.
2- إنسان ملتزم
هو شخص ملتزم في حياته ملتزم بوعوده وبالكلمة التي يقولها، وهناك تعبير لطيف يقول: (فلان ده راجل ) هذا التعبير حلو، وكلمة رجل، ليست معناها من حيث جنسه، ولكنها صفة مثلما نقول في المزمور "طوبي للرجل" ای طوبی للانسان هو إنسان ملتزم بكل وعوده و عهوده، سواء يأخذها مع ربنا أو مع البشر إنه شخص بكلمته
3- إنسان إيجابي
هو إنسان متفاعل في حياته والمجتمع والكنيسة والخدمة والعبادة هذا الإنسان الإيجابي يتسم بالعطاء. وهذا العطاء صفة أصيلة في الإنسان الوفي، فليس العطاء فقط في الأمور المادية، وإنما هناك العطاء النفسي والمعنوي لتشجيع شخص هو شكل من أشكال الوفاء هذه الإيجابية تفضل المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة فكثير من مشكلات الوطن في مجتمعنا تحل عندما يكون الشخص المسئول يفضل الصالح العام على المصالح الشخصية أو الفردية، وهذا هو الإنسان الوفي.
4- إنسان واع
هو يعي جيدا ماذا يفعل وماذا يقدم هو لا يقدم عملاً مظهريا أو برياء.. لكنه يقدم هذا العمل من قلبه، فهو يدرس قيمة الإنسان الآخر الوفاء له اشكال والوان هناك الإنسان الوفي للأقارب والوفي للأصدقاء والإنسان الوفي للوعود والعهود هناك الوفي للعقيدة والايمان وللوطن والوفي للعلم الذي تتقدم به البشرية والوفي للمبادئ عند رسامة أب كاهن يلزم بأن يقرأ تعهدا، هذا التعهد هو مجموعة من المبادي هل انت وفي لها ؟ كذلك الراهب أو الراهبة يقرأ تعهدا عند الرسامة، وهذا التعهد به مجموعة من المبادئ تحكم سيرته كراهب او راهبة هل أنت وفي من الممكن أن يكون وفيا سنتين ثلاثة وبعد ذلك ماذا يحدث؟ يحدث ما هو عكس كلمة" الوفاء" الكلمة التي تجرح اذاننا، هى كلمة متعبة وغير لائقة بصفة عامة إنها "الخيانة"
صور الوفاء في الكتاب المقدس
1- الوفاء للاقارب
يقصد بها الأسرة بصفة عامة، وإن كانت الوصية تقول "اكرم أباك وأمك لكي تطول ايامك على الأرض" (خر١٢:٢٠)، فنجدها تمتد إلى كل الأقرباء في كل الأسرة، لأن الوصية هي تعبير عن الوفاء.
راعوث ونعمى
كلمة راعوث معناها الجميلة، وليست الجميلة شكلاً، فالكتاب المقدس لا يهتم بأوصاف الجسد، وإنما يهتم بالأوصاف الداخلية للإنسان حقا فراعوث كانت إنسانة جميلة لقد تغربت عن بلدها وتزوجت في بلاد غريبة، ثم مات زوجها وحماها واخو زوجها. فصارت مترملة ولم يكن لديها أبناء لم تعتبر ماساة واحدة، لكنها عدة ماآسى راعوث مع حماتها نعمى، وظهر وفاؤها بالرغم من أنها غريبة عنها، لكنها اعتبرتها بمثابة أم بعد زواجها من ابنها. وفضلت أن تعيش في بلاد غريبة مع حماتها التي بلا زوج، وبلا أبناء، وقد كانت نعمي إنسانة أمينة فطلبت منها أن تعود إلى بلدها. ولكن راعوت الرائعة الوفية قالت: لا تلحي على أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت ابيت شعبك شعبي والهك إلهی (را ١٦:١) ما هذا الجمال؟! كلمة جمال قليلة عليها. فهي بهذه المشاعر أكثر من جميلة ولكن ما الذي جعلها جميلة؟
الذي جعلها جميلة هو وفاؤها، ولذلك استحقت هذه الإنسانة الوفية أن يأتي من نسلها شخص ربنا يسوع المسيح مخلص العالم الله يقدر هذه القيمة إلى أبعد حد. فالوفاء كلمة تحوى في داخلها معاني كثيرة تحوى المحبة والإخلاص والولاء والأمانة والشعور بالآخر.
١- يوسف الصديق
عاش يوسف الوصية قبل أن توجد، وعاش بوفائه لابيه يعقوب واخوته بالرغم أن اخوته كانوا قساة عليه جدا، لكن يوسف لآخر لحظة كان يحتفظ بوفائه لابيه. فكان يخدمه ويحترمه وأيضا إخوته، وتكون صورة يوسف الصديق صورة لامعة، وتقول فعلاً "وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحا، وكان في بيت سيده المصري (تك٢:٣٩) كان يوسف نموذجا الطهارة، برغم كل ما حدث معه، فكان وفيا لم يتخل عن مبادئه ابدا.
2- الوفاء للأصدقاء
داود یوناثان
من أكثر مشاهد الصداقة الحقيقية هو مشهد صداقة داود ويوناثان رغم أن شاول جعل نفسه عدوا لداود وأراد قتله أكثر من مرة وبعد أن تملك داود وصار ملكا نجده يبحث عن أي فرد من عائلة شاول او يوناثان لكي يخدمه وقال داود هل يوجد بعد أحد قد بقى من بيت شاول، فاصنع معه معروفا من أجل یوناثان (٢صم ١:٩) لقد كان داود وفيا لصديقه حتى بعد موته فوفاؤه مستمر حتى أنه وجد واحدا من أبنائه فاخذه وقدم له الطعام على مائدته واعتني به جيدا، لقد كان داود. انسانا أصيلاً، لذلك استحق أن يكون جدا للسيد المسيح "المسيح ابن داود".
3- الوفاء للوعد
بتوعد هل بتاخذ تعهداً كيف تكون وفيا في نهاية العام يبدا الإنسان يحاسب ذاته ويبحث عن إيجابياته وسلبيات ونقصانه، ويتعهد امام الله بتوبة وبداية جديدة ويقول مع المرنم "بارك هذه السنة بصلاحك" ثم يجلس مع أب اعتراف ويحاول زيادة الإيجابيات ادم وحواء سقطا في الخطية، ونالا العقوية، وصارت الخطية حاجزا فاصلاً بينهما وبين الله ولكن الله أعطى وعدا، قائلاً للحية " واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه"( تك ١٥:٣)، ولكن هذا الوعد ظل قرونا كثيرة تحت العهد القديم كله دون تحقيق هل هذا معناه أن الله نسى هذا الوعد؟ اابدل في ملء الزمان أرسل الله ابنة مولودا من امرأة والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده اعطاء الله لينفذه في شخص المسيح ولذلك كان وفاء الله لهذا الوعد هو الصورة الجميلة التي جعلتنا نقول "بداية العهد الجديد " وصار الزمان هناك ما قبل ميلاد المسيح وما بعد الميلاد، كأن ما قبل ميلاد المسيح كان وعدا، وبعد ميلاد المسيح صار وفاءا لهذا الوعد . لذلك يؤكد الكتاب المقدس علينا أنه عندما نعد أو ننذر نذرا يجب أن نوفی به " ان لا تنذر خير من أن تنذر ولا تفى" (جا ٥:٥) فإن أردت أن تنذر فانذر بما في استطاعتك وهذا شكل من اشكال الوعد والالتزام بالوفاء به.
4- الوفاء للإيمان والعقيدة
العقيدة والإيمان الذي نعيش به في كنيستنا الإيمان الأرثونكسي المستقيم هذا الإيمان الذي يسير في خط مستقيم منذ إيماننا مع بداية دخول المسيحية مصر على يد مارمرقس الرسول ويصير هذا الإيمان إيمانا مستقيما تحفظه الكنيسة ويعيش الإيمان نقبا في الكنيسة القبطية مسلمة إياه من جيل إلى جيل كوديعة غالية، وقد ظهر في تاريخ الكنيسة من نسميهم بالهراطقة، وهم أناس غير أوفياء للإيمان ولا للكنيسة ولا للعقيدة ولا للتاريخ نسمع عن أريوس وهرطقته ونسمع عن أوطاخي ونسطور، وأناس ظهروا في أوقات أخرى وبدع ظهرت وصارت غير مناسبة فقامت الكنيسة بعقد المجامع المسكونية كي تقف أمام من كانوا غير اوفياء.فعلى سبيل المثال تم عقد مجمع نيقية كي تقف امام اريوس، وكان المجمع بحضور أساقفة العالم في حضرة الملك قسطنطين، فيكون المجمع على مستوى عالی دولی بدأوا يناقشون أريوس إلا أن اريوس كان مصرا على فكره و هرطقته، وعلى تحريفه للإيمان وكانت النتيجة أن فصلته الكنيسة واستبعدته واعلنت فساد هرطقته تظهر صور من الوفاء الإيمان والعقيدة في سير القديسين القديس الانبا انطونيوس ( أب الرهبان) هر راهب عاش في البرية لكن نزل من البرية مرتين المرة الأولى كي يشارك البابا اثناسيوس في حربه ضد الأريوسية، لأنه عندما ظهرت الأربوسية اخذت نطاقا واسعا جدا لدرجة العبارة المشهورة التي قالها البابا اثناسيوس عندما قالوا له "العالم كله ضدك يا اثناسيوس" فأجاب قائلا "وأنا ضد العالم" قال البابا هذه العبارة لأن الأريوسية قد انتشرت في العالم كله، ولذا عندما قال "وانا ضد العالم" كان يقصد انه ضد العالم الأريوسي.لقد نزل القديس الأنبا انطونيوس وكسر وحدته لان المصلحة العامة للكنيسة أهم من حالته الخاصة. الانبا انطونيوس هذا الرجل الناسك الوفي، كانت نتيجة نزوله لمساندة البابا اثناسيوس أن أناسا كانوا قد بعدوا، رجعوا مرة أخرى للإيمان المستقيم وإلى حضن الكنيسة مرة أخرى.
لقد عاش الأنبا انطونيوس ١٠٥ سنوات وعاش زمانا وعشرات السنين في البرية، لكنه نزل للمرة الثانية إلى العالم عندما بدا عصر الاستشهاد وبدات الكنيسة تتعرض للاضطهاد فبدا يكسر وحدته، لانه يحب أن يكون وفيا للكنيسة، ويسند الشهداء ونزل للعالم لكي يشجع المؤمنين ويقويهم وفي كل مرة يمثل صورة للوفاء والدفاع عن الإيمان والعقيدة في الكنيسة . القديس الأنبا بولا أول السواح عاش في البرية ولا نعلم غير كلمات قليلة من عباراته لكن من العصيب انه عندما تقابل مع القديس الأنبا انطونيوس قبل نياحته تكلما في نقطتين يظهر فيهما صورة من الوفاء الأولى يسأله عن كفاح القديس اثناسيوس الرسولي ضد الأريوسية، وبالتالي هو مشغول بالكنيسة ووفي لها الثانية هو اهتمامه بالوطن فسالة عن النيل، وكان في هذه المقابلة القصيرة ظهر وفاؤه للكنيسة والوطن في عبارتين صغيرتين.
5- الوفاء للمكان
نسمع عن شخص مصرى تعلم في مصر ثم سافر واستكمل دراسته في الخارج ونجح وصار من ألمع أطباء العالم، وهو الطبيب المشهور "الدكتور مجدى يعقوب" الذي لم ينس وطنه فعندما رجع إلى مصر نجده ينشئ مركزا عالميا للقلب في أسوان وصار هو اهتمامه الأكبر كان لديه وفاء للوطن ولأبنائه وللأجيال القادمة هذا الوفاء صورة من صور الوفاء للمكان فضلاً عن أنه أيضا وفاء للعلم. فشخصيته تجمع عدة صور للوفاء وفاء للبلد وفاء للمكان وفاء للأطفال وهكذا وهذا مجرد نموذج صغير حيث توجد صور كثيرة جداً من أبناء مصر في أماكن كثيرة.
6- الوفاء للوطن
الوفاء للوطن أحد السمات التي تظهر أصالة الأوطان فى مصر عام ۱۹۹۲ حدث زلزال في شهر اکتوبر - في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان هناك طفل صغير يبلغ من العمر حوالي 7 سنوات اول انطباع جاء في ذهن الطفل انه قال" يا ترى مدرستي عاملة إيه" وهذا يدل على أن الطفل تربي على حب المكان الذي يوجد ويتعلم فيه الانتماء للوطن أحد مشاهده الرائعة في الكتاب المقدس مشهد نحميا لقد كان نحميا شخصا عادياً من الذين اخذوا في السبي من أورشليم إلى بلاد بعيدة في مناطق إيران والعراق حاليا وعاش اسيرا ليس له حقوق ولكنه أخذ يبحث عن عمل حتى وفق في أن يعمل ساقيا عند الملك ولكن جاءت إلى اخبار مؤلمة ومحزنة عن وطنه، وفي نفس هذا التوقيت كان من المفترض أن يدخل إلى الملك ليقدم له المشروبات فصلى ودخل وعندما دخل سالة الملك وعلى غير العادة "لماذا وجهك مكمد وانت غير مريض ما هذا إلا كئابة قلبك" (نح ٢ :٢) فيقوم نحميا فى أصالته ويصلي كي يعطيه الرب كلمة على لسانه ويبدا يقول كلمات مبسطة جدا انه سمع اخباراً محزنة عن مدينته وشعبه وان اسوار مدينته مهدومة وأبوابها محروقة بالنار (نح٢ :٣) وأنه عندما سمع مثل هذه الأخبار وقف يصلى أمام إله السماء وعندما جاءت الفرصة ليقف أمام الملك وبدأ يكلمه عن بلده نجد الملك يعطيه رسائل کی يأتى بمواد للبناء وايضا رسائل للولاة المسئولين ويسمح له أن يرجع لوطنه ويأخذ معه بعض الأفراد لمساعدته في بناء السور (نج ٧:٢-٩)، لكن في ذات الوقت نجد من يعطله إلا أنه يبتكر وسيلة جيدة جدا، فسور اورشليم عليه بيوت كثيرة فقال لأصحاب هذه البيوت إن كل صاحب بيت يبنی جزءا من السور الذي امامه، ويقول الكتاب إنه انجز بناء السور في ٥٢ يوما نحميا يتحمل كل هذا الشقاء من أجل وفائه وانتمائه للوطن على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون" (مز (۱:۱۳۷) وبذلك يعتبر بناء نحميا لسور مدينتة هو علامة من علامات الوفاء للوطن.
والسؤال الآن هل انت وفى اسأل نفسك.. هل انت وفي لأسرتك (مجتمع الصغير ) عليك انت تعلم أن إهمال أسرتك خطية كذلك الأب والأم اللذان يربيان أولادهما هل تزرعان في أولادكما هذه الصفة الإنسانية هل علمتماهم كيف يكونوا أوفياء واعلما انكما أول من سيستفيد مما غرستماه في أولادكما هل انت وفي للعمل وللمجتمع الذي تعيش فيه؟ هل وفي لكنيستك وخدمتك؟
7- الوفاء للمبادئ
الإنسان يتمسك بمبادئه والمبادئ هي الأفكار التي تبدا منها هناك شخص وفي لزوجته ولأسرته وبالتالي يستمر الزواج ويدوم ويصبح هناك كيان للأسرة أتذكر قصة بسيطة عن مغن مشهور هذا
المغنى كان يغني في عيد ميلاد الملك كل عام. وكانت تذاع اغنيته من إذاعة البلد لكن أراد مجموعة من الناس عمل انقلاب ضد الملك فاتفقوا على أن أفضل يوم لهذا الانقلاب هو اليوم الذى يأتى فيه المغنى ليغنى الاغنية فى الإذاعة واتفقوا على أنهم يهددوه ليقول بيان الانقلاب وبالفعل حدث ما اتفقوا عليه إلا ان المغنى احتفظ بمبادئه ورفض تماما أن يقول كلمة واحدة برغم التهديدات ولحسن الحظ استطاع الملك أن يهزمهم وصار هذا المغنى مشهوراً جداً لما فعله حيث قدرة الملك تخيل معى ماذا كان سيحدث لو تم عكس ذلك؟!
في العهد القديم الفتية الثلاثة عندما طلب منهم أن يعبدوا التمثال الذهب رفضوا ،ويسألهم نبوخذ نصر "من هو الإله الذي ينجيكم من يدي" فكان ردهم إنه لا يلزمهم أن يجيبوه لان المعجزة قد حدثت وصار الأتون باردا ايها الحبيب أبحث عن هذه الفضيلة في حياتك واجعلها حاضرة دائما أمامك في كل مكان وزمان.وفاؤك يعنى أن حياتك دائما أصيلة ،و الله يقدر هذا الوفاء ، هذه الفضيلة ،وإن كنت مقصرا فيها اطلب دائماً من ربنا أن يجعلك وفيا في كل عمل صالح تمتد إليه يدك.
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب قدموا فضيلة في إيمانكم
المزيد
19 يونيو 2025
بدعة مقدونيوس
المقدونية
مقدمة:
أ- مكدونيوس كان من اتباع البدعة الاريوسية وتمكن بواسطة نفوذ الاريوسين عند قسطنس قيصر من رسامتة بطريركا لكرسى القسطنطينية سنة 343 م
ب- وكان يضطهد اتباع بولس البطريرك الشرعى المعزول وثار الشعب ضده
ج- ثم غضب منه الامبراطور وطردة من كرسية سنة 360 م
د- فنشر بدعة ضد لاهوت الروح القدس واستمرت بعد موته
ه- كان تلميذه مارانتيو اسقف نيقوميديا اخص القائمين بنشرها.\
و- وكان الناس يسمون اصحاب تلك البدعة " اعداء الروح القدس"
فكر مكدونيوس بخصوص طبيعة الروح القدس:
1- كان يعلم تعاليم اريوسية لما كان اسقفا.
2- ولكن بعد ان ابعد عن الاسقفية بدأ ينادى ببدعة غريبة وهى "ان الروح القدس عمل الهى منتشر فى الكون وليس اقنوما متميزا عن الاب والابن بل هو مخلوق يشبة الملائكة ولكنة ذو رتبة اسمى"
ثانيا طرق مواجهتها من الكنيسة:
1- لما رجع البابا اثانسيوس من منفاة سنة 362 م عقد مجمعا بالاسكندرية شجب فية هذة البدعة وتبعة بعض الاساقفة فشجبوها
2- ولما وصل خبرها الى مسامع ثيودوسيوس قيصر امر بانعقاد مجمع القسطنطينية سنة 381 م اجتمع 150 اسقفا شرقيا فحكموا على مكدونيوس وقضى المجمع بسلطانة على تلك البدعة
3- اضاف المجمع تكملة لقانون الايمان الذى اصدرة مجمع نيقية لاثبات لاهوت الروح القدس وهى: " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الاب الذى هو مع الاب والابن يسجد لة ويتمجد الناطق فى الانبياء وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ونترجي قيامة الاموات والحياة الجديدة فى العالم الاتى، آمين."
ثالثا الكنائس التى تؤمن بالبدعة المكدونية:
لا يوجد سوى الطوائف التى ولدت فى كنف البروتستانتية مثل شهوه يهوه الذين يؤمنون ان الروح القدس هو قوة الله فقط.
رابعا الكنائس التى لاتومن بالبدعة المكدونية:
أ- جميع الكنائس الرسولية وهم:
1- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية القديمة
2- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية الخلقيدونية
3- عائلة الكنيسة الكاثوليكية الغربية الخلقيدونية
ب- جميع الكنائس البروتستانتية فى العالم
بدعة مقدونيوس " الروح القدس مخلوق مثل الملائكة "
كان أحد أتباع أريوس.
بواسطة نفوذ الأريوسيين وتأثيرهم لدى الملك: قسطانس ابن الملك قسطنطين الكبير (ملك عام 337م وكان يناصر الأريوسيين ويعزهم)، أقيم اسقفاً على القسطنطينية عام 343م وعندما وصل القسطنطينية حدث هياج بين المؤمنين والأريوسيين قتل فيه عدد كبير وقد أرتكب خطأ جعل الأمبراطور يغضب عليه ويعزله عن كرسيه وطرده وهى أنه نقل جثة والده: (قسطنطين الكبير) من مدفن إلى آخر وغالباً ما كان يعلم التعاليم الأريوسية عندما كان أسقفاً ... وعندما عزل ابتدأ ينادى ببدعته وهى: (أن الروح القدس عمل إلهى منتشر فى الكون، وليس بأقنوم متميز عن الآب والإبن بل هو مخلوق يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبة أسمى منهم) وقد عقد البابا أثناسيوس مجمعاً مكانيا بالإسكندرية عام 362م لبحث هذه البدعة وأبان فسادها ثم حكم بحرم مقدونيوس وبدعته
المزيد
18 يونيو 2025
الخدام وعلاقتهم مع الله
الخادم الروحي لا يشعر في خدمته أنه يعطي:
بل أنه باستمرار -في كل مرة يذهب إلى الخدمة- يشعر أنه يأخذ شيئًا جديدًا من الله أثناء خدمته ويرى أن الخدمة تعطيه أكثر مما يعطيها إن الخدمة بالنسبة إليه واسطة من وسائط النعمة، تقويه وتسنده، وتقدم له وسطًا روحيًا يلزمه باستمرار أن يعيش فيه كما تعطيه حياة الحرص والتدقيق والبعد عن العثرة.
الخادم الروحي يحيا أثناء خدمته حياة التلمذة:
لا يظن أن تلمذته قد انتهت بتعيينه خادمًا في مدارس الأحد، أو ببدء عمله كواعظ أو كمعلم، إنما يستمر حياته كلها في التلمذة في كل يوم يتعلم شيئًا جديدًا، ويختبر شيئًا جديدًا ومن واقع خبراته يكلّم مخدوميه.
إنه إنسان عاش مع الله، وأختبر الطريق الموصِل لله:
وهو يحكي للناس هذا الطريق الذي اختبره وسار فيه زمانًا، وعرف علاماته وحروبه ومطباته، وبركاته أيضًا، ويد الله العامل فيه- يحكي كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات حياة التلمذة عند الخادم الروحي هي موضوع طويل، ربما أعرض له بتفصيل أكثر، حينما أتحدث عن التواضع في الخدمة.
الخادم الروحي هو إنسان بعيد عن [الذات].
ذاته لا تشغله، ولا تحرك طريقه في الخدمة إنه إنسان روحي لا تعنيه ذاته، لقد مات عنها منذ زمن وأصبح كل تفكيره في ملكوت الله، في روحيات تلاميذه، وفي إراحة الناس وخدمتهم إنه إنسان أتحدت مشيئته بمشيئة الله:
كل مشيئته أن يحقق مشيئة الرب في الوجود. ومشيئة الله هي أن "جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يُقبلون" (1تي4:2) لذا هو يعمل مع الله في هذا المجال، وليست له مشيئة خاصة إنه يسعى إلى تحقيق المشيئة الإلهية في نفسه وفي أولاده يعمل في ذلك بكل مشاعره، وكل إرادته وكل القوة الممنوحة له.
ملكوت الله هو شغله الشاغل، يلهج فيه نهارًا وليلًا:
يشعر بمقدار المسئولية الملقاة عليه. وبأهمية النفوس التي تركها الله أمانه في يديه، سيعطي عنها حسابًا أمام الديان العادل لذلك هو يسلك في خدمته بكل أمانة وجدية، ليس فقط من أجل تلك المسئولية عن مخدوميه، بل بالأكثر بسبب محبته لهم واهتمامه بهم.
الخادم الروحي هو قلب كبير، يتسع للكل، ولا يضيق بأحد:
هو وكيل أمين حكيم، أوكله الله على أولاده، لكي يعطيهم طعامهم في حينه (لو42:12) ينطبق عليه قول الكتاب "رابح النفوس حكيم" (أم30:11). وفي حكمة خدمته نراه خبيرًا بالنفس البشرية: بطبيعتها ونزاعاتها، وحروبها وسقطاتها، ومتاعبها وآلامها وهو في كل ذلك يذكر قول القديس بولس الرسول "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، واذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب3:13).
الخادم الروحي هو لهيب نار مشتعل في خدمته:
إنه إنسان حار في الروح (رو11:12) دخلت فيه النار المقدسة التي ألهبت التلاميذ في يوم البندكسطي لهذا فهو يعمل عمل الرب بحرارة، بكل القلب، بكل الرغبة، بكل حماس هو أمين في خدمته حتى الموت (رؤ10:2) يتعب فيها، ويجد لذة في تعبه.
ويجد لذة أيضًا في عمله مع الله:
الروح القدس يعمل في الناس لأجل خلاصهم. وهو يعمل مع الروح القدس لهذا الغرض نفسه، كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبلوس "نحن عاملان مع الله" (1كو9:3) نشترك معه في العمل، أو نصبح أداة في يديه يعمل بها.
الخادم الروحي يحتفظ بطفولته الروحية (مت3:18) ويرفض أن يفطم نفسه عن ثدي التعليم:
إنه باستمرار يقرأ ويتعلم. ومهما نما تلاميذه، يقدم لهم شيئًا جديدًا. إنه كالأشجار الدائمة الخضرة، لا يذبل أبدًا، ولا يصفر، ولا تتساقط أوراقه.. الخضرة دائمًا تجري في عروقه. لذلك هو دائم الزهر أو الثمر، دائم الحياة، دائم النضرة والخضرة إنه لا يعطي من ذاته، وإنما ما يأخذ من الروح فإياه يعطي يقول الرب "الكلام الذي أعطيتني، قد أعطيتهم" (يو8:17)
إنه راكِع دائمًا، يطلب لأولاده من الرب غذاء يوم بيوم. يقول للرب دائمًا "لست أريد أن أعطيته من بشريتي ومن جهلي. بل الكلام الذي تضعه أنت في فمي، هو الذي أقوله لهم.
إنه إذن حساسة لفم الله:
يميز صوت الله، ويعلن مشيئته للناس لذلك ترتبط خدمته بالصلاة لأنها ليست عملًا بشريًا.
الخادم الروحي يهتم بالغذاء الروحي لأولاد:
فهو يأخذ غنيماته الصغيرات إلى موارد المياه وإلى المراعي الخضراء، يرعاها بين السوسن (نش3:6). إنه يهتم بروحياتها، ولا يقتصر على المعلومات يحشو بها علقها. ولكن ليس معنى هذا أن نهمل المعرفة، وإنما نأخذ منها ما يبني الروح، ولا نركز على بناء العقل فقط.
الخادم الروحي: حتى إن تكلم في موضوع لاهوتي أو عقيدي أو طقسي، يتكلم كلامًا روحيًا:
أما الخادم العقلاني: فحتى إن تكلم في الروحيات، يحولها إلى علم ونظريات وأفكار!! بعض الخدام ابتدأوا بالروح، وانتهوا كعلماء يقدمون علمًا للنفس، مجرد أفكار مرتبة خالية من الروح، ولم تعد في كلماتهم المسحة الروحية التي تؤثر في الناس وتقربهم إلى الله.. كونوا إذن خدامًا روحيين، واخدموا خدمة روحية أقول هذا لأني خائف على هذا الجيل، الذي كثرت فيه المعرفة جدًا، وضعفت الروح واختلفت عن الجيل الماضي، التي كانت فيه مراكز الخدمة كأبراج الحمام، تهدل بنشيد الحب الإلهي.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
17 يونيو 2025
القديس بطرس، رابح النفوس
من صيد السمك الى ربح النفوس ..
بطرس الرسول أو سمعان ابن يونا، ولد في قرية بيت صيدا الواقعة علي بحيرة طبرية قبل ميلاد المخلص بحوالي عشرة سنين. وكان يشتغل بصيد الأسماك لاسيما فى بحيرة طبريه شأنه في ذلك شأن الكثيرين من سكان قريته وكان مع أندراوس أخيه تلاميذ ليوحنا المعمدان بعض الوقت وكان لقاؤه الأول السيد المسيح عن طريق اندراوس أخوه { وفي الغد ايضا كان يوحنا واقفا هو واثنان من تلاميذه. فنظر الى يسوع ماشيا فقال هوذا حمل الله. فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع. فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم اين تمكث. فقال لهما تعاليا وانظرا فاتيا ونظرا اين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم وكان نحو الساعة العاشرة. كان اندراوس اخو سمعان بطرس واحدا من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. هذا وجد اولا اخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح. فجاء به الى يسوع فنظر اليه يسوع وقال انت سمعان بن يونا انت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس}( يو 35:1-42). أما دعوته للتلمذة فكانت عقب معجزة صيد السمك الكثير، حينما طمأنه الرب بقوله { فقال يسوع لسمعان لا تخف من الان تكون تصطاد الناس }(لو 5 : 10) وعندما وصلا بالسفينة إلى البر ترك كل شيء وتبعة هو واخوة وابنا زبدي (لو 5: 1-11).
لقد أصطاد السيد المسيح القديس بطرس وأندراوس ببصيرته الإلهية لما راه فيهما من محبة لله وأستعداد للعمل وقد أذكي فيهما يوحنا المعمدان لهيب المناداة بالتوبة وسمعا مناداته بالمسيح حمل الله { وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم} (يو 1 : 29) وأشعلها فى قلبيهما الرب يسوع المسيح وأطاعا دعوته متعلمين من صيد السمك الأتكال علي الله والصبر والتكيف مع الظروف المختلفة ، وتتلمذا علي الرب يسوع وطاعته والثقة في حسن رعايته { وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «أبْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». فَأَجَابَ سِمْعَانُ: «يَا مُعَلِّمُ قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ». وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراًجِدّاً فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلَأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ. فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذَلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: «أخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ». إِذِ اعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ السَّمَكِ الَّذِي أَخَذُوهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي اللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لاَ تَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!». وَلَمَّا جَاءُوا بِالسَّفِينَتَيْنِ إِلَى الْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ.} ( لو 4:5-11).
عندما يأمرنا الملك الإلهي، فما علينا إلاّ أن نطيعه ونتبعه وهو كفيل بكل أحتياجاتنا وضامن لحاضرنا ومستقبلنا أننا نصلي الي الله أن يجعلنا صيّادى للناس وربحهم، ليس بذكائنا أوحيلنا أو مالنا، بل بعمل نعمته ومحبته ولطفه في قوّة الرُّوْح القُدُس. والشبكة التس تربح وتصطاد هي كلمة اللّه الحية والفعالة والتي ترافقها صلواتنا وخدمة محبتنا حسب إرشاد الروح القدس وحكمته وفي اتّباعنا إيَّاه والتصاقنا به يُعلِّمنا الحكمة ويهبنا النعمة ويقودنا فى موكب نصرته ويقول لنا { أنتم نور العالم. فليضئ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أَعْمَالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الّذي في السَّمَاوَات} (متى5: 14- 16). وكما عمل الله مع القديس بطرس الرسول والتلاميذ القديسين حتى آمن بعظة واحدة بالمسيح ثلاثة الاف نفس واعتمدوا باسم المسيح فان الله يدعونا للعمل معه والثقة به والسعي لخلاص كل أحد وعلينا أن نستجيب لدعوة روحه القدوس ونشترك مع الله فى كل عمل صالح.
لقد شرفة الرب بدرجة الرسولية وكان من المقربين للرب فهو واحد من الثلاثة الذين عاينوا اقامة ابنة يايروس بعد موتها، وشاهد تجلى السيد المسيح على جبل طابور وصلاته في جثيماني، واحد التلميذين الذين ذهبا ليعدا الفصح الاخير، واحد الاربعة الذين سمعوا نبوته عن خراب اورشليم وهيكلها. كان بطرس ذا حب جم لسيده وغيرة ملتهبة ولكنه كان متسرعا ومندفعا. فهو الاول الذي اعترف بلاهوت السيد المسيح والاول الذي بشر بالمسيح بعد حلول الروح القدس . لكنه كان مندفعا ومترددا ومتبدل المواقف قبل ان يعمل الروح القدس فيه ويغيره . حاول ان يمنع المسيح ان يموت (مر 8: 31: 33) ولما قال له المسيح انه سينكره ثلاثة قبل ان يصيح الديك مرتين، اجاب في تحد { فقال باكثر تشديد ولو اضطررت ان اموت معك لا انكرك وهكذا قال ايضا الجميع } (مر 14 : 31). وفي لحظة القبض علي المسيح استل سيفة ليدافع عن ذاك الذي مملكته ليست من هذا العالم. دخل القديس بطرس فى تجربة مره وصعبه عرف بها ضعفه. فقد انكر سيده ومعلمه بتجديف ولعن واقسم وأنكر أمام الجوارى انه لا يعرف السيد المسيح . لكنه عاد الى رشده وندم وندماً شديداً وبكي بكاء مراً وقصد قبر معلمه باكراً جدا فجر القيامة.
بطرس الرسول وحياة التلمذة ...
تبع الرسل السيد المسيح في خدمته وتعلموا من حياته العملية وكان القديس بطرس الرسول من أوائل تلاميذ المخلص الذين تبعوه وأطاعوه وثبتوا فى كلامه {إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي} (يو 31:8). وتحول كلام الرب معه إلى حياة حتى عندما تحدث السيد المسيح عن التناول من جسده ودمه الأقدسين ومضي البعض من تبعيته وقالوا هذا الكلام صعب علي أفهامهم، قال الرب لتلاميذه أريدوا أنتم أن تمضوا، رد عليه { فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ} (يو 6 : 68). لقد آمن القديس بطرس بكلام المخلص وتحول في حياته الي مبادئ راسخة ومن هذا المنطلق قال له القديس بطرس الرسول للمخلص { قد تركنا كل شيء وتبعناك} (مت 27:19). فأجابه السيد { كل مَن ترك بيوتًا، أو أخوة أو أخوات، أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا، من أجل اسمي، يأخذ مائة ضعف، ويرث الحياة الأبدية} (مت 29:19).
عند بحر الجليل أصطاد السيد المسيح بطرس ، وقد ظن بطرس أنه هو الذي ترك كل شيء وأمسك بالمسيح ولم يدر أن المسيح، هو الذي جذبه، وأتي به وباصدقائه إلى مجده السماوي العتيد، كان يمكن لبطرس يضيع أو يهلك، كان يمكن أن يذهب عندما انتهر المسيح في أندفاع واراد أن يبعده عن الصليب مأخوذًا بما للناس، وليس بما لله فقال له {أذهب عني ياشيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس،} (مت 16: 23).. وعاد الشيطان مرة أخرى ليهز بطرس بالتجربة القاسية بنكران السيد المسيح، ومع ذلك فنظره المسيح، وظهوره الانفرادي له بعد القيامة. جعلته كارزا للرجاء الذى فى الإيمان بالمسيح. لقد أدرك بعد تركه لشباك صيد السمك أنه أصبح صيادًا من نوع آخر، صيادًا لنفوس الناس ليسوع المسيح، كان رجلاً لا يتعب في استخدام الشبكة، ولكنه أدرك بأن شبكته مرتبطة بكلمة المسيح، لقد تعب ذات مساء الليل كله، ولكن المسيح أمره على غير المألوف أن يبعد الى العمق ويلقي الشبكة على الجانب الأيمن، وأطاع، وصرخ مذهولاً لكثرة الصيد {اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطيء} (لو 5: 8). وما أكثر ما نطق في حضرة المسيح بما لا يعي من فرط ذهوله واندهاشه، ولم يخرج المسيح من سفينة حياته قط، بل سار معه في بحر العالم وهو يرفع علم الصليب مناديا بانه {ليس بأحد غيره الخلاص}(أع 4: 12).. وكان المحصول وفيراً ، حصد يوم الخمسين مابدا مذهلاً أمامه، إذ كان فوق كل تصور وخيال، لقد كانت الباكورة ثلاث آلاف نفس في يوم واحد أمنت بعظة واحدة للقديس بطرس الرسول.
بعد قيامة السيد المسيح من الموت ظهر للتلاميذ عدة مرات بل وخص القديس بطرس بالأسم أن يراه بعد قيامته ليخلصه من ضعفه ونكرانه ويرد له الرجاء الراسخ في محبته له، وعلي بحيرة طبرية حيث ذكريات بطرس مع مخلصه ظهر له وعاتبه في رفق مخاطبا اياه بأسمه القديم قائلاً له { يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء ؟}. وقد وجه إليه هذه الكلمات ثلاث مرات ورده إلى رتبته الرسولية ثانية بقوله " ارع غنمي " ورد بطرس بتواضع أنت تعلم يا رب أني احبك بدلاً من ثقته في نفسه. الرب يقول له إرع خرافي فان علامة محبة بطرس للسيد المسيح أن يبذل نفسه عن خراف الله الناطقة ويرعاها. ولهذا نراه يكتب للرعاة ناصحا { ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يسود على الانصبة بل صائرين امثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون اكليل المجد الذي لا يبلى. } (1بط 5 : 2-4) . وعقب تأسيس الكنيسة يوم الخمسين بدأ القديس بطرس رعايته وخدمته لاسيما بين اليهود في اليهودية والجليل والسامرة. وكان الرب يتمجد علي يديه بالمعجزات كشفاء المقعد عند باب الهيكل الجميل (أع 3). وشفاء أينياس في مدينه اللد وإقامة طابيثا بعد موتها في يافا (أع 9). وقد فتح الرب باب الإيمان للأمم علي يديه في شخص كرنيليوس قائد المئة اليونانى عقب رؤيا أعلنت له بخصوصه (أع 10). فلما خاصمة أهل الختان لقبول الأمم فى الايمان المسيحى، فقد شرح لهم الأمر { بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده } (أع 10: 34، 35) . وما زال الله يطلب منا أن نعمل معه ونستجيب لدعوته { الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ} (مت 9 : 37- 38). الله يسعي لخلاص كل أحد ويريد منا أن نشترك معه في العمل، ويريد فعلة في حقل الخدمة المتسع ويكونوا حكماء يعدهم ويتلمذهم ليسعوا في وداعة الحكمة وبروح المحبة والتقوى والصلاة ليعدوا ويمهدوا الطريق أمام الرب، وكل واحد سياخذ أجرته حسب تعبه ومحبته كما أن الله ليس بظالم حتى ينسي تعب المحبة بل أنه لا ينسي كأس الماء البارد الذى نقدمه من أجل أسمه.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
16 يونيو 2025
الروح القدس نبع الأرتواء والقداسة
1- الروح القدس والشبع الروحي
لقد شبه السيد المسيح له المجد، الروح القدس فى فعله بانهار الماء الحي الذي لا ينضب ومن يؤمن بمحبة الله المعلنة في المسيح يسوع ويجاهد بالإيمان العامل بالمحبة ويقبل الروح القدس ويشعل قلبه بمحبة الله وكلامه المقدس يحل في داخله كانهار الماء الحي للأرتواء والشبع والتقديس والفرح والسلام { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه} (يو 37:7-39). أن الله الذى أخرج قديما للشعب فى عطشه ماء من الصخرة، والصخرة تابعتهم فى ترحالهم، هو قادر وسط صحراء الحياة القاحلة ان يهبنا الشبع والارتواء ليس من أبار العالم المشققة بل من روحة القدوس. ارتواء لا من غنى العالم وملذاته وشهواته بل من ثمار ومواهب وعطايا الروح القدس. إن عطايا الله تنتظر من يريدها، عطشنا وجوعنا إلى الله وحياة البر يؤدى إلى الارتواء والشبع بروح الله كنبع لا ينضب. نسعى للامتلاء بالروح من خلال وسائط النعمة التي فى كنيسته المجيدة كقول الرب للمرأة السامرية { من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد} (يو4: 13، 14). بالروح نشبع بالمحبة الإلهية { محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا }(رو 5 : 5) والروح القدس يهبنا سلام الله الذى يفوق كل عقل.
نصلي من كل قلوبنا ليشبع الله نفوسنا الجائعة للمحبة والفرح ويمنحنا سلامه الكامل كثمرة من ثمار الروح القدس ويروى نفوسنا العطشي الي المعرفة الحقيقية والأمتلاء الروحي والدخول الي عمق المحبة والراحة والسكينة، نصلي من أجل كل نفس جائعة الي المحبة وتبحث عن الشبع والأرتواء فى آبار العالم المشققة التي لا تضبط ماء، ولا تروى بعد العناء بل كل من يشرب منها يعود عطشان ويحيا الندم والحرمان. نقول لكل العطاشى تعالوا أشربوا بلا ثمن من ينابيع الروح القدس فتنفجر فيكم طاقات المحبة الخلاقة وتفرحوا بالنعمة الغنية. ننادي للبعيدين والقريبين ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب الصالح الذى يغدق علينا مراحمة المتجددة كل صباح.
2- الروح القدس واهب القداسة
لقد دعانا الله القدوس ان نكون له أبناء وبنات قديسين فى كل سيرة لننال المواعيد العظيمة والسماء وأمجادها ونسلك فى حياة الجهاد الروحي وبالإيمان العامل بالمحبة نطهر ذواتنا من كل دنس { اذ لنا هذه المواعيد ايها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله}(2كو 7 : 1). وعلينا أن نصلى كل حين ليحل فينا الروح القدس ويقدسنا فلا تكون لنا شركة في أعمال الظلمة { فلا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحرى بكتوها} (أف5: 11). لقد دعانا الله الي حياة القداسة، والروح القدس هو الذى يعمل لقداسة المؤمنين وهو العامل فى تقديسنا الأسرار الكنسية، فبالمعمودية نصير ابناء لله وبالميرون نتقدس ويحل علينا روح الله بثمارة ومواهبة وعلينا . وفى سر التوبة والأعتراف نجد الروح القدس يبكتنا على الخطية لنتوب عنها باستمرار، فتكون سيرتنا حسنة وقلوبنا وحواسنا نقية وأعمالنا صالحة ترضي الله وهكذا فى بقية الأسرار الكنسية يقدس روح الله المؤمنين { كاولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم. بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة. لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس.} ( 1بط 14:1-16).
الروح القدس يجدد طبيعتنا العتيقة بنعمته { لا باعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس }(تي 3 : 5). ويكون لنا فكر المسيح { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة }(رو 12 : 2). المؤمن كعضو فى جسد المسيح وكنيسته المقدسة يتغذى ويثبت في المسيح بسر الأفخارستيا. الروح القدس يطهرنا من كل دنس وخطية بالتوبة المستمرة من ناحيتنا وبنعمة الله وأنقيادنا للروح القدس ولهذا نصلى فى القداس الالهي قائلين " صيرنا أطهارا بروحك القدوس" وعلينا أن نسلم ذواتنا وننقاد للروح القدس حتى يقوم بتطهيرها وتنقيتها فتصبح الخطية مكروهة لدينا الروح القدس يهبنا ثمارة ومواهبه وهو قادر أن يعطينا حكمة وقداسة ومحبة وسلام وفرح ونمو دائم ومستمر لنصل الي القداسة التي بدونها لن يعاين أحد الله. وعلينا أن ننقاد لروح الله فى فكرنا وسلوكنا وأعمالنا لكي ننجو من الدينونة ونرث الملكوت السماوى { اذا لا شيء من الدينونة الان على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت. لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله. اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه.} ( رو 1:8-2، 14-17). إن الروح القدس هو المعلم الإلهي والمرشد الأمين للنفس البشرية وقائدنا الحكيم نحو القداسة وهو المعزي فى الأحزان والتجارب وهو الذى يعلمنا كل شئ، ويكشف لنا الحق ويذكرنا بكل وصايا السيد المسيح. الروح القدس كنار تحرق الخطايا وتنقى المؤمنين وتهبهم حرارة وإيمان ويقين ويهب المواهب للمؤمنين من أجل بنيان الكنيسة وخلاص أعضائها وتقديسهم ونوالهم الحياة الأبدية نصلي طالبين من الأب السماوى القدوس بنعمة أبنه الوحيد يسوع المسيح ربنا أن يهبنا روح القداسة والبنوة والحكمة، يقودنا فى حياة التوبة والأعتراف ويحثنا علي حياة الفضيلة والبر. أننا مدعوين الي القداسة وبدون نعمة الله الغنية وعمل روحه القدوس فى الأسرار المحيية وفى حياتنا لن نستطيع شيئاً ولا يمكننا أن نصل الي الكمال المسيحى أو ندخل السماء وأمجادها. ولان أبانا السماوى قدوس فقد دعانا أن نكون قديسين فى كل سيرة لهذا نصلي ونجاهد لننال المواعيد الثمينة { فاذ لنا هذه المواعيد ايها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله} (2كو 7 : 1). نسير فى حياة القداسة التي بدونها لن يري أحد الرب طالبين كل حين عمل روح الله القدوس وقيادته لنفوسنا ونصلي من أجل قداسة كل عضو فى الكنيسة ليتمجد أسم الله القدوس، أمين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد