المقالات
18 سبتمبر 2024
أنواع من المحبة
أريد أن أكلكم فى هذه المحاضرة عن أنواع كثيرة من المحبة ما هي المحبة ؟ وما أنواعها ؟ وما هي درجاتها ؟ وما هو المقبول منها
الله والمحبة الإلهية :
المحبة هي الله الله محبة وكما يقول الكتاب "الله محبة من يثبت في المحبة ، يثبت في الله ، والله فيه"
في البدء كانت المحبة ، كان الله منذ الأول ، قبل الكون وبهذا الحب خلق الله الكون خلق الملائكة واحبهم ، وخلق البشر وأحبهم .وكما أحب الله خلائقه ، أحبته خلائقه أيضاً أحب الانسان الله ، ولم يكن له حب غير هذا هذه هي المحبة الالهية آدم قبل خلق حواء ، كانت محبته مركزة في الله وحده .
المحبة الروحية :
ثم خلق الله حواء، معيناً لآدم ، وعرف آدم في علاقته بها قبل الخطية ، لوناً آخر من المحبة هو المحبة الروحية لم يكن الجسد قد بدأ دوره بعد، وكانت محبة آدم الحواء محبة روحية تشبه محبة الأخ لأخية ، والأب لابنه والصديق لصديقه، ومثل محبة الملائكة للبشر .
وبالمحبة الروحية التي كانت بين آدم وحواء قبل الخطية ، بدأ الانسان يحب الانسان الى جوار محبته لله ، دون تعارض ، ودون أن تنقص احدى المحبتين شيئا من الأخرى .
ثلاثة أنواع أخرى من المحبة :
ثم سقط الإنسان ، وبسقوطه وقع في ثلاثة أنواع أخرى من المحبة ، يمكن أن تبعده عن محبة الله ، ثلاثة أنواع من المحبة لا هي إلهية ،ولا هي روحية ، فماذا كانت ؟
۱ - محبة الذات ، اذ اشتهى لذاته أن تكبر « وتصير مثل الله » .
۲ - محبة المادة ، اذ اشتهى ثمرة الشجرة ووجدها « بهجة للعيون» .
٣- محبة الجسد ، اذ تفتحت عيناه ، وفقد براءته ، وخضع لشهوة الجسد ،والجنس .
وهكذا وقع الانسان فى محبة العالم بكل أعماقها ، كما قال عنها الرسول إنها شهوة الجسد ، وشهوة العين ،وتعظم المعيشة لم تكن عنده هذه الأمور من قبل : لم يكن يحارب قبلا بمحبة الذات في تعظم المعيشة ،لم يكن يشتهى أن يكبر لم يكن أيضاً محارباً بمحبة المادة كان ينظر إلى جميع الأشجار فى بساطة دون أن يجد إحداها "شهية للنظر،وجيدة للأكل ،وبهجة العين" كذلك لم يكن يعرف شهوة الجسد كان عرياناً وينظر إلى رفيقه العريان ، دون خجل أو شهوة ومن ذلك الحين ، والانسان تتنازعه هذه الأنواع الخمس من المحبة المحبة الألهية، والمحبة الروحية، ومحبة الذات، ومحبة الجسد، ومحبة المادة وحياة الانسان الروحية ما هي إلا جهاد متواصل يتنقى فيه من أنواع المحبة الخاطئة ، لكي يثبت في المحبة الإلهية.
حدود المحبة البشرية الطاهرة :
حتى المحبة البشرية الطاهرة بكل أنواعها ،وضع لها الرب حدوداً، فقال " من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقنى ،ومن أحب إبناً أو إبنة أكثر منى فلا يستحقني" ( متى ۱۰ : ۳۷ ) المحبة الالهية ، هي الأولى والأهم، وتشمل القلب كله وهكذا قال الكتاب " تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل قوتك " ( تث ٦ : ٥٠ ) وبعد ذلك تأتى المحبة البشرية الطاهرة، محبة القريب : تحب قريبك
كنفسك "ولكن على شرط أن هذه المحبة لا تزيد على محبة الله ، ولا تتعارض مع محبة الله كل محبة طاهرة نحبها للناس ، ينبغى أن تكون داخل محبة الله ليست منفصلة عنها ،وليست الى جوارها ، وانما داخلها بالنسبة إلى أهل العالم كان الشيطان يحاربهم بالجسد أو المادة أو الذات مثلما حارب العالم قبل الطوفان حين « رأى أولاد الله بنات الناس أنهن حسنات"( تك ٢:٦ ) ومثل كل حروب الجسد التي لا تحصى كذلك حروب المادة ، مثل محبة المال ، ومحبة القنية أما أولاد الله ، فعندما يريد الله أن يجربهم انما يمتحنهم في المحبة الطاهرة الروحية ، مثلها اختبر الله ابراهيم في محبته لابنه أراد الله أن يرى هل محبة الأب لابنه ، هذه المحبة الطاهرة ، المحبة الطبيعية ، وليست للابن فقط، وانما بالأكثر للابن الوحيد ، ابن المواعيد ابن الشيخوخة ، الذي انتظره الأب سنوات طويلة ،هل هذه المحبة يمكن أن تفوق محبته لله ، ويمكن أن يعصى الله بسببها إن طلب إليه أن يرفع سكينه على هذا الابن ، ويقدمه محرقة ؟! إن ابراهيم أبا الآباء أثبت أن محبة الله في قلبه تفوق كل محبة أخرى،مهما كانت طاهرة وروحية وطبيعية بهذا الوضع، وبنسبة أقل بكثير ، أخذت حنه ابنها صموئيل ، ابنها الوحيد ، الذي ولدته بعد عقم ، ابن الصلوات والدموع ،وقدمته عارية للرب ، يخدم الرب كل أيامه ،وأثبتت أن محبتها لله أكثر ان محبتنا للناس في الخدمة هي محبة الهية نحن نحب الله ، ونريدهم أن يحبوه كما نحبه واكثر ، نريد أن ندخل الله في قلوبهم،
لأننا نحب الله ونحب ملكوته .
فلنختبر محبتنا :
كثيرا ما تظن أم أنها تحب ابنها محبة حقيقية : ولكن يعوزها أن تعرف : هل هذه محبة روحية كجزء من محبتها لله ؟ أم هي مجرد محبة طبيعية ؟ أم هي محبة لذاتها هي ؟!
إنها تحب ابنها : تطعمه وتلبسه وتسمنه و تربيه وتعلمه وتزوجه ولكنها في كل ذلك لم تظهر محبتها الروحية له ، ولم تظهر محبتها لله فيه ،ولم تهتم بروحه وأبديته إنها محبة الدم للدم ، محبة طبيعية ولكنها لم تصل بعد إلى المستوى الروحي ! وقد تختبر محبة لابنها عندما يطلب أن يخصص للرب كاهنا أو راهبا فاذا رفضت أن تعطيه للرب ، ووقفت في طريقه الروحي فماذا نسمى محبتها إذن ؟ ألا تكون مجرد محبة للذات ،الذات التي لا تريد أن تتنازل عن ملكيتها ، حتى لو كان هذا التنازل للرب نفسه !!
من أعظم الأمثلة في محبة الأم ،ما عملته أم موسى لابنها
في سنوات الطفولة القليلة ثبتت محبة الله في قلبه ، ولقنته معرفة الله بطريقة استطاع بها أن يصمد أمام العبادات المصرية القديمة في قصر فرعون مدى ٤٠ عاماً ... ! !
انها محبة الام التي تكون أشبينة لابنها ، وليست مجرد مربية تدلله لتكسب محبته ، ولو على حساب محبة الله ما أكثر الأمهات اللاتى يفسدن أولادهن تحت اسم الحب والعطف والتدليل وقد يساعدن الأولاد على هذا الفساد بالمال ،وقد يخفين عن الاب حقيقة الابن وطيشه بل قد يكذبن ، وكل ذلك باسم الحب إن رفقة كادت تضيع ابنها يعقوب من فرط محبتها الزائدة له، وأوقعته بمحبتها في خطايا كثيرة لذلك علينا أن نختبر محبتنا ، ما نوعها ؟ في صدق وتدقيق فان كنت حقا تحب الله ، اسأل نفسك :
هل تحب الجلوس معه ، والحديث إليه ، والتأمل فيه ؟
هل تشتاق إليه كما تشتاق الأرض العطشانة إلى الماء ؟
هل تفضله على كل محبة أخرى ، وعلى كل لذة أخرى ؟
لذلك كان أعمق الناس محبة لله ،هم الذين سعوا الى محبته واكتفوا بها ،وفضلوها على الكل أولئك الذين من أجل الله تركوا الأهل والأحباب ،وتركوا كل شيء ،ولم يحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم من أجل عظم محبتهم للملك المسيح ومن أمثلة هؤلاء ، الرهبان والمتوحدين والسواح الذين لم يجعلوا في قلوبهم ولا في أفكارهم سوى الله وحده ، الذي صار لهم الكل في الكل ويشبه المتوحدين والسواح في محبتهم لله ، أو يفوقهم ، الشهداء لأنهم لم يتركوا فقط كل شيء من أجل الله ، انما تركوا الحياة أيضا من اجله بكل ما فيها من الذين تملك أيضاً المحبة الإلهية على قلوبهم ، الرعاة والخدام ،الذين يبذلون ذواتهم من أجل بناء ملكوت الله ،يضحون بكل
راحتهم ، وكل وقتهم ، وكل جهدهم من أجل أن يدخلوا محبة الله في قلوب الناس المحبة الالهية في عمقها ، هي المحبة الذين تفرغوا لله ، قلبا ووقتا ،وصارت محبة الله هي شغلهم الشاغل يفكرون في الله ، يتحدثون إلى الله ، يستمتعون بالله ، ينفردون بالله ، ينشغلون بالله ليس لهم عمل سوى الله وحده وليست لهم شهوة سوى الله وحده فهل أنت كذلك أم لك شهوات أخرى ورغبات ومشغوليات ردية كانت أم غير ردية ؟!
الانسان اذا دخل في عمق الروحيات ، لا تصبح له شهوة ولا رغبة ولا طلبة سوى الله وحده ،الله ساكنا في قلبه وفي قلوب الناس وعمل هذا الانسان هو أن يغربل جميع المحبات التي في قلبه ،ولا يستبقى سوى الله ،وداخل الله يجد كل محبة أخرى يحتاج الأمر منا الى اعادة تقييم الأمور الذي يحب الله ،يعطى كل القيمة لمحبة الله ، وتفقد باقي الأمور قيمتها يقول مع بولس الرسول " خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية ، لكى اربح المسيح" ومثل موسى النبي الذي ، حسب عار
المسيح غنى أفضل من كل خزائن فرعون نحتاج أيضا أن نتخلص من محبة الذات ، لأنها كثيرا ما تشغلنا عن محبة الله وان فكرنا فيها ، نهتم كيف تصير ذاتنا صورة الله وهيكلا لله حقاً إننا بعدنا عن الهدف الحقيقي للحياة ، واخترنا لنا أهدافاً أخرى عالمية أصبحنا نهتم بما سنتركه ،ولا نهتم بما سنلقاه العالم كله سنتركه فلماذا ننشغل به ؟!
ليتنا نراجع المحبة التي في قلوبنا تنقيها ،ونفرغها لله ،وتنمو فيها يوما بعد يوم وتهتم بالمحبة الالهية أكثر من الكل .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن مجلة الكرازة العدد الثامن والعشرون عام 1975
المزيد
17 سبتمبر 2024
كلمة شهادتهم
في عيد النيروز (رأس السنة القبطية) الكنيسة تخلد ذكرى الشهداء القديسين الذين عبروا عن محبتهم المسيحنا القدوس الذي أحبنا حتى الموت موت الصليب، وكما غلب الشيطان بالصليب هم أيضًا غلبوه بكلمة شهادتهم، وأحب أن نتكلم عن ما المقصود بكلمة شهادتهم؟
هل المقصود ما قالوه من كلمات شهدوا بها للإيمان المسيحي أمام الملوك والولاة حين وقفوا أمامهم؟ أم المقصود أن دماءهم صرخت أمام الله تشهد لمحبتهم وصدق إيمانهم القلبي كما قال الله عن دم هابيل «صوت دم أخيك صارخ إلى مِنَ الأرض» (تك ١٠:٤ ) .
أم المقصود أن دم الشهداء هو بذار الإيمان الذي ينتشر بالاستشهاد، لأن الإنسان لا يمكن أن يموت لأجل شائعة غير حقيقية بل يسفك دمه من أجل حقيقة إيمانية راسخة بحب حقيقي من كل القلب، فيكون دمهم كلمات تدخل القلوب وليس فقط العقول، فتعمل في جذب الناس إلى الإيمان الحقيقي والمحبة الكاملة.
حقيقة أن تعبير كلمة شهادتهم مرتبطة بدم الحمل كلمة الله لذلك تقول الآية : وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم» (رؤ ۱۲ : ۱۱). وهذه الغلبة ظهرت في أمور عديدة كلها تعبر عن كلمة الشهادة كما في: (رؤ ٢:١٤-٣) "وسمعت صوتا من السماء كصوت مياه كثيرة وكصوت رعد عظيم. وسمعت صوتا كصوت ضاربين بالقيثارة يضربون بقيثاراتهم، وهم يترنمون كترنيمة جديدة أمام العرش وأمام الأربعة الحيوانات والشيوخ . ولم يستطع أحد أن يتعلم الترنيمة إلا المئة والأربعة والأربعون ألفا الذين اشتروا من الأرض». لا شك أن هذه الأصوات التي تحمل كلمات شهادة من نفوس بارة ارتبطت بالحمل الحقيقي (الخروف ) الذي ذبح واشترانا بدمه. ومن كل ذلك نستنتج ما يلي من أمور روحية هامة ننتفع بها :
١- الشهداء هم شهود بدمهم المسفوك ، يصرخ شاهدًا على إيمانهم وحبهم الحقيقيين لله .
٢- الشهادة قبل الاستشهاد فيها كلمات الإيمان بالمسيح المخلص والمعبرة عن المحبة القلبية لله .
٣- والشهادة بعد سفك الدماء، في الدماء الصارخة أمام الله بقوة شاهدة بأقوى شهادة .
٤- والشهادة الدائمة في السماء هي بالتسبيح الدائم الذي يحكي عن المخلص كذبيحة حية دائمة .
٥- وتمتد هذه الشهادة لتصير شاهدة على قوة المخلص الظاهرة في الطبيعة في الرعد والمياه الكثيرة، وصوت القيثارات القوية الشاهدة بالترنم والتسبيح لحب ذاك الذي بمحبته يخلص كثيرين من محبة العالم المهلكة ومن النجاسات التي هي إرادة الجسد الخاضع لتيار الإثم.
٦- الذي جعلهم يجتازون من الموت إلى الحياة. ويوضح سفر الرؤية ترنيمة الخلاص في (رؤ ٣:١٥-٤) "عظيمة وعجيبة هي أعمالك ، أيُّها الرب الإله القادر على كل شيء! عادلة وحق هي طرقك ، يا ملك القديسين من لا يخافك يا ربُّ وَيُمَجدُ اسْمَكَ؟ لأنكَ وَحدَكَ قدوس ، لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدونَ أمامَكَ، لأن أحكامك وهي شهادة علي النصرة والغلبة علي العالم بالإيمان قد أظهرت".
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
16 سبتمبر 2024
مقدمة علمية للنظرية التربوية عند العلامة اكليمنضس الاسكندرى (المربى ) PEDAGOGUS الدراسات الآبائية :
الدراسات الآبائية عمل ممتع وشاق للغاية شاق لقلة المصادر التي بين أيدينا ، ولبعض جوانب الغموض والتضارب التي يواجهها كل من يتصدى لهذه المجالات ولكنها دراسة ممتعة وهامة وضرورية ، لأنه كلما اقتربنا من العصر الرسولى ، اقتربنا من الأصالة والحياة المسيحية النقية والخبرة الروحية التي تعتبر نموذجا يحتذى ومعيارا يقيم به وفي الدراسات الآبائية تتكامل الجوانب اللاهوتية مع الروحية والاجتماعية بطريقة ممتازة ومنهج رائع وفي الدراسات الآبائية قضايا تصدت لها الكنيسة وأعطت رأياً وقد تختلف قضايانا ومعاناتنا عما كان في الأيام الأولى ، ولكن الباحث يستطيع أن يقدم لعصرنا منهجاً أصيلا لكيفية مواجهة تحديات الحياة اليومية والدراسات الآبائية لازمة للكنيسة الشرقية بنوع خاص ، لانها كنيسة تقليدية متجذرة في الاصول التاريخية والاعماق الايمانية وعلى ذلك فإن الدراسة الآبائية تمثل قنطرة ومعبراً ممتازاً يصل الماضي بالحاضر ، ويربط القديم بالجديد الحاضر يزداد خصوبة بالعمق الآبائي والماضي يزداد حيوية وقيمة بدينامية استخدامه في الحياة العملية إن النهضة الواضحة في بعث الدراسات الآبائية في العالم تمثل علامة صحية التقدم والنمو فى الجوانب اللاهوتية والكنيسة المسكونية
وبالرغم من أن الاباء لم يتعرضوا كثيرا للنظريات التربوية لان علم التربية بشكله المعروف لدينا حديث العهد الا اننا نجد أن بعض الاباء استطاعوا أن يقدموا لنا مناهج ونظريات تربوية غاية في العمق والاهمية تذكر منهم على سبيل المثال القديس اكلمينضس الاسكندري في الشرق ، والقديس اوغسطينوس في الغرب .
القديس اكليمنضس الاسكندرى :
وإذا ما أردنا أن نعالج النظرية التربوية عند اكليمنضس فإنه لا بد من سرد موجز لحياته لما لهذا من أهمية في إيضاح نظريته تيطس فلافيوس كليمنس Titus Flavius Glemens هو أحد عمداء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية الشهيرة . كان فيلسوفاً وثنياً ونحن لا نعرف الكثير عن حياته الأولى ، ولا عن تاريخ ميلاده، وإن كان البعض يعتقد أنه سنة ١٥٠ م كذلك نحن غير متأكدين من مكان نشأته : هل هو الإسكندرية أم أثينا ، أغلب الغربيين ينادون بأنه أثينا ( وأغلب الظن أن هذا بسبب أنه كان يتكلم ويكتب اليونانية ) والبعض القليل من الشرقيين يؤكد أنه الاسكندرية .اسمه لاتيني الأصل وليس إغريقياً والشائع أنه من أسرة أرستقراطية رفيعة النسب والحسب كان الوالدان وثنيين، ومن العجيب أنه لم يترك لنا شيئاً عن تحوله وهدايته إلى المسيحية كان اكليمنضس ساعيا نحو التعرف على الحق الذي يشبع عقله وقلبه وخلقياته . لم يجد هذا الشبع في آلهة الأغريق رغم عمق دراساته للوثنية قام بجولة واسعة فى بلاد الحضارة ومهبط الأديان وشجعه على ذلك ما يمتلكه من ثروة وجاه إنه يخبرنا في عبارة مشهورة له أنه لم يوجد ما يشبعه وما يملأ نفسه فرحاً وسلاماً مثلما سمعه من المغبوط المبارك المستحق كل تقدير وإعزاز (يقصد هنا أستاذه ومعلمه بنتينوس عميد مدرسة الاسكندرية آنذاك ) انه كما يقول قد تتلمذ واستلم الحق من الذين سبقوه وهؤلاء استلموه من الرسل الأطهار بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس هؤلاء الذين نلنا بركتهم ونعمتهم وتعاليمهم المقدسة عبر التقليد الرسولى في سنة ۱٨٠ ميلادية وصل أكليمنضس إلى الاسكندرية وبدأ يعمل مع بنتينوس وحوالى سنة ۱۸۹ صار عميداً لمدرسة الاسكندرية بعد نياحة سلفه ورسم قساً إما في هذا التاريخ أو بعده بقليل يقول الباحث فيرجسون أنه من المحتمل جداً أن يكون أكليمنضس قد تزوج، وأدلته على هذا كتاباته عن الزواج في كتاب المربى ، وبالأخص قوله إن الرجل بلا أسرة يفقد الكثير ( 12 : 7 .str ) وأثناء اضطهادات سافيروس رحل أكليمنضس من الاسكندرية ، واستقر فى أورشليم . والفترة الأخيرة من حياته يسودها غموض كبير وإن كان من الأرجح إنه تنيح حوالى ٢٢٠ م .
تقديرنا لهذا العلامة :
إن دراستي للعلامة اكليمنضس أعطتني احتراماً وتقديراً كبيراً للرجل فهو أول من وضع نظرية تربوية ذات طابع مسيحى وهو أول من نادى بأن الكلمة الابن هو المربى الحقيقي وهو أول من جمع بين الثقافات الإغريقة بكل مدارسها واليهودية والمسيحية الناشئة ، دون أن ينزلق في هرطقات وبدع وبذلك قدم للعالم نموذجا رائعا للعالم المسيحي الذي يصالح بين اللاهوت والعلم ، وبين الدين والفلسفة ، وبين الايمان والبحث والدراسة وهو من الرواد الأوائل الذين تلمذوا القيادات الفكرية التي عمت المسكونة كلها ، وواجهت الهرطقات والبدع وتحديات العصر الفكرية والاجتماعية وهو احدى ثمار المدرسة اللاهوتية الاسكندرية العظيمة ، كما أنه أيضا أحد الذين أعطوا لهذه المدرسة مكانتها وهيبتها وعظمتها الفكرية في كل بلاد العالم المتحضر تحية تقدير لاكليمنضس الذى لا تزال كليات التربية في العالم كله تدرس نظريته وتستلهم منها إشراقات على الرغم من كل التقدم المعاصر
في النظريات التربوية والنفسية .( يتبع )
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد السابع والعشرون عام 1975
المزيد
15 سبتمبر 2024
الأحد الأول من شهر توت
تتضمن الحث على تقديم أوائل الثمرات والعشور والابكار والنذور للكنيسة مرتبة على قوله تعالى:
لم يقم فى مواليد النساء أعظم من يوحنا"( مت ۱۱:۱۱ )
إن شرف الفضيلة عظيم جداً وأن شأنها جليل للغاية، وذلك لأنها ترفع محبها إلى السماء وتسبهه بالملائكة وتمجده في المحافل وتنقله إلى أماكن النعيم وتؤهله لمدائح سيديه هذا عظم مقدارها حتى يستحق قوله : " لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان" وإذا كان هذا الذى تربى فى القفار وتأنس بالوحوش المخيفة ولم يسمع نبياً ولا مبشراً ولا سمع بزاهد ولا متقشف قد أظهر طريق الابرار وأصلح مسالك الفائزين. فالذين يسمعون العظات ويتنبهون بالتعاليم ويقتدون بالشريعة الفاضلة وهم مع ذلك متغافلون كيف لا يعاقبون ويهانون؟ وليس أنهم يطالبون بأزيد من الواجبات عليهم بل أنهم يماطلون في ذات الحقوق ويعرضون عن الفرائض اللازمة ويتمسكون بالزائلات ويستوثقون من محبة اللذات الفانية. حتى أدسى بهم ذلك إلى إهمال الحقوق الواجبة والسنن اللازمة. وإذا كان الذين يجب عيهم دفع الخراج لملوك الأرض وسلاطينها إذا أهملوا القيام بذلك يضربون ويسجنون فكيف لا نعاقب نحن ونهان إذا أهملنا القيام بما يجب علينا من حقوق ربنا. فإن قلت وما هى الحقوق اللازمة لنا المفروضة علينا ؟ أجبتك أنها العشور والنذور وأوائل الثمرات وأول فوائد المتاجر والزراعات وغير ذلك. كقوله تعالى في التوراة عشروا عشوراً من كل غلاتكم وزراعاتكم مما تغل أرضكم فـــــي كـــل سنة الله ربكم وكل بكر يولد من الناس والبهائم فإنهم لى يقول الرب. ويقول أيضا لى على لسان ملاخى النبى مبكتا بنى اسرائيل هكذا: "واما انتم يا بنى يعقوب فلم تتوبوا عن إثمكم ومنذ أبائكم إلى الأن أنتم تميلون عن وصاياى ولم تطيعوا أقوالى ولم تعملوا بها كما يجب. اقتربوا من أقترب أنا منكم. فإن قلتم بماذا نقترب إليك؟ قلت وهل تظلم الآلهة الغريبة كما تظلموني يقول الرب. وان قلتم بماذا ظلمناك؟ قلت في العشور والأبكار لأنكم تلعنون بأفواهكم وایای تظلمون ياجميع الشعوب هاتوا العشور إلى أهرائي لتصير مطعما في خزانتي وجربونى فى هذا يقول الرب القادر لأفتح لكم طاقات السماء وأصب عليكم الأرزاق صبا حتى تقولوا حسبنا حسبنا وانهى الأرضة ألا تفسد ثمار ارضكم ولا تخرب شيئا من كرومكم ويمدحكم جميع الشعوب ويقول الإنجيل المجيد الشامخ اليهود هكذا: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك معناه انكم تتظاهرون باخراج العشور والقيام بالحقوق الواجبة فتعشرون الأشياء الحقيرة التي لا ثمن لها كثيرا كالنعنع والشبت والكمون لتتظاهروا للناس بذلك وتهملون عشور الأشياء الجليلة. ومع هذا الخصال الذميمة فانكم معرضون عن الحق والرحمة والإيمان. كان يجب عليكم أن تفعلوا الأمرين جميعا. قال الرب لهرون: "كل دسم الزيت وكل دسم المسطار والحنطة أبكارهن التي يعطونها للرب لك أعطيتها أبكار كل ما في أرضهم التي قدمونها للرب لك تكون كل محرم في اسرائيل يكون لك كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك غير أنك تقبل فداء بكر الإنسان وبكر البهيمة النجسة ويقول إيضا في القوانين من كانت له أبكار ثمرات الأرض فليمض بها إلى الكنيسة. وأوائل البيادر وأوائل الزيت وأوائل اللبن والعسل والصوف وأوائل عمل كل إنسان . ومعنى هذا أن من يكون له بساتين أو كروم أو زراعات فأول ما يجئ من ثمارها في كل سنة يقدم منه تقدمة الله ليصلى عليها الكهنة فتكثر حينئذ خيراته وتتضاعف البركات عنده. ويأكل منها الذين يخدمون بيت الله ويفرق منها على المساكين وكذلك من له أبقار وأغنام وخلايا عسل وغير ذلك. فإنه يجب عليه في كل سنة أن يقدم الله من أول أولادها. وكذلك أول حليب البهائم وأول جزاز أصوافها. ثم ما يولد أولا من بني البشر فان الابكار الله ويجب على والديه أن يحملوا ثمنه للكنيسة بحسب ما يتراضون عليه مع الكهنة. كما وبكر كل بهيمة أيضا. أما الابقار والاغنام والمعزى فتحمل الابكار منها إلى بيت الله. وأما الحمير فيعوض عنها بخراف، فإذا كانت هذه الأمور كلها مفروضة على الاسرائيليين مع كثرة ميلانهم وعتوهم وغلاظة رقابهم. وكانوا يبكتون على أهمالهم إياها. فكيف لا يجب علينا نحن أن نتيقظ من نومنا ونتنبه من سنتنا ونقوم بأداء الحقوق الواجبة علينا. وكيف لا يقلقنا دائما قول ربنا : دائما ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت الله وإذا كان الشرط في دخول الملكوت الزيادة على عمل أولئك. فماذا يقال إذا للناقصين عنهم؟ ينبغى لنا أيضا أن نعلم أن الله ما فعل هذا مع الناس الا ليجرب الطائعين له من العاصين عليه. كما يفعل الآب الشفوق مع بنيه حين يعطيهم المال والثمرات وغير ذلك. ثم يسألهم أن يعطوه شيئا منها إمتحانا لهم. فالذى يبادر إليه مسرعا ويعطيه ما بيده فرحا مبتهجا فإنه يقبله إليه ويسر به ويعوضه عن ذلك أضعافا كثيرة. وإلا فهو القائل له على لسان أشعياء النبر : " السموات كرسى الأرض موطئ قدمى. أين البيت الذي تبنون لي " إن جعت فلا أقول لك لأن لي المسكونة وملأها. هــل أكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس ... ولا أسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" وإنما سمح تعالى أن يكون في الدنيا أناس أغنياء وأناس فقراء ، وأمر أولئك أن يساعدوا هؤلاء قصدا منه في أصلاح الفريقين لأن الأغنياء الذين يقومون بحاجات الفقراء ويسعفون المساكين بفرح ونشاط طاعة لربهم فأنه يقبلهم في الملكوت كما قال تعالى ويسمعهم الصوت المملوء فرحا القائل: تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لانى جعت فأطعمتموني. وعطشت فسقيتموني وامثال هذه اما الفقراء الصابرون على مصاعب المسكنة. الشاكرون الله من كل قلوبهم فإنه يجزيهم سعادة الأبد. ويعوضهم عن الأموال الزائلة بما لا يزول. ويأخذون لأنفسهم الطوبى المعدة للحزاني والجياع والعطاش والباكين وغير ذلك. أرايتم مثل هذا الصنيع ؟ أشاهدتم مثل هذه المكرمة ؟ أسمعتم بمثل هذا الاحسان العظيم أعلمتم كيف يطلب السيد رحمة من العبيد ليجازيهم عن الزائل بما لا يزول ؟ وكيف يقول : " هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود أن كنت لا افتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع فمن يستطيع أن يصف قدر هذه المواهب، وأي لسان يستوعب شكر هذه المنن وأى عقل بفهم شرف هذه المواهب والمراحم السامية ؟ أفما كان الذي يعطيك عوضا عن الواحد مئة ضعف قادرا أن لا يجعل أخاك محتاجا إليك، لكنه لكثرة تحننه ومحبته لجنسنا يود أن تكون أنت سامعا ومطيعا ومحسنا ومتراءفا . وأن يكون الآخر المقل محتملا وصابرا وشاكرا. ويؤثر أن لا يدع قسما من أقسام الفضائل إلا ويحثنا على اقتناصه ليحسن مجازاتنا ويكثر خيراتنا ويوصلنا إلى النعيم الذى لا يزول. فإذا كنا لا نقوم بالحقوق الواجبة علينا ولا نطيع أقوال ربنا فيسلط علينا الذين يأخذون أموالنا مجانا. كما يقول الكتاب: الاموال التي لا تأكلها الاطهار يختطفها أهل بابل . ومعناه أنه إذا كنتم تنظرون في الحقوق الواجبة عليكم الله وتستكثرونها وتتغافلون عن القيام بأدائها. فإنه يسلط عليكم الذين يظلمونكم ويغشمونكم ويأخذون أموالكم ويفسدون زراعاتكم ويصيرونكم أذلاء مهانين فسبيلنا ان نسارع إلى سماع أقوال ربنا ونقوم بالحقوق الواجبة علينا ونتحنن على المساكين ونتعطف على اخواتنا البائسين لتقبل المجازاة في الملكوت الذي لا يزول . بنعمة وتعطف إلهنا يسوع المسيح الذى له المجد دائما آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
14 سبتمبر 2024
ما الذي يميز الشهداء ؟
"ولهذا عَينِهِ - وأنتُمْ باذِلُونَ كُلَّ اجتهادٍ - قَدِّموا في إيمَانِكُمْ فضيلَةً، وفي الفَضيلَةِ مَعرِفَةً، وفي المَعرِفَةِ تَعَفْفًا، وفي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وفي الصَّبرِ تقوى، وفي التَّقْوَى مَوَدَّةً أخويةً، وفي المَوَدَّةِ الأخَويَّةِ مَحَبَّةً. لأنَّ هَذِهِ إذا كانت فيكم وكثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لا مُتَكاسلين ولا غير مثمرين لمَعرِفَةِ رَبِّنا يسوع المسيح ." (بطرس الثانية 1: ٥-٨) الكنيسة قدمت ولا زالت تقدم شهداء، منهم أطفال مثل أبانوب ، وشباب مثل مارجرجس، ومنهم من كانوا متزوجين ومازالوا في بدايات حياتهم الزوجية مثل القديس تيموثاوس والقديسة مورا؛ ومنهم أيضا أمهات مثل القديسة رفقة والقديسة دولاجي. ونحن نسمي الكنيسة بأنها «أم الشهداء جميلة»، أي أن الشهداء هم جمال كنيستنا أحيانًا نظن أن الشهداء عجينة أخرى ..!! ترى ما الذي جعل الشهداء على هذه الدرجة في تقديم حياتهم ؟! .. ما هي أهم الأشياء التي تميز الشهداء ؟
إيمانهم :
فالشهداء لديهم إيمان قوي ، وهذا الإيمان ليس ببعيد عن أي أحد فينا ، بطرس يقدم لنا فكرة عن هذا الإيمان في الآيات التي ذكرناها ....
١- في الفضيلة معرفة
من أين نعرف ؟ من الكتاب المقدس . يقول القديس يوحنا ذهبي الفم : [ علة جميع الشرور عدم معرفة الكتب
المقدسة] . معرفتنا تكون من الكتاب المقدس .
٢- في المعرفة تعففا:
يوجد أشياء نعرفها فتلوّث عقلنا وقلبنا ، مثل من يقرأ في قراءات السحر والجريمة، لذا يجب أن يكون لدى الإنسان تعففا في المعرفة .
٣- في التعفف صبرا:
الحياة مع المسيح تحتاج لطول أناة، الحياة مع المسيح تحتاج للصبر، ويقول الكتاب المقدس: «بصبركم اقتنوا أنفسكم» (لوقا (۱۹ : ۲۱) ، لهذا من يذهب للسماء هو من اكتسب فضيلة الصبر على الأرض.
٤- في الصبر تقوى:
التقوى أي مخافة الله في القلب. فهل قلبك يوجد فيه مخافة الله ؟ الله ساكن في قلبك ، في بيتك ، في لسانك المخافة تحفظك من أشياء كثيرة.
٥- في التقوى مودة أخوية :
من أجمل ملامح الإنسان المسيحي أن لديه مودة. المودة هي إحساسك بالآخر .
٦- في المودة الأخوية محبة:
الشهداء الذين نحتفل بهم ونتذكر محبتهم، لم نسمع أن أحدًا منهم استشهد وهو متضايق أو عابس الوجه وكأننا بكل هذا نبني هرما ثابتا، قاعدته الاجتهاد، وقمته فضيلة المحبة. قلبك يجب أن يكون مملوءًا بالمحبة، وبولس الرسول يقول «المحبة لا تسقط أبدا» كورنثوس الأولى (۱۳ : ۸) ...لذا ابن حياتك على المحبة .
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
13 سبتمبر 2024
مسيح كل أحد
تقرأ علينا يا أحبائي الكنيسة في هذا الصباح المبارك فصل من بشارة معلمنا يوحنا الإصحاح العاشر عن الراعي الصالح، الكتاب المقدس يا أحبائي هو الذي يعطينا صورة أمينة صادقة عن شخص ربنا يسوع المسيح كراعي صالح هنا يحدثنا عن الراعي الذي يهتم بخرافه،والذي بمجرد أن تسمع خرافه صوته تتبعه، الراعي الذي يبذل نفسه عن الخراف أريد أن آخذ منظور صغير نقف عنده في رعاية ربنا يسوع المسيح، كان يرعى كل إنسان،وكان يرعى كل الإنسان لا يوجد فئة يا أحبائي إلا وافتقدها ربنا يسوع المسيح،وأحبها،وعلمها،وأطال أناته عليها جداً لا يوجد فئة إلا وخاطبها ربنا يسوع بما يناسبها على سبيل المثال نجده الآن يتحدث عن الراعي الصالح هذا يناسب الأشخاص الذين كانوا يرعون الغنم، ويظل يحدثهم عن تفاصيل كأنه صديق معهم في المهنة فعندما يحدثهم بأسلوبهم عن الراعي،والخروف، والذي يضيع،والحظيرة،والبحث،والراعي الذي خرافه تعرف صوته وتتبعه هذا الكلام كله من الذي يفهمه جداً؟ الرجل الراعي فالرجل الراعي عندما يسمع هذا الكلام يكون متأثر جداً،ويشعر أنه قريب منه لأنه يفهمه لأنه يعرفه،ولأنه داخل منه داخل اهتماماته فيقول له حقا كلامك كله صحيح أنا الراعي الصالح هو راعي صالح فيخاطب الإنسان بحسب ظروفه بحسب احتياجه سنرى الآن يا أحبائي أن ما من فئة إلا وخاطبها ربنا يسوع المسيح بما يناسبها راعي صالح لا يمكن فئة تسقط منه أبدا فهو خاطب جماعة رعاة الغنم وحدثهم عن مثل الخروف الضال يتحدث عن مدى رعاية واهتمام الراعي بكل غنم لديه ثم يأتي لفئة أخرى مثل المزارعين تجده يتحدث عن حبة الخردل وتجده يتحدث عن مثل خرج الزارع ليزرع يتحدث عن شجرة التين الأشخاص المزارعين الذين يعملوا في هذا المجال يتفاعلون مع هذا الكلام جداً ويشعرون أنه رفيق لهم وقريب منهم ربنا يسوع من أهداف تجسده أنه يأتي ويصير كواحد منا،ويقترب منا جداً،ومن اهتماماتنا التي تبدو تافهة وبسيطة بالنسبة له ما معني رجل راعي غنم فهو لا شيء، أو رجل مزارع لا شيء، فمن الممكن أننا ننظر لهذه الفئات نظرة دونية، لكن شاهد كم هو يقترب منهم، يحدثهم بأسلوبهم، ويدخل داخل اهتماماتهم ويحول هذه الاهتمامات إلى اهتمامات روحية بحيث أنه يجعله من خلال حياته العملية يتذكر أموره الروحية، وهذا إبداع، إبداع الإنسان الروحي، إبداع الإنسان الروحي أنه لا يكون هناك فاصل بين ما يفعله وبين الأمور الروحية، بين عمله وبين صلاته، بين حياته في المجتمع وبين رؤيته لله، بين عمله وتقواه، أبدا لكن على العكس قد يشعر أن الإثنين وجهين لعملة واحدة لذلك الآباء القديسين يعلمونا ويقولون لك صلي وأنت تعمل، وأعمل وأنت تصلي، اليدين تعملان والعقل والقلب يصليان، أنت عملك أنك رجل مزارع، حسنا أزرع، ازرع كيفما تريد، لكن وأنت تزرع تذكر أن هذه البذرة هي كلمة الله، وارجع إلى قلبك، فأنت من أي نوع من أنواع التربة، وكلما تزرع ترجوا أن تنتظر ثمر أعتبر أن الله بذر فيك كلمته وينتظر أن تصنع ثمر، ويقول لك أنت كرجل مزارع ما مشاعرك عندما تضع بذرة ولا تجد ثمر، يجعلك من خلال حياتك العملية تتذكر أمورك الروحية ما من فئة يا أحبائي إلا وتكلم معها بما يناسبها، شاهدنا الراعي، المزارع، وفئات أخرى كثيرة كالصيادين يتحدث مع الصياد ويقول له يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في بحر، وهذه الشبكة تجمع كل شيء، ثم يقول له ماذا تفعل عندما تدخل الأسماك التي جمعتها من الشبكة، يقوم بفرزها، وعندما يفرزها الأسماك التي لا تعجبك ماذا تفعل بها؟! يقول لك ألقيها مرة أخري في البحر، قال له الملكوت هكذا شبكة مطروحة في البحر، البحر هو العالم والشبكة هي كلمة الله التي تصطاد الكثيرين، ويمكن أن تأتي لها أشخاص صادقين ويمكن أن تأتي لها أشخاص غير صادقين، يأتوا الملائكة يقوموا بالفرز في الدينونة الأمناء والأشرار يطرح الجياد عن يمينه أما الأردياء فيطرحهم في البحر، قال لك هذا هو عمل الله في العالم وعمل ملائكته، عندما يتحدث مع رجل صياد بمثل هذا فهو بذلك يقترب منه جدا، من اهتمامه، من عقله، من قلبه، راعي صالح لا يترك فئة إلا ويخاطبها، يخاطبها باهتمامها، ويشعره بأن الأمر عميق جداً ولكن في بساطة شديدة.
والآن دعنا نري فئة أخرى على سبيل المثال نجد سيدة بسيطة لا تعرف في الصيد أو الزراعة، فهذه سيدة تجلس في المنزل، لا تخرج من المنزل، لا يوجد بيت إلا ويقوم بالخبيز لأنه لم يكن يوجد أفران، فيحدثها ويقول لها "يشبه ملكوت السماوات خمير صغير تخبأ في ثلاثة أكيال دقيق لتخمر العجين كله"، تكلم عن اهتمامها وعملها في المنزل، كلما تخمر السيدة في المنزل تتذكر أن هذا هو الملكوت، الملكوت القليل الحي الفعال الذي ينتشر في صمت وهدوء وفي سرعة، هذا هو الملكوت، كيف يسود ملكوت الله على قلب الإنسان؟ خمير صغير توفر له فقط جو مهيأ، لأنه لكي يخمر أي شيء لابد أن تكون الحرارة قليلة، تكون دافئة قليلا، وتغطى لكي تعمل في صمت، تجد الحجم إزداد والرائحة ظهرت، الطعم ظهر، ما هذا كله؟! إنها الخميرة، هذا هو الملكوت، فالملكوت يظهر رائحته في الإنسان جداً، يظهر في ملامحه، يظهر في عقله، يظهر في اهتماماته في صمت شديد في خفاء شديد هذا هو الملكوت، فبذلك نجد السيدة التي تخبز قد علمها وكلمها، فهو راعي صالح يهتم بكل إنسان وبكل الإنسان، لا يوجد فئة إلا ونالت نصيبها من تعاليم ربنا يسوع المسيح ولكن ماذا عن الأغنياء؟! الطبقة التي يقال عليها الأرستقراطية، حدثهم عن مثل الغني ولعازر، وظل يروي لهم ويقول لهم الناس التي استوفت خيراتها على الأرض، ولكن هذه طبقة موجودة كثيراً، وفي نفس الوقت يخاطب الفقير جداً ويعزيه، يقول له انتبه لا تحكم بما يحدث الآن فهذه مرحلة، لكن أحكم بعد ذلك، بعد ذلك ما هي النهاية؟ سوف تنقلب الصورة تماماً، والذي كان يتنعم هذا سوف يتعذب، والذي كان يتعذب هذا سوف يتعزى، والرجل الذي كان يظل يحتقر هذا الفقير سوف يقول له أرجوك أنا أريدك فقط أن تأتي بنقطة صغيرة من الماء، سوف يتوسل إليك ما هذا؟! عزاء للفقير وفي نفس الوقت توبيخ وإنذار للغني، ما من فئة إلا وحدثها وأيضا الناس التي تعمل في الأعمال الخاصة والتجارات الثمينة قال لهم يشبه ملكوت السموات تاجر لآلئ حسنة، حتى هذه الفئة، تخيل إذا كان هناك مجموعة من الفئات ولدينا من بينهم أشخاص تجار بالذهب، لابد أن نتحدث مع تجار الذهب يقول لك كلم أيضا تجار الذهب، تاجر لآلئ حسنة بمجرد أن يسمع كلمة تاجر لآلئ حسنة ماذا يفعل؟ ينتبه جداً، ويقول إنه يتحدث علي، هذا موضوع يتعلق بي، كيف يفهمني هذا الرجل هكذا؟ يقول لك عندما يجد جوهرة غالية كثيرة الثمن ماذا يفعل؟ من شدة فرحه يمضي ويبيع كل ماله ويأخذها، ما هذا؟ تاجر لآلئ حسنة، يريد أن يقول له هذا هو الملكوت يا سيدي، وجدته أم لا؟!، تظل تبحث عن اللآلئ التي تشتريها فهي كثرت جداً لديك، أنا أعرض عليك أن تستبدل هذه اللآلئ كلها فهي لآلئ مزيفة، فأنا أعرض عليك أن تستبدل هذه اللآلئ كلها باللؤلؤة الوحيدة الغالية الكثيرة الثمن هي ربح الملكوت، هل هذه المبادلة تتوافق معك أم لا؟، إذا وجدت أنها غالية سوف تمضي من شدة فرحك، إذا وجدت أن العملية ليست رابحة فإنك حينئذ لا تقدم على هذه البيعة، كل فئة يخاطبها بأسلوبها، مع تلاميذه يكلمهم بأسلوب، مع العامة يكلمهم بأسلوب، لدرجة أنه من كثرة ما إعتاد التلاميذ أنه يتكلم معهم بمفردهم وأحيانا مع الناس فتشتتوا في مثل الوليمة والفريسي قالوا له ألنا قلت هذا المثل أم قلته للجميع؟، نحن نريد أن نعرف أنت تقول هذا الكلام لنا أم أنك تقوله للكل؟
جميل جداً أن الراعي الصالح يكون افتقدني، يكون كلمني، ويكون كلامه أثر في، ويكون كلمته هذه شعرت أنها كلمتي أنا، خاصة بي أنا، لأنه كتبها لي أنا، أرسلها لي أنا، راعي صالح يهتم بكل نفس جداً، لا يوجد نفس لا تعنيه أبدا، حتى المقاومين، حتى المعاندين، المضلين، المطرودين، المجروحين، لا يوجد فئة أبدا يزدري بها، تجد أكثر ناس تقاومه الكتبة والفريسين، شاهد كم هو علمهم، كم هو أنذرهم، كم هو فتح قلبه لهم، كم فتح صفحات جديدة، يكلم الكتبة والفريسيين يقول لهم احكي لكم قصة، لكي تحاول تفهم واحد يكون يقاومك بشدة ممكن تحكي له حكاية، فيحكي له حكاية يقول له كان شخص لديه كرم فتركه ووكل أشخاص عليه، ثم غاب، فأرسل واحد من الكرامين لكي يأخذ الأجرة منهم فعندما شاهدوه ضربوه وطردوه، فأرسل واحد آخر فجرحوه وطردوه، انتبه هنا الدرجة تزيد مرة ضربوه مرة ثانية جرحوه، أرسل واحد ثالث قال لك أهانوه وضربوه وجرحوه وطردوه تظل تزيد الدرجة، ثم قال لك لا توجد فائدة أرسل ابني لعلهم يهابوه، فبمجرد أن وجدوا ابنه قالوا هذا الحل الوحيد، هذا نقتله نهائيا لأنه الوارث فقتلوه وألقوه، قولوا لي صاحب هذا الكرم ماذا يفعل؟ بالطبع الكتبة والفريسيين يفهموا ماذا يقصد؟، فهو يحكي لهم قصتهم لكن بذوق بلطف شديد، وكأنه يريد أن يقول لهم ألستم أنتم أيضا هكذا؟!، فقولوا لي ماذا أفعل أنا معكم؟ لأنهم يعلمون أنهم يخططوا لكي يتآمروا عليه ويقتلوه، يقول لهم قولوا لي ماذا افعل؟! يريد أن يقول لهم بالطبع الله أرسل نبي، واثنين، وثلاثة، وكما قال لهم القديس اسطفانوس "أخبروني أي من الأنبياء لم تضطهدوا" قولوا لي على أحد الأنبياء قمتم بتكريمه، لا يوجد نبي تكرم، كل نبي كان الشعب يتمرد عليه، نبي مثل دانيال يوضع في جب، نبي مثل أشعياء يقتلوه وينشروا عظامه، لا يوجد نبي رحبوا به، قال لهم إذن هؤلاء هم الذين أرسلهم لكي يتابعوا كرمي، وفي النهاية أرسل ابنه لعلهم يهابوه فقتلوه، ماذا يفعل؟! لم يقدروا أن يجيبوه، فهو سؤال صعب جداً، قال لهم أنا أقول لكم، ماذا يفعل؟ يأتي هو ويأخذ هذا الكرم ويعطيه لآخرين، هذه هي كنيسة العهد الجديد الذي جاء ربنا يسوع في العهد الجديد أزال رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين، والمقيمين على الخدمة، والمقيمين على الكرم، والمقيمين على الناس والرعية، أزالهم وأقام رعاة جدد، أقام رسله، وأقام كهنوته، وأصبحوا هؤلاء هم الخدام الجدد، أين القدماء؟، وأين كرامتهم؟، انظر ما فعلوه، هم الذين حكموا على أنفسهم لا توجد فئة إلا ويخاطبها بما يناسبها، وبما تفهمه، جميل جداً أن الراعي الصالح الذي يقترب لكل نفس، الذي يكلم كل إنسان بحسب ظروفه، بحسب ثقافته، وبحسب اهتماماته، يشعر أن الله يخاطبه هو، وهو تحديداً، إذا كان راعي غنم، إذا كان رجل مزارع، إذا كان رجل صياد، إذا كانت سيدة منزل، إذا كان رجل غني، إذا كان رجل تاجر لآلئ حسنة، إذا كان من الكتبة والفريسيين، ويحكي أيضا مع تلاميذه أنفسهم ويحكي لهم بأمثلة وقصص، مع الخطاة شاهد القصص والحكايات التي قيلت للخطاة، على سبيل المثال عندما يبرز موقف مثل المرأة الخاطئة، عندما يحكي مثل كالابن الضال، يريد أن يقول للخاطئ مكانك موجود ومحفوظ لا تخف، لا تبتعد، اقترب فأنت مقبول، أنا أضمن لك ذلك، أنا الذي أقول لك أنت مقبول، ما هذا؟ لم يترك فئة، يجعل البعيد يقترب، القريب يثبت، الثابت ينمو إلى أن نصل إلى ملء قامة المسيح، وهذا هو دور الكنيسة في الرعاية، ما هو الذي تفعله الكنيسة؟ تخاطب كل الفئات، ما من فئه إلا وواجب على الكنيسه أن تخاطبها وتخاطبها بأسلوبها، تجد الناس الكبار في السن لابد أن يكون لهم خدمة، المرضى لابد أن يكون لهم خدمة، الأشخاص البعيدين والعمال والمشغولين يكون لهم خدمة ونذهب إليهم في أماكنهم، الأطفال يكون لهم خدمة، الشمامسة يكون لهم خدمة، كل الفئات، فمن من تعلمنا هذا الأسلوب؟! من الراعي الصالح، الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف، الراعي الصالح الذي اقترب من الإنسان جداً لكي ما يقدس كل الإنسان وكل إنسان، لذلك قال لك ماذا يحدث إذا كان هذا الراعي غريب عن خرافه؟ قال لك الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغريب، قال لك في كل مرة كان يكلمهم كان هناك أشخاص تتحير، تجد من يقول لك أنا استمعت لكلامه وأعجبت بهذا الكلام لكن لا أستطيع استيعاب قصده، وماذا يقول لي؟ أقول لك القصد واضح لكن أنا لا أستطيع أن أتخيل أنه يقترب مني جداً هكذا، أنا خائف لئلا يكون له قصد آخر لذلك يقول لك "أما هم فلم يعرفوا بأي شيء كان يكلمهم"، هل لا تعرفوا؟ يقول لك أنا الراعي الصالح يقول لك أنا الذي أبحث عنك، يقول لك تعال وأدخل داخل الحظيرة، تعال أنا أفتقدك، خلاصك أنا، راحتك أنا، سلامك أنا، البعد عني خسارة، البعد عني تيهان، البعد عني جوع، إذن تعالى والباب مفتوح، يعود ثانية ويقول لهم بما أنكم لم تنتبهوا أنا أوضح لكم مرة أخرى، فماذا تقول لهم لتوضح؟!، قال لهم أنا هو باب الخراف، بدأ يتكلم صراحة، في البداية كان يتكلم بمثل، لكنه الآن يقول لهم "أنا هو باب الخراف جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم، أنا هو باب الخراف إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى"، يريد أن يقول له هل فهمت أم لا تفهم؟ الآن انتبهت؟!، يقول له تعالى وادخل من خلالي إلي، أنا باب الخراف أدخل من خلالي إلي، اتبع كلامي فتمتلكني، أدخل من خلال وصاياي فتشعر بالراحة والسلام، يدخل ويخرج ويجد مرعى، يجد خصوبة، صراع الرعاة حتى الآن على أين يرعون غنمهم؟ لأنه لا يوجد واحد يترك حقله لغنم غيره، فكل واحد صنع حقل لغنمه هو، فكان الصراع على الأماكن الخضراء، فكان من الممكن أن يذهبوا إلى بلاد غريبة لكي يجدوا فيها مراعي خضراء، هنا يقول لهم الذي يأتي إلي يجد هذا المرعى، وكان الراعي الأمين من شدة أمانته لأن الحقل متسع جداً فكانوا يفعلون مثل جدران بسيطة أو حدود خشبية ويصنعون في النهاية باب للحظيرة، فالراعي من شدة أمانته لكي لا يسمح لأي ذئب أن يأتي كان يجلس على الباب، يظل جالس على الباب، حتى عندما يريد أن ينام أو يستريح كان يسند جسمه على الباب لكي إذا جاء ذئب يمر من فوقه، فيستيقظ ويطرده أو يضحي بحياته هو أولا، هذا هو الراعي، هنا يقول لهم أنا هو الباب، أنا الذي أجلس على الباب لن تدخل إلا من خلالي، أنا الذي أجلس أسهر لرعايتك وفي نفس الوقت تدخل من خلالي، أنا هو الباب، من المؤكد أنه عندما يقول لهم أنا هو الباب تجد الرعاة يقولون له نعرف ذلك، قد لا نعرف نحن هذا الكلام، لكن يقولها لهم فيعرفوها، يخاطب كل إنسان بفئته، بثقافته، بذهنه لماذا؟ يقول لك لأنك أنت تهمني جداً جداً، أنت من الممكن أن تظن أن تعاليمي هذه عشوائية لا أبدا، فهي لكل إنسان، هي لك أنت تحديداً، لذلك الذي يريد أن يسمع صوت الله في الإنجيل سوف يسمعه، والذي يريد رسالة خاصة له تحديداً سيجدها، والذي يريد كلمة تناسب حالته سيجدها، والذي يريد كلمة تناسب ظروفه يجدها، والذي يريد كلمة تدخل داخل قلبه سيجدها، كل إنسان سيجد كلمة الله داخله لذلك هذا الراعي الصالح يكلمنا، يخاطبنا، يلح علينا، يكرر الكلام، كل هذا لكي في النهاية نقول له نتبعك يارب بكل قلوبنا، لأنه هنا قال لك خرافي تسمع صوتي فتتبعني.ربنا يعطينا أن نتبعه، وأن نميز صوته، وأن نكون خراف أمناء له، وأن نكون مستفيدين بكل تعاليمه، تدخل إلى قلوبنا فنفعل بها.ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
12 سبتمبر 2024
الشهادة والاستشهاد
معني الاستشهاد لغويا:
يقال في اللغة العربية استشهد بمعني قتل في سبيل الله هذا هو المعني الاصطلاحي، لكن المعني الاشتقاقي لكلمة الاستشهاد مشتق من الشهادة، فاستشهد بمعني سئل للشهادة، أو طلب للشهادة، والشهادة هنا الشهادة للإيمان الذي يدين به الإنسان ويزود عنه، هناك بعض الناس يقرؤها استشهد، لكنها استشهد. استشهد فلان أي طلب للشهادة، فشهد للإيمان الذي يؤمن به وشهداؤنا سئلوا عن إيمانهم فجهروا به، وأعلنوه في قوة وفي جرأة، وكانت شهادتهم كرازة للحكام، ولمن سمعوا شهادتهم، وكثيرًا ما ربحت هذه الشهادة لملكوت السموات جموعا آمنوا بالمسيح، كان يترتب علي هذه الشهادة أن هناك أناسًا غير مؤمنين عندما يسمعون هذه الشهادة يؤمنوا بالمسيح، وأيضا يطلبون أن يموتوا شهداء, هذا هو إذن معني الاستشهاد، أن يشهد المسيحي للحق الذي يؤمن به. ويدعو الآخرين إلي أن يؤمنون، شهادة حق في إخلاص للحق وحب للحق، شهادة صدق من قلب طاهر مستند إلي الحق ذاته، وهو شهادة لشرف الحق الذي يعتنقه في فخر واعتزاز, فقد كانوا الشهداء فخورين بدينهم وبتبعيتهم للمسيح, ولم يكن الصليب عندهم عارًا وإنما لهم عزة وفخار، رسموه علي وجوههم وعلي أيديهم وهذا هو أساس دق الصليب علي اليد، وهي معروفة عندنا نحن الأقباط الدق بالإبرة وبنوع من الخضرة ليبقي في اليد ولا يمحَى، لكن أساسه كان في عصور الاستشهاد، من حب المسيحيين للاستشهاد، الآباء والأمهات كانوا يخافوا علي أطفالهم الصغار غير القادرين علي أن يتكلموا، فلو فرضنا أن الأب والأم قتلا من أجل المسيح, وتركا ابنهما الطفل، فخوفا عليه وعلي مستقبله فيدقوا علي يد الطفل منذ أن يكون رضيعًا علامة الصليب، حتى أن الطفل وإن كان لا يعرف الكلام فلو أوتي به أمام الحاكم فهذه العلامة التي علي يده تنطق أنه مسيحي. ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا والطفل بقي في الحياة، فعندما يكبر يعرف أن أصله مسيحي من علامة الصليب التي علي يده، وذلك من اعتزازهم وخوفهم علي ابنهم أو ابنتهم من أنها تحسب غير مسيحية، يكونوا فرحانين ومبسوطين أن أطفالهم يقتلوا من أجل المسيح، لكي يضمنوا مستقبلهم الأبدي، ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا فيكون الطفل فيما بعد لو ترك حيا يعلم أنه مسيحي من علامة الصليب، وهي الأثر الباقي الذي يذكره أنه مسيحي، وأنه تعمد بالمسيح وأصبح في حساب المسيحيين والاستشهاد أيضا معناه وفاء بالمعروف، لأن إنكار المسيح خيانة، والاعتراف به وفاء بحبه وتقدير لحبه وتكريم لدينه، نذكر كلمات المسيح له المجد من اعترف بي أمام الناس أعترف به أنا أيضا أمام ملائكة السماء، ومن أنكرني أمام الناس أنكره أمام ملائكة الله فالاستشهاد فيه اعتراف لتبعية الإنسان للمسيح ولا ينكره في ساعة الاضطهاد, وساعة الآلام، لا يتنكر لمعرفته للمسيح ولتبعيته له إنما يعترف به، أوقات الاستشهاد أوقات مرة وفيها يمتحن الإيمان، وفيها يكون فرصة للتعذيب.
لماذا الاستشهاد؟
الشجرة في أوقات معينة وخصوصًا أوقات الخريف، تهتز هزة عنيفة، هذه الهزة العنيفة للشجرة تجعل الأوراق تسقط، لكن أية أوراق؟ الأوراق الصفراء الضعيفة، في الخريف تجد الأرض كلها مملوءة بالورق، ولكن الورق الذي سقط لصالح الشجرة, لأنه أنقذ الشجرة من هذا الورق الأصفر الضعيف، لأنه لولا سقوط هذا الورق الأصفر الضعيف لما كانت هناك فرصة للبراعم الجديدة الخضراء أن تظهر، في البلاد الباردة مثل إنجلترا وألمانيا أو روسيا وما إليها من البلاد، نري في الشتاء أن الشجرة كلها عبارة عن حطب أسود، كل الورق وقع لدرجة الواحد يقول الشجرة ماتت. والنجيل من كثرة ما يسقط عليه الثلج يتفحم ويتحول إلي لون فحم أسود، والواحد يقول خلاص الطبيعة ماتت وهذا الكلام لا نحسه نحن في الشرق لأنه لا يكون عندنا برد بهذه الشدة لدرجة يموت الورق والشجر، لكن في البلاد الباردة التي صل لدرجة البرودة أحيانا إلي 50,35,30 تحت الصفر فيحدث أن الورق يقع كله، وتنظر الأشجار عبارة عن حطب أسود، وفي الربيع في أواخر مارس تبدأ براعم خضراء ونوع من اللون الأخضر الخفيف يسموه Line Green تنبت البراعم الخضراء الجميلة والواحد يكون مبسوط جدا أنه يري البراعم الجديدة الخضراء وحينئذ يحس الإنسان بالأمل، ويفهم معني الأمل، ويفهم معني الموت ومعني الحياة بعد الموت لأن الحياة بعد الموت ممكنة، نري الشجر مات ومع ذلك تدب فيه الحياة من جديد، وبدلا من الأوراق الصفراء الزائلة التي سقطت نبتت براعم جديدة هذه سياسة ربنا في الطبيعة... لماذا؟ حتى لا يعطل الورق الذابل البراعم الجديدة، فالشجرة لازم تهز ولا بُد أن تمر عليها هذه التجربة الأليمة، لكي تقع الأوراق الصفراء الذابلة لكي تعطي فرصة للبراعم الجديدة الخضراء والمحصلة بعد كل هذا أن الهزة العنيفة لم تضر الشجرة وإنما أفادتها فهنا إجابة علي السؤال الذي نسأله أحيانًا لماذا الله يسمح بالتجارب والاضطهادات والآلام؟ لماذا يسمح بهذا؟ ثم يكون هناك سؤال أكبر من هذا، لماذا يترك بعض الشهداء يعذبوا ويأخذوا مدد طويلة من العذاب، مثلا مارجرجس أخذ 7 سنين, أي واحد فينا تمر عليه تجربة صغيرة يقول لماذا...؟ لماذا صنع الله ذلك، ويكون حزين ومتضايق من ربنا ويجدف علي الله، لكن نري واحد مثل مارجرجس استمر 7 سنوات، لماذا تركه ربنا يعذب....هذا سؤال؟ أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو الست دميانة أو غيرهم، كل هؤلاء السؤال يقول لماذا ربنا تركهم؟ لماذا من الأول ربنا لم يساعدهم أو ينصرهم علي الأعداء؟ الإجابة علي هذا السؤال أن ربنا يعطي الفرصة للامتحان أوقات الاستشهاد، أوقات الامتحان هذه يظهر العنصر الطيب فرصته لثبات الإيمان الكتاب المقدس يقول جملة مهمة، لا بُد أن يكون بينكم بدع ليكون المزكون ظاهرين، الذين تزكوا أي تطهروا بارزين, آباء الكنيسة الكبار العظماء ما الذي صنع عظمة هؤلاء؟ الآلام. لولا الآلام لما ظهرت عظمة هؤلاء الآباء الكبار، لما ظهر صبرهم، ولما ظهر عنصرهم القوي، ولما ظهر ثباتهم، ولما ظهر عنادهم في الحق، وهذه أمثلة ونماذج وأدلة علي المحبة لله وعلي الصمود والصبر وقوة الثبات وقوة الإرادة وقوة الإخلاص وعدم التزعزع وعدم التردد كل هذه الصفات كيف تبرز، كيف تظهر، كيف يتمرن الإنسان عليها؟ إلا إذا كانت هناك ظروف الآلام واضطهاد. فنحن كثيرًا جدًا نسمع من شعبنا هذا السؤال لماذا؟ لماذا يتركنا الله؟ لماذا لا يمد يده وينقذنا؟ الله يصبر ويري ويرقب من السماء ويعرف من الثابت, من الذي يتزعزع؟ من الذي يصمد؟ من الذي تخونه قواه؟ مَنْ الذي يستمر ومن الذي يرجع؟ وهذه العملية تطهر الكنيسة من العناصر الضعيفة. وهي مؤلمة لأن سقوط الأوراق من الشجرة خسارة ثم أنه يلوث الأرض، ولكن هذه العملية مفيدة للشجرة، تطهر الشجرة من الأوراق الصفراء الضعيفة الكنيسة من وقت إلي آخر في حاجة إلي هذه الهزة لتطهيرها، لتطهيرها من العناصر الضعيفة، الله لكي يحفظ للكنيسة استمرارها وبقائها يعطي الفرصة لأن تتخلص الكنيسة من العناصر الضعيفة المعطلة، لكي تتنقى الشجرة وتصير سليمة وتحمل رسالتها إلي الأجيال الآتية، فالاضطهادات مفيدة، وفترات الاستشهاد مفيدة، من جهة لبيان الثبات والصمود، وبيان محبة الإنسان لله إن كان حقًا يحبه من قلبه، هناك كثيرون يتبعوا الدين لأن تبعيتهم للدين تنفعهم، تنفعهم للدني، ويوجد آخرون يربحوا، علي الأقل غير النفع المادي الذي عند بعض الناس في بعض المجالات، يكون هناك نفع أدبي، إن هذا الإنسان ينال كرامة أو ينال مدحًا أو يمدح من الآخرين، فلان هذا رجل متدين أو إنسان متدين، هذه البنت متدينة، هذه تكسبهم شهرة وممكن يترتب عليها نوع آخر من الكسب من أي نوع، فنحن علي حساب المسيح نكسب، علي حساب الدين نكسب، هذه العناصر التي تستفيد من الدين عندما تأتي ساعة الشدة تسقط وتتخلي عن الدين وتتنكر للدين، فإذا هزت الشجرة وسقطت هذه الأوراق الضعيفة، فهذا خير للشجرة لكي تتخلص من هذه الأوراق الضعيفة حتى تبقي الشجرة وحتى تكون هناك فرصة للبراعم الجديدة وهذا ما قالوه بعض الآباء دماء الشهداء بذار الإيمان أي دم الشهداء يتحول إلي بذور تنبت منه نبت جديد، هذا ما لاحظناه علي مر العصور أن ثبات الشهداء ووقفتهم الشديدة، الأمانة لسيدهم بهر بها غير المؤمنين فآمنوا ويصبح هذا ضد ما أراده الحكام، أنهم يضطهدوا المسيحيين لكي يقل عدد المسيحيين وتتطهر البلاد منهم، فإذا بهذه الشهادة يولد مسيحيون جدد ومن أحسن طراز, لأن الشخص الذي يدخل المسيحية في أيام الاضطهاد يكون من العناصر الطيبة التي لم تأت للإيمان نتيجة أي إغراء مادي، إذن ما الذي دفعه أن يدخل المسيحية؟ هي الفضيلة التي رآها متمثلة في هؤلاء الشهداء الأبرار، فتأثرت نفسه بصمودهم وصبرهم وجهادهم وفضيلتهم، فأراد أن يتمثل بهم، بهر بثباتهم فانجذب إلي المسيح عن طريقهم. إذن دِماء الشهداء بذار الإيمان هنا نبين أولا أن الاضطهاد والاستشهاد لا مفر منه, وبعد ذلك هو مفيد لكيان الكنيسة، هزة عنيفة يترتب عليها أن تسقط بعض أوراقها الضعيفة، وإن كان هذا خسارة لكنه بالنسبة للشجرة فائدة ومكسب.
نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
11 سبتمبر 2024
عادات مرتبطة بعد النيروز
وجدت عند المصريين القدماء بعض عادات مرتبطة بعيد النيروز نلخصها فيما يلي:
١ - الاستحمام في النيل صباح يوم النيروز:
ويشير ذلك إلى الاغتسال من أرجاس العام الماضي والمفاسد القديمة والتزام طهارة القلب .
٢- ارتداء الملابس الجديدة
ومعناه تجديد النيات الصادقة والعزيمة القوية، والعزم على إتيان كل ما هو صالح ومفيد .
٣- الزلابية
وكان من عاداتهم تناول خبز خاص في صبيحة يوم النيروز يصنع في جميع الأسر خاليا من الخمير، ويعرف باسم الزلابية أو المصبوبة، وهو يرمز إلى وجوب العيش بلا رياء ولا خبث .
٤- خبز الاتحاد المقدس
وكان يخصص في المكان المعد لإقامة مهرجان العيد سنويا حقل واسع يسمى «حقل العيد» يباشر فيه كل من ملك البلاد والأمراء والوزراء والعلماء والعظماء والقواد وكبار رجال الدولة، الحرث والزرع بأيديهم، لكل منهم قدر معلوم، حيث كانوا يزرعون في هذا الحقل جميع الحبوب والحاصلات المصرية لتنمو معا، لكي يُصنع من دقيقه خبز يدعونه «خبز الاتحاد» مخلوطا بعضها ببعض مع الملح، ومصنوعا بكيفية خاصة، ويحضره الملك أو من ينوب عنه. وهو يشير إلى عهد وثيق يتجدد سنويا لتأييد الاتحاد بين الحكام والرعايا من جهة، وبين هؤلاء بعضهم وبعض من جهة أخرى،ويشير أيضا إلى العناية بحاصلات البلاد والعمل على إنمائها .
٥- تكريم العاملين
وكان الأفراد الذين قاموا بعمل نافع للأمة في العام المنصرم يُقدمون لينالوا عظيم الإكرام تنشيطا لهم وتشجيعا لغيرهم .
٦- حقل النيروز
وكان من عادة الملك والأمراء والكهنة أن يزوروا «حقل النيروز»، وهو من منتوت إلى الأشمونين، حيث يقدم رؤساء كهنة الإله توت للملك محراثا من الذهب تجره بقرتان من نتاج أبيس المقدس، فيحرث به خطا واحدًا، ثم يجاري الملك في ذلك الأمراء وغيرهم لكي يتعلم المصريون أن الزراعة حياة مصر، وأن من الواجب تنشيطها.
٧- النخيل
واختار الأجداد شجر النخيل وثمره (البلح) شعارًا خاصًا لهذا العيد لأغراض سامية، فالنخيل يمثل رجال الأعمال المجدين، وهو لا يحتاج إلى عناية بأمره كرجل الجد، لا يعوّل في الدنيا على أحد. وقصدوا أيضًا إلى تنبيه الناس أن يعتمدوا على أنفسهم ليجودوا بثمر شهي نافع، وأن يقابلوا السيئة بالحسنة كالنخلة إذا رميت بحجر قابلت الرجم بالثمر . ثم رمزوا إلى السنة الجديدة بجريدة نخل بدون سعف إشارة إلى التجديد والثبات ولأن النخل ينبت غصنا في كل شروق للقمر، وإشارة إلى الاستقامة والعلو . وبالجملة فإن احتفالات النيروز أو رأس السنة كانت جامعة بين البهاء والعظمة والسرور، حيث كان كل مصري يستبشر باستقبال طليعة العام الجديد متوسمًا خيرًا في أن تكون زراعته ناجحة ولا سيما وأن النيل الذي ألهوه كان يتوقف على فيضانه نجاحها، حتى أن المؤرخين رأوا أن المصريين شديد و التمسك بهذا الاحتفال، وأن كهنتهم كانوا يقدمون بعض جواهر من هيكل أنس الوجود في جزيرة الفيلة التي كانت خصيصة بالكهنة فلا يطأها أحد سواهم .
نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر
المزيد
10 سبتمبر 2024
عصر الاستشهاد امتحان للإيمان
عندما تعيد الكنيسة بأعياد الشهداء إنما تقدم لنا نماذج للبطولة وللصبر، وللثبات علي الإيمان ولمحبة المسيح، والارتباط بالإيمان به وعدم التفريط في العقيدة وعدم التزعزع، إننا لا نحتفل بالنسبة لأعياد الشهداء بعيد ميلاد لهم، إنما نحتفل بعيد استشهاد، والكنيسة بهذا تريد أن تضع أمام أنظار شعبها بطولة وقداسة هؤلاء الشهداء وتقدم نماذج في الإيمان الثابت غير المتزعزع، وحتى تكون باستمرار أمثال هذه الأعياد حافزا لنا أن نكون نحن أيضًا ثابتين علي إيماننا، إذا تعرضت حياتنا لنوع من الضيق أو الألم أو الاضطهاد، فنتخذ من صبر آبائنا ومن ثباتهم علي الإيمان نموذجًا وأمثولة ومثلًا أعلي، حتى لا ننسي هذا الدرس في خضم الحياة أو تحت متاعبه، حتى لا ننسي أنفسنا إذا أظلمت الدنيا وضاقت واستحكمت حلقاته، من وقت لآخر تقدم لنا الكنيسة في أمثال هذه الأعياد سيرة هؤلاء الأبطال الذين سبقونا لنتعلم منهم حتى إذا فترنا في لحظة من اللحظات، أو ضعفنا وضعف إيماننا وخارت قوانا نعود فنتشجع ونتقوى فنثبت.
في أيامنا هذه نسمع بعض أصوات من شعبنا، لماذا الله تركنا لماذا؟ لماذا يسمح بالضيقات لنا، أمثال هذه الأسئلة وعتاب مستمر نعتب به علي الله، كأن الله هو المخطئ، ونسوا أننا نحن نمتحن أحيان، وفي هذا الامتحان نثبت إذا كنا حقًا بالحقيقة مؤمنين وإلا كانت تبعيتنا للمسيح تبعية سطحية، لابد أن يكون من وقت إلي آخر امتحان، والامتحان ليس معناه أن الله بعيد عنا إنما يرقب من السماء ليري ماذا نحن عليه من صبر واحتمال، ماذا نحن عليه من أمانة، كن أمينًا حتى الممات فأعطيك إكليل الحياة لا يمنح الإكليل عبث، ولا يمنح بغير ثمن، لا يمنح مجان، كن أمينا حتى الممات أعطيك إكليل الحياة إذا كان هناك صبر، إذا كان هناك إيمان، إذا كان هناك احتمال هنا يكون الإنسان جديرًا بأن ينال الجزاء، إنما الديانة إذا كانت رخيصة، إذا كانت تبعيتنا للمسيح سطحية، فكيف ننال الجزاء وأين ومتى يظهر الاحتمال والإيمان؟ إن كان نحبه نحتمل من أجله وهذا دليل الحب، إذا كان حبا صادق، إنما لا يظهر الحب صادقًا إلا إذا امتحن، ففي الامتحان يظهر عنصر الإنسان، عندما يكون فيه قطعة من المعدن، ونريد أن نعرف إذا كانت ذهبًا حقيقيًا أم ذهبًا مزيف، يوجد ما يسموه المحك نحك به هذه القطعة الذهبية، بهذا المحك يتبين إذا كانت حقًا قطعة ذهبية حقيقية من عنصر الذهب النقي أم هي مزيفة التجارب التي تحيط بالكنيسة، الآلام والاضطهاد هو الذي به يفرز إيمان الصادقين من إيمان الكاذبين، ليعرف إذا كان حقا الذين يتبعون المسيح يتبعونه من قلوبهم، أم أنهم يتبعونه ظاهري، ومرة قال المسيح لبعض أتباعه حينما تجمهروا عليه، قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (إنجيل يوحنا 6:2),هذا تقرير مر، تقرير مؤلم من رب المجد يسوع المسيح، صدم به هؤلاء الناس الذين يتبعونه، جماعات كبيرة يتجمهرون من حوله، ويقولون له لقد أتينا من أماكن بعيدة، كأنهم يريدون أن يظهروا محبتهم له، لكنه عرف أن أكثرهم يتبعونه لا عن إيمان وإنما لكي ينتفعوا من ورائه بمعجزة يصنعها معهم فيؤمنون، أو أنه يقدم لهم مائدة من الطعام فيأكلون. قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فديانتنا لابد من وقت لآخر أن تخضع لمحك والمحك هنا التجربة جزي الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي، لولا التجارب لما عرف الإنسان إذا كان هذا الذي يصادقه عن إيمان أو عن حب أو يصادقه عن منفعة. ونحن يمكن أن نتبع المسيح لأننا ننتفع من ورائه، فهنا التجربة تجعله يترك المسيح، فمن وقت لآخر يسمح للشيطان أن يهز الكنيسة، والمسيح لا يخاف من هذه الهزة لأنه أقوي منه، وهو يعلم أنه في آخر الأمر هو الضامن لسلامة الكنيسة، قال: أبواب الجحيم لن تقوي عليها لأنه الضامن, علي هذه الصخرة أبني كنيستي كنيسته مبنية علي صخرة والصخرة هو المسيح.لأنه من هو صخرة غير إلهنا، فلا خوف علي الكنيسة، لكن هذه الهزة تكون لصالحه، هل تعلمون أن الأشجار الكبيرة النخل مثلا تنزل جذورها إلي أعماق الأرض وفي بعض الأحيان تبلغ الجذور في النخلة إلي ضعف طول النخلة، حينما تهزها الأعاصير والرياح الشديدة يبدو أن الشجرة تهتز هزًا عنيفًا كأنها تنكسر، وطبعًا يترتب علي ذلك أن كثيرًا من الأوراق تسقط، كما نلاحظ في فصل الخريف كثيرا من الأوراق تسقط، لكنها عادة هي الأوراق الصفراء الضعيفة، سقوطها مؤلم لأنه خسارة ولأنه يلوث الأرض فتتسخ الأرض بهذه الأوراق الصفراء الساقطة علي الأرض، لكن المحصلة النهائية أن سقوط هذه الأوراق الصفراء، يعطي فرصة للبراعم الجديدة أن تنبت في الشجرة أوراقًا خضراء جديدة، لولا سقوط الأوراق الصفراء الضعيفة لما كانت هناك فرصة لأوراق جديدة خضراء زاهرة تنبت في الشجرة فكأن هذه الهزة العنيفة وإن كان فيها سقوط، لكن في المحصلة النهائية هذه الهزة مفيدة للشجرة لأنها تنقيه، تنقيها من الأوراق الصفراء الضعيفة وتعطي فرصة لأوراق جديدة، الكنيسة تتجدد، الاضطهاد والآلام لا تزيل الكنيسة أبدًا أبد، بل الاضطهادات والآلام والاستشهاد وما إليها من ظروف الآلام إنها تشد عود الكنيسة وتطهره، تطهرها من الأعضاء الضعيفة، وتعطي فرصة أيضًا لأن يتجدد فيها عناصر أخري جديدة، لم تكن موجودة يولدها الاضطهاد، وهكذا سري بين المسيحيين في كافة العصور مثل يقول: إن دماء الشهداء بذار الإيمان احفظوا هذه الجملة دماء الشهداء بذار الإيمان ماذا تعني دماء الشهداء بذار الإيمان؟ البذار هي الحب الذي يخرج منه بقول كثيرة، انظروا كيف يحول الله الشر إلي خير ويجعل الآلام فرصة لأن يقوي الإيمان ويزداد الإيمان ويعظم الإيمان بعض الشهداء عندما كانوا يتعذبون، والناس غير المسيحيين عندما كانوا يرون الاستبسال والشجاعة والقوة والصبر والاحتمال والأمانة والثبات وعدم التزعزع، كانوا يقولون ما أعظم هذا الدين وما أعظم هذا الإيمان وكانوا ينضمون إلي المسيح، وكان كثيرون منهم أيضا يتعرضون للاستشهاد، ألوف وعشرات الألوف ولدوا في الكنيسة بسبب الاضطهاد، لم يكونوا في الكنيسة أول، إنما ثبات المؤمنين كان سببًا في كسب هذا العدد الضخم أيام استشهاد مارجرجس أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو كل الشهداء، كانت هذه المناظر سببا في إثارة روح الإيمان في غير المؤمنين، وبهذا عاشت الكنيسة ولم تمت أبد، فترات الضعف الذي ظن أنها ضعف كانت هي الفترات التي فيها سر القوة، لأنها كما أن المرأة تعاني المخاض قبل أن تلد الطفل، هكذا الكنيسة عن طريق الاضطهاد وهو مخاضها تلد أولاد، إذا مرحبًا بالاضطهاد وبالآلام، إنها فرصة لإثبات إيماننا بالمسيح، فرصة لإثبات أمانتنا له، وثباتنا علي عقيدتنا، وهنا يبدو الإيمان ثمينًا غالي، الشيء الذي تدفع فيه ثمنًا غاليًا يكون غاليًا عليك، إنما الأشياء التي تأتي لك رخيصة تبقي رخيصة ليس لها قيمة، المثل الذي قاله سيدنا يسوع المسيح، قال: يشبه ملكوت السموات لؤلؤة كثيرة الثمن، فباع رجل كل ما يملك واشتري هذه اللؤلؤة، لا بد من عملية الشراء والبيع، لكن ماذا تشتري شيء ثمين أو شيء لا معني له، إذا كانت هناك لؤلؤة كثيرة الثمن والإنسان باع أشياء كثيرة في سبيل أن يشتري هذه اللؤلؤة يكون هو الكسبان، صحيح خسر أشياء لكن كسب ما هو أعظم مما خسر هكذا ملكوت السموات لا بد أن تشتريه بثمن غال لكي يكون ملكوت السموات غاليًا عليك أيضًا. لا بُد أن تدفع الثمن، لا تستطيع أن تأخذه بالرخيص، إن الله لا يرضي أن يبيع لك الملكوت بغير ثمن، والثمن هو الثبات وهو الاستمساك بمبادئ المسيح، هو تطبيق مبادئ الإنجيل، والاحتمال من أجلها وحينئذ يكون الجزاء المبارك، لا يكلل أحد إن لم يجاهد، احفظوا هذه العبارة لا يكلل أحد إن لم يجاهد جهادًا قانونيًا إكليل لكن لا تأخذه بالرخيص، لا بد أن تدفع الثمن لكي تشتري الإكليل، له ثمن وثمنه هو الجهاد لكي يكون غالي عليك، أثبت أنك تستحقه، إنما إذا لم يكن هناك تعب من أجله فكيف تستحق الإكليل، هناك مبدأ من المبادئ المقررة في الكتاب المقدس كل سيأخذ أجرته حسب تعبه التعب هو المقياس، هو المقياس في التفاوت في الجزاء، القديسون ليسوا في درجة واحدة، نجم يمتاز عن نجم في المجد، هناك نجم يكون لامعًا جد، هذا البريق اللامع هو الفرق في المجد لأنه يجذب الانتباه، لكن ليس كل النجوم في لمعان واحد، ليس كل الأبرار في درجة واحدة، هناك تفاوت في الجزاء لأن الله عادل ويقول أجازي كل واحد علي حسب عمله، لابد أن يكون هناك تفاوت في الجزاء وبالتالي أيضًا لا بد أن يكون هناك تفاوت في العقاب، لأن الله عادل. فكل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه من هنا تكون الآلام والاضطهادات يفرح بها القديسون لأنها هي التي تتحول إلي لآلئ في إكليلهم اللآلئ في إكليل المجد كيف تتكون؟ بالألم والجروح والتعب، إذن لا نحزن من التعب من أجل المسيح، ونترك الكلام الضعيف الرخيص الذي يخرج من أفواهنا من وقت لآخر ونقول لماذا ربنا سمح؟ كل هذا الكلام لم يكن الآباء يقولونه أبدا أبدا إنما نحن في فترات الضعف التي أصبحنا اليوم فيها نتضايق من الاضطهاد ومن الألم، كان آباؤنا يعتبرون الألم فرصة إظهار إيمانهم وتمسكهم به. لا تظنوا إذن أن الله تخلي عن الكنيسة، الله يرقب ليري الصابرين، كلنا نقول: صبر أيوب صبر أيوب، المسيحيون واليهود والمسلمون، العالم كله يقول: صبر أيوب لماذا؟ لأن أيوب صبر سبع سنوات علي آلام متوالية، ونجح أخيرًا بأنه لم يتزعزع إنما ثبت، لو كان أيوب انهار من أول تجربة مثل ما يحدث لن، كان أيوب اختفي مع الزمن مثل غيره، لكن ثباته جعل أيوب نموذجًا لكل الأجيال في الصبر والاحتمال وطول البال هكذا الآباء الذين نفتخر بهم الآن هم الآباء الذين تألموا، أكثر من غيرهم، لماذا مارجرجس يسمونه أمير الشهداء، المسيح في أحد ظهوراته وتجلياته له قال له: لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان ولم يقم من بين الشهداء من هو أعظم منك لماذا مارجرجس، لأنه أكثر واحد تعذب، سبع سنوات متواصلة بكافة صنوف العذاب، لو كان قال أين ربنا؟ والله تركني، وهذا الكلام... لم يكن هناك مارجرجس، ولم يخرج لنا أبطال الإيمان، ولذلك يقول الكتاب المقدس: لابد أن يكون بينكم بدع ليكونوا المزكون ظاهرين، من الذين نفتخر بهم اليوم ونعيش علي سمعتهم وعلي سيرتهم من هم؟ هم الذين احتملوا والذين صبروا، إذن انتظار المسيح وعدم تدخله ليس لأنه بعيد عن الكنيسة، أو لأنه تخلي عن الكنيسة، أو لأنه ضعيف، لا...هو واقف يرقب ليري الصبر. ليري إذا كنا ثابتين علي الإيمان أو لا...فالضيقات، والآلام فرصة ليبرز فيها صبر الصابرين، ويبدو فيها الإيمان وبهذا الإيمان نكسب للمسيح أكثر مما نكسب في أيام الضعف وفي أيام الرخاوة، العود إذا أحرق تخرج منه الرائحة الجميلة، فبدون الحرق لا تخرج منه الرائحة الجميلة الرائحة الجميلة إذن في المسيحيين تخرج حينما تكون هناك ضيقات ويكون هناك حرق وضغوط عليهم، فإذا ثبتوا خرجت رائحتهم ذكية أمام الله وأمام الناس أيضًا وللأجيال وللتاريخ كنيستنا سميت كنيسة الشهداء لماذا؟ كنيستنا تفتخر اليوم أنه لا يوجد كنيسة في العالم كله صدرت إلي السماء عددًا من الشهداء بقدر ما صدرت كنيسة مصر. هذا فخرها ولذلك نحن نسبيا علي الرغم مما فينا من ضعف ما زالت عندنا بركة قد نكون نحن لا نستحقها ورثنا المجد عن آباء صدق أسأنا في ديارهم الصنيع إذا المجد التليد توارثته بناة السوء أوشك أن يضيع إنما نحن إذا كنا نعيش إلي اليوم فهذه بركة آبائنا الصامدين الأقوياء الذين صمدوا أمام الآلام، فعبدوا أمامنا الطريق وهيأوا أمامنا السبيل فدخلنا نحن علي تعبهم، آخرون تعبوا كما يقول المسيح وأنتم دخلتم علي تعبهم إذا كانت هناك بركة لنا وبركة لشعبنا فهي بركة هؤلاء الآباء الذين صمدوا علي الإيمان وثبتوا ولم يتزعزعوا ولم تخر قواهم، وتركوا لنا أمثلة للبطولة والشجاعة، فإذا لم نكن نحن صامدين نكون قد جلبنا العار علي كنيستنا وعلي آبائنا وعلي أجدادنا وعلي كل تاريخنا.
نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد