المقالات
04 يناير 2025
الأحد الرابع ميمر ميلاد يوحنا المعمدان للقديس يوحنا ذهبي الفم
أريد الآن أن أشرح لكم مديح القديس يوحنا المعمدان فأقول أنا الناقص طوباك أيها المغبوط يوحنا المعمدان ولوالداك زكريا الذي طلب من الله فرزق بك طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولدتك وأرضعتك لبن ثدييها الطاهرين أي لسان جسداني يقدر أن ينطق بميلادك كما يليق بكرامتك فانه لا يستطيع لسان ملائكي أن ينطق بكمال سيرتك الا من كان الله معه طوباك أيها القديس يوحنا لأنك بالحقيقة قلت الحق طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولم تغير في أقوالك ولم ترجع عن الحق أشاء اليوم يا كاهن الله العلى أن أتكلم بقدر يسير من فضائلك وحسن سيرتك وتأخرت عن ذلك لاني انسان و عاجز وثقيل اللسان كثير الخطايا فليس لى أن اكمل سيرتك أو أن أسرد نسكيات فأنا أعرف ضعفى وعدم معرفتي يا سيدي يوحنا ان سيدك متحنن ورؤوف وقبل من الأرملة المسكينة الفلسين اللذين القتهما فى الخزانة أكثر من أموال الأغنياء فلتقبل منى تقدمتى الحقيرة في خزائنك المملوءة غنى من الخيرات الدائمة لأنك غنى بالرب ولا تحتاج الى أقوال هذا العالم فان السيد مدحك ودعاك الملاك المرسل أمام وجهه فما تحتاج الى مديح البشر لأن سيرتك تشبه سيرة الملائكة ،ومن في جميع الأبرار والرؤساء يستطيع أن يصف ما يليق بك ؟ من فى الحكماء والفلاسفة يستطيع أن ينطق أقوالا توافق كرامتك ؟ وتطابق جنسك الكريم أيها النبي الصادق والكاهن الحقيقى المتقدم أمام عمانوئيل والكارز القوى ، والبتول العفيف الذى لا يعرف شهوات العالم ان قلت أنك ملاك فأنت الملاك الجسداني ،والانسان الروحاني لأنك تشبهت بسيرة الملائكة ،وان قلت انك نبي فأنت أفضل من نبى كما شهد عنك ربك وسيدك ،وان قلت أنك شهيد فأنت أول شهيد في العهد الجديد قد قطعت رأسك وان قلت انك ناسك فأنت أول من سكن البرية وتنسك فيها بالحياة الشظفة ،وان قلت انك راهبا فأنت رئيس الرهبان وأول من لبس ثوب البر على جسده وتمنطق بمنطقة على حقويه وان قلت انك رسول ومنذر ومبشر فأنت أول من كرز وبشر بمجيء السيد المسيح عمانوئيل فكنت تقول للجميع "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( مت ۳ : ١١) لقد كنت مبشرا قدامه ولم تستح أن تقول الحق لهيرودس حتى الموت لم ترهب سطوته فماذا أقول وفكرى منذهل ومتعجب،ومن أهلا في هذا العالم أن يشاركني مديحك أو يفهمني الكلام الذي يليق بك ! أريد غبريال الملاك الذي ابتدأ يمدحك بقوله عنك لزكريا أبيك ( يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس ) ( لو ١ : ١٥ ) وقال عنك أنك تتقدم الابن الكلمة بالروح بقوة ايليا فترد قلوب الآباء الى الأبناء ، والعصاة الى عالم الأبرار وتعد للرب شعبا مستقيما احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك عنك ( وانت أيها الصبي نبي العلى تدعى لانك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم » ( لو ١ : ٧٦ - ٧٧ ) احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك بالسنتهم الصادقة ، الواحد ناري من السماء ،والآخر انسان من الأرض ملاك الرب النار المتقدة ،وكاهن العلى خادم الهيكل المقدس فقد مدحك السمائيون والأرضيون لا سيما سيد الخليقة جميعها قال عنك للجموع « لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان » فأهل الأرض لا يستطيعون مديحك ،وأنا المسكين لا أستحق أن أذكر اسمك الطاهر على شفتى النجستين وانما تجاسرت بشرح اليسير من سيرتك لأجل فرح الشعب المجتمع معنا اليوم في تذكارك متهللا فرحا مسرورا طالبين شفاعتك والرحمة من الله لأجل اسمك فان كنتم تحبون يوحنا المعمدان فاسمعوا أقواله توبوا فقد اقترب منكم ملكوت السموات اعملوا أعمالا تليق بالتوبة أيها الرعاة ارعوا رعية الله التي دفعت اليكم بمحبة وفرح لكيما اذا ظهر رئيس الرعاة تفتخرون لديه أيها الرهبان احبوا النسك مع الصوم والصلاة لتكونوا أولادا ليوحنا المعمدان البار والكارز المختار فرح البراري والقفار أيها النساء أحببن الطريق المستقيمة لتكونوا بناتا لاليصابات البارة أيتها البنات ،والعذارى أحببن الطهارة والنقاوة لكيما تكن بنات لمريم القديسة العذراء أيتها الأرامل أحببن الله من كل قلوبكن واخد منه بمخافة لتكن بنات لحنة النبية بنت فنوئيل فانها أقامت أربعة وثمانين سنة ملازمة الهيكل ليلا ونهارا كونوا محبين بعضكم بعضا مصلين بعضكم لأجل بعض شاكرين عمانوئيل الهنا الذى بمجد أبيه وروح قدسه له المجد الدائم الى الأبد آمين .
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
03 يناير 2025
مائة درس وعظة (٤٣)
أعياد الميلاد «خلاصي بك »
"لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم، ومجدا لشعبك إسرائيل"
(لو ٣٠:٢-٣٢)
فترة أعياد الميلاد تستمر اربعين يوماً من عيد الميلاد إلى عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل، وتشمل خمسة أعياد ولها معان في حياتنا
اولا عيد الميلاد بداية جديدة (٧ يناير۲۹ كيهك)
الله في محبته يعطينا باستمرار فرص البداية.
١- الصلاة وتعبر عنها في بداية صلواتنا ونقول "فلنبدا بدنا حسنا" ٢- الأمل البداية تعنى للإنسان الأمل والتفاؤل والرجاء وتعنى أيضا روح الحماس والاستبشار بالخير.
٣- الفرح في عيد الميلاد بشر الملاك الرعاة بفرح عظيم لم تختبره البشرية من قبل وهذا الفرح يكون لجميع الشعب فرح يحوي في داخله النور والمجد مع الميلاد ابدا بدءاً جديداً ضع أمامك تعهداً أو وعداً جديداً.
ثانيا عيد الختان السمة الجديدة (١١يناير ١ طوبة)
١- العهد كان الختان علامة في الجسد للذكور فقط من الشعب اليهودي، وفيها سفك الدم، والعهد الذي يتم بالدم هو عهد لا ينقض، وكان هو العلامة المسيرة للشعب اليهودي وفيه لقطع جزء من الجسد ويرمز للختان الروحي فالقلب المختون يعني القلب المخصص أو المكرس.
٢- التكريس فقلبي يصير مخصصاً لله . الختان يعنى انك تقيم عهداً جديداً مع مسيحك وتمتلك قلباً جديداً.إنزع منى القلب الحجرى وأعطنى قلبا جديدا لحميا يشعر ويتأثر ويكون حساسا للخطية أسع ان يكون لك قلب جديد توجد أصنام كثيرة ممكن أن تحتل القلب مثل التكنولوجيا أو العمل
٣- العضوية الختان يعطى المختتن أن يكون عضواً في شعب الله، فالختان يعنى السمةالجديدة والاسم الجديد
ثالثا: عيد الغطاس: الولادة السمائية (١٩ يناير ١١ طوبة)
١- باب الأسرار بدون المعمودية لا يستطيع الإنسان أن يأخذ أي سر من أسرار الكنيسة ونكرر في هذا العيد "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (مت ٧١:٣) وتنقسم العبارة إلى جزءين
الأول "هذا هو ابني الحبيب" ويرمز إلى سر المعمودية والثاني "الذي به سررت "ويرمز إلى سر التوية والاعتراف الذي هو تجديد المعمودية. ٢- الثوب الأبيض عيد الغطاس هو عيد تمارس فيه تذكار معموديتنا، والمعمودية تعنى امتلاك الثوب الأبيض، وصارت رحلة الإنسان أن يحافظ على هذا الثوب الأبيض نقيا. ٣- بداية الطريق المعمودية كانت أول الطريق.بينما التوبة هي طول الطريق وهذه التوبة هي التي تحول كل الخطاة إلى أبرار وتسمى سر التوبة معمودية ثانية، لأن من علامات التوبة الحقيقية دموع التوبة،وهي من الماء أيضا. رابعا عيد عرس قانا الجليل الأسرة الجديدة (٢١ يناير ١٣ طوية)
١- عرس مفتوح حضر المسيح العرس في قانا الجليل وتمت المعجزة ولم يذكر اسم العريس أوالعروس، فهو عرس مفتوح لكل البشرية.
٢- كنيسة جديدة يصير للإنسان الأسرة الجديدة في الكنيسة.
٣- مسئولية جديدة الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، بل يحتاج إلى مجتمع، فيصير الإنسان عضواً في أسرة جديدة فيها روح الله. عيد عرس قانا الجليل عيد يجدد عضويتنا في كنيستنا وهو أيضا عيد لكل أسرة.
خامسة عيد دخول المسيح الهيكل الأبدية السعيدة (١٥ فبراير - ۸ أمشیر)
١- - الخلاص المنظور، لأن عيني قد ابصرتا خلاصك نظر سمعان الشيخ خلاص المسيح على الصليب وهذا الخلاص لجميع الشعوب الفرح يكون نورا للامم ومجدا لليهود
٢- السماء المفتوحة الهيكل يرمز إلى السماء إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء، إذا انشغل الإنسان بالسماء تهون عليه كل مشاكل الأرض
٣- النصيب الأبدى الإنسان الذي ينظر نصيبه الأبدي كل يوم وإذا سرت في حياتك بحسب هذه الأعياد الخمسة يكون لك هذا النصيب في السماء.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
02 يناير 2025
مصالحة السماء والأرض
أول شئ نتذكره في ميلاد الرب هو عمق محبته للناس . فمن أجل محبته لهم سعي لخلاصهم . ومن أجل محبته لهم أخلي ذاته ، وأخذ شكل العبد ، ونزل من السماء ، وتجسد وصار في الهيئة كإنسان ( في2 : 7 ، 8 ) إن التجسد والفداء ، أساسهما محبة الله للناس . فهو من أجل محبته لنا ، جاء إلينا . ومن أجل محبته لنا ، مات عنا . لهذا يقول الكتاب : " هكذا أحب حتى بذل إبنه الوحيد " ( يو3 : 16 ) أنظروا ماذا يقول : " هكذا أحب حتى بذل " نحن إذن في تجسده ، نذكر محبته التي دفعته إلى التجسد وإعترافاً منا بهذه المحبة ، نتغنى بها في بدء كل يوم ، إذ نقول للرب في صلاة باكر : " أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر ، وكل الخليقة تهللت بمجيئك " . قبل ميلاد السيد المسيح ، كان هناك خصومه بين الله والناس فجاء السيد المسيح لكي يصالحنا مع الله ، أو جاء لكي نصطلح معه هو قبل مجيئه كانت هناك خصومة بين السماء والأرض . ومرت فترة طويلة كانت فيها شبه قطيعة بين السمائيين والأرضيين : لا رؤي ، ولا أحلام مقدسة ، ولا أنبياء ، ولا كلام من الله للناس ، ولا ظهورات مقدسة ولا أية صلة واضحة !! كانت الأرض بعيدة عن السماء طوال تلك الفترة كانت خطايا الناس كاليالي الشتاء : باردة ومظلمة وطويلة وكانت تحجب وجه الله عنهم . وكانت الخصومة بينهم وبين الله ، يثلها في الهيكل الحاجز المتوسط اليذ لا يستطيع أحد من الشعب أن يختاره إلى قدس الأقداس وزادت خطايا الناس ، وأحتدم غضب الله عليهم ، وإستمر القطيعة ولم يحاول البشر أن يصطلحوا مع الله ثم جاء السيد المسيح ، فأقام صلحاً بين الناس والأرض ، وأرجع الصلة بينهما . وبدأت تباشير الصلح تظهر ورجعت العلاقات كما كانت من قبل وأكثر ولكي أوضح الأمر لكم أقول : تصوروا أن دولتين متخاصمين ، قد رجع الصلح بينهما ، فماذا تكون النتيجة : طبعاً ترجع العلاقات كما كانت : يعود التمثيل السياسي بينهما ، وإرسال السفراء والقناصل وفي ظل المودة الجديدة تبرم أتفاقية اقتصادية ، إتفاقية عسكرية المهم أنه توجد علاقة وصلة . كذلك لنفرض أن شخصين متخاصمين قد إصطلحا ، في ظل الصلح نري العلاقات قد بدأت ترجع ، تعود التحيات والابتسامات والزيارات والأحاديث ، وتعود المودة هكذا حدث بين السماء والأرض وبدأت تباشير الصلح تظهر بمجئ السيد المسيح أو في خطوات وممهدات مجيئه .
تباشير الصلح .
وأول شئ شاهدناه من تباشير هذا الصلح هو كثيرة نزول الملائكة إلى الأرض في مجئ السيد المسيح وقبيل مجيئه إزداد ظهور الملائكة بشكل واضح ظهورات متوالية ، فردية وجماعية ، كسفراء للرب وتهلل الملائكة بفرح عظيم ، وأرادوا أن يشتركوا في هذا الحدث العجب وهو تجسد الرب وميلاده فظهر ملاك يبشر زكريا بولادة يوحنا ( لو1 : 11 ) ، وملاك يبشر العذراء بولادة السيد المسيح ( لو1 : 26 ) ، وملاك ظهر ليوسف في حلم يخبره بحبل العذراء ( مت1 : 20 ) وملاك ظهر للرعاة يبشرهم بالميلاد الإلهي ( لو2 : 9 ) وملاك ظهر ليوسف في حلم وأمره أن يهرب بالطفل يسوع وأمه إلى مصر ( مت2 : 13 ) بالإضافة إلى هذا جمهور من الملائكة الذين ظهروا مسبحين الله وقائلين : ط المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ( لو12 : 23 ، 14 ) إن ظهور الملائكة بهذه الكثرة ، يدل على أن العلاقات بدأت ترجع بين السماء والأرض ، وتدل على فرح الملائكة بالخلاص المزمع ، وإشتراكهم مع الأرضيين في هذا الفرح وظهور الملائكة في فترة الميلاد كان مجرد طلائع للملائكة الذين ملأوا العهد الجديد ملائكة كانوا يخدمون الرب على جبل التجربة ( مر1 : 13 ) ، وملائكة القيامة الذين ظهروا لنسوة ، ومثل الملاكين اللذين طمأنا الرسل وقت صعود الرب ( أع1 : 10 ) كان هؤلاء جميعاً طلائع نعرف بهم الملائكة غير المرئيين المحيطين بنا إن ، الذين قال عنهم القديس بولس الرسول : " أليس جميعهم أرواحاً خادمة ، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " ( عب1 : 14 ) ولم يكتف السماء في صلحها مع الأرض بظهور الملائكة ، بل إمتدت إلى الأحلام المقدسة بما فيها من توجيه ومن إعلان إجتمع الأمران معاً بالنسبة ليوسف الصديق : ملاك ظهر له في حلم يخبره بالحبل المقدس ( مت1 : 20 ) وملاك ظهر له في حلم يأمره بالذهاب إلى مصر ( متت2 : 13 ) ثم بعد ذلك ظهر له ملاك في حلم أرض مصر يأمره أن يرجع إلى بلدة لأنه " قد قام الذين كانوا يطلبون نفس الصبي " ( مت2 : 20 ) ولما خاف أن يذهب إلى اليهودية بسبب أن أرخيلاوس كان يملك هناك ، " أوحي إليه في حلم " أن ينصرف إلى نواحي الجليل ، فذهب وسكن في الناصرة ( مت2 : 22 ) هؤلاء الملائكة الذين ظهروا ليوسف الصديق في الأحلام ، يعطوننا فكرة عن سمو مكانه العذراء فالعذراء ظهر لها الملائكة عياناً في صحوها ، رأتهم بعينيها وسمعتهم بأذنيها ، أما يوسف الصديق فرأي وسمع في الأحلام . إن هذا يذكرنا بالفرق الكبير بين مركز موسي النبي ومركز هارون ومريم اللذين وبخهما الرب عندما تقولا على موسي ، فقال لهما : " إن كان منكم نبي للرب ، فبالرؤيا إستعلن له ، في الحلم أكمله وأما عبدي موسي فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه " ( عد12 : 6 ـ 8 ) لقد كلم الملائكة يوسف الصديق عن طريق الأحلام وهكذا حدث أيضاً مع المجوس إلى هيرودس ، فانصرفوا إلى كورتهم " ( مت2 : 12 ) وحديث المجوس يذكرنا بظهورات مقدسة أخري صاحبت حديث الميلاد ، ونقصد أولاً النجم الذي ظهر للمجوس ، وأرشدهم إلى مكان المزود المقدس( مت2 : 1 ـ 12 ) لم يكن ذلك النجم عادياً ـ كما شرح القديس يوحنا ذهبي الفم ـ بل كان قوة إلهية أرشدتهم ذلك أن مساره كان غير عادي من المشرق إلى الغرب ، وكان يظهر حيناً ، ويختفي حيناً آخر ، ويقف حيناً ثالثاً كذلك يقول عنه أنه : " وقف حيث كان الصبي " هذا النجم كان ظهوراً مقدساً ولم يكن نجماً كباقي النجوم وفي صلح السماء مع الأرض الذي جبلته بركة الميلاد لم تقتصر الصلة على ظهور الملائكة والأحلام المقدسة والظهورات المقدسة ، بل أيضاً رجعت روح النبوة مرة أخري ، ورجع عمل الروح القدس في الناس وامتلاؤهم منه نقرأ عن يوحنا المعمدان في بشارة الملاك عنه أنه : " من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس " ( لو1 : 15 ) ونقرأ في بشارة الملاك للعذراء قوله لها : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك " ( لو1 : 35 ) ونقرأ في زيارة العذراء للقديسة اليصابات أنه : " لما سمعت اليصابات سلام مريم ، إرتكض الجنين في بطنها ، وإمتلات اليصابات من الروح القدس " ( لو1 : 41 ) . ونقرأ عن زكريا الكاهن ـ بعد إنقضاء فترة صمته ـ " وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً " ( 1 : 67 ) . ونقرأ أيضاً عن سمعان الشيخ أنه كان رجلاً باراً : " والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس " ( لو2 : 25 : 26 ) عجيب جداً هذا العمل الواسع للروح القدس في الناس في تلك الفترة المقدسة وعجيب هذا الإمتلاء من الروح القدس وهذا الحلول ، وهذا التنبوء أيضاً لقد تنبأ زكريا الاهن ، وتنبأت إمراته اليصابات ، وتنبأ سمعان الشيخ ، وتنبأت حنة بنت فنوئيل ( لو2 : 36 ) وبدا أن الله رجع يتكلم في أفواه الأنبياء وكل ذلك كان من بوراد إنتهاء الخصومة بميلاد السيد المسيح ، أو كانت هذه هي تباشير الصلح الذي تم على الصليب وكان من تباشير الصلح أيضاً رجوع المعجزات والمعجزات دليل عمل يد الله مع الناس كان إنفتاح رحم اليصابات العاقر هو المعجزة الأولي وكان صمت زكريا الكاهن ثم إنفتاح فمه بعد تسعة أشهر معجزتين أخريين وكانت معجزة المعجزات هي ولادة السيد المسيح من عذراء وكان إرتكاض الجنين بإبتهاج في بطن اليصابات تحيه الإله الذي في بطن العذراء هو معجزة أخري . ولا نستطيع أن نحصي المعجزات التي رافقت ميلاد المسيح وطفولته . أما معجزاته في أرض مصر ، فلعل أبرزها هو ما يشير إليه أشعياء النبي قائلاً : " هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجه ، ويذوب قلب مصر داخلها " ( إش19 : 1 ) وفعلاً سقطت أوثان مصر بدخول الرب إليها كل هذا يدل على أن يد الرب قد بدأت تعمل ، وأن ميلاد السيد المسيح كان مقدمة لصلح السماء مع الأرض ، الصلح الذي قلنا إن أولي تباشيره كان ظهور الملائكة ويحسن أن نقف وقفة تأمل بسيطة عند ظهورات الملائكة هذه
أول ملاك ظهر وذكره الإنجيل المقدس ، كان هو الملاك الذي ظهر لزكريا الكاهن إنها لفته كريمة من الرب يعطى بها كرامة للكهنوت ، فيكون ظهور الملائكة اولاً للكهنة ، بعد فترة الإحتجاب الطويلة ولفته كريمة أخري للكهنوت ، أن يظهر الملاك في مكان مقدس : " واقفاً عن يمين مذبح البخور " وفي لحظة مقدسة عندما كان زكريا البار يكهن للرب ويرفع البخور أمامه ( لو1 : 8 ـ 10 ) جميل من الرب أنه عندما أرسل خدامه السمائيين أولاً إلى بيته المقدس وإلى خدام مذبحة الطاهر ولا شك أن هذا كله يشعرنا بجمال المذبح الذي وقف الملاك عن يمينه في أول تباشير الصلح . كم بالأكثر جداً مذبح العهد الجديد في قدسيته الفائقة للحد ، حيث ملاك الذبيحة الصاعد إلى العلو يحمل إلى الله تضرعنا نعود إلى الملاك الطاهر الذي ظهر لزكريا الكاهن كان ملاكاً يحمل بشارة مفرحة . لقد عاد الرب يفرح وجه الأرض التي حرمت كثيراً من أفراحه في فترة القطعية والخصومة . وهل هناك فرح أعظم من تبشير زوج العاقر بأنها ستلد إبناً : ط لم يقم بين المولودين من النساء من هو أعظم منه " ( مت11 : 11 ) ، إبناً سيكون : " عظيماً أمام الرب " ( لو1 : 15 ) !! عبارات : " الفرح " تدفقت من فم الملاك ، فقال : " لا تخف يا زكريا ، لأن طلبتك قد سمعت ، وامرأتك اليصابات ستلد لك إبناً ، وتسميه يوحنا ، ويكون لك فرح وإبتهاج ، وكثيرون سيفرحون بولادته " وكانت إيحاءه جميلة من الرب في تباشير هذا الصلح ، أن يسمي الطفل " يوحنا " وكلمة يوحنا معناها : " الله حنان "!! وكأن الله يقصد أنه وإن تركنا زمناً ، إلا أن محبته دائمة إلى الأبد ، " مياة كثيرة لا تستطيع أن تطفئها " ( نش8 : 7 ) وأنه وإن حجب وجهه حيناً ، فإنه لا يحجب قلبه الحنون . فعلي الرغم من فترة القطيعة بين السماء والأرض التي سبقت ميلاد السيد المسيح ، وعلى الرغم من الخصومة القائمة ، كان الله ما يزال كما هو ، كله حنان وشفقة " الله حنان " أو " الله حنون " لعل هذا يذكرنا بقول الرب من قبل : " لأنه كإمراة مهجورة ومخزونة الروح دعاك الرب ، وكزوجة الصبا لحيظة تركتك ، وبمراحم عظيمة سأجمعك بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك "( إش54 : 6 ـ 8 ) إنها نبوءة أشعياء عن مصالحة الرب لشعبه وكنيستة ، قد بدأت تتحقق تلك النبوءة العجيبة ، الجميلة في موسيقاها ، التي بدأها الرب بنشيده العذب : " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد " ( إش54 : 1 ) تري أكاذيب اليصابات : " العاقر التي لم تلد " رمزاً للكنيسة في إفتقاد الرب لها ؟ وهل كان إسم إبنها يوحنا : " الله حنان " رمزاً أيضاً لمصالحة الله لكنيستة ؟ وهل ترنم اليصابات : " العقر التي لم تلد " كان بشيراً يتحقق باقي مواعيد الله إذ يقول لكنيسته في نفس النشيد :" كما حلفت أن لا تعبر بعد مياة نوح على الأرض ، هكذا حلفت أن لا أغضب عليك ولا أزجرك فإن الجبال تزول ، والآكام تتزعزع ، أما إحساني فلا يزول عنك ، وعهد سلامي لا يتزعزع ، قال راحمك الرب " أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية ، هأنذا أبني بالأثمد حجارتك ، وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شرفاتك ياقوتاً ، وأبوابك حجارة بهرمانية ، وكل تخومك حجارة كريمة وأجعل كل بنيك تلاميذ الرب ، وسلام بنيك كثيراً " ( إش54 : 11 ـ 13 ) هل كان هذا الإصحاح الرابع والخمسون من نبوءة اشعياء موضع تأمل القديسة اليصابات في خلاص الرب القريب ، طوال الستة أشهر التي مرت ما بين بشارة الملاك لزكريا وبشارة الملاك للعذراء ؟! إن هذه الفكرة تملأ قلبي ، وتضغط على عقلي بإلحاح شديد ولا شك أن هذه القديسة الشيخة التي كانت تحمل إبناً نذيراً للرب في أحشائها ، كانت تشعر أنه ليس بأمر عادي هذا الذي حدث لها وإذ نتأمل في هذا الفصل من اشعياء ـ الذي ينطبق عليها وعلى الكنيسة ـ يهز كيانها كله هذا " النبي الإنجيلي " إذ يقول : " ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانؤئيل " ( إش7 : 14 ) قلنا إنه من تباشير الصلح بين السماء والأرض كان ظهور الملائكة للبشر . وكان الملاك الأول هو الذي بشر زكريا الكاهن .
أما الملاك الثاني ، فكان جبرائيل ، الذي بشر السيدة العذراء نلاحظ أن هذا الملاك كان له مع العذراء أسلوب معين لقد بدأها بالتحية ، بأسلوب كله توقير وإحترام لها في بشارة زكريا لم يبدأه الملاك بالتحية ، وإنما قال له " لا تحف يا زكريا فإن طلبتك قد سمعت " أما في بشارة العذراء فقال لها الملاك : " السلام لك ايتها الممتلئة نعمة الرب معك " وعندئذ ـ بعد هذه المقدمة ـ بدأ الملاك في إعلان رسالته وحتى هذه الرسالة أدمجها بعبارة مديح أخري فقال : " لا تخافي يا مريم ، لأنك قد وجدت نعمة عند الله " ثم بعد ذلك بشرها بالخبر الذي جاء من أجلة : " ها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع " إنه اسلوب إحترام عجيب يليق بالتحدث مع والدة الإله الممجدة ، المملكة الجالسة عن يمين الملك لم يستطع رئيس الملائكة جبرائيل أن ينسى أنه واقف أمام أقدس إمرأة في الوجود ، وإنه واقف أمام أم سيده ، التي ستكون سماء ثانية لله الكلمة فخاطبها بأسلوب غير الذي خوطب به الكاهن البار زكريا هنا نلاحظ أنه لم يبدأ فقط صلح بين السمائيين والأرضيين ، بل بدأ تقدير وتوقير من سكان السماء لسكان الأرض في شخص أمنا وسيدتنا العذراء مريم فمرحباً بهذا الصلح .
أما الظهور الثالث ، فكان ظهور ملاك الرب للرعاة هنا نجد تقدماً ملموساً في العلاقات ، إذ لم يقتصر الأمر على أن " ملاك الرب وقف بهم " بل يقول الكتاب أكثر من هذا : " ومجد الرب أضاء حولهم " . وبعد أن بشرهم الملاك " بفرح عظيم " يكون " لجميع الشعب " ، وبولادة " مخلص " ، " ظهر بغتة ـ مع الملاك ـ جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " وهنا نسمع عبارات الفرح ، والمسرة ، والسلام ، والخلاص وبدلاً من ظهور ملاك واحد ، نري جمهوراً من الجند السماوي يسبحون إنها تباشير الصلح العظيم ، المزمع أن يتم على الصليب ونلاحظ أن هذا الصلح قد بدأه الله لا الناس أول ما نتذكره في هذا المجال ، هو أن الله يسعى لخلاص الإنسان ، حتى لو كان الإنسان لا يسعى لخلاص نفسه نلاحظ هذا منذ البدء : عندما أخطأ آدم وسقط ، لم يسع لخلاص نفسه ، بل نراه ـ على العكس من ذلك ـ قد هرب من الله ، وخاف من الله ، وإختفي ، بل نراه . لم يحدث أنه سعي إلى الله ، طالباً الصفح والمغفرة ، وطالباً النقاوة والطهارة بل إنه : " لما سمع صوت الرب الإله ماشياً في الجنة " اختبأ هو وإمراته من وجه الرب " تك3 : 8 ) . وهكذا أوجد حجاباً وحاجزاً بينه وبين الله . وبدأت الخصومة من الذي سعي لخلاص آدم ؟ إنه الله نفسه ، دون أن يطلب آدم منه ذلك آدم شغله الخوف عن الخلاص أو حتى عن مجرد التفكير فيه وهكذا بحث الله عن آدم وأعطاه وعداً بأن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية ( تك3 : 15 ) لقد أعتبر الله أن المعركة الدائرة هي بينه وبين الشيطان ، وليست بين الشيطان والإنسان أعتبر أن قضيتنا هي قضيته هو وإذا بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية هو الله نفسه الذي أتي في ملء الزمان من نسل المرأة هو الله إذن الذي دبر قصة الخلاص كلها ، لأنه : يريد أن الجميع يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون " ( 1تى2 : 4 ) هو يريد خلاصنا جميعاً ويسعى إليه ، حتى إن كنا نحن ـ في تكاسلنا أو في شهواتنا ـ غافلين عن خلاص أنفسنا ! في قصة الخروف الضال ، نرى أن هذا الخروف الضال لم يسع لخلاص نفسه ، وإنما تائهاً وبعيداً والراعي الصالح هو الذي جرى وراءه هو الذي فتش عليه وسعي إليه ، وهو الذي تعب من أجله إلى أن وجده ، وحمله على منكبيه فرحاً ، ورجع به سالماً إلى الحظيرة وفي قصة الدرهم المفقود ، نجد نفس الوضع أيضاً فإن تعطل خلاص الإنسان ، يكون السبب بلا شك راجعاً إلى الإنسان ذاته وليس إلى الله وهذا الأمر واضح في تبكيت الرب لأورشليم ، إذ قال لها : " يا أورشليم يا أورشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها . كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، ولم تريدوا " ( مت23 : 37 ) أنا أردت ، وأنتم لم تريدوا مثال أخر هو عروس النشيد الله هو الذي سعي لخلاصها " طافراً على الجبال ، وقافزاً على التلال " وقال لها : " افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي ، لأن رأسي قد إمتلأ من الطل وقصصي من ندي الليل " ( نش5 : 2 ) وتكاسلت النفس في الإستجابة ، وتعللت بالأعذار فماذا كانت النتيجة كانت أنها عطلت عمل النعمة فيها بعض الوقت وصاحت في ندم : " حبيبي تحول وعبر " تأكد أنك إن كنت تريد الخلاص من الخطية ، فإن الله يريد ذلك أضعافاً مضاعفة المهم إنك تبدي رغبتك المقدسة هذه هناك عبارة لطيفة قالها أحد القديسين قال : [ إن الفضيلة تريدنا أن نريدها لا غير ] يكفي أن نريد ، إرادة جادة ، والله يتولي الباقي بل حتى هذه الإرادة هو يمنحها لنا ، لأجل خلاصنا ومن القصص العجيبة عن سعي الله لخلاصنا ، ما يقوله الله ـ في سفر حزقيال النبي ـ للنفس الخاطئة الملوثة : " مررت بك ورأيتك مدوسة بدمك وقد كنت عريانة وعارية . فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك ودخلت معك في عهد ـ يقول السيد الرب ـ فحممتك بالماء ، وغسلت عنك دماءك ، ومسحتك بالزيت وجملت جداً جداً ، فصلحت لمملكة " ( خر16 ) تلك النفس المسكينة ـ لو تركت لذاتها ـ لبقيت على حالها مطروحة وملوثة ، عريانة وعارية ولكن الله فعل من أجلها الكثير ، وأنقذها مما هي فيه ولكن ليس معني سعي الله لخلاصنا ، أننا نتكل على ذلك ونكسل ! كلا وإلا فإنه يتحول ويعبر كما حدث مع عروس النشيد إنما يجب أن تتحد إرادتنا بإرادته . وعملنا بعمله هو ينزل إلى عالمنا ، ونحن نقدم له ولو مزوداً ليستريح فيه إن الله يسعى لخلاصنا ، ويسعى ليصالحنا معه الصلح يبدأ من جانب الله إنه درس لنا حينما تكبر قلوبنا على أخوتنا الصغار ، فلا نسعي لمصالحتهم بحجة أننا الكبار !!الكبير يسعى لمصالحة الصغير في كل تباشير الصلح التي ذكرناها نرى أن الله هو الساعي لمصالحة البشرية النور الذي لا يدنى منه ، يسعى لمصالحة التراب والرماد ! ملك الملوك ورب الأرباب يتقدم ليصالح عبيده نراه أنه هو الذي أرسل الملائكة للبشر وهو الذي بعث إليهم برسائل في الأحلام . وهو الذي أرجع لهم روح النبوة ، وهو الذي عمل على إعادة العلاقات كما كانت بل هو الذي أرسل إليهم إبنه الوحيد ليخلصهم ، من فرط محبته لهم وكما قال القديس يعقوب السروجي : [ إنه كانت هناك خصومة بين الله والإنسان فلما لم يتقدم الإنسان لمصالحة الله نزل الله ليصالح الإنسان ] ولم يحدث هذا في الميلأد فقط ، وإنما كان هو دأب الله دائماً نراه وهو الكبير العالي غير المحدود يسعى لمصالحة الإنسان . يقول : " أنا واقف على الباب وأقرع . من يفتح لي أدخل وأتعشى معه " ( رؤ3 : 29 ) . ونحن نتساءل في عجب : كيف يارب تقف على الباب وتقرع . البشر هم الذين أذهب إليهم . أنا لست أبحث عن كرامة لي ، وإنما أبحث عن خلاصهم هم ، ولا أستريح حتى أطمئن على خلاصهم حقاً ، ما أعجب قلب الله المحب ، وما أعجب تواضعه الله يرسل الأنبياء والرسل لكي يصالحوه مع البشر . يعترف القديس بولس الرسول بهذا فيقول : " نسعي كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " ( 2كو5 : 20 ) حقاً : هل كان هناك عمل آخر للأنبياء سوى عقد صلح بين الله والناس والله هو الذي طلب الصلح فأرسل أنبياءه ! بل ما أعجب الرب في سعيه للصلح إذ يقول :" بسطت يدي طول النهار ، إلى شعب معاند ومقاوم " ( رو10 : 21 ) مازال الرب باسطاً يده ، يطلب صلحاً معنا ويقول : " هلم نتحاجج " ( إش1 : 18 ) الله هو الذي صالح يونان النبي لما إغتم وإغتاظ ، مع أنه غضبه لم يكن حسب مشيئة الرب . أعد له يقطينه : " فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً على رأسه ، لكي يخلصه من غمه " وظل يجاذبه الحديث قائلاً له : " هل اغتظت بالصواب ؟ " ويونان يجيب : " اغتظت بالصواب حتى الموت " لم يزل به حتى أقنعه وصالحه ( يون4 ) والسامرة التي أغلتق أبوابها في وجهه ، لأن وجهه كان متجماً نحو أورشليم ، لم يتضايق من تصرفها هذا ، ولم ينزل ناراً من السماء ليحرقها كما لإقترح التلمذان ، بل ذهب إليها ليصالحه ، وهي المخطئة وبذل من حبه حتى أصلحها وصارت له ( يو4 ) . وفي قصة الابن الضال ، نرى أن الإبن الكبير لما غضب ورفض أن يدخل ، ورفض أن يشترك في الفرح برجوع أخيه ، مع أن غضبه لم يكن مقدساً ، ومع أن إرادته كانت ضد إرادة إلآب ، إلا أن الآب ذهب إليه ليصالحه وفي ذلك يقول الكتاب : " فخرج أبوه يتول إليه " ( لو15 : 28 ) مع أن كلام هذا الإبن كان قاسياً في حديثه مع أبيه ، وكانت إتهاماته كثيرة وظالمة ، إلا أن الأب إحتمله ، وأطال أناته على حتى صالحة ولم يقل له كيف وأنت صغير تكلمني هكذا ! ولما أخطأ القديس بطرس وأنكر السيد المسيح ، لم ينتظر الرب حتى يأتي القديس بطرس تائباً ومعتذراً ، بل هو الذي بداه بالكلام ، وسهل الأمر عليه ، وأرجع العلاقات كما كانت ، بنفس الدالة إن الرب لا يرى في سعيه للصلح إنقاصاً لقدرة أو إضاعة لكرامته ، بل على العكس إنه يبرهن على محبه وعلى وتواضعه فيزداد حب الناس له وإن كان الله بميلاده قد جاء ليصالحنا ، فإذهب أنت يا أخي وصالح غيرك لا تقل كيف أذهب أنا ؟ هم الذين يأتون كلا ، فإن الذي يقوم بالصلح ، هو الذي ينال بركته ولا تقل كيف أصالح ابني ، أو أخي الأصغر ، أو خادمي ، أو مرؤوسى ، وأنا الكبير ؟! إعرف أن الكبير هو الكبير في قلبه وفي حبه ، في فضائله وفي احتماله . والله لا يقيس الناس بمقياس السن أو المركز ، بل بنقاوة القلب ومهما كنت كبيراً ، فلن تكون مطلقاً في درجة الله الذي سعي لمصالحة عبيده ومخلوقاته ! وحاذر من أن تطلب إحتراماً يليق بك ، حتى لو كان يليق بك المجد والكرامة !! بل أطلب محبة الناس وبركتهم وفي ذكري الميلاد تذكر تواضع الرب الذي نزل من سمائه إلينا ، فكيف لا نتنازل بعضنا للبعض وفي مصالحة الناس ، لا تفكر في خطية غيرك ـ كبيراً كان أم صغيراً ـ وإنما فكر في نقاوة قلبك ، وضع أمامك تواضع الرب في مصالحته للبشر .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
01 يناير 2025
الأحد الثالث ميمر زيارة العذراء مريم لمار يعقوب السروجي
الممجد بين الصفوف اللابس البهاء النور المرعب الكاروبيم تجسد بالعذراء مريم ماليء الكل نزل وحل فيها السموات كرسيه ومريم العذراء أمه أتت هذه البتول العظيمة الممتلئة نعمة لتفرح مع العجوز العاقر اليصابات التقت الممتلئة نعمة بابنة اللاويين ،والدة المكروز به ووالدة الكارز تكلمت بلسانها سلاما نقيا حسن المريم أن تتكلم بالسلام لأنها زرعت السلام للبعيدين والقريبين وصارت كالكنز الممتلىء سلاما للبشر ،والوقت أدرك هذا الطفل داخلها وبدأ يتحرك بابتهاج فى بطنها أعطت العذراء السلام كما قبلت السلام من العلو ليصحب العالم جميعه وحسنا قالت لأن السلام فى بطنها فأعطت السلام بشفتيها حيث تعظم التابوت تحرك داود بفرح قلب قدامه ولم بحفظ طقس تاجه العظيم ،ويوحنا أيضا تحرك وهو جنين أكثر من داود اذ لم يحفظ الوقت الى زمانه فالعذراء صارت تابوتا للاهوت لأن سيد الأسرار حل داخلها لقد تحرك الجنين ببهجة فى بطن أمه وكأن هذه الكلمات كانت تقال من يوحنا عندما تحرك من أجل سیده ها مصور جميع الأطفال صار طفلا ،والعظيم المالى السموات حل في بطن البتول هذا الآتى انه حمل اللاهوت الذي سيقدم ذاته عن الخطاة هذا هو حامل خطايا العالم كله الذي سيعتق جنس البشر من العبودية هذا المشرق نوره لظلام الجحيم والذي يخرج آدم من الهلاك هذا الذى سيحل اللعنة بميلاده الجديد هذا الحال فى البطن الصغير لا تحده السموات الطفل في بطن أمه عرف بالروح القدس انه هو الابن الوحيد بشر به فى المكان المخفى لأنه سیکرز به بین الجموع أظهر أنه عرفه وقبل أن يخرج بشر العالم لكى لا يهرب أحد عندما يشهد بكرازته شهد للابن أنه سيد الخليقة كلها دهش متضاعف بالعجوز التي صار طفلها كارزا ،وبالعذراء البتول التي حبلت حبلا طاهرا دون أن تعرف رجلا وبغير زواج سلام مريم دخل الى أذن اليصابات وسمعه الجنين في البطن فعرف سيده وبدأ يتحرك ابن البتول ملأ يوحنا وهو في البطن من عطاياه أرسل له الروح القدس فملأه قوة وكرازة بسلام مريم امتد روح ابنها اليه وهو داخل البطن ذلك الذي أعطى الروح القدس لتلاميذه الاثنى عشر ورسله المكرمين ،والذى لا يستطيع أحد ما أن يأخذ شيئا الا به الروح القدس افتقد اليصابات وبدأت تلك العجوز تتكلم بالنبوة سمعت السلام فقبلت الروح ،وسجدت أمام العذراء وقالت بمحبة لها مباركة أنت في النساء أيتها المباركة،ومباركك هو الثمر الحال في بطنك المقدس مبارك هو حضن بتوليتك ومن أين لي أن تأتى الى المباركة الحاملة للعظيم الذى شاء أن يأتى صغيرا ،وهل لي أن أتكلم يا أم الملك فأمجد الحال فيك الذي أتى ليفتقد مسكنتي أيتها الطوباوية الذي فيك هو من يخافه السمائيون بطنك متلىء من ذلك اللهيب الذى به تضمحل سائر أشواك الأرض منك يخرج الأسد الذي عندما تنظره الذئاب تفر منه حملت الشعاع الذى يضيء المسكونة ،وبه يضمحل حزن العالم النور انحجب في داخل بتوليتك أيتها البتول من أين لي أن تأتى الى الرب هو ابنك قالت مريم حسنا تكلمت لأن ذلك الحبل مدهش جدا من أظهر لك هذا السر هل غبريال الملاك حين تكلم معى فقالت اليصابات أن غبريال لم يظهر لى السر بل الطفل الذي في هو ابن سر ذاك الذي تحملينه فمن حين نظرتك وقبلت سلامك تحرك فى الجنين بفرح من أجل سيده الآتي اليه
فقالت مريم تعظم نفسى الرب وتبتهج روحي بالله مخلصی لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الان جميع الأجيال تطويني قدس القديسين صار فى بيت الكاهن العظيم وفيه خدمت تلك العظيمة بالاتضاع كل الأفراح صارت هناك تبتهج العاقر بحركة طفلها المدهش ،وتفرح البتول بالحبل المقدس الذي فيها الكلمة فى مريم ،والصوت في اليصابات اختار البتول التي بلا زواج ليشرق منها جسدياً ،وأرسل الصوت بالزواج ليتقن الطريق ويهيىء السبيل قبل أن يأتي لأن الصوت يتقدم الكلمة عند السماع ويقرع به ليفتح الباب فتدخل الكلمة فاذا ما بلغت بشارة الكلمة الى باب الآذان تبقى داخله من داخل البطن أسرع يوحنا النور ولم يتقدم يوحنا صار صوتا لكلمة سيده عرف حده من أين وأين بكمل صنع بدء كرازته داخل البطن ،وكمل عند معمودية الأردن أخذ خبز العريس ببهجة عند أمه ،ومضى ليشرق في أذني العروس بشر للجموع فدخل العريس وخدم الأسرار اذ صار يوحنا صوتا كما تنبأ عنه اشعياء النبى ، لهذا تحرك قدام الكلمة بفرح عظيم انه رسول الكلمة وصوتها المبشر بها كاروز مرسل قدام الكلمة ، وحين سأله العبرانيين من أنت أجاب انه الصوت المرسل ليكرز بالكلمة فلم يدع نفسه ايليا أو نبياما نظر الى عمله ان الكلمة هو الذي أرسله كالصوت أنا صوت صارخ ،ويأتى بعدى أذ بعد الصوت تسرع الكلمة الى سماعها ،واذ أرعبته الكلمة في بطن أمه تحرك بالتبشير ،والكلمة والصوت صارا بهما دهشا عظيما فمبارك هو الابن الكلمة الذي كرز به ذلك الصوت عند ظهوره ولالهنا المجد الدائم الى الأبد . آمين
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
31 ديسمبر 2024
يا ملك السلام
يا ملك السلام أعطنا سلامك قرر ﻟﻨا سلامك واغفر ﻟﻨا خطايانا نشكرك یارب لأنك أعطیتنا ھذا العام المنصرم وأتیت بنا إلى نھایته، وھا نحن نستعد لاستقبال عامًا جدیدًا من یدك الحانیة عالمین أن عینك علینا من أول السنة إلى آخرھا تقود خطواتنا وتھیئ طریقنا لأنك إله خلاصنا نشكرك یارب یا محب البشر على عطایاك الكثیرة في كل صباح نشكرك یارب على كل حال ومن أجل كل حال
وفي كل حال نشكرك یارب لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وعضدتنا وأتیت بنا إلى ھذه الساعة
رأیناك یارب صانع الخیرات في حیاتنا وعنایتك بنا واضحة في عطایاك من ھواء وماء وشمس وطبیعة وفلك ونھار ولیل وأشجار ونباتات تزین حیاتنا وتمنحنا الطعام والغذاء لنا ولكل الكائنات الحیة التي تعطینا طعامًا حسنًا في حینه أعطیتنا الصحة والقدرة والبركة في حیاتنا وأرضنا وبیوتنا وكنائسنا وبلادنا ونحن نراجع حیاتنا سقطنا في أخطاء وخطایا وسھوات وأفعال وأفكار لا ترضي صلاحك یا محب البشر بإرادتنا وبغیر إرادتنا صنعنا خطایانا الخفیة والظاھرة وكثیرًا یارب ما أھملنا حیاتنا الروحیة والنفسیة والجسدیة وكثیرًا یارب ما تعدینا وصایاك أو نسیناھا وكثیرًا یارب ما بردت محبتنا نحو بعض الناس أقرباء أو أصدقاء أو زملاء ونسمع صوتك وعتابك لنا " عِنْدِي عَلَیْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى "فَاذْكُرْ مِنْ أَیْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ" (رؤ ۲: 4 ,5) ھا نحن نأتي عند قدمیك طالبین عفوك ورضاك راجین رحمتك وتحننك على كل ضعفاتنا واثقین أنك یاربي وأنت على عود الصلیب تسفك دمك الثمین من أجل خطایانا وضعفاتنا ودمك یطھر كل خطیة
یارب اسمع..
یارب أصغِ..
یارب استجب..
یا سیدنا الصالح..
لقد تعبنا في أیام كثیرة وصارت الضیقات تكاد تخنقنا ولكننا في رجاء وإیمان نرفع قلوبنا طالبین
یدك الحانیة كي ما تؤازرنا وتسندنا وتقیمنا ومرات یارب نتعب من بعض الناس وتصرفاتھم نحونا أو نحوك یارب ونصرخ إلیك إلى متى یارب تنسانا فلا تصرف وجھك عنا بل تحنن علینا ولا تعاملنا بحسب ضعفنا یا إلھنا الصالح ضابط الكل الصغیر والكبیر البعید والقریب اضبط أفكارنا وشھوات قلوبنا الردیئة، واضبط ھذا العالم المضطرب بأمواج العنف والحروب والصراعات التي تنزع كل سلام من القلوب ارحمنا یارب من قساوة القلوب والتي لا تمجد اسمك أیھا الخالق العظیم ارحم العالم من ھؤلاء البشر الذین تجبرت قلوبھم وكانوا سببًا في إیذاء الناس نساءً وأطفالاً ورجالاً في أي مكان لقد جئت یا سیدنا الصالح لتعطي الناس مسرة وفرح وسعادة في كل مكان، وجئت لتكون مصدر السلام والطمأنینة لكل محتاج،وجئت وحللت في أرضنا حبًا فینا في كل إنسان خلقته، وجئت لكي نشعر ونقترب إلى حبك العظیم وحضورك البھي في حیاتنا وإشراقة النور في قلوبنا ولكن خطایانا جلبت لنا الظلمة والقساوة حتى تھنا في ھذه الحیاة ولكننا نعود ونطلبك یا نور العالم لكي ما تنیرالقلوب والعیون وتعطي نورك لكل نفس ضائعة أو تائھة أو ناسیة وجودك أیھا الإله العظیم ننادیك یارب بدموع قلوبنا من أجل المجروحین والفاقدین الرجاء والذین أضاعوا حیاتھم بلا منفعة وابتعدوا عن خلاصك اذكر یارب سلام العالم وسلام كنیستك والخدمة في كل مكان اذكر یارب سلام بلادنا وأرضنا مصر وكل الشعب وكل المسؤولین الأمناء الذین یقودون حیاتنا نصلي إلیك من أجل المرضى والمتعبین والثقیلي الأحمال والذین في ضیقة أو شدة، ومن
أجل أولادك وبناتك الصغار والفتیان والشباب ومن أجل كل أسرة لكي تحفظھا في مخافتك وتدبر أمور حیاتھم وتبارك أعمالھم وحیاتھم نصلي إلیك من أجل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكھنة والشمامسة والخدام والخادمات والمكرسین والمكرسات والرھبان والراھبات نصلي إلیك من أجل النفوس الضعیفة والغیر قادرة من أجل النفوس المشتاقة إلیك وإلى الحیاة معك والتمتع بخلاصك وفدائك یا ربي یسوع المسیح یا حبیب النفس ورفیق الحیاة اشمل العالم برحمتك حنن قلوب المتولین علینا واحفظنا في اسمك القدوس الذي ھو برج حصین لكل من یحتمي فیك اذكرنا يارب بشفاعة أمنا القديسة مريم فخر جنسنا والقديس مارمرقس الرسول شفيع أرضنا وكافة القديسين والأبرار والصديقين وبركة هذه الأيام المقدسة وحضورك وتجسدك ومن أجل خلاص كل البشر لك ﻛﻞ ﻣﺠد و كرامة وسجود إﻟﻰ الأبد آمين.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
30 ديسمبر 2024
الحياة الهادفة
الجلوس مع النفس وتقرير المصير ..
فى نهاية عام ميلادي وبداية عام جديد وفى المناسبات الهامة فى حياتنا علينا أن نجلس مع أنفسنا ونتأمل فى ماضينا وهل نحن راضون عما صنعناه فيه، وهل لو عاد بنا الزمان للوراء فهل سنختار نفس النمط من الحياة أو هل كنا نعمل على تغيير أهداف حياتنا؟. علينا أن نتعلم من دروس النجاح أو التعثر فى الماضي ونأخذ دروس منه للحاضر ونبنى عليها للمستقبل الأفضل على المستوى الشخصي أو الاسرى او الكنسي او حتى على المستوى العام يجب ان لا نحيا على ذكريات الماضي أو ننشغل بالمعارك الجانبية او نهدر وقتنا فيما لا فائدة منه حتى نواصل الحياة بنفسية سوية وان نكون مسرعين الى الاستماع لنتعلم من خبرات الاخرين ونكون مبطئين فى التكلم او الغضب لنتجنب الكثير من الاخطاء { ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب. لان غضب الانسان لا يصنع بر الله}( يع 19:1-20) ان اليوم هو الفرصة المتاحة أمامنا للتفكير والتغيير والاصلاح ويجب ان نشمر عن سواعدنا للبناء والتجديد الروحي والفكري والاجتماعي. يجب ان نقدم فى يومنا توبة عن أخطاء الماضي ونعرف ارادة الله لنا ونعملها { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) علينا ان نحيا سعداء بعطايا ونعم الله المتنوعة التي بين أيدينا مادام امامنا المستقبل فيجب علينا ان نفكر فيه وكيف وماذا نريد ان نكون عليه {ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام} (في 3 : 13). علينا ان نخطط ماذا نريد ان نكون بعد سنه وعشرة سنوات وعشرون سنه ان منحنا الرب العمر ونتابع بصدق وأمانة عملنا للوصول الى أهدافنا وننمو فى حياتنا. فهل يمكن لسائق مركبة ان يصل الى مدينة معينة فى زمن محدد ان لم يسلك فى طريق الوصول اليها بدقة ؟ ان حياتنا هكذا لا يمكن ان ننجح فيها ونصل الى ما لا نريد ان لم تكون حياة هادفة لتصبح ذات قيمة ومعنى ونصل فيها الى العيش السعيد والحياة الابدية لا يستهين أحد منا بقدراته وإمكانياته فنحن فى يد الله نستطيع ان نكون قوة وبركة فخمسة ارغفة صغيرة لدى فتى قدمها ليد الرب القدير أشبعت خمسة الاف رجل ماعدا النساء والأطفال ورجل غريب فى بلد بعيد قديما هو يونان النبي الهارب قاد المدينة كلها للخلاص { واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 27-28) . لقد تعلل موسى النبي عندما كلمة الله ان يذهب الى مصر لاخراج الشعب من العبودية بانه ثقيل الفم واللسان ورفض المهمة وعاد الله يلح عليه ويقدم له البراهين حتى أقنعه وهل كان الله عاجز عن إخراج الشعب بغير موسى؟ كلا طبعا ! ولكن الله يريد ان يشركنا معه فى العمل. كما رفض إرميا النبي الدعوة محتجا بصغر سنه {فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد. فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب وتتكلم بكل ما امرك به. لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمي و قال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس}( ار5:1-10). واستخدم الله ارميا النبي بقوة لينادى فى الشعب بالرجوع الى الله بالدموع والكلمة والحكمة والمثل. وانت ايضا مدعو للاشتراك مع الله فى كل عمل صالح .
أهداف مرحليه فى حياتنا:-
الاهداف المرحليه فى حياتنا هي أهداف تؤدى وتخدم الاهداف الاساسية وتقود للوصول اليها . نحن نسعى الى النجاح فى الدراسة أو العمل. أو نسعى الى تطوير أنفسنا أو الى التقدم فى مجال عملنا، او حتى علاج المشكلات التي نواجهها وحلها والتغلب على الأزمات التي نتعرض اليها ، وقد نسعى الى تقوية علاقاتنا القائمة او ايجاد علاقات ومجالات جديده. او قد نسعى الى جمع المال أو الوصول الى وظيفة أو منصب معين. وقد يسعى البعض الى تكوين أسرة سعيدة أو مساعدة الابناء فى حياتهم ونجاحهم وقد يكون هدف البعض منا النمو فى المال الروحي أو العملي أو الإجتماعى او الوطني ونسعى لتأمين مستقبل أفضل لنا ولمن هم حولنا. ويجب ان تكون غاياتنا وأهدافنا المرحلية واقعية وقابلة للتحقيق ونعمل لإمتلاك الامكانيات والمهارات اللازمة للوصول اليها كما يجب ان تكون وسائلنا سليمة غير خاطئة حتى نصل الى اهدافنا ان نجاحنا فى تحقيق اهدافنا فى الحياة يتأتى من تحديدنا لهذه الاهداف، ولهذا يجب ان تكون اهدافنا واضحة ومحدده ومخططه ثم نخضعها للمتابعة والمراجعة والتقييم والتصحيح فليس من العيب التراجع عن قرار خاطئ او طريق لا نجد فيه أنفسنا بل العيب هو ان نعاند أنفسنا ونكون ما يريد البعض منا ان نكون. يجب ان نكون ايجابيين لا ندع الايام تقودنا كيفما يشاء القدر بل نصنع حياتنا بانفسنا على قدر طاقتنا. ونجاحنا يبدأ من الداخل ومن معرفة الانسان لإمكانياته وتطويرها يجب ان نعمل ما نراه فى الاتجاه السليم لتحقيق غاياتنا والسير حسب ارادة الله لنا بما يوافق طبيعتنا ويناسب ظروفنا. ويجب ان لا ننهزم امام الخطية والشر أو الفشل فى بعض محطات الطريق وان يكون لدينا الاصرار على بلوغ وتحقيق أهدافنا ونناضل من اجلها ولنسعى ان نكون ناجحين فى كل شئ {ايها الحبيب في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا كما ان نفسك ناجحة} (3يو 1 : 2).
الاهداف الاساسية المراد بلوغها:-
ان لكل منا رسالة فى الحياة يجب ان يؤديها { ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية}(2كو 3 : 3). كما انه يجب ان تفوح منا رائحة المسيح الذكية وسيرة المقدسة كسفراء للسماء { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور} (2كو 2 : 14- 16). ولكل واحد وواحدة منا مهام يجب ان يقوم بها ويتاجر بالوزنات المعطاة لنا من الله ويربح ليسمع الصوت الحلو { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 21). يجب ان ناخد من نور السيد المسيح ونستنير وننير الطريق للغير ونكون ملحاً جيداً يعطى مذاقة روحية لغيرنا ويكون كلامنا واعمالنا شهادة حسنة على اننا اناس الله القديسين. فلنختبر أنفسنا وهل نحن نسير فى الطريق الصحيح للتوبة والحياة مع الله والنمو فى حياة الفضيلة والإيمان للوصول الى القداسة والاتحاد بالله {جربوا انفسكم هل انتم في الايمان امتحنوا انفسكم ام لستم تعرفون انفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين }(2كو 13 : 5). لنبنى أنفسنا على ايماننا الاقدس {واما انتم ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20) يجب ان نمتد وننمو فى محبة الله وتعميقها فى النفس ويقاس ذلك بمدى حرصنا على ارضاء الله وعدم خيانته بالانحياز الى الشيطان وحيله وأفعاله الشريرة. والحرص على الايجابية المسيحية في صلاة وصوم وخدمة ومحبة للاخرين وسعى الى خلاص النفس وصداقتها لله وارتباطها به وبإنجيله والعمل بوصاياه {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21) فى سعينا نحو الاهداف الأساسية يجب ان نسعى الى حياة القداسة {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب }(عب 12 : 14) ونحرص ان يكون لنا نصيبا وميراثا مع القديسين فى ملكوت الله . فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه (مت 16 : 26). وفى هذا نسعى الى معرفة الله والنمو فى محبته {وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو 17 : 3) علينا الإهتمام بخلاصنا الابدي عالمين ان ملكوت الله ليس أكلا وشرب {لان ليس ملكوت الله اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس} (رو 14 : 17) ان ملكوت الله ليس عنا ببعيد بل ان إقتراب الله الينا بالتجسد الإلهي وحلول المسيح بالإيمان فى قلوبنا جعلنا سعداء { ملكوت الله داخلكم }(لو 17 : 21). فحياتنا فرصة عظيمة كل يوم لتنمية نفوسك وعلاقاتنا بالآخرين سواء فى محيط الأسرة الصغيرة أو العائلة او الكنيسة او العمل او المجتمع الذى تنتمى اليه ، نحبهم ونخدمهم ويكون لدينا فرصة للنمو فى محبة الله الى ان نصل الى الشركة والصداقة الدائمة معه أحبائي داخل كل منا فراغ كبير لا يملائه الا الله ، قد يكون من الاهداف المرحلية ان نحصل على السعادة والحياة الفاضلة الكريمة، وقد يخطأ البعض فى اهدافهم نحو إشباع هذا الفراغ بالماديات والمراكز او اللذات او اشباع غرور الذات بالمناصب والشهوات ويظل الجوع الانساني والحاجة الى الواحد الذى هو الله فى حاجة الى الاشباع لقد خلقت نفوسنا على شبه الله ومثاله ولن تجد راحتها ولا سعادتها الا فيه وعندما تستريح معه وتكتشف من جديد الغنى الروحي والجوهرة الكثيرة الثمن داخلها فهي على استعداد للجهاد والعمل الدؤوب وعدم التوقف لتحقيق ارادة الله بها وفيها { لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها}(اف 2: 10)، أمين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 ديسمبر 2024
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر كيهك
تتضمن ذو الكبرياء ومدح التواضع مرتبة على قول السيدة البتول بفصل اليوم:
"تعظم نفسى الرب لأنه نظر إلى اتضاع أمته صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين .( لو ١ : ٣٩-٥٦ )
اورد البشير بفعل الانجيل اليوم تسبحة البتول الطاهرة مرت مريم التي قالت في مطلعها " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي لأنه نظر إلى "بهذه التسبحة سبحت البتول الله عند ما علمت أنها ستكون اتضاع أمته أما لمخلص العالم.وهذه الأقول تصرح لنا على نوع ما بما شعرت به البتول من حاسيات الشكر الوافر الله تعالى على نعمته الجزيلة وبأن الله ينظر إلى اتضاع المتضعين ويرفعهم ويرذل كبرياء المستكبرين ويشتتهم فيجب علينا أولاً: ان نتشبه بها في تقديم الشكر لله كل حين على ما ينعم به علينا من النعم والخيرات الكثيرة والمتنوعة ثانياً: يجب علينا أن نتعلم منها الاتضاع لأنه فضيلة ضرورية للخلاص ولازمة كالأيمان وأى شئ الزم من هذه الفضيلة التي بدونها لا يمكن للأنسان ان يرضى الله وهذا ما أوجه التفاتكم إليه
يقوم التواضع أيها الأحباء بأحتقار الأنسان لنفسه واعتباره للقريب وقـــد أمر به السيد المسيح بقوله : " تعلموا منى لأني وضيع ومتواضع القلــــب وقال الرسول يعقوب: " أتضعوا قدام الرب فيرفعكم قال بطرس الرسول أيضاً: كونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقـــاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة فالله إذن يحب التواضع ولأجل هذا قد افتتح اعمال حياته الارضية بالتجسد ولهذا بعينه قد اختار البتول الطاهرة لتكون هيكلاً مقدساً يقدم فيه لأبيه الازلى أول أفعال السجود والتواضع العميق لان هذا الهيكل الإلهى مبنى على التواضع ومقدس به الله يحب التواضع وهاكم الامثلة على ذلك من الكتاب المقدس. إني أرى الرماد مقروناً بالمسموح ليكون دليلاً على التوبة وذلك لان تواضع القلب تصحبه الندامة وأرى عشاراً يطلب الرحمة والغفران بدون أن يرفع عينيه نحو السماء لان التواضع يستمد المغفرة التي يأملها الرجاء وأرى أمراة كنعانية تتبع المخلص وهو يظهر لها أنه يرذلها ويحتقرها فتعترف انها تستحق الاحتقار ولم تزل تستغيث بقدرته حتى أدركت مناها وأرى المجدلية تتبع المخلص لان التواضع كـــان وأرى الإله المتأنس أمام أقدام تلاميذه يقـــــدم يرشد المحبة المضطرمة في قلبها لهم في شخصية مثال التواضع بغسله أرجلهم. وقوله لهم: " فإن كنت وأنا السيد قــــد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض لاني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت بكم تصنعون أنتم أيضاً إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " يسوع تواضع واطاع حتى الموت موت الصليب من أجلك أيها الانسان إلا تخجل من أن تكون متكبرا ؟ إلا تعلم أن الكبرياء هي مصدر للجحود وكل شر كيف لا وهي التي اسقطت الملائكة من السماء ثم اسقطت جدينا الأولين من قمة المجد والهناء إلى هذا الهوان والشقاء وهي بذاتها التي يغتر بها الناس لتبعدهم عن الله والكبرياء على أنواع:
الأول: هو ما يدعوا الانسان لان يدعى بأن كل ما يحصل عليه من الخير إنما هو بقوته وفرط ذكائه أو بحسبه وجاهة من دون مؤازرة الله له وهذا النوع بعينه هو الذي أسقط رئيس الملائكة القوى لأنه قال " أصعد فوق مرتفعات السحاب وأصير مثل العلى"
الثاني: أعجاب المرء بنفسه لماله وحسبه أو لحسن عمله وعلمه.
الثالث: أعجاب المرء بقوته وجماله وشجاعته وغير ذلك من أنواع . الكبرياء وهي على كل أنواعها مضرة." فتمقته من الله والناس وشأنها أرتكاب الأثم أمام الفريقين"نعم لأن الكبرياء هي أول الخطا ومن رسخت فيه فاض ارجاساً ولو قلبنا صفحات تاريخ الاقدمين لوجدناها مليئة بأخبار الويلات وأنواع البلاء التي صبت على رأس بنى الانسان بسبب الكبرياء فكم من ملك جاهل أو متسلط قاس رغبة منه في حفظ مجده وسطوته وأمتداد ايام مملكته قد أسعر نار الحروب في جميع البلاد فشكل الأمهات ويتم الأولاد. وكم من عميد أمه أو عائلة بسبب الكبرياء فقد سلامته وسلامة أمته أو عائلته بل وفي هذه الأيام نرى الكبرياء سبباً لكل نزاع وخصام، فهذا يسعى فى ضرر غيره بدعوى أنه أهانه بعدم أداء الواجب له من الاحترام وهذا يغتاب غيره لاستقامته وآدابه مفتريا عليه الملثم ليخفضه فيستقل هو برفعة الشأن وغير هذا كثير مما يثبت أن الكبرياء مصدر لجميع الشرور وسبب الأثام بأسرها وإلا فقل لى من أين يتاتى العصيان والعناد ؟ وما هي علة البدع والأرتقات والمنازعات بشأن الاعتقاد ؟ أو هل صدر شئ من ذلك عن غير الاستقلال بالرأى وحب الذات وطلب التكبر على العباد ؟ أو هل يخلو مجمعكم من أنسان يروى معائب الناس ويتحدث دواما بالتنديد على أشخاصهم وأعمالهم وأقوالهم؟ فإذا قيل أمامه إن فلانا عالم قال انه أجهل الجاهلين وأن ذكر غيره بالتقوى قال أنه من المرائين وإن ذكر أخر بأنه كاتب منشئ بليغ قال أنه سارق أو مقتبس من أقوال غيره من المتقدمين وبالأجمال لو تذكر له شئ من مأثر الآخرين إلا واجاب بلو كان وعظيم ولكن وغيرها من عبارات الطعن والتنديد المشين ومما يوجب الاسف والحزن الشديد أن الناس من أدنى الخلق حتى الفلاسفة ذاتهم يفتخرون ويرغبون في من يطنب في مديح صفاتهم وأعجب من ذلك أن الذين يكتبون ضد التكبر والافتخار يحبون لانفسهم الفخر بأنهم أجادوا في ما كتبوا ويكتبون فماذا يستفيد المستكبرون والمتفاخرون إذا كانوا لا يحصلون على غير ما يوقعهم في الذل والهوان؟ ويسيرهم محتقرين عند الله والناس فيعاندهم دهرهم فيما يشتهون أخيرا يكونون مظهرا لنقمة الله وإليكم أثبات ذلك فيما يلي :-
أن الكبرياء تقوم بحب التفرد بالمجد والعظمة والله الذى هو مصدر كل مجد وخير لا يريد أن يأخذ مجده الغير لأنه إله غيور ) فهو ذلك يقاوم المستكبرين ويذلهم كما أذل فرعون بالضربات وغرقه في البحر الأحمر مع كل رجاله ومركباته وكما سمح بقتل اليفانا بيد يهوديت وكما ضرب أنطيوخــس الذي صرخ من شدة الامه قائلا: " حق على الانسان أن يخضع له وان لا يحمله الكبر وهو فان إن يجعل نفسه معادلا لله واريوس أيضا الذي أدى به كبريائه أن ينقض تعاليم الكنيسة والأباء فضربه وهو سائر بين مشايعيه ليدخل الكنيسة الكبرى بالقسطنطينية فلم يكد يدنو منها حتى شعر بثقل فمال إلى مكان منفردا لقضاء حاجة طبيعية فساد تبطاؤه ومضوا ليروه فوجدوا ملقى على وجهه ولا حراك به ملطخا بدمائه وأمعائه كانت ملقاة بين الأقذار فما أتعس نهاية المتكبرين الأشرار وما أسوأ حالهم لأن أيمانهم باطل بدليلى توبيخ السيد لهم بقوله: " كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضـــــــم مــــن بعض والمجد الذى من الاله الواحد لستم تطلبونه" فسبيلنا إذن أيها الاحباء ان نتواضع لنرتفع وننجو من كل المتاعب ولكن افتخارنا بالرب فنجوز هذه الحياة آمنين ونحظى بالنعيم الذي لا يزول بتعطف وتحنن فادينا الذي له المجد إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
28 ديسمبر 2024
ها أنا صانع معكم أمرا جديداُ
[ لاَ تذكُرُوا الأوَّلِيَّاتِ0 وَالقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأمَّلُوا بِهَ هأنَذَا صَانِعٌ أمْراً جَدِيداً ]( أش 43 : 18 – 19 ) 0
مِنْ أجمل العطايا التَّى يُعطِينا إِيَّاها الله أنّهُ دائِماً مُتجّدِد معنا ، كُلّ يوم يُعطِينا بِداية جدِيدة ، يُعطِينا أسابيِع جدِيدة وَشهُور جدِيدة وَسنيِن جدِيدة عيد رأس السنة عيد كنسِى وَليس مُجرّد مُناسبة إِجتماعيَّة ،وَالنَّاس حوّلوه إِلَى مُناسبة إِجتماعيَّة يحتفِلُوا بِهِ بِطريقة عالميَّة ، بينما هُوَ مُناسبة مُباركة لأِنّهُ أتى بِنا لِهذِهِ الساعة ،وَسمح لِعُمرِنا أنْ يكُون لهُ إِضافة وَأنعم علينا بِأيَّامٍ جدِيدة ، لِذلِك هُوَ مُناسبة مُباركة نحتفِل بِهِ بِفِكرٍ رُوحانِى وَمشاعِر رُوحانيَّة وَنمثُل فِيهِ أمام الله فِى العهد القديم كان الله يُحِب المُناسبات وَالأعياد وَأعتبرها مُناسبات لِلإِلتقاء معهُ وَتكُون حضُور مُفرِح معهُ ، الله يُحِب العيد كمُناسبة لِلإِتحاد بِهِ وَالمثُول أمامهُ النَّاس عامةً مُعتادُون تبادُل الهدايا فِى الأعياد ، فما هى الهدايا التَّى نُقّدِمها لهُ فِى هذِهِ المُناسبة ؟ نُقّدِم لهُ قلوبنا وَأعمارنا وَحياتنا لأِنَّها كُلّها مِنْ يدِهِ وَمِنْ يدِهِ وَأعطيناه هذا جمال المُناسبة أنْ نحتفِل بِها فِى وجودنا مَعْ الله وَلِنبدأ بِداية جدِيدة ، بِالتأكيِد يوجد داخِل كُلّ واحِد فِينا أنيِن يُعّبِر عَنْ إِشتياق لِبِداية جدِيدة مَعْ الله وَحُزن على أُمور العام السابِق سيِّدنا مثلث الرحمات البابا شِنوده الثالِث لهُ مقولة فِى هذِهِ المُناسبة هى [ هل أُعزّيكُمْ عَنْ العام السابِق الّذى أغضبتُمْ فِيهِ الله أم أُهنّيئكُمْ بِعامٍ جدِيد ] فِى هذِهِ المُناسبة لدينا مشاعِر حُزن على ما فات وَأمل فِى الجدِيد ، نادِميِن على ما فعلناه وَمُشتاقيِن لِعامٍ جدِيدٍ معهُ ، وَمِنْ حنانه أنّهُ يُعطِينا صفحة جدِيدة بيضاء وَيُرِيد أنْ يرى ماذا سنفعل ؟
مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ لِي الحياة هى المسيِح وَالموتُ هُوَ رِبح ] ( فى 1 : 21 ) ، إِذن الحياة تُساوِى المسيِح ، أىّ الحياة هى المسيِح ، العُمر الّذى نحياه عطيَّة مِنْ الله ، لِذلِك لابُد أنْ يكُون بِالكمال مِلك لله ، يملُك الله على مشاعِرنا وَأفكارنا وَقلوبنا لِذلِك عيد رأس السنة مُناسبة لِتجدِيد العهد مَعْ الله وَالشعُور بِوجوده فِى حياتنا ، وَمُناسبة نفرح فِيها بِعمل الله معنا ، فَكَمْ سترنا وَكَمْ أعطانا عطايا كُلّها مُفرِحة لِذلِك هذِهِ المُناسبات عدو الخير يُرِيد فِيها أنْ يُضّيِعها مِنّا لأِنَّها مُناسبة تجدِيد عهد مَعْ الله ، لِذلِك يُلهِينا فِيها بِالعالميات لأِنّهُ يُرِيد أنْ يكُون الإِنسان فِى جهل عُمره كُلّه حتَّى لاَ يلتفِت لله وَيلتقِى معهُ ،لِذلِك نرى مظاهِر إِحتفال عالميَّة لِهذِهِ المُناسبة يُعلن عنها مِنْ قبلِها بِفتره ،حتَّى المُناسبات الرُّوحيَّة يُرِيد عدو الخير أنْ يُحّوِلها إِلَى شر !!!!!!
نحنُ نُوّدِع سنة وَنبدأ سنة جدِيدة مَعْ الله بِرحمتِهِ وَحقِهِ وَكُلُّنا رجاء فِى رحمتِهِ وَحُبِّهِ وَحنانه ، وَمِنْ أكثر الأشياء التَّى يُقاتِلنا بِها عدو الخير فِى هذِهِ المُناسبات رُوح اليأس ، فلو جلسنا مَعْ أنَفُسِنا نئِن على مافات ، وَيقُول لنا عدو الخير أنَّنا لاَ نصلُح لِلحياة مَعْ الله ، فنحنُ لَمْ نحيا معهُ فِيما فات لكِنْ نُرِيد أنْ نحيا معهُ الآن ، هذا ليس مِنْ الله لِذلِك يقُول أشعياء النبِى [ لاَ تذكُرُوا الأوَّلِيَّاتِ0وَالقدِيمَاتُ لاَ تتأمَّلُوا بِهَا هأنذا صَانِعٌ أمراً جَدِيدا ] ،هذِهِ الكلِمات قالها الله لِناس عاشت فِى شرٍ لاَ يُوصف وَعِبادِة أوثان ،وَهُو اليوم يقُول لنا هذِهِ الكلِمات أيضاً لاَ تتكلّم فِيما فات وَعَنْ خِداع عدو الخير فِى حياتك بل تكلّم معِى عَنْ عملِى فِى حياتك ، نحنُ لاَ نثِق فِى مهارِة الطبِيب لكِنّنا نشعُر بِتعبنا فقط ، وَهذا عمل عدو الخير ، إِلهنا قوِى قادِر أنْ يجذِب الإِنسان مِنْ أعماق الدنس وَمِنْ الظُلمة إِلَى النَّور ، إِحذر أنْ يُشعِرك عدو الخير بِأنّ خطيتك أقوى مِنك ، حتَّى وَإِنْ كانت قويَّة ،الله أقوى مِنها وَقادِر أنْ يرفعها عنك [ يا حامِل خطيَّة العالمِ ] لمّا تثقُل خطيَّة الإِنسان عليه وَرُوح اليأس يدخُلهُ ،ينظُر إِلَى القديس مُوسى الأسود وَالقديس أُوغسطينُوس فيشعُر أنّ الله أقوى مِنْ كُلّ قوَّات الظُلمة ، عدو الخير بِاليأس يُثّبِت فِينا الخطيَّة لكِنْ [ لأِنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الفشَل بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالمحبَّةِ وَالنُّصْحِ ] ( 2 تى 1 : 7 ) ، أنا ضعيِف لاَ أستطيِع لكِنْ أنا ما أنا بل نعمة الله العامِلة فىَّ الله يُرِيد أنْ يُعطِينا الوعد مِنْ فمهِ المُبارك أنْ لاَ ننظُر لِخطايانا بِيأس لأِنّ هذا اليأس هُوَ يأس مِنْ خلاص الله وَهذا تجدِيف وَكأنّنا نقُول لهُ أنت لاَ تستطيِع خلاصنا كانت القديسة بيلاجية التَّى كانت تُسّمى راقِصة أنطاكية الأولى ، كانت تحيا فِى وحل الخطيَّة ، لكِنْ الله أنار عليها وَعاشت التوبة بِطريقة قويَّة وَكانت راهِبة باقِى حياتها فِى نُسك وَخِشُوع وَصلاة وَتوبة لمَّا الإِنسان يُقّدِم مشاعِر توبة وَيعلم الله دواخِله ، لمَّا الإِنسان يكُون نادِم على خطيته وَيُعلِن عدم راحته لها الله يُقيِمه ، أجمل شيء يفرّح الله اليوم أنَّنا نُقّدِم لهُ إِشتياقات وَأنيِن وَنشعُر أنّهُ حاضِر فِى وسطنا وَهُوَ يُقّدِس إِشتياقاتنا وَيُبارِكها ، هُوَ يُعطِينا عطايا لاَ نستحِقها مُشكِلتنا أنَّنا نقيِس الله بِمُستوانا ، لمَّا نحُزِن إِنسان وَيظِل فترة مُقاطِعنا حتَّى نعتذِر لهُ ، هكذا نقيِس عِلاقتنا بِالله بِمقياس بشرِى ، لكِنّهُ قال لهُمْ إِغفر لأخُوك سبعيِن مرّة سبع مرَّات أىّ 490 مرَّة ، الله ليس بِقصدِه 490 مرَّة بِالضبط ، بل السبعة هُوَ عدد الكمال وَالعشرة هُوَ عدد اللانِهاية ، أىّ إِغفر كمال اللانِهاية لأخُوك فإِذا كان الله يُطالِبنا بِكمال اللانِهاية فِى غُفران البشر لِبعضهُمْ فما هى مغفِرة الله لنا ؟ الشيطان لاَ يحتمِل هذا الكلام لأِنّهُ يُريد أنْ يُثّبِت فِينا أنَّنا مرفُوضُون مِنْ الله ، نحنُ بِالفِعل نافقنا وَأخطأنا لكِنّنا مقبُولُون مِنهُ وَبِهِ الله لاَ يجلدنا لكِنّهُ يبدأ معنا بِداية جدِيدة فَلاَ نستقبِل هذا اليوم بِروح الفشل بل نستقبِلهُ بِصلاح الله وَإِشتياق لِرِضاه وَلِحضوره فِى حياتنا وَنشتاق أنْ نحيا معهُ أيَّام وَأيَّام لِذلِك يُعطِينا رؤوس سنيِن لِهذا لمَّا نحضر اليوم بِمشاعِر توبة يكُون يوم مُفرِح ، وَلِنشعُر بِمراحِم الله المُتدّفِقه القادِره أنْ تُغّطِى كُلّ خطيَّة إِذا كان القديس أُوغسطينُوس وَالقديس مُوسى الأسود وَمريم المصريَّة وَبِيلاجية وَأخطى خُطاة العالم قبلهُمْ الله وَحوّلهُمْ إِلَى قديسين ، إِذن هُوَ قادِر أنْ يقبلنِى ،المُهِم أنْ أُقّدِم لهُ مشاعِر صادِقة وَهُوَ يُكّمِل ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
27 ديسمبر 2024
مائة درس وعظة (٦١)
تأثير كلمة الله
ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي» (يو ٦٩:٦)
ما أشهى أن يساير الإنسان شخصيات الكتاب ويتعلم منها "المساير الحكماء يصير حكيماً، ورفيق الجهال يضر "(أم ۲۰:۱۳ ) .
أولاً: شخصيات غيرتهم كلمة الله
بعض الأمثلة لشخصيات كانوا جهالاً وصاروا حكماء: ١- بولس الرسول في زمنه الأول كان شخصاً جاهلاً، رغم أنه تعلم على يد غمالائيل وهو من أرقى المعلمين في هذا الزمن. وعندما شاءت نعمة الله أن تنفتح عليه ويظهر له السيد المسيح في طريق دمشق تكون النتيجة أن تنفتح بصيرته ونسميه رسول الأمم، أى رسول كل كنائس العالم على اختلاف طوائفها، فقد صار حكيماً وفيلسوفاً بكلمة الله.
٢- بطرس الرسول: عندما ألقى الشباك على كلمة المسيح اكتشف ضعفه وخطيته وقال: «اخرج من سفينتى يارب، لأني رجل خاطئ» (لو٨:٥) . وأصبح بطرس الرسول الكارز الممتلئ حكمة.
٣-زكا العشار: أراد زكا أن يرى المسيح، مجرد نظرة، ولكن المسيح قابله عند الشجرة. والشجرة هنا رمز للصليب، فزكا عندما استجاب للصوت بدأ يتحرك بداخله اتجاه آخر: فوقف زكا وقال للرب"ها أنا أعطى نصف أموالى للمساكين،وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" (لو ۸:۱۹) فصار حكيماً .
٤-المرأة السامرية : تدرجت معرفتها بشخص السيد المسيح حتى تغيرت بأكملها،وتحولت من الجهل بعد مقابلتها للمسيح إلى إنسانة تؤمن بالمسيح، ومبشرة لأهل مدينتها وصارت قديسة وحكيمة.
٥- موسى النبى : بالرغم من أنه قال عنه الكتاب "فتهذب موسى بكل حكمة المصريين وكان مقتدراً في الأقوال والأعمال " (أع٧ : ۲۲)، إلا أنه كان عندما يتكلم مع فرعون يعود إلى الله، ليأخذ منه الحكمة السماوية التي يتعامل بها مع فرعون. ٦- إيليا النبي: امتلأ حكمة، ونجده يقول للشعب: حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟
إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه» (۱ مل ۲۱:۱۸).
ثانياً: علاقتك بالكتاب المقدس
كلمة اله قادرة أن تغيرك إذا اعتبرت أن كتابك المقدس
١- صديق: اجعل من مفردات يومك صداقتك مع الكتاب المقدس، وهي صداقة فرح، وصداقة الفرح هي بالتأكيد تلذذ نفسك.
٢- واسطة : كل مرة تفتح فيها كتابك المقدس أنت تستدعى ينابيع النعمة، وكل مرة تدخل الكنيسة وترى المنجلية، تتذكر كلمة الله وتنال النعمة، ولكن هذه النعمة
تحتاج نظاماً والتزاماً يومياً. ٣- مرشد: مرشد في الخدمة في العمل في التربية، في علاقاتك الإنسانية والاجتماعية والأسرية، لذلك من الأمور الجيدة أن نربي أبناءنا بالنعمة وليس بالأوامر. والكتاب المقدس تجد فيه إجابات لأسئلة كثيرة عندما تدخل في حوار أسرى وبركة كبيرة جداً أن يكون إرشادك لابنك في التربية بآيات من الإنجيل، لتكن أنت وبيتك وأسرتك أحياء بكلمة الله في كل حياتكم اليومية.
٤- غذاء: ضع أمامك فكرة إن كل يوم يوجد طعام للجسد وطعام للروح، فمن إنجيلك تأخذ فائدتك الشخصية وأيضاً
للأسرة كلها وعندما تتعامل مع إنجيلك احفظ منه واعمل مثل وصية المزمور الأول: "وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً" (مز ۲:۱).
ه - حكمة: الكتاب المقدس يعرف الجاهل بأنه هو الذي يجهل كلمة الله، والحكيم هو الذي يمتلئ حكمة من كلمة الله، فاجعل الكتاب المقدس مصدراً للحكمة في كل تصرفات حياتك.
٦- متعة الكتاب المقدس مصدر متعة "تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك" (مز ٤:٣٧ ) .
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد