المقالات
29 نوفمبر 2019
المسيح محرر الإنسان
بعض الآباء فى الغرب أمثال جيروم وأغسطينوس وأمبروسيوس أكد قصة المرأة التى أمسكت فى الزنا، ويقرأون هذه القصة فى 8 أكتوبر من كل عام تذكار عيد القديسة بيلاجية، ويكشف هؤلاء الآباء عن سبب غياب هذه القصة فى بعض المخطوطات الأخرى هو خوف الأوائل من استخدام القصة كمشجع للإنحلال الخلقى أو إنها ذريعة للإباحية كما يقول أغسطينوس
أما الآباء فى الشرق فقد كانوا أكثر تحفظاً فامتنعوا عن شرحها أو الرجوع إليها أو حتى ذِكرها بالمرة أمثال أوريجانوس ويوحنا ذهبى الفم وكبريانوس ولكن الذى يقطع بصحة القصة هو ورودها فى كتاب " تعاليم الرسل " وذلك فى سياق صحة وضرورة قبول عودة الخطاة التائبين إلى الكنيسة، كما ذكرها بابياس من القرن الأول والثانى الميلادى (60- 125م)
هـــدف الواقعة
(أ)- وضع السيد المسيح فى مأزق / ورطة / تجربة. (ع6)
(ب)- إظهار السيد المسيح بأنه صديق الخطاة. (ع11)
ظروف الواقعة
الفاعل الأصلى غير موجود لقد أمسكوا المرأة وقدموها للمحاكمة وتركوا الرجل يفلت ولم يمسكوه مع إن الحكم فى الناموس واحد على الإثنين)الحالة حالة تلبس فى ذات الفعل، وهذا سند قانونى لا يمكن أن يفلت منه القاضى بأى حال من الأحوال (يو8: 2- 11). (2)- (لا20: 10، 11)" أما دانك أحد .. أنا أيضاً لا أدينك "لم تذكر الشريعة عقوبة الرجم بل فقط " يقتل الزانى والزانية "(1) فقط ذكر الرجم فى حالة الفتاة المخطوبة التى تزنى(2)، وقولهم برجم المرأة خروج عن قانون موسىىلم يحضروا ليطلبوا مشورته، وحتى حين خاطبوه بلقب (معلم) لم يكن ذلك احتراماً أو تبجيلاً .. بل مجرد خبث ودهاء وإلتواء بقصد إيقاعه فى مأزق وتجربة.. لقد استغلوا عار امرأة شرقية كأداة لامتحانه كان قصدهم من تلقيبه بالمعلم هو التغطية لإخفاء مخططهم وخدعتهم الخبيثة ذات الحدين
(أ)- لو أنه أطلق المرأة دون أن يحكم عليها بالرجم فإنه يكون قد تنكر لناموس موسى = جاحد للناموس الموسوى
(ب)- ولو أنه أفتى بتطبيق ما ينص عليه الناموس، فإنه يكون قد هزأ بالقانون الرومانى وجرأ الناس على الخروج عليه = ثائر على السلطة الحاكمة
من جهة أخرى
(أ)- إن حكم المسيح على المرأة (بحسب الناموس) وقتلت أمام عينيه وبحكم
(لا20: 10). (2)- (تث22: 23، 24)
منـه.. يكون قـد إنحرف إنحرافـاً هائـلاً عن مسـتوى الحب والرحمة والفداء = كسر مبدأ الرحمة والحب / أيـن الرحمة ... ؟!
(ب)- وإن حكم عليها بمقتضى الرحمة والحب يكون قد تجاهل الناموس.. ويكون المسيح بذلك مستحقاً القتل = كسر الناموس / أيـن العدل .. ؟!
بمعنى آخر
(أ)- إن هو أدان المرأة قالوا عنه إنه قاسى. وهذا ينافى قوله عن نفسه بأنه رحيم جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك)
(ب)- وإن هـو أطلق المرأة فإنه يكون قد نقض الناموس وهو الذى قال قبلاً " ما جئت لأنقض بل لأكمل "(2) = كاسر الناموس / واتُهم بالتساهل
قال السيد المسيح سابقاً "إنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم"(3) بمعنى أنه جاء ليبرئ الخاطئ لا ليقتله.. وهو سيبرئه على حساب نفسه
هنا السيد المسيح " محاور" رائع معهم
كيف تصرف السيد المسيح ؟
أعطاهم فرص وقت لإعادة التفكير ولمراجعة ضمائرهم = حركها نحو التوبة
كتب على الأرض (وهذه هى المرة الأولى والأخيرة التى نسب فيها ليسوع أنه " كتب " شيئاً )
استحضر انتباههم بمفاجأة أنه موافق على قتل المرأة بشرط أن يكون من ينطق بالحكم وينفذه لم يأت الخطيئة، وإلا يكون هـو الأوجب بالرجـم والموت "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر" (ع7).
لقد أشترط أن من ينفذ الناموس يكون على مستوى الناموس
لم يقل السيد المسيح إنها غير خاطئة ولم يقل إن الناموس لا يعاقب .. بل حرك الضمائر نحو التوبة (التوبة ليسـت إدعاء البر). إنه لم يدن أحد منهم بل جعلهم هم الذين يدينون نفوسهم
تسلل الشهود إلى خارج دون أن يجرأ أحدهم على قذف المرأة بحصاة،
(1)- (لو19: 10). (2)- (مت5: 17). (3)- (يو3: 17، 12: 47)
وبذلك إنعدم ركن الشهود فى قضية المرأة، وبذلك لم يعد الاتهام قائماً، وبالتالى رفض القضية وانتقاء الإدانة حيث أن أحداً لم يدنها "وأنا لا أدينك"(ع11)
هؤلاء المشتكون استقالوا وتركوا مناصبهم
لقد فتح أمامها باب الحياة الجديدة بالتوبة والندم محققاً قوله : "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آت لأدعوا أبراراً بل خطاة إلى التوبة "
+ لقد أعطانا السيد الغفران، وهى التى نادته يا سيد = رب = Lord
الذى هـو عمل حب من الرب .. وعلى أساس دم الصليب .. ويكون بالتوبة والاعتراف .. وبلا حـدود
يقول القديـس أغسطينوس [ بقى اثنان المرأة التعيسة بل السـعيدة فى مواجهة الرحمة المتجسدة ]
هكذا المسيح .. يرفع الزانية فوق الفريسى .. واللص فوق رئيس الكهنة .. والابن الشاطر فوق الابن الأكبر.. إنه صديق الخطاة بحق لمن يُقر بخطيته نادماً
حقائق : كان الناموس يحكم على الخاطئ ويدين الخطية ولكنه لا يستطيع أن يبطل الخطية .. المسيح هوالذى أبطل الخطية
لقد مثلت هذه المرأة أمام السيد المسيح كديان وقاض، ولكنها لم تجد فيه إلا المخلص والفادى
أنا مستعبدة
أنا حــرة
للخطية : إذ أمسكونى فيها.
تمتعت : بحرية القلب عندما تطهرت.
للعــار : صارت فضيحتى أمام الكل.
تمتعت : بحرية الكرامة لأن مشتكىّ تركونى.
للخـوف : لئلا يقتلوننى.
تمتعت : بحرية الشجاعة فالبر قوانى.
للهـلاك : لأن للخطية عقوبة أبدية.
تمتعت : بحرية المكافأة إذ لى نصيب.
للمهانة : لأن الخطية أضاعت شرفى وكرامتى.
تمتعت : بحرية المجد لى مجد وكرامة لكل من يفعل الصلاح.
إذن حقاً المسيح واهب الحياة = محرر الإنسان (ع32/ 34/ 36).
تدريب : تخيل هذه المرأة كانت تكتب مذكراتها يومياً تُرى ماذا كتبت فى هذا اليوم .. ؟!
(1)- (مت9: 12، 13- لو5: 31، 32- مر2: 17).
قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى
المزيد
28 نوفمبر 2019
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْخُرُوجُ
1- بين اصحاح 3 : 21 و22 "و اعطي نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين فيكون حينما تمضون انكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امراة من جارتها و من نزيلة بيتها امتعة فضة و امتعة ذهب و ثيابا و تضعونها على بنيكم و بناتكم فتسلبون المصريين" واصحاح 20 : 15 و17 "لا تسرق لا تشهد على قريبك شهادة زور لا تشته بيت قريبك لا تشته امراة قريبك و لا عبده و لا امته و لا ثوره و لا حماره و لا شيئا مما لقريبك". ففى الاول يامر الله الاسرائيليين بان تطلب كل امراه من جاريتها ومن نزيله بيتها امتعه فضه وامتعه ذهب وثيابا وتاخذها حال خروجها من مصر، وفى الثانى ينهى عن اخذ بل اشتهاء ما للغير. فنجيب ان المصريون ظلموا الاسرائيليين كثيرا فكانوا مستحقين ذلك الجزاء بل اكثرمنه. هذا والواقع ان المطرودين كان لهم بقتضى عادات تلك الايام ان يطلبوا من الطاردين اشياء يستعينون بها على السفر، فكان امر الله للاسرائيليين ان يطلبوا ما ذكر، فلا يكون الامر اذن من المحظورات.
2- وبين اصحاح 4 : 19 " و قال الرب لموسى في مديان اذهب ارجع الى مصر لانه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك."، عدد 24 " و حدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه و طلب ان يقتله ".ففى الاول يامر الله موسى ان يرجع الى مصر ليخرج شعب اسرائيل وفى الثانى يطلب الله ان يقتله. فنجيب ان موسى وان وجد مطيعا فى امر الرجوع الى مصر لكنه وجد عاصيا فى امر اخر وهو عدم ختن ابنه فى اليوم الثامن لولادته كما امر الله ابراهيم. ولعل موسى انصاع لمشوره زوجته الامميه التى لم يكن الختان معتبرا عندها. فالذنب ذنب موسى الذى اطاع زوجته واكرمها على شريعه الله فاستحق القتل لولا ان زوجته تنبهت وختنت ابنها.
3- وبين اصحاح 4 : 21" و قال الرب لموسى عندما تذهب لترجع الى مصر انظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك و اصنعها قدام فرعون و لكني اشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب".، اصحاح 8 : 15 "فلما راى فرعون انه قد حصل الفرج اغلظ قلبه و لم يسمع لهما كما تكلم الرب".ففى الاول قال الله (اشدد قلب فرعون) وفى الثانى ان فرعون هو الذى قسى قلبه. فنجيب ان ما قيل بان الله قسى قلب فرعون لا يراد به الا انه تركه وسمح له ان يقسى قلبه فما فعله الله مع فرعون كان من وسائط تليين القلب، لكن طبيعه فرعون كانت مما يقسو قلب صاحبها بتلك الوسائل. فذلك كالشمس فانها تلين الشمع وتقسى الطين. فمعنى قوله (قسى الله قلب فرعون) اى لم يمنعه عن ان يصر على الفساد والعصيان وهو قادر على ذلك، وهذا عقابا لفرعون على عناده واصراره على القساوه.
4- وبين اصحاح 9 : 6 "ففعل الرب هذا الامر في الغد فماتت جميع مواشي المصريين و اما مواشي بني اسرائيل فلم يمت منها واحد". ، وعدد 20 "فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده و مواشيه الى البيوت". فقد ذكر فى الاول ان مواشى المصريين جميعها ماتت وفى الثانى ان بعض عبيد فرعون خافوا كلمه الرب وهربوا بمواشيهم. فنجيب لا يؤخذ من القول ان جميع مواشى المصريين ماتت بل جميع مواشى المصريين الذين استمروا على العصيان والتمرد. اما الذين امنوا فاستثنوا منهم.
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
27 نوفمبر 2019
مفهوم الوداعة
أهمية الوداعة :-
من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد ( تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم ) (مت 11 : 29 ) كل الكمالات موجودة فيه ، ولكنه ركز على الوداعة أولا وجعلها سببا لراحة النفس والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح ( غل 5 : 23 ) ويقول القديس يعقوب الرسول( من هو حكيم وعالم بينكم،فليرأعماله بالتصرف الحسن فى وداعة الحكمة ) ( يع 3 : 13 ) وحينما ذكر الرب التطوبيات ، جعل الوداعة فى أوئلها 0 فقال ( طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) ويوجد تطويب كثير للوداعة فى سفر المزامير ، إذ يقول ( يسمع الودعاء فى الحق ) ( مز 25 : 9 ) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء ، قال ( زينة الوديع الهادئ الذى هو قدام الله كثير الثمن ( 1بط 3 : 4 )
إن كانت الوداعة بهذا المقدار ، يقف أمامنا سؤال مهم ما هى الوداعة إذن ؟ وما هى صفات الوديع ؟
ما هى الوداعة؟
الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب ، ومسالم ، وبشوش هو إنسان هادئ ، لا يغضب ولا يثور ، ولا ينفعل بسرعة لا يحتد فى كلامه ، بل الصوت المنخفض الخفيف هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة قيل عن السيد المسيح فى وداعته ، إنه ( لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع أحد فى الشوراع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفئ ) ( مت 12 : 19 ، 20 ) ( أش 42 : 2 ، 3 ) هدوء الوديع ، هدوء من الداخل ومن الخارج يملك السلام على قلبه فى الداخل ، فلا يقلق ولا يضطرب ومن الخارج هو مسالم لجميع لا يهاجم أحدا ، ولا يجرح شعور أحد هو بعيد عن العنف حتى إذا هوجم ، لا ينتقم لنفسه إنه لا يتدخل فى شئون الناس ، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم ، وبالتالى لا يدين أحدا وإن تدخل فى إصلاح غيره ، يكون ذلك فى هدوء ، حسبما قال الرسول ( أيها الأخوة ، إن إنسيق إنسان فأخذ فى زلة ، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا ) ( غل 6 : 1 ) يصلحه بالأقناع بالهدوء ، وبالإتضاع ناظرا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضا الإنسان الوديع يحتمل الآخرين ، بطول الروح بطول بال يضع أمامه قول الكتاب ( الجواب اللين يصرف الغضب ) ( أم 15 : 1 ) هو على صورة الله الذى يحتمل الخطاة ، ويطيل أنته عليهم الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء فى علاقته مع الله أو الناس بل بلعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسما والوديع غالبا ما يكون خجولا يتميز بشئ من الحياء بلل كما قال أحد الآباء ( لا يملأ عينيه من وجه إنسان ) لا يفحص ملامح الناس ، ولا يغوص فى أعماقهم ، ليعرف ما فى داخلهم لا يحلل الناس ومشاعرهم إنما نظراته بسيطة هو إنسان حيى لا يفارقه حياؤه الوديع شخص سهل التعامل بسيط ، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث واضح فى تعامله ، يبطن غير ما يظهر ، ولا يعقد الأمور يتعامل فى وضوح ، بلا لف ولا دوران ، ولا يدبر خططا يمكنك أن تستريح إليه ، لأنه واضح ، صريح ، ومريح إنه رقيق ، لطيف ، حلو الطبع لذلك تجده محبوبا من الكل لأنه إنسان طيب حتى لو ظلمه البعض ، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه ( ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب ، لكى تظلمه ؟! ) حتى الذى ظلمه ، يأتى إليه بعد حين ويعتذر له والكل يدافع عنه ، لأنه لا يؤذى أحدا ولأجل محبة الناس للوداعة ، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) هذا بالأضافة إلى السماء ونعمة الله باستمرار تكون عليه والإنسان الوديع ، إنسان ( مهاود ) يميل إلى إراحة الناس ، وعدم العناد معهم لا يكثر من الجدل والنقاش والملاججة والتحقيق إنما الخير الذى يستطيع أن يعمله ، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة 0 إنه لا يتشبث برأيه فى كل شئ ، كما يفعل البعض إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية 0 ولذلك فإنه لا يتحزب ، إنما يحب الكل 0
فقد الوداعة:-
الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرا ، أو تمتع بسلطة فمهما كان مركزه عاليا ، تستمر وداعته كما هى ولا يرتفع قلبه فى أمر ونهى والوديع أيضا لا يفقد وداعته بسبب اصلاح الآخرين فإن كان فى وضع يسمح بهذا ، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة ، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف إنه لا يفقد وداعته أيضا ، إن دافع عن الحق إنما يدافع عنه فى هدوء ، دون أن يجرح شعور أحد كذلك إن تكلم بصراحة ، لا تكون صراحته جارحة وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق وفى هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية كشف لها كل شئ ، بغير أن يخدش حياءها ، أو يجرح شعورها ( يو4 ) والوديع الحقيقى لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة ، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود النارى فموسى الأسود كان من هذا النوع ، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة ، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدا ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدا 0
الوداعة والشجاعة:-
البعض يخطئ فى فهم الوداعة ، فيتصور الوديع كشخصية خاملة ، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة فى الطبع !! كأن يتحول الوديع – بسبب طبيعته – إلى أضحوكة وسط الناس ، يلهون به ويدوسون على كرامته أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره ، يصبح مهزأة أو أيضا بسبب عدم إدانته للناس ، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرا على الخير ! كلا فليست هذه هى الوداعة إنما المفهوم الصحيح للوداعة ، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق ! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود ، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت فى سفر الجامعة ، تنطبق على تصرف الوديع فى مختلف المواقف والأحداث ، وهى ( لكل شئ زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت للسكوت وقت وللتكلم وقت ) ( جا 3 : 1 ، 7 ) فنع أن الطيبة هى الطابع العام فى حياة الوديع ، إلا أنه للشجاعة فى حياته وقت وللشهامة وقت ، ولكن فى غير عنف 0
أمثلة :
1- السيد المسيح فى وداعته وحزمه هذا المثل الأعلى الذى قيل عنه ( لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ) نراه حازما قويا فى تطهيره للهيكل ، حينما طرد الباعة ، وقال لهم ( مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ) ( مت 12 : 12 ، 13 ) وكان قويا وحازما أيضا فى توبيخه للكتبة والفريسين ) ( مت 23 ) وكان حازما فى شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه ، على الرغم من كل المعارضة التى لاقاها 00
2- مثال موسى النبى المشهور بحلمه العجيب حتى أنه قيل عنه ( وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) ( عد 12 : 3 ) موسى هذا الذى نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة ، ووجد الشعب يعبد عجلا ذهبيا ويغنى ويرقص لم يقف موقفا سلبيا باسم الحلم والوداعة ، بل حمى غضبه وطرح لوحى الشريعة من يديه وكسرهما ثم أخذ العجل الذى صنعوه ، وأحرقه بالنار ، وطحنه حتى صار ناعما وذاره على وجه الماء ( خر 32 : 19 ، 20 ) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة ، حتى اضطرب بين يديه 0
3- مثال آخر هو داود النبى هذا الذى قيل عنه فى المزمور ( اذكر يارب داود وكل دعته ) ( مز 132 : 1 ) كان موقفه جريئا وشجاعا ، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحى ، بينما كان كل الجيش واقفا فى خوف أمام ذلك الجبار أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله ؟! وظل يكلم الناس بشأنه ، ولم يهمه إستهزاء أخيه الأكبر به وأخيرا قال لشاول الملك ( لا يسقط قلب أحد بسببه ) ( 1صم 17 : 32 ) وذهب وحاربه ولم يخف منه ، بل قال له ( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى باسم رب الجنود اليوم يحبسك الرب فى يدى ( 1صم 17 : 45 ، 46 ) هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر ، صاحب المزمار والقيثار ، وفى نفس الوقت صاحب الغيرة ، ورجل الحرب جبار البأس 0
4- مثال ثالث هو بولس الرسول 0
إنه إنسان طيب هادئ ، يقول لأهل كورنثوس فى توبيخه لهم ( أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه ، أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم ، وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم )( 2كو 10 : 1 ) ويقول لشيوخ أفسس ( متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارا ، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد ) ( أع 20 : 31 ) إنه رسول ، من حقه أن ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر بدموع بولس هذا فى الكرازة والتبشير ، كان أسدا إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالى ، يقول الكتاب ( ارتعد فيلكس وقال له إذهب الآن ، ومتى حصلت على وقت أستدعيك ) ( أع 24 : 25 ) ولما وقف أمام اغريباس الملك ، قال له الملك ( بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا ) ( أع 26 : 28 ) وبولس هذا الوديع ، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول 0 وقال ( لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل ، قلت لبطرس قدام الجميع : إن كنت وأنت يهودى تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ) ( غل 2 : 14 )
5- مثال خامس هو أليهو بن برخئيل كان الرابع بين أصدقاء أيوب ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته ، لأنهم كانوا أكبر منه سنا وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا ، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا وفى ذلك يقول الكتاب ( فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه ، لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه ، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب فقال لهم ( أنا صغير فى الأيام ، وأنتم شيوخ ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى ) ( أى 32 : 2 _ 7 ) ثم بدأ رسالته فى التوبيخ حقا لكل شئ تحت السموات وقت لسكوت الوديع وقت ، ولكلامه وقت لطيبته وقت ، ولحزمه وقت 0
ملاحظات:-
هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة ، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة ، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج هى ترى كل هذا ، وتسكت باسم الوداعة والهدوء ، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة ؟ كلا ، ليست هذه وداعة إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ ، وتشرح له فى هدوء خطأ موقفه ولا تكون ضد الوداعة فى موقفك ، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك ( لا يحل لك أن تأخذ ( هذه ) زوجة لك أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج إمرأة زواجا عرفيا ، وتقف صامتا باسم الوداعة ؟! كلا قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله ، يقودك إلى حياة خاطئة وليس فى هذا ضد الوداعة إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر فى هدوء إن الله يحب الحق ، ويحب أن يرى من يدافع عنه ، بأسلوب لا يخطئ فيه وفى ذلك يقول الرب فى سفر أرميا النبى ( طوفوا فى شوراع أورشليم ، وفتشوا فى ساحاتها ، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل ، طالب الحق ، فاصفح عنه ) ( أر 5 :1 ) إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله إن سلكت فيها تسلك فى الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما 0
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 نوفمبر 2019
المسيح في سفر التكوين - يوسف الصديق
كان يوسف شخصية رائعة، فيها الكثير من الإشارات والرموز التي ترمز إلى شخص ربنا يسوع المسيح، نستطيع أن نلمح بعض هذه الرموز في الأمور التالية:-
(1) الابن والعبد: بالرغم من أن يوسف كان الابن المحبوب لدى أبيه يعقوب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه" (تك37: 3) إلا أنه اشتغل كعبد عند إخوته "كان يرعى مع إخوته الغنم وهو غلام عند بني بلهة وبني زلفة امرأتي أبيه" (تك37: 2) فهو الابن المُدلل المحبوب، وفي نفس الوقت أطاع أن يكون عبدًا وغلامًا عند إخوته بني الجاريتين، وهو في هذا مشبه بابن الله الذي هو من حيث اللاهوت مساو للآب في الجوهر، وهو الابن الوحيد الذي في حضن أبيه، ومن أجلنا صار عبدًا ليرعى غنم أبيه "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8).
(2) صنع يعقوب قميصًا ملونًا لابنه الحبيب يوسف وهذا القميص هو رمز للكنيسة التي لبسها المسيح متحدًا لها والألوان المتعددة في القميص ترمز إلى شعوب الأرض الذين يجتمعون في كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، لها إيمان واحد كمثلما لها رب واحد ومعمودية واحدة.
(3) أحب يعقوب ابنه بينما أبغضه إخوته "ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك37: 4) وهكذا مثلما أحب الآب الابن بينما أبغضه بني البشر وقاموا عليه وصلبوه بحقد وحسد وبغضة شديدة.
(4) أرسل يعقوب يوسف ابنه قائلاً: "اذهب. انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم ورد لي خبرًا" (تك37: 14)، وهذا إشارة إلى أن الآب السماوي قد أرسل ابنه الوحيد الحبيب ليفتقد سلامتنا، ويعود إلى الآب السماوي بالصعود المقدس (ليرد له الخبر).
(5) بينما سعى يوسف لمنفعة إخوته وافتقادهم تشاوروا هم ليقتلوه "احتالوا له ليميتوه فقال بعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول: وحش رديء أكله فنرى ماذا تكون أحلامه" (تك37: 18-20) وهكذا أيضًا بينما جاء المسيح إلينا متجسدًا طالبًا خلاصنا قابله البشر بالبغضة والتهكم والرفض والصلب.
(6) "فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه، القميص الملون الذي عليه، وأخذوه وطرحوه في البئر وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء" (تك37: 23-24) خلعوا قميصه ونزل إلى البئر بدون قميص كمثلما مات المسيح، فخلع الجسد، ونزل إلى الجحيم بروحه بدون الجسد.
(7) أشار يهوذا أخو يوسف على إخوته أن يبيعوه لقافلة التجار الإسماعيليين، وباعوه بعشرين من الفضة (ثمن العبد في عصر يوسف) أما ربنا يسوع المسيح فقد باعه يهوذا أيضًا لكهنة اليهود بثلاثين من الفضة وهو (ثمن العبد في عصر المسيح).
(8) "فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص في الدم" (تك37: 31) إشارة إلى صبغ الكنيسة بدم المسيح في سر المعمودية.
(9) "أما يوسف فأنزل إلى مصر" (تك39: 1) إشارة إلى نزول السيد المسيح من بيت الآب السماوي إلى أرضنا، وكما صار يوسف الابن عبدًا في بيت فوطيفار هكذا صار المسيح الابن الكلمة عبدًا في بيت آدم.
(10) كما هرب يوسف من زوجة فوطيفار وترك ثيابه في يديها كذلك خرج المسيح من الموت تاركًا الأكفان في يد القبر لقد كانت زوجة فوطيفار قبرًا من الشهوات النتنة، وانتصر يوسف عليها كمثلما انتصر المسيح على الموت، وخرج منه ظافرًا به في الصليب.
(11) خرج يوسف من بيت فوطيفار، ونزل إلى السجن قبل صعوده إلى العرش وهكذا أيضًا خرج السيد المسيح من بيت آدم (الأرض)، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب قبل أن يقوم ويصعد إلى السماء بمجد الآب.
(12) تقابل يوسف في السجن مع شخصية (الساقي وخباز الملك)، كان أحدهما مذنبًا والآخر بريئًا وكذلك على الصليب صُلب مع المسيح لصان أحدهما هلك والآخر خلُص وقد تنبأ يوسف للساقي بأنه سيعود إلى خدمة الملك، أما للخباز فقد تنبأ له بهلاكه، وكذلك عندما نزل المسيح إلى الجحيم أخرج البعض منه إلى الفردوس وهم الأبرار، أما الأشرار فقد تركهم في الجحيم بسبب شرورهم وعدم إيمانهم.
(13) عندما أرسل فرعون ليأخذ يوسف من السجن "فأسرعوا به من السجن. فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون" (تك41: 14) لقد بدّل ثيابه إشارة إلى الجسد الممجد الذي قام به رب المجد السيد المسيح من الأموات، وإشارة أيضًا إلى أنه نزع عنا عار الخطية، وذل سجن الشيطان، وفي حياتنا الروحية يرمز هذا إلى خلع الإنسان العتيق مع أعماله المظلمة وشهواته الرديئة.
(14) كما شرح يوسف رموز الأحلام لكل من الساقي والخباز ثم أيضًا لفرعون هكذا كشف لنا السيد المسيح عن أسرار العهد القديم ورموزه "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 27)، "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45).
(15) "فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟" (تك41: 38).. يشير هذا إلى إيمان الأمم بلاهوت المسيح بينما رفضه اليهود كمثلما فعل إخوة يوسف معه "وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص. ووضع طوق ذهب في عنقه" (تك41: 42) بالمقارنة بما فعله به إخوته، حينما خلعوا عنه القميص الملون وأهانوه، وهذا يرمز إلى رفض اليهود لمُلك المسيح عليهم بينما قبله الأمم وصاروا مملكته بالحقيقة التي هي الكنيسة.
(16) "ودعا فرعون اسم يوسف صفنات فعنيح" (تك41: 45)، وهذا الاسم معناه "مخلص العالم" أو "طعام الحياة" وربنا يسوع المسيح هو مخلص العالم الحقيقي، وهو طعام الحياة وكما خلص يوسف العالم من المجاعة بتوفير القمح لهم كذلك خلصنا ربنا يسوع من الهلاك بأن أعطانا القمح الحقيقي الذي هو جسده ودمه الطاهرين.
(17) تزوج يوسف من أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون إشارة إلى اقتران كنيسة الأمم بالسيد المسيح وقد تركت عبادة آبائها لتدخل في عبادة الله الحقيقي إله يوسف زوجها كمثلما ترك الأمم عباداتهم الوثنية ليرتبطوا بإله السماء ربنا يسوع المسيح نفسه.
(18) جاء إخوة يوسف إليه في مصر وسجدوا له كمثلما آمن الآباء الرسل بالمسيح، وسجدوا له من بعد قيامته المقدسة.
(19) بارك يعقوب ابني يوسف ونقل البكورية من منسى إلى أفرايم بعلامة الصليب كذلك انتقلت البكورية من آدم إلى المسيح بالصليب، وصار السيد المسيح "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) بدلاً من آدم.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 نوفمبر 2019
التناول من جسد الرب ودمه
يتساءل البعض هل عندما نتناول جسد الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخبز فنحن نمضغ اللاهوت؟ وهل عندما نشرب دم الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخمر الممتزج بالماء فنحن نشرب اللاهوت؟وللإجابة على ذلك نقول أن يد السيد المسيح في جسده المصلوب على الصليب والمتحد بلاهوته عندما دقوا فيها المسمار فإن المسمار خرق يده المتحد باللاهوت ولكنه لم يخرق اللاهوت. وآلام جسده عمومًا المتحد باللاهوت في ذبيحة الصليب لم تقع على اللاهوت لأن اللاهوت غير قابل للألم. والكنيسة في القرون الأولى حرمت بدعة مؤلّمي اللاهوت (ثيئوباسخايتس).واللاهوت حاضر في كل مكان ولا ينتقل من مكان إلى آخر لذلك عندما نذكر صعود السيد المسيح بجسده الممجد القائم من الأموات نقول في القداس الإلهي (الغريغوري) [وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك]. نقول عن صعوده جسديًا؛ وجسده متحد بلاهوته ولكن لاهوته لا يصعد من الأرض إلى السماء بل هو في الأرض وفي السماء في آنٍ واحد. وعندما كان موجودًا بجسده المتحد باللاهوت على الأرض، كان في نفس الوقت في حضن الآب بلاهوته كقول إنجيل القديس يوحنا الرسول عن السيد المسيح وصعوده بالجسد «الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). وقول القديس أثناسيوس الرسولي: [وحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن بحسب ألوهيته] (مجموعة آباء ما قبل وما بعد نيقية، السلسلة الثانية، المجلد الرابع صفحة 85 طبعة سبتمبر 1978 الإنجليزية).إذًا ففي التناول نحن نمضغ الجسد المتحد باللاهوت ولكن لا نمضغ اللاهوت الذي لا يتجزأ بالمضغ. ونحن نشرب الدم المتحد باللاهوت ولكن اللاهوت لا ينتقل من الفم إلى البلعوم ثم إلى المرّيء لأنه كائن في كل مكان. وباتحادنا بجسد الرب الحقيقي وبدمه الحقيقي نتحد بالحياة الأبدية حسب وعده الصادق «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). وأيضًا قوله «إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ» (يو6: 53). وقوله «لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يو6: 33)، «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يو6: 51). وفي وعده المقدس قال السيد المسيح «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 56)، «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ» (يو6: 54-55). أي أن جسده هو مأكل حقيقي ودمه هو مشرب حقيقي. وكما هو وسيلة للثبات في المسيح فإنه يمنح الحياة الأبدية لأنه يمنح استحقاق القيامة في اليوم الأخير. فالاتحاد بالمسيح في التناول هو اتحاد بالحياة الأبدية لأنه هو "ينبوع الحياة" بالنسبة لنا. لذلك نقول في قطع صلاة النوم في الأجبية عن السيدة العذراء مريم أنها [أم قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائي] (القطعة الثالثة).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
24 نوفمبر 2019
مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة ج8
سَابِعاً الْمِنْطَقَة :-
﴿ وَالْمِنْطَقَةُ تَصْنَعُهَا صَنْعَةَ الطَّرَّازِ ﴾ ( خر 28 : 39 ) كَانَتْ الْمِنْطَقَة تُصْنَعْ مِنْ ذَات المَوَاد الَّتِي صُنِعَ مِنْهَا الحِجَاب وَالشُّقَقٌ الدَّاخِلِيَّة وَيُذْكَر البُوصٌ أوَّلاً الَّذِي هُوَ رَمْز البِرَّ وَهذَا يُوَافِقٌ مَا جَاءَ فِي ( أش 11 : 5 ) ﴿ وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ ﴾وَالغَرَض مِنْ الْمِنْطَقَةهُوَ تَقْوِيَة الحَقَوَيْن لِلخِدْمَة لأِخْذٌ عَزِيمَة لِلعَمَل فَكُلَّ قُوِّة الجُنْدِي لِلثَبَات وَالمُصَارَعَة تَتَوَقَفْ عَلَى إِلْتِصَاق الْمِنْطَقَة بِحَقَوَيْهِ لِذلِك يُوصِينَا الكِتَاب المُقَدَّس أنْ ﴿ لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً ﴾( لو 12 : 35 )وَيُحَرِّضْنَا مُعَلِّمْنَا بُطْرُس الرَّسُول ﴿ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ ﴾( 1بط 1 : 13) لأِنَّ الَّذِي يَتْرُك ثِيَابُه مَحْلُولَة وَحَقَوَيْهِ غَيْر مُمَنْطَقِين فَلَنْ يَتَقَدَّم فِي السَيْر وَلَنْ يَسْتَطِعْ ضَبْط فِكْرُه وَحَوَاسُه خُصُوصاً فِي وَسَطْ عَالَمْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرفَهُوَ يَحْتَاجٌ إِلَى حِرَاسَة وَيَقَظَة فَيَجِبْ عَلَى عَبْد الرَّبَّ أنْ يَتَمَنْطَقٌ صَاحِياً مُلْقِياً رَجَاؤه بِالتَّمَام عَلَى النِّعْمَة الَّتِي يُؤتَى بِهَا إِلَيْهِ عِنْدَ إِسْتِعْلاَن يَسُوع الْمَسِيح .
الْتَّمَنْطُقٌ :-
الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل العَبِيد الَّذِينَ يَخْدِمُونَ سَادَتِهِمْ وَكَأنَّ الكَاهِن فِي خِدْمَتِهِ يَشْعُر أنَّهُ خَادِمٌ لأِبْنَاء سَيِّدِهِ وَلَيْسَ رَئِيساً عَلَيْهِمْ أوْ مُتَسَلِّطاً وَنَتَذَكَّر القِدِيس أُوغُسْطِينُوس وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ أجْل شَعْبُه وَرَعِيَتُه إِذْ يَقُول ﴿ أطْلُب إِلَيْكَ مِنْ أجْل سَادَتِي عَبِيدَك ﴾وَنُلاَحِظْ أنَّ الْتَّمَنْطُقٌ يُشِير إِلَى عَمَل الجُنْدِيَّة فَالكَاهِن وَالخَادِم كَجُنْدِي صَالِحٌ يُجَاهِدْ رُوحِياً فِي جِيش الخَلاَص الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل المُسَافِرِين إِسْتِعْدَاداً لِلرَّحِيل فَيَشْعُر الكَاهِن وَالخَادِم أنَّهُ غَرِيب عَلَى الأرْض وَلاَ يَطْلُب مَا لِلأرْضِيَات وَيَشْتَاقٌ أنْ يَأخُذْ مَعَهُ أوْلاَدُه فِي رِحْلَة إِلَى السَّمَاء الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل الرَّاعِي السَّاهِر عَلَى قَطِيعُه .
مَنْطِقَة مُخْتَفِيَّة :-
أُنْظُر إِلَى رَئِيسُ الْكَهَنَة وَهُوَ يُخْفِي تَحْتَ ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء مَنْطِقَة لِيَحْفَظ نَفْسُه بِاجْتِهَادٌ فِي دَعْوَتِهِ وَيُكَمِّل خِدْمَتَهُ بِدُون كَسَل وَهذَا مَا رَأيْنَاه فِي رَبَّ المَجْد يَسُوع وَهُوَ يَخْلَعْ ثِيَابُه وَيَأخُذْ مِنْشَفَة وَيَأتَزِر بِهَا ( يو 13 : 4 ) لِيَظْهَر أمَام تَلاَمِيذُه بِمَظْهَر الخَادِمٌ الحَقِيقِي الَّذِي يُسَر بِتَتْمِيمْ مَشِيئَة الآب وَمِنْ هُنَا نَرَى أنَّ قَمِيص الكِتَّان وَالْمِنْطَقَة هُمَا ضِمْن ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء لاَ يَنْقُصَان فِي الأهَمِيَّة عَنْ الرِّدَاء البَهِي بِصَدْرَتِهِ ذَاتَ الأحْجَار الكَرِيمَة نَعَمْ إِنَّهُمَا يُعَبِّرَان عَنْ البِرَّ وَالحَقَّ اللَّذَان يُمَثِّلاَن أهَمْ مُؤَهِلاَت رَئِيسُ الْكَهَنَة مِنْ أجْل إِتْمَام الخِدْمَة وَنَحْنُ أيْضاً المَدْعُوون بِالنِّعْمَة إِلَى تَقْدِيمْ ذَبَائِح عِبَادَتْنَا اليَوْمِيَّة يَجِبْ أنْ نَتَسَرْبَل بِالبِرَّ وَنَتَمَنْطَقٌ بِالحَقَّ لِكَيْ مَا نُؤَهَلْ لِعِبَادَة مَرْضِيَّة مَقْبُولَة عِنْدَ الله .
مَنْطِقَة فِي الدَّاخِل وَزِنَّار بِالخَارِج :-
وَهُنَا نُلاَحِظْ أنَّ رَئِيس الْكَهَنَة يَتَمَنْطَقٌ بِالْمِنْطَقَة مِنْ الدَّاخِل فَوْقَ القَمِيص وَبِالزِّنَار مِنْ الخَارِج ( فَوْقَ
الرِّدَاء ) إِشَارَة إِلَى تَحَفُظِهِ فِي الكَلاَم كَمَا فِي العَمَل فِي الدَّاخِل وَالخَارِج فَكَمَا يَكْرِز بِالفَمْ يَلِيق بِهِ أنْ يَكْرِز بِالعَمَل أيْضاً خِلاَل الحَيَاة الفَاضِلَة وَطَهَارِة الجَسَدٌ لَيْتَنَا نَضَعْ لأِنْفُسْنَا مِنْطَقَة دَاخِلِيَّة وَزِنَّار خَارِجِي حَتَّى مَا نَسْلُك بِتَدْقِيقٌ وَلِيَاقَة فِي ضَبْط لأِفْكَارِنَا وَأفْعَالِنَا .
خَلْع الحِذَاء :-
لَمْ يَذْكُر الكِتَاب أنَّ رَئِيسُ الْكَهَنَة كَانَ يَرْتَدِي حِذَاء وَهذَا كَمَا حَدَثَ مَعَ مُوسَى النَّبِي فِي حَادِثَة العُلِّيقَة لأِنَّهُ وَاقِفْ فِي أرْضٍ مُقَدَّسَة إِذْ خَلْع الحِذَاء يُشِير إِلَى خَلْع كُلَّ مَا لَهُ صِلَة بِالعَالَمْ حِينَمَا نَقِفْ أمَام الرَّبَّ وَجَيِّدٌ أنْ نَتَذَكَّر دَائِماً حِينَمَا نَقِفْ لِلصَّلاَة أنْ نَخْلَعْ أحْذِيَتْنَا وَنَتَذَكَّر حِينَ نَخْلَعْهَا أنْ نَطْرَحٌ عَنَّا كُلَّ أفْكَار الخَوَاطِر الشِّرِّيرَة وَنَنْزَع مِنْ دَاخِلْنَا كُلَّ مَا لَهُ صِلَة بِالعَالَمْ وَهُمُومُه وَنَقِفْ حَسَناً أمَام الله هَارُون وَبَنِيهِ يُشِيرُون إِلَى الْمَسِيح وَالكَنِيسَة المَوْجُودَةٌ مَعَهُ فِي ذَات البِرَّ الإِلهِي الأبَدِي فِرِدَاء هَارُون الْكَهَنُوتِي يُشِير إِلَى صِفَات وَكَمَالاَت وَأمْجَادٌ الْمَسيح الشَّخْصِيَّة الخَاصَّة بِهِ مِنْ الأزَل وَإِلَى الأبَدْ أمَّا أقْمِصَة وَقَلاَنِس وَسَرَاوِيل بَنِي هَارُون فَتُشِيرإِلَى لُبَاس النِّعْمَة الَّذِي لَبَسَتْهُ الكَنِيسَة المُقَدَّسَة بِسَبَبْ إِتِحَادْهَا بِرَأس العَائِلَة الكَهَنُوتِيَّة الأعْظَمْ مِمَّا تَقَدَّم يَتَضِحٌ لَنَا غِنَى نِعْمَة الله وَكَيْفَ أنَّهُ بِعِنَايَة دَقِيقَة قَدْ رَتَّبْ لِشَعْبُه كُلَّ مَا يَلْزَم لِسَدٌ إِعْوَازِهِمْ وَذلِك بِأنْ وَضَعَ أمَام عُيُونِهِمْ الشَّخْص المُزْمِعْ أنْ يُمَثِّلَهُمْ فِي مَحْضَر الله مُرْتَدِياً كُلَّ تِلْكَ الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا سَدٌ كُلَّ إِحْتِيَاجَاتِهِمْ كَمَا يَعْرِفُهَا هُوَ فَإِذَا تَطَّلَعُوا إِلَيْهِ مِنْ هَامِة رَأسِهِ إِلَى أسْفَل قَدَمِهِ لَوَجَدُوا كُلَّ شَيْءٍ كَامِلاً مِنْ الْعَمَامَة الطَّاهِرَة الَّتِي عَلَى رَأسِهِ إِلَى الجَلاَجِل وَالرُّمَانَات الَّتِي عَلَى أذْيَال رِدَائِهِ لأِنَّ كُلَّ ذلِك كَانَ بِحَسَبْ المِثَال الَّذِي أرَاهُ الله لِمُوسَى عَلَى الجَبَل بِحَيْثُ أنَّ حُقُوق الله قَدْ وُفِيَتْ وَحَاجَات الإِنْسَان قَدْ إِكْتَمَلَتْ .
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
عن كتاب مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة
المزيد
23 نوفمبر 2019
أبيجايل
واسم الرجل نابال واسم امرأته أبيجايل
مقدمة
لا أستطيع أن أفكر في المرأة القديمة أبيجايل، دون أن يخطر ببالي على الفور منظر طائر من أجمل الطيور، وأرخمها صوتًا، في قفص من ذهب، والسامع يكاد يلحظ في أغانيه نوعًا من الحزن، والأسى، والبكاء، يختفي وراء جهد من صبر وقناعة وأمل وتسليم، إن الكتاب لا يتحدث كيف زفت هذه المرأة جيدة الفهم وجميلة الصورة، إلى رجل أحمق رديء القول والتصرف والعمل، ولكنها أغلب الظن هي واحدة من ذلك الصف الطويل من الضحايا اللواتي يذهبن ضحية خداع المادة والثروة الطائلة، ولئن كان زواج ميكال نوعًا من الزواج السياسي أو المصلحي الذي تمليه غاية بعيدة تماماً عن الأصل في كل زواج، فإن زواج أبيجايل، هو ذلك النوع من الزواج المادي، الذي تباع فيه المرأة وتشترى كأية صفقة مادية من عقار أو منقول، وتحسب في أفضل الحالات، واحدة من الأثاث، وتحفة من التحف يتلهى بها الناظر دون أن يدرك أنها من قلب ولحم، وأن قناطير الذهب ليست بذات أهمية إلى نفسها ومشاعرها، كنغمة حب، ومناجاة وجدان، وتعانق مشاعر، وتكاتف شركة، هي المعاني الأولى والأخيرة لفكرة الزواج كما شرعه الله وأبدعه في حياة الناس في أي مكان يعيشون فيه على ظهر هذه الأرض!! على أن المرأة وقد وقعت الواقعة لم يكن لها خلاص، سوى أن تصبر على مأساتها، وتتطلع إلى الله، الذي له وحده على الدوام مخارج في الموت، وقد مد الله اليد على نحو قضائي يفعله، عندما تقفل كل السبل، وتعجز جميع المحاكم الأرضية أن توجد حلا مرضيًا عادلاً نهائياً... والآن لنتأمل المرأة وقصتها وما فعلت وما وصلت إليه، وكيف فتح الله الباب الموصد على نحو فجائي مثير:
أبيجايل الزوجة الجميلة
إن معنى الكلمة «أبيجايل» بهجة أبيها، ويبدو أنه من اللحظة التي ولدت فيها كانت أشبه الكل بالقمر الجميل الذي رآه الأعرابي ذات ليلة وهو يسير في قلب الصحراء وقد استوى بدرا، وقد ألقى نوره الفضي في كل مكان، فأخذ الأعرابي بسحر جماله، وهتف، وهو يتطلع إليه قائلاً: ماذا أقول لك؟ هل أقول لك رفعك الله؟ وها أنت مرتفع!! جملك الله؟ وها أنت جميل وما بعدك من جمال! إذا فكل ما أقول أبقاك الله على ما أنت عليه من رفعة وجمال! وربما قال أبو الصغيرة أبيجايل وهو يتطلع إليها بهذا الإحساس المفرط من البهجة والمسرة، وقد أشرقت العناية على نفسه، وعلى بيته بهذه الجميلة الرائعة البهية، إن جمال هذه المرأة كان على الأغلب من ذلك النوع النادر من الجمال الذي يقع أشد الوقع في نفوس جميع الذين يرونها من أول لحظة، ولهذا خلبت لب نابال عندما رآها، وعزم على أن يقتنيها، مهما بذل من مال أو تكلف من ثمن، ولعل هذا الجمال بعينه هو النسمة النقية الهادئة التي هبت على وجه داود، وهو بركان ثائر في طريقه إلى الانتقام المروع من زوجها الأحمق نابال، هذه النسمة الندية التي أوقفته بغته ليعود إلى وعيه ويستيقظ ويستمع إلى صوتها الساحر وندائها الرقيق، ليفيق ويتراجع عما هو مقدم عليه، مما كان من المتوقع أن يندم عليه طوال عمره لو أنه لم يتوقف عنه في اللحظة الأخيرة.
على أنه من الواضح أن المرأة كانت متفوقة في شيء آخر، في ذكائها اللامع وذهنها المتوقد، وان الكتاب في عرض شخصيتها، وضع فهمها قبل جمالها أمام الأنظار، وذلك لأن هذا الفهم كان في الواقع بمثابة الهالة الرائعة العظيمة لجمالها النادر، فإذا كنت مثلاً توخذ بجمالها قبل أن تتكلم، فإنك ستذهل بما تنطق من در الحديث وجوهر الكلام، ويكفي أن نرى نموذجًا لهذا، في ذلك الحديث البليغ الساحر الذي تكلمت به إلى داود، وضربت على أدق وأرق الأوتار في قلبه، فلم تعترف بالذنب فحسب، بل ذكرته برسالته العظيمة التي وضعها الله على كتفيه، وأنه مهما يصبه من نفي وتشريد وآلام، فانه عزيز على قلب الله، وأنه محفوظ في حزمة الحياة مع الرب، وأما أعداؤه فسيرمون من كفة المقلاع، وكأنما كانت تذكره بقصته مع جليات، وكيف حفظه برعايته، وأسقط الجبار العملاق بضربة واحدة قاضية برمية حجر!! كما أنها بذلك رفعت قلبه ونفسه عن طلب الانتقام، وهي تؤكد له أن النصر قريب، إلى ذلك الحد الذي ترجو فيه معه ألا ينساها عند ما يبلغ مجده وملكه حسب وعد الله الأكيد الصادق، وهل ينسى الله من يخدمه بالأمانة، ويحارب حروبه ولم يوجد فيه شر قط كل الأيام!!.
هذا الحديث أو بالحرى الدفاع لا يمكن أن يصدر إلا عن محام من أبرع وأقدر المحامين ممن يدركون نقط القوة والضعف في القضية التي يمسكون بها، ويعلمون كيف يبدأون، ويسيرون، وينتهون في خط الدفاع الذي رسموه من أول الأمر، ومثل هذه المرأة تصلح في أيامنا هذه أن تقف في أعظم المحافل الدولية وأعلى محاكم الدنيا ليجلجل صوتها بسحر وبلاغة تذهب مذهب المثل والفصاحة والحجة في كل مكان!!
على أن حكمة المرأة وبلاغتها لا تقف عند الحدود النظرية أو فلسفة الكلام، لقد كانت كما هو ظاهر من لغة الكتاب سريعة التصرف أذ أدركت الأثر الوشيك الحدوث لتصرف زوجها الأحمق، ولو أنها لم تسرع وتبادر إلى إنقاذ الموقف، وتوانت ولو إلى ساعات قلائل، لقضى الأمر، وجاء عملها بعد فوات الأوان، أنها من ذلك النوع الذكي الذي ينتهز الفرصة ويحسن التوقيت، ويتصرف بعمق وتأمل ودون جلبة، دون أن تخبر زوجها، الذي لم يكن في وعيه، إذ كان مخمورًا مع صحبه في حفل ماجن كبير، وكان من العسير أن تخبره بشيء حتى يفيق من سكره ويثوب إلى رشده!
ألا ما أجمل أن تتصرف المرأة في بيتها في وقت الكارثة أو الأزمة الطارئة في حنكة وصمت وهدوء، بتوازن مطلوب، وبديهة مجهزة، وعلى وجه الخصوص إذا جاء الأمر نتيجة حماقة زوج، أو شطط أو خطأ من واحد من أهل بيتها لا يحتمل معه تواكل أو جمود أو سكوت!.
ولا يغرب عن البال أن هذه المرأة إلى جانب هذا كله كانت امرأة وديعة، لم يخرجها الجمال أو الفهم أو الثروة إلى نوع من الكبرياء أو الشموخ أو التعظم انظر إليها وهي تقترب من داود، إذ تنزل عن الحمار وتسقط على وجهها، وتسجد، وترى في نفسها أمة، وجارية مذنبة، تحتاج إلى صفح وغفران من سيد تجثو عند قدميه، وليس هذا لمجرد أن تدفع عن نفسها وبيتها شرا يوشك أن يحدث، بل لأنها كما وصفت فيما بعد نفسها لداود: «هوذا أمتك جارية لغسل أرجل عبيد سيدي».. فإذا أضفنا إلى ذلك كرمها الذي ظهر فيما قدمته لداود، ولا يظهر هذا الكرم في تعداد الخبز والخمر والخراف والفريك والزبيب والتين، الذي قدمته بكثرة ووفرة، بل في ذلك الاستحياء الذي قدمته به، إذ هو لا يصلح قط لداود، فإنه أعلى وأسمى من هذا كله بل هو: «للغلمان السائرين وراء سيدي».
وأجمل من كل هذه الصفات إن المرأة كانت تقية، فبينما يقامر زوجها على الفرس الخاسر، إذ يقف إلى جانب شاول المرفوض والمطرود من الله، تقف هي إلى جانب داود المختار من الله، أو في لغة أخرى إنها كامرأة مؤمنة تقف إلى جانب الحق الإلهي، في الجانب الأضعف ظاهريًا، والذي يعاني الكثير من الاضطهاد والآلام والضيقات والمتاعب والتشريد.
أبيجايل والصفقة الخاسرة
وما من شك في أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد أن عرفنا أبيجايل على هذه الصورة الرائعة الجميلة، كيف أمكن لهذه المرأة الفاضلة أن تتزوج هذا الجهول الأحمق، هنا نقف أمام صفقة قاسية خاسرة، تعد من أشر وأقسى الصفقات التي ما تزال إلى اليوم تتكرر عندما تتدخل المادة لتربط بين اثنين يختلفان في كل شيء، وقل أن يتفقا أو يلتقيا حتى حول المادة التي ظن كلاهما أو ظن أحدهما أو الآخرون أنها يمكن مع الأيام أن تجمع بين المتناقضين عقلاً وخلقًا وثقافة وروحًا!!.. أما نابال فأغلب الظن أن لبه طار، وهو يرى هذه المرأة الجميلة الصورة، ففعل ما يفعل الكثيرون من الأثرياء وهواة المتاحف، عندما يرون صورة جميلة لمصور مشهور، فيسرعون إلى اقتنائها، ولو كلفتهم عشرات الألوف من الجنيهات، ويعلقونها في مكان الصدارة من بيوتهم، مع هذا الفارق، أنه قد يكون لهم من الفهم والتذوق ما يجعلهم يدركون موضع العظمة والجمال والجلال والفن في كل بوصة مربعة فيها، وتكون لهم مصدر ثراء ذهني واسع كلما نظروا إليها أو أحدقوا فيها!! على العكس من ذلك الأحمق نابال الذي كان يواجهة الجمال الحسي الرائق في كل لحظة في البيت، وهو غافل عنه وأعمى في كأسه وطاسه التي يعب منها، ولا يكاد يفيق، ومع أنه اشترى المرأة بما دفع من مهر، فانه وقد أمتلكها، أضحت كأي ملك مخزون لا ينتبه إليه صاحبه أو به يستفيد!!.. أما من جانب أبيجايل أو أبيها فان الأمر محير، يظن البعض أن الفتاة لم تستشر في الأمر، وأن الثروة الهائلة التي كانت لنابال غطت حاله أو واقعه، فلم يفطن أبوها، أو ربما لم تفطن هي حتى وقعت الكارثة، ولم يعد هناك مكان لرجعة أو ندم، ويعتقد أيضًا أنه ربما كان انتساب الرجل إلى عائلة مشهورة، وإلى اسم قديم، مما شجع على التصور أن الخلف يمكن أن يكون مثل السلف، وأن نابال يمكن أن يأخذ شيئاً من جده الكبير العظيم كالب بن يفنة، والذي كان واحدًا من ألمع الأسماء أيام موسى، وكان قرينا صادقًا وعظيمًا ليشوع بن نون الذي جاء بعد موسى وكان تاليًا له، ولكن ما أكثر ما تخلف النار تراباً ورماداً، وما أكثر ما يأتي الأبناء على صورة لا تكاد تعرف شيئًا عن تاريخ الآباء أو تقاليدهم أو ما توارثوه من قيم ومثل ومباديء! أجل أنه حسن أن يفكر الراغبون في الزواج في الأسرة التي ينحدر منها من يرغبون في الارتباط بهم، غير أن هذا إذا حدث لا يمكن أن يكون قبل البحث عن الشخصية ذاتها، ومدى ما تملك من مقومات أو صلاحيات للزواج، فلا يكفي أن تتزوج الفتاة أحمق أو جاهلاً أو عليلا أو متخلف العقل، أو فاسد الأخلاق، لمجرد أنه ينتمي إلى أسرة شهيرة أو معروفة بين الناس،.. كانت العلاقة بين أبيجايل ونابال علاقة زوجين يختلفان في كل شيء، فهي دمثة الأخلاق وهو فظ كما يقول واحد من الغلمان لا يمكن الكلام معه، وهي كريمة وهو أناني لا يعطي من وليمته لآخر، إلا إذا رام منفعة أو بحث عن مقابل، وهو نزق، وهي ودودة، وهو جحود وهي متدينة، وهل يمكن لعلاقة كهذه أن تستقر وتهدأ، والزوج كما يصفه الوحي رجل قاس؟ وكل خيالي يتجه إلى المرأة وهي تبكي ليالي متواصلة على قساوته مع الإنسان أو الحيوان على حد سواء، ومع التصرفات القبيحة الرديئة التي تصدر منة في كل يوم، وكل خيالي يتجه إلى ما لا ينتهي من صور مماثلة، صور أولئك الذين لا يعرفون عن الزواج، سوى صفقة، أو صيد يعتقد شوبنهرر عدو المرأة أن الفريسة فيه على الدوام هي الرجل، ومع أننا لا نتفق مع أمام المتشائمين على ذلك، إلا أننا ننتهي ولاشك، أن كل زواج ينبني على المادة لابد أن يكون فيه ضحية، سواء كانت هذه الضحية هي الرجل أم المرأة مادام قد خرج عن الأساس الروحي الذي قصده الله من الزواج بين الناس في الأرض.
أبيجايل والنجاة المفاجئة
وهذا يأتي بنا إلى ختام قصة هذه المرأة مع زوجها نابال على نحو مثير فجائي لم تكن متوقعة بمثل هذه السرعة الإلهية المباغتة، لقد وقفت في طريق العاصفة الهوجاء التي كان من المستحيل أن تفرق بينها وبين زوجها وبيتها، يوم هبت عليها من داود الثائر الغاضب، ورجعت إلى بيتها وقد واتاها النجاح على نحو كامل، لتجد زوجها غارقًا في سكره حتى الطامة، ولم تستطع أن تخبره بشيء كبير أو صغير إلى ضوء الصباح حتى يفيق، واذا أخبرته، كما يقول الكتاب، مات قلبه فيه وصار كحجر، أو مات كما يفسره هوايت: بحجر في قلبه، لقد مات نابال من الكبرياء والغضب، مات من مرض غريب، وأعني به مديونيته لزوجته، وقد كان يؤثر أن يموت بسيف داود على أن ينجو بوساطة زوجته وشفاعتها وتوسلها، وهو لا يرضى أن يصور بأنه أحمق فيما فعله في ذلك اليوم مما جلب عليه كل ما حدث، ولو أن نابال فعل شيئًا آخر، لو أنه اعترف بما فعلته زوجته، وقبل يديها، وقدميها، لربما كان له تاريخ آخر، ومصير آخر، ولربما بقي، وعاش معها، حتى أصبح مسنًا، ينعاه شعبه وجماعته، ويموت كرفع الكدس في أوانه، ولكن نابال مات لما ضربه الرب، لشره، وجبنه، وحماقته، وكبريائه، وقسوته، وغيرته،... أما المرأة التي كانت شريكه له، والتي رجت له ولنفسها الحياة من سيف داود. ما كانت تتوقع وقد أوصد عليها باب الحياة الزوجية، أن يفتح سجنها، أو تخرج من باب القفص الذهبي بين عشية وضحاها، بعد مرور عشرة أيام فقط من تلك الواقعة،.. وهكذا مات نابال، لتعود المرأة بحياة الترمل الى استرداد ما كاد يضيع من طعم الحياة ومعناها، لو أنها بقيت في أسره وقصره،.. بل لتعود من جديد قبل أن يذهب الشباب وتدور الأيام زوجة لداود، تلد له، وتعيش معه، على معنى أصح وأقدس وأجمل وأكمل، من معاني الحياة المقدسة أمام الله والناس، وهكذا تذهب المرأة مثلاً لمن يستسلم ويسلم أمره لقضاء الله وعدله، وقد يأتيه القضاء على نحو أسرع مما كان يظن، وعلى وجه أفضل مما كان يتصور، وعلى وضع أحسم مما كان يتخيل أو يحلم كما فعل الله مع المرأة القديمة العظيمة أبيجايل زوجة نابال الكرملي!!..
المزيد
22 نوفمبر 2019
القديس يوحنا ذهبى الفم
اقرأ بنعمة المسيح جزء من رسالة العبرانيين الأصحاح 13: ” اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ “.
نعمة اللَّه الآب تكون مع جميعنا آمين.
يوحنا ذهبى الفم الوحيد الذيى حمل هذا اللقب (ذهبي الفم) لأن عظاته كانت بسيطة جداً وعميقة جداً ومتنوعة جداً، ويوحنا ذهبى الفم له مأثورات وعبارات كثيرة قوية، اذكر لكم بعض عباراته الجميلة:
قال: ” أي نفع للمسيحي الذي لا يفيد غيره “.
” لا شيء يقسم الكنيسة إلا حُب الرئاسات، ولا شيء يُضايق اللـه مثل تمزيق وحدة الكنيسة “.
قال أيضا: ” إن غاب عنَّا عون اللـه لا نقدر أن نقاوم أتفه إغراء “.
قال أيضاً: ” ليس للشيطان أن يهاجمك إلا عندما يراك قد نلت كرامة عظيمة وتكاسلت “.
قال أيضاً: ” ليس لنا عدو إلا واحد وهو الخطية التي تفسد سلامنا “.
قال أيضاً عبارة قوية: ” إن تسقط هذا أمر بشري، لكن أن تصر على الخطية فهذا عمل شيطاني “له أيضا عبارات كثيرة سوف أذكر بعضها خلال حديثنا عنه.
وُلِدَ القديس يوحنا ذهبى الفم في عام 347م، والده كان قائداً في الجيش الروماني في سوريا، وأمه كان اسمها ” أنثوسا “، كانت فتاة جميلة، وبعد أربعة سنوات توفَّى زوجها (والد القديس يوحنا) وتركها شابة غنية وجميلة، وتوفيت ابنتها (أخت القديس يوحنا) بعد وفاة الوالد، في سنوات قليلة بقيت زوجة أرملة مع ابن يتيم، وعاشت الزوجة الأرملة تُربِّي هذا الابن اليتيم يوحنا، وكانت مُخلصة في هذه التربية، وعندما دُعِيَتْ لزواج آخر رفضت وقالت أنها تعيش من أجل ابنها بدأ يوحنا ينبغ في دراسة المُحاماة، وتعرَّف على العالم إلى أن صار له صديق اسمه باسيليوس، أحبا الاثنان اللـه وعاشا في مخافته وابتدءا يُكرِّسا حياتهما وساعدا بعضهما أن يحيا حياة التعبد للـه، وكرَّسا حياتهما للكتاب المقدس وكانت حياتهما مباركة، ودعيا الاثنان للكهنوت لكن عندما جاء وقت الرسامة هرب يوحنا من الرسامة وتمت رسامة باسيليوس، وكانت حجة القديس يوحنا أن له ميول للحياة بالديركتب القديس يوحنا كتاب كبير عن سر الكهنوت، وهو من أحد الكتب القوية جداً التي تشرح ما هو سر الكهنوت وابتدأ يحيا الممارسات الرهبانية وتدريباتها الروحية إلى أن إنتقلت والدته، واتجه للدير وصار راهباً، وبعد قليل اختير لكي ما يخدم كراهب كاهن وفي النهاية عاش في الدير حياة طيبة جدا وعمل في الدير كتاب هام جداً قارن فيه بين حياة الملك وحياة الراهب:
ـ الملك يتحكم فى أمم وشعوب ومُدن وجيوش، أمَّا الراهب فيتحكَّم في شهواته.
ـ الملك يُحارِب برابرة لكي يُوسِّع أراضيه، أمَّا الراهب فهو يُحارب شياطين ويهدي نفوساً.
ـ الملك نهاره وليله مملوءان آلام ومشكلات، الراهب نهاره وليله مملوءان فرح وسلام.
ـ الملك يهدى ذهباً، الراهب يُقدِّم نعمة وتعزيات.
ـ الملك يصعب عليه أن يستعيد جزءاً فقد من أراضيه، أمَّا الراهب فيسهل أن يقوم من سقطته.
ـ الملك يرتعب خوفاً من الموت، والراهب الجميع يطمئن على مصيره.
وكانت المقارنة بين الملك وبين الراهب من أحد المقالات المشهورة جداً له، وفي زمنه نشطت الحياة الرهبانية جداً، لكن في زمنه، عندما زار مصر رأى البرية بكل سكانها وكل نساكها وكل رهبانها، كان كل راهب في قلايته والأديرة لم يكن بها أسوار، فكانت القلالي متناثرة في الصحراء يخرج منها نور بسيط لشمعة أو قنديل وكان المنظر في الليل جميل (النجوم في السماء والقلالي منيرة في البرية) فقال عبارة مشهورة: ” السماء بكل نجومها ليست في جمال برية مصر بكل نساكها “ وكان يقول للرهبان والآباء في أنطاكية: ” هلُّموا إلى برية مصر لتروها أفضل من أي فردوس “ في حياته وهو راهب، أحد الآباء الرهبان سقط في خطية كبيرة، والخطية جعلته يترك حياته ويترك رهبنته ويشعر بيأس شديد، فكتب له مقالة أسماها: ” ستعود بقوة أعظم ” وهى من أحد المقالات المشهورة، وعندما قرأها الإنسان الذي سقط بدأ يستعيد شجاعته وعاد وتاب واستكمل حياته النسكية بأكثر نسكاً كتب مقالات عديدة ومقالاته متنوعة، وكانت له بلاغة متناهيه سِيم بعد هذا أسقفاً وبعدها بطريركاً، وفي فترة وجوده ككاهن كتب أيضاً عن سر الزيحة وعن المفهوم الكتابي والكنسي لسر الزواج وكيف أن الزواج هو وحده يباركه حضور المسيح مقالاته كثيرة ونشكر اللـه ان مقالات عديده له مترجمة باللغة العربية ومن احد المواقف المشهورة في حياته: عظات التماثيل، أن الشعب عاج بسبب الضرائب وحطَّم تماثيل الإمبراطور وكانت النتيجة أن الإمبراطور أراد أن يُعاقِب هذه المدينة ووضع في قلبه أن يصنع بالمدينة عقاباً شديداً، وبدأ الشعب يلجأ للكنيسة وعاشوا فيها أيام في حالة خوف وفزع، وكان في زمن هذا القديس حق اللجوء الكنسي ـ حسب قانون الإمبراطورية الرومانية ـ القديس يوحنا استغل هذه الفرصة وبدأ يُكلِّمهم عن التوبة، فكان القديس يُكلِّم الشعب عن التوبة وفي نفس الوقت يتشاور مع الملك لأجل أن يعفو عن هذه المدينة، وبعد عظات كثيرة (21 عظة) تكلَّم فيها بمناسبة تحطيم التماثيل فسُمِّيَتْ عظات التماثيل، وكانت النتيجة أن الملك رفع حكمه عن المدينة وأفرج عنهم وسامحهم وحققت هذه العظات توبة مدينة كاملة ومع الصلوات حققت عفو من الملك وكانت النتيجة مفرحة للجميع عاش القديس يوحنا ذهبي الفم في علاقات طيبة مع مجتمعه كله، ولكن الأمر لا يخلو من المشكلات، وكانت أحد المشكلات أنه لا يأكل مع الآخرين، وكانت الناس تُفكِّر أنه بسبب كبرياءه وترفُّعه لا يأكل مع الشعب، ولكن الحقيقة أنه كان يُعاني من آلام شديدة في معدته هكذا الإنسان، إن كان قلبه أسود يرى الأمور سوداء وإن كان قلبه نقي يرى الأمور على حقيقتها، بحسب داخله يرى عاش القديس يوحنا ذهبي الفم وعلَّم كثيرين، ولكن كان له مشكلة كبيرة مع الإمبراطورة أفدوكسية، وهى اغتصبت ارض يملكها إنسان عادي في الإمبراطورية الرومانية، فمنعها القديس من دخول الكنيسة وأغلق الأبواب في وجهها، وأيَّده اللـه بنعمة فكان أثناء دخول موكب الإمبراطورة إلى الكنيسة أغلق القديس الباب فقالت للجنود: اكسروا الأبواب، وشُلَّت يد الجنود الذين حاولوا كسر الأبواب، فكان صوت اللـه واضحاً جداً، وصلَّى القديس يوحنا ذهبي الفم على ماء ومسح بها يد هذا الجندي وعادت سليمة، أمَّا الإمبراطورة اضمرت شراً كبيراً للقديس يوحنا لأنه كان صاحب حق، وتسبَّبت الإمبراطورة في إصدار قرار بأن يُنفى القديس يوحنا لآخر حدود الإمبراطورية الرومانية، وكان مع طول الرحلة وجسد القديس يوحنا المريض كان هدف الإمبراطورة خبيث أن يموت القديس يوحنا أثناء سفره للمنفى في الطريق، وتنيَّح القديس في المنفى، ولكنه كان يرسل رسائل من منفاه مع شماسه تُدعى أولومبياس وكانت هذه الشماسة الفاضلة تنقل رسائله للإكليروس وكل الشعب تنيح القديس يوحنا ذهبي الفم ليس عن عمر كبير عام 407م عاش في مناهج تعليمية قوية وكان يقول: ” لا أعيش إلا من أجلكم ومن أجل خلاصكم “ وعلى الرغم من عمره إلا أن خدمته مستمرة إلى اليوم، كل العالم يستخدم عبارات القديس يوحنا ذهبي الفم لم يكن رجل سياسة ولا فليسوف مسيحي ولا لاهوتياً لكن أهم شيء عنده أنه كان يسهر على رعاية شعبه، وكان من كثرة قراءته للكتاب المقدس صار هو إنجيلاً ويحكى تلميذه أنه عندما كان يدخل للقديس في قلايته ويسأله عن أي شيء يجده يتكلَّم مع أحد، وبعد تكرار هذا المشهد عرف أن الشخص الذي يُحدِّثه هو القديس بولس الرسول، يقف في صلاته ويقرأ عبارات رسائله ويسأله ماذا يقصد بكل عبارة من الرسائل ويقول لنا التاريخ أن القديس بولس الرسول كان يظهر له ويشرح ويفسر له، لهذا أفضل تفاسير تشرح رسائل القديس بولس الرسول هى تفاسير القديس يوحنا ذهبي الفم.
هو قديس في عباراته القوية فهو يقول: ” الدير أكاديمية تحتضن تفسير الكتاب المقدس “، ويقول أيضاً: ” الكنيسة أعلى من السماء وأكثر اتساعاً من الأرض “؛ وأيضاً: ” إن لم نربح خلاص اخواتنا هنا فلن نحصل على خلاص نفوسنا هناك “. لهذا امتاز القديس بهواية خلاص النفوس وكان يبحث باستمرار عن خلاص النفوس عباراته كثيرة ومُتعدِّدة، في مرة سألوه: لماذا نسقط؟ فأجاب: ” ليس الشيطان هو السبب، الشيطان فقط مخادع ومُضلِّل أمَّا السبب فهو عدم الجهاد وضعف الارادة “، له عبارة أخرى قوية: ” السيرة الطاهرة تسد فم الشيطان وتبكمه”".
بهذه الصورة نتذكَّر هذا القديس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، ولكن سيرته مستمرة معنا وكتاباته موجودة ومتوفرة باللغة العربية، وعلاقته بالإنجيل وخلاص كل نفس هى هدفه في الحياة.يوحنا ذهبي الفم من (أحد الأقمار) كما تسميه الكنيسة اليونانية، وتسمى أيضاً القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتي تسميهم الأقمار الثلاثة لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 نوفمبر 2019
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سفر التكوين ج8
23- وبين اصحاح 17 : 8 و اعطي لك و لنسلك من بعدك ارض غربتك كل ارض كنعان ملكا ابديا و اكون الههم.و2 مل. ففى الاول قال الله لابراهيم (واعطى لك ولنسلك كل ارض كنعان ملكا ابديا) وورد فى الثانى ان ابراهيم لم يعطيها ولم لنسله ملكا ابديا. فنجيب ان قوله (لك) باعتبار ان اعطائها لنسله اعطائها له وقد تم وعد الله فعلا(عد 22 وتث 2 ويش 3) ولكن الله اشترط على اسرائيل ان دوام بركاته لهم معلق على دوام خضوعهم له فطردهم منها لانه ليس لان الله اخلف وعده بل لانهم هم اغضبوا الله فاخذ منهم ما اعطاهم (تث 28) ومثل هذا ما جاء فى (2 صم 7: 10 و11 و12 – 16).
24- وبين اصحاح 18: 17 فقال الرب هل اخفي عن ابراهيم ما انا فاعله.وعب 13: 2 لا تنسوا اضافة الغرباء لان بها اضاف اناس ملائكة و هم لا يدرون.ففى الاول ورد ان الله ظهر لابراهيم وفى الثانى ان الذين ظهروا له ملائكه. فنجيب ان الاول ذكر ثلاثه رجال اضافهم ابراهيم ولا ريب انهم ملائكه كما قال الثانى ظهروا بشكل رجال. والذى يعتمد ان الاول كان ملاك الرب (يهوه) اتى ممثلا الاله لابراهيم والاثنين الآخرين صاحباه ارسلهماالىسدوم فلما كان يتكلم الملاك الاول قيل (قال الرب) (يهوه) فالملاك تكلم كانه هو الرب او نائب الرب. وفى عدد 14 من تك 17 يقول ذلك الملاك (هل يستحيل على الرب شىء) فدل ذلك على انه ملاك يتكلم بكلام الرب باعتبار انه نائب عنه وقد يكون الرب الملاك بمعنى واحد لظهور الرب بهيئه ملاك.
وكذلك مصارعه يعقوب لانسان (تك 32: 24) اى ملاك فى صوره انسان كما فى (هو 12: 4) وحكم يعقوب نفسه بانه شخص الهى (عد 30) فظهر الملاك ليعقوب كما ظهر لهاجرفى (ص 16: 17).
وليس هنا من اشاره الى ان ذلك الانسان كان الاله المتجسد فالظاهر انه لم يكن سوى ملاك ظهر فى هيئه انسان كما ظهر الملاك لمنوح (قض 13: 3 و9) ولكنه دل على حضور الله ومداخلته فى امر يعقوب وكان من الرموز الكثيره الى حضور كلمه الله فى الجسد وامكان ذلك.
وقول الملاك ليعقوب (اطلقنى) ليس لانه لم يقدر ان يجعله يتركه بل قصد بها اعلان ايمانه وثباته. واما اطلاق لفظه الله على الذى ظهر لهاجر (تك 16: 13) وعلى الذى ظهر ليعقوب (تك 32: 29) وعلى الذى ظهر لمنوح (قض 13: 22) فمن قبيل اعتبار المرسل كشخص مرسله كما قيل فى (خر 13: 21) عن بنى اسرائيل (وكان الرب يسير امامهم) وقيل فى (ص 14: 19) (فانتقل ملاك الرب السائر امام عسكر اسرائيل).
اما الذى ظهر لموسى فى العليقه الملتهبه وقيل عنه انه (ملاك يهوه) اى الرب وانه (الله) وانه (يهوه) انظر (خر 3: 2 و4 و7) فلا شك فى انه الاقنوم الثانى من الثالوث الاقدس ظهر لموسى فى هيئه ملاك. وقيل فى عدد 4 (فلما راى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقه) وفى العبرانيه (لما راى يهوه ناداه الوهيم) (اى الرب الذى سيظهر فى الجسد).
25- وبين اصحاح 25: 23 وص 27 ففى الاول ورد انه وعد يعقوب بالبركه وفى الثانى ان ذلك تم بواسطه غير شريفه اى بكذب رفقه ويعقوب على اسحق واختلاس البركه منه. فنجيب ان مواعيد الله لابد ان تتم ولكن اذا كان فى بعض وسائط اتمامها لا يليق فلا ينسب ذلكالىالله بلالىالانسان الناقص. فلو لم تتسرع رفقه لتم وعد الله بطريقه صالجه الا ان الله يستخدم كل الاحوال والحوادث فيها شىء من الريب فذلك لانها من عمل الانسان المملوء بالنقص. فرفقه ولئن كان اتمام وعد الرب نتيجه لسعيها الا انها لا تبرر امام الله لان الله لا يحاكم بموجب نتائج الاعمال بل يحاسب على النيه. فيهوذا وشعب اسرائيل فى سعيهمفى موت المسيح لا يصيرون بذلك مبررين لان موت المسيح كان لاجل خلاص العالم لان نيتهم لم تكن هكذا صالحه بل كانت نيه شريره فبحسب نيتهم يحاكمون. قال المرتل مخاطبا الله (غضب الانسان يحمدك) ومعناه ان يكون سببا لتمجيده. ومع ذلك لا يبرر الغضوب.
26- وبين اصحاح 36 : 31 و1 صم 12 ففى الاول قيل (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا فى ارض ادوم قبل ما ملك ملك لبنى اسرائيل) فكيف يتكلم موسى عن ملوك بنى اسرائيلمع ان اول ملك لهم اقيم فى ايام صموئيل النبى كما فى الثانى فنجيب ان موسى ذكر فى سفره اصحاح 17 : 6 و16 و35: مواعيد الله لابراهيم بانه سيثمره ويجعله امما وملوك يخرجون منه فموسى كتب ما كتب لايمانه الوطيد بالله بانه سينجز مواعيده.
27- وبين اصحاح 46 : 21 و1 اى 7 : 6 راجع ايضا (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 1 – 3) ف الاول قال ان اولا د بنيامين عشره والثانى انهم ثلاثه فنجيب:
ان الاول اعتبر حفده بنيامين اولاده لانه ورد فى (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 3 و4) ان ارد ونعمان بنو بالع ابن بنيامين وفى سفر التكوين انهما ابنا بنيامين وقد ذكر باكر فى تك 46 : 21 و1 اى 7 : 6 ولكنه لم يذكر فى عدد 26 : 38 – 41 و1 اى 8 : 1 وذلك لان فى عدد 26 : 35 ذكر فى سبط افرايم لانه تزوج من هذا السبط.ان يديعيئيل المذكور فى 1 اى 7 : 6 و10 هو ذات اشبيل المذكور فى التكوين والعدد وسفر الايام الاول اصحاح 8 فان عشيرته عظمت فى عهد داود فسمى بهذا الاسم. ان ولدى بالع اصبون وعيرى لم يدرجا فى مواضع من سبط بنيامين وادرجا فى (تك 46 : 16 وعدد 26 : 16) فى سبط جاد لداعى النسب والمصاهره.ذكر فى 1 اى 7 : 12 ان شفيم وحفيم ابنا عير وهما ذات مفيم وحفيم (تك 46 : 21) وذات شفوفام وحوفام (ع 26 :39) وذات شفوفام وحورام (1 اى 8 :5) والمشابهه بين هذه الاسماء موجوده فى الخلاف الظاهرى نشا من اعتبار كاتب ابناء الابناء بانهم ابناء ومن انتقال شخصالىسبط اخر او موته بدون عقب او قتله فى الحروب كما فى (قض 20 :46) ومن مخاطبه كل كاتب اهل عصره باللغه المتداوله بينهم نظرا لما كان يطرا على اللغه من اصطلاحات جديده فى كل عصر. واليك بعض اصطلاحات اللغه العبرانيه المتبعه فى الكتاب المقدس المكتوب بها والتى من هذا القبيل.
(ا) دلاله اسماء الاباء او الاسلاف على انفسهم.
(تك 9 : 25) ملعون كنعان اى نسله.
(خر 5 :2،1 مل 18 : 17و18،مز 14 : 7) دلاله
اسم يعقوب على الاسرائيليين.
(اش 7 : 5،8، 11: 13 هو 5 : 9و13،6 :4)
دلاله اسم افرايم على اسرائيل.
(ب) دلاله لفظ ابن على النسل ولو بعد.
مفيبوشيت دعى ابن شاول وهو ابن يوناثان (2 صم 19 : 24).
زكريا دعى ابن عدو (عز 5 : 1) وهو ابن ابنه (زك 1 : 1).
(ج) لفظه اب تدل على السلف (1 اى 1 : 17)
دعيت عثليا فى (2 مل 8 : 26) ابنه عمرى وفى (عدد 18) ابنه اخاب وهى كانت ابنه اخاب حقا وحفيده عمرى.
27- وبين اصحاح 46 : 27 واع 7 : 14، ففى الاول ذكر ان جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون نفسا وفى الثانى انهم خمسه وسبعون نفسا. فنجيب قيل فى عددى 26 و27 (جميع النفوس ليعقوب التى جاءتالىمصر الخارجه من صلبه ما عدا نساء بنى يعقوب. جميع النفوس سته وستون نفسا وابنا يوسف اللذان ولدا له فى مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون) فينبغى ان يلاحظ ان نساء بيت يعقوب استثنين من هذا العدد اما فى سفر اعمال الرسل فقيل (فارسل يوسف واستدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته خمسه وسبعين نفسا) فليس من هؤلاء يوسف ولا ابناه ولا زوجته لوجودهم فى مصر حينئذ فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفسا لم يحسب معهم يعقوب كصريح الايه (استدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته الخ) اما باقى العشيره فهم زوجات بنيه وعددهم تسع لان امراه يهوذا ذكر عنها ماتت (تك 38 : 12) وكذلك امراه شمعون (تك 46 : 10) فالجميع خمسه وسبعون.
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد