المقالات

17 أكتوبر 2024

بدعة المسيحيين المتهودين

لقد عانى الرسل من البدع التي واجهتهم وحاربوها لئلا تتسرب إلى المؤمنين الأولين. ولكن المشقة الكبرى جاءت من بعض فرق المسيحيين المتهودين. هم من الفريسيين الذين صاروا مسيحيين هؤلاء الذين لم يذعنوا لقرارات مجمع أورشليم 43-44 ولم يباركوا عمل الرسول بولس في التبشير. فكانوا في آسية الصغرى وبلاد اليونان ينشرون تعاليمهم ويغالطون الرسول بولس موجبين الاختتان وحفظ السبت وغيرها من فرائض الناموس. وعظم أمرهم فخشي الرسول بولس على المؤمنين منهم فرد عليهم برسائل بعثت إلى كنائس معينة، فلاقت رواجاً وتقبلاً عند المؤمنين. ومنها رسالته إلى كورنثوس الأولى:(7 : 18 – 23 )"دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ فَلاَ يَصِرْ أَغْلَفَ. دُعِيَ أَحَدٌ فِي الْغُرْلَةِ فَلاَ يَخْتَتِنْ. لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئاً وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئاً بَلْ حِفْظُ وَصَايَا اللهِ.اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا.دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرّاً فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ.لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذَلِكَ أَيْضاً الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ.قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيداً لِلنَّاسِ وأصغى المسيحيون في غلاطية إلى هؤلاء الدعاة فاستحقوا وعظاً وارشاداً شديدي اللهجة. وكتب الرسول بولس إلى أهل روما بهذا المعنى (رومية 2: 28-29) لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيّاً وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَاناً. بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ ودخل في هذه البدعة يهود آخرون فأدخلوا آراء غريبة تمت بصلة قوية إلى المذاهب اليهودية في ذلك الزمان وإلى الفلسفة الغنوسية اليونانية. ولاقت هذه الآراء أرضاً خصبة في وادي الليكوس بين فريجية وليدية وكارية في آسية الصغرى وفي الأوساط المسيحية في هيرابوليس واللاذقية وكولوسي فهرع إبفراس "الحبيب" يُخبر بولس بذلك في منفاه. فكتب بولس إلى أهل كولوسي يُحذرهم "ألا يسلبهم أحد بالفلسفة والغرور بالباطل حسب سُنة الناس على مقتضى أركان العالم لا على مقتضى المسيح" الذي "فيه يحلّ كل ملء اللاهوت جسدياً" وهم "مملوءون فيه وهو رأس كل رئاسة وسلطان" وألا يحكم عليهم أحد "في المأكول والمشروب ومن قبيل عيد و رأس شهر وسبوت" "وألا يخيبهم أحد في جعالتهم مبدعاً مذهب تواضع وعبادة للملائكة وخائضاً في سُبُلٍ لا يُبصرها"ويستدل من كلام بولس الرسول أن هؤلاء الدخلاء عملوا بحفظ أعياد خصوصية وحفظ رؤوس الأشهر وحفظ السبت وأنهم حرمّوا بعض المآكل وأوصوا بعبادة الملائكة.
المزيد
16 أكتوبر 2024

ثلاث فضائل المحبة، التواضع، الحكمة

ثلاث فضائل ينبغي أن تدخل في كل فضيلة لتصبح فضيلة حقيقية: وهي المحبة والتواضع والحكمة كل فضيلة خالية من المحبة، لا تحسب فضيلة وكذلك كل فضيلة خالية من الاتضاع ومن الحكمة فكل عمل بعيد عن الحب، هو بعيد عن الله والله يأخذ من كل فضيلة ما فيها من حب، فإن لم يجد فيها حبًا يبعدها عنه بالجملة كذلك الفضيلة الخالية من الاتضاع هي مرفوضة من الله، وهى طعام للبر الذاتي والمجد الباطل فأكثر شيء يكرهه الله هو الكبرياء وقد قال الكتاب أن الرب يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة كذلك ينبغي أن تمارس كل فضيلة في حكمة، بفهم وعقل وإفراز ومن غير الحكمة والفهم لا تحسب الفضيلة فضيلة ولهذا كان القديسون يمارسون الفضائل تحت إرشاد آباء عارفين مختبرين لكي يعلموهم الإفراز ويفهموهم كيف تكون الفضيلة ويشرح لنا التاريخ كيف أن الذين سلكوا في الفضيلة بلا معرفة، سقطوا وضاعوا كثيرون سلكوا في الصوم بلا حكمة، فتعبوا جسديًا وروحيًا وكثيرون مارسوا الصمت بغير حكمة، فأوقعوا أنفسهم في مشاكل وأخطاء، ولم يكن الصمت بالنسبة إليهم فضيلة والبعض سلكوا في العطاء بلا معرفة، فأعطوا مال الله للمحتاجين بدلًا من إعطائه للمحتاجين لهذا قال القديس انطونيوس أن الإفراز هو أعظم الفضائل لأنه يحكمها ويدبرها جميعًا والرعاية والخدمة بلا إفراز، قد تعقد الأمور بدلًا من علاجه ولهذا اشترط الآباء الرسل أن يتصف الشمامسة بالحكمة إلى جوار امتلائهم بالروح القدس (أع 6) إن الحكمة تعطى الفضيلة عمقًا وصدقًا والمحبة تعطى عاطفة وشعورًا أما التواضع فيخفى الفضيلة عن حسد الشياطين، وإذ يخفى الفضيلة يعطى صاحبها استحياء، كما يعطيه محبة في قلوب الناس ليتنا نختبر أنفسنا: هل هذه الفضائل في أعماقنا؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
15 أكتوبر 2024

رساله الى كل نفس

نفسك الكثيرة الثمن لدى الله .. ان الله قد بين محبته العظيمة لكل نفس بشرية بطرق كثيرة ويكفى انه دعانا ابناء له {انظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى اولاد الله } (1يو 3 : 1). ولقد عبر عن هذه المحبة الحقيقة للبشر والتى من أجلها تجسد الله الكلمة { والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا} يو 14:1. ومات المسيح كلمة الله المتجسد من أجل خلاص البشرية الساقطة ومن أجل خلاص كل أنسان فيها وكأنه موضع محبة الله {لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية }(يو 3 : 16). ولقد أكد الإنجيل على هذه المحبة الإلهية للخطاة {و لكن الله بين محبته لنا لانه و نحن بعد خطاة مات المسيح لاجلنا }(رو 5 : 8). الله من اجل سعيه الى خلاصنا، يدعونا للثقة بمحبته وفدائه ورحمته والى العوده الى أحضانه { لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي . اذا اجتزت في المياه فانا معك وفي الانهار فلا تغمرك اذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك}أش 1:43-2. ان الله يحبنا ومن اجل هذه المحبة خلقنا ويرعانا ويغفر لنا خطايانا ويريدنا ان نعرفه ونحبه ونسعى الى خلاص انفسنا والنجاة من تيار الأثم الذى فى العالم والفوز بالحياة الأبدية . ان العالم المادى بما فيه سيمضى ويزول { العالم يمضي وشهوته واما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الابد }(1يو 2 : 17). انت عزيز لدى الله الذى يريد خلاصك وروحك ونفسك الثمينة لديه وهو يريد لك الحياة السعيدة على الإرض وفى السماء ، وستقوم فى اليوم الاخير بجسد نورانى روحانى ممجد بالإيمان بالله وبمحبته وخلاصه { الحق الحق اقول لكم انه تاتي ساعة و هي الان حين يسمع الاموات صوت ابن الله و السامعون يحيون.لا تتعجبوا من هذا فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة} يو 25:5،28-29. فهل نسعى الى خلاص نفوسنا أم نهمل خلاصنا الثمين ونهلك { الله يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون (1تي 2 : 4).ولكن أمر خلاصنا يتعلق بحرية أرادتنا وقبولنا لهذا الخلاص الثمين المقدم لنا بالمسيح يسوع ربنا وقبول الخلاص بالتوبة والإيمان والسعى فى الجهاد الروحى منقادين بروحه القدوس. ان نفسك أكرم لدى الله من العالم وأمواله وممتلكاته ولكن البعض ينسى هذا ويسعى نحو ارضاء شهواته وملذاته غير مهتم بالخلاص الثمين الذى يريده الله له ويظن ان حياته فى أمواله أو ارضاء شهواته كالغنى الغبي { وقال لهم انظروا وتحفظوا من الطمع فانه متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله.وضرب لهم مثلا قائلا انسان غني اخصبت كورته. ففكر في نفسه قائلا ماذا اعمل لان ليس لي موضع اجمع فيه اثماري . وقال اعمل هذا اهدم مخازني وابني اعظم واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. واقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي اعددتها لمن تكون} لو 15:12-20. لقد اتكل هذا الغني على ممتلكاته دون الله وهلك ولا تستطيع كل ثروات العالم ان تخلص روحه فى يوم الدينونة الرهيب . وكيف ننجو نحن إيضا ان أهملنا خلاصاً هذا مقداره ولهذا يوصينا الإنجيل { اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع }(1تي 6 : 17). وكم من أناس أتكلوا على سلطة زمنية خادعة قادتهم الى الهلاك والإنجيل يحضنا على الأتكال على الرب الذى لا يُخزى منتظريه { اتكل على الرب وافعل الخير اسكن الارض و ارع الامانة} (مز 37 : 3). وهناك من عملوا لاشباع شهواتهم وقادتهم الى الهلاك {الحسن غش و الجمال باطل اما المراة المتقية الرب فهي تمدح }(ام 31 : 30). اننا لو ربحنا العالم كله - وهذا من دروب المستحيل - ولكن خسرنا أنفسنا فقد أصبحنا خاسرين السعادة الحقة على الإرض والسعادة الأبدية فى السماء ، وقد أكد السيد المسيح على هذه الحقيقة قائلاً {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26).فلنسع اذا من اجل خلاصنا ونسلك لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لان الإيام شريرة . لنصطلح اذن يا أحبائى مع أنفسنا ونجلس معها نحاسبها ونعاتبها وقد تحتاج الى ان نعاقبها ونرجع عن أخطائنا ونتوب عن خطايانا .ونكون صادقين مع ذواتنا ولا ننقاد وراء شهواتنا ورغباتنا بل فى هدوء نسأل الله وروحه القدوس : ماذا تريد يارب ان أفعل؟ ونعمل مشيئة الله فى حياتنا وبهذا نصطلح مع الله الذى يريد خلاصنا ونجاتنا من فخاخ الشيطان وسعادتنا الأبدية . وعندما نصطلح مع أنفسنا ومع الله ينعكس ذلك على علاقاتنا بالأخرين فنحيا فى سلام معهم ونحبهم محبة صادقة روحية ونخدمهم من أجل مجد الله الذي يدعونا ان محبة الناس كما نحب أنفسنا . حينئذ نحيا ونتمتع بسلام الله الذى يفوق كل عقل والذى يحفظ حياتنا واراحنا فى المسيح . الله يقدران يغيرك للأفضل .. كنت أتحاور مع احدهم وهو يحيا بعيدا عن الله فقال لى لقد أعتدت حياتى هذه ولن أستطيع أن أغير من نفسى بل لا أستطيع ان اسير مع الله لانه يقيد حريتى بوصاياه ؟ قلت له اننا لا يجب ان نفقد ثقتنا فى الله ولا فى انفسنا { غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله }(لو 18 : 27). فكل شئ مستطاع لدى المؤمن . قد تسيطر عليك عادات سئية وقد تقيدك علاقات خاطئة وتشعر بعدم قدرتك على التخلص منا ولكن علينا ان نجاهد ونغصب أنفسنا للتوبة والرجوع الى الله والبعد عن المعاشرات الردئية التى تفسد الأخلاق الجيدة . واذا نصمم على القيام والحياة مع الله يرى الله أمانتنا ويقوى إيماننا ويقودنا بروحه القدوس من مجد الى مجد ، اما الظن بان وصايا الله تحد من حريتنا فهذا ليس صحيح بل على العكس ان الوصايا تحفظنا فى الطريق وتقودنا لئلا نغرق فى برية وطوفان بحر العالم . وهل عندما نحيا بلا الوصية نكون سعداء فى البعد عن الله أم نتخبط ونعانى القلق وفقدان السلام { لا سلام قال الرب للاشرار} (اش 48 : 22). ان الخطية تورث المرض والاكتئاب والعار ثم الهلاك الإبدى . وعندما نقترب من الله ونرجع اليه نسترد سلامنا الحقيقى ونفرح بالحياة فى رضاه ونسمع صوته الحلو {تعالوا الي يا جميع المتعبين و الثقيلي الاحمال وانا اريحكم }(مت 11 : 28). ان توبتنا تفرح الله وملائكته {اي انسان منكم له مئة خروف و اضاع واحدا منها الا يترك التسعة و التسعين في البرية و يذهب لاجل الضال حتى يجده . واذا وجده يضعه على منكبيه فرحا. وياتي الى بيته ويدعو الاصدقاء والجيران قائلا لهم افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال.اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} لو 4:؛15-7. ان الله يستطيع ان يشكلنا من جديد كاوآنى للكرامة والمجد ان أطعنا عمل نعمته فينا { ليظهر في الدهور الاتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع }(اف 2 : 7). وهذا ما بينه الله لارميا النبي قديما {الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا. قم انزل الى بيت الفخاري و هناك اسمعك كلامي. فنزلت الى بيت الفخاري و اذا هو يصنع عملا على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد وعمله وعاء اخر كما حسن في عيني الفخاري ان يصنعه. فصار الي كلام الرب قائلا. اما استطيع ان اصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت اسرائيل يقول الرب هوذا كالطين بيد الفخاري انتم هكذا بيدي {ار1:18-6. واضح هنا ان إرميا قد دُعي ليقدم رسالة رجاء للشعب، فيدركوا إمكانياتهم الحقيقية كطين في يد خالقٍ حكيمٍ قدير. يؤكد الله لهم أنه موجود ومحب، قادر أن يشكلهم من جديد، إن أرادوا. رأي إرميا النبي الفخاري بجوار الدولاب، يحرك بقدميه قرصًا حجريًا دائريًا من أسفل، فتتحرك معه عجلة خشبية من أعلى، وقد بدأت أصابعه تلعب في الطين ليُخرج الإناء كما في ذهنه، بالشكل الذي يريده له. {هكذا أيضًا يجلس الفخاري في عمله، ويحرك العجلة بقدميه}سير29:38. أن الفخاري لا يلهو أو يلعب بالطين ، إنما يعمل في جدية عملاً هادفًا. هكذا حياتنا في يدي الفخاري الأعظم هى موضع اهتمامه، يعمل في جدية خلال الأفراح والضيقات، بالترفق تارة، وبالضغط تارة أخرى، ليقيم منا آنية مقدسة مكرمة. الله هادف في خلقتنا كما في تجديد طبيعتنا، هادف في إقامة ممالك وإزالتها. كل العالم بين يديه، وكل التاريخ في قبضته، ليس من أمرٍ يسير محض مصادفة. ان الفخاري يعجن الفخاري الطين بيده ليخليها من فقاقيع الهواء، ويضعها في الدولاب ليتحرك برجليه ويديه بل وكل فكره، فيحول قطعة الطين التي لا شكل لها إلى إناءٍ جميلٍ، يوسعه الفخاري من هنا، ويضيقه من هناك. ليشكل منه كما يليق به ، اننا أغلى وأثمن لدى الله من هذه الأواني الفخاريه بكثير جداً . وعندما يفسد الوعاء سواء عن جهل او ارادة او رغبة منا وعصيان للفخاري الاعظم فانه يدعونا للتوبة والرجوع { فارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء و اصلحوا طرقكم و اعمالكم (ار 18 : 11). لماذا لم يُلقِ النبي اللوم على الفخاري باعتباره هو المسئول عن فساد الوعاء الذي كان بين يديه؟ لان الأمر يختص بآنية حية تفسد نتيجة خطأها، إذ يقول {ففسد الوعاء الذي كان يصنعه} احذر إذًا لئلا تسقط وتفسد حينما تكون في يدي الفخاري وهو يُشكلك، فيكون فسادك نتيجة لخطأك وبحريتك. (من منتدى ام السمائيين والارضيين). خلق الله الإنسان صالحًا لكنه فسد خلال فساد إرادته ، وصار الأمر يحتاج إلى تدخل الله نفسه القادر وحده على إعادة تشكيل الإناء، إذا تحطم إناء لا يلقيه خارجًا، بل يعود فيعجنه بيديه مرة أخرى، ويجمع الأجزاء المتناثرة منه بكل حرص، ويضغطها معاً ليجعل منها كتلة واحدة يعيد تشكيلها باهتمام شديد. وكأن الله هنا يؤكد لشعبه أنه من حقه أن يضع خطة خاصة بهم لا أن يضع الشعب خطة لله، كقول الرسول بولس: "بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟! ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟ (رو 9: 20-21). كان يليق بهم أن يخضعوا لله الخزاف السماوي، الذي من أجل تقديسه للحرية الإنسانية يترك للجبلة حق الخيار، وإن كانت لا تقدر أن تتشكل بذاتها. إنها في حاجة إلى نعمته المجددة للطبيعة البشرية، أن نعمة الله ورحمته تعملان دومًا لأجل خيرنا، فإذا تركتنا نعمة الله لا تنفع كل الجهود العاملة شيئاً. مهما جاهد الإنسان بكل نشاطٍ لا يقدر أن يصل إلى حالته الأولى بغير معونة الله. حياتنا الزمنية أشبه بقطعة طين تدخل الدولاب الذي يدور في اتجاه واحد، فنظنها وليدة صدفة أو حياة مملة، لكن يدي الفخاري لا تتوقفان عن العمل لكي يحقق خطته تجاهنا. علينا أن نثبت في الدعوة التي دعينا إليها (1 كو 7: 20). والله الذى عمل فى الرسولين القديسين سمعان بطرس ومع شاول بولس ومع مريم المجدلية والمرأة السامرية ، يستطيع ان مع كل واحد وواحدة منا لنكون أوانى للكرامة والمجد {لكي تكون تزكية ايمانكم وهي اثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح }(1بط 1 : 7). عطشت اليك نفسي يا اله المحبة وضابط الكل الذى يسعى لخلاص جنس البشر ، انت تحبنا وتريد ان نحيا فى صداقة ومحبة متبادلة معك ، وانت دائما تبادر فى السعي لاعلان محبتك الإلهية لنا رغم عدم استحقاقنا لكن لانك أب صالح نأتى اليك ياله الرحمة ورب كل عزاء قارعين باب تحننك فهب لنا ياغنياً بالمراحم البرء من خطايانا من كنوز أدويتك . يا الله الهي انت اليك ابكر عطشت اليك نفسي يشتاق اليك جسدي في ارض ناشفة و يابسة بلا ماء ، متى اجيء و اتراءى قدامك ، انت قادر ان تعد كل نفس منا لتكون آنية كرامة ومجد يوم مجئيك الثانى المهوب المملوء مجداً لتجازى كل واحداً كنحو أعماله . وانت قادران تمحوخطايانا كصالح ومحب البشر وتقودنا فى موكب نصرتك وتهب الرعاة والرعية حياة فاضلة تليق بابناء الله القديسين . اننا نأتى اليك بكل ما فينا من عيوب وضعفات ونسألك ان تشكل فينا كما تحب وكما يليق بابناء الله القديسين فان كنا خطاة فبالتجارب نؤدب وانا كنا ابناء فالتجارب تنقينا وتهبنا النصرة . وها نحن أفراد وكنيسة بين يديك وانت الرحوم تهبنا الحكمة والنعمة والقوة لمعالجة كل ضعف وكسل او تقصير لنعود اليك كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا عيب من أجل مجد أسمك القدوس. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
14 أكتوبر 2024

الحياة الروحية على مستوى الناموس أو النعمة

التهود ليس مرحلة تاريخية فقط، ولكنه مرحلة سيكولوجية وروحية فجبل سيناء يمثل بالنسبة للبشرية غطا من العلاقة بين الانسان والله ، الانسان ونفسه ، الانسان والآخرين تبنى أسس هذه العلاقة على خوف الانسان من الله ،وفشل الانسان في تحقيق الارتباط بينه وبين الله ،وعجزه عن المحبة الأصيلة التي توطد علاقته مع الآخرين بسيده لقد عاش شعب إسرائيل فى العهد القديم لا يتواجه مع الله إلا من خلال موسى والأنبياء وكانت العلاقة التي تربط الشعب بالله منحصرة في عدة وصايا أدبية وطقسية ( الناموس ) يلزم ممارستها بكل دقة وخوف والذي يخالف واحدة منها موتاً يموت قال الشعب لموسى "تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم الله معنا لئلا نموت" فقال موسى للشعب "لا تخافوا ، لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ،ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم ، حتى لا تخطئوا فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله " ( خر ۲۰ : ١٩- ٢١) على أن الناموس لم يستطع أن يمنح الانسان قوة بها يغلب ذاته ويتجاوزها ، بل كل ما فعله هو أنه كشف خطيئة الانسان وأدانه " لما جاءت الوصية ، عاشت الخطية فمت أنا " (رو ٧ : ٧ - ٩ ) فللناموس دور يتشابه مع المربى الذى يؤدب الطفل لينضج ويصبح رجلا إنه يهذب النفس وبعدها لتتقبل الحياة حسب الروح ، الحياة الجديدة التي يحيا فيها سر المسيح ، وليس بر الانسان سمات الحياة حسب الناموس : الخوف من الله وممارسة العبادة لا عن حب بل عن خوف ورعب . إتباع مستوى الحرام والحلال . تماماً مثلما كان يعمل اليهودي عندما يلجأ إلى الفريسي في مجتمعه، ليعطيه فتاوى تحلل له، أو تحرم عليه . فالحياة حسب الناموس هي حياة أولاد الجارية العبدة، وليس أولاد الأم الحرة - على حد تعبير المغبوط بولس - فالجارية والحرة هما العهدان، أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية، والآخر هو أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة ونحن لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة ( غلا ٤ : ٢١ - ٣١ ) . والتدين حسب الناموس غالبا ما يكون سطحيا وشكليا في نوعيته يخلو كثيرا من المضمون والجوهر والعمق الروحي حقيقة أنه في العهد القديم كان هناك رجال الله الأنبياء الجبابرة ولكن هؤلاء كانوا مشاعل على الطريق ،وإشراقات إلهية لظلمة الحياة المغلقة ،ولكنهم لا يمثلون الشعب في أبعاد تدينه وكثيراً ما نجد فى كنائسنا أناساً يعيشون على هذا المستوى، يؤدون الممارسات ، ويحضرون العبادة، ويتممون الطقسيات ، ولكن القلب بعيد عن الله ، والخوف يملأ الداخل وليس من سلام ، مثل هذه العبادة مكروهة عند الرب وليس العيب هنا في الطقس والشكل ،وانما العيب كل العيب في ان الانسان يتحجر عند الشكل، ويتجمد ويتوقف عند الظاهر ،ويفرغ الشكل من المضمون والجوهر والعمق الذي هو النعمة والحق والرحمة . سمات الحياة حسب المسيح : الله بعد تجسد ابنه يسوع المسيح لم يعد قطباً خارجاً عن الإنسان، بل ملكوتاً فى قلبه ،ونوراً في حياته الباطنية "و أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد " ( يو ۱۷ : ۲۳ ) فالرب يسوع نقل الانسان من المستوى الموسوى ، الى الحياة حسب النعمة والحق ( لأن الناموس بموسى أعطى ، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ، ( يو ۱۷:۱ ) فالمؤمن بالنعمة يتبرر من الخطية ، ويتقدس بالروح ، ويصبح ابنا ووريثاً للملكوت "إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب ، الذي فيه لنا الفداء ، بدمه غفران الخطايا ، حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا ، بكل حكمة وفطنة إذ عرفنا بسر مشيئته، حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة ، ليجمع كل شيء في المسيح ، ما في السموات وما على الأرض لنكون لمدح مجده نحن الذين سبق رجاؤنا في المسيح " ( ١ تس ۱ : ۳ - ۱۲ ) فإن قدرة الله قد وهبت لنا كل ما للحياة والتقوى بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكى نصير بها شركاء الطبيعة الإلهية (١ بط ٣:١ و ٤ ) ويمكن تركيز سمات الحياة الجديدة حسب الروح فيما يلى : الحياة على مستوى النعمة والحق ، وليس وفقاً للتهود والحرام والحلال . كذلك الحياة بالحرية ، وليس بعبودية الجسد والناموس . الحياة وفقاً لبشارة نعمة إنجيل ربنا يسوع ، وليس حسب فرائض ووصايا خارجية ، تمثل عبئاً على كاهل الإنسان . الحياة من خلال الشركة مع المؤمنين ، وليس على مستوى الانفرادية وكان الجمهور الذين آمنوا قلب واحد ، ونفس واحدة ، ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له ، بل كان عندهم كل شيء مشتركاً . أيها القاري العزيز : ان كنت لا تزال تعيش حسب الناموس : لا تمس ، لا تجس ، لا تدق فهذا التهود لا يصلح لشيء سوى أن يبرر ذاتك أمام نفسك ولكنه لا يمنحك البر الذي في المسيح وإن كنت قد اختبرت فاعلية الولادة الثانية [ المعمودية ] ، وقوة التثبيت [ الميرون ] ، وشركة الافخارستيا ، فتمسك بالذي عندك، وجاهد وثابر ، واحتمل مع أخوتك ،مجاهدين معاً بنفس واحدة . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام ١٩٧٥
المزيد
13 أكتوبر 2024

الاحد الاول من شهر بابة

تتضمن تقبيح الكذب والنهى عنه مرتبه على فصل ابراء المخلع. ( مر ۲ : ۱ - ۱۱ ) إن سيدنا له المجد قد أبرأ مخلعين: الأول عند بركة الضأن التي يقال لها بالعبرانية "بيت حسدا" والثاني أبرأه فى كفر ناحوم. وقد سمعتم خبره بالفصل الذي تلى على مسامعكم اليوم وملخصه إن السيد دخل بيتا في كفر ناحوم فاجتمع حوله كثيرون من الكتبة وغيرهم وكان يخاطبهم بالكلمة. وإذا بأربعة رجال جاءوا يحملون مفلوجا وقدموه اليه. فلما رأى إيمانهم قال للمفلوج: يا بنى مغفور لك خطاياك" ففكر الكتبة في قلوبهم قائلين: لماذا يتكلم هكذا بتجاديف. من يقدر يغفر خطايا إلا الله وحده فأظهر السيد غيرة شديدة ضدهم لم يظهر مثلها من قبل. فإن الفريسيين قد نددوا عليه قائلين: "إنه بيعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين" واليهود شتموه مرة قائلين له: "انك سامرى وبك شيطان" ولكنه لم يقاوم بمثل هذه المقاومة ولا بمثل هذه الغيرة والحمية التي قاوم بها الكتبة هذه المرة. وكانوا يستحقون أكثر من ذلك لأنهم ظنوه كاذبا وغاشا. فأراد أن يبين سلطانه على مغفرة الخطايا وقوته على إظهار الخفايا . فقال لهم: "لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك. أم أن يقال قم أحمل سريرك وامش" فلم يجاوبوه فعاد قائلا لهم: "ولكن لكى تعلموا أن لابن الانسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج لك أقول قم أحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل السرير قدام الكل حتى بهت الجميع ومجدوا الله قائلين: " ما رأينا مثل هذا قط" وهذه الحمية موبخاً الكتبة على خبثهم وسوء فكرهم. وكثرة نفاقهم وكذبهم. لان الكذب مبغوض ومكروه من الله. وقد نهانا عنه في شريعة التوراة بالوصية التاسعة حيث قال: "لا تشهد على قريبك "زور وفي شريعة الإنجيل قال: "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا . وما زاد على ذلك فهو من الشرير" أراد السيد المسيح له المجد أن يعلن لنا بغضه للكذب. فظهر بهذه الغيرة ولنبين لمحبتكم نتيجة الكذب وكيف أنه مكروه من الله. وكيف يعاقب الكاذب بأشد العقوبات. فأصغوا لي بآذانكم وقلوبكم قد جاء بالعهد القديم ان فرعون كذب ثلاث مرات الأولى لما غطت الضفادع أرض مصر الثانية لما ملأ الذبان بيوته وبيوت عبيده الثالثة لما ضرب البرد الناس والبهائم في كل أرض مصر فقد وعد فرعون في كل مرة من هذه الثلاث بأنه يطلق الشعب لكى يعبدوا الرب إلهم ولكنه لم يطلقهم. فكان عقابه أنه غرق هو وكل جيشه مع مركباته وفرسانه في قاع البحر بحيث لم يبق منهم ولا واحد وجاء به أيضاً ان نعمان الآرامي كان مريضاً بداء البرص فأتى إلى اليشع النبي فطهره من دائه ولم يقبل منه الهدايا التي أحضرها معه ليقدمها مكافأة له بعــــد تطهيره. فرأى تلميذه جيحزى وسمع كل ذلك فركض وراء نعمان ومعه أثنان من رفقائه ولما لحقه قال له: هوذا قد جاء لسيدى اثنان من بنى الانبياء في هذا الوقت وهو يقول لك أعطهما وزنة من الفضة وحلتى ثياب. فأعطاه نعمان بدل الوزنة وزنتين من الفضة مع حلتى الثياب كما طلب. فأخذ جيحزى كل ذلك ومضى فأخفاه في بيته ثم عاد فدخل على سيده أليشع ووقف أمامه فقال له: من أين يا جيحزى؟ فقال لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك. فقال له ألم يذهب قلبي حين رجع الرجل للقائك. أهو وقت لأخذ الفضة ولأخذ الثياب فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد فخرج من أمامه أبرص كالثلج وجاء بالعهد الجديد إن المؤمنين فى زمان الرسل كانوا بقلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شئ مشتركاً وأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج ورجل اسمه حنانيا وأمرأته سفيره باع ملكا واختلس من الثمن وامرأته لها خبر ذلك وأتى بجزء ووضعه عند أرجل الرسل فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملاً الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل أنت لم تكذب على الناس بل على الله فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات وصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك فنهض الاحداث ولفوه وحملوه خارجاً ودفنوه ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات أن أمرأته دخلت وليس لها خبر ما جرى فأجابها بطرس قولى لى أبهذا المقدار بعتما الحقل فقالت نعم بهذا المقدار فقال لها بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب هو ذا أرجل الذين دفنوا رجلك على الباب وسيحملونك خارجاً فوقعت في الحال عند رجليه وماتت فدخل الشباب ووجدوها ميتة فحملوها خارجاً ودفنوها بجانب رجلها" فمن يسمع بمثل هذا القصاص ولا يبغض الكذب من كل قلبه ؟ !! هذا وان قلتم لماذا كان الله يقتص من مخالفى الوصايا بصرامة في الزمان العابر أما في هذه الأيام فلا شئ من ذلك؟ مع أن البشر اليوم يخالفون أكثر من سالفيهم ويعملون أردأ مما كان يحدث قبلاً بكثير ؟ أجبتكم بأنه يوجد يوم للدينونة وسيجازى كل واحد بحسب أعماله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً أما تأديباته قديماً فإنما كانت بشدة ليعلم البشر إن الله يبغض الكذب والكاذبين ويكره النفاق والمنافقين فالكذب إذن مضر بقائليه مشين بسامعيه وناقليه لأنه يفرق الأخ من أخيه والآب من ابنه والابن من ابيه فكم من ذوى حسب ونسب وكم من رجال شرفاء وعقلاء حكماء تربوا في المهد وتعلموا العلم والحكمة وعرفوا أسرار الأمور ولكنهم لم يعرفوا كيف يتخلصوا من رذيلة الكذب فإن قلت لماذا؟ أجبتك بسبب تحكم العادة على حرية الإرادة لأن العادة إذا تمكنت من إنسان تصير كطبيعة له وليس بأمر يسير يقهرها الإنسان مهما كان بل يقهر الجسد والجام الشهوات وطلب المساعدة من الله.فسبيلنا أيها الأحباء أن لا نكون من هؤلاء بل ليكن الصدق رائدنا في جميع معاملاتنا ومحادثاتنا عملا بنواهى ربنا حتى نجوز أيام غربتنا بسلام آمنين فنصل إلى الميناء الهادئ الأمين بتعطف وتحنن فادينا له المجد إلى دهر الدهور كلها أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
12 أكتوبر 2024

لزوم التجارب وفوائدها

مُعَلِمنا بُولِس الرَّسُول فِي عب 12 يَقُول [يَا ابنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ لأِنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤدِّبُهُ وَيَجْلِدُ كُلَّ ابنٍ يَقْبَلُهُ إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ فَأيُّ ابنٍ لاَ يُؤدِّبُهُ أبُوهُ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأدِيبٍ قَدْ صَارَ الجمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ فَأنتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آباءُ أجسَادِنَا مُؤدِّبِينَ وَكُنَّا نَهَابُهُمْ أفَلاَ نَخْضَعُ بِالأوْلَى جِدّاً لأِبِي الأرْوَاحِ فَنَحْيَا لأِنَّ أُولئِكَ أدَّبُونَا أيَّاماً قَلِيلَةً حَسَبَ استِحْسَانِهِمْ وَأمَّا هذَا فَلأِجْلِ المنفعةِ لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ وَلَكِنَّ كُلَّ تَأدِيبٍ فِي الحَاضِرِ لاَ يُرَى أنَّهُ لِلفَرَحِ بَلْ لِلحُزَنِ وَأمَّا أخِيراً فَيُعطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ لِذلِكَ قَوِّمُوا الأيادِي المُسترخِيَةَ وَالرُّكَبَ المُخَلَّعَةَ ] ( عب 12 : 5 – 12 )( كَلِمة " نُغُولٌ " تعنِي " أبناء غِير شرعِيين " ) فَإِنْ كَانَ أبُويا الجَسَدِي يَعرِف كيفَ يَشِد عَلَيَّ فَكَمْ يَكُون أبُويا السَّمَاوِي وَهَذِهِ التجارُب هِيَ لِكي نَنَال مِنْ قَدَاسته نرى مِنْ هذِهِ المُقَدِّمة كَمْ أنَّ رَبِّنا يَدَهُ صَالِحة وَهُوَ حنُون حَتَّى فِي تجارُبه لأِنَّهُ يوجد فِكر خَاطِئ عِندَ بعض النَّاس وَهُوَ أنَّ الله يُؤدِّب الإِنسان الخاطِئ مِنْ أجل خَطِيته وَلَكِنْ ليسَ هذَا أُسلُوب رَبِّنا لأِنَّ الله إِنْ كَانَ يُنذِرنِي فَإِنَّهُ يُنذِرنِي بِمَحَبَّة فَيَعْقُوب الرَّسُول يَقُول [ اِحْسَبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِب مُتَنَوِّعَةٍ ]( يع 1 : 2 ) رَبِّنا يُرِيدنا أنْ نَحمِل الإِكلِيل بِفرح فَفِي رِسالة كُورنثُوس يَقُول القِدِيس بُولِس عَنْ الله [ وَلكِنَّ الله أمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أيضاً المَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أنْ تَحْتَمِلُوا ] ( 1كو 10 : 13 ) مُستحِيل أنْ أقُول لِطِفل صَغِير إِحمِل هذِهِ المنضدة فَإِنْ كُنت أنَا أعرِف أنْ أحَمِّل كُلَّ وَاحِد بِقدر طاقته أفَلاَ يفعل الله ذلِك رَبِّنا يَسُوع المَسِيح نَفْسه جُرِّب وَجُرِّب فِي وقت مُقدس وَعَلَى جبل مُقدس فَالتجرُبة ليست لِلإِنتِقام فَعِندما أُجَرَّب أجِد المَسِيح مُعِين لِي فِي تَجَارُبِي [ لأِنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَألَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أنْ يُعِينَ المُجَرَّبِينَ ] ( عب 2 : 18 ) فَالتجارُب رَبِّنا يُرسِلها لَنَا بِحِكمة وَبِإِرَادة إِلَهِيَّة عالية جِدّاً جِدّاً وَهدفها هُوَ خَلاَص النَفْس وَالإِشتراك فِي حِمل صَلِيب المَسِيح وَقِيامته وَسَأحصِد مِنْهُ ثِمار . 1- بَرَكات التَجَارُب :- أ - إِنَّها تَأدِيبات مَحَبَّة :- كُلَّ تَأدِيب فِي الحَاضِر لاَ يُرى أنَّهُ لِلفرح بَلْ لِلحُزن ( عب 12 : 11) فَالتَجَارُب هِيَ تَأدِيبات مَحَبَّة وَليست قسوة .. رَبِّنا لَمْ يَقِف ضِدِّي أبَداً فَالقِدِيس يُوحنا ذَهَبِي الفم يَقُول[ هل لأنَّكَ تُعَانِي مِنْ أتعاب كَثِيرة تَظُن أنَّ الله قَدْ تركك وَأنَّهُ يُبغِضك ، بَلْ إِنْ لَمْ يُؤدِبك فَاعلم أنَّهُ قَدْ تركك ] فَإِنْ وجدت مجموعة أولاد بِيعملوا أعمال سَيِئة جِدّاً بِيضربُوا بعض وَبِيشتِمُوا بعض وَوَجدت فِي هذِهِ المجموعة إِبنك فَمَنْ الَّذِي سَتأخُذه معك ؟!! إِبنك .. وَمَنْ الَّذِي سَتُؤدِبه ؟ إِبنك أحياناً بَفهم أنَّ عِلاَقتِي مَعْ رَبِّنا هِيَ عِلاَقة قُيُود وَلَكِنْ إِنَّ تَأدِيباته هِيَ عَلاَمة بُنُّوة حَقِيقِيَّة لَهُ وَهِيَ عَلاَمة مِقدار مَحَبِّته لِيَّ فَهُوَ يُرِيد أنْ يُقِيمنِي وَلاَ يُرِيدنِي أنْ ألهو وَألعب وَأنسى نَفْسِي وَخَلاَص نَفْسِي فَهِي تَأدِيبات لِكي أنَال مدحه وَتطوِيبه وَالتَجَارُب هِيَ وَسائِل تكشِف لَنَا عَنْ مقاصِد الله وَحُكم الله علِينا فَهِيَ مكسب عَظِيم جِدّاً وَالإِنسان الَّذِي يَعِيش التجرُبة بِفرح وَيَحتَمِلها بِشُكر يَنال مدح مِنْ الله مكسب عَظِيم أنْ نُؤدب فِي هذا الزمان بدلاً مِنْ أنْ نُؤدب فِي الدينُونة فِالأولاد الَّذِينَ فِي الشَوَارِع وَالَّذِينَ ليسَ لَهُمْ أهل لاَ يوجد عندهُمْ أحد يُنذِرَهُمْ جَمِيل جِدّاً أنَّ الله يُرسِل لِلإِنسان تجرُبة فِي حياته وَأصعب شِىء أنَّ الإِنسان يَظِل طَوَال عُمره يرفُض التجرُبة وَيَقُول أنَا رَأيت سَلاَمة الأشرار فَإِكتأبت فَأيُوب الصِّدِّيق قَالَ فِي إِحدى المرَّات أنَّهُ توجد ناس تَعِيش فِي قِمة الشُّرُور وَحياتهُمْ أفضل مِنِّي يَقُولُوا لله إِبعِد عَنَّا وَبِمَعرِفة طُرُقك لاَ نُسر ( أي 21 : 14 ) فَمَاذا ننتَفِع إِنْ تبعناك ؟ يَقُول عَنْهُمْ أيُوب الصِّدِّيق أنَّ عجُولَهُمْ مُسَمَنة [ بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ ] ( أي 21 : 9 ) ثَمَرِة بِر لِرَبِّنا إِنِّي أُؤدب فِي هذَا الزمن وَهذِهِ التجارُب سَتُعطِينِي سَلاَم قلب . ب - لأخُذ نِعم مِنْ السَّماء :- فَالقِدِيس يُوحنَّا الحَبِيب صَاحِب سِفر الرؤيا مَتى تَمَتَّع بِرؤية السَّماء ؟!! وَهُوَ فِي المنفى وَرَأى مجد السَّماء وَأمجاد السَّماء وَالحُكَّام قَدِيماً كَانُوا بِيجعلُوا مَنْ كَانَ فِي منفى يَعِيش فِي رُعب لأِنَّهُ بِيَكُون مُهَدد فِي أي وقت بِعقوبة وَلِذلِك السيِّد المَسِيح قَالَ [ وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ ]( يو 16 : 20 ) فَرَأى القِدِيس يُوحَنَّا وَهُوَ فِي وسط التجرُبة مَا أجمل أنْ يراه وَهُوَ عَلَى الأرض فَسِفر الرؤيا عِندما نقرأه نَفرح فَالقِدِيس يُوحَنَّا رَأى الله وَرَأى عرشه وَرَأى العظمة الإِلَهِيَّة كُلَّها رَأى المِئة وَالأربعة وَالأربعُونَ ألفاً البَتُولِيين رَأى كُلَّ هذا وَهُوَ فِي وسط الآلام كَثِيراً مَا نَنَال نِعم مِنْ السَّماء وَنَحْنُ فِي وسط التجارُب مَتى تَمَتَّع الثَلاَثة فِتية بِرؤية الله ؟ وَهُمْ فِي وسط الأتون وَاليوم نَحْنُ نُعَيِّد بِعِيد إِستشهاد القِدِيسين أبَاكِير وَيُوحَنَّا فَنَجِد الكاثُولِيكُون يَقُول [ أيُّها الأحِبَّاءُ لاَ تَسْتَغْرِبُوا البَلْوَى المُحْرِقَةَ الَّتِي بينكُمْ حَادِثة لأِجْلِ امتِحَانِكُمْ كَأنَّهُ أصَابَكُمْ أمر غَرِيبٌ بَلْ كَمَا اشتركْتُمْ فِي آلامِ المَسِيحِ افْرَحُوا لِكَي تَفْرَحُوا فِي استِعْلاَنِ مَجْدِهِ أيضاً مُبْتَهِجِينَ ] ( 1بط 4 : 12 – 13 ) مَتى رَأى القِدِيس أسطِفَانُوس المَسِيح جَالِس عَلَى العرش ؟ وَهُوَ بِيُرجم فَالتجارُب فُرصة لأخُذ نعم مِنْ الله فَالَّذِي لاَ يُتاح لِي أنْ أأخُذه أأخُذه فِي التجارُب دَانِيال مَتى تَمَتَّع بِمُصَاحبة المَلاَئِكة ؟ عِندما أُلقِيَ فِي جُب الأُسُود فَنَحْنُ عِندما نرى منظر الأُسُود نِفُوسنا تجزع وَلَكِنْ دَانِيال تَمَتَّع بِمُصَاحَبة المَلاَئِكة لَهُ فِي هذا الجُب فَالنَّاس الَّذِينَ ألقُوا الثَلاَثة فِتية فِي الأتُون صهد النَّار حرقهُمْ وَأمَّا الثَلاَثة فِتية فَرَائِحة النَّار لَمْ تَأتِي عَلَى ثِيابَهُمْ فَأحد القِدِيسِين يَقُول [ مَاذا فعلت النَّار بِالثَلاَثة فِتية ؟ فَهِيَ قَطَّعت القُيُود الَّتِي كَانُوا يُربَطُونَ بِها ] وَهُنا نَجِد المزمُور يَقُول [ كَثِيرة هِيَ أحزان الصِّدِّيقِين ، وَمِنْ جَمِيعُها يُنَجِيهُمْ الرَّبَّ . يحفظ الرَّبُّ جَمِيع عِظَامِهِمْ ، وَوَاحِدة مِنْهَا لاَ تنكَسِر ] ( مز 33 – مِنْ مَزَامِير السَّاعة الثَّالِثة ) [ هُمْ عثرُوا وَسَقَطُوا ، وَنَحْنُ قُمنا وَانتصبنا ]( مز 19 – مِنْ مَزَامِير السَّاعة الثَّالِثة ) فَالتجرُبة فُرصة لأخُذ نِعم مِنْ رَبِّنا وَدَانِيال كَانَ يقضِي فِي جُب الأُسُود أجمل لِيله مِنْ لَيَالِي عُمره بُولِس وَسِيلاَ أُلقُوا فِي السِجن الداخِلِي وَوَضِعت أرجُلَهُمْ فِي مقطرة وَلَوْ تخيلنا حالتهُمْ النَفْسِيَّة وَهُمْ فِي هذَا الوضع لَتَوَقعنا أنَّهُمْ تعبانِين وَيُعَاتِبُونَ الله قَائِلِين " هَلْ يُرضِيك ياربَّ أنْ نُسجن هَكذا ؟!! " وَلَكِنَّهُمَا كَانَا يُسَّبِحان الله فِي السِجن التَّسبِيح هُوَ أرقى دَرَجات الصَلاَة هُوَ تَغَنِّي بِأعمال الله وَقُدرته فهل هذَا كَانَ وقت التَّغَنِّي بِأعمال الله ؟!! فَنَحْنُ فِي أجمل لَحَظَات حَياتنا لاَ نَعرِف أنْ نُسَبِّح وَلاَ يوجد عِندنا رَصِيد مِنْ عِشرِتنا لِرَبِّنا لِكي نُخرِج لَهُ كَلاَم جَمِيل فَإِنْ كَانَ هذَا فِي أجمل الأوقات فَكَمْ يَكُون فِي أصعب الأوقات وَلِذلِك أحياناً رَبِّنا بِيُعطِينا تعزِيات جَمِيلة جِدّاً أثناء التجرُبة بِالذَّات فَأحد الآباء يُشَّبِه ذلِك بِتَشبِيه إِذْ يَقُول لَوْ يوجد إِنسان خَبَّاز وَعِنده حوالِي 50 طاولة يَضع فِيهُمْ الخُبز وَيَأخُذ طاولة وَيَضعها فِي الفُرن وَيعرَّضها لِلنَّار لِوقت مُعَيَّن .. فَلَوْ تَعَرَّضت لِلنَّار وقت زِيادة فَإِنَّها تُحرق وَلَوْ تَعَرَّضت وقت قُلَيِل فَإِنَّها تخرُج نَيئِة فَالله لاَ يَدَعنا نُجَرَّب فوقَ مَا نحتمِل فَهذَا هُوَ الفرَّان فَإِنَّهُ يعرِف التوقِيت فَكَمْ يَكُون الله !!!! بُولِس الرَّسُول أُختُطِف لِلسَّماء الثَّالِثة وَيَقُول أحد الآباء أنَّهُ قَدْ يَكُون رَأى ذَلِك وَهُوَ فِي أثناء غيبوبته بعد رجمه أوْ وَهُوَ فِي سِجن مِنْ السِجُون إِنَّهُ رَأى مَا لَمْ ترهُ عين وَلَمْ تسمع بِهِ أُذُن فَلاَبُد أنْ أعرِف أنَّ وَراء التجرُبة سَأأخُذ نِعمة وَلِكي نشترِك فِي قداسته كَثِيراً مَا نَجِد ناس رَبِّنا بِيُعطِيهُمْ تعزِيات كَبِيرة جِدّاً أثناء التجرُبة فَأصعب شِئ قَدْ يُمكِنْ أنْ نُعَرَّض لَهُ هُوَ الموت وَمَعْ ذَلِك نَقُول إِنْ سِرت فِي وَادِي ظِل الموت لاَ أخاف شَرَّاً لأِنَّكَ أنتَ مَعِي ( مز 23 : 4 ) فَإِنَّ خِفَّة ضِيقتنا الوقتِيَّة تُنشِئ لَنَا أكثر فَأكثر ثِقل مجد أبَدِي ( 2كو 4 : 17) فَالتجرُبة مهما طالت فَهِيَ مُدِتها وَقتِيَّة وَلَكِنْ تُنشِئ مجد أبَدِي لاَ يُقاس بِأي رَاحة زَمَنِيَّة توجد قِصَّة مشهُورة فِي بُستان الرُهبان عَنْ رَاهِب إِستأذِن مِنْ رَئِيس الدِير لِيترُك الدِير وَيذهب لِدِير آخر فَسَألَهُ رَئِيس الدِير مَا الَّذِي أحزنك فِي الدِير لِكي تترُكه ؟!! قَالَ لَهُ أنَا أُرِيد أنْ أخُذ فرصة لأمُر بِتجرُبة أوْ مِحنة وَلأِنَّكُمْ مُحِبِين فَأنَا أُرِيد أنْ أترُك الدِير فَالإِنسان لاَبُد أنْ يَعرِف أنَّ الله لَهُ إِرَادة بِهَذِهِ التجرُبة وَهِيَ بِسَماح مِنْه وَمِنْ يَده وَلَيْسَ مِنْ إِنسان يقبلها بِفرح إِلاَّ وَيَتَلاَمس مَعْ عمل رَبِّنا وَيأخُذ نِعمة كَبِيرة جِدّاً بِتدخَلنا مَلَكُوت السَّمَاوَات . ج - لِلتَنقِية مِنْ الشَّوَائِب :- فَلَوْ نظرنا يَا أحِبَّائِي لأِي تجرُبة نظرة رُوحِيَّة فَإِنَّنا سَنَجِدها فُرصة لِلتَنقِية مِنْ الشَّوَائِب فَالَّذهب كُلَّما يُوضع فِي النَّار كُلَّما يَتَنَقى أكثر وَسِعره يزداد فَالتجرُبة بِالنِسبة لِيَّ هِيَ تنقِية مِنْ رَزَائِل نَفْسِي وَمِنْ أطماعِي وَحُبِّي لِنَفْسِي فِالتجرُبة تُنَقِّي الإِنسان مِنْ أي شَائِبة فَعِندما نَرى إِنسان يقُص شجرة فَإِنَّهُ يَقُول أنَا بَنَقِّي الكرمة وَأُرِيد أنَّ العُصارة تَصِل إِليها حَتَّى تنضُج الثِمار بِسُرعة وَلِكي تثبُت أكثر وَنَجِد أنَّ الكِتاب يَقُول [ الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ مَعَ أنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيراً بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعةً لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ وَهِيَ أثمنُ مِنَ الذَّهَبِ الفَانِي مَعَ أنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ تُوجَدُ لِلمَدْحِ وَالكَرَامَةِ وَالمجدِ عِنْدَ استِعْلاَنِ يَسُوعَ المَسِيحِ ] ( 1بط 1 : 6 – 7 ) كَثِيراً مَا يَكُون هُناك إِنسان نَاسِي حياته الأبَدِيَّة وَكُلَّ مَا يشغِله فقط هُوَ الزمن الحَاضِر وَيضع آمال وَآمال حَتَّى تأتِيه تجرُبة تُفِيقه فَأيوب الصِّدِّيق قَالَ [ بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأتْكَ عَيْنِي ] ( أي 42 : 5 ) كَثِيراً مَا تَكُون التجارُب سبب توبة وَتَحَوُّل وَتغيير وَتجعل الإِنسان يشعُر كَمْ أنَّهُ ضَيَّع عُمره فِي تيهان كَثِير فَالتجرُبة هِيَ فُرصة لِكي أرَى حُضن الله المُتَسِع لِي بعد أنْ تركتهُ [ فَإِنَّ مَنْ تَألَّمَ فِي الجَسَدِ كُفَّ عَنِ الخَطِيَّةِ ] ( 1بط 4 : 1 ) يَا لِروعة الكَلاَم رَبِّنا يُرِيدنا أنْ نَكُف عَنْ الخَطِيَّة إِهتمام رَبِّنا بِأجسادنا وَبِالحياة الزمَنِيَّة أقل بِكَثِير جِدّاً مِمَّا نَتَصَور بِحَياتنا الأبَدِيَّة فَكُلَّ إِهتمامه هُوَ بِالحياة الأبَدِيَّة وَلَكِنْ نَحْنُ إِهتمامنا هُوَ بِالحياة الزَمَنِيَّة رَبِّنا يَقُول لَنَا أنَا قَدْ ظُلِمت وَتُفِلَ عَلَيَّ أتُرِيد أنْ تصنع لَكَ طَرِيق آخر غير طرِيقِي فَهَذَا هُوَ طَرِيقِي فَالتجرُبة هِيَ فُرصة لِكي يفِيق الإِنسان لَوْ كَانَ قَدْ بعد نَفْسه عَنْ الحياة الأبَدِيَّة يوجد تشبِيه لَوْ نَتَخَيَّل أنَّنَا سَائِرُون فِي الشَّارِع وَرَأينا حادثة صعبة جِدّاً وَهِيَ أتوبِيس ضرب رجُل وَرفعه لِفوق 30 متر المفرُوض إِنَّه يِكُون فِيهِ نَفْس ؟!!!! وَلَكِنْ وجدنا أنَّ هذَا الشخص وقف يِنَظَّف البدلة وَيَقُول " إِنَّ هَذَا الزُرار تَقَطَّع " – شِئ عَجِيب – إِنَّ الحياة الزَمَنِيَّة عند رَبِّنا مِثْل هَذَا الزُرار لَوْ ضاع لاَ يَهِمْ المُهِمْ سَلاَمة النَفْس هَكذَا المُهِمْ عند الله هُوَ خَلاَصنا الأبَدِي فهل يَجِب أنْ نهتم بِيوم أوْ بِساعة أمْ نهتم بِحَياتنا الأبَدِيَّة الَّتِي لَيْسَ لها نِهاية ؟ الحياة الزَمَنِيَّة الَّتِي نَعِيشها صَدِّقُونِي لاَ تُسَاوِي يوم وَلاَ ساعة عند رَبِّنا يَا حَبِيبِي أُنظُر لِفوق مِثْلَ طَالِب يُرِيد أنْ يلعب وَأنتَ ترى مُستقبله فَإِنْ كُنَّا نَحْنُ بِحِكمِتنا البَشَرِيَّة الضَعِيفة نَعرِف المُفِيد لِلشخص الله يُرِيد[ أنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفةِ الحَقِّ يُقْبِلُونَ ] ( 1تي 2 : 4 )[ لأِنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ قَدَاسَتُكُمْ ] ( 1تس 4 : 3 ) توجد قِصَّة تحكِي عَنْ فتاة مِنْ البنات المشهُورِين جِدّاً فِي السِباحة العالمِيَّة وَبِتأخُذ أُلُوف أُلُوف الدُولاَرَات وَهِيَ فِي إِحدى المرَّات بِتنُط سَقَطِت عَلَى العمُود الفقرِي وَمَكَثت عَلَى كُرسِي مُتَحَرِّك فَأشارت عليها إِحدى صَدِيقاتها بِأنْ تِشترِي هدايا لِلمُعَوَقِين وَالمُحتاجِين وَتزورهُمْ وَتِوَزَعها عَليهُمْ فَكانت عِندما تزور النَّاس كَانُوا يسألُونها هَلْ أنتِ سَعِيدة هَكَذَا ؟!!!! فَإِنحنت وَقَبَّلت الكُرسِي وَقَالت أنَا فِي البِداية كُنت رَافضاه وَلَكِنْ الآن أنَا بَشكُر رَبِّنا [ مَا أبعد أحكامَهُ عَنِ الفحصِ وَطُرُقَهُ عَنْ الاِستِقصَاءِ ] ( رو 11 : 33 ) .. فَالتجرُبة دعوة لِلإِستمرار فِي حياة التوبة وَفُرصة لِلنمو فِي الفضِيلة وَلِلإِشتياق لِلسَّماء . د - دعوة لِلنمو فِي الفضائِل :- الإِنسان المُتَألِم وَالمُجَرَّب الفَضِيلة بِالنِسبة إِليه قُرَيِبة وَالإِنسان الَّذِي إِستفاد مِنْ تجرُبة فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ مدرسة الألم وَدَخَلَ مدرسة الفضائِل وَكَأنَّ مدرسة الألم هُوَ عِنوان لَهُ وجهين وجه هُوَ مدرسة لألم وَالوجه الآخر هُوَ مدرسة الفضائِل . أ - الإِتِضاع :- فَمَثَلاً فَضِيلة الإِتِضاع تنمو جِدّاً جِدّاً جِدّاً مَعْ التجرُبة فَلَوْ جلست مَعْ إِنسان مُجَرَّب لاَ تَجِده يَقُول هذَا فعل أوْ ذَاكَ فعل لأِنَّ التجرُبة بَلَعت الذَّات وَإِبتدأَ الإِنسان بِالتجرُبة يَعِيش بِذات مُرَوَضة وَمُنضَبِطة بعد أنْ كانت الذَّات بِتِشتِكِي وَعالية وَكانت مِحور الإِنسان صَارت ذات الإِنسان مكسُورة وَلِذَلِك دَائِماً الإِنسان المُجَرَّب هُوَ إِنسان مُتَضِع لأِنَّهُ عرف ضعفه فَإِتضع أحد القِدِيسِين يَقُول [ بِوَاسِطة التجارُب نَدنوا مِنَ الإِتِضاع وَمَنْ يدوم بِلاَ أحزان باب العظمة مفتُوح أمامه ] دَاوُد النَّبِي قَالَ عِبارة ذَهَبِيَّة وَهِيَ [ خير لِي أنَّكَ أذللتنِي ، حَتَّى أتعلَّم حقُوقك ] ( مز 118 – القِطعة 9 مِنْ الخِدمة الأولى مِنْ صَلاَة نِصف الليل ) فَأنتَ ياربَّ أقمتَ لِي شَاوُل مِنْ أجل تقوِيم ذَاتِي حَتَّى أنَّ شَاوُل يَذِلَنِي وَيجعلنِي أعِيش مكسُور فَأنتَ يَارَبِي تقصُد أنْ تجعلنِي أتَضِع فَحَتَّى يَارَبِي مَلِك مِثْلَ دَاوُد تُقِيم لَهُ أعداء حَتَّى يَظِل مُتَضِع ؟!!!! نعم فَمدرسة التجارُب هِيَ مدرسة الإِتِضاع وَكَثِيراً مَا تُمَحِص التجرُبة الإِنسان وَتجعل كِبريائه وَتَعَاليه يُمحى فَقَدْ نَتَعَجب فِي بعض الأحيان وَنَقُول هَلْ هذَا هُوَ الإِنسان الَّذِي كَانَ يَقُول مَنْ مِثْلِي ؟ فَالتجرُبة قَدْ جعلته مُنكَسِر بعد أنْ كَانَ مغرُور فَالإِنسان فِي إِعتِقاده أنَّهُ سَيَعِيش إِلَى الأبد عَلَى الأرض وَلَهُ قُدرات وَلَهُ مَعَارِف وَلَهُ إِمكانِيات وَلَكِنْ هذَا الإِنسان عِندما يَمُر فِي تجرُبة يَصِير كَطِفل وَينسى ذَاته فَالتجرُبة تكسر ذات الإِنسان وَتجعله يَعرِف حَقِيقة نَفْسه أنَّهُ تُراب وَلاَ شِئ فَالله سمح بِتجرُبة لأيُوب وَأيُوب كَانَ كُلَّ شِئ فِيهِ حَسِن جِدّاً مَا عدا شِئ وَاحِد وَهُوَ البِر الذَّاتِي فَكَانَ يشعُر أنَّهُ أفضل مِنْ جَمِيع النَّاس وَيَتَكَلَّم عَنْ نَفْسه بِزهو وَلَكِنْ فِي التجرُبة صَارت النَّاس تشمئِز مِنْهُ وَتنفُر مِنْ رَائِحته وَرَبِّنا يَقُول لَهُ يَا أيُوب أنَا لاَ أقصِد أنْ أتعِبك أنَا أقصِد أنْ أُخَلِّصك أنَا لِيَّ هدف فِي هَذَا الأمر وَفِي النِهاية رَبِّنا رَدَّ لَهُ مَا خَسِره ضِعفِين وَلِذَلِك فَإِنَّ الأمر رَبِّنا يِحسِبه بِطَرِيقة أُخرى غِير طَرِيقِتنا فَالإِنسان الأنانِي وَالمُتَكِل عَلَى قُدراته وَعَلَى فِكره وَتَدَابِيره الشخصِيَّة ويَظُنْ أنَّهُ لاَ يوجد أحد أفضل مِنْهُ مُمكِنْ أنْ يُعطِي لَهُ الله تجرُبة مِنْ أجل مذلته وَإِتِضاعه دَاوُد النَّبِي يَقُول [ قبل أنْ أُذَلل أنَا تَكَاسلت ]( مز 118 – القِطعة 9 مِنْ الخِدمة الأولى مِنْ صَلاَة نِصف الليل ) . ب - المَحَبَّة :- كَثِيراً مَا يحدُث أنَّ ذات الإِنسان تجعله يكره وَيَحمِل بُغضه فِي دَاخِله وَيختلِف مَعْ الآخرِين وَعِندما تأتِيه تجرُبة ينسى كُلَّ إِساءة فِي الأوِل كَانَ الَّذِي يشغِله هُوَ ذاته أمَّا بعد التجرُبة فَإِنَّهُ يَقُول" فُلان هُوَ أفضل مِنِّي " وَيبدأ يُبارِك الكُلَّ وَينسى أي إِساءة تحت نِير الألم وَالتجارُب فِي إِحدى المرَّات ذَهبت لِشخص قَدْ عَمَلَ حادثة وَقَدْ ذهبت إِليه لأِناوله فَقَالَ لِي يَا أبُونا ألَيْسَ مِنَ المفرُوض قبل التناوُل أعترِف ؟ وَهَذِهِ التجرُبة جعلته يَتَنَاول وَيعترِف وَفِي هَذِهِ المواقِف مُمكِنْ أنْ أسأله : هل أنتَ مخاصِم أحد ؟ وَعِندما سألته هذَا السؤال قَالَ لِي " أمس فقط التجرُبة صَنَعت مَحَبَّة وَسَلاَم " فَالَّذِينَ كَانُوا عَلَى خِصام معِي عِندما سمعوا بِالحادثة جَاءُوا إِلَيَّ لِيسألُوا عَلَيَّ التجرُبة نقَّت القلب وَلِذَلِك الإِنسان المُجَرَّب لاَ يحمِل قلبه ضَغِينة مِنْ أحد بَلْ بِالعكس التجرُبة تجعله يُبَارِك الآخرِين . ج - اللجاجة فِي الصَلاَة :- التجرُبة أيضاً تجعل الصَلاَة مِنْ الأعماق فَعِندما تَكُون التجرُبة شَدِيدة جِدّاً يعرِف الإِنسان كيفَ يصُرخ مِنْ أعماق قلبه فِي الأوِل مُمكِنْ أنْ تَكُون الصَلاَة مُجَرَّد وَاجِب وَلَكِنْ التجرُبة جعلتنِي أعرِف أنْ أُصَلِّي فَمَا أعجب الكَلِمة الَّتِي قالها يُونان وَهُوَ فِي جوف الحوت إِذْ يَقُول [ فَصَلَّى يُونان مِنْ جَوفِ الحُوتِ وَقَالَ صَرَخْتُ مِنْ جَوفِ الهَاوِيَةِ فَسَمِعْتَ صَوْتِي ] ( يون 2 : 1 – 2 ) كَانَ يوجد قِدِيس يَتَكَلَّم عَنْ الصَلاَة فَسَألوه مَنْ الَّذِي عَلَّمك الصَلاَة ؟ فَقَالَ تجاربِي وَآلامِي فَعِندما يُحارِبنِي عدو الخِير أوْ جَسَدِي يثُور عَلَيَّ أوْ أوَاجِه آلام أوْ تجارُب فَأشعُر بِضِيق وَأصرُخ لِرَبِّنا وَلِذَلِك فَالألم وَالتجرُبة هُوَ مدرسة لِتعلِيم الصَلاَة مَا أجمل الصَلاَة الَّتِي تَكُون بِإِحتياج وَبِمَذَلة وَتَكُون الذَّات فِيها مُنكَسِرة وَيشعُر الإِنسان فِيها أنَّهُ عَاجِز عَنْ كُلَّ شِئ وَيَقُول لِرَبِّنا [ أُحكُمْ لِي يَاربَّ وَانتقِمْ لِمظلمتِي ] ( مز 42 – مِنْ مَزَامِير السَّاعة الثَّالِثة ) [ دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ فَاستجَابنِي ] ( يون 2 : 2 ) أحد الآباء يَقُول مَا رأيك لَوْ رَأيت إِنساناً فِي بحر وَهُوَ يغرق لمح مركِب آتية مِنْ بعِيد فَأخذ يُلَوِح لَهَا وَيصرُخ بِكُلَّ قُوَّته فَالتجرُبة جعلته يصرُخ وَيصرُخ صرخة صَادِقة فَالإِنسان الَّذِي لَمْ يختبِر صَلاَح الله مُمكِنْ أنْ يختبِره فِي التجرُبة فَالتجرُبة تُعَلِّم الصَلاَة وَتُعَلِّمه كيفَ يصرُخ مِنْ أعماقه كَثِيراً مَا يسمح الله بِتجرُبة لِيَّ لِكي يُخرجنِي مِنْهَا بِفَضَائِل كَثِيرة كَثِيراً مَا يَكُون الإِنسان مشغُول وَيَسِير وراء تيارات العالم وَفِي وسط كُلَّ هَذَا يَجِد الله يَقُول لَهُ بعد إِذنك أنَا سَأحَمِلك شِئ وَبِهَذَا سَأكُون أنَا مركز إِهتمامك وَرَبِّنا لاَ يُحِب عَلَى الإِطلاق أنْ يَكُون لِلإِنسان مركز غِيره رَبِّنا عِندما وجد لِعازر وَمريم وَمرثا أُسرة حلوة جِدّاً وَلِعازر هُوَ مركز هَذِهِ الأُسرة فَقَدْ أخَذَ لِعازر ثُمَّ أقامهُ وَبعد أنْ أقامهُ صَارَ يَسُوع هُوَ مركز الأُسرة أبُونا إِبرَاهِيم كَانَ مركز حياته هُوَ إِسحق فَقَالَ الله لإِبرَاهِيم أعطِينِي إِسحق وَوَضَعهُ فِي التجرُبة ثُمَّ أعطاه خروفاً عِوضاً عَنْهُ وَصَارَ رَبِّنا هُوَ المركز فَرَبِّنا يَقُول أنَا أضعك فِي التجرُبة لِكي أرَجَع ترتِيب الأُمور لِلصح وَلِذَلِك فَإِنَّ التجرُبة تجعل الإِنسان يُصَلِّي وَتُعَلِّمه كيفَ يُرضي الله وَكيفَ يصرُخ مِنْ أعماق قلبه . د - تجعل الإِنسان يزهد عَنْ العالم :- مُستحِيل أنْ يَكُون إِنسان فِي تجرُبة وَيُرِيد أنْ يقتنِي شِئ أوْ يشترِي بِيت أوْ عَرَبِية فَالتجرُبة بِتجعل الإِنسان يُفطم عَنْ مَحَبَّة العالم مِثْلَ القِدِيسِين فَلِنفرِض أنْ يَكُون إِنسان ذَاهِب لِيُجرَى لَهُ عَمَلِية جِرَاحِيَّة فَهل وَهُوَ ذَاهِب سَيُشَاهِد التِليِفِزيُون وَينظُر لِلمحِلات لِيَتَعَرَّف عَلَى الموضة الجَدِيدة ؟ بِالطبع لاَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ موجُود مَعْ ناس بِتِتكَلِّم عَلَى الموضة فَإِنَّهُ لاَ يشعُر بِكَلاَمهُمْ وَلاَ يسمعهُمْ لأِنَّ قلبه لاَ يَكُون فِيها فَالإِنسان الَّذِي يُوضع فِي تجرُبة بعد أنْ كَانَ مُرتبِط بِالعالم وَمُقيد بِهِ وَالعالم يَحِد نَفْسه فَإِنَّهُ يُفك مِنْ رَبَاطات العالم وَمِنْ مَحَبَّة المُقتنيات وَيُفطم بِعمل نِعمة الله وَيحدُث هَذَا بِطَرِيقة تِلقائِيَّة بِالتجرُبة فَأنتَ يَاربِي بِتُعطِينا مَا لاَ نستطِيع أنْ نقتنيه فَالتجرُبة بِضربة واحدة مِنْهَا تُعطِيك كُلَّ هَذِهِ الفضائِل وَتُحَطِّم لَكَ كُلَّ الأصنام الَّتِي تعبُدها وَلِذَلِك كُلَّ تأدِيب هُوَ لِلفرح وَلَيْسَ لِلحُزن وَتوجد نِعم كَثِيرة نأخُذها بِالتجرُبة وَاحِد كَانَ ذَاهِب لِيُغَيِّر مِفصل وَكَانَ آخِذ مَعْهُ 100000 جِنية فِي شنطة فَيَقُول أنَّ هَذِهِ الأموال فِي ذَلِك الوقت كانت أمامه مِثْلَ الجرائِد فَالتجرُبة جعلت الفلُوس أمامه مِثْلَ ورق الجرائِد مَعْ إِنَّها لها بَرِيقها فَالفضائِل الَّتِي يصعُب عَلَى الإِنسان إِقتنائها بِالجِهاد الرُّوحِي فَإِنَّهُ يأخُذها بِسِهولة بِالتجرُبة فَالتجرُبة بِتجعل الإِنسان يزهد فِي مَحَبَّة العالم وَتجعله لاَ يُرِيد أنْ يأكُل وَيسمو عَنْ مَحَبَّة الأُمور الأرضِيَّة وَغِير خاضِع لِشِئ وَيزدرِي العالم وَأبَاطِيل العالم وَالإِنسان الَّذِي يعِيش فِي تجرُبة يَتَعجب مِنْ النَّاس الَّذِينَ يدخُلُونَ فِي صِراع مَعْ بعضهُمْ البعض وِيَقُول إِنَّهُمْ مَسَاكِين كيفَ يَعِيشُون هَكَذَا أيُوب الصِّدِّيق قَالَ [ إِنْ كَنَزَ فِضَّةً كَالتُرابِ وَأعَدَّ مَلاَبِسَ كَالطِّينِ ] ( أي 27 : 16) وَكُلَّ هَذَا أتى مِنْ التجرُبة فَمَثَلاً لَوْ شخص فِي سِجن وَقُدِّم لَهُ فلُوس كَثِيرة جِدّاً فَإِنَّهُ سَيَقُول خُذُوهُمْ أنَا لاَ أُرِيد أنْ أأخُذ فلُوس فَالله يُرِيد أنْ يَكُون لَنَا هَذَا الفِكر بِأنَّهُ إِنْ كَانَ لَنَ قوت وَكِسوة فلنكتفِ بِهُمَا ( 1تي 6 : 8 ) وَلِذَلِك فَإِنَّ التجرُبة تجعل الإِنسان يَعِيش الكفاف وَلاَ يهتم بِالغد وَلِذَلِك الإِنسان الأمِين فِي إِستفادته مِنْ التجرُبة يقتنِي بَرَكات كَثِيرة جِدّاً وَيشعُر أنَّهُ لَيْسَ لَنَا هُنا مَدِينة بَاقِية ( عب 13 : 14) . ذ - تُعطِينا الإِشتياق وَالإِستعداد لِلسَّماء :- بِالتجرُبة تبدأ الأرض تنسحِب بِسُلطانها وَبِغِنَاها وَبِمجدها وَبِحياتها مِنْ قلب الإِنسان وَيبدأ يعرِف أنَّ هُناكَ مِنْ نِهاية وَلاَبُد مِنْ نِهاية وَإِشتياقات السَّماء تَزِيد وَتَزِيد فِي الإِنسان وَتَحِث الإِنسان جِدّاً جِدّاً لأِنْ يِجَهِز لِنَفْسه مكان فِي السَّماء وَيَعِد نَفْسه وَيضمن لِنَفْسه مكان فِي السَّماء وَيَعرِف حَقِيقة أنَّهُ لاَبُد مِنْ نِهاية وَيُفطم مِنْ مَحَبَّة العالم لِكي يرتبِط بِمَحَبَّة السَّماء القِدِيس الشِيخ الرُوحانِي يَقُول [ إِنَّ مَحَبَّة الله غرَّبتنِي عَنْ مَحَبَّة الأرض وَالأرضِيات ] فَالتجرُبة تجعل الإِنسان إِشتياقاته تَزِيد لِلسَّماء وَيبدأ يِجَهِز نَفْسه لِلفِترة الأهم فَكَانَ قبل ذَلِك تائِه وَناسِي السَّماء وَبِيعتقِد أنَّ حياته عَلَى الأرض سَتستمِر إِلَى الأبد وَلِذَلِك فَإِنَّ الإِنسان الواعِي لِعمل رَبِّنا يَقُول مُباركة هِيَ آلامِي الَّتِي جعلتنِي أستفاد كُلَّ هَذِهِ الفوائِد وَيبدأ الجسد الَّذِي كُنت بَثِق فِيهِ جِدّاً وَبَحِبه جِدّاً جِدّاً يبدأ أنْ يزبُل وَالتعب يَدِب فِيهِ وَأبدأ أجَهِز نَفْسِي لِمَا بعد هَذَا وَإِبتدأت الأرض تِصغر تِصغر وَالجسد التُرابِي يَنحل لِكي يظهر الجسد السَّماوِي وَلِذَلِك فَإِنَّ التجارُب تُعَرِّف الإِنسان أنَّهُ توجد نِهاية وَلاَبُد مِنْ نِهاية فَيبدأ يَقِف أمام نَفْسه وَيِجَهِز نَفْسه وَلِذَلِك ياربَّ فَإِنَّ أعمالك كُلَّها هِيَ أعمال رحمة وَحقٌّ وَأنتَ تُرِيد أنْ تأخُذنِي معك لأِعِيش معك لِلأبد فَتوجد حرُوب وَأوبِئة وَمَجَاعات جعلها الله لِكي يعلم الإِنسان أنْ لاَ يأمن لِلحياة فِي الأرض وَيستعِد لِلسَّماء فَإِن كَانَ كُلَّ شِئ تمام فَإِنَّنا لَنْ نشتاق لِلسَّماء وَلَكِنْ الله جعلنا نَعِيش فِي مُتَغيِرات لِكي نَقُول مَتى نأخُذ المَدِينة الباقِية ؟ مَتى نأخُذ الرَّاحة السَّماوِيَّة وَالعطايا الَّتِي لَمْ يُعطِيها لَنَا إِنسان ؟ فَهَذَا هُوَ مَا يُرِيد الله أنْ يِجَهِزنا لَهُ وَهُوَ أنْ نَقُول [ لَيْسَ لَنَ هُنَا مَدِينة بَاقِية لكِنَّنَا نَطْلُبُ العَتِيدةَ ] ( عب 13 : 14 ) نَحْنُ فِي إِنتظارها أحد القِدِيسِين يَقُول [ إِنَّ مَحَبَّة العالم تنقلِع مِنْ القلب مِنْ التجارُب الَّتِي تحدُث فِي الجسد ] دَائِماً نَجِد أنَّ الإِنسان الَّذِي عِنده تجارُب فِي جسده تَكُون مَحَبَّة العالم قَدْ إِنقلعت مِنْ قلبه وَابتدأ الملكُوت يملُك عليه وَيُفطم عَنْ العالم رَبِّنا يُرِيد أنْ يُعطِينا أفراح وَأمجاد وَبِقبُولنا التجرُبة نشترِك مَعْهُ فِي حمل الصلِيب وَلِذَلِك الله يقصِد بِالتجرُبة أنَّ النَفْس تَتَمجد وَتزداد إِشتياق لِلسَّماء وَتُجَهز لِلسَّماء وَتُعد لِلسَّماء لاَبُد أنْ نعرِف يَا أحِبَّائِي أنَّ مَلَكُوت الله يُغصب وَالغاصِبُون يختطِفُونه ( مت 11 : 12 ) وَلاَ تنسوا أنَّ رَبِّنا يَسُوع قَالَ طُوبى لَكُمْ إِذا أبغضُوكمْ ( لو 6 : 22 ) طُوبى لَكُمْ أيُّها الحزانى الآن لأِنَّكُمْ سَتضحكُون ( لو 6 : 21 ) وَقَالَ إِنَّ العالم يضحك وَأنتُمْ سَتحزنُون وَلَكِنْ حُزنكُمْ سَيَتَحول إِلَى فرح ( يو 16 : 20 ) نَحْنُ أولاد الله الفاهِمِين قصده وَلِذَلِك نَحْنُ نستطِيع أنْ نحتمِل التجرُبة وَنشكُر عليها وَلِذَلِك لَوْ جاءت لِلإِنسان تجرُبة فَعليهِ أنْ يقبلها وَإِنْ لَمْ يستطِع أنْ يقبلها يطلُب مِنْ رَبِّنا أنْ يحتمِلها وَلَكِنْ لاَ يرفُضها وَلاَ يُعَاتِب رَبِّنا لأِنَّ الإِنسان لاَ يَكُون أحكم مِنْ الله وَلاَ يَكُون رَحِيم أكثر مِنْ الله وَلاَ يهتم أكثر مِنْ الله وَلَكِنْ يَقُول لِرَبِّنا أنتَ الَّذِي تسندنِي فِي تجارِبِي وَتُعِيننِي عَلَى إِحتمال كُلَّ ألم سَيِّدنا مثلث الرحمات البابا شنوده الثَّالِث يَقُول عِبارة جَمِيلة جِدّاً وَهِيَ [ لَيْسَ كُلَّ الَّذِينَ يتألمون ينالُون الأكالِيل وَلَكِنْ الَّذِينَ يقبلُونَ الألم ] لأِنَّ الَّذِي لَمْ يقبل لَمْ يَتَعَلَّم الدرس نَحْنُ عملنا الأول فِي خدمِتنا أنْ نقبل آلامنا [ عَالِمِينَ أنَّ الضِّيْقَ يُنْشِئُ صَبْراً وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي لأِنَّ مَحَبَّةَ الله قَدْ انسكبتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوح القُدُسِ المُعطَى لَنَا ]( رو 5 : 3 – 5 ) فَالتجرُبة لَهَا هدف عِندَ رَبِّنا عَالِي جِدّاً جِدّاً كَثِير مَا يَكُون الإِنسان فِكره عَاجِز عَنْ أنْ يعرِف مَقَاصِد الله يُوسِف الصِّدِّيق كَانَ كُلَّ أمله أنْ يخرُج مِنْ السِجن وَلَكِنْ رَبِّنا عَنْ طَرِيق السِجن جعلهُ رَئِيس خِطِة رَبِّنا تختلِف عَنْ خِطِتنا قصد رَبِّنا غِير قصدِنا[ مَا أبعد أحكامهُ عَنِ الفحصِ وَطُرُقَهُ عَنْ الاِستِقصَاءِ ] ( رو 11 : 33 ) [ لأِنَّ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً ]( رو 11 : 34 ) فَلاَ تَتَعَوَّد أنْ تَقُول لَهُ لِمَاذا يَاربَّ ؟ وَلَكِنْ قُل لَهُ يَاربَّ فَهِّمنِي وَلِذَلِك طُوبى لِلإِنسان الَّذِي يحتمِل التجرُبة وَيحتمِلها بِشُكر وَفرح وَهَذَا ينال الإِكلِيل رَبِّنا يُعطِينا نِعمة فِي تجارِبنا وَيَسنِد كُلَّ ضعف فِينا بِنِعمِته وَلإِلهنا المجد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
11 أكتوبر 2024

مائة درس وعظة (٤٩)

علامات كنيسة الرسل نفس واحدة "وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة "(أع٤٦:٢) مجتمع الكنيسة الأولى كان محدداً جداً ويمكن أن نسميه المجتمع المسيحي البكر الكنيسة المسيحية وكان شعار هذا المجتمع هو المحبةوعمله الرحمة وهدفه الأبدية والنصيب السماوي وهذه هي خلاصة المسيحية أن يكون الإنسان شعاره المحبة وعمله الرحمة، وهدفه الأبدية. علامات كنيسة الآباء الرسل أولا شعارهم المحبة المحبة لا تسقط أبداً، كما قال بولس الرسول، وهذا كان شعار التلاميذ المحبة، أو المحبة الثلاثية ١- محبتهم لله هي الدافع ٢- محبتهم لبعض هي سر نجاحهم ٣- محبتهم للآخرين محبتهم لمخدوميهم جعلت لهم نصيباً في السماء. المحبة في الاحتياج اليومي للإنسان فصارت الحياة الإنسانية القائمة على المحبة لا تسقط أبداً، ودائما تتقدم وايضاً محبة المسيح تحصرنا ما هذه البلاغة أيها القديس العظيم بولس محبة المسيح تحيط بنا وتشملنا فيشعر الإنسان أن نعم الله كل صباح تفرح قلبه المحبة هي التي جعلتهم يعيشون حياة مشتركة جعلتهم يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب وجعلتهم يشهدون للمسيح في كل وقت كنيستنا كنيسة رسولية تنتمي للرسل.ولذلك فاقل شعار للكنيسة هو المحبة، فالمحبة هى رأس المال للكنيسة، فهي لا تملك سوى المحبة ليكونوا انقياء، وهكذا لابد أن يحيا الخدام المحبة جعلتهم يحافظون على انفسهم جميعاً حياة التوبة المستمرة، كما قال السيد المسيح في صلاته الوداعية "لأجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق"(یو ۱۹:۱۷) الصحة الروحية بجانب النقاء يجعلهم اقوياء في الروح ثانيا: عملهم الرحمة ١- عمل المسيح قدم التلاميذ السيد المسيح أنه مشتهى الامم وقد كانت كل الشعوب تشتاق إلى يوم مجئ المسيح، وجاء المسيح عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا إذا كان العالم يشتهي المسيح فإن المسيح أيضاً يتوق لكل إنسان، ومازال يعلن سره للبسطاء ولكن قد تكون المعرفة حاجزاً بين الإنسان والسماء فالمعرفة مثل الدواء إذا كانت قليلة "هلك شعبي لعدم المعرفة" وإذا كانت زائدة يرى الإنسان ذاته ولا يرى الله. ٢- عمل الكنيسة المبدأ الذي تقوم عليه الكنيسة ككل هو أعمال الرحمة تصلى الكنيسة دائماً كيرياليسون، يارب ارحم لنطلب رحمة الله، فكيف يعيش الإنسان بدون رحمة الله وانت أيها الإنسان هل عندك هذه الرحمة. ٣- عمل الإنسان إذا توافرت المحبة وجدت الرحمة طريقها الخطية تجفف علي الإنسان،فلا يعرف المحبة ولا يعرف الرحمة فكل عمل اقدمة يجب أن يكون باسم المسيح لأجل محبتي له، وشعوري بمحبته وفدائه وعمله على الصليب من أجلى يجب أن أقدم المسيح مشتهي الامم في حياتي ثالثاً: هدفهم الأبدية ١- الشهادة للمسيح ٢- انتظار الملكوت ٣- عمل المحبة ما معنى الحياة إنسان يعيش على الأرض ويصنع كل ما يريده ولا يفكر في أن يكون له نصيب في السماء في سفر أعمال الرسل تجد كل فقرة تتكلم عن ملكوت السموات ستنتهى الحياة يوما ما، فهل فكرت في الأبدية؟ هل الأبدية حاضرة أمامك؟ فالعمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة لهذا السبب أخر اية في الكتاب المقدس تقول "امين تعال أيها الرب يسوع"( رؤ٢٠:٢٣) "واما هم فذهبوا فرحين من أمام المجتمع لأنهم حسبوا متأهلين أن يهانوا من أجل اسمه وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أع٤١:٥، ٤٢) لذلك نرى في كنيستنا الشهداء والعباد والنساك، ومن يعيش بالزهد والمعلمين الروحانيين لأنهم يرون الأبدية أمامهم باستمرار . يتطلع الإنسان إلى السماء بعينيه وقلبه فيصير ناجحاً وفرحاً في الأرض لأن نصيبه السماوي ينتظره كان التلاميذ شهوداً للخدمة والكرارة وعينهم على الأبدية، وكانوا شهوداً لالام وقيامة ربنا يسوع المسيح وعينهم على الأبدية، وكانوا شهوداً لصعود ربنا يسوع المسيح وعينهم على الأبدية كان مجتمع الكنيسة الأولى يعيش بمحبة ويمارس اعمال الرحمة وهدفهم أن يكون لهم نصيب في ملكوت السموات. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
10 أكتوبر 2024

بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها

مجمع القسطنطينية سنة 381م مقدمة: انعقد هذا المجمع فى مدينة القسطنطينية فى سنة 381م لمقاومة بدعة مقدونيوس وبدعة أبوليناريوس وبدعة سابيليوس، بدعوة من الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير (الذى يلقّب باسم الملك الأرثوذكسى). أولاً: بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها أنكر "مقدونيوس"، الذى كان بطريركاً للقسطنطينية والذى بسببه انعقد المجمع المسكونى هناك، ألوهية الروح القدس ولكنه لم ينكر ألوهية السيد المسيح. وحُكم عليه وعلى تعليمه الهرطوقى فى المجمع المسكونى الثانى بالقسطنطينية 381م. كان مقدونيوس قد استند إلى ما ورد فى إنجيل يوحنا فى قول السيد المسيح عن الروح القدس "لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 16: 13) "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 16: 14). فقال مقدونيوس إن الروح القدس أقل من الابن لأنه يأخذ مما للابن (يو 16: 14،15)، ولأنه لا يتكلم من نفسه (يو16: 13)، ولأنه يشهد للابن بناءً على ما قاله السيد المسيح: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم.. فهو يشهد لى" (يو 15: 26). وأيضاً لأنه يُرسل من الآب ومن الابن يُرسَل من الآب: "وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء" (يو 14: 26) ويُرسَل من الابن: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق" (يو 15: 26) لقد نسى هذا المسكين أن الابن أيضاً قال عنه الوحى الإلهى: "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19). فهذا المسكين لو قرأ هذه الآية بتمعن لما اعتبر أن عبارة أن الروح القدس "لا يتكلم من نفسه" تؤدى إلى إقلال شأن الروح القدس عن الابن. كما أن كون الابن لا يعمل من نفسه شيئاً لا تقلل الابن عن الآب. فإذا اتبعنا هذه القاعدة التى اتبعها مقدونيوس لأنكرنا ألوهية الابن أيضاً لأنه قال أنه "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19) إن كلاً من العبارتين معناها أن أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس لا يعمل الواحد منهما منفصلاً عن الأقنومين الآخرين. فلا الابن يعمل منفصلاً عن الآب والروح القدس، ولا الروح القدس يعمل منفصلاً عن الابن والآب لأنه كما قال الآباء مثل القديس اثناسيوس: "الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس" (من الرسالة الأولى إلى سيرابيون فصل 28 عن الروح القدس). وقد كرر القديس أثناسيوس هذا المعنى فى رسالته الثالثة إلى سيرابيون الفصل الخامس أيضاً فى مقاله عن الروح القدس، كما وردت فى مواضع أخرى من تعليمه ومثله قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة بحسب فهمنا المتنوع لها (نسميها طاقة أو قدرة أو خلاص أو هبة أو موهبة أو عطية... إلخ)، لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس." إن وحدانية الآب والابن التى قال عنها السيد المسيح أنه هو والآب واحد (انظر يو 10: 30) هى السبب فى أنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئاً، لأن قدرة واحدة هى للآب والابن والروح القدس وقد شرح القديس يوحنا ذهبى الفم خطأ تعليم مقدونيوس، فى شرح عبارة أن الروح القدس لا يتكلم من نفسه، كما يلى: أولاً: إن الله حينما أراد أن يقيم سبعين شيخاً لمعاونة موسى النبى فى رعاية شعب إسرائيل قال الرب لموسى "آخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم" (عدد 11: 17) فهل كان الله أقل من موسى النبى.. حاشا؟! وهل الله يستدين (يستلف) من موسى الروح القدس أى مواهبه. إن السبب فى ذلك طبعاً، وبدون أى جدال ويستد كل فم، أن الله أراد أن يثبت للشيوخ السبعين أنهم يعاونون موسى ولا ينفصلون عنه، بل يعملون فى انسجام ووحدانية، لكى لا يحدث انقسام فى الجماعة هكذا أيضاً الروح القدس يأخذ مما للسيد المسيح ويخبرنا ليس لأنه أقل من الابن، كما إدّعى مقدونيوس، بل لكى يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة. وتكون العطايا والمواهب التى تمنح لنا هى من خلال السيد المسيح، ونكون نحن أعضاء فى جسده الواحد. فالروح القدس كما أنه هو روح الآب فهو أيضاً روح الابن أو روح المسيح كما هو مكتوب. ثانياً: الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا، لأن أى إنسان يستطيع أن يدّعى أن الروح القدس يحل عليه، وأنه يأخذ وحياً من الروح القدس. والقديس يوحنا الرسول يقول "لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد فهو من الله" (1يو 4: 1-2). ونظراً لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم فكيف نعرف الروح القدس الحقيقى (أى روح الله) إلا إذا كان لا يتكلم من نفسه، أى أنه يشهد للمسيح ولا يشهد له فقط بل يشهد الشهادة الحقيقية، أن المسيح هو الابن المولود من الآب قبل كل الدهور. كما قال القديس يوحنا الإنجيلى فى نفس الرسالة: "ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية" (1يو5: 20) فالروح الذى يشهد لألوهية السيد المسيح ولتجسده من أجل خلاص العالم تكون شهادته هى شهادة حق وهنا تكمن خطورة شديدة جداً لو تجاهلنا هذه الحقيقة. لأن إلين هوايت، النبية المزعومة للأدفنتست السبتيين غير المسيحيين، كانت تزعم أن الروح القدس هو الذى يوحى إليها بكل التعاليم الفاسدة المضادة للمسيحية الحقيقية. وأى نبى كاذب يدّعى أن الروح القدس هو الذى يعطيه الوحى فيما يقول ويكتب. كما ادّعت إلين هوايت أيضاً أن الملائكة كانت تظهر لها أحياناً فى الثالثة فجراً لتمليها ما تكتب، أى ليس الروح القدس مباشرةً بل عن طريق الملائكة، لكنها تدّعى أيضاً أن هؤلاء الملائكة مكلفين من الله من المعروف أن أنبياء كثيرين خرجوا إلى العالم وأن أى منهم قد يدّعى أن الروح القدس هو الذى يملى عليه ما قاله وما علّم به. فكيف نعرف إلا إذا كان الروح القدس الحقيقى له مواصفات هذه هى الأسباب التى جعلت السيد المسيح يعطى تعريفاً محدداً للروح القدس حينما قال: "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى. لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 16: 14،15). إذن فهو لا يأخذ فقط مما للابن ويخبرنا بل ويأخذ أيضاً مما للآب ويخبرنا، لأن كل ما للآب هو للابن، لذلك أكمل السيد المسيح قوله وقال: "لهذا قلت أنه يأخذ مما لى ويخبركم". ألوهية الروح القدس: أما عن ألوهية الروح القدس فكما أوردنا سابقاً من سفر أيوب "روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى" (أى 33: 4) فهو الإله الخالق. وقيل فى المزمور "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت فى الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكنى يمينك" (مز 139: 7-10). وهذا يثبت أن الروح القدس حاضر فى كل مكان، ويثبت ألوهية الروح القدس كما أن القديس بطرس فى حواره مع حنانيا وسفيرة قد اعتبر أن من يكذب على الروح القدس يكذب على الله (انظر أع 5: 4)، لأن الروح القدس هو الله، كما أن الآب هو الله والابن هو الله من حيث الجوهر الابن هو ابن الله من حيث الأقنوم. فإن قلنا أنه الله نقصد من حيث الجوهر وإن قلنا أنه ابن الله نقصد وضعه الأقنومى. وهكذا أيضاً الآب من حيث الجوهر هو الله ومن حيث الأقنوم هو الآب، لذلك قال معلمنا بولس الرسول عن الآب فى أكثر من موضع "الله وأبينا" (أنظر غل 1: 4، فى 4: 20) فالله وأبينا هو واحد أما عن أقنومية الروح القدس فقد قال السيد المسيح "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب" (يو 15: 26). معنى ذلك أن الروح القدس ليس هو الابن. وقال كذلك "أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق" (يو 14: 16، 17). فكلمة "آخر" هنا لا تعنى انفصاله عن الآب أو عن الابن بل تعنى أن له شخصيته الخاصة المتمايزة. إذن الروح القدس ليس طاقةً أو قوة، كما يدّعى شهود يهوه، بل هو شخص حقيقى يتكلم ويسمع وله ضمير الملكية. فهو أقنوم إلهى واحد فى الجوهر مع الآب والابن "قال الروح القدس أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه" (أع 13: 2). وعبارة "افرزوا لى" تشير إلى شخصية الروح القدس أنه صاحب ضمير الملكية. وليس هذا فقط بل قال السيد المسيح "ذاك يمجدنى" (يو16: 14)، وكلمة ذاك تقال عن شخص أو أقنوم وليس عن قوة أو طاقة. وقال عنه أيضاً "متى جاء ذاك روح الحق" (يو16: 13). فقال السيد المسيح عنه: "ذاك"، وقال عنه "جاء" وقال عنه "يتكلم" وقال عنه "ما يسمع يتكلم به" وقال عنه "يأخذ" وقال عنه "يخبر" وقال عنه "يشهد" كل هذه الأشياء التى قيلت عن الروح القدس تدل على أقنوميته. فكما أن الابن له شخصيته الحقيقية التى أدركناها حينما جاء لخلاص العالم، فالروح القدس أيضاً له شخصيته الحقيقة التى أدركناها حينما جاء ليقود الكنيسة ويشهد للمسيح ويعمل فى الأسرار وبهذا نكون قد أثبتنا من خلال تعليم الآباء استنادًا إلى الكتب المقدسة أن الروح القدس مساوى للآب والابن فى الجوهر وأنه أقنوم حقيقى له شخصيته المتمايزة. أثبتنا ألوهيته وفساد تعليم مقدونيوس، الذى حرمه المجمع المسكونى الثانى المنعقد فى القسطنطينية عام 381م، وحضره البابا تيموثاوس الأول بابا الإسكندرية (22). وعُزل مقدونيوس من رتبته كبطريرك للقسطنطينية وقد حُرم مقدونيوس هو وهرطقته من فم الكنيسة الجامعة، لذلك فى صلاة التحليل فى القداس الإلهى نأخذ الحل من فم المائة والخمسين المجتمعين فى القسطنطينية على أساس رفضنا لتعليم كل من مقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس الذين حرمهم الآباء المجتمعين فى هذا المجمع. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
09 أكتوبر 2024

أبديتك

غالبية الناس يفكرون فقط في حياتهم على الأرض، كل رغباتهم مركزة في هذه الحياة الأرضية وكل تعبهم وجهادهم هو من أجله أما أبديتهم لا تخطر لهم على بال إن حياتك كلها على الأرض لا تساوى طرفة عين إذا ما قورنت بالأبدية التي لا نهاية لها وحياتك على الأرض ما هي إلا إعداد وتمهيد لتلك الأبدية، وحياة الخلود ربما تمسك بكرامة أرضية يضيع عليك كل الكرامة التي ينالها القديسون في المجد الأبدي ومع ذلك فأنت ما تزال تتمسك بهذه الكرامة الأرضية. وتضحي في سبيلها بأبديتك وكأنك لا تعي!! وربما تمسكك ببعض الملاذ الأرضية الوقتية والزائلة يفقدك كل النعيم الأبدي وسعادة الخلود عليك إذن أن تقتنع بأهمية الأبدية وتضعها باستمرار أمام عينيك ويصبح كل شيء رخيص إلى جوارها ما أجمل قول القديس بولس الرسول لأهل كورونثوس: "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل التي لا ترى لأن التي ترى وقتية أما التي لا تُرى فأبدية" (2كو4: 18) حقًا، في هذه النظرة يتجلى الفارق الأساسي بين الإنسان الحكيم والإنسان الجاهل الجاهل نظرته قصيرة لا تتعدى المرئيات والحياة الأرضية أما الحكيم ينظر إلى بعيد إلى ما بعد الموت ويظل يفكر: ماذا سيكون مصيري بعد أن أخلع هذا الجسد؟ أين سأذهب؟ وماذا سأكون؟ وأنت أيها الأخ، بماذا أنت مشغول..؟ وأين وضعت قلبك؟ هنا أم هناك..؟ لأنه حيث يكون قلبك يكون كنزك أيضًا إن الحكماء يشعرون أنهم غرباء على الأرض، ولا يركزون آمالهم في الأرض بل "ينتظرون المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عب11) والذي يهتم بأبديته يرتفع فوق مستوى الأرض والأرضيات ولا يستهويه شيء مما في هذا العالم العالم كله خلفه، وليس أمامه. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل