المقالات
05 يونيو 2025
مشكلة الإخوة الطوال
ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يذهب للقسطنطينية
وفى سنة 403م لم يجد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية مناصاً إلا ان يسافر إلى القسطنطينية، وأشاع قبل سفره أنه ذاهب إليها ليحرم يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية ويقصيه عن كرسيه ويحرمه من وظيفته من أجل الوقوف ضده فى مشكلة الإخوة الطوال وبعد أن جهزت الأمبراطورة كل شيء دعت إلى عقد مجمع في القسطنطينية. إلا أن ظاهر المجمع كان شيء والخفي شيء أخر، فكان الهدف من المجمع هو أن تتم محاكمة الذهبي الفم. أما الذهبي الفم فكان يعتقد أن المجمع سينعقد ليحاكم ثيوفيلوس، ونتائج هذا المجمع قد أكدت الإشاعة التى سبق واطلقها ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية في ربيع 403 أرسل ثيوفيلوس بطريرك الإسكندرية أحد أساقفته. القديس ابيفانيوس، اختصاصه كشف الهرطقات. ووصل إلى القسطنطينية. وكان تصرفة واضحا منذ بداية فمنذ لحظة وصوله كان يتصرف وكأن الذهبي الفم هو الهرطوقي، لأنه دافع عن الأخوة الطوال وهم هراطقة. وكان ابيفانيوس مخدوعاً، فعمل على تدبير حيلة تنهي قصة الأخوة الطوال وتعطي الفرصة للمجمع أن ينعقد ليحاكم الذهبي الفم. وبعد أن قدم حيلته للأمبراطورة. ذهب لعنده امونيوس أحد الأخوة الطوال (صاحب الأذن الواحدة) وكلمه ثم سيرابيون فعرف أنه وقع في حفرة نصبها له ثيوفيلوس وأفدوكسيا فقرر العودة قبل أن يصل أعضاء المجمع. ورقد وهو في طريق عودته فأبحر ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية على سفية خاصة فى أبهة الملوك والأباطرة والسلاطين وحوله حاشية من أساقفة مصر والحبشة وتحيط به زمرة من الكهنة والقساوسة، وما أن ألقت السفينة مرساها فى مياه البوسفور التى كانت تنعكس اشعة شمس شهر يونيو على مياهها، حتى حياه البحارة المصريين الذين يعملون على المراكب التى كانت تنقل جزية الحنطة (القمح) للقسطنطينية،وأدوا لباباهم واجب التبجيل والإحترام وهم فرحوا برؤية بطريركهم المصى بالقسطنطينية، ولكن لم يذهب لأستقباله كان واحد من كهنة العاصمة فلم يرغب فى الإقامة فى العاصمة فذهب إلى مكدونية، وما أن وصل إلى هناك حتى قام بإستقباله سيرينوس أسقفها المصرى الجنس بكل إحترام وتعظيم وجميع أساقفته وأقام في خلقيدونية أياماً ثم جاء القسطنطينية . ومرّ أمام كنيسة الرسل ولم يدخل إليها. وعلى الرغم من هذا فإن الذهبي الفم ذهب لاستقباله في القصر الذي أعد له ودعاه للإقامة عنده. وكان بيت افغرافية مركز المشاغبة والمؤامرة على الذهبي الفم.
قضاة مجمع السنديانة: (البلوطة)
ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يتهم القديس يوحنا ذهبى الفم بتهم تافهة
عقدوا اجتماعاتهم في العاصمة لأن الذهبي الفم كان محبوباً موقوراً. فاستحسنوا بلدة خليقيدونية ونزلوا عند أسقفها المصري كيرينوس وعقدوا اجتماعهم في قصر السنديانة. وانضم إليهم أكاكيوس وسفيريانوسو أسقف جبلة وأنطوخيوس أسقف عكة وماروطة أسقف ميافارقين ومكاريوس مغنيسية. وكان هذا في منتصف تموز. وابتدأت المحاكمة. بينما كان يوحنا مع أصدقائه في غرفة الطعام يتحدثون. وكان يكلمهم كما لو أنه يودعهم وأصغى المجتمعون في السنديانة إلى جميع الاتهامات الواردة في الذهبي الفم. فبلغت شكايات الارشدياكون يوحنا تسعاً وعشرين. وادعى الأسقف اسحق على الذهبي الفم أنه قبل في كنفه رهبان قالوا قول اوريجانس. وأنه تدخل في شؤون أبرشيات لا يتبعون إلى أسقفيته. ومن ثم الراهب اسحق قدم ثماني عشر شكوى منها "حنو القديس على الخطأة"! وأعد مجمعاً وأرسل يستدعى يوحنا ذهبى الفم وطلب منه الحضور إلى المجمع ليدافع عن نفسه عن عدة إتهامات طويلة وعريضة طالما إتهموه أعداؤه بها ولم يستطيعوا إثباتها عليه، ولكنها وجدت طريقها بسبب ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية للكيل بكيلين لذهبى الفم بسبب موقفه بجانب الإخوة الطوال فى شكواهم، وكانت أكثر هذه التهم تافهة وعديمة الأهمية، وكان قصد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية أن يزعج يوحنا ومضايقته ووضعه فى موضع إتهام، وإختار ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية تهمتين من هذه التهم العديدة ورتبها ترتيباً تنازلياً، واعد الأسئلة بحيث يعسر نقضها ودحضها أو إنكارها:
التهمة الأولى: إتهام يوحنا ذهبى الفم أنه لقب الإمبراطورة بلقب " إيزابل" (وهى إمرأة آخاب ملك إسرائيل الشريرة: إقرأ 1ملوك 19)
التهمة الثانية: انه تكلم ضدها كلام غير لائق ويدل على إحتقاره لها .
(ملاحظة: لا يملك مجمع ان يحرم أسقفاً للتهم السابقة لأنها لا تدخل فى موضوع الإيمان الإرثوذكسى) ولم ينكر يوحنا ذهبى الفم بأنه دعى هذه الإمبراطورة بإسم إيزابل فى عظة ألقاها فى شعب الكنيسة واتخذوا قراراً بخلعه وبعثوا به إلى البلاط ونشروه في جميع كنائس العاصمة. ولم يُبنَ الحكم فيه إلا على أن المجمع دعاه أربع مرات فلم يحضر. وقد ضاعت أعمال هذا المجمع إلا ما نقله فوطيوس العظيم عنها وهذه هي التهم التي وجهت للقديس:
إن الذهبي الفم رقّى إلى درجة الكهنوت عبداً سابقاً متحرراً هو تيفريوس
الذهبي الفم يأخذ حمامه اليومي وحيداً
يأكل Bonbon Au Miel
يأكل على إنفراد خضاراً مسلوقة
في أيام الحر الشديد يضع بعض النقاط من النبيذ في الماء
لا يرتب ثيابه الكهنوتية بعد الانتهاء من الخدم الإلهية
وأكثر ما يضحك من بين التهم أن القديس الذهبي الفم ينام مع امرأة!!! وهذه التهمة التي حزت بنفسه فكتب إلى صديقه الأسقف سيرياكوس "يزعمون أيضاً أني أنام مع امرأة. ألا فليجردوا جسدي وينظروا الحالة المزرية التي فيها أعضائي".
التهمة الثالثة: أن يوحنا ذهبى الفم عمل على التعدى على سلطة الأساقفة وتحريض الآخرين على عصيان رؤسائهم الروحيين (وكان ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بلا شك يقصد رهبان وادى النطرون ومن معهم الذين نفاهم هو) وكانت هذه المشكلة قد طويت وإنزوت فى زوايا الإهمال لولا أن حرك ساكنها وطلب شهود الإثبات وهو الأسقف ديسقوروس (من الأخوة الطوال) الذى كان قد تنيح ولم يبقى سوى امونيوس أخيه فقد أحضروه غلى خلقيدونية وهو يحتضر فلما رآه ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية فى حالة الموت ذرفت عيناه بالدموع من شدة التأثر وهكذا تم الصلح بين الخصمين اللدودين فى أقل من لمح البصر بدون وساطة ولا شفاعة أحد سوى وقع العين وتأثير النفس النقية بعيدة عن شر الشرير، وقبلا بعضهما بعضاً بقبلة مقسة وهكذا سرت مياة الروح فى أرض نفسيهما الجدباء كما تروى الأرض المشققة بالماء فأرتوت النفوس وهدأت القلوب .
خطابا لثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يامرة بالحكم على يوحنا ذهبى الفم
بينما كان الفرعون الإسكندري وأصحابه يفتلون الشر فتلاً ويحكمونه احكاماً قام غيرهم أربعون أسقفاً من القسطنطينية وغيرها ينظرون في ملافاة الخطر. أما الذهبي الفم فإنه طلب منهم أن لا يدع أحد منهم كنيسته لأجله. ثم كتب أعضاء السنديانة إلى الذهبي الفم أن يبرر نفسه أمامهم. فرد الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية أن في هذا الطلب خروجاً على القوانين الموضوعة في نيقية. وأن أقلية مثلهم عليها أن تخضع لأكثرية مؤلفة من أربعين أسقفاً برئاسة سبعة مطارنة. ولكن الذهبي الفم وافق شريطة أن يترك المجمع أعدائه. فكان ثيوفيلوس قد قال في ليقية "إني منطلق لعزل الأسقف يوحنا". فأبوا وأبى ويقول الملكيين (الروم): " تعاقد ثاؤفيلس مع إيدوكسيا (11) Eudoxia على مهاجمة الذهبي الفم. وكان جديراً بهذا. فهو خبير في التهديم والتخريب والتدمير وتصفية الإنسان! ولا بد من مناسبة لمباشرة العمل. فكان "الأخوة الطوال" الحجة التي تذرع بها للانقضاض على الذهبي الفم." وقد استغلت الإمبراطورة عداء ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ليوحنا ليقوم بنفي ذهبي الفم ولم يتذكر البابا المصرى كلمات يوحنا عنها أن إيزابل الشريرة ونسى مكرها فإنصاع لمشورتها الخبيثة، حيث انعقد مجمع السنديان تحت رئاسة البابا ونٌفيّ القديس ذهبي الفم. فصار ذلك يمثل كارثة أفسدت تاريخ البابا ثاوفيلس تمامًا، وفى هذه الأثناء أرسلت الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia خطاباً صادراً من ديوان الإمبراطور إلى مجمع خلقيدونية فى جلسته الثانية عشر وفيه أمراً للمجمع بإصدار حكمه فى موضوع يوحنا ذهبى الفم بأقصى سرعة وكان الدافع وراء هذا الأمر حقد الأمبراطورة إيدوكسيا على بطريرك القسطنطينية لأنه أهانها وبناء على هذا الأمر أو هذا الخطاب الصادر من الديوان، وحتى ولو طلباً ولم يكن أمراً فقد كان الأمر فى يد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية الذى رآها فرصة سانحة لكى يبعد يوحنا فهو يعمل على ترسيخ مبدأ المجمع السابق بأن بطريرك القسطنطينية يعلوا فى كرسية بطريرك الإسكندرية فأمر: بخلع يوحنا ذهبى الفم وحرمه ولإقصاؤه عن كرسيه ونفيه حالاً إلى خارج القسطنطينية ولم يكن ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية درجة محبة شعب القسطنطينية ليوحنا ذهبى الفم فقد حدث أنه بعد ثلاثة ايام على صدور الحكم بالنفى كان من الصعب إلقاء القبض عليه لتنفيذ أمر النفى وإبعاده لأن تجع جمهور كبير من أهل القسطنطينية واحاطوا بمنزله وأعدوا العدة لحراسته وحمايته وكانوا يتناوبون الدفاع عنه بطريقة منظمة كأنهم حرس عسكرى حتى لا يتم القبض عليه، وصار الجميع يخافون من حرب أهلية فى داخل العاصمة بل أن الحرب أصبحت وشيكة الإندلاع فعلاً لولا أن القديس يوحنا ذهبى الفم كان يرتقى منابر الكنائس وينصح شعبه بالهدوء والسكينة واستغاث الذهبي الفم بالكنيسة الجامعة وسأل عقد مجمع مسكوني ولم يخضع فوراً لحكم قضاة السنديانة بل ظل يواصل أعماله الرعائية يومين كاملين ولما كان منتصف اليوم الثالث فى وقت الظهيرة وذهب بعض من الحراس فى النوم أن يوحنا ذهبى الفم تسلل من باب خاص دون أن يشعر به أحد، وذهب إلى موظفى الحكومة وسلم نفسه لهم بكل رضى وهدوء فأخذوه حينئذ إلى سفينة وأرسلوه إلى بيت عنيا (8) وخلا الطريق لثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ودخل إلى المدينة فى اليوم التالى لإبحار القديس يوحنا ذهبى الفم، وتوجه للكنيسة الكبرى وبدأ فى مراسيم سيامة بطريرك خلفاً ليوحنا ذهبى الفم على كرسى القسطنطينية، ولكن لما سار الواعظ الذى كان مكلفاً بالوعظ من ثاؤفيلس إلى المنبر ووقف ليتكلم واخذ يطعن فى يوحنا ذهبى الفم بكلام شديد هاج الشعب هياجاً شديداً ولم يتمكن احد من فرض الهدوء عليهم وصاحوا وهتفوا للقديس يوحنا ذهبى الفم حتى إرتجت الكنيسة وإهتزت من أساساتها وتدخلت قوة عسكرية فطردت الشعب الثائر بالعصى والمعاول، وإمتلأت الشوارع من العامة الثائرين وهم يملأون الدنيا بصياحهم طالبين إرجاع يطريركهم استيقظ الشعب عند الصباح ولم يجد أسقفه فغضب. واكتظت الشوارع بالناس وأحاط بعضهم بالقصر من كل جانب وصرخوا طالبين إرجاع أبيهم المنفي. وظلوا على هذا الحال حتى المساء، وهجموا على ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وكادوا يفتكون به لتعضيده الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia، ووفي هذا الوقت كان مؤمني القسطنطينية عازمون على إلقاء ثيوفيلوس إلى البحر، لأنه عدا عن تآمره على قديسهم. كان يريد تنصيب أسقفاً عليهم يكون موالٍ له. وقد حاول أن يقمع أصوات المؤمنين المطالبين بعودة القديس بالقوة وسفك الدماء. فهرب في الليل إلى مصر. مسطحباً اسحق السوري، شريكه في المؤامرة. ومقسماً ألا يعود إلى القسطنطينية .
زلزال فى الهزيع الأول من الليل
توترت أعصاب الناس وإنتشر الغضب بينهم لاولا رحمة الإله وفي أواسط الليل أرجفت الأرض وتزلزلت أركان القصر الإمبراطوري وهز المدينة هزاً شديداً وحدث زلزالاً شديداً فى الهزيع الأول من الليل رج المدينة حتى أن الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia قامت مزعورة من نومها وذهبت إلى مخدع زوجها وترجته أن يعيد القديس يوحنا ذهبى الفم مادامنا نرى غضب السماوات لأجله وكادت تصب غضبها على الأرض حزنا عما فعلوه معه، فلم يجيب الإمبراطور أركاديوس لطلبها إلا بعد ان سمع ما فعله الشعب مع ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بالكنيسة وأنه سيكون مكروها منهم وينقلب ضده فاشتد خوف الإمبراطورة ورأت في ذلك انتقاماً ربانياً. فقالت لاركاديوس إن لم يعد الأسقف فليس لنا تاج ولا سلطات. فوكل اركاديوس إليها أن تفعل ما تشاء، فكتبت بخط يدها تبدي عذرها وأوفدت أحد رجالها ليرجو العودة. فلما عبر البوسفور أبى العودة إلى كرسيه تواً لئلا يخترق حرمة القانون الكنسي فإن خروجه كان بحكم مجمعي فكان لا بد من حكم مجمعي لعودته. فطلب من افدوكسيا دعوة إلى عقد مجمع صالح للنظر في الاتهامات المنسوبة إليه من مجمع اللصوص مجمع السنديانة وفى الحال تقرر إنعقاد مجمع إجتمع فيه 60 أسقفاً وفيه تم إلغاء قرارات المجمع السابق وقرر أن القديس يوحنا ذهبى الفم ما زال بطريركاً على القسطنطينية ولكن الشعب لم يقبل له عذراً فسار بموكب عظيم إلى كنيسة الرسل وأوجز في الكلام فبارك أسم الرب إلى الأبد: "أجل تبارك الله الذي يحيط الكايد ويقضي برجوع الراعي. تبارك الذي يثير العواصف. تبارك الذي يحلّ جليد الشتاء ويقمع هيجان الريح ليقوم مقامها الهدوء والصحو والسلام". والتفت في كنيسة الحكمة الإلهية (أجيا صوفية) إلى كنيسته فتراءت له متوجة بإكليل سموي فهي العروس ساره العفيفة الطاهرة . .
موقف أسقف روما بين أسقف القسطنطينية وأسقف الأسكندرية
أما ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية فكتب خطاباً إلى بطريرك روما يخبره فيه أنه جرد القديس يوحنا ذهبى الفم من وظيفته فرد عليه البابا يسأله عن اسباب هذا التجريد، وقال له: أنه على تمام الصداقة والشركة والأخاء معه ومع القديس يوحنا ذهبى الفم أيضاً
كيف نفى القديس يوحنا ذهبى الفم للمرة الثانية؟
وأعتقدت الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia أن الرسالة التى أرسلتها إلى يوحنا (أعنى نفيه) قد فهمها وأنه لن يتعرض لها مرة أخرى، وحدث أن الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia أرادت أن يكون لها تمثالاً أسوة بالأباطرة. ونفذت رغبتها. ووضع التمثال في أكبر ساحة في العاصمة، أمام كنيسة الحكمة الإلهية. وتحاشى القديس يوحنا ذهبى الفم أن يصطدم معها ويوبخها على هذه العادة الوثنية وكان حاكم المدينة كان مانوياً يكره الذهبي الفم. فأقام لمناسبة الاحتفال بالتمثال ملعباً للرقص والشرب والمصارعة في الساحة المقابلة لأبواب الكنيسة. فلم يستطع الذهبي الفم صبراً. فذكّر المؤمنين أن هذه الملذات من شأنها أن تجدد قبائح الديانات الوثنية. ولا يجوز الاشتراك بها. وطلب من الحاكم أن يكف عن هذه الأعمال، المصاحبة لتدشين التمثال. فإستغل الفرصة للوقيعة بينه وبين الأمبراطورة فقال لها: " أن الذهبي الفم غير راضٍ عن مظاهر الاحترام لشخصها " كما أن الذهبي الفم ألقى عظة ذكر فيها الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia وكانت الأمبراطورة تترصد الذهبي الفم. ورأت في معارضته لهذه الاحتفالات تحقير لها كإمبراطورة ولا شك أن خلافها القديم معه لم يكن قد إنتهى فقد كان كالنار تحت الرماد الذى أحدثه الزلزال توقفت النار ولكنها ما زالت تتأجج وقامت إيدوكسيا Eudoxia بتوجيه رسائل إلى الأساقفة المصريين الذين سبق لهم وحكموا على الذهبي الفم. وكتبت رسالة طويلة إلى، ثيوفيلوس البطريرك الإسكندري. تحثه على القدوم إلى العاصمة. إلا أنه كان عارفاً أن ظهوره في شوارع القسطنطينية يعني موته وجعله طعام لأسماك البحر. فقام بإرسال مندوبين عنه بعد أن لقنهم دروساً في كيفية تجديد الحكم على القديس. وأرسل الإمبراطور اركاديوس دعوة لأساقفة آسيا وأنطاكية. فلبى الدعوة بعضهم وأبى البعض الآخر خشية من اتساع الشقاق في الكنيسة. وحضر جميع أخصام الذهبي الفم والمتآمرين عليه وتقول مسز بتشر: أما البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فلم يكف عن بث أسباب الخلاف والخصام والتفرقة ولم يهدئ من مناصبة يوحنا ذهبى الفم العداء، فأرسل وفد من الأسكندرية ليقوم بمهمة طرد ونفى وإقصاء ذهبى الفم من أبروشيته، ولم يذهب ثاؤفيلس البطريرك بنفسه معتذراً بكثرة أشغالع والواجبات الضرورية الموكولة إليه فأناب عنه الوفد الذى قام بالخطة التى وضعها له ثاؤفيلس البطريرك ونجحوا فى إصدار أمر من الإمبراطور أركاديوس والإمبراطورة معاً وحضر الأمبراطور إيدوكسيا Eudoxia وإستمع إلى عشرة أساقفة من كلا الطرفين -الأعداء والأصدقاء-. وقبل دعوة الذهبي الفم، وقف أسقف مصري وسأل المجتمعين: ماذا جئنا نفعل؟ وأجاب الأساقفة أعداء الذهبي الفم: نحن مجتمعون لنحاكم الذهبي الفم ونحكم عليه، ثم قال لهم أن الذهبي الفم غير موجود بالنسبة لهم وللقوانين. فكيف يمكن استدعاء شخص غير موجود للمثول أمام القضاة. وتكلم المصري عن مجمع التكريس الأنطاكي سنة 341. وأن بعض قوانين ذلك المجمع تدين الذهبي الفم وتحكم عليه . وقرأ عليهم القانون الرابع من المجمع وينص: "كل أسقف مخلوع من قبل مجمع، بعدل وبغير عدل. يسمح لنفسه بالرجوع إلى منصبه بمجرد سلطان وبدون أن ينال عفواً عن إدانته من المجمع نفسه ومن مجمع آخر. وبدون أن يدعوه القضاة أنفسهم إلى ممارسة حقوقه الكهنوتية - بدون أن يسمح له بالدفاع عن نفسه - هذا الأسقف وكل من يشترك معه يحرمون من شركة الكنيسة". وتابع المصري استناداً إلى هذه المادة فإن المجمع الحالي ليس أمامه شكوى للنظر فيها. فمجمع السنديانة المنعقد برئاسة (الكلي التقوى) ثيوفيلوس قد خلع يوحنا الذهبي الفم فهو إذن محروم ولا يحق له المثول أمام مجمع لأن الذهبي الفم ليس أسقفاً بل محروم. ادعى أنه كان مظلوماً. هذا لا يبرره. فقانون أنطاكية يقول صراحةً أبعدل أم بظلم، لا يحق للمحكوم أن يمارس حقوقه. ولا يحق له أن يستأنف ويدافع عن نفسه!! وطلب المصري ألا ينعقد المجمع. وهنا جاء دور البيذس أسقف لاذقية سورية. وطلب إلى أخصامه أن يوقعوا قانون أنطاكية (مجمع أريوسى) كأنه عمل أرثوذكسي قبل تطبيقه على يوحنا الذهبي الفم. فاحتاروا في أمرهم لأنهم إن قبلوه تلطخوا بالآريوسية وإن أبو سقطت حجتهم. فلاذوا بالكذب ووعدوا بالتوقيع ثم أخلفوا. وبحسب نفس المجمع والقانون الخامس منه: "كل كاهن وأسقف طرد من الكنيسة واستمر في إثارة القلاقل والاضطرابات، فليحاكم من السلطة الخارجية كمشاغب"وأشار المجمع المنعقد على الأمبراطور أركاديوس بأن يحكم على الذهبي الفم فأرسل الأمبراطور اركاديوس يسأل الذهبي الفم في الحكم. فأجاب أن كل أحكام المجمع المصري خاطئة.
أولاً: إن قوانين المجمع الأنطاكي هرطوقية آريوسية. لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية.
ثانياً: إن مجمعاً اكليريكياً - كنسياً لم يحكم عليه مطلقاً. وفي الواقع أن مجمع السنديانة لم يبلغ الذهبي الفم الحكم الصادر بحقه. وإنما ضابطاً امبراطورياً جاءه وقال له أن يتهيأ للرحيل. فبما أن لم يبلغه مجمع السنديانة الحكم الصادر عليه فهذا يعني أن الحكم غير واقع.
ثالثاً: الذهبي الفم لا يطلب من المجمع أن يعيد له حقوقه. فحقوق القديس لم يسلبه إياها أحد. بل طلب من المجمع إظهار براءته من الاتهامات، ووضع حد للنميمة.
كيف نفذ أمر نفى القديس يوحنا ذهبى الفم؟
وفى عيد الفصح لسنة 404 م أى بعد عشرة أشهر من الحكم كانت القسطنطينية في قلق واضطراب والقديس لا يتزعزع. فحاولت القوة العسكرية بتوجيه من خصوم القديس يوحنا أن يوقفوا الإجتماعات وأماكن الاضطراب والإخلال بالنظام وحاولوا منع انعقادها. ولما لم يستطيعوا طلبوا طرد الذهبي الفم قبل عيد القيامة (17 نيسان) لأنه محروم من المجمع فأمر الإمبراطور القديس يوحنا ذهبى الفم الخروج من كنيسته. فقال الأسقف القديس ذهبى الفم: لقد استلمت الكنيسة من يسوع المسيح ولا أستطيع أن أترك خدمتها. فإن أردت أن أترك هذه الحظيرة المقدسة فاطردني قهراً بينما كان القديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية يؤدى خدمة عيد الفصح فى الكنيسة الكبرى أرسلت كتيبة مدججة بالسلاح وهاجمت الكنيسة فقام الإمبراطور بطرده يوم سبت النور من الكنيسة وحذر عليه الخروج من قلايته. ولم يكتفى بطرده من الكنائس بل طرد أيضاً جميع الكهنة الذين كانوا في شركة الأسقف القديس. وكانت العادة حينئذ تقضي بأن يبقى المسيحيون ساهرين بالصلوات حتى صياح الديك معدين طالبي المعمودية -الموعوظين- إلى قبول هذه النعمة (وقيل أنه بالكنيسة كان يوجد أكثر من ثلاثة ألاف نفس مستعدة للعماد فطرد الجنود كل من فى الكنيسة بما فيهم طالبى العماد بأسنة الرماح)، ثم طردوا الشعب خارج الكنيسة بالقوة فلم بستطع الكهنة ترك الذين جاءوا للمسيح بدون عماد فجمعوا طالبى العماد من الشوارع ولجأوا جميعهم إلى الحمام الكبير الذي شيّده قسطنطين وحولوه إلى كنيسة، وصلوا على الماء الذى فى الحمامات وباركوها وعمدوهم بكل نظام تام وسرعة، وما أن تم العماد حتى سمع الجنود بتجمعهم فهجموا على الكهنة وطردوهم من هناك أيضاً . فسعى المتآمرون في فض هذا الاجتماع. فدخل الجند الحمام والسيوف بأيديهم مصلتة واخترقوا الحشد حتى وصلوا إلى جرن المعمودية فضربوا الكهنة والشيوخ والنساء واختلسوا الآنية المقدسة. وخرج المؤمنون خارج الأسوار واحتفلوا بالتعميد وأقاموا الذبيحة في ميدان قسطنطين. إلا أن الأمبراطور لم يكن صاحب فكرة سفك الدماء وإنما الأسقفان انطوخيوس وأكاكيوس اللذين كان من ضمن الفريق الذي حكم على الذهبي الفم وبعد العنصرة بخمسة أيام أي في التاسع من حزيران سنة 404. سار اكاكيوس وأعوانه إلى الأمبراطور أركاديوس وقالوا: إن اإلإله لم يجعل في الأرض سلطاناً فوق سلطانك. وليس لك أن تتظاهر بأنك أكثر وداعة من الكهنة وأعظم قداسة من الأساقفة. وقد حملنا على رؤوسنا وزر عزل الأسقف يوحنا. فحذار مما ينجم عن إهمال التنفيذ. فأوفد أركاديوس أحد كبراء البلاط إلى الذهبي الفم، يسأله أن يهجر كنيسته ورعيته بلا إزهاق للأرواح. فأصغى القديس وقام إلى المنفى، وصلّى وودع "ملاك الكنيسة" ثم ذهب إلى مصلى المعمودية ليودع الماسات الفاضلات اولمبياذة الأرملة القديسة وبناذية وبروكلة وسلفينة وقال لهن: لا تدعن شيئاً يخمد حرارة محبتكن للكنيسة وخرج القديس خفية. وقبض عليه رجال الشرطة وعبروا به البحر إلى نيقية حيث ألقوه في السجن. واستبطأ الشعب خروج راعيهم فارتفعت جلبتهم في كنيسة الحكمة. وفيما هم على هذه الحال اتقدت نار تحت المنبر وحولته رماداً. ثم امتد لهيبها إلى السقف وسرى خارج الكنيسة. ثم دفعته ريح شمالية إلى الجنوب فبلغ قصر الشيوخ فقوضه. وأمست الكنيسة الكبرى خالية مهدمة ولم يسلم منها إلا آنية الافخارستية! وأقام القديس في نيقية أربعين يوم وأكثر. وعلى الرغم مما كان عليه من مضايق السجن وغلاظة الجنود. فإن نفسه ظلت تتوقد غيرة على خلاص النفوس في سورية وفينيقية وتحطيم الوثنية. وكان صديقه قسطنديوس البار لا يزال يعمل في حقل الرب في تلال فينيقية وسهولها متكبداً أشد المصاعب من الوثنيني ومن "الأخوة الكذبة" فقيض الله الذهب الفم راهباً زاهداً في نيقية فاستقدمه الأسقف القديس إليه واستمال قلبه إلى التبشير في فينيقية وأرسله إلى صديقه قسطنديوس.
المزيد
04 يونيو 2025
صفات الخادم الروحي
الخادم الروحي هو حركة دائبة دائمة متجهة نحو الله:-
أو هو حركة داخل قلب الله، بسبب حركة إلهية داخل قلبه إن يتعب دائمًا لأجل راحة الآخرين وراحته الحقيقية في أن يوصل كل إنسان إلى قلب الله هو شمعة تنير لكل من هو في مجال نورها وقد تذوب حرارة وحبًا لكي يستضئ الناس بها، ولكي يتحقق قول الرب "أنتم نور العالم" (مت14:5).
الخادم الروحي هو إنسان دائم الصراع مع الله
يجاهد مع الثالوث القدوس، من أجل نفسه ومن أجل الناس لكي يأخذ منه وعدًا لأجل المخدومين، حتى تصير أنفسهم ناجحة (3يو2) ومقبولة أمام الله.
الخادم الروحي هو روح، وليس مجرد عقل.
ليس مجرد مدرس، ولا مجرد حامل معلومات ينقلها إلى الناس بل هو روح كبيرة اتحدت مع الله، واختبرت الحياة معه، وذاقت ما أطيب الرب وتريد أن تنقل هذه الحياة إلى غيرها تنقلها بالمشاعر، بالمثال الحي، بالقدوة الصالحة، بالصلاة والابتهال لأجل المخدومين.
إنه لا يلقي دروسًا، بل هو نفسه الدرس:
إنه العظة قبل أن يكون واعظًا إنه يدرك أن تحضير الدرس أو العظة ليس مجرد تحضير المعلومات، إنما هو تحضير ذاته، لتكون صالحة لعمل الروح فيه يذكر باستمرار قول الرب "من أجلهم أقدس أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو19:17) ويضع أمامه العبارة التي قالها القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك لأنك إن فعلت ذلك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا" (1 تي16:4).
الخادم الروحي لا يتحاج تلاميذه إلى افتقاد:
لأنهم من تلقاء ذاتهم يشتهون درسه اشتهاء. وعندما يرونه في الكنيسة، يكونون كمن وجد غنائم كثيرة أنهم ينتفعون من منظره ومن معاملاته، كما ينتفعون من كلامه وربما أكثر كما أنه يستطيع أن يربطهم بالحب برباط قوي يجذبهم بشدة إلى الله وإلى الكنيسة إن درسه شهوة لنفوسهم ولأرواحهم ولقلوبهم ولعقولهم.
الخادم الروحي يحب تلاميذه، ويحب خلاص نفوسهم:
محبته لهم هي جزء من محبته لله وملكوته وهو يحبهم كما أحب المسيح تلاميذه وقيل عنه إنه "أحب خاصته الذي في العالم. أحب حتى المنتهى" (يو1:13).
الخادم الروحي يحب الله من كل قلبه ويريد أن تلاميذه يحبون الله مثله فإن أحبوا الله تزداد محبته لهم إعجابًا بروحهم وإن سقط بعضهم، تزداد محبته لهم إشفاقًا عليهم وسعيًا لإنقاذهم وبهذا الحب كله، يعطيهم صورة مشرقة عن الدين وعن الله.
الخادم الروحي، أولاده روحيون مثله:
لأنه يربيهم في حياة الروح، فيكونون على شبه ومثاله.
وعلى نفس القياس: الخادم الاجتماعي أولاده اجتماعيين والخادم العقلاني الذي لا يهتم إلا بالعِلم، يكون أولاده مجرد كتب تحمل معلومات ما أصدق قول الكتاب في قصة الخليقة، إن الله خلق "شجرًا ذا ثمر، يعمل ثمرًا كجنسه شجرًا يعلم ثمرًا، بذره فيه كجنسه" (تك11:1، 12) إن كان الأمر هكذا، فلنحترس نحن كيف نكون لأنه على شبهنا ومثالنا سيكون أولادنا.
الخادم الروحي يشعر أن أولاده أمانه في عنقه:
سيعطي عنهم حسابًا أمام الله في يوم الدين أنهم أولاد الله وقد تركهم في يديه ليقوم بخدمتهم "ويعطيهم طعامهم في حينه" (لو42:12) لذلك هو يعمل على الدوام بخوف الله، شاعرًا بمسئوليته.
أريد من كل خادم أن يسأل نفسه عن ثلاثة أمور: روحانية خدمته، وروحانية حياته، وروحانية أولاده روحانية حياته من أجل أبديته وخلاص نفسه، وبسبب تأثير حياته على مخدوميه وروحانية خدمته حتى تكون ذات تأثير مثمر في إيجاد جيل روحاني. أما عن روحانية أولاده فتحتاج منه إلى جهد وصبر وطول أناة.
الخادم الروحي يطيل باله جدًا، حتى تنبت بذوره وتنمو:
وحتى تخضر وتزهر وتثمر ولا يضيق صدره ولا ييأس إن تأخر إنباتها أو إثمارها إنما يجاهد على قدر ما يستطيع، ويشرك الله معه، ويضع أمامه قول الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضفعاء" (رو1:15) إن بعض النفوس لا تعطي ثمرًا سريعًا وبعضها لا يستطيع أن يتخلص من أخطائه بسرعة وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى من يطيل روحه عليهم حتى يخلصوا كما يطيل الله أناته علينا، ليقتادنا إلى التوبة (رو4:2) قال القديس يوحنا ذهبي الفم إن كان الجنين الجسدي يحتاج إلى شهور طويلة إلى أن يتكامل نموه ويخرج، فلنصبر إذن على الجنين الروحي حتى يكمل نموه.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
03 يونيو 2025
الرّوح القُدس وَعمله داخِلنا
مِنْ رِسالِة مُعلّمِنا بولس الرسول لأهل رومية ( 8 : 9 – 12)[ وَأمّا أنتُم فلستُم فِى الجسد بل فِى الرّوح إِنْ كان روح الله ساكِناً فِيكُم وَلكِنْ إِنْ كان أحد ليس لهُ رُوح المسيح فذلِك ليس لهُ وَإِنْ كان المسيح فِيكُمْ فالجسد ميِّت بِسبب الخطيّة وَأمّا الرّوح فحيوة بِسبب البِرّ وَإِنْ كان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فِيكُمْ فالّذى أقام المسيح مِنَ الأموات سيُحيى أجسادكُم المائِتة أيضاً بِرُوحِهِ الساكِن فِيكُمْ فإِذاً أيُّها الإِخوة نحنُ مديونون ليس للجسد لِنعيش حسب الجسد ] يتكلّم مُعلّمِنا بولس الرسول عَنَ صوت روح الله داخِلنا[ إِنْ كان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فِيكُمْ ] ، هذا الرّوح أقام يسوع ، لِذلِك فهو عِنده قُدرة على أنْ يُحيى أرواحكُم المائِتة ، إِذاً عمل الرّوح القُدس داخِلنا هُو :-
1- الرّوح القُدس يُقدِّس :-
التقديس الّذى نشتاق إِليه أساساً عمل الرّوح القُدس ، دور الرّوح القُدس داخِلنا يُقدِّس ، لِذلِك تُسمّيه الكنيسة ( رُوح القداسة ) ، يقول الآباء أنت الآن ساكِن فِى بيت ، نظِافة هذا البيت أو عدم نظافتةُ مسئولية ساكِن البيت ، هكذا نحنُ البيت وَالرّوح القُدس هُو ساكِنهُ ، لِذلِك نظافِة قلوبنا مسئولية الرّوح القُدس الساكِن فينا ، التقديس مسئولية الرّوح القُدس ، لكِنّه يقول [ إِنْ كان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فيكُمْ ] ، فهل يوجد شك فِى سُكناه داخِلنا ؟ لاَ لكِنّهُ قَدْ يكون داخِلنا إِمّا خامِل أو نشيط ، هذا حسب تفاعُلنا معهُ [ إِنْ كان المسيح فيكُم فالجسد ميِّت بِسبب الخطيّة أمّا الرّوح فحيوة بِسبب البِرّ ] ، هُو الّذى يُقدِّس عِندما ينشط وَيعمل داخِل الإِنسان ، يوجد صِراع داخِل الإِنسان بين الخطيّة وَالبِرّ ، تأخُذ الخطيّة فِى أعماق الإِنسان لها مراكِز لِتُحارِب مِنَ خلالها الإِنسان ، كما يأخُذ أيضاً البِرّ لهُ مراكِز فِى أعماق الإِنسان لِكى يُحارِب الخطيّة مراكِز الخطيّة داخِل الإِنسان هى الغريزة وَالشهوة ، بينما مراكِز البِرّ هى العقل وَ القلب ، غريزة وَشهوة يُحارِبان العقل وَالقلب الّذين لو كانت أسلحتهُما أسلِحة الرّوح فإِنّهُما سوف يدُكّان الغريزة وَالشهوة لِذلِك نرى فِى القديسين درجات تُسمّى قطع الهوى أو اللاهوى ، فقد نجِد قديس لاَ يُفرِّق بين رجُل وَإِمرأة ، هذا لأنّهُ غلب الغريزة وَالشهوة ، وَجعلهُما معهُ بدلاً مِنَ أنْ يكونا ضدّهُ ، وَإِستطاع أنْ يجعلهُما طريقُة للسماء بدلاً مِنَ أنْ يجلِبا عليهِ الجحيم ، فأصبحا داخِلهُ طاقِة حُب جبّارة الغريزة وَالشهوة إِذا تقدّسا يصيران طاقِة عطاء هائِلة وَحُب جبّارة ، كما كان مُعلّمِنا بولس الرسول الّذى كان لديهِ غريزة نشيطة جِداً مُقدّمة لله ، لِذلِك قال [ يا أولادِى الّذين أتمخّض بِكُمْ أيضاً إِلَى أنْ يتصّور المسيح فيكُمْ ] ( غلا 4 : 19 )[ مَنْ يضعُف وَأنا لاَ أضعُف ، مَنْ يعثُر وَأنا لاَ ألتهِب ] ( 2 كو 11 : 29 ) ،الرّوح القُدس نَفْسَه إِذا وجد عقل وَقلب خاضعين لهُ سنرى ماذا يصنع بِهُما 0
الخطيّة درجات مِنها :0
إِنسان مُتلذِّذ بالخطيّة [ الّذين يشربون الإِثم كالماء ] ، إِنسان ضميره لاَ يتعِبه إِذا سقط فِى خطيّة ، وَ لاَ يوجد داخِله أىّ تبكيت أو توبيخ ، وَتُسمّى هذِهِ الدرجة غِياب الرّوح الرّوح يعمل قليلاً ، فقد يُرسِل للعقل فِكرة أنّ الإِنجيل يقول[ أنتُم هياكِل الله وَرُوح الله ساكِن فيكُم ] ، لكِن الغريزة تُرسِل بدورها فِكرة مُضادّة ، وَتحدُث حرب بين الفكرتين ، وَلكِن لأنّ سُلطان الغريزة أقوى ، فتغلِب الرّوح للرّوح سُلطان أقوى ، فيكون العقل وَالقلب مُقدّسين ، العقل فِكره مُقدّس بالرّوح ، وَالقلب مشاعِره مُقدّسة بالرّوح ، فيُقاوِموا الغريزة وَالشهوة ، وَالرّوح تتشجّع ، وَعِندما تقوم الخطيّة تهِب الرّوح ، وَيحدُث صِراع قوِى أقوى مِنَ الدرجة السابِقة العقل وَالقلب لهُما قوّة للمُقاومة ، عِندما نشتكِى أنّ ضمائِرنا تلومنا وَتُبكِتنا مِنَ الخطيّة فهذا علامِة نشاط الرّوح [ يُذكّركُم بِكُلّ ما قُلته لكُمْ ] ، دور الرّوح أنْ يجعل العقل وَالقلب ينحازوا للتقديس لِيُحارِبا الشهوة [ فالّذى أقام المسيح مِنَ الأموات سيُحيى أجسادكُمْ المائِتة أيضاً بِروحه الساكِن فِيكُمْ ] ، عِندما يسكُن الرّوح فينا وَيزيد داخِلنا ، فهذِهِ علامة صحيّة ، وَالرّوح لاَ يكِل وَ لاَ يتعب وَ لاَ ييأس ، بل يظِل يُبكِت فينا حتّى النَفْسَ الأخير ، يمكِن نتوب فِى أخِر لحظات لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول[ نحنُ مديونون ليس للجسد لِنعيش حسب الجسد ] ( رو 8 : 12 ) ، أنتُم مديونون للرّوح لِتوفوا دين الرّوح ، [ لأنّ ناموس رُوح الحيوة فِى المسيح يسوع قَدْ أعتقنِى مِنَ ناموس الخطيّة وَالموت ] ( رو 8 : 2 ) ، حاوِل أنْ تنحاز للرّوح فِى صراعها مَعَ الجسد ، وَ لاَ تُكمِلّ شهوة الجسد ، رُوح القداسة يُقدِّس وَيُنظِّف عِندما تجِد الرّوح داخِلك يُبكِتك ، شجّعه وَأنحاز فِى العقل للرّوح لِكى تنال عِتق ، إِذا إِنحازت النَفْسَ للرّوح مرّة وَمرتين ، وَعِندما تقوم الشهوة وَتُحارِب النَفْسَ ، تُقاوِمها النَفْسَ بِقوّة الرّوح ، فنجِد أنّ الشهوة وَالغريزة يضمُران ، وَهذِهِ هى القداسة هذا ما حدث لأبو مقّار الّذى يُقال عنهُ اللابِس الرّوح ، أىّ مُتوشِح بِروح الله ، وَتقدّس بِهِ ، وَصار هُو وَرُوح الله شىء واحِد ، الرّوح الّذى يُقدِّسنا ، لِذلِك كُلّ تقديس خارِج الرّوح لاَ يُفيد ، التقديس ليس على مُستوى الأخلاق بل لهُ درجة أعمق ، هُو حالِة كيان تقدّس بالكُلّيّة يرفُض كُلّ شرّ وَشِبه شرّ ، لأنّ الرّوح قدّس العقل وَالقلب ، وَعرفت النَفْسَ كيف تُجاهِد ، لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول عَنَ تقديس الرّوح للطاعة ، أىّ حاوِل أنت بإِستمرار أنْ تُطاوِع الرّوح لِكى تتقدّس ، طاوِع الوسائِط الرّوحيّة وَأستجِب لِنداء الرّوح[ لاَ تُطفِئوا الرّوح ] لِكى تتقدّس 0
2- الرّوح القُدس يُصلّى :-
لابُد أنْ تعرِف أنّ الصلاة عمل رُوحانِى وَليس جسدِى ، لاَ أتكلّم بِشِفاه فقط بل بالعقل وَالقلب الّذين قدّسهُما الرّوح ، هذا هُو عمل الرّوح داخِلِى ، صلاة ، لِذلِك فِى حوار المسيح مَعَ السامريّة قال [ أنّ الله رُوح وَالّذين يسجُدون لهُ فبالرّوح وَالحق ينبغِى أنْ يسجُدوا ] ، أىّ إِنِّى لاَ أنحنِى بِجسدِى فقط بل وَ بِرُوحِى أيضاً الصلاة عمل الرّوح ، فصلّى بالرّوح ، لِذلِك قال مُعلّمِنا بولس الرسول[ أُصلّى بالرّوح وَأُصلّى بالذهنِ أيضاً ] ، الرّوح قَبْلَ الذهن ، مسئوليّة الصلاة على الرّوح القُدس ، لِذلِك لابُد أنْ أشعُر أنّ الصلاة عمل رُوحانِى ، وَأتكلّم بالرّوح يقول مُعلّمِنا بولس الرسول [ لِكى نعبُد الله بِجدّة الرّوح لاَ بِعِتق الحرف ] ، وَداوُد النبِى يقول [ تترنّم لك رُوحِى ] ، كُلّ ما الرّوح يكون نشيط كُلّ ما كانت الصلاة روحيّة ، عِندما لاَ يُصلّى الرّوح داخِلنا تكون صلاتنا ضعيفة عِندما يكون أساس الموضوع غير موجود يكون الموضوع ضعيف ، هكذا عِندما نُصلّى بِدون رُوح تكون صلاة ضعيفة ، لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول [ الرّوح يُعين ضعفِنا ] ، الرّوح يُعين ضعف الجسد ، [ الرّوح يُعين ضعفاتنا 0 لأنّنا لسنا نعلم ما نُصلّى لأجلِهِ كما ينبغِى ، وَ لكِنّ الرّوح نَفْسَهُ يشفع فينا بأنّات لاَ يُنطق بِها ] ( رو 8 : 26 ) ماذا أقول فِى صلاتِى ؟ هل أطلُب جسديات أم أطلُب مِنَ أجل الآخرين ؟ مُعلّمِنا بولس الرسول يقول أنّ الرّوح يُعين ضعفِنا وَيُعلّمِنا كيف نُصلّى ، الرّوح يئِن داخِلنا أنين لاَ يُنطق بِهِ ، أىّ كلام لاَ نعرِف كيف قُلناه ؟
ألّمْ تُجرِّب أنّك تُصلّى صلاة بعدها تفرح بِكلِمات الصلاة التّى لَمْ تعرِف كيف نطقت بِها ، كلِمات ليست بِترتيب العقل ، وَليست مُنمّقة بل كلِمات الرّوح الناطِق فينا ، الله يُريد كلِمات روحيّة ، وَالرّوح يُعين ضعفِنا مسئوليّة الصلاة تقع على الرّوح القُدس ، وَبِقدر نشاط الرّوح بِقدر نشاط الصلاة وَقوّتها ، وَبِقدر خمول الرّوح بِقدر ثِقل الصلاة وَبلادتِها ، لابُد أنْ نُصلّى بِكلام مملوء بالرّوح فنجِد أنفُسنا نُصلّى بِكلام لاَ يُنطق بِهِ ، يصعد مِنَ القلب للشِفاه بِدون تكلُّف لِذلِك قَدْ يُعطِى بعض آباء الإِعتراف تدريب قراءِة قِطع الساعة الثالِثة مَعَ كُلّ صلاة خِلال اليوم كُلّه ، وَ نُكرِّر كلِمة [ هذا لاَ تنزعهُ مِنّا أيُّها الصالِح ، لكِنْ جدِّدهُ فِى أحشائِنا ] ، طِلبِة تجديد الرّوح طِلبة كُلّ وقت ، لأنّ مسئوليّة الصلاة تقع على الرّوح ، وَجمال الصلاة مسئوليّة الرّوح ، لِذلِك لابُد أنْ أشعُر بِتقديس الرّوح وَصلاته داخِلِى 0
3- الرّوح القُدس يُعلِّم وَيُرشِد:-
مسئوليّة تعليمنا الكِتاب المُقدّس وَالفضائِل وهى مسئوليّة الرّوح القُدس ، مسئوليّة فهم الآيات التّى لاَ نفهمها بِعقلِنا البشرِى تقع على الرّوح ، آباؤنا لَمْ يقرأوا تفاسير الكِتاب المُقدّس وَصاروا شُهداء ، لَمْ يكُن لهُم معرِفة كبيرة مِثلنا وَصاروا قديسين لأنّ الرّوح داخِلهُم كان نشيط الكِتاب المُقدّس كُتِب بالرّوح ، لِذلِك لابُد أنْ يفهم بالرّوح ، وَبِدون الرّوح القُدس يُصبِح طلاسِم ، لابُد أنْ تُصلّى وَأنت تقرأ الكِتاب المُقدّس ، كما يقول مُعلّمِنا بولس الرسول[ لأنّ الّذين سبق فعرفهُم سبق فعيّنهُم لِيكونوا مُشابِهين صُورة إِبنهِ لِيكون هُو بِكراً بين إِخوةٍ كثيرين ] ( رو 8 : 29 ) ، هل تعِى معنى الآية بِعقلِك البشرِى ؟ قَدْ لاَ تفهمها ، فصلّى للرّوح وَتوسلّ لهُ لِكى تفهم ، حتّى وَإِنْ لَمْ تفهم سِوى تِلك الآية فقط مِنْ الإِصحاح كُلّه 0إِتكِل على الرّوح هُو الّذى يُعلِّم ، ربّ المجد يسوع قال[ يُعلّمِكُم كُلّ شىء وَيُذكّركُم بِكُلّ ما قُلتهُ لكُمْ ]عِندما قال يسوع لِتلاميذه أنّهُ سيصعد ، حزِنوا لأنّهُم قالوا فِى أنفُسهُمْ كيف نعيش بِدون يسوع ؟ فقال لهُم [ لأنّهُ إِنْ لَمْ أنطلِق لاَ يأتيكُم المُعزِّى 0 وَلكِنْ إِنْ ذهبت أُرسِلُهُ إِليكُمْ ] ( يو 16 : 7 ) ، [ 00أوصاهُم أنْ لاَ يبرحوا مِنْ أُورُشليم بل ينتظِروا موعِد الأب الّذى سمعتموهُ مِنِّى ] ( أع 1 : 4 ) ، يقول لهُم ، عِندما كُنت أُكلّمكُمْ بأمثال لَمْ تفهموا إِنْ لَمْ أشرحها لكُمْ ، لكِن بالرّوح القُدس ستعوا كُلّ شىء بِدون شرح أو تفسير إِذا فكّرنا كيف كتب الإِنجيليين الأربعة الأناجيل ، وَكيف تذكّروا الأحداث بِهذِهِ الدِقّة ، لتأكدنا أنّ وراءهُم الرّوح القُدس هُو الّذى ذكّرهُم بِدِقّة الأحداث ، القديس متى الّذى كتب العِظة على الجبل كتبها بِنص ما قالهُ يسوع رغم أنّ التلاميذ لَمْ يكونوا يُدّوِنون ما يقولهُ يسوع أثناء سماعهُم لهُ فِى إِنجيل متى 5 ، 6 ، 7 ، كُتِبت التطويبات بالنص ، كيف ؟ الرّوح القُدس ذكّرهُم بِكُلّ ما قيل [ الرّوح القُدس يُذّكِركُم بِكُلّ ما قُلته لكُم ] ، [ وَمتى جاء المُعزِّى الّذى سأُرسِلُهُ أنا إِليكُمْ مِنَ الآب رُوح الحقّ الّذى مِنَ عِنْدِ الآب ينبثِق فهُو يشهدُ لِى ] ( يو 15 : 26 ) تعاليم الكنيسة وَالرُسُل عُمِلت بالرّوح ، كلِمات التسبِحة بِكُلّ قوّتها وَجمالها كُتِبت بالرّوح ، كذلِك قِطع الأجبية ، كلِمات فِى قمّة الجمال لأنّها مكتوبة بالرّوح ، رُوح الله الّذى يقود وَ يُرشِد وَ يُعلِّم مَنْ الّذى دافع عَنَ إِيمان الكنيسة ؟ أثناسيوس وَكيِرلُس وَديُوسقورُس ، نعم ليس بِشخصهُم بل رُوح الله العامِل فِيهُم جعلهُم يقِفون فِى صلابة ضِد البِدع وَالهرطقات ، كم مِنَ بطارِكة صدّقوا على كلِمات فِى المجامِع ، فِيها مِنْ البِدع ما هُو غير واضِح ، مِثل أنّ المسيح لهُ طبيعة إِنسانيّة وَطبيعة إِلهيّة ، نعم ، إِذاً لهُ طبيعتان ، بالعقل البشرِى نقول نعم ، لكِن كيِرلُس بالرّوح يقول لاَ ، لهُ طبيعة واحِدة العقيدة نفهمها بالرّوح ، القديسين يقولون[ اللاهوتِى الحقيقِى هُو المُصلّى ] ، وَ يقولون أيضاً [ الّذى جعل أثناسيوس هُو أثناسيوس تقواه ] ، لأنّهُ كان إِنسان مملوء بالرّوح ، لِذلِك دافع بِقوّة عَنَ العقيدة ، الأنبا أنطونيوس فِى اللاهوت كان قدير رغم أنّهُ كان راهِب بسيط ، لكِن بالرّوح القُدس النشيط داخِلهُ جعلهُ قوِى فِى اللاهوت بِدون مراجِع أو كُتب يوحنا الحبيب فِى رِسالته الأولى يقول[ أمّا أنتُم فالمسحة التّى أخذتموها مِنهُ ثابِتة فيكُم وَ لاَ حاجة بِكُم إِلَى أنْ يُعلّمكُمْ أحد بل كما تُعلّمكُمْ هذِهِ المسحة عينها عَنَ كُلّ شىءٍ وَهى حقّ وَليست كذِباً ] ( 1 يو 2 : 27 ) 0
4- الرّوح القُدس يُعزِّى :-
التعزية أىّ السند وَالمعونة أىّ الفرح البديل عَنَ الحُزن ، الدور الرئيسِى للرّوح داخِلنا تعزية ، لو كانت حياتِى بِها فشل وَأحزان كثيرة ، وَفِى ضغوط مِنْ نَفْسِى وَفشل رُوحِى وَإِحباط ، الرّوح القُدس يُعزِّى وَ يقول لاَ تخف عِندما أشعُر بيأس فِى حياتِى وَكُلّ ما أقترِب مِنْ الكنيسة كُلّ ما تزداد الحروب ، نجِد الرّوح القُدس يُشدِّد وَيُشّجِع وَيسنِد وَيقول كُلّ جِهادك محسوب طالما أنت تُطيع كلامِى ،فَلاَ تخف ألّم تُجرِّب صلاة تخرُج مِنها بِروح مُرتفِعة ، أىّ تنال مِنها تعزية ! تقول الكنيسة [ عزاء صغيرِى القلوب ] ، أىّ الّذين مشاعِرهُم هشّة ، نَفْسِى أخدِم وَأتعزّى ، أصلّى قُدّاس وَأتعزّى ، أصلّى فِى مخدعِى وَأتعزّى ، هذا كُلّه مسئولية الرّوح القُدس الّذى هُو قريب جِداً مِنّا ، لكِنّنا لاَ نتودّد لهُ كثيراً ، رغم أنّ الأُمور الجوهريّة فِى حياتنا هى عمله مِثال لعمل الرّوح القُدس فِى حياتنا ألِيعازر الدمشقِى خادِم أبونا إِبراهيم الّذى أراد أنْ يُزّوِج إِبنه إِسحق فأرسل ألِيعازر الدمشقِى لِيختار عروس لإِسحق ، فكيف يختار عروس مِنْ مكانٍ بعيد وَيخطُبها لإِنسان لاَ تعرِفهُ ؟
ألِيعازر صلّى لله وَقال لهُ سهِلّ المأموريّة وَأعطنِى علامة أنّ التّى أطلُب مِنها لِتسقنِى تقول لِى إِشرب أنت وَأنا أسقِى جِمالك وَعبيدك ، وَوقف عِند البئر وَجاءت رِفقة وَطلب مِنها لِيشرب ، فقالت لهُ إِشرب وَأنا أسقِى جِمالك وَعبيدك ، وَكانت رِفقة تركُض لِتسقِى العبيد وَالجِمال ، وَقالت لهُ لنا دار كبيرة فتعال عِندنا ، وَذهب معها ، وَخِلال الطريق يُكلّمها عَنَ إِسحق وَعَنَ أخلاقه وَعِلاقته بالله هكذا الرّوح القُدس يفعل كما فعل ألِيعازر الدمشقِى ، يخطُب النَفْسَ لله ، وَخِلال رحلِتها فِى العالم يُطمِئن النَفْسَ ، وَ يقول لها لاَ تخف ، وَيصِف لها عريسها السماوِى بِكُلّ جماله وَصلاحه وَمحبّتة ، وَإِذا يأست النَفْسَ مِنْ طول الطريق وَصعوبتهُ يسنِدها وَيُعزّيها وَيوّكِد لها أنّهُ نَفْسَ الطريق الّذى أتى مِنهُ لِيخطُبها للعريس السماوِى ، فلن تضِل فيهِ مادام الرّوح معها الرّوح القُدس يُعزِّى [ وَلكِنْ إِنْ كان أحد ليس لهُ رُوح المسيح فذلِك ليس لهُ ]( رو 8 : 9 ) ، إِنْ كان أحد ليس لهُ ألِيعازر الدمشقِى فليس لهُ إِسحق ، إِنْ كان أحد ليس لهُ الرّوح القُدس فليس لهُ المسيح العريس ، ألِيعازر الدمشقِى هُو الّذى يوصّلنِى لإِسحق ، وَالرّوح القُدس هُو الّذى يُعزِّى وَيرفع النَفْسَ مِنْ همومها ، وَيُعطِى للإِنسان أفراح سماويّة عِوض الأحزان إِسحق سيُنسيك كُلّ تعبك [ إِسمعِى ياإِبنة وَأنظُرِى وَأميلِى أُذُنِك وَأنسِى شعبِك وَبيت أبيِكِ فإِنّ الملِك قَدْ إِشتهى حُسنِك ] ،الرّوح القُدس يخطُبِك للمسيح ، إِذا أراد إِنسان أنْ يتزّوج بإِنسانة فقد يُرسِل وسيط لِيتِم التعارُف بينهُما وَالإِتحاد ، هكذا الرّوح القُدس يُطمِئن وَيسنِد وَيُرشِد حتّى نخلع الجسد وَنلتصِق بالله فِى السماء المسيح قال إِذا كُنت سأظل معكُم على الأرض ، فكم مدينة سأُعلّمِها ؟ واحدة أم إِثنان أم ثلاث ! أنا أُريد أنْ أُعلِّم المسكونة كُلّها ، لِذلِك أُرسل لكُم الرّوح القُدس الّذى يسكُن فيكُم ، وَبِهِ أصبح لنا مسحة مِنْ القُدّوس الّذى يُعلّمِنا وَيُرشِدنا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
02 يونيو 2025
الأمتلاء من الروح القدس
مفهوم الامتلاء من الروح القدس
الأمتلاء من الروح القدس يعني إنقيادنا لروح الله وأعلان الروح ذاته فينا وتأكيد حلوله في داخلنا وبلوغ مقاصده الإلهية في حياتنا. نحيا فى نمو روحي وأنقياد لروح الله. لهذا يوصي الكتاب قائلا { وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ}(اف 5 : 18). الروح القدس يعطينا بقدر أستعدادنا وقبولنا لعمله فينا. أن االخمر تجعل الإنسان ينقاد تحت تاثيرها وهكذا الإنسان الممتلئ بالروح يقوده الروح القدس ويحركه، والخمر تعطي فرح وقتى لشاربها أما الروح القدس فيعطي فرح أبدي لا ينطق به وكما قال السيد المسيح من آمن بى تجرى من بطنه أنهار ماء حي. الامتلاء في الكتاب المقدس لا يعني الكم بل بالأكثر الكيف، كما جاء في العبارات التالية: { امتلأَت أفواهنا فرحا وألسنتنا ترنمًا} (مز 126: 2). { والأرض امتلأَت من تسبيحهِ}(حب 3: 3). { مجده مِلءُ كل الارض }(إش 6: 3).
الإمتلاء" بالروح القدس يعني أن نسمح للروح القدس، روح الله، أن يسيطر على كل جزء من حياتنا: الفكرية والعاطفية والعملية ويملك علي قلوبنا ونفوسنا وأرواحنا فنسلك بالروح {ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح }(غل 5 : 25) . إذن، ليس معنى الإمتلاء أن ننال جزءً أكبر من الروح القدس، حيث أن الروح القدس كامل لا يتجزأ لأنه الله نفسه. بل بالحري، الإمتلاء بالروح القدس يعني أن نسلمه أكثر فأكثر كل نواحي حياتنا، ونسمح له بتشكيل خلقنا، وشخصيتنا، وسلوكنا بما يرضي الله القدوس، ولكي يفعل ذلك الروح القدس ينبغي أن نواظب علي الصلاة والأنقياد لارشاد وعمل الروح القدس فينا ويكون لنا شركة دائمة مع الله، نتعلم منه، وننقاد به ونسلك حسب وصاياه.
عندما نسمح للروح القدس بملء حياتنا، ينعم علينا بفيض من ثماره ومواهبه ويستخدمها الله فينا لبنيان، وتشجيع، وتعزية المؤمنين وأيضاً للتبشير والكرازة لغير المؤمنين حتى يعرفوا محبة الله الباذلة والتي تسعي لخلاص كل أحد. والهدف هو {الى ان ننتهي جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله الى انسان كامل الى قياس قامة ملء المسيح }(اف 4 :13). يعبر القديس باسليوس الكبير في كتابه عن الروح القدس عن هذا الامتلاء بقوله: إن الروح يعطي للإنسان قدر استعداد الإنسان وكأن الروح لا يكف عن أن يُعطي مادام الإنسان يفتح قلبه لعمله فيه ويتجاوب معه. لقد أمتلاء القديس بولس الرسول بالروح وخاطب باريشوع الساحر بقوة الروح { وأما شاول الذي هو بولس أيضًا فامتلأَ من الروح القدس وشخص إليهِ وقال: أيُّها الممتلئُ كل غشٍّ وكل خبثٍ يا ابن إبليس يا عدَّو كل برٍّ أَلا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالان هوذا يد الرب عليك فتكون اعمى لا تبصر الشمس الى حين ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده بيده. فالوالي حينئذ لما راى ما جرى امن مندهشا من تعليم الرب. } (أع 13: 9-12)، الامتلاء إذن ليس حلول خارجي نتقبله لكن قبول عمل الروح فينا وتمتع بقوته العاملة داخل النفس. وفي صلاة الصاعة الثالثة نقول: (هلمّ وحلّ فينا وطهرنا من كل دنس). لماذا نطلب حلوله فينا؟ أن الحلول هنا إنما يعني استنارتنا به. في اختصار نقول أن الامتلاء هو نمو في الحياة مع بالله بالروح القدس الذي يثبت فرح المسيح ويكمل فرحنا (يو 15: 11).
القديس الأنبا أنطونيوس يقول إحدى رسائله لأولاده موضحًا عمل الروح القدس فيهم أنه يعلن أن ما قد نالوه، يعمل فيهم ليس كغريبٍ عنهم بل ساكن فيهم، إذ يقول: (كل الذين اقتربوا من النعمة وتعلموا من الروح القدس قد عرفوا أنفسهم حسب جوهرهم العقلي، وفي معرفتهم لأنفسهم صرخوا قائلين: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبّا الآب "(رو 8: 15)، فنعرف ما أنعم به الله علينا: "فإن كنا أولادًا فإننا ورثة أيضًا"، وشركاء في الميراث مع القديسين يا إخوتي الأحباء وشركاء الميراث مع القديسين إن كل الفضائل ليست غريبة عنكم، ولكنها هي لكم وفيكم ).
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
01 يونيو 2025
من مصر دعوت إبنى عيد دخول المسيح أرض مصر
فى الحقيقة ونحن فى مُناسبة دخول المسيح لأرض مصر نُحب أن تكون لنا وقفة مع هذا الحدث ، وبنعمة ربنا سنتكلّم فى ثلاث نقاط وهُم :-
1- المعنى الروحى لهذا الأمر :-
كُلّنا نعرف أنّ هيرودس الملك عرف بميلاد رب المجد يسوع وكان ينوى قتلهِ فظهر الملاك فى حُلم ليوسف النجار قائلاً " قُم وخُذ الصبىّ وأُمهِ وأهرُب إلى مِصر " ] مت 2 : 13 [ الطفل يسوع كان عُمره تقريباً فى ذلك الوقت سنتين ومكث فى مصر حوالى ثلاث سنين وعشرة شهورففى هذه الفترة إكتسب لُغته وتكّونت شخصيتهُ التى بحسب الجسد ، وقد بدأ تلامُسهُ مع المُجتمع الذى حوله وهو فى مصر ، وذلك لأنّ الطفل يبدأ يتكلّم من سن سنتين سنتين ونصف ، فعندما يكون عنِده خمس سنين فهو بذلك يكون قد تجمّعت عِنده اللُغة وتكلّم بلُغتنا وهى اللُغة القبطيّة وذلك لأنّه نشأ فى أرض مِصر
ولا يوجد مكان لمستهُ أرجُل السيد المسيح فى الأرض كُلّها إلاّ اليهودية وأرض مِصر ، بركة خاصة جداً جداً جداً لنا فى هذا العيد لماذا ربنا أمر أن يأتى لأرض مِصر بالأخص ؟ وما هو موضوع مِصر؟!
ربنا لهُ تعامُلات كثيرة جداً مع مِصر كمعنى روحى ، ربنا حب أن يُعلن مجدُه لمصِر مرات كثيرة ، فعندما جاء الطفل يسوع لأرض مِصر كانت مِصر كُلّها وثنيّة ومشهورة جداً بِعبادة الأصنام ومشهورة بأنّها رائدة الثقافة والحضارة وكُل مكان كان يدخُلهُ السيد المسيح كانت الأوثان تقع والكتاب يقول " هوذا الرب يأتى على سحابة 0000فترتجف أوثان مِصر " ] أش 19 : 1 ، 2 [ ، وفعلاً إرتجفت الأوثان وسقطت ، ويقول الكتاب أيضاً " ويكون مذبح للرب فى وسط أرض مِصر " وهذا ما ذكره أشعياء النبى ] أش 19 : 19 [ فالمعروف أنّ كُل التقدُمات كانت على المذبح فى أورشليم فقط ، ولكن ما هذا المذبح ؟ يقول هذا المذبح فى كنيسة العهد الجديد ورب المجد يسوع بشخصهِ هو الذى أسس مذبحها أيضاً كان رب المجد يسوع قبل أن يذهب لأى مكان كان يُرسل له رُسل ولكن مع مِصر فعل العكس فهو جاء الأول ثم أرسل لها رسول ولكن لماذا ؟!
قال أنا أُريد أن أُعلن مجدى فى هذه البلد ، البلد التى فيها عبادة الأوثان وبها ثقافة عاليّة أنا أُريد أن أُحولّها مكان لمجدى ، فصارت مِصر مذبحاً لهُ ، صارت مِصر بها أجمل الأزهار والمقصود بها الرُهبان وصار تُرابها مُقدّس وهى بريّة شيهيت وصارت تلد قديسين ولكن لماذا يارب مِصر بالذات فكان مُمكن بلاد أُخرى ؟!
فلنفرض أنّ رب المجد يسوع كان موجود فى بيت لحم كان مُمكن تطلع لبابل أو للأُردن ، لماذا مِصر بالذات ؟!
قال لا أنا أُريد أن أُعلن مجدى لهذه البلد ولذلك مِصر بدلاً من أن تكون مركز لعبادة الأوثان صارت مِصر مركز للعلِم المسيحى ولولاها لصار العالم آريوسياً ، ولا يوجد فرق بين الآريوسيّة والإسلام فلولا مِصر لكانت المسيحيّة قد فقدت جوهرها وجوهر المسيحيّة هو أنّ الله صار جسداً ولذلك يوجد معنى روحى ربنا يُريده من دخوله لأرض مِصر ، ربنا يُريد أن يُحطّم الأوثان ، يُريد أن يُحّولها من بلد مليئة بالمعرفة العالميّة إلى بلد مليئة بالمعرفة الروحيّة ، فمِصر هى التى أعطت لنا قانون الإيمان والكتاب يقول " الشعب الجالس فى الظُلمة أبصرّ نوراً "
مِصر مشهورة بعبادات عديدة فكانوا بيعبدوا التماسيح وبيعبدوا القُطط والعِجول ، فنجد هذا المكان يوجد فيه مذابح وفيه مجد وتسابيح ، فمِصر هى التى علّمت العالم كلمة البتوليّة والرهبنة ، فالأنبا أنطونيوس هو الذى أسّس الرهبنة فى العالم أجمع ، ربنا إفتقدنا أُريدك أن تتخيل أنّ ربنا يسوع دخل بلد أُخرى فبأى طريقة كانت ستحتفل هذه البلد ؟ أرى أننّا بنظلمه كحدث لهُ قيمة0
2- تحقيق النبوات :-
القصة تبدأ من قديماً جداً من أيام أبونا يعقوب وأولاده
يوسف الصدّيق عندما إخوه يوسف باعوه وسُجن وفرِعون حلم حُلم ويوسُف فسّره لهُ وأقامهُ فرِعون على مخازن مِصر ، ويوسف أنقذ إخوتهُ وقدّم لهُم حِنطة وفى كُل هذه الأحداث ربنا يقول لك إنتبه مِصر ستكون مصدر خير للعالم كُلّه وأنا سأحّولها من جوع إلى شبع وستصير مصدر حِنطة ليعقوب ولإولاده يوسُف هو إشارة لربنا يسوع الذى جاء مِصر وعندما جاء مِصر قدّم حِنطة ، هو جاء هربان إلى مِصر ولكن هو الذى حماها ولم تكُن مِصر هى التى حمته ، جاء وقد غيّر عِبادة مِصر من عبادة الأوثان لمعرفة الإله الحقيقى ، وهذه هى قصة مِصر فى الكتاب أيضاً شعب إسرائيل كثُر جداً جداً فقال فرعون لشعبهِ ( المصريين ) أنّ بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منّا ] خروج 1 : 9 [ ، فجعل عليهُم رؤساء تسخير وأذّلوهُم بأثقالهم وقتل الأطفال الذكور المولودين من شعب الله ، فجاء موسى النبى وترّبى داخل بيت فرِعون وتدرّب بفلسفة المصريين وصار قائداً للشعب فى الخروج من أرض مِصر وربنا فى العهد القديم كان يُريد أن يتعامل مع الناس كُلّها ويُريد أن يُعلن مجدهِ من خلال شعبهِ ولذلك إبتدأ بأبونا إبراهيم وإختاره ثم جاء أبونا إسحق ويعقوب وأبونا يعقوب ذهب لأرض مِصر ، فلماذا جعلت شعبك يارب فى أرض مِصر ؟!
يقول أنا أُريد أن أُعلن مجدى فى أرض مِصر ، فالشعوب كانت مُتعدّده الآلهه ، وكان كُل شعب بيفتخر بإلههِ ويُريد أن يُثبت أنّ إلههُ أفضل من الإله الآخر فكان الشعب يُجملّ بلدهُ ويبنى فيها القصور وكُلّما تكون البلد فى أُبهه وجمال فإن شعبها بذلك بيُثبت أنّ إلهه هو الإله الصح لأنّ مجد المكان من مجد الإلهه ولذلك عندما تدخُل معابد القُدماء المصريين تتعجبّ جداً من عظمتها وتتساءل لماذا فعلوا كُل هذا !!!!
فربنا قال أنا سأُعلن مجدى فى هذا المكان وسأُثبت أنّ كُل ألهه الأُمم شياطين ، أنا سأُعلن مجدى من خلال عشر ضربات وهذه الألهه سأُميتها وسأُبيدها فمثلاً الذين يعبدون النهر عندما وجدوا أنّ النهر تحّول إلى دم عِرفوا أنّ النهر إله ضعيف وإبتدأ ربنا يُعلن مجدهُ من خلال العشر ضربات وتمجدّ فى وسط كُل هذه الآلهه وعندما خرج شعب الله من أرض مِصر وخرج وراءهُم فرِعون بمركباته وخيولهُ وغرقوا تمجدّ الله وعُرف أنّه هو الإله الحقيقى وأنّه أقوى إله ثُمّ تجلّى الله فى وسط أولاده وأخرجهُم بذراع رفيعة الله أراد أن يتمجدّ فى مِصر بالذات لكى يُعلن قوته و إقتدارهُ ويُعلن ذراعهُ الرفيعة حتى وإن كان شعب الله خبرته الحربيّة ضعيفة ولذلك يقول فى سفر هوشع أنّ إسرائيل كان غُلام وأنا أحببتهُ من مِصر دعوت إبنى مِصر هى التى إحتضنت أخونا البكر وهو شخص ربنا يسوع المسيح ، ربنا يُحب أن يختار الضعف ، ربنا إختار مِصر لأنّها كانت من أكثر شعوب العالم قساوة وحماقة وجهل وربنا إختار مِصر لكى تكون منار للعلِم والمعرفة وتصير " مُبارك شعبى مِصر" ] أش 19 : 25 [ ، وربنا جعل بها مذبح لهُ ويكون لهُ فيها شعب يعبدوه وتصير بلد محبوبة لهُ ويذكُرها الكتاب ويقول مِصر حيث صُلب رب المجد فهو يقصِد بذلك كم أنّ شعبهِ تألّم وكيف حدث فى مِصر كفّارة فى خروف الفصح فلو حصرت شُهداء العالم كُلّه وشُهداء مِصر لوجدت أنّ شُهداء مِصر أكثر من شُهداء العالم فتقرأ فى يوم فى السنكسار وتجده يقول اليوم تذكار 30 ألف شهيد بمدينة الإسكندرية فمُمكن لو ذهبت للقُسطنطينيّة مثلاً أو أى بلد أُخرى وتسأل هُناك عن عدد شُهداءها فتجد عندهُم مثلاً حوالى 15 شهيد فقط أو 20 شهيد ولذلك توجد بلاد كثيرة كان فيها كرازات إنتهت ولكن فى مِصر الكرازة تبقى إلى الأبد لأنّ الله بنفسه وبشخصه هو الذى كرز بها ودشنّ مذبحها بنفسه مِصر هى الكارت الذى يُخيف الكُل فربنا قال بدلاً من أن تكون مِصر ضدى وضد أولادى تصير مِصر حارسة للإيمان ولذلك مِصر موضع نبوات عديدة جداً فى سفر أشعياء وهوشع والتكوين والخروج ورأينا أنّ ربنا بيُعلن مجدهُ وإقتدارهُ فى وسط ناس شُغلها الحرب والتجارة والعظمة0
3- بركة خاصة لنا فى هذا الحدث :-
كم أنكّ يارب أحببتنا وكم أننّا فى فكرك قبل أن نوجد كم أنكّ حولّت هذه البلد من بلد بها تعدُّد آلهه ومن جهل وإنصراف عنكِ إلى بلد يُسبّح فيها إسم الله لدرجة أنّه يُقال وأنت تسير فى أرض مِصر تسمع تسابيح لا تنقطع فمِصر كان يوجد بها عدد كبير من الأدُيرة والرُهبان التى تُسبّح0
ما هذا يارب !!! هل يحدُث كُل هذا من ناس لا تعرفك و كانت ضدك وضد أولادك ، هل كُل هذا من البلد التى كان فيها مذلّة بنى إسرائيل والتى فيها جُعل على شعبك رؤساء تسخير لإذلالهم ؟!
ربنا قال أنا أُريد أن أتمجدّ فى وسط هذه البلد وسأأسّس هذه الكنيسة ، وسأجعل ظُلمة الضلال التى فيها تُضىء من قبل إتيان إبنك الوحيد ربنا يُدخل حياتى و يُغيّرها ويكسر العبادات الوثنيّة و يُبدلّ عبادات الأوثان إلى مذبح فى وسط قلب كُل واحد فينا الله يجعل هذه المُناسبة لمجد إسمهِ القدوس ويُبارك كُل كنائسنا ولإلهنا المجد دائماً أبدياً أمين0
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
31 مايو 2025
الروح القدس وعمله فينا
مِنْ رِسالِة مُعلّمِنا بولس الرسول لأهل رومية ( 8 : 9 – 12)[ وَأمّا أنتُم فلستُم فِى الجسد بل فِى الرّوح إِنْ كان روح الله ساكِناً فِيكُم وَلكِنْ إِنْ كان أحد ليس لهُ رُوح المسيح فذلِك ليس لهُ وَإِنْ كان المسيح فِيكُمْ فالجسد ميِّت بِسبب الخطيّة وَأمّا الرّوح فحيوة بِسبب البِرّ وَإِنْ كان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فِيكُمْ فالّذى أقام المسيح مِنَ الأموات سيُحيى أجسادكُم المائِتة أيضاً بِرُوحِهِ الساكِن فِيكُمْ فإِذاً أيُّها الإِخوة نحنُ مديونون ليس للجسد لِنعيش حسب الجسد ] يتكلّم مُعلّمِنا بولس الرسول عَنَ صوت روح الله داخِلنا[ إِنْ ان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فِيكُمْ ] ، هذا الرّوح أقام يسوع ، لِذلِك فهو عِنده قُدرة على أنْ يُحيى أرواحكُم المائِتة ، إِذاً عمل الرّوح القُدس داخِلنا هُو :-
1- الرّوح القُدس يُقدِّس :-
التقديس الّذى نشتاق إِليه أساساً عمل الرّوح القُدس ، دور الرّوح القُدس داخِلنا يُقدِّس ، لِذلِك تُسمّيه الكنيسة ( رُوح القداسة ) ، يقول الآباء أنت الآن ساكِن فِى بيت ، نظِافة هذا البيت أو عدم نظافتةُ مسئولية ساكِن البيت ، هكذا نحنُ البيت وَالرّوح القُدس هُو ساكِنهُ ، لِذلِك نظافِة قلوبنا مسئولية الرّوح القُدس الساكِن فينا ، التقديس مسئولية الرّوح القُدس ، لكِنّه يقول [ إِنْ كان رُوح الّذى أقام يسوع مِنَ الأموات ساكِناً فيكُمْ ] ، فهل يوجد شك فِى سُكناه داخِلنا ؟ لا لكِنّهُ قَدْ يكون داخِلنا إِمّا خامِل أو نشيط ، هذا حسب تفاعُلنا معهُ [ إِنْ كان المسيح فيكُم فالجسد ميِّت بِسبب الخطيّة أمّا الرّوح فحيوة بِسبب البِرّ ] ، هُو الّذى يُقدِّس عِندما ينشط وَيعمل داخِل الإِنسان ، يوجد صِراع داخِل الإِنسان بين الخطيّة وَالبِرّ ، تأخُذ الخطيّة فِى أعماق الإِنسان لها مراكِز لِتُحارِب مِنَ خلالها الإِنسان ، كما يأخُذ أيضاً البِرّ لهُ مراكِز فِى أعماق الإِنسان لِكى يُحارِب الخطيّة مراكِز الخطيّة داخِل الإِنسان هى الغريزة وَالشهوة ، بينما مراكِز البِرّ هى العقل وَ القلب ، غريزة وَشهوة يُحارِبان العقل وَالقلب الّذين لو كانت أسلحتهُما أسلِحة الرّوح فإِنّهُما سوف يدُكّان الغريزة وَالشهوة لِذلِك نرى فِى القديسين درجات تُسمّى قطع الهوى أو اللاهوى ، فقد نجِد قديس لاَ يُفرِّق بين رجُل وَإِمرأة ، هذا لأنّهُ غلب الغريزة وَالشهوة ، وَجعلهُما معهُ بدلاً مِنَ أنْ يكونا ضدّهُ ، وَإِستطاع أنْ يجعلهُما طريقُة للسماء بدلاً مِنَ أنْ يجلِبا عليهِ الجحيم ، فأصبحا داخِلهُ طاقِة حُب جبّارة الغريزة وَالشهوة إِذا تقدّسا يصيران طاقِة عطاء هائِلة وَحُب جبّارة ، كما كان مُعلّمِنا بولس الرسول الّذى كان لديهِ غريزة نشيطة جِداً مُقدّمة لله ، لِذلِك قال [ يا أولادِى الّذين أتمخّض بِكُمْ أيضاً إِلَى أنْ يتصّور المسيح فيكُمْ ] ( غلا 4 : 19 ) ،[ مَنْ يضعُف وَأنا لاَ أضعُف ، مَنْ يعثُر وَأنا لاَ ألتهِب ] ( 2 كو 11 : 29 ) ،الرّوح القُدس نَفْسَه إِذا وجد عقل وَقلب خاضعين لهُ سنرى ماذا يصنع بِهُما 0
الخطيّة درجات مِنها إِنسان مُتلذِّذ بالخطيّة [ الّذين يشربون الإِثم كالماء ] ، إِنسان ضميره لاَ يتعِبه إِذا سقط فِى خطيّة ، وَ لاَ يوجد داخِله أىّ تبكيت أو توبيخ ، وَتُسمّى هذِهِ الدرجة غِياب الرّوح الرّوح يعمل قليلاً ، فقد يُرسِل للعقل فِكرة أنّ الإِنجيل يقول [ أنتُم هياكِل الله وَرُوح الله ساكِن فيكُم ] ، لكِن الغريزة تُرسِل بدورها فِكرة مُضادّة ، وَتحدُث حرب بين الفكرتين ، وَلكِن لأنّ سُلطان الغريزة أقوى ، فتغلِب الرّوح للرّوح سُلطان أقوى ، فيكون العقل وَالقلب مُقدّسين ، العقل فِكره مُقدّس بالرّوح ، وَالقلب مشاعِره مُقدّسة بالرّوح ، فيُقاوِموا الغريزة وَالشهوة ، وَالرّوح تتشجّع ، وَعِندما تقوم الخطيّة تهِب الرّوح ، وَيحدُث صِراع قوِى أقوى مِنَ الدرجة السابِقة العقل وَالقلب لهُما قوّة للمُقاومة ، عِندما نشتكِى أنّ ضمائِرنا تلومنا وَتُبكِتنا مِنَ الخطيّة فهذا علامِة نشاط الرّوح [ يُذكّركُم بِكُلّ ما قُلته لكُمْ ] ، دور الرّوح أنْ يجعل العقل وَالقلب ينحازوا للتقديس لِيُحارِبا الشهوة [ فالّذى أقام المسيح مِنَ الأموات سيُحيى أجسادكُمْ المائِتة أيضاً بِروحه الساكِن فِيكُمْ ] ، عِندما يسكُن الرّوح فينا وَيزيد داخِلنا ، فهذِهِ علامة صحيّة ، وَالرّوح لاَ يكِل وَ لاَ يتعب وَ لاَ ييأس ، بل يظِل يُبكِت فينا حتّى النَفْسَ الأخير ، يمكِن نتوب فِى أخِر لحظات لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول[ نحنُ مديونون ليس للجسد لِنعيش حسب الجسد ] ( رو 8 : 12 ، أنتُم مديونون للرّوح لِتوفوا دين الرّوح ، [ لأنّ ناموس رُوح الحيوة فِى المسيح يسوع قَدْ أعتقنِى مِنَ ناموس الخطيّة وَالموت ] ( رو 8 : 2 ) ، حاوِل أنْ تنحاز للرّوح فِى صراعها مَعَ الجسد ، وَ لاَ تُكمِلّ شهوة الجسد ، رُوح القداسة يُقدِّس وَيُنظِّف عِندما تجِد الرّوح داخِلك يُبكِتك ، شجّعه وَأنحاز فِى العقل للرّوح لِكى تنال عِتق ، إِذا إِنحازت النَفْسَ للرّوح مرّة وَمرتين ، وَعِندما تقوم الشهوة وَتُحارِب النَفْسَ ، تُقاوِمها النَفْسَ بِقوّة الرّوح ، فنجِد أنّ الشهوة وَالغريزة يضمُران ، وَهذِهِ هى القداسة هذا ما حدث لأبو مقّار الّذى يُقال عنهُ اللابِس الرّوح ، أىّ مُتوشِح بِروح الله ، وَتقدّس بِهِ ، وَصار هُو وَرُوح الله شىء واحِد ، الرّوح الّذى يُقدِّسنا ، لِذلِك كُلّ تقديس خارِج الرّوح لاَ يُفيد ، التقديس ليس على مُستوى الأخلاق بل لهُ درجة أعمق ، هُو حالِة كيان تقدّس بالكُلّيّة يرفُض كُلّ شرّ وَشِبه شرّ ، لأنّ الرّوح قدّس العقل وَالقلب ، وَعرفت النَفْسَ كيف تُجاهِد ، لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول عَنَ تقديس الرّوح للطاعة ، أىّ حاوِل أنت بإِستمرار أنْ تُطاوِع الرّوح لِكى تتقدّس ، طاوِع الوسائِط الرّوحيّة وَأستجِب لِنداء الرّوح[ لاَ تُطفِئوا الرّوح ] لِكى تتقدّس 0
2- الرّوح القُدس يُصلّى :-
لابُد أنْ تعرِف أنّ الصلاة عمل رُوحانِى وَليس جسدِى ، لاَ أتكلّم بِشِفاه فقط بل بالعقل وَالقلب الّذين قدّسهُما الرّوح ، هذا هُو عمل الرّوح داخِلِى ، صلاة ، لِذلِك فِى حوار المسيح مَعَ السامريّة قال [ أنّ الله رُوح وَالّذين يسجُدون لهُ فبالرّوح وَالحق ينبغِى أنْ يسجُدوا ] ، أىّ إِنِّى لاَ أنحنِى بِجسدِى فقط بل وَ بِرُوحِى أيضاً الصلاة عمل الرّوح ، فصلّى بالرّوح ، لِذلِك قال مُعلّمِنا بولس الرسول [ أُصلّى بالرّوح وَأُصلّى بالذهنِ أيضاً ] ، الرّوح قَبْلَ الذهن ، مسئوليّة الصلاة على الرّوح القُدس ، لِذلِك لابُد أنْ أشعُر أنّ الصلاة عمل رُوحانِى ، وَأتكلّم بالرّوح يقول مُعلّمِنا بولس الرسول [ لِكى نعبُد الله بِجدّة الرّوح لاَ بِعِتق الحرف ] ، وَداوُد النبِى يقول [ تترنّم لك رُوحِى ] ، كُلّ ما الرّوح يكون نشيط كُلّ ما كانت الصلاة روحيّة ، عِندما لاَ يُصلّى الرّوح داخِلنا تكون صلاتنا ضعيفة عِندما يكون أساس الموضوع غير موجود يكون الموضوع ضعيف ، هكذا عِندما نُصلّى بِدون رُوح تكون صلاة ضعيفة ، لِذلِك يقول مُعلّمِنا بولس الرسول [ الرّوح يُعين ضعفِنا ] ، الرّوح يُعين ضعف الجسد ، [ الرّوح يُعين ضعفاتنا 0 لأنّنا لسنا نعلم ما نُصلّى لأجلِهِ كما ينبغِى ، وَ لكِنّ الرّوح نَفْسَهُ يشفع فينا بأنّات لاَ يُنطق بِها ] ( رو 8 : 26 ) ماذا أقول فِى صلاتِى ؟ هل أطلُب جسديات أم أطلُب مِنَ أجل الآخرين ؟ مُعلّمِنا بولس الرسول يقول أنّ الرّوح يُعين ضعفِنا وَيُعلّمِنا كيف نُصلّى ، الرّوح يئِن داخِلنا أنين لاَ يُنطق بِهِ ، أىّ كلام لاَ نعرِف كيف قُلناه ؟
ألّمْ تُجرِّب أنّك تُصلّى صلاة بعدها تفرح بِكلِمات الصلاة التّى لَمْ تعرِف كيف نطقت بِها ، كلِمات ليست بِترتيب العقل ، وَليست مُنمّقة بل كلِمات الرّوح الناطِق فينا ، الله يُريد كلِمات روحيّة ، وَالرّوح يُعين ضعفِنا مسئوليّة الصلاة تقع على الرّوح القُدس ، وَبِقدر نشاط الرّوح بِقدر نشاط الصلاة وَقوّتها ، وَبِقدر خمول الرّوح بِقدر ثِقل الصلاة وَبلادتِها ، لابُد أنْ نُصلّى بِكلام مملوء بالرّوح فنجِد أنفُسنا نُصلّى بِكلام لاَ يُنطق بِهِ ، يصعد مِنَ القلب للشِفاه بِدون تكلُّف لِذلِك قَدْ يُعطِى بعض آباء الإِعتراف تدريب قراءِة قِطع الساعة الثالِثة مَعَ كُلّ صلاة خِلال اليوم كُلّه ، وَ نُكرِّر كلِمة [ هذا لاَ تنزعهُ مِنّا أيُّها الصالِح ، لكِنْ جدِّدهُ فِى أحشائِنا ] ، طِلبِة تجديد الرّوح طِلبة كُلّ وقت ، لأنّ مسئوليّة الصلاة تقع على الرّوح ، وَجمال الصلاة مسئوليّة الرّوح ، لِذلِك لابُد أنْ أشعُر بِتقديس الرّوح وَصلاته داخِلِى 0
3- الرّوح القُدس يُعلِّم وَيُرشِد:-
مسئوليّة تعليمنا الكِتاب المُقدّس وَالفضائِل وهى مسئوليّة الرّوح القُدس ، مسئوليّة فهم الآيات التّى لاَ نفهمها بِعقلِنا البشرِى تقع على الرّوح ، آباؤنا لَمْ يقرأوا تفاسير الكِتاب المُقدّس وَصاروا شُهداء ، لَمْ يكُن لهُم معرِفة كبيرة مِثلنا وَصاروا قديسين لأنّ الرّوح داخِلهُم كان نشيط الكِتاب المُقدّس كُتِب بالرّوح ، لِذلِك لابُد أنْ يفهم بالرّوح ، وَبِدون الرّوح القُدس يُصبِح طلاسِم ، لابُد أنْ تُصلّى وَأنت تقرأ الكِتاب المُقدّس ، كما يقول مُعلّمِنا بولس الرسول[ لأنّ الّذين سبق فعرفهُم سبق فعيّنهُم لِيكونوا مُشابِهين صُورة إِبنهِ لِيكون هُو بِكراً بين إِخوةٍ كثيرين ] ( رو 8 : 29 ) ، هل تعِى معنى الآية بِعقلِك البشرِى ؟ قَدْ لاَ تفهمها ، فصلّى للرّوح وَتوسلّ لهُ لِكى تفهم ، حتّى وَإِنْ لَمْ تفهم سِوى تِلك الآية فقط مِنْ الإِصحاح كُلّه 0إِتكِل على الرّوح هُو الّذى يُعلِّم ، ربّ المجد يسوع قال[ يُعلّمِكُم كُلّ شىء وَيُذكّركُم بِكُلّ ما قُلتهُ لكُمْ ]0
عِندما قال يسوع لِتلاميذه أنّهُ سيصعد ، حزِنوا لأنّهُم قالوا فِى أنفُسهُمْ كيف نعيش بِدون يسوع ؟ فقال لهُم [ لأنّهُ إِنْ لَمْ أنطلِق لاَ يأتيكُم المُعزِّى وَلكِنْ إِنْ ذهبت أُرسِلُهُ إِليكُمْ ] ( يو 16 : 7 ) ، أوصاهُم أنْ لاَ يبرحوا مِنْ أُورُشليم بل ينتظِروا موعِد الأب الّذى سمعتموهُ مِنِّى ] ( أع 1 : 4 ) ، يقول لهُم ، عِندما كُنت أُكلّمكُمْ بأمثال لَمْ تفهموا إِنْ لَمْ أشرحها لكُمْ ، لكِن بالرّوح القُدس ستعوا كُلّ شىء بِدون شرح أو تفسير إِذا فكّرنا كيف كتب الإِنجيليين الأربعة الأناجيل ، وَكيف تذكّروا الأحداث بِهذِهِ الدِقّة ، لتأكدنا أنّ وراءهُم الرّوح القُدس هُو الّذى ذكّرهُم بِدِقّة الأحداث ، القديس متى الّذى كتب العِظة على الجبل كتبها بِنص ما قالهُ يسوع رغم أنّ التلاميذ لَمْ يكونوا يُدّوِنون ما يقولهُ يسوع أثناء سماعهُم لهُ فِى إِنجيل متى 5 ، 6 ، 7 ، كُتِبت التطويبات بالنص ، كيف ؟ الرّوح القُدس ذكّرهُم بِكُلّ ما قيل [ الرّوح القُدس يُذّكِركُم بِكُلّ ما قُلته لكُم ] ، [ وَمتى جاء المُعزِّى الّذى سأُرسِلُهُ أنا إِليكُمْ مِنَ الآب رُوح الحقّ الّذى مِنَ عِنْدِ الآب ينبثِق فهُو يشهدُ لِى ] ( يو 15 : 26 ) تعاليم الكنيسة وَالرُسُل عُمِلت بالرّوح ، كلِمات التسبِحة بِكُلّ قوّتها وَجمالها كُتِبت بالرّوح ، كذلِك قِطع الأجبية ، كلِمات فِى قمّة الجمال لأنّها مكتوبة بالرّوح ، رُوح الله الّذى يقود وَ يُرشِد وَ يُعلِّم مَنْ الّذى دافع عَنَ إِيمان الكنيسة ؟ أثناسيوس وَكيِرلُس وَديُوسقورُس ، نعم ليس بِشخصهُم بل رُوح الله العامِل فِيهُم جعلهُم يقِفون فِى صلابة ضِد البِدع وَالهرطقات ، كم مِنَ بطارِكة صدّقوا على كلِمات فِى المجامِع ، فِيها مِنْ البِدع ما هُو غير واضِح ، مِثل أنّ المسيح لهُ طبيعة إِنسانيّة وَطبيعة إِلهيّة ، نعم ، إِذاً لهُ طبيعتان ، بالعقل البشرِى نقول نعم ، لكِن كيِرلُس بالرّوح يقول لاَ ، لهُ طبيعة واحِدة العقيدة نفهمها بالرّوح ، القديسين يقولون [ اللاهوتِى الحقيقِى هُو المُصلّى ] ، وَ يقولون أيضاً [ الّذى جعل أثناسيوس هُو أثناسيوس تقواه ] ، لأنّهُ كان إِنسان مملوء بالرّوح ، لِذلِك دافع بِقوّة عَنَ العقيدة ، الأنبا أنطونيوس فِى اللاهوت كان قدير رغم أنّهُ كان راهِب بسيط ، لكِن بالرّوح القُدس النشيط داخِلهُ جعلهُ قوِى فِى اللاهوت بِدون مراجِع أو كُتب يوحنا الحبيب فِى رِسالته الأولى يقول[ أمّا أنتُم فالمسحة التّى أخذتموها مِنهُ ثابِتة فيكُم وَ لاَ حاجة بِكُم إِلَى أنْ يُعلّمكُمْ أحد بل كما تُعلّمكُمْ هذِهِ المسحة عينها عَنَ كُلّ شىءٍ وَهى حقّ وَليست كذِباً ]( 1 يو 2 : 27 ) 0
4- الرّوح القُدس يُعزِّى :-
التعزية أىّ السند وَالمعونة أىّ الفرح البديل عَنَ الحُزن ، الدور الرئيسِى للرّوح داخِلنا تعزية ، لو كانت حياتِى بِها فشل وَأحزان كثيرة ، وَفِى ضغوط مِنْ نَفْسِى وَفشل رُوحِى وَإِحباط ، الرّوح القُدس يُعزِّى وَ يقول لاَ تخف عِندما أشعُر بيأس فِى حياتِى وَكُلّ ما أقترِب مِنْ الكنيسة كُلّ ما تزداد الحروب ، نجِد الرّوح القُدس يُشدِّد وَيُشّجِع وَيسنِد وَيقول كُلّ جِهادك محسوب طالما أنت تُطيع كلامِى ، فَلاَ تخف ألّم تُجرِّب صلاة تخرُج مِنها بِروح مُرتفِعة ، أىّ تنال مِنها تعزية ! تقول الكنيسة [ عزاء صغيرِى القلوب ] ، أىّ الّذين مشاعِرهُم هشّة ، نَفْسِى أخدِم وَأتعزّى ، أصلّى قُدّاس وَأتعزّى ، أصلّى فِى مخدعِى وَأتعزّى ، هذا كُلّه مسئولية الرّوح القُدس الّذى هُو قريب جِداً مِنّا ، لكِنّنا لاَ نتودّد لهُ كثيراً ، رغم أنّ الأُمور الجوهريّة فِى حياتنا هى عمله مِثال لعمل الرّوح القُدس فِى حياتنا ألِيعازر الدمشقِى خادِم أبونا إِبراهيم الّذى أراد أنْ يُزّوِج إِبنه إِسحق فأرسل ألِيعازر الدمشقِى لِيختار عروس لإِسحق ، فكيف يختار عروس مِنْ مكانٍ بعيد وَيخطُبها لإِنسان لاَ تعرِفهُ ؟
ألِيعازر صلّى لله وَقال لهُ سهِلّ المأموريّة وَأعطنِى علامة أنّ التّى أطلُب مِنها لِتسقنِى تقول لِى إِشرب أنت وَأنا أسقِى جِمالك وَعبيدك ، وَوقف عِند البئر وَجاءت رِفقة وَطلب مِنها لِيشرب ، فقالت لهُ إِشرب وَأنا أسقِى جِمالك وَعبيدك ، وَكانت رِفقة تركُض لِتسقِى العبيد وَالجِمال ، وَقالت لهُ لنا دار كبيرة فتعال عِندنا ، وَذهب معها ، وَخِلال الطريق يُكلّمها عَنَ إِسحق وَعَنَ أخلاقه وَعِلاقته بالله هكذا الرّوح القُدس يفعل كما فعل ألِيعازر الدمشقِى ، يخطُب النَفْسَ لله ، وَخِلال رحلِتها فِى العالم يُطمِئن النَفْسَ ، وَ يقول لها لاَ تخف ، وَيصِف لها عريسها السماوِى بِكُلّ جماله وَصلاحه وَمحبّتة ، وَإِذا يأست النَفْسَ مِنْ طول الطريق وَصعوبتهُ يسنِدها وَيُعزّيها وَيوّكِد لها أنّهُ نَفْسَ الطريق الّذى أتى مِنهُ لِيخطُبها للعريس السماوِى ، فلن تضِل فيهِ مادام الرّوح معها الرّوح القُدس يُعزِّى [ وَلكِنْ إِنْ كان أحد ليس لهُ رُوح المسيح فذلِك ليس لهُ ]( رو 8 : 9 ) ، إِنْ كان أحد ليس لهُ ألِيعازر الدمشقِى فليس لهُ إِسحق ، إِنْ كان أحد ليس لهُ الرّوح القُدس فليس لهُ المسيح العريس ، ألِيعازر الدمشقِى هُو الّذى يوصّلنِى لإِسحق ، وَالرّوح القُدس هُو الّذى يُعزِّى وَيرفع النَفْسَ مِنْ همومها ، وَيُعطِى للإِنسان أفراح سماويّة عِوض الأحزان إِسحق سيُنسيك كُلّ تعبك [ إِسمعِى ياإِبنة وَأنظُرِى وَأميلِى أُذُنِك وَأنسِى شعبِك وَبيت أبيِكِ فإِنّ الملِك قَدْ إِشتهى حُسنِك ] ، الرّوح القُدس يخطُبِك للمسيح ، إِذا أراد إِنسان أنْ يتزّوج بإِنسانة فقد يُرسِل وسيط لِيتِم التعارُف بينهُما وَالإِتحاد ، هكذا الرّوح القُدس يُطمِئن وَيسنِد وَيُرشِد حتّى نخلع الجسد وَنلتصِق بالله فِى السماء المسيح قال إِذا كُنت سأظل معكُم على الأرض ، فكم مدينة سأُعلّمِها ؟ واحدة أم إِثنان أم ثلاث ! أنا أُريد أنْ أُعلِّم المسكونة كُلّها ، لِذلِك أُرسل لكُم الرّوح القُدس الّذى يسكُن فيكُم ، وَبِهِ أصبح لنا مسحة مِنْ القُدّوس الّذى يُعلّمِنا وَيُرشِدنا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
30 مايو 2025
عيد الصعود
خريستوس أنيستى .. أﻟﻴثوس أنيستى
اﻟﻤسيح قام.. باﻟﺤقيقة قام
في الیوم الأربعین لقیامة السید المسیح نحتفل بعید الصعود المجید، كما احتفلنا بعید دخول المسیح إلى الھیكل في الیوم الأربعین لمیلاده وعید الصعود المجید ھو أحد الأعیاد السیدیة الكبرى، وفیه نقدم المعایدة لبعضنا البعض بعبارة یونانیة ھي μαρὰν ἀθά (ماران أثا) ومعناھا "الرب آتٍ" أو "الرب قادم" أو "الرب قریب"(1كو ۱٦: 22 ) لقد ظل السید المسیح یظھر لتلامیذه خلال الأربعین یومًا بعد قیامته ظھورات متعددة وفي أوقات مختلفة ولأعداد مختلفة (للتلامیذ بدون توما،للتلامیذ ومعھم توما، لتلمیذي عمواس، لمریم
المجدلیة، لأكثر من ٥۰۰ أخ، إلخ..)، حتى كان الظھور الأخیر وھو یوم صعوده إلى السموات أرید أن أتأمل معكم في ما قبل الصعود، وما أثناء الصعود، وما بعد الصعود.
قبل الصعود ( ٤٠ يومًا)
۱- كان السید المسیح یظھر لتلامیذه یشرح لھم ویثبت إیمانھم (أع ۱:1- 3) یمكننا أن نعتبرھا مجموعة دروس أو منھج أو كورس كبیر عن الأمور المختصة بملكوت السموات ولم یكن ھو فقط المتكلم، بل كانوا یسألونه وھو یرد علیھم (أع ۱: 6, 7) لقد كتب الرسل بعض الشذرات لكنھم لم یكتبوا كل ما قاله، بل سلموا كل شيء مشافھة للكنیسة من جیل إلى جیل.
۲- كل ما قاله السید المسیح شفویًا في ھذه الفترة وسلمه للكنیسة كان یختص بالسماء (أع ۱: 3) إن المعنى الرئیسي الذي ثبته السید المسیح ھو أننا نعیش على الأرض، وأقدامنا على الأرض لكن فكرنا في السماء وإن تأملنا فیما یعمله عدو الخیر معنا، نجد أنه یحاربنا لكي یحرمنا من السماء وما ھي الخطیة؟ إن الخطیة تضع حجر عثرة أمام طریقنا للسماء فكل أمور حیاتنا مرتبطة بالحیاة السماویة أو بالأمور المختصة بالملكوت.
۳- كلمھم عن انتظار موعد الآب، وھو موعد حلول الروح القدس (أع ۱: 4) وانتظروا قلیلاً،عشرة أیام فقط، إلى أن حل علیھم الروح القدس في یوم الخمسین وھو العید الذي نسمیه عید العنصرة ومن عید العنصرة انطلقت المسیحیة لكل العالم.
٤- كان یكلمھم عن الاستعداد للمجيء الثاني (أع ۱: 6, 7)لابد أن یكون في فكرنا عقیدة مجيء المسیح الثاني،وانتظاره لقد جاء السید المسیح أولاً لكي ما یخلص الإنسان ویفدیه على الصلیب، وسوف یأتي ثانیة لكنه في ھذه المرة سیأتي دیانًا عادلاً لكل العالم ھذه ھي الأمور التي كان السید المسیح یتكلم عنھا قبل الصعود، وھو ما نسمیه إعداد الفكر وكان ھذا الإعداد أمرًا ھامًا قبل إرسالھم لیكرزوا باسمه إلى الخلیقة كلھا ھذا طبعًا بالإضافة لفترة خدمته الجھاریة ثلاث سنوات أمامھم لإعدادھم من: صنع معجزات، وتقدیم أمثال وتعالیم، وعمل مقابلات مع كثیرین.
يوم الصعود
۱- الصعود ثمرة من ثمرات الصلیب: حدث الصعود من فوق جبل الزیتون، لكن في الطریق مر السید المسیح وتلامیذه على بیت عنیا وعلى بستان جثسیماني وھي الأماكن التي كان لھا تاریخ في أسبوع الآلام، فالسید المسیح كان یبیت في بیت عنیا (بیت الألم أو العناء) حیث لعازر وأختاه مرثا ومریم وھا ھو السید المسیح في وسط تلامیذه على جبل الزیتون لكي یصعد إلى السماء وھو أمر مفرح، لكنه یرید أن یقول إن ھذا الصعود ھو ثمرة لبیت عنیا وبستان جثسیماني.
۲- المعنى الروحي في موضوع الصعود ھو السمو والارتفاع: موضوع صعود السید المسیح أمام تلامیذه فوق جبل الزیتون كان بالنسبة لھم أمرًا في غایة الإثارة، لكن المعنى الروحي في موضوع الصعود ھو السمو والارتفاع لذلك یقال عن المسیحیة إنه لیس لھا سقف (سقف الكمال)،لأن الإنسان یظل یتقدم في حیاته الروحیة ولا یتوقف عند خط معین ویقول وصلت لا الحیاة الروحیة مستمرة فعید الصعود یقدِّم لنا أھم اختبار
وھو حالة الإنسان إنه دائمًا في حالة نمو وتقدم إن الفتور أو البرود الروحي في حیاتنا الروحیة ھو حالة من لا یستطیع أن یرتفع، وھذا ما جعل داود النبي في یوم من الأیام یقول "لَیْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِیرَ وَأَسْتَرِیحَ" (مز ٥٥: 6) الحمامة رمز للنقاء والجناح رمز للسمو والطیران والارتفاع فھو یأمل ویترجى أن یكون عنده ھذا الشكل لیمكنه من الصعود السمو والنمو الدائم.
۳- رجعوا بفرح عظیم وسجدوا: لما بدأ السید المسیح في الصعود ظھر حوله ملاكان، بدءا یشرحان للتلامیذ ما یحدث ویقدمان لھم رسالة اطمئنان، لأنھم وقتھا كانوا في حالة غریبة، ماذا سیعملون والمسیح یتركھم، وكانت لدیھم مجموعة من الأسئلة الكبیرة لكن الجمیل أنه بعد أن صعد المسیح وتركھم وقدم لھم الملائكة الشرح، یقول الكتاب: "فَسَجَدُوا لَه وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِیمَ بِفَرَحٍ عَظِیمٍ" (لو۲٤: 52) علامة للرضا أو الاكتفاء أوالشبع أو الفھم.
بعد الصعود
۱- الصعود یضع أمامنا أن مسیحیتنا سماویة المسیحیة بدأت في السماء واكتملت في السماء "ھكَذَا أَحَبَّ اللهُ (في السماء) الْعَالَمَ (الأرض) حَتَّى بَذَلَ ابْنَه الْوَحِیدَ (الصلیب)، لِكَيْ لاَ یَھْلِكَ كُلُّ مَنْ یُؤْمِنُ بِه (الخدمة الكرازة)، بَلْ تَكُونُ لَه الْحَیَاةُ الأَبَدِیَّةُ (عودة إلى السماء)" (یو16:3) وھذا ما یجعلنا ككنیسة وفي تاریخھا نصِّر على معمودیة الطفل وعمره أیام ونسمیھا الولادة الجدیدة من الماء والروح، لكي یكون له العضویة السماویة وحینما نقارن المسیحیة بأي فلسفات أو مذاھب أخرى، نجد أن كل المذاھب بدأت على الأرض
وترید أن ترتفع وتصل إلى السماء، أما المسیحیة فقد بدأت من السماء وأخذت رحلة الأرض لتأخذ الإنسان إلى السماء. یقول السید المسیح: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا" (یو ۱٤: 2)لأجعل لكم نصیبًا في السماء.
۲- الصعود یثبت أن المسیح ھو صاحب السماء "لَیْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي ھُوَ فِي السَّمَاءِ"(یو ۳: 13) لذلك في كل مرة نصلي ونقول: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" ونخاطب الذي في السموات ونقول له: "لِیَتَقَدَّسِ اسْمُكَ لِیَأْتِ مَلَكُوتُكَ لِتَكُنْ مَشِیئَتُكَ" (مت ٦: 9, 10) تصیر ھناك ھذه العلامة المتواصلة والمستمرة بین الإنسان على الأرض والله في السماء.
۳- الصعود یؤھلنا لسكنى السماء صارت السماء غیر بعیدة عنا وھذا ھو السبب الرئیسي في أن الكنیسة تعمل حامل الأیقونات وتضع فیه قدیسین موجودین في السماء (السیدة العذراء،یوحنا المعمدان، الآباء الرسل، الشھداء، القدیسین) وكأنه الصف الأول في الكنیسة، یتطلعون من السماء علینا لكي یشجعونا حتى نصیر معھم. وھذا ما جعل بعض المفسرین یقولون إن الكنیسة مكونة من جزئین ھما في السماء الكنیسة المنتصرة،وعلى الأرض الكنیسة المجاھدة، موضحین مقدار الرابط الذي یربطنا بالسماء ھذه النقطة لابد أن
تشغل فكرنا كثیرًا أن یسوع في السماء یعد لي مكانًا، وأنا دوري أن أجتھد لكي أحافظ على ھذا
المكان والكنیسة ملیئة بزخم كبیر من صلوات،أصوام، جھاد، توبة، ممارسة الأسرار، تدریبات روحیة، سیر قدیسین، إلخ.، كل ھذا الكیان الروحي ھو من أجل أن أحافظ على مكاني الذي أعده لي المسیح في السماء فلا یضیع مني لذلك بدون المعمودیة "أَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ"(تك ۳: 19) أما بالمعمودیة والحیاة الروحیة
أنت من سماء ویمكن بجھادك أن تعود إلى سماء وھذه ھي قیمة الجھاد الروحي في الفكر الكنسي.
٤- الصعود یجعلنا ننتظر بشوق المجيء الثاني لذلك تعلمنا الكنیسة أن نتجه للشرق، ونسمع نداء الشماس في كل قداس: "أیھا الجلوس قفوا" ویقصد قفوا من الخطیة ثم یقول: "وإلى الشرق انظروا" ویقصد جددوا أشواقكم في انتظار مجيء السید المسیح.
ختام
بركات عيد الصعود الكثيرة تملأ حياتنا وحياة الكنيسة كلها ونقول لكل الآباء ولكل الأحباء ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤسكونة ﻛﻞ سنة وأنتم طيبين "ماران أثا".
قداسة البابا تواضروس الثاني
عظة عيد الصعود من كنيسة التجلي بدير الأنبا بيشوي
المزيد
29 مايو 2025
الصعود
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود المجيد،إذ صعد المسيح إلى السماء،وجلس عن يمين الآب صعد في مجد متحديًا كل قوانين الجاذبية الأرضية وأعطانا أيضًا أن نصعد مثله،ونتحدى جاذبية الأرض، وننضم إلى جاذبيته هو بقوله "وأنا إن ارتفعت، أجذب إلى الجميع" أخذته سحابة،واختفى عن أعينهم وسيأتي ثانية على سحاب السماء،مع ملائكته وقديسيه،لكي يرفعنا معه على السحاب، ونكون مع الرب في كل حين وكما جلس عن يمين الآب، سيجلسنا معه في مجده هذا الذي صلبوه في الجلجثة،وأحصى وسط أَثَمَة،مع كثيرين من التعيير والإهانات، قام من الأموات في مجد،وصعد إلى السموات في مجد وجلس عن يمين الآب في مجد ولم تكن الجلجثة نهاية محزنة لحياته،إنما كانت بداية لكل أمجاده وهكذا كل من يتألم معه، لابد سيتمجد معه كانت آخر صورة رآها له الاثنا عشر،هي هذا الصعود،الذي رفع كل أنظارهم إلى فوق، حيث المسيح جالس،والتي قال عنها الرسول "رفع في المجد" (1تى 3: 16) ولم يعد ألم المسيحية منفصلًا عن أمجاده
هذا المسيح الذي تألم من أجلنا ظهر للقديس اسطفانوس في آلام استشهاده، فرأى السماء مفتوحة،وأبصر مجد الله، ورأى يسوع قائمًا عن يمين الله (أع 7: 55، 56) فصرخ أيها الرب يسوع اقبل روحي إن الذي نزل،هو الذي صعد أيضًا ونحن لا يمكن أن نصعد،إن لم ننزل أولًا.
ندخل مثله في إخلاء الذات،وفي تحمل الآلام،وفي الصعود إلى الصليب، قبل الصعود إلى يمين الآب وإذ صعد المسيح إلى فوق، فإننا باستمرار نرفع أبصارنا إلى فوق، حيث جلس المسيح عن يمين أبيه،وحيث يرجع إلينا مرة أخرى على السحاب ليأخذنا إليه فنصعد حينئذ صعودًا لا نزول بعده مرة أخرى آمين.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
28 مايو 2025
الكتَابُ المقَدّس فـــــي الكَنيسَة القبْطيّة
أهميَة الكتاب:
أهميته في تأثيره، وفي خطورة البُعد عنه يقول داود النبي في (مز119) «لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي» كما يقول «اذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل هذا الذي عزّاني في مذلتي» ويقول في (المزمور 19) «ناموس الرب كامل يرد النفس شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيمًا» ويقول في المزمور الأول عن الرجل البار «في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً» وتصوروا رجلاً مثل يشوع، كان قائدًا لجيش من 400 ألفًا أي مشغول جدًا، ويقول له الرب «لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا وليلاً، لكى تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه حينئذ تُصلح طريقك وحينئذ تفلح» (يش1: 8) ومن أهمية الكتاب ما تعمله دار الكتاب المقدس، وتأسيس جمعيات باسم "أصدقاء الكتاب المقدس" ومن أهميته أن الوصايا العشر كُتِبت بأصبع الله وكذلك قول الرب بعدها «لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصّها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم» (تث6:6، 7) ومن أهمية الكتاب قول القديس الأنبا أنطونيوس "كل ما تقوله أو تفعله، ليكن لك عليه شاهد من الكتب" وهذا مبدأ نسير عليه.
عَلاقتنا بالكتاب:
هي محبة الكتاب اقتناؤه قراءته، التأمل فيه، حفظه، العمل به.
فمن جهة محبته: قول الرب «لتكن على قلبك» (تث6) وقول داود النبي في (مز119) «أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر» وأيضًا «إن كلماتك حلوة في حلقي أفضل من العسل والشهد في فمي»، «أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة».
ومن جهة قراءاته: تكرار عبارات داود النبي عنه «تلاوتي، درسي، ألهج فيه النهار والليل». أما عن اقتنائه: فلا يكفي أن يكون في مكتبك، بل أيضًا في جيبك ومن جهة المرأة تحتفظ به في حقيبتها.
أما عن العمل به، فيقول ربنا يسوع المسيح «الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة» (يو6: 63) أي تعرف روح الوصية (وليس حرفيتها) وتحوّلها إلى حياة، إذ تتدرب عليها وهناك فائدة ذكرها القديس مار أوغريس "إن كل خطية تحاربك، ترد عليها بآية من الكتاب".
احترام الكتاب
من جهة قراءة الإنجيل عندنا في الكنيسة، نوقد الشموع كقول الكتاب «مصباح لرجلى كلامك ونور لسبيلي» ويصلي قبلها الآب الكاهن قائلاً"أجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة، بصلوات قديسيك" ويصيح الشماس قائلاً "قفوا بخوف من الله احترامًا للإنجيل المقدس" ونحن نُقبّل الكتاب، ونضعه فوق رؤوسنا وفي بيوتنا لا نضع شيئًا فوق الكتاب المقدس، إلا كتابًا مثله، أو صليبًا، أو أجبية، لأن كلها من الكتاب تقريبًا.
استخدامه:في القداس الإلهي نستمع إلى المزمور، وفصل من الإنجيل وفصول من رسائل بولس الرسول، ومن الرسائل الجامعة، ومن أعمال الرسل. وهكذا فالذي لا يقرأ، يستفيد من السماع وفي صلوات الساعات (الأجبية) نقرأ في كل ساعة فصلاً من الإنجيل ونصلي عددًا من المزامير، كلها أكثر من 50 مزمورًا.وفي أسبوع الآلام: نقرأ في كل ساعة مزمورًا، وفصلاً من الإنجيل، وبعض فصول من العهد القديم وفي يوم الجمعة الكبيرة نقرأ كل مراثي أرميا وفي ليلة أبو غالمسيس (مساء السبت) نقرأ كل سفر الرؤيا وخلال الأسبوع نقرأ الأناجيل الأربعة.
ملاحظات: قبل معرفة الطباعة، حين كان الكتاب المقدس بالنساخة، كانت نسخه قليلة، واقتناؤه صعبًا. أما الآن فقد أصبح الكتاب متوفرًا عن طريق الطباعة فلم يعد لأحد عذر في اقتنائه.
توجد نسخ من الكتاب بطريقة برايل، يستخدمهَا المكفوفون في فهم الكتاب يخطئ من يستخدم آية في غير موضعها كذلك ينبغي الاهتمام بروحانية الوصية وليس بحرفيتها فالرسول يقول «الروح يُحيي، والحرف يقتل» (2كو3: 6) وقراءة الكتاب لا تكون لمجرد المعرفة، بل للحياة. كما قال الرب: إن كلامه روح وحياة (يو6: 63) حينما نتكلم عن الكتاب نقصد كله وهكذا يقول الرسول «كل الكتاب موحي به من الله ونافع للتعليم» (2تي3: 16) أقول هذا لأن بعض طبعات الكتاب تستخدم اللون الأحمر لكلام الرب، واللون الأسود للباقي بما في ذلك كلام الرسل، كما لو كان هناك تفريق! أقول ذلك لأنه في إحدى المرات زارني في الدير أسقف إنجليزي، وتناقشنا من جهة تصريحهم بكهنوت المرأة، مما لا نوافق عليه فأوردت له بعض آيات من أقوال القديس بولس الرسول فقال لي "ولكن هذا ما قاله بولس" (على فكرة هم يتحدثون عن الرسل بأسمائهم المجردة!) فقلت له: "وما قاله القديس بولس موحى به من الله أم لا؟"، فصمت لحظة ثم قال "نعم موحى به" فقلت "إذًا هو تعليم إلهي".
خطورة الاعتماد علىَ آية واحدة:سواء من جهة العقيدة أو السلوك والمعاملات وهذا مبدأ تعلمناه من السيد المسيح له المجد ففي التجربة على الجبل (مت4) قيل له «مكتوب» فقال «مكتوب أيضًا» مثال ذلك كتاب أصدره السبتيون الأدفنتست عنوانه (الكتاب يتكلم) يقدمون كل سؤال وإجابته آية من الكتاب بينما المفروض أن نعرف كل الآيات المختصة بالموضوع!مثال ذلك: كيف تخلص؟ والإجابة «آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك» (أع16: 31) هذه الآية يجب أن نضع إلى جوارها (مر16:16) «من آمن واعتمد، خلص» وأيضًا (يع2، 17، 19) «إيمان بدون أعمال ميت» وأنواعًا من الإيمان: إيمان مثمر، إيمان عامل بالمحبة (غلا5: 6). ثم هل يخلص الإنسان بدون توبة؟! هوذا الرب يقول «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لو13: 3، 5) ونضع كذلك قول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16) من جهة السلوك والمعاملات لا نستخدم الآية الواحدة: فإلى جوار «أيها الأبناء أطيعوا والديكم في الرب» (أف6: 1) نضع «أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا» (أف6: 2) كذلك الآية التي تقول «أيها النساء أخضعن لرجالكن» (أف5: 22) نضع إلى جوارها «أيها الرجال أحبوا نساءكم، كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها» (أف5: 25) فالرجل الذي يحب امرأته ويبذل ذاته عنها، ستخضع له زوجته ليس خضوع السلطة، إنما خضوع الحب نحن لا نستخدم الآية الواحدة فقط ومع ذلك حتى الآية الواحدة لها معانٍ كثيرة وكما يقول داود النبي للرب «لكل كمال رأيت منتهى أما وصاياك فواسعة جدًا» (مز119)
الكتاب في العقيدة واللاهوت:
قانون الإيمان عندنا، كل عبارة فيه تسندها آية أو آيات وكذلك كل أسرار الكنيسة وكل الطقوس ولنأخذ المعمودية كمثال لزومها (من يو3: 5) «كل أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» ولهذا نعمد الأطفال. ما هى؟ إنها موت مع المسيح وحياة (رو6) وأيضًا (كو2: 12) «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه» وهي أيضًا الميلاد الثاني (يو3: 5) وأيضًا (تيطس 3: 5) «بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» مفعولها: الخلاص (مر16:16) «مَنْ آمن واعتمد خلص».وأيضًا لغفران الخطايا كما قال القديس بطرس يوم الخمسين «توبوا وليعتمد كل واحد منكم لمغفرة الخطايا» (أع2: 38) وبها نلبس المسيح، أي نلبس البر الذي للمسيح، كما في (غلا3: 27) «لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح».طريقتها: بالتغطيس كما قيل في عماد الخصى الحبشي «ولما صعدا من الماء» (أع8: 39) وباسم الآب والابن والروح القدس (مت28: 19) وهي معمودية واحدة: كما ورد في (أف4: 5) «رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة» ولذلك فالذين اعتمدوا بالماء والروح، كيف يعتمدون مرة أخرى بمعمودية يسمونها (معمودية الروح)؟!
الكتاب في الحَياة العـَــامة:في الرعاية: كما ورد في (حز3: 17-19) «اسمع الكلمة من فمي وأنذرهم من قبلي إذا قلت للشرير موتًا تموت، وما أنذرته أنت يموت الشرير بإثمه وأما دمه فمن يدك أطلبه».
في الأحوال الشخصية: الطلاق لعلة الزنى كما في (مت5: 32)، (مت19: 9)، (مر10: 11)، (لو16: 18) وأيضًا للخلاف في الدين، كما في (1كو7: 15) «ليس الأخ أو الأخت مستعبدًا في مثل هذه الحالة إن أراد أن يفارق فيفارق».في التوبة: (أر31: 18) «توّبني يارب فأتوب». وأيضًا في مزمور الراعي (23: 3) «يرد نفسي يهدني إلى سُبل البر».في الحفظ: مزمور 121 «الرب يحفظك من كل سوء، الرب يحفظ نفسك، الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الابد».
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد