المقالات
10 أكتوبر 2025
حوار الحب
”الصلاة سلاح عظيم، وكنز لا يفرغ وغِنَى لا يسقط أبدًا ميناء هادئ وسكون ليس فيه اضطراب“
(القديس يوحنا ذهبي الفم)
«وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ قَائِلًا: كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لو ١٨: ١-٨)
الصلاة يا عزيزي هي الخطوة الثانية التي سنخطوها سويًّا في بلد الحب لقد سلَّط الكتاب المقدَّس الضوء على مبدأ: «أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» من خلال قصة قاضي الظلم فإذا كان قاضي الظلم الذي ظلم الأرملة قد أنصفها في النهاية لأجل لجاجتها، فما بالك بقاضي القضاة الكلِّي العدل ألا ينصف مختاريه وهنا يأتي السؤال: كيف أُصلِّي كيف أتمتَّع بصلاة حقيقية؟
وللإجابة على هذا السؤال دعنا نتأمَّل قليلًا لقد وهب الله الإنسان نعمتيْ العقل وحرية العمل؛ ليصنع بهما العجائب، ثم منحه البعد الثالث وهو القلب ليكون موضع الالتقاء بالله، فصار الإنسان عابدًا، وتولَّدت داخل الإنسان الرغبة في الله، وصارت الصلاة هي التعبير عن رغبة الإنسان في الله الخالق، بل صار في داخل الإنسان عطش وحنين للأبدية دعنا نُرسي معًا مبادئ هامة عن كيفية الصلاة:-
١- عندما تصلِّي ضع في ذهنك أنك أمام الحضرة الإلهية كل التقدير كل الخشوع كل الرهبة كل الاحترام وكأنك تطرح العالم إلى خارج.
٢- عندما تدخل إلى جو الصلاة اكشف عن خطاياك الصلاة الحقيقية تحتاج من الإنسان أن تكون خطاياه واضحة أمامه تمامًا، ضع أمامك قول داود النبي: «إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ» (مز ٥٠: ٤). وكرِّر ذلك كثيرًا: ”طوبى لمَنْ يُبصر خطاياه أفضل ممن يرى ملائكة“ (أحد الآباء).
٣- عندما تدخل إلى جو الصلاة املأ قلبك بروح الشكر أعمال الله وعطاياه العظيمة في حياة كل منا لا تنتهي نعمة الصحة نعمة الحركة نعمة السلام نعم لا تُحصَى احرص دائمًا أن تشكر الله على عطاياه العظيمة ونعمه في حياتك.
٤- تذكَّر مجتمعك الذي تحيا فيه: أسرتك كنيستك خدمتك وطنك اذكر الذين طلبوا منك أن تصلِّي من أجلهم، وأفراد أسرتك بأسمائهم، وأخيرًا اذكر نفسك. وضع أمامك دائمًا أن تمزج صلاتك باللجاجة وأحيانًا بالدموع.
٥- احرص أن تمارس الصلاة بشكل يومي خصِّص وقتًا كل يوم تجلس فيه ولا تفكر سوى في الله ابدأ يومك بالصلاة صباحًا عقب الاستيقاظ، وكذلك مساء عند النوم وليكن نظامك فيها هو:-
أ- تهيئة الجو العام للصلاة: مكان واحد للصلاة – به أيقونة الصلب أو صليب في الشرقية مع بعض صور أخرى.
ب- الإعداد للصلاة: يلزم أن نعد أنفسنا قبل وقت الصلاة، فلا يليق أن ننتقل من الأشياء التي كنا منهمكين فيها إلى الصلاة مباشرة لأنك إن فعلت ذلك لن تتلذَّذ بالصلاة.
ج- ليكن لك: قراءة روحية ترنيمة أو لحن الجلوس في صمت التأمل في صورة الصلب البعد عن الموبايل.
د- ابدأ الصلاة بالسجود ٣ مرات إلى الأرض.
ذ- امسك صليب وقت الصلاة في يدك.
ر- ارفع يديك وعينيك نحو السماء.
ز- تحدَّث مع الله ليس بألفاظ عامة (مثل ضابط الكل)، بل بألفاظ حيَّة مثل: ”يا بهجتي، يا فرحي، أحبك يا رب يا قوتي“ (مز ١٨: ١).
ف- لتكن صلواتك من القلب، فالله لن يسألك كم مرة صليت؟ أو كم ساعة وقفت؟ ولكن سيسألك ”كيف صليت“؟
ق- كن صريحًا في حديثك وافتح قلبك لله وصلِّ قائلًا أعطني يا رب أن أحبك … عرِّفني يا رب مَنْ أنا …
ه- بعد الصلاة استرح قليلًا واشكر الله بالصمت.
أمَّا عن الصلاة كحياة، فهناك خطوات أعمق:
اقرأ عن رجال الصلاة القديسين أمثال داود النبي اقرأ عن فضيلة الصلاة، واختبارات الآباء فيها استمتع بالصلوات المذكورة في الكتاب المقدَّس وتعلَّم منها كيف كان هؤلاء القديسون يصلون بها، (نقرأ هذه الصلوات ليلة أبو غلمسيس).
دَرِّب نفسك على الصلاة كل حين:
أ- اختر صلاة تشعر بمذاقها في نفسك، وردِّدْها داخلك كثيرًا، أثناء وقت فراغك وأثناء وجودك بين الآخرين دون أن يشعر أحد.
ب- كرِّرْها وأنت على فراشك قبل أن تنام، وكذلك عندما تستيقظ فيكون الله أول مَنْ تخاطبه.
إليك هذا المثال العملي:
عند الاستيقاظ قُل «هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ» ضع في فكرك هذا اليوم هو ملك لله – وأنت أيضًا مِلك لله – اطلب بركة الرب: ”باركني يا رب، كن معي“.
*اخرج من منزلك حاملًا رسالة الله المفرحة للجميع ”أنت سفير المسيح على الأرض سفير للفرح“.
ثق أن كل ما تمر به هو من يد الله صانع الخيرات محب البشر كل شخص تقابله هو هبة من الله، كل ظرف تجوزه مهما كان هو هدية الله لك كل ما تراه من أشجار ومبانٍ هو عطايا الله ”لقد وُهِبَ لنا أن نكون سفراء المسيح على الأرض، أحيانًا منتصرين وأحيانًا مصلوبين، المهم أن نكون دائمًا مستعدين فلا نهرب أبدًا“ (أحد الآباء) بهذا البرنامج تكون الصلاة والحياة وجهين لعملة واحدة «صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ» (١تس ٥: ١٧). هناك خطوة هامة وهي أن تُقَيِّم نفسك بمقاييس نجاح الصلاة.
ماذا يدفعك إلى الصلاة؟ هل هو الحب؟ هل الخوف؟ هل الواجب؟ هل إرضاء ذاتك؟
عندما تنتهي من الصلاة ما هو شعورك؟ هل تفرح وتُسر؟ هل تود لو استمرت الصلاة؟
وأنت واقف للصلاة بماذا تشعر هل سعادتك فوق كل سعادة؟ هل فكرك يذهب بعيدًا؟ هل يراودك هذا الإحساس ”إن لم أصلِّ فقد يسحب الله عنايته بي“ إن البُعد عن حياة الصلاة مصيره مؤلم، وقد عبَّر عنه ذهبي الفم بعبارة حاسمة ”إن لم تكن قد رأيته على الأرض فلن تراه في السماء“.
نوعيات الصلاة:-
الصلاة الحقيقية هي رغبة واشتياق وحب قبل أن تكون فرض أو أمر أو مجرَّد وصية أو مجرد عبادة أو مجرَّد طلب ونوعيات الصلاة حدَّدها بولس الرسول حين قال «أَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ» (١تي ٢: ١).
الطلبات: هي التماس بخصوص خطايانا؛ لطلب الصفح والنمو في الفضيلة وهي تنبع من الحزن على الخطية.
الصلوات تمثل الصلة الحقيقية والحديث الشخصي بين الإنسان والله.
الابتهالات هي صلوات من أجل الآخرين (كل العالم) تأتي عن حرارة القلب والشعور بمدى المسئولية عن جميع الناس.
التشكرات هي تأملات في أعمال الله في حياتنا وبركاته لنا، وهي تسبيح وتمجيد يتولَّد من التعمق والتأمل في صلاح الله وبصفة عامة فإن الروح القدس هو الذي يحيي داخلنا مشاعر الصلاة أي يترجمها أمام الله «الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي » (رو ٨: ٢٦).
والآن دعنا نتساءل: ما هي معوقات حياة الصلاة؟
١ – قلة الوقت:
تعتبر الشكوى من قلة الوقت المخصَّص للصلاة أمرًا واهيًا، وتبريرًا كاذبًا للنفس في إهمالها وتوانيها وتهربها من الوقوف أمام الله ولكن بقدر اشتياق الإنسان للصلاة يعطيه الروح القدس فرصًا عظيمة للتنعم والامتلاء من الله اسأل نفسك: كم دقيقة في حياتك تضيع هباءً؟ بلا شك كثير هل تستطيع أن تجمع ”الفتات الضائع“ وتقدِّم فيه صلاة تكون لله ولك أيضًا؟! …
تدرَّب على أن تتحكم في وقتك وليس العكس.
٢ – تعب الجسد:
الجسد يدَّعي أمورًا للهروب من الصلاة، كادعاء التثاؤب والمرض والضعف وآلام الرأس والظهر وشدَّة الحاجة إلى النوم أو اختصار الصلاة أو السرعة … إلخ.
هذه كلها أسباب يمكنك بالتدريب المتأني الانتصار عليها، ولكن الخطأ يكمن في السلوكيات التي تتعارض مع حياة الصلاة فمثلًا يصلِّي الإنسان في وقت استُهلِك فيه جسديًّا ولذا حذَّرنا الآباء: ”إن كنت تريد أن تصلِّي كما ينبغي لا تفعل شيئًا ضد الصلاة، لكي يقترب منك الله“ وكما أن الذهن في الصلاة يتشكَّل حسب الحالة التي يكون عليها قبل الصلاة، فما يحدث في الفترة التي تسبق الصلاة من ضحك وأحاديث أو قلق أو تفكير يُشغِل مخيلتنا أثناء الصلاة لذلك يجدر بنا أن نهتم بهذه الفترة عن طريق الألحان أو القراءة الهادئة يمكنك أن تجعل يومًا في الأسبوع مثاليًّا في صلاتك ومع هذا التدريب يصير اليوم اثنين ثم ثلاثة وهكذا تمتد حياة الصلاة كل أيامك.
٣ – تأخر الاستجابة:
لابد أن يكون دافع الصلاة هو الحب وليس الطلب. وهذا الحب نُقدِّمه في ثقة تامة بأننا ننال ما نسأل، ولا نشك في أن الله مهتم بنا، وقادر أن يُعطينا طلبنا «كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ» (مر ١١: ٢٤). ويوضِّح لنا ذهبي الفم قائلًا: ”إن الله حينما يُعطي أو لا يُعطي إنما يفعل ذلك لخيرك“.
وهناك أسباب لتأخر الاستجابة:
الله يؤخر الطلب لحكمة يراها، فلا يمكنك إدراك حكمة الله.
لأن ما نناله سريعًا لا نشعر بقيمته.
لأنه قد تكون طلباتنا في غير صالحنا.
قد يتأخر الرب حتى نلتجئ إليه أكثر وندنو منه أكثر، ولكن عليك أن تثق دائمًا أن ما يفعله الله إنما يفعله لنفعك الروحي.
قصة قصيرة …
روى المتنيح ”القمص إبراهيم عطية“ بالقاهرة هذه القصة انتقل لإحدى الأرامل ابنُها الوحيد، وإذ أُدرِك مدى تعلُّقها به لم أعرف ماذا أفعل؟ ذهبت إلى منزلها، ففتحت الخادمة الباب سألتها عن السيدة، فأجابت: ”إنها في حجرتها الخاصة لقد أغلقت الباب، وطلبت مني ألَّا أطرق الباب مهما تكن الظروف أنا آسفة يا أبي، لا أستطيع أن أخبرها بحضورك“ طال انتظاري، وأخيرًا فتحت الباب، وكانت ملامح وجهها تكشف عن سلام عميق يملأ أعماقها قالت ”أنا آسفة يا أبي لأني تأخرت في خروجي لمقابلتك أريد أن أُطمئن قلبك ما كنت تود أن تقدِّمه، قدَّمه لي الرب بفيض لي الآن ساعتان راكعة أمام إلهي. وصممت ألَّا أتركه حتى يفيض عليَّ بتعزياته السماوية الآن أنا في سلام صلِّي يا أبي ليكمل الله عمله معي“.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
09 أكتوبر 2025
بدعة هرقل
البدعة المونوثيليتيه
المونوثيليزم كلمة تعنى فى اللغة اليونانية الرغبة الواحدة one will" وهو فكر يفسر كيفية العلاقة بين الجسد والكلمة فى شخص السيد المسيح وقد نشأت هذه العقيدة فى أرمينيا وسوريا سنة 629 ب. م وهذا التعليم يقول أن السيد المسيح له طبيعتين (الكلمة والجسد) ولكن له رغبة واحدة بعد الإتحاد فى بداية نشر هذا الفكر عن طريق المرسوم الذى أصدره هرقل كانت كنيسة القسطنطينية وبطريركها هو أول من وافق عليه بل أنه شارك فى إعداد مرسوم الإمبراطور هرقل الذى عرف بأسم (إكثيسيس Ecthesis) أما كنيسة روما فقد أرسل بطريركها موافقته الخطية إولكن أعتبر ها الفكر فيما بعد ذلك هرطقة وهذه البدعة كان الإمبراطور هرقل يريد إجبار أقباط مصر على قبولها ولم تحظى البدعة المونوثيليتيه Monotheletism بدعة الإمبراطور البيزنطى هرقل (610- 642) بدراسة مستفيضة من الكنيسة القبطية بالرغم من أن هذه البدعة قد قسمت الإمبراطورية البيزنطية وكانت من الأسباب التى مهدت لسهولة إحتلال الإسلام الشرق الأوسط إحتلال إستيطانى فقد كانت مصر منقسمة بها كنيستين كنيسة أقلية غنية هى الكنيسة الملكية الخلقودينية والكنيسة القبطية اللاخلقيدونية أى التى لا تعترف بمجمع خلقيدونية وقد كره الأقباط السياسة التى كان يعامل بها البيزنطيين المصريين الأقباط لهذا فقد وقفوا موقف المتفرج فى الحرب التى جرت على أرضهم بين العرب القريشيين المسلمين الغزاة والبيزنطيين المسيحيين الغزاة وشعر الإمبراطور هرقل أن الشعوب فى أمبراطوريته منقسمة ولما كانت مصر جوهرة التاج البيزنطى ومزرعة القمح بها أكبر عدد من السكان لهذا كان يريد أن يجمع شعبها مع شعبه فى كنيسة واحدة وعقيدة واحدة غير منقسمة تحت رئآسة البطريرك سرجيوس بطريرك القسطنطينية بحجة أنه بطريرك عاصمة الإمبراطورية.
واعد الإمبراطور البيزنطى هرقل (610- 642) مشروع للوحدة عرف ب (المونوثيليتيه Monotheletism) وطبع هرقل مرسوم إدارى عرف بإسم (إكثيسيس Ecthesis) وعندما أرسل هذا الأمر الإدارى لمصر لفرض الوحدة الإجبارية وذلك بوضع خطة مكونة من شقين
أولا عدم ذكر مجمع خلقيدونيه سبب المشكله والخلاف، والذى يقر بوجود طبيعتين، والذى يعد مخالفا لعقيده الأقباط •
ثانيا فرض الوحده بإستعال الوسائل المتاحه وغير المتاحه الترغيب ثم التهديد او إستعمال العنف إذا أدى الأمر الى ذلك، وبالقول ان المسيح له مشيئه واحده أو رغبة واحدة أو طاقة واحدة بدلا من تعبير القديس البابا المصرى كيرلس " طبيعه واحده،للإله الكلمة المتجسد" وعرف هذا العرض ب (المونوثيليتيه Monotheletism) وطبع هرقل مرسوم إدارى عرف بإسم (إكثيسيس Ecthesis) وحمل كيروس المرسوم الإمبراطورى وصل كيروس الى الإسكندريه وبدأ بتنفيذ الخطه المتفق عليها فعقد إجتماعات وإتصل بمختلف الإتجاهات الفكريه التى رفضت هذا المرسوم خاصة أنه صدر من إمبراطور علمانى سياسى كما أن البطريرك أولوجيوس Eulogius الملكى الدخيل (580-607) التابع للقسطنطينية كان قد كتب كتاباً ضد المونوثيليتيه Monotheletism او تعليم الرغبة أو الإرادة أو المشيئة الواحدة ولكن خطابه لم يناقشه كيروس ولا سرجيوس Sergius بطريرك القسطنطينية
إكثيسيس Ecthesis هو عبارة عن أمر إدارى أى خطاب كتبه الأمبراطور البيزنطى هرقل فى سنة 638م وقد حمل هذا العرض أو الأمر الإدارى إلى الإسكندرية كيروس Cyrus of Alexandria وقد غير كلمة طبيعة واحدة بعد التجسد التى يؤمن بها الأقباط إلى مشيئة واحده المونوثيليتيه monotheletism وقد عارض هذا الرأى صوفرنيوس Sophronius وماكسيموس المعترف Maximus the Confessor وقد أرسل هرقل هذا الخطاب بالعقيدة الجديدة موقعاً من كيروس بطريرك الأسكندرية الملكى وأركاديوس الثانى فى قبرص وقد أيد أسقف روما هوناريوس الأول Honorius I عقيدة المشيئة الواحدة monothelitism ولكنه مات فى نفس السنة وخلفه الأسقف سيفرينوس Severinus الذى إعترض على خطاب هرقل فعزل من كرسيه حتى سنة 640 م كما أعترض الأنبا بنيامين على كرسوم الإمبراطور هرقل (إكثيسيس Ecthesis) وقال أن الإمبراطور حاكم مدنى ليس له دخل بالدين وعرضه أيضا الراهب الملكى صفرونيوس الذى سافر بحراً للقسطنطينية خصيصاً لإثناء الأمبراطور عن هذا الفكر إلا أن الإمبراطور رفض فعاد عن طريق البر ليزور المدينة المقدسة أورشليم وعندما شاهده أهلها وكانوا يعقدون إجتماعا ليختاروا بطريركاً فإختاروه بالإجماع لحسن سمعته وسيرته الفاضلة وإعتبروا أم وجوده فى هذه اللحظة علامة إلهية وهو البطريرك الذى عاصر غزو العب المسلمين للمدينة المقدسة وإحتلالهم لها وقد حاول البيزنطيون جمع شمل الكنيسة اتى أنقسمت فى العالم حول الخلاف على طبيعة السيد المسيح فى مجمع خلقيدونية فى منتصف القرن الخامس الميلادى فسقطوا فى بدعه جديدة وكان مجمع خلقيدونية قرر أن المسيح ليس له طبيعة واحدة بل طبيعتين منفصلتين ومتميزيتين وكل واحده لها عملها وكان البيزنطيين أصحاب الطبيعتين ضد أصحاب الطبيعة الواحدة موحده يسمون مونوفيستيس والتى أبتدع هذا الفكر هو أوطاخى وكان بعض الأباطرة البيزنطيين فى القرن السادس يشجع سراً المصريين مثل أناستاسيوس الأول والبعض الاخر يضطهدهم أثناء حكمه مثل الأمبراطور جستين او جوستين الثانى في بداية القرن السابع الميلادي، كان الحكم والسلطة الدينية في القسطنطينية، وكانت الكنيسة فى القسطنطينية التى تتبع قرارات مجمع خلقيدونية وكانت تتمتع بدعم السلطة السياسية أى بدعم الإمبراطور البيزنطى. ومع ذلك، وهذا وضعها في خلاف مع الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية فسموا لا خلقيدونيين وكانوا أغلبية الشعب في مصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين وأرمينيا. وهذا التقسيم كان يشكل خطرا في الامبراطورية التي كانت تحت التهديد من الساسانية الفارسية، وخصوصا أن الخلقيدونيين فى القسطنطينية نظروا إلى اخوتهم المسيحيين اللاخلقيدونيين أنهم يشكلون أكثر خطرا وتهديدا من أي الغازي الفارسى. وبالتالي فإن الأباطرة في القسطنطينية كانت دائما تسعى إلى إيجاد وسيلة وطريقة للتقارب لرأب صدع في الكنيسة وبالتالى للمحافظة على وحدة الدولة ومنع أعداء الإمبراطورية من الاستفادة من الانقسامات الداخلية وفى أثناء حكم الإمبراطور هرقل إتفق مع البطريرك سرجيوس بطريرك القسطنطينية على الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين وإيجاد صيغة لاهوتية ترضى الطرفين فأصدروا فكراً جديداً بأن للسيد للمسيح طاقة واحدة وكان ذلك خلال منتصف 630S. وقد كسب هذا المذهب الجديد موافقة البعض فى البداية، فقد وافق البابا هوناريوس الأول Honorius I وقام بإعطاء موافقته الخطية للإمبراطور، وكان من الواضح أن بطريرك روما كان يرى أن المشكلة بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين تكمن فى المصطلحات، وليس اللاهوت.ولكن مالبث أن هذا الموقف التوفيقي بين المذهبين المسيحين المنقسمين قد قوبل بمعارضة شديدة من قبل بطريرك القدس صفرونيوس Sophronius وكان المذهب الجديد رفض من المجمع الكنسي في قبرص ولكن بطريرك القسطنطينية سرجيوس لم يتراجع عن موقفة فقد كان يطمع فى السلطة الكنسية على الجزء الشرقى من الإمبراطورية البيزنطية، وإشترك هو والإمبراطور هرقل في 638 بإعداد صيغة معدلة تعديلا طفيفا، ودعا هذا التعديل ب، Ecthesis. وهذا التعديل كان في مسألة الطاقة المسيح لم تكن ذات الصلة. بدلا من ذلك، فقد أقروا بأن المسيح يمتلك طبيعتين، وقال انه له رغبة واحدة فقط. وهذا هو مفهوم Monotheletism، وأرسلت ال Ecthesis كفتوى أو أمر بالقبول لجميع أربعة ابطاركة (لمتروبولية) الشرقي. علقت نسخة من هذا المنشور في صحن الكنيسة آيا صوفيا، وفى ديسمبر كانون الاول 638 توفى سرجيوس الأول بطريك القسطنطينية، وبدا الأمر كما لو كان هرقل قد تكون فعلا تحقيق هدفه، مع بطاركة الشرق الموافقة على الصيغة، وكسب الكثير من الأتباع في الشرق، بما في ذلك من كيروس أو سيروس Cyrus of Alexandria الإسكندرية الذى كان قد عينه الإمبراطور هرقل بطركا ملكيا تابعاً له فى مصر وأركاديوس الثانى Arkadios الثاني من قبرص ولكن بعض هؤلاء البطاركة لم يكونوا من الكنائس الوطنية ومن أهل البلاد الأصليين ولكنهم كانوا دخلاء تابعين للمحتل البيزنطى مثل كيروس ولكن حدث في روما أنه فى خلال 638 توفي البابا بهونوريوس الأول الذي كان قد بدا لدعم البدعة المونوثيليتيه Monotheletism. وأصبح سيفيرنيوس بطريركاً Severinus الذى قام بإدانة Ecthesis إدانة صريحة، فمنع من الجلوس على المقعد البطريركى حتى سنة 640. ثم أقيم البابا يوحنا الرابع الذى رفض مذهب ال بدعة المونوثيليتيه Monotheletism تماما، مما أدي إلى حدوث انقسام كبير بين النصفين الشرقي والغربي للكنيسة الكاثوليكية. عندما وصلت إلى الإمبراطور هرقل أخبار من إدانة البابا يوحنا الرابع، كان فى وقتها أصبح الإمبراطور هرقل كبيراً فى السن ومريضاً، وكانت هذه الأخبار ومعها أخبار الغزو العربى الإسلامى لأراضى الإمبراطورية التي سارعت فى وفاته، وقد أعلن فى كلمات تلفظ بها فى آخر أنفاسه أن الجدل كله كان بسبب سرجيوس، وبأن البطريرك ضغط عليه ليعطي موافقته وهو غير راضى أو راغب أو موافق على منشور Ecthesis الذى يحتوى على هذه الهرطقة وهذه كانت المحاولة الأخيرة لتحطيم اللاخلقيدونيين (على غير االخلقزدنيين) للكنيسة البيونطية بواسطة حلا لاهوتياً إعتقدوا أنه وسطا ولكنه فى الحقيقة بدعة، أما المناطق التي كانت شعوبها غير خلقودينية سرعان ما سيطرت عليها الجيوش الإسلامية التي تدفقت من رمال العربية السعودية والتى بدأت في عام 643. ولم يكن فى وسع المحتلين الجدد المسلمين لترك غير الخلقيدونيين فى مصر والشام إلى ممارسة شعائر دينهم في سلام، والتي تناسبهم وهؤلاء أى الغير خلقيدونيين إستراحوا من مطاردة البيزنطيين الخلقيدونيين فلم تعد لديهم أحد ينغص حياتهم لتحويل معتقدهم حيث أنكسر التسلسل الهرمي للكنيسة البيزنطية الأرثوذكسية كما منعت سياسياً من التأثير القوى لتحويل غير الخلقيدونيين وضمهم بالقوة لمعتقدهم وأصبح الحاجة إلى التوصل إلى حل توفيقي لاهوتى لتقريب الكنائس ووحدتها اختفى، ولكن نرى اليوم أنه بإختفاء السياسة وحب الرئاسة السلطة إنتهى فى العصر الحديث أصبح هناك حواراً بين جميع الكنائس فى العالم لعل يكون هناك ولو وحده فى الإيمان ولكن ليس فى الإدارة وهذا أمل من العسير تحقيقة وظل بعض الأباطرة البيزنطيين يحاولوا الإنتهاء من مشكلة ال بدعة المونوثيليتيه Monotheletism. كونستانس الثاني constans II، حفيد هرقل لم يكن مؤيدا ال بدعة المونوثيليتيه Monotheletism وعزم على وضع حد للنزاع مع الغرب حولها. وبالتالي فإنه أمر بوقف كل المناقشات حول عقيدة المونوثيليتيه Monothelite كما أمر بوقف كل االتغييرات اللاهوتية لتكون كما كانت قبل اندلاع الجدل فى Monothelite، وإصدار له '''' الأخطاء المطبعية في 648 لهذا الغرض. وتجاهل الغرب إتجاه الإمبراطور كونستانس الثاني constans II بوقف المناقشات اللاهوتية وإرجاعها لما قبل ecthesis ومضى إلى أبعد من هذا فقد حدث أن أدان مجمع لاتران سنة 649 قرارات المونوثيليتيه Monotheletism فغضب كونستانس الإمبراطور الذي أمر بإختطاف ومحاكمة البابا مارتن لي ومكسيموس المعترف. وإزادت الاضطهادات من المدعين العامين المتحمسين ولم تتوقف هذه الإضطهادات إلا فى سنة 668 بسبب وفاة الإمبراطور كونستانس الثانى، وأدينت ال بدعة المونوثيليتيه Monotheletism رسميا في الاجتماع الثالث لمجلس القسطنطينية (للمجلس المسكوني السادس، 680-681) لصالح Dyothelitism، والذي وضع حدا لقضية ecthesis.
المزيد
08 أكتوبر 2025
الانقسام
قال أحد القديسين لو اجتمع عشرة آلاف من الملائكة، لكان لهم رأى واحد، للأسف حينما يجتمع عدد قليل من البشر، فإنهم يختلفون..!
والانقسام قد يكون دليلًا على وجود الذات الذات التي تعمل وحدها، بعيدًا عن روح الله والتي تريد أن تنفذ رأيها، مهما كانت النتيجة والتي لا تبالي بالنتائج الخطيرة التي يسببها الانقسام!
وما هي هذه النتائج..؟ قال أحد الأدباء تنازع نسران على فريسة، كانت من نصيب الثعلب ولهذا قال السيد المسيح "كل بيت منقسم على ذاته يخرب"، إنها عبارة ينساها المنقسمون كثيرًا ما تقوم جماعة بعمل انقسام، تترك الجو خرابًا، ثم تمضى لحالها، وكأنها لم تفعل شيئًا! بينما يطالبها الله بدم ما قد خربته بأفعالها..
الانقسام بين الأخوة يدل على عدم محبة وانقسام الصغير على الكبير يدل على التمرد، وعدم الطاعة، وعدم احترام الرئاسات وكلها خطايا وكما قد يدل الانقسام على كبرياء في النفس، واعتداد بالذات. وغالبًا ما يكون أب الاعتراف خارج الدائرة في كل هذا، لا يستشار في شيء في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، وبخهم على الانقسام، ووصفهم بأنهم جسديون (1كو3) ذلك لأن المنقسمين بعيدون عن وحدانية الروح إن أعضاء الجسد الواحد تتعاون معًا لخير الذي يتعاون فيه الكل معًا والوحدانية تحتاج إلى احترام الرأي الآخر، وعلى الأقل التدريب على التعامل مع الرأي الآخر، دون ثورة، ودون غضب، ودون تشهير، ودون تحطيم نصيحة نقولها لكل من يسير في طريق الانقسام حاول أن تكسب غيرك، بدلًا من انقسامك عليه كُن موضوعيًا، وابعد عن المسائل الشخصية دَرِّب نفسك على التعاون وروح الجماعة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
07 أكتوبر 2025
المرأة الخاطئة في بيت الفرّيسي
حادثة لقاء المرأة الخاطئة بالسيّد المسيح فى بيت الفرّيسي (لو7)، هي حادثة فريدة مملوءة بالأسرار إذا أردنا أن نقترب منها لكي نفهمها، فسيلفت نظرنا بعض المُفردات التي جاءت في حديث السيّد المسيح، إذ أنّ المرأة لم تتكلّم قطّ، لقد عبّرت فقط بدموعها وقُبلاتها وطِيبِها..!
جاء في حديث الربّ يسوع بعض المفردات الهامّة، مثل: الدَّيْن - الحُبّ - الإيمان - الغفران - الخلاص - السلام وكلّ كلمة تحتاج إلى الوقوف عندها كثيرًا والتأمُّل في معناها..!
تبدو المرأة وقد جاءت للسيّد المسيح كمريضٍ، متألِّم، مُعَذَّب، مأسور بمرض لعين، يطلب الشفاء والراحة والحرّيّة والسلام.. فالخطيّة بالفِعل مرض خطير جدًّا يستعبِد الإنسان ويحطِّمه من الداخل والخارج، ويدمّر مشاعره وإرادته بالتدريج حتّى ينهار بناؤه تمامًا لقد أدركت هذه المرأة أنّها في وضع لابد من تغييره، ولذلك تمسّكت بقدميّ السيّد ولسان حالها يصرخ مع يعقوب أبّ الآباء: "لا أُطلِقك إن لم تباركني" (تك32: 26).
يبدو لي أنّ توبة هذه المرأة قد بدأت في وقت سابق وظهرَت بقوّة في هذا الموقِف وهذا يتوافق مع كلام السيّد المسيح عن الدَّيْن فقد تمتّعت هذه المرأة بحُبّ واهتمام الربّ بها وتحريرها من عبوديتها للخطيّة، وعندما كَسَرَ سلطان الشيطان عنها، أُسِرَتْ بحبّه وجاءت مُعترفةً بفضله لقد دفع المسيح ديونها، أو بالأحرى سامحها بما كانت مديونة به، فصارت مديونة لحبِّه فتملّك حُبّه على كيانها، وبدأت دموعها تفيض بغزارة عند رجليْهِ اللتيْن حرّرتاها من العبوديّة، وانطلق فمُها لا يكُفّ عن تقبيل قدميه لقد كانت هذه هي لغة الشكر والتمجيد التي استخدمتها للتعبير عن مشاعرها المغلوبة من محبّته.
كان شعورها بالدَّين الكبير الذي وفّاه المسيح عنها دافِعًا لها لكي تأتي بإيمان، وتطلب الغفران والمراحم بدموع غزيرة وقبلات لا تتوقّف، لتحنِّن قلب المُدَايِن، فنالت بالفِعل الغفران والخلاص والسلام وهذه هي التوبة بوجه عام؛ مكانها عند أقدّام المسيح، أسلوبها الخشوع والدموع والقبلات، وثمرتها الغفران والسلام والفرح.
الناموس لا يعرف غفران الخطايا، ولكن كنيسة العهد الجديد تعرف وهذا ما تقدِّمه لنا الكنيسة في كلّ صلاة ليتورجيّة نحضرها بتوبة وخشوع، إذ تصلِّي لنا التحليل في نهاية كلّ صلاة من أجل غفران خطايانا وتطهير حياتنا وملئها بالبركة الإلهيّة.
تَمَيّز سلوك هذه المرأة في تلك الحادثة بتواضُع عجيب، بدونه لم تكُن تقدر أن تفعل ما فعلته، فالتواضع صديق التوبة وسندها، بعكس الكبرياء الذي يعطّل دائمًا التوبة ويقف أمامها كحجر عثرة أيضًا نلاحظ أنّ المرأة كانت في حالة تركيز شديد على شخص المسيح العريس الحبيب، والطبيب الوحيد القادر على شفاء جراحاتها، فلا أعتقد أنّها رفعت نظرها إطلاقًا لترى شخصيّات المدعوّين المتّكئين في البيت وأخيرًا فهي قامت بتقديم أغلى ما لديها من دموع ثمينة وقُبلات حارّة وطِيب غالي الثمن، وحتّى شَعْرها الذي كان تاج جمالها صارت تمسح به قدميّ يسوع..!
التلامس مع قدمي المسيح في التوبة المُنسحقة يجعل قلوبنا تتلامس مع حُبّه فنحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلاً (1يو4: 19) ولذلك في توبتنا نصلّي كلّ ليلة كما علّمتنا الكنيسة في صلاة نصف الليل: أعطِني يارب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيتَ منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلني مُستحقًّا أن أبِلّ قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة، وأقدّم لكَ طيبًا فائقًا، وأقتني لي عُمرًا نقيًّا بالتوبة.
القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو
المزيد
06 أكتوبر 2025
أسرة صموئيل النبى
في الأصحاحين الأولين من سفر صموئيل الأول، يحكي الكتاب المقدس قصة هذه الأسرة المكوّنة من ألقانة الأب وحنة الأم والطفل الصغير صموئيل النبي وفي هذه الأسرة يمكننا أن نرى الكثير من الدروس الروحية والتربوية للأسرة المسيحية
ألقانة الزوج:-
1- يحدثنا الكتاب عن ألقانة الزوج الذي يقدم لنا نموذجًا رائعًا لحكمة تعامل الزوج مع زوجته،ومساندته لها في ضيقتها فقد كانت حنة تُعيَّر كل يوم من فننة زوجة ألقانة الأخرى لأنها امرأة عاقر،لكن زوجها الحكيم كان ماهراً أن يطيّب قلبها فكان يعزيها «أما أنا خير لك من عشرة بنين؟ »، فقد كان ألقانة الأب ماهراً أن يشجع زوجته التي تعاني من صغر النفس، وكان سندًا قويًا لها ليعطيها روح الرجاء.
2- يذكر الكتاب أيضًا مواظبة ألقانة واسرته للصعود إلى شيلوه، الموضع الذي تسكن فيه خيمة الاجتماع، ليقدم الذبائح. فقد كان القانة ملتزمًا بالشريعة الإلهية رغم أن الكهنة حفني وفنحاس أولاد عالي الكاهن لم يكونا ملتزمين بالشريعة، فلم يكن القانة يتعامل مع الرب من خلال ضعفات الخدام هناك، بل كان يقدم لنا مثلاً كيف أننا يجب أن نرتبط ببيت الرب، غير ناظرين إلى أيّة عثرات يمكن أن نواجهها.
الزوجة حنة:-
1- دخلت حنة إلى موضع بيت الرب في شيلوه، وكانت تصلي من كل قلبها، ورغم العثرات الموجودة هناك لم يدخل إلى قلبها أو فكرها، ولا ظهر في كلماتها، أي فكر إدانة من جهة أي من خدام المسكن. كانت حنة مُرّة النفس تعاني بسبب عقوريتها، كما أنها رأت أنه ليس هناك من يتمّم إرادة الرب في الهيكل، وكانت غيورة على مجد الرب، لذلك اشتهت أن يهبها الرب طفلً حسب قلبه ليخدمه بطهارة وبر أمامه كل الأيام، فقد فكرت أن تساهم مساهمة إيجابية بدلً من أن تدين الآخرين.
2- صلّت حنة صلاة نقية مقبولة، فكانت صلاتها باتضاع شديد، وقدمت وعدًا أمام الرب أن تقدم طفلها الذي يهبه الرب لها ليخدم بيت الرب، وكانت صلاتها أيضًا بلجاجة، حتى أن عالي الكاهن ظنّها سكرى إذ أكثرت الصلاة. كانت صلاتها أيضًا هادئة، فكانت شفتاها فقط تتحركان وهي قائمة تصلي في صمت. وكانت تتكلم في
قلبها، وهي واثقة أن الرب لابد أن يجيب طلبتها،فقد مضت بعد صلاتها ولم يكن وجهها متضايقا بعد، فقدمت لنا مثالً عن الصلاة المتضعة المنسحقة واضحة الهدف، ولكن دون انفعالات أو اساليب غير وقورة كما نرى البعض يصلي الآن على كثير من الفضائيات. فالصلاة ليست بمقدار الضوضاء والإعلان فيها، بل بمدى الهدوء والإيمان والانسحاق فيها.
3- كانت حنة تمثل الأم التي تومن بحياة التكريس، فقد ارتضت أن تقدم طفلها الوحيد الذي يهبه لها الرب لخدمة بيت الرب، ولم تغلبها قط مشاعر أمومتها التي حُرِمت منها لسنوات، كما تذكر الآيات الكتابية كيف أنها قدّمت ابنها للرب بفرح، فقد اصطحبته ومعها تقدمة أيضًا لبيت الرب، فلم تحزن أن تتمّم نذرها أمام الرب.
4- كانت حنة وألقانة والدا صموئيل الطفل متفقيْن في الرؤية ومنهج التربية، فلم يعترض ألقانة على نذر زوجته، بل وافق على تقددمتها للطفل ليخدم بيت الرب.
5- كانت حنة تنتمي بكل قلبها إلى بيت الرب، فقد كلّمت عالي الكاهن أنها صلّت هناك والرب قبل طلبتها فهي تقدم لنا مثلً في الارتباط بكنيستنا، الموضع الذي وُلِدنا فيه ثانية، والمكان الذي شهد آلامنا وشكاوانا للرب فهي تمثّل الإنسان الأمين لكنيسته، والذي لا يتركها لأيّة إغراءات أو تيارات فكرية أخرى.
6- أخيراً كانت حنة تصنع لابنها جبة جديدة كل عام، وكانت تقدمها له وهي تطمئن أنه لازال في الطريق الروحي المستقيم، وأنه لم يترك طريق الرب، فقد كانت أُمّا تربّي وتتابع وتحرص أن تعلم ابنها الالتزام، حتي بعد أن أخذ صورة التكريس،وتعلمه أن لا يفقد مبادئه الروحية الصحيحة كانت أسرة صموئيل النبي أسرة مثالية،تستحق أن تكون مثلً للأجيال ولكل الكنيسة.
نيافة مثلث الرحمات الانبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح و الخمس مدن الغربية وشمال إفريقيا
المزيد
05 أكتوبر 2025
إنجيل قداس الأحد الرابع من شهر توت لو ٧ : ٣٦ -٥٠
"وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي وإتكا وإذا إمرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت أنه متكى في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب ووقعت عند قدميه من وراءه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلا لو كان هذا نبياً لعلم من هذه الامرأة التي تلمسه وما هى أنها خاطئه فأجاب يسوع و قال له يا سمعان عندى شيء أقوله لك فقال قل يا معلم كان لمداين مديونان على الواحد خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً فقل أيهما يكون أكثر حبا له فأجاب سمعان وقال أظن الذي سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان أنتظر هذه المرأة إنني دخلت بيتك وماء لأجل رجلى لم تعط وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها قبلة لم تقبلني وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلى بزيت لم تدهن رأسي وأما هی فقد دهنت بالطيب رجلى . من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها أحبت كثيراً والذى يغفر له قليل يحب قليلا ثم قال لها مغفورة لك خطاياك فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً فقال للمرأة إيمانك قد خلصك إذهبي بسلام" .
المرأة الخاطئة
وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بیت الفريسي وإتكا وإذا إمرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب ووقفت من وراءه باكية وابتدأت تقبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها و تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب قصة توبة المرأة الخاطئة مليئة بمشاعر يصعب على الإنسان أن يعبر عنها لأن هذه المرأة في توبتها لم تتكلم كلمة واحدة لم تفتح فاها فكيف نتكلم نحن عما عجزت هي ذاتها عن التعبير عنه ؟ لقد أذابت كل مشاعر التوبة و كل فكر الرجوع إلى الله في دموعها وسكبتها غزيرة على قدمى المخلص حتى بللت قدميه ، ولنتصور كمية الدموع التي زرفتها حتى غسلت قدمى يسوع لقد ابتكرت هذه المرأة بسلوكها العجيب طريقاً جديداً للتوبة علمت به الكنيسة كلها في كل الأجيال وصارت أعلى مثل لقوة التوبة وجراة الوصول إلى قدمى يسوع .
ابتدأت تبل قدميه بالدموع
الدموع هى علامة العجز عن التعبير ،فعندما تتغلب المشاعر القلبية يصمت الفم وتتكلم العيون بلغة هي أسمى من كل كلام وأقوى من كل لسان لكن ترى ماذا تريد هذه المرأة أن تقول بدموعها التي سكبتها على قدمى المخلص ؟
هل تريد أن تقول انها خاطئة جداً جداً وانها شاعرة بنجاسات خطيتها ولا تستطيع أن تعبر عن ثقل خطاياها بالكلام أم أنها ترى نفسها عاجزة عن التعبير عن مدى العمق والهوة السحيقة التى صارت إليها وهى كمثل طفل مفقود من أبيه ظل في شروده تائها غير مدرك مرارة البعد عن الأب حتى وجده أبوه في لحظة فانفجر الطفل باكياً في دموع اللقيا يشكو البعد والضياع ويبكي في حنين على صدر أبيه أم انها حالما نظرت المخلص الحبيب وأدركت مشاعرحبه الإلهى نحو الخطاة ونحوها هى بالذات رغم كثرة خطاياها انفجرت تبكى بإحساس عدم الإستحقاق للحب الإلهى وشعور بالتقصير والتأخير في السعى نحو هذا القلب الحنون .أم أنها أدركت بعين النبوة حينما نظرت إلى قدمى يسوع ، أحست للحال ما ستتحمله هاتان القدمان وهما تسيران نحو الجلجثة ورأت الرب يسلم قدميه للمسامير من أجلها لكي يخلصها وينقذها من طريق الخطية والموت فانسكبت تبكي و تبل قدميه بالدموع أم انها عندما لمست قدميه أدركت مقدار الفارق المهول بين نجاسة خطاياها وقذر أيديها و بين الطهر اللانهائي للرب القدوس فسكبت دموعها لعلها تضمل آثار نجاسة أيديها التي لمست بها قدميه الطاهرتين لابد أن يكون قلب المرأة قد إمتلأ بمثل هذه المشاعر بل ومن المؤكد أن أفكاراً مقدسة وسامية جداً كانت مختزنة ومكنونة فى قلبها منتظرة فرصة للتعبير فلما وجدت منفذاً إنفجرت ينابيع دموعها بلا توقف وكأن شمس البر ( يسوع ) عندما أشرقت عليها أذابت للحال ثلوج خطاياها فأسالت دموعها .
جاءت من ورائه
قال الرب عن العشار التائب أنه لم يشأ أن يرفع عينيه إلى السماء هكذا كانت هذه المرأة ، جاءت من ورائه في إتضاع وإحساس بعدم الإستحقاق ومخافة وخجل كثير وعيناها مملوءتان دموعاً ومطرتتين إلى أسفل ( إيه يا نفسى غير التائية كم من مرة وقفت بجرأة وعدم خشوع أمام الله ! ) ما أقدر هاتان العينان على إستدرار مراحم الرب الحنون الذي قال : ( حولى عينيك فإنهما غلبتاني) . .
بين الفريسي والمرأة الخاطئة
هوة عظيمة وبعد شاسع يفرق بين سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة صحيح ان سمعان إستضاف الرب يسوع في بيته ولكن المرأة الخاطئة أدخلت الرب إلى قلبها وحياتها سمعان قدم للرب طعاماً مادياً وصنع وليمة ليفتخر بها أنه أضاف الرب ولكن معلوم أن للمسيح طعاماً آخر عرفته المرأة الخاطئة فشبع الرب بتوبتها وارتاحت نفسه في دموعها ورجوعها سمعان إتكأ بجوار المخلص في كبرياء وإعتداد بالنفس أما المرأة الخاطئة فلم تحسب نفسها أهلا للمس قدميه سمعان لم يقبل الرب في وجهه أما المرأة الخاطئة إذ علمت مقدار حب الحبيب لم تشبع ولم تكف عن تقبيل قدميه سمعان لم يغسل قدى المخلص بماء ولكن هذه المرأة بللت قدميه بدموعها سمعان لم يدهن رأس المخلص بزيت أما هذه فقد دهنت بالطيب قدميه أعرفت أيها الحبيب الفارق العجيب بين هاتين العينين ؟!
توجد نفوس كثيرة منشغلة بما يسمونه خدمة للمسيح مثل سمعان الفريسي ، ويسكتون ضمائرهم بأنهم يعملون من أجل ولائم أو حفلات أو إجتماعيات ولكن أين قلوبهم وأين توبتهم ؟ إن الرب يسوع لا ترضيه ولائم مادية أصحابها قلوبهم منشغلة بالعالم ولا يسر بعطايا مقدمة من إناس ليس لهم توبة ولا دموع ولا حب مثل المرأة الخاطئة. إن توبة مثل هذه المرأة قدام الرب لهى أثمن من كل عطايا الناس وهي في نظر المسيح أعظم من مشاريع ضخمة وأعمال عظيمة في نظر الناس ليتنا قبل أن نقدم عطايانا نقدم قلوبنا وقبل أن ندعو الرب إلى وليمة في منزلنا نسكب دموعنا على قدميه ليقبل حبنا وينعم لنا بغفران خطايانا هذه المرأة أحبت كثيراً ومن أجل ذلك غفرت لها خطاياها الكثيرة ثم التفت إلى المرأة وقال لها ( مغفورة لك خطاياك إذهبي بسلام إيمانك خلصك) يا للفرح الذي يتمتع به القلب التائب ، ويا للسلام الإلهى الذي يحل فى داخل النفس عوض الدموع وقرع الصدر والندم وكلمات التأنيب في داخل النفس يشرق الرب بنوره فيبدد الظلمة ويقول كلمة سلام فيستقر فى داخل النفس سلاماً إلهياً لا يعبر عنه أيحن المشتكين على هذه المرأة ؟
سمعان والمتكئين وجموع الذين يحركهم الشيطان للشكوى على أولاد الله حقا ما قاله معلمنا القديس بولس الرسول : « من سيشتكى على مختارى الله ؟! من الذي يدين ؟ المسيح هو الذي يبرر لقد وقف الرب كراع صالح يحمى خروفه الصغير الذي إلتجأ إليه تحت ظل جناحيه ويدفع عنه هجمات الذئاب الخاطفة طوباك أيتها المرأة التي بدموعها إستحقت أن تسمع كلمات عزاء من فم الرب نفسه أعطنى يا رب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلنى أبل قدميك اللتان أعتقتاني من طريق الضلالة ، وأقتنى لى عمراً نقياً بالتوبة لكي أسمع أنا ذلك الصوت الممتلى. فرحاً القائل " إن إيمانك خلصك".
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات روحية فى قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية
المزيد
04 أكتوبر 2025
المحبة
يقُول القديس يُوحنا الرسُول فِى رِسالتهُ الأُولى إِصحاح 4 عدد 8 [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله لأنّ الله محبّة ] ، بِما أنّ جوهر المسيحيّة هى المحبّة ،وَرُبّما كثيراً ما نتكلّم عَنْ المحبّة ، لكِن يبدو أنّ الكلام شىء وَالعمل شىء آخر،وَيبدو أنّ المواعيد الإِلهيّة تتحقّق بِسبب أنّ [ وَلِكثرِة الإِثم تبرُد محبِّة الكثيرين ] ( مت 24 : 12 ) ،فإِنْ بحثنا عَنْ المحبّة الحقيقيّة نادِراً ما نجِدها،وَلكِن الكلام ما أسهلهُ لِذلِك أحِب أنْ أتكلّم اليوم عَنْ المحبّة [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله لأنّ الله محبّة ] ، شُوفوا مِثلاً مُعلّمِنا يُوحنا الرسُول الّذى تُلّقِبهُ الكنيسة رسُول المحبّة – وَهُوَ أطول الرُسُل عُمراً عاش لِبعد 100 سنة – لِدرجِة أنّهُ كان يدخُل الكنيسة محمول على الأكتاف مِنْ كِبر السِن ، فكان لمّا يعِظ كما إِعتاد الرُسُل على الوعظ يقُول [ وصيّة جديدةً أنا أُعطِيكُمْ أنْ تُحِبُّوا بعضكُمْ بعضاً] ( يو 13 : 34 ) ، هل هذِهِ وصيّة جديدة نحنُ نعرِفها ؟ نعم مهما أوصيت عَنْ المحبّة ستبقى المحبّة بإِستمرار وصيّة جديدة لأنّ [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله لأنّ الله محبّة ] مُعلّمِنا يُوحنا الإِصحاح 4 عدد 11 يقُول [ أيُّها الأحِبّاء إِنْ كان الله قَدْ أحبّنا هكذا ينبغِى لنا أيضاً أنْ يُحِب بعضُنا بعضاً 0الله لَمْ ينظُرهُ أحدُ قط إِنْ أحب بعضُنا بعضاً فالله يثبُت فينا وَمحّبتهُ قَدْ تكمّلت فينا ] لِذلِك أُريد التحدُّث معكُم فِى نُقطتين :-
(1) ما هى المحبّة ؟ (2) ثِمار المحبّة
وَلو أحّبِت النِعمة ، وَلو أحّبِت المحبّة سنُكمِل مجالات المحبّة فِى مرّة أُخرى 0
ما هى المحبّة ؟
هى الله ، الله محبّة ،وَكما أنّ الله غير مفحُوص ،وَغير محوى ، فالمحبّة غير مفحُوصة ،كما أنّ الله هُوَ لاهُوت لاَ يدنُى مِنه ، وَالمحبّة لاهُوت لاَ يُدنى مِنهُ ، لِذلِك فِي سِفر نشيد الأناشيد نجِد تعرِيف حلو عَنْ المحبّة يقُول [المحبّة قويّة كالموت ] ( نش 8 : 6 ) ، الموت قوِى لاَ أحد يعرِف يغلِبهُ ، لَمْ يستطع أحد أنْ يغلِب الموت إِلاّ واحِد هُوَ يَسُوعَ المسيح ، لكِن المحبّة قويّة كالموت يقُول القديس يُوحنا الرسُول إِنّ [ مياه كثيرة لاَتستطيع أنْ تُطفِىء المحبّة وَالسيُول لاَ تغمُرها ] ( نش 8 : 7 ) ، كأنّها نار جبّارة ، فالمحبّة هى أساس البُنيان ، أساس الكمال ، أساس البيت ، هى أساس العالم ، أساس معرِفة الله ، عشان كده قال [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله ] لِذلِك مُعلّمِنا بولس الرسُول فِي رِسالته لِكُولوسِى قال[إِلبسوا المحبّة التّى هى رباطُ الكمال ] ( كو 3 : 14 ) ، كأنّ المحبّة ثوب وَيُوصِى أنْ نلبِسه ، لمّا ألبِسها وَأخِى يلبِسها سنصير كُلِّنا لابسين شىء واحِد ، وَعِندما يحدُث هذا نصير كُلِّنا واحِد ، مُكمِّلين لِواحِد ، أنا أخاف عليك وَإِنت تخاف علىّ وَالآخر هكذا للأسف أجِد أحياناً أنّ كُلَّ واحِد يُحِب نَفْسَه ، وَنُغّذِى هذا الأمر ، وَلمّا تأتِى سيرِة أحد وَيكُون مِنْ الأقارِب المُقرّبين وَتأتِى سيرتهُمْ أجِدِك تتحدّثِى عنهُمْ بِكلام صعب ، أين المحبّة ؟ وَمُمكِن أنّ هذا الكلام ينتقِل دُون أنْ تشعُرِى أوْ بإِرادتِك ، وَتتحدّثِى عَنْ إِخوتِك مَعْ أولادِك ، وَتبحثِى ماذا تُريد أُختِك أنْ تفعل وَتفعلِى أكثر مِنها ، وَتبحثِى عَنْ أولاد أُختِك ماذا يفعلُون فتجعلِى أولادِك يفعلُون الأكثر عملياً أين المحبّة ؟ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله ، نحنُ نتكلّم كلام نظرِى ، سوف نخسر الأبديّة ، مِنْ أوسع الطُرق وَللأسف أسهل الطُرُق وَساعِتها نقُول ( يا رِيتنا ) ، لو كُنّا عرفنا أنّ المحبّة هى التّى توصّلنا إِلَى الله كُنّا تمسّكنا بالمحبّة ، تمسّكنا بالحياة ، وَتمسّكنا بأنفُسنا لأنّهُ قال [ تُحِب قريبك كَنَفْسَكَ ] ، فهى أساس البُنيان ، أساس البيت ، أحياناً فِى البيت الواحِد يتكلّموا عَنْ بعض أنا أحياناً أكُون خجلان أسمع مُشكِلة بين إِخوات أوْ بين زُوج وَزُوجة ، إِنت بِتتكلّم عَنْ مين ؟ عَنْ زُوجتك أُم أولادك ، إِنتِ بِتتكلّمِى عَنْ مين ؟ عَنْ زُوجِك أبو أولادِك أين المحبّة ؟ المحبّة تهتّز ، متى المحبّة تهتّز ؟ عِندما أنظُر إِلَى نَفْسِى وَأرى عيوب الآخرين ، وقتها يدخُل عدو الخير بالخِداع وَالمصيدة تُنصب ، وَالألسِنة تكثُر وَالكلام يكثُر وَالشيّطان ينشط وَتهرب المحبّة وَيهرب الله ، وَندخُل الجلسة نشعُر أنّنا لسنا فِى حضرِة الله ، طالما الله غير موجود فِي وسطنا لأنّهُ عِندما يجِد جو مِثل هذا ينسحِب المحبّة هى التّى دفعت الآب أنْ يبذُل إِبنهُ لَمْ يمسِك إِبنه عنّا ، وَهكذا نقُول لهُ [ حُبّك غلبك وَتجسّدت ] ، إِنت إِتغلبت مِنْ محبِّتك وَإِتجسِّدت لأجلِنا ،وَهكذا يقُول القديس يُوحنا الرسُول [ نحنُ نُحِبُّهُ لأنّهُ هُوَ أحبّنا أولاً ] ( 1 يو 4 : 19 ) ، أحّبنا بِلاَ سبب وَهكذا يقُول الإِنجيل [ لأنّهُ هكذا أحبَّ اللهُ العالم حتّى بذل إِبنهُ الوحيد لِكى لاَ يهلك كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِهِ بل تكُونُ لهُ الحيوة الأبديّةُ ] ( يو 3 : 16 ) ، هكذا أحبّنا أولاً ، فضلاً ،بِلاَ سبب ، لِماذا أحبّنا ؟ ما هُوَ السبب ؟ لو نظرنا ما الّذى لدينا لِكى يحبِّنا وَيعمل معنا هكذا ؟ نجِد لاَ شىء ، فهو أحبّنا بِلاَ سبب ، أحبّنا فضلاً ، محبّة مثلما قال عنها مُعلّمِنا بولس الرسُول [ وَتعرِفُوا محبّة المسيح الفائِقة المعرِفة لِكى تمتلِئُوا إِلَى كُلّ ملء اللهِ ] ( أف 3 : 19 ) لِذلِك النّاس الّذين تسكُن فِيهُم محبّة الله ، سيكُون فِيهُم حُب الله ، وَيسكُن فِيهُم عمل الله ، يسكُن فِيهُم صِفات إِلهيّة ، الحُب يُبادِلوه بِحُب ، وَالعِشرة بِعشرة ، وَالحياة بِحياة ، وَالغيرة بِغيرة ، وَالعِشق بِعشق ، وَالمُعانقة بِمُعانقة أنت أحببتنِى إِلَى المُنتهى ، المحبّة التّى مُطالبين بِها مَعْ إِخوتنا ليست مِنّا لأنّنا لاَ نستطيع أنْ نُحِب هذِهِ المحبّة مِنْ ذواتنا ، لكِن هُوَ أوصانا وَقال لنا فِي يوحنا إِصحاح 13[ أنا أُعطِيكُمْ أنْ تُحِبُّوا بعضكُمْ بعضاً كما أحببتكُمْ أنا ] ( يو 13 : 34 ) ،مثلما أنا أحببتكُم ، لاَ تأتُوا بِمحبّة مِنْ عِندكُمْ خُذوا حُبِّى نموذج لِمحبّتِكُمْ [ بِهذا يعرِف النّاس أنّكُمْ تلاميذِى إِنْ كان لكُم حُب بعضكُمْ نحو بعض ] ، بِهذا يعرِف النّاس ، بالمحبّة ، المحبّة الغافِرة ، المحبّة المُضحية ، المحبّة التّى بِحسب قلب الله ، المحبّة التّى تأخُذ مِنهُ وَتُعطينا ، لأنّهُ قال هكذا [ لأنّ محبّة الله قَدْ إِنسكبت فِى قلُوبِنا ] ( رو 5 : 5 ) شُوف لمّا تجيِب كوبايّة وَتكُب الّلِى فِيها ، هكذا أحضر الله محبّتهُ وَسكبها داخِل قُلُوبِنا ، إِنّ محبّة الله قَدْ إِنسكبت فِى قُلُوبِنا ، صعب جِدّاً أنْ أُحِب أخِى دُون أنْ يكُون عِندِى مصدر المحبّة مِنهُ هُوَ ، المحبّة هى أساس البُنيان ، المحبّة مِنْ الله لِذلِك النَفْسَ المليئة بالمحبّة تكُون ملآنة غِيرة على إِخواتها ، ملآنة محبّة ، مليئة بالإِتضاع ، تبحث كيف تُقدِّم شىء لإِخواتها ، محتاجين له ، يسعوا إِليه وَمحتاجين إِليه ، تبحث كيف تُعطِى وَلاَ تنتظِر مُقابِل لأنّها محبّة مِنْ الله ماذا ينتظِر الله مِنْ الإِنسان ؟ ما الّذى يُمكِن أنْ نرُد بِهِ الجميل لِربِنا ؟ ماذا يُمكِن أنْ نعمل معهُ ؟ لاَ نعرِف نُقدِّم لهُ شىء لأنّنا عبيد بطّالين ، لكِن هُوَ أحبّنا فضلاً ، هكذا أحبّنا وَأحبّنا بِلاَ سببٍ ، أحبّنا دُون أنْ ينتظِر مِنّا مُقابِل لِذلِك قال داوُد النبِى [ بِماذا أُكافِىء الرّبّ عَنْ كُلّ ما أعطانيه ؟ ] ، لاَ أعرِف أُكافِئك لأنّك غالِى وَعالِى وَالّذى أُقدِّمهُ أنا لك مهما قدّمت يكُون رخيص وَحقير بالنسبِة لك ، لِذلِك عِندما يُدرِك الإِنسان محبّة الله لهُ يبدأ يشعُر بِغِنى محبّة لإِخواتِهِ ، كيف أكره أخِى وَالله يُحِبّه ؟ كيف لاَ أُحِب أخِى الّلِى المسيح مات لأجله ،هكذا قال مُعلّمِنا بولس الرسُول كيف تُعثِر وَتُتعِب أخوك [ لاَ تُهلِك بِطعامك ذلِك الّذى مات المسيحُ لأِجلِهِ ] ( رو 14 : 15 ) ، فبدأ ينظُر لِكُلّ واحِد أنّ المسيح مات علشانه ، كيف أخُذ موقِف مِنهُ أو أكرههُ ؟ أىّ شخص حتّى وَلو كان غير مؤمِن ، المسيح مات مِنْ أجل العالم ، هذا وَذاك الّذى فِى أمريكا وَالصين وَالهِند وَرُوسيا يا سلام يارب مُت لأجل هؤلاء ، مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ مات لأِجلِ الفُجّار ] ( رو 5 : 6 ) ، [البار مِنْ أجل الأثمة ] ( 1 بط 3 : 18 ) ، أىّ أنّ المسيح أحبّ الفُجّار وَأنا لاَ أستطيع أنْ أُحِب أخِى ، لاَ أستطيع أنْ أُقدِّم محبّة ، أُحِب قريبِى ، لاَ أستطيع أنْ أسامِح وَأغفِر وَكرامتِى لاَ تسمح ، وَذاتِى لاَ تسمح [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله لأنّ الله محبّة ] ، هُوَ مصدر المحبّة ، هُوَ أساس بُنيان حياتنا ،أىّ محّبِتنا لله وَمحبّة الله لنا وَمحبِّتنا لإِخواتنا لِذلِك مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول فِى رِسالتهُ لِتلميذه تيموثاوس إِصحاح 1 عدد 5 [ وَأمّا غاية الوصيّة فهى المحبّة مِنْ قلب طاهِر وَضمير صالِح وَإِيمان بِلاَ رِياء ] كلِمة " غاية الوصيّة " يعنى " هدف الوصيّة " لاَ تنظُر إِلَى نَفْسَكَ وَمصلحتك وَ لاَ تُغذِّى ذاتك ، إِنْ كُنّا نسير وراء هذِهِ الأُمور سنخسر أنفُسنا وَنخسر الملكُوت وَنخسر الله ، وَبعد ذلِك ماذا نقُول لله عِندما نقِف أمامه ، لِذلِك كُلّما يُدرِك الإِنسان محبّة الله لهُ كُلّما أدرك غُفرانه وَخلاصه ، يبدأ يسامِح أخوة وَيغفِر ، لِماذا تسامِح ؟ لأنّ المسيح أحبّنِى كثيراً ، لأنّهُ غفر لِى كتير ، صابِر علىّ كتير وَمطّوِل باله علىّ كتير ، فآتِى أنا على شىء صغير لاَ أغفِر زى فِى الكِتاب المُقدّس الرجُل الّذى عليه 500 دِينار وَقال لِصاحِب الدين لاَ أملُك حتّى وَلو بِعت نَفْسِى مقدرش أوّفِى الدين الّلِى علىّ ، فسامحهُ ، وَخرج هذا الشخص المديُون وَتقابل مَعْ آخر كان لهُ عِندهُ 5 دِينار ، فقال لهُ ليس معِى سامحنِى ، فرفض أنْ يُسامِحهُ وَطلب أنْ يُمسك وَيُوضع فِى السِجن ، وَلمّا عرف الرجُل الّذى سامح عَنْ الدين الكبير أحضرهُ وَقال لهُ أنا تركت لك 500 دِينار وَأنت لَمْ تترُك الخمسة ، إِذن إِحضِر لِى ما عليك صدّقونِى ياأحبّائِى هذا المثل سيحدُث فِينا فِى الأبديّة ، ماذا كُنت تطلُب مِنْ أخيك ؟ ماذا كُنت تُريد مِنهُ ؟ لك الكثير فأنا تركت لك عُمرك كُلّه وَأنت تتكلّم فِى تفاهات ، إِذن أنت لاَ تستحِق عطاياى ، أنت لاَ تستحِق محبّتِى ، أصرُخ وَلكِن [ يصرُخ وَ لاَ يُستجاب لهُ ] ، ربِنا يرحمنا وَيفّوقنا الآن لأنّ فِى الأبديّة بِماذا تفيد كلِمة [ ليتنا ] ، لأنّ الّذين قالُوا ربنا ربنا إِفتح لنا فقال لهُم لاَ أعرِفكُم ،فالإِنجيل يُعطينا أشياء لاَ نستطيع أحياناً أنْ نستوعِبها [ أحِبّوا أعدائكُمْ بارِكُوا لاعِنِيكُمْ أحسِنُوا إِلَى مُبغِضِيكُم ] ( مت 5 : 44 ) ما هذا الكلام ياربِى ؟ كلام صعب جِدّاً ، أحِب عدّوِى ، أُبارِك الّذى يلعنِّى ، أُحسِن للّذى يكرهنِى ، وَنأخُذ فِى الحُسبان أنّ هذِهِ الوصايا الثلاث بِها تدرُّج ، " المحبّة " أقل ، " أُحسِن " أعلى بِقليل ، " أُبارِك " أعلى وَأعلى زى لمّا نقُول لِشخص حِب ، يقُول لاَ أستطيع كيف ؟ وَهذِهِ هى البِداية ، فبعد المحبّة هُناك أنْ تُحسِن ، فيقُول إِنْ كُنت لاَ أستطيع أنْ أُحِب كيف لِى أنْ أُحسِن ؟ فنقُول لهُ هُناك الأعلى وَالأعلى تُحِب وُتُحسِن وَتُبارِك ، فِى حين أنّ الثلاثة فِيهُمْ تدرُّج للأصعب عدو مُبغِض يلعن ، للأصعب مِنْ الناحيتين التّى عِندِى وَالتّى على الّذى أمامِى ، فالمفرُوض أنّك تُبادِل عدم المحبّة بِمحبّة أكثر ، العدو تُحِبّه ، الّذى يُبغِض تُحسِن لهُ ، وَالّذى يلعن تُبارِكهُ ، أىّ أنّهُ هُو يكتّر وَأنا أكتّر ، نعم هُوَ يكتّر فِى كُرهه وَأنا أكتّر فِى محّبتِى ، ما هذا ؟ المحبّة لأنّ المحبّة هى الله لِذلِك نظرنا ناس إِقتنُوا المحبّة ، رغم أنّهُم ليس لهُم معرِفة كثيرة بِباقِى الوصايا ، فنجِد الله أجلسهُم على كراسِى عالية جِدّاً ، [ لأنّ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله ] كان دائِماً القديس يوحنا الرسُول يقُول [ وصيّة جديدة أنا أُعطِيكُمْ أنْ تُحِبُّوا بعضكُمْ بعضاً ] ( يو 13 : 34 ) إِنّ المحبّة مصدرها مِنْ الله ، قوّتها مِنْ الله ، صعب جِدّاً أنْ أُحِب مِنَ ذاتِى لأنِّى أنا إِنسان ، إِنْ لَمْ أكُن فِى إِتحاد مَعْ الله لاَ أستطيع كيف أُحسِن للّذى يُبغضنِى ، واحدة بِواحدة ، إِنْ لَمْ تكُن واحدة بأثنين أو واحدة بِتلاتة ، لِذلِك كان ناموس العهد القديم لأنْ كان عندهُمْ شراسة شديدة جِدّاً ، كان يقُول [ وَعيناً بِعينٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ ] ( خر 21 : 24 ) ، أىّ أنّ مَنْ يفقع لأحد عين تِفقع له عين مِثلها وَلكِن لاَ تقتُلهُ ، وَالّذى يكسر لأحد سِنّة يكسر لهُ سِنّة وَ لاَ تكسر لهُ أسنانة كُلّها ، لأنّ النّاس كانت عنيفة ، الّلِى يعمِل له حاجة يعمله حاجة أكبر ، فأوقفهُمْ عِند حد الوصيّة أنْ تكُون واحدة بِواحدة لكِن عندِنا فِى العهد الجديد بعد الحُب الّذى أعطيته ، وَالغُفران الّذى أعطيته تُريدُون أنْ تُرجِعُونِى إِلَى واحدة بِواحدة وَعين بِعين ، لِذلِك أحبّائِى الإِنسان الّذى ينتقِم لِذاته كأنّهُ يقُول للمسيح كأنّك لَمْ تأتِى ، وَكأنّ خلاصك لَمْ يشملنِى ، وَكأنّ محّبتك لَمْ تمسّنِى ، وَحينئِذٍ يقولّك لاَ أنا لاَ أعرِفك طالما محّبتِى لَمْ تبلُغك ، وَأنت لَمْ تضع قيمة لِمحّبتِى ، إِذن أنت لاَ تعرفنِى وَأنا لاَ أعرِفك لِذلِك كلِمة [ وَلكِنْ مَنْ يُنكرنِى قُدّام النّاس أُنكِرهُ أنا أيضاً قُدّامَ أبِى الّذى فِى السَّموات ] ( مت 10 : 33 ) ، لَمْ يقصِد إِنكار بالكلام فقط وَلكِن إِنكار بالأفعال ، لِذلِك بِقدر إِتحاد النَفْسَ بالله بِقدر المحبّة التّى تنسكِب فِيها كأنّنا قنوات وَالمياه مِنْ ينابيع مِنْ عِنده الله هُوَ يُجرِيها فِينا ، فالمحبّة التّى فِينا ليست مِنّا لكِن مِنهُ هُوَ ، لأنّها بِحسب الله لِذلِك يقُول [ عظم مِنْ عِظامِى وَلحم مِنْ لحمِى ] ( تك 2 : 23 ) ، إِحنا أبناء المحبّة ، يقُول [ وَنقلنا إِلَى ملكُوت إِبن محّبتِهِ ] ( كو 1 : 13 ) ، أىّ أنّ فِينا مِنْ محّبتِهِ ، فنحنُ أبناء المحبّة ، يقُول فِى نشيد الأناشيد [ فإِنِّى مرِيضةٌ حُبّاً ] ( نش 2 : 5 & 5 : 8 ) ، أىّ أنّ محّبِتك يارب لمّا سُكِبت داخِل قلبِى جعلتنِى مشغُول جِدّاً جِدّاً بِمحّبِتك ، وَرفعتنِى عَنْ أُمور كثيرة جِدّاً ، يمكِن النّاس لاَ يُصدِّقوا هذِهِ المحبّة وَيشعُروُا إِنِّى مريضة حُبّاً فِى مرّة إِنسان غير مؤمِن وَدخل الإِيمان وَكان يكتُب مُذّكِراته فيقُول أنا كُنت أكره المسيحيين رغم إِنِّى كُنت أرى فِيهُم محبّة كبيرة جِدّاً وَكُنت غير مصدّق لِهذِهِ المحبّة لنا أبداً أو كُنت أعتبِرها لُون مِنَ ألوان الخُبث وَالدهاء لِكى يكسبنِى وَيهدّينِى مِنْ ناحيته ، لكِن لمّا بدأ نُور الله يُشرِق فِى داخِل قلبِهِ عرف معنى المحبّة الحقيقيّة التّى لاَ تطلُب ما لِنَفْسِها ، وَعرف المحبّة التّى بِحسب قلب الله مثلما قال مُعلّمِنا بولس الرسُول [ محبَّة المسيح الفائِقة المعرِفة ] ( أف 3 : 19 ) ، هكذا قال مُعلّمِنا بولس الرسُول [ إِنْ كان أحد فِى المسيح فهُوَ خليقة جديدة ] ( 2 كو 5 : 17 ) ، هذِهِ المحبّة لاَ يستطيع أحد أنْ يستوعِبها إِلاّ الّذى فِى الخليقة الجديدة ، لكِن الّذى فِى الخليقة العتيقة المحبّة بالنسبة لهُ وهم زى واحِد يكُون موجُود مَعْ أبونا وَيقُول لهُ نكُون عمليين ، ما تكلّمنيش عَنْ المحبّة وَعَنْ الإِنجيل ، إِخبرنِى ماذا أفعل وَسأفعل ؟ يتحّول الكلام وَالإِنجيل وَالوصايا إِلَى حياة غير عمليّة لأنِّى عايش بِحسب الإِنسان العتيق ، لَمْ تعمل فِيهِ الخليقة الجديدة ، لَمْ يصِل إِنسان رُوحانِى ، يُريد أنْ يكُون إِنسان جسدانِى فِى هذِهِ الحالة إِذا كُنت تُريد أنْ تحكُم بِحسب الإِنسان العتيق فأنت أخطأت الشخص الّذى أحضرته لِيحكُمْ معك فِى هذا الموضوع ، فأنت تحتاج معك ليس إِلَى كاهِن وَلكِن لشيخ حارة أوْ عُمدِة بلد ، وَتتكلّم بِحسب القواعِد الإِجتماعيّة ، لكِن أنا أقولّك المسيح أحبّك وَأحبّنِى وَأحبّ الكُلّ وَعلينا أنْ نرتقِى فوق مُستوى أىّ حدث لِنعيش فِى غِنى تمتُّع الحياة الإِلهيّة0
2- ثِمار المحبّة :-
مِنْ أجمل الفصُول التّى فِى الكِتاب المُقدّس التّى يصِل فِيها الآباء لِدرجة مِنْ المحبّة هى كورنثوس الأولى الإِصحاح 13 ، يُعطى تدريب لنا لِنقرأه كُلّ يوم بِجانِب قِرأتنا ، وَكُلّ واحِد وَواحدة يكتشِف فِى نفسه محّبتهُ قليلة أنصحهُ يقرأ كُلّ يوم كورنثوس الأولى الإِصحاح 13 لِغاية لمّا يتعلّم ما هى المحبّة ؟
[ إِنْ كُنتُ أتكلَّمُ بِألسِنة النَّاس وَالملائِكةِ وَلكِن ليس لِى محبَّة فقد صِرتُ نُحاساً يطِنُّ أوْ صنجاً يرِنُّ وَإِنْ كانت لِى نُبُوَّةٌ وَأعلمُ جمِيعَ الأسرارِ وَكُلَّ عِلمٍ وَإِنْ كان لِى كُلُّ الإِيمان حتَّى أنقُل الجِبال وَلكِنْ ليس لِى محبَّة فلستُ شيئاً0وَإِنْ أطعمتُ كُلَّ أموالِى وَإِنْ سلَّمتُ جسدِى حتَّى أحترِق وَلكِنْ ليس لِى محبَّة فَلاَ أنتفِعُ شيئاً المحبَّةُ تتأنَّى وَترفُقُ المحبَّة لاَ تحسِدُ المحبَّةُ لاَ تتفاخرُوَ لاَ تنتفِخُ وَ لاَ تُقّبِحُ وَ لاَ تطلُبُ ما لِنَفْسِها وَ لاَ تحتدُّ وَ لاَ تظُنُّ السُّوء وَ لاَ تفرحُ بالإِثمِ بل تفرحُ بِالحقِّ وَتحتمِلُ كُلَّ شىءٍ وَتُصدِّقُ كُلَّ شىءٍ وَترجُو كُلَّ شىءٍ وَتصبِرُ على كُلِّ شىءٍ0المحبَّةُ لاَ تسقُطُ أبداً ] ( 1 كو 13 : 1 – 8 ) هذِهِ هى المحبّة أنْ أجِد إِنسان لاَ يحسِد وَ لاَ يحقِد وَ لاَ يغِير وَ لاَ يتفاخر وَ لاَ يُقّبِح وَ لاَ ، هذِهِ هى المحبّة التّى بِحسب قلب الله ، إِنْ لَمْ يكُنْ لِى محبّة التّى بِحسب قلب الله مهما كان لِى مِنْ معرِفة وَإِيمان فلستُ شيئاً ، ربّ المجد يسُوعَ عِندما جاء لَمْ يُعطِينا تعاليم بِدُون أفعال ، لَمْ يُعطِينا نظريّات وَيترُكنا ، لاَ فهُوَ يقُول [ أحبَّ خاصَّتهُ الّذين فِى العالم أحبَّهُمْ إِلَى المُنتهى ] ( يو 13 : 1 ) [ أسلم ذاته لأجلهُمْ ] ، تسليم حقيقِى ، هل تصِل درجِة المحبّة بِداخِلِى أنْ يكُون عِندِى التضحية أنْ أصلُب ذاتِى عِوض أحِّبائِى أم لاَ ؟ هذِهِ هى المحبّة التّى بِحسب الله ، لِماذا لاَ يتحرّك قلبِى ناحِية النّاس ، ناحِية إِحتياجاتهُمْ ، ناحِية طلباتهُمْ ؟ لِماذا عِندما أسمع عَنْ شخص أنّهُ تميّز أوْ تفّوق أوْ ظُرُوفه تحسّنت ، لِماذا أضع نَفْسِى فِى مُقارنة مَعْ الطرف الآخر ؟
المفرُوض لاَ أطلُب ما لِنَفْسِى ، المفرُوض أنْ أُقدِّم المحبّة الحقيقيّة الإِنجيليّة التّى أقُول فِيها[ ينبغِى أنَّ ذلِك يزِيدُ وَأَنِّى أنا أنقُصُ ] ( يو 3 : 30 ) ، أنا أُريد أنْ أربح الملكُوت بالقليل فِى هذِهِ الحياة بالجِهاد الشخصِى بِطلب التوبة وَالغُفران فِى كُلّ وقت أربح الملكُوت ، لِذلِك يقُولُوا أنّ [ المحبّة تجعل القلب أكثر إِتساعاً مِنْ السّماء ] ، يتسِع لِهذا وَهذا ، لأنّ الإِنسان الّذى عِنده محبّة لاَ يرفُض أحد لأنّ هذِهِ المحبّة ليست مِنهُ لكِن هُوَ ترك الفُرصة لله أنْ يعمل وَيُعطِى ، لِذلِك يقُول [ وَإِنْ أطعمتُ كُلَّ أموالِى ] ( 1 كو 13 : 3 ) مُمكِن يكُون واحِد بِيصرِف مال كثير لكِنْ ليس الدافِع محبّة بِحسب قلب الله ، مُمكِنْ يكُون بِحسب الذات ، مُمكِن يكُون لِينال مديح أوْ مصلحة مُعيّنة ، هل هذِهِ محبّة ؟
لكِنْ المحبّة تقُول فِى الكِتاب المُقدّس إِقرِضُوا غير مُؤّملِين شيئاً [ وَإِنْ أقرضتُمُ الّذين ترجُون أنْ تسترِدُّوا مِنهُمْ فأىُّ فضلٍ لكُمْ ] ( لو 6 : 34 ) أىّ أنّنِى أُعطِى وَأنا لاَ أنتظِر الرد ، لِماذا ؟ لأنّ هذِهِ المحبّة فِى الخليقة الجديدة ، المحبّة الرُوحانيّة ، المحبّة التّى صعب إِستيعابها لدى الإِنسان العتيق ، الإِنسان الجديد فقط وَالرّوحِى هُوَ الّذى يستوعِبها وَيفهمها وَيعرِفها مُمكِن واحِد يعمل وَيتعب كثير لاَ لأجل المحبّة لكِن لأجل أُجرة أوْ مديح أوْذاته لِيكُون الأول فِى المكان ، [ وَإِنْ سلَّمتُ جسدِى حتَّى أحترِقَ وَلكِنْ ليس لِى محبّة ] ( 1 كو 13 : 3 ) ، لِذلِك الإِنسان الّذى تغيِب عنهُ المحبّة يتعب وَيكُون فِى ضلال عظيم ، لِماذا ؟ لأنّ كُلّ شىء يعملهُ يكُون باطِل ، مُمكِن تكُون عِلاقاتِى مَعْ جِيرانِى ، زُملائِى ، أقارِبِى ، أحِبّائِى ، إِخواتِى ، تكُون لها مظهر المحبّة وَلكِن ليس فِيها محبّة حقيقيّة ، لِماذا ؟ لأنّ ليس فِيها محبّة بِحسب قلب الله فِى قصّة القديس أبو مقّار فِى يوم مِنْ الأيّام وَهُوَ يُصلِّى وَفرحان بِعشرتِهِ مَعْ الله فرحان بِصومه وَصلاته وَنُسكه وَزُهده ، فأتى إِليهِ ملاك وَقاله أنّ هُناك سيِّدتان فِى الأسكندرية أعظم وَأكرم مِنْ مكانتك يا أبو مقّار ، تعجّب وَجاءت لهُ غِيرة مُقدّسة ، وَقال أنا أُريد أنْ أرى هاتان السيِّدتان ، وَبدأ يسأل نَفْسَه فِى تعجُّب هل مقدار الصوم أكثر ؟ هل هُما يسكُنان فِى مغايِر ؟ فأنا أعيش فِى الوِحدة ، وَلكِنْ الملاك قال هُما ساكِنتان فِى الأسكندرية ، فأخذ يتعجّب ، وَأُقتيد بالرّوح إِلَى هُناك وَعرّفهُ الله عَنْ طريق الملاك المكان ، فسمع مِنْ الخارِج صوت أطفال فقال إِذن أنا لَمْ أحضر إِلَى راهِبات وَإِلاَ إيه ! ، فوجدهُما إِثنتان مُتزّوِجتان فِى ملابِس عاديّة فجلس معهُمْ وَقال لهُمْ أنا فُلان وَحضرت مِنْ البرّيّة وَأُريد أخذ بركتكُمْ ، فقالا لهُ نحنُ الّذى نأخُذ بركتك ، فطلب مِنهُما أنْ يحكِيا عَنْ حياتهُما ، فقالا لهُ نحنُ أُختان مُتزّوِجتان إِثنين إِخوات كُلّ ما نفعلهُ أنّنا نُحِب بعض وَنُحِب أزواجنا وَنُحِب أولادنا ، وَ أىّ ولد يحتاج لِشىء أوْ يصرُخ تجرِى أىّ واحدة فِينا عليه وَترعاه وَهى لاَ تعرِف هُوَ إِبن مِنْ لنا ، وَأزواجنا يعملا فِى أشغال بسيطة فنأكُل بِالقليل وَنتصدّق بِالباقِى على الفُقراء ، كُلّ يوم بِالليل عندِنا شويّة غلابة ، لأنّ قديماً لَمْ يكُنْ هُناك فنادِق وَأكيد كُلّ بلد كان فِيها غُرباء أتوا لِقضاء حاجتهُمْ وَكان معرُوف أنّ هُناك منازِل للمسيحيين معرُوفة بِإِستضافتِهِ الغُرباء فكانُوا هاتان السيِّدتان يفعلان هذِهِ الخِدمة الجميلة ،فهُمْ كُلّ يوم ما يفيض عنهُما يُحضِروا بِهِ أكل لِهؤلاء الغُرباء ، الّذى يُريد أنْ يبيت أوْ يأكُل وَبعدها ينصرِفُوا وَهذِهِ هى حياتنا ما الّذى ميّز هؤلاء عَنْ أبو مقّار ؟ المحبّة ، المحبّة فتحت لهُمْ أبواب كبيرة جِدّاً أكثر مِنْ أبواب النُسك وَالزُهد وَالمطانيات وَالأبواب العالية ، لِذلِك عِندما نرى المحبّة التّى بِحسب قلب الله نتعجّب بِها ، وَنرى فِى الكِتاب المُقدّس نماذِج مِنْ المحبّة مِثل :-
1- محبِّة داوُد لِشاوُل : رغم أنّ شاول عدو لهُ وَيطلُب قتلهُ وَ لاَ يُريد أنْ يسترِيح أبداً إِلاّ إِذا قتلهُ ، وَيتابعه ، وَعِندما جاء إِلَى داوُد رجُل قال لهُ قَدْ وجدت شاوُل فِى الحرب وقع وَطلب منِّى أنْ أخُذ سيفِى وَأقتُلهُ فعلت وَحضرت لأِخبِرك لِكى أُبشِّرك ، وَهذا الرجُل توّقع أنْ يأخُذهُ داوُد بِالحُضن لِسببين ، الأول لأنّهُ عدّوه ، وَالثانِى لأنّهُ سيملُك بدلاً مِنهُ ، هُوَ توّقع أنّ ده أسعد خبر سِمعه داوُد فِى حياته لكِن فِى صموئيل الثانِى الإِصحاح الأول يقُول [ فأمسك داوُد ثِيابهُ وَمزّقها وَكذا جمِيعُ الرِّجالِ الّذين معهُ ] ( 2 صم 1 : 11 ) ، رغم إِنّه عدو تِحزن كُلّ هذا الحُزن فأنت ستملُك 0
2- محبِّة داوُد لِيوناثان : فقال داوُد [ يا بنات إِسرائِيل إِبكِين شاوُل الّذى ألبسكُنَّ قِرمِزاً بِالتَّنعُّمِ وَجعل حُلِىَّ الذَّهبِ على ملابِسكُنَّ ] ( 2 صم 1 : 24 ) ، فهُوَ يُريد أنْ يقُول لهُم أنّ أيّام شاوُل كانت أيّام خير ، رغم إِنّه عدّوه ، وَيقُول عَنْ يوناثان [ قَدْ تضايقتُ عليك يا أخِى يوناثان0كُنتَ حُلواً لِى جِدّاً0محَّبتُكَ لِى أعجبُ مِنْ محبِّة النِّساء0 كيف سقط الجبابِرة وَبادت آلاتُ الحربِ ] ( 2 صم 1 : 26 ) ، مدح 00هذِهِ هى المحبّة الحقيقيّة التّى تجعل الإِنسان يتعلّم كيف يُقدِّم محبّة بِحسب قلب الله ، وَأنْ تكُون فِيهِ صِفات الله ، هذِهِ هى النماذِج التّى تجعل الإِنسان يمتلىء غِيرة0
3- محبِّة راعُوث لِنُعمى : رغم أنّ راعُوث بنت صغيرة وَزوجِها توّفى وَحماتِها تقُول لها لاَ تظلِمِى نَفْسِكَ وَ لاَ تأتِى معِى وَأنتِ أمامِك فُرصة للزواج ، فتقُول لها راعُوث [ لاَ تُلِحِّى علىَّ أنْ أترُكِك وَأرجِع عنكِ لأنّهُ حيثُما ذهبتِ أذهبُ وَحيثُما بتِّ أبِيتُ شعبُك شعبِى وَإِلهُك إِلهِى حيثُما مُتِّ أمُوتُ وَهُناك أندفِنُ0هكذا يفعلُ الرَّبُّ بِى وَهكذا يزِيدُ0إِنَّما الموتُ يفصِلُ بينِى وَبينكِ ] ( را 1 : 16 – 17 ) المحبّة قويّة كالموت ، هذِهِ هى نموذج المحبّة التّى بِحسب قلب الله ، هذِهِ هى المحبّة الحقيقيّة المُثمِرة ، لِذلِك محّبتِنا لابُد أنْ يكُون لها بُرهان [ يا أولادِى لاَ نُحِبَّ بِالكلام وَ لاَ بِاللِسانِ بل بِالعملِ وَالحقِّ ] ( 1 يو 3 : 18 ) ، لابُد أنْ أبحث عَنْ بُرهان أُقدِّم بِهِ محّبتِى مثلما قدّم السامرِى الصالِح ، قدّم بُرهان على محّبتِهِ عِندما إِعتنى بالرجُل المجرُوح ، مثلما قدّم الأربعة رِجال الّذين حملُوا الرجُل المفلُوج ، لازِم محبّة يكُون لها بُرهان ، مِثل محبِّة الشُهداء ،مِثل محبِّة الرُهبان وَالعذارى المحبّة التّى جعلتهُمْ يُعطوا كُلّ شىء حتّى النِهاية ، لَمْ يمسِكُوا شيئاً وَلَمْ يُبقُوا لِذواتِهِمْ شيئاً ، أعطُوا كُلّ ما بِداخِلهُم ، أعطُوا حتّى أنَفُسَهُمْ ، أعطُوا كُلّ شىء ، الحياة التّى فِيها محبّة تُثمِر أُمور كثيرة ، تُثمِر لِبر ، تقوى ، الحياة التّى فِيها الله تُعطِى الإِنسان إِتساع ، تُعطِى لهُ محبّة إِلهيّة ، يقُول أنّ الّذى فِيهِ محبّة الله [ وَ لاَ يستطيعُ أنْ يُخطِىء لأنّهُ مولُودٌ مِنَ اللهِ ] ( 1 يو 3 : 9 ) تخيّل عِندما شخص يغمُرنِى بِمحّبتِهِ لاَ أستطيع أنْ أُخطىء معهُ ، كيف هذا ؟ وَ لو أنّ محبّة الله سكنت داخِلنا بِغِنى تجعلنا لاَ نستطيع أنْ نُخطِىء وَأُهِين المسيح ، كيف يكُون هذا وَهُوَ قَدْ فعل كُلّ شىء لأجلِى ؟
لِذلِك فمحّبتِنا لابُد أنْ تُثمِر فِينا توبة وَبِر وَرحمة ، لأنّ المحبّة التّى لاَ تُعطِى هذِهِ الثِمار هى محبّة ليست بِحسب قلب الله ، مُمكِن تكُون محبّة نفسانيّة ، أوْ أنانيّة ، أو أرضيّة ، مُمكِن يكُون الدافِع لها ذات أوْ رِياء أوْ غِروُر ، لكِن علينا أنْ تكُون فِينا المحبّة المُحيية التّى لاَ تطلُب ما لِنَفْسِها قصّة عَنْ أبونا المُتنيِّح بيشُوى كامِل ، كان فِى فترة يخدِم فِى أمريكا حوالِى سنتين أوْ ثلاثة وَكانت معهُ تاسونِى زوجتة وَكان الراتِب بسيط جِدّاً وَيكفيهُما بالكاد ، وَلمّا عرف إِنّه سوف ينتقِل إِلَى كنيسة أُخرى مُحتاجة إِليه ، وَعرف أنّ أبونا الّذى سيحضر مُتزّوِج وَلهُ أولاد وَالراتِب هُنا صعب جِدّاً وَلنْ يكفِى الكاهِن الجديد ، فذهب إِلَى المسئولين عَنْ الماليّة فِى الكنيسة وَطلب زِيادة راتِبِهِ ، فتعجّبُوا أنّ أبونا بيشُوى يطلُب هذا الأمر ، لأنّهُ لَمْ يسبِق لهُ قبل ذلِك طلب أىّ شىء مادّى ، وَمُمكِنْ يكُون هُناك مَنْ أُعثِر فِيهِ ، وَكيف يتكلّم أبونا فِى المادّيات ؟ وَفِعلاً زاد الراتِب وَلكِن قبل نِهاية الشهر حضر الكاهِن الجديد وَأخذ هُوَ الراتِب الأعلى ، فشخصٍ ما بحث وراء هذا الموضُوع وَعرف أنّ أبونا طلب هذا الأمر فِى اليوم الثانِى لِمعرِفة حركِة النقل ، وَأنّهُ طلب هذا الأمر مِنْ أجل أخيهِ حتّى لاَ يضعهُ فِى حرج عِندما يأتِى وَيقُول لهُم عَنْ أمر الراتِب ، وَأنّهُ لنْ يصلُح معهُ ، وَمُمكِن أنْ يحدُث مَعْ كاهِن آخر ، المحبّة التّى لاَ تطلُب ما لِنَفْسِها المحبّة التّى بِحسب قلب الله ، التّى تجعل الإِنسان يشعُر بأنين مَنْ حوله ، المحبّة التّى تُفكِّر كُلّ يوم كيف تُعطِى [ مغبُوط هُوَ العطاء أكثرُ مِنَ الأخذِ ] ( أع 20 : 35 ) ، الله يُعطينا محبّة بِحسب قلبه ، لأنّ [ مَنْ لاَ يُحِب لَمْ يعرِف الله لأنّ الله محبّة ] محبِّة ربِنا تكمِّل نقائِصنا وَيسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
03 أكتوبر 2025
“بلد الحب”
”أرني (يا الله) بلد الحُب لأتكلَّم عنه كما يستطيع ضَعفي أَفْرِخْ فيَّ يا رب نعمتك برحمتك لأتكلَّم عنها ألهِب قلوب مُحبيك فيخرجون في طلبها“ (الشيخ الروحاني)
«إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَ ذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (٢كو ٥: ١٧-٢١).
في بداية رحلتك معي عزيزي القارئ، أودُّ أن نتعرَّف سويًّا على مجموعة من المبادئ الروحية الهامة ولتعتبرها إرشادات الطريق في مسيرتك الروحيَّة هيَّا سويًّا لنخطو خطوتنا الأولى.
أولًا: ما هي الحياة الروحية بلد الحب:
الحياة الروحية هي الإطار الذي يجمع ثلاثة محاور هامة: النعمة وعملها، الإنسان بتوازنه، وأخيرًا الكنيسة وأسرارها وصولًا إلى بلد الحب.
النعمة وعملها:-
عمل النعمة، هو عمل دائم ومستمر ولا ينقطع، ويظهر عمل النعمة كُلَّما كانت حياة الإنسان مملوءة ثمرًا وهناك قاعدة روحية هامة وهي أن الله لا يُريد من الإنسان سوى إرادته لتعمل نعمته فيه. وعمل النعمة بدوره يقود الإنسان لاختبار هام في الحياة الروحية وهو معيَّة المسيح.
تأمَّل معي يا عزيزي ترتيلة داود النبي: «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي» (مز ٢٣: ٤)، فعبارة «أنتَ معي» تعكس شعورًا داخليًّا وإحساسًا حقيقيًّا بوجود الله وعمل نعمته بل إن هذا الشعور هو قمة عمل النعمة.
الإنسان بتوازنه:
خلق الله الإنسان وجعله: عاقلًا عاملًا عابدًا ولكن تذكَّر يا صديقي أن التوازن هو الركيزة الأساسية لنجاح هذه المنظومة أتسألني كيف يكون هذا التوازن؟ أُجيبك أن التوازن في حياة الإنسان مُرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشِّبع الروحي، فالعقل يتغذَّى بأعمال القراءة والمعرفة، والروح تسمو بالعمل الروحي والشِّبع الشخصي بالمسيح ولكي يتحقَّق هذا الشِّبع الروحي لا بُدَّ أن تكون للحياة الروحية قوانين تُنظِّمها، فالحياة الروحية شيء مُحدَّد، ولها شكل ونمو ومراحل وتدرُّج.
بقي لنا المحور الثالث، ألا وهو:
الكنيسة بأسرارها:-
وهذه الأسرار توضَع في ثلاث مجموعات رئيسية:
أسرار لا تُمَارَس إلَّا مرَّة واحدة: سِرّ المعمودية والميرون.
أسرار دائمة التكرار: سِرّ الاعتراف والتناول ومسحة المرضى.
أسرار قد تُمَارَس وقد لا تُمَارَس: سِرّ الزيجة والكهنوت.
لك أن تعتبر أن الأسرار الكنسيَّة هي بمثابة حلقة الربط بين عمل النعمة والتوازن الإنساني والتي بدورها تقود إلى العُمق في الحياة الروحية.
أتسألني الآن: كيف أنمو في حياتي الروحيَّة؟
أودُّ أن تَعي جيدًا أن النمو الروحي له عدة قوانين تنظمه وتضمن تدرُّجه إن إحدى المُشكلات الرئيسية التي تواجه الإنسان المسيحي هي عدم الاستمرار قد تبدأ نظامًا روحيًّا بحماس شديد، ولكن بعد فترة قصيرة يتسلَّل الفتور إلى قلبك!! أمَّا القانون الروحي الذي يضمن الاستمرار هو: ”قليلٌ دائم خيرٌ من كثير مُتقطِّع“. فالقليل الدائم هو الذي يجعل حياتنا مستمرة، فالمسيح لا يطلب منَّا الكَمّ QUANTITY بل يطلب الكيف QUALITY.
نعم إن المسيح يُريد منك الاستمرارية حتى ولو كانت آية واحدة أو مزمور، فالاستمرار هو الذي يُعطي انطباعًا أنك شخص ذو قلب مُستعد لسُكنى المسيح فيه.
أتذكُر المرأة التي أعطت الفلسَينْ؟ قال عنها السيد المسيح: انظروا كيف أعطت؟ بمعنى أنه نظر إلى الكيف وليس الكم (لو ٢١: ١-٤) فعلى الأقل في كل يوم، اهتم أن تكون هناك فقرة أو آية في الإنجيل تقوم بقراءتها مع وقفة صلاة، وليكن هذا أقل شيء لكن كُنْ دائم التطلُّع أيضًا نحو النمو والتدرُّج في حياتك الروحية.
هذا عن الاستمرارية والتدرُّج، أمَّا عن الاعتدال يقول الآباء الذين اختبروا الحياة الروحية: ”الطريق الوسطى خلَّصت كثيرين“، وإذا أردنا أن نُعرِّف كلمة ”الاعتدال“ يمكننا القول: إنَّه عدم التطرُّف يمينًا أو شمالًا، أو عدم المُبالغة، أو هو التوازن أيتبادر إلى ذهنك كيف أحقِّق الاعتدال في حياتي الروحية؟
أُجيبك: يا عزيزي إن للحياة الروحية ثلاثة أعمدة رئيسية وهي:
”أبٌ روحي قانون روحي وسط روحي “.
فَمِنَ الخطأ أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يقود نفسه بنفسه، مهما كانت مكانته أو قامته الروحية كبيرة، فالكنيسة قائمة على الخضوع بدءًا من البابا البطريرك والآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والشمامسة والشعب الجميع تحت خضوع، فليحذر كل مَنْ يظن في نفسه أنه أصبح مُدرِكًا لكل شيءٍ، ويدرك كل الأمور.
الخضوع يا صديقي هو صمام الأمان في الحياة الروحية إنه الضمان الوحيد، أن يحيا الإنسان تلميذًا في مدرسة التواضع.
بَقيَ لنا أن نتأمَّل سويًّا في الحياة الروحية والتطبيق العملي.
هناك ثلاث تطبيقات، تضعنا في دائرة الحياة الروحية عمليًّا:-
أولًا: مداومة الصلاة القلبية بحُبٍّ:-
كلمة مُداومة تعني الاستمرار، وكما يقول الكتاب: «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لو ١٨: ١) فصلواتنا هي العلاقة الشخصية التي تربطنا بالله وأجمل تعريف للصلاة قاله معلِّمنا داود النبي: «جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ» (مز ١٦: ٨) الصلاة الحقيقية يا عزيزي هي الصلاة القلبية المملوءة حبًّا فلا يُقدِّس أوقاتنا وأعمارنا إلَّا الصلاة، ولتسأل نفسك دومًا:
ما هي قامتك الروحية؟
وما هي صلواتك؟
وما هو قانونك مع أب اعترافك؟
ففي كل مرة ترفع قلبك إلى الله للصلاة، تزداد اشتياقًا وكأنك بصلاتك ترتفع درجة نحو السماء.
ثانيًا ممارسة الأسرار الكنسية بوعي:-
إن أكثر الأسرار الكنسية التي نُمارسها باستمرار سِرُّ الاعتراف وسِرُّ التناول وهذه الأسرار ما هي إلَّا قنوات للنعمة، والكتاب يُذكِّرنا في المزمور الأول «فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مز ١: ٣) والمقصود بـــــ”مجاري المياه“ هي قنوات النعمة، فجلسة الاعتراف، ما هي إلَّا قناة للنعمة لذا يجب أن أكون بوعي فيها. أذكر خطيتي بقلب تائب أمام الله في حضور الأب الكاهن، وأُقيم عهدًا جديدًا في حياتي الروحية مع الله ولسان حالي يقول «تعهُّدات فمي باركها يا رب» (مز ١١٩) وقد يقول أحدٌ إنني أحضر القداس، وأُمارِس سِرَّ الاعتراف، لكنني لا أستفيد شيئًا!
السبب في ذلك يا صديقي، هو غياب الوعي القلبي لديك، ويمكن تشبيه ذلك بشخصٍ يتكلَّم مع آخَر وهذا الآخر غير مُنتبِه إلى حديثه، لأنه مشغول بقراءة شيء أمامه مثلًا فكيف له أن يدرك قول ومشاعر مُحدِّثه؟! وعلى النقيض هناك آخر يُنصِت ويستمع بمنتهى التركيز، وهذا الإنصات يسمَّى إنصات تفاعلي، فيُدرك الرسالة الموجَّهة إليه بل ويتفاعل معها وعلى هذا الأساس اسأل نفسك: كيف تحضر القداس الإلهي؟ هل عقلك مشغول بأمور أخرى، أو يجذبه العالم باهتماماته ومشاكله وبالتالي يكون جسدك في القداس، أمَّا عقلك وقلبك في مكان آخر؟!
ثالثًا: معايشة كلمة الكتاب بانتظام:
أودُّ أن أطرح عليك هنا سؤالًا: هل تقرأ الإنجيل بانتظام يوميًّا؟ هل تدرس الكتاب المقدَّس كل يوم؟ أمْ أنك تقرأ وتدرس وتتأمَّل؟
فقراءة الكتاب المقدَّس درجة روحية، يعلوها دراسة كلمة الله أمَّا ما هو أسمَى فهو الدراسة والتأمل والحياة بكلمة الله بشكل عملي إذا لم يقُم الإنسان بكل هذا، كيف يقول عن نفسه إنه يحيا بالإنجيل؟! وكيف يكون الإنجيل بالنسبة له «روح وحياة»؟!
دعنا نتأمَّل سويًّا في هذه القصة لتُدرِك مفهوم الحياة بالإنجيل بشكل أعمق أُصيب رجلٌ في أحد أحياء مدينة تكساس بأمريكا في انفجار، فَقَدَ فيه يَدَيه، كما أُصيب وجهه بجراحات خطيرة فَقَدَ الرجل عينيه، فلم يعد قادرًا على القراءة ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ الكتاب المقدَّس، فبدأ يسأل ”كيف يمكنني قراءة الكتاب المقدَّس، وقد فقدتُ عيني ويدَيَّ؟!“ قيل له ”توجد سيدة في إنجلترا تستمتع بقراءة الكتاب المقدَّس بواسطة شفتيها، إذ تستخدمها بدلًا من الأصابع لتقرأ الكتاب المقدَّس بطريقة برايل BRAILLE METHOD بالحروف البارزة“ أرسل إلى الهيئة المختصَّة لكي تُرسِل له الكتاب المقدَّس البارز ليتعلَّم القراءة بشفتيه لكن قبل أن يصل إليه الكتاب المقدَّس اكتشف أن أعصاب شفتيه قد تحطَّمت تمامًا، وإذ وصله الكتاب المقدَّس المكتوب بحروف بارزة بدأ يتعلَّم القراءة بلمس الكتابة بلسانه! وكان يجد عذوبة في قراءته وفي تعليق له يقول: ”لقد قرأت الكتاب المقدَّس أربع مرَّات وقرأت بعض الأسفار مرَّات ومرَّات“ وهكذا تحوَّلت ضيقة هذا الإنسان إلى خبرة التمتُّع بكلمة الله التي تهب النفس عذوبة وتعزية إن هذا الإنسان يديننا لأنه تعلَّم أن يقرأ الكتاب المقدَّس بلسانه بعد أن فقد يديه وعينيه وأعصاب شفتيه أي عذر لنا؟! نتحجَّج بحجج واهية إنه لا يوجد وقت! ويشغلنا إبليس بالعالم واهتماماته ومسئولياته فما أكثر الذين يعتذرون عن عدم القراءة في الكتاب المقدَّس بأنه ليس لديهم وقت! بينما يجدون وقتًا للتسلية والمقابلات العديدة. والحقيقة أن ليس لديهم رغبة!!
صلاة
يا حبيبي ومخلِّصي هَبْ لي أن أختبر عذوبة كلمتك لأقرأها بكل كياني! لأختبر قوَّة كلمتك فأحيا بها وأتمتَّع بمواعيدك بها أنطلق إلى الأحضان الأبوية الإلهية أنعم بالمجد الأبدي في بلد الحب.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
02 أكتوبر 2025
بدعة نيقولاوس
النيقولاويون
يذهب البعض إلى أنهم أتباع نيقولاوس الأنطاكي أحد الشمامسة السبعة الذين رسمهم الرسل وأن نيقولاوس هذا ضل في الإيمان وخرج عن الكنيسة. ولكن مراجع أصحاب هذا الرأي متأخرة ونصوصها مبهمة وغامضة. فلا بد والحالة هذه من الاعتراف بأننا لا ندري من هم هؤلاء بالضبط. وهناك آخرون يقولون أن الاسم نيقولاوس هو رمز فقط. وآخرون يقولون أن اسمهم يعود لشخص اسمه نيقولاوس مجهول الهوية وأسسس هذه البدعة أو الهرطقة شخص أسمه نيقولاوس كان أحد الشمامسة وسننقل ما جاء عنه فى كتاب لمؤرخ فى القرون الأولى للمسيحية تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى (264 - 340 م) ص 159-160
1 - وفى هذا الوقت ظهرت الشيعة المسماة بشيعة النيقولاويين ولم تستمر إلا وقتاً قصيراً، وقد ذكرها الإنجيل فى رؤيا يوحنا، وأعضاء هذه البدعة يفتخرون بأن الذى بدء هذا الفكر هو نيقولاوس أحد الشمامسة الذين أقامهم الرسل مع أستفانوس لخدمة الفقراء ويخبرنا عنه أكليمنضس السكندرى فى الكتاب الثالث من مؤلفه المسمى "ستروماتا " (فى هذا المؤلف يحاول أن يثبت بأن الأسفار اليهودية أقدم من أى كتابة يونانية .)
2 - " يقولون أنه كانت له زوجة جميلة، وإذا أتهمة الرسل بالغيرة والحسد بعد صعود المخلص، أخذ زوجته وأوقفها فى وسطهم وسمح لأى واحد أن يتزوج بها، لأنه قال أن هذا كان يتفق مع القول المعروف عنه أن المرء يجب أن يذل جسده، أما الذين أتبعوا هرطقته وقلدوا حماقته وكل ما فعله وقاله إنما أتبعوه كعميان يتبعون أعمى فإرتكبوا الزنى بلا خجل ولا حياء .
3 - ولكنى علمت أن نيقولاوس لم يعرف أمرأة اخرى غير زوجته التى تزوجها، وأن بناته أستمرين فى حالة العذراوية حتى سن الشيخوخة، أما أبنه فلم يتدنس، وإن صح عنه أعنه عندما أحضر زوجته (التى كان غيوراً فى محبتها) وسط الرسل فقد كان واضحاً أنه ينبذ شهوته، وعندما أستخدم تعبير " إذلال الجسد " كان يشهر سيف ضبط النفس فى وجه تلك الملذات التى تقتفى البشرية أثرها بإلحاح، لأننى أعتقد أنه، إتماماً لوصية المخلص .. لم يشأ أن يعبد سيدين .. الشهوة والرب
4 - " ويقال أن متياس أيضاً نادى بنفس التعليم أننا يجب ان نحارب الجسد ونذله، وأن لا نرخى له العنان بملذاته، بل يجب أن نقوى للروح بالإيمان والمعرفة " أما تعليمهم التي استوجب هذه الانذارات الشديدة اللهجة فإنها قد تكون نوع من الانتيمونية. وقد يكون الزنى المشار إليه في هذا الفصل من الرؤيا هو النوع الذي عُبر عنه بالكلمة اليونانية Porneia أي التزاوج بين الأقرباء الذي نهى عنه الناموس وهم أتباع تيار غنوسي إباحي في جماعة أفسس وبرغامون. وتوجه رؤيا يوحنا الحبيب ما بين السنة 75 والسنة 85 انذاراً إلى ثلاثة من الكنائس السبع التي في آسية إلى تيتيرة وبرغامون وأفسس انذارات بوجوب الابتعاد عن النيقولاويين الذين يتمسكون بتعليم بلعام الذي علّم بالاق أن يلقي معثرة أمام بني اسرائيل "حتى يأكلوا من ذبائح الأوثان ويزنوا". وتأخذ الرؤيا على ملاك كنيسة تيتيرة أنه يدع المرأة ايزابل الزاعمة أنها نبية تعلّم وتضل العباد حتى يزنوا ويأكلوا من ذبائح الأوثان ولا سيما أنها أمهلت مدة لتتوب من زناها فلم ترضَ أن تتوب ولذا فهي تُطرح في فراش واللذين يزنزن معها في ضيق شديد أن لم يتوبوا من أعمالهم. "ولسائر في تيتيرة من جميع الذين ليس لهم هذا التعليم والذين لم يعرفوا أعماق الشيطان أني لا ألقي عليكم ثقلاً آخر ولكن تمسكوا بما هو عندكم إلى أن آتي" (رؤ2: 14 و18-26) لم تستمر هذه البدعة كثيراً لأنها مخالفة للتعليم المسيحى بشريعة الزوجة الواحدة - ومن نظر لأمرأة ليشتهيها فقد زنى فى قلبه وقد طردوا من الكنيسة وتكلم عنهم الإنجيل بأنهم هرطقة
أقوال الاباء عن هذه البدعة
أما الأخير في قائمة الرسل فهو نيقولاوس. اسم يوناني معناه "المنتصر علي الشعب".
يرى البعض مثل القديسين ايريناؤس وأبيفانيوس أن بدعة النيقولاويين (رؤ 2: 6، 15) تُنسب إلى الشماس نيقولاوس:
1. يقول القديس ايريناؤس [النيقولاويون هم أتباع نيقولا أحد الشمامسة السبع (أع 5: 6)، وهؤلاء يسلكون في الملذات بلا ضابط ويعلمون بأمور مختلفة كإباحة الزنا وأكل المذبوح للأوثان.]
2. يبرئ القديسان إكليمنضس الإسكندرى وأغسطينوس نيقولاوس من البدعة وينسبانها لأتباعه. ويعلل البعض نسبة هذه الهرطقة إليه ترجع إلي تأويل كلماته، فقد قال بأن الذين لهم زوجات كأنه ليس لهم، أي يحيا مع زوجته بالروح ينشغلان بالأكثر بخلاصهما ونموهما الروحي والشهادة لإنجيل الخلاص. لكن بعض أتباعه قاموا بتأويل كلمته، ظانين أنه نادى بأن من له زوجة فليهجرها ويصير كمن بلا زوجة، ويسمح إن تكون مشاعًا.
3. يرى العلامة ترتليان والقديس جيروم أنه لما أختير للشموسية امتنع عن الاتصال بزوجته، وبسبب جمالها عاد إليها. ولما وبَّخوه على ذلك انحرف في البدعة إذ أباح الزنا. جاء رد الفعل في كتابات العلامة ترتليان حيث قال: "كل الأشياء مشترك بيننا فيما عدا زوجتنا" Omnia indiscreta apud nos praeter upores القديس جيروم: نيقولاوس أحد الشمامسة السبعة، والذي في فسقه لم يعرف الراحة ليلاً أو نهارًا، انغمس في أحلامه الدنسة.
4. يرى آخرون أنه كان يغير على زوجته جدًا بسبب جمالها، فلما ذمَّه البعض بسبب شدة تعلقه بها أراد أن يظهر العكس فأباح لمن يريد أن يأخذها، فسقط في هذه البدعة.
لا تسقط مسؤليته انحراف نيقولاوس على الرسل القديسين. في رسالة وجهها القديس جيروم إلى الشماس سابينيانوس Sabinianus يدعوه إلى التوبة وألا يتكل على أن الذي سامه أنه أسقف قديس: أتوسل إليك أن ترحم نفسك. تذكر أن حكم الله سيحل عليك يومًا ما تذكر أي أسقف هذا الذي سامك. لقد أخطأ هذا القديس في اختياره لك، لكنه سيكون بريئًا (ربما لأنه ندم على سيامته)، والله نفسه ندم أنه سمح شاول ملكًا (1 صم 15: 11) وُجد حتى بين الاثنى عشر رسولاً يهوذا خائنًا. ووُجد نيقولاوس الأنطاكي شماسًا مثلك (أع 6: 5)، نشر الهرطقة النيقولاوية وكل وسيلة للدنس (رؤ 2: 6، 15).
القديس جيروم: يلاحظ أن السبعة يحملون أسماء يونانية، ولعلهم أقيموا لخدمة المتذمرين من اليونانيين بشيء من التعاطف معهم، ولم يكن من بينهم شخص واحد يهودي بالمولد لقد كان الاثنا عشر تلميذًا عبرانيين، لذلك اُختير السبعة من اليونانيين لتحقيق شيء من المساواة والشعور بالتزام الكل بالعمل واضح أن عمل السبعة لم يدم كثيرًا، فقد استشهد استفانوس ثم حدث ضيق شديد على الكنيسة، وتشتت الشعب خارج أورشليم يكرزون بالكلمة، بينما بقي الرسل في أورشليم.
المزيد