المقالات

03 أغسطس 2024

إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر أبيب ( لو ۷ : ۱ - ۱۰)

" ولما أكمل أقواله كُلَّها فِي مَسَامِعِ الشَّعَبِ دَخَلَ كفرناحوم وكانَ عَبد لقائدِ مِئَةٍ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الموت وكانَ عَزِيزًا عِندَهُ فَلَمّا سَمِعَ عن يسوع أرسَلَ إليه شيوخ اليهود يسألُهُ أنْ يأتي ويشفي عَبْدَهُ فَلَمَّا جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد قائلين إِنَّهُ مُسْتَحِقُّ أَنْ يُفعَلَ لهُ هذا، لأنَّهُ يُحِبُّ أمَّتَنا، وهو بَنَى لنا المجمع فَذَهَبَ يَسوعُ معهم وإذ كانَ غَيْرَ بَعيد عن البيت، أرسل إليه قائد المِئَةِ أصدقاء يقول له يا سيد، لا تتعب لأني لستُ مُستَحِقًا أن تدخل تحت سقفي لذلك لم أحسب نفسي أهلاً أن آتي إليك لكن قُلْ كَلِمَةً فيبرأ غُلامي لأني أنا أيضًا إنسانٌ مُرَتَّبُ تحت سلطان، لي جند تحت يدي وأقولُ لهذا اذهَبْ فَيَذهَبُ، ولآخر ائتِ فيأتي، ولعبدي افعل هذا ! فَيَفْعَلُ" ولَمَّا سَمِعَ يَسوعُ هذا تَعَجَّبَ منه، والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال أقولُ لكُم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا ورَجَعَ المرسلونَ إِلَى البَيتِ، فَوَجَدوا العبد المريض قد صح ". إنجيل القداس : إقامة لعازر . إنجيل العشية شفاء عبد قائد المئة. إيمان قائد المئة وهو رجل وثني شيء يتعجب منه بالحقيقة "لما سمع يسوع هذا تعجب منه والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال: أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا" فالرجل متضع وجد نفسه غير مستحق أن يأتي إلى السيد واكتفى بشفاعة شيوخ اليهود الذين أرسلهم إلى الرب ليتكلموا عنه إذ حسبهم أقرب إلى الرب وأكثر دالة لديه. وإذ كان الرب قد قبل شفاعة شيوخ اليهود وذهب معهم في طريقه إلى بيت قائد المئة، عاد الرجل وراجع نفسه كيف أن المسيح سيدخل بيته فوجد نفسه غير مستحق لهذه الكرامة فأرسل أصدقاء يقول للرب بفمهم: "يا سيد لا تتعب لأني لست مستحقا أن تدخل تحت سقفي" وعزز الرجل كلامه بإيمانه في سلطان المسيح بمجرد أن يرسل كلمته القادرة الفاعلة، إذ كان الرجل يعرف من حياته الخاصة كقائد مئة ما معنى السلطان والاقتدار على مستوى الأمور العالمية فكم وكم يكون سلطان المسيح الروحي والخيط الواصل بين إنجيل العشية وإنجيل القداس هو عامل الإيمان المقتدر الذي به ننال من المسيح ليس شفاء أمراض فقط بل قيامة من الأموات "ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله" "سيقوم أخوك" "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا والتقابل بين الفصلين بديع. فالأختان أرسلتا للرب وهو بعيد بحسب مقياس البشر بالرؤية السطحية مع أنه حاضر معهما وليس بعيدًا أرسلتا تقولان يا سيد هوذا الذي تحبه مريض، فالمريض محبوب لدى الرب ولدى الأختين وهكذا فعل قائد المئة أرسل شيوخ اليهود ليُعلموا يسوع عن عبد قائد المئة وهو أيضًا محبوب وعزيز عند سيده كقول الإنجيل ويسوع يجئ ملبيًا طلب الشفاعة والسؤال ويقول عن لعازر "أنا أذهب لأوقظه". وهكذا ذهب أيضًا مع شيوخ اليهود إلى بيت قائد المئة، فيسوع يسعى إلينا حيثما نكون إن في مرض أو حتى في قبر، هو يأتي إلينا محمولاً بشفاعة الذين يطلبون عنا ونحن في حال ضعفنا وعدم قدرتنا على الحركة وإن كانت شفاعة رؤساء اليهود وشيوخهم مقبولة لدى المسيح وبمقتضاها يقوم ويذهب ويشفي فكم تكون شفاعة القديسين أحبائه والشهداء أصفيائه والرسل والكارزين وعلى رأسهم العذراء الأم القديسة فهل يرد طلبتهم؟ وإذ كان يسوع غير بعيد عن المنزل أرسل إليه أصدقاء " فلما سمعت مرثا أن يسوع آت، لاقته ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا"النفوس الممتلئة إيمانًا يحركها الإيمان لملاقاة يسوع لا تلبث في مكانها متكاملة فإن خبر مجيء يسوع إليها يحرك فيها حسيات روحية قوية تدفعها لطلب يسوع بأكثر اشتياق. فمرثا لاقته،ودعت أختها سرًا قائلة المعلم حضر فتلك لما سمعت طارت من الفرح الذي فاق حزنها على موت أخيها وقامت مسرعة ولاقته في ذات المكان بقدر ما يسعى يسوع نحوي بقدر ما تشتاق نفسي لملاقاة يسوع هناك أبث لديه ضيقي وهناك أسجد عند قدميه. كلمة الحياة : قال قائد المئة : "قل كلمة " فقالها ففعلت فعلها العجيب وقال الرب كلمة للعازر : "لعازر هلم خارجا" ففعلت الكلمة فعلها العجيب هذا هو إيماننا بكلمة المسيح مدح المسيح إيمان قائد المئة بينما طلب من مرثا إقرارًا بإيمانها قائلاً: "أتؤمنين بهذا" فاعترفت بإيمانها بكل صدق ومن عمق قلبها قائلة: "نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن إله الآتي إلى العالم" والفاحص القلوب وعارف الخفايا عرف صدق إيمانها فيه ولكن في وقت التجربة يمتحن الإيمان فوّد المسيح لو يذكرها بالتمسك بمن آمنت ويبرهن لها صدق مواعيده إن هي تقوت في الإيمان "إن آمنت ترین مجد الله" ما أمجد إيماننا بالمسيح وما أحوجنا أن نتقوى في الإيمان ونثبت فيه ونتمسك به كمرساة ثابتة للنفس لئلا نهتز في أوقات المحن والتجارب يارب اسند إيماننا كلمة المسيح هى الإنجيل، انظر كم هي حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته" والمسيح يقولها بسلطانه الإلهي ويرسلها تُحيي وتقيم الموتى وتشفي كل مرض وكل سقم هلم يا إخوة نأخذ كلمة المسيح بإيمان، آية واحدة تقدر أن تعمل عمل الله فينا ، ولكن لابد أن نأخذها بإيمان وثقة في الذي يقولها ويرسلها المرض فينا ليس مرض الجسد،والموت ليس موت الجسد أمراض الجسد وموت الجسد محدودة بحدود ومعروفة نهايتها، أما مرض الخطايا وموت الخطايا ونتن الخطايا فشيء كريه لا يطاق نحتاج أن يقول المسيح كلمته لنا فتتغلغل إلى أعماقنا بصدق وتطرد أمراضنا في الحال وتخرج موتانا من القبور لماذا ندوم في الأمراض ونبقى في القبور وكأن ليس لنا مسيح قويت علينا الخطايا كأمراض مستعصية وكأننا في يأس ليس شيء مستحيل على المسيح لا مرض ولا موت المسيح هو رب الحياة ورب القيامة وكاسر شوكة الموت. المتنيح القمص لوقا سيداروس عن كتاب تأملات في أناجيل عشية الآحاد
المزيد
02 أغسطس 2024

نشكرك لأنك نعمة الشفقة

من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله هي "نشكرك" وحسب تقليد كنيستنا، فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي تفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات بعد أن نتلو الصلاة الربانية. "وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك ودعى أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر، قالت أم يسوع له ليس لهم خمر قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتی بعد، قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه، وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك. حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة قال لهم يسوع املاوا الأجران ماء، فملأوها إلى فوق ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكاء فقدموا فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا، ولم يكن يعلم من أين هي لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا، دعا رئيس المتكأ العريس وقال له كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً، متى سكروا فحينئذ الدون. أما انت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن. هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فامن به تلاميذه"(يو۲: ۱-11) إن كلمة الشفقة لها مترادفات كثيرة جدا، فهى تعنى الرحمة، الرأفة التعزية، والأحشاء، وتعنى أيضا الإحساس بالآخرين مثلما حدث مع أمنا العذراء في عرس قانا الجليل فعندما شعرت بالمازق الذي يتعرض له أهل العرس، ذهبت إلى السيد المسيح وقالت له: ليس لهم خمر (يو ٣:٢). وكلمة "خمر" في مدلولتها في معاني الكتاب المقدس تعنى الفرح وكانها تقول للسيد المسيح أن هؤلاء المدعوين يعيشون في حالة من الحزن وذلك لأن العهد القديم باكمله، لم يكن فيه فرح الخلاص، وقد استدل على هذا المعنى من مضمون كلمات السيد المسيح "ما لي ولك يا امرأة لم تات ساعتي بعد".(يو ٤:٢). فقد كانت إجابة السيد المسيح هنا إجابة خلاصية، وكلمة ساعتي، تشير إلى ساعة الصليب التي هي قمة الرحمة والشفقة لبني البشر، وكأن العذراء مريم تقدم لنا نموذجا مصغرا للإحساس بالآخرين والسيد المسيح في إجابته يوضح لنا أن ساعة الرحمة الشاملة والكاملة في ساعة الصليب وكانت هذه هي أول اية يقوم بها السيد المسيح، ثم بعد ثلاث سنوات من هذا الحدث، صلب السيد المسيح على الصليب، وقدم الفداء والرحمة لكل البشرية، ولذلك فإن أكثر كلمة تستخدمها في صلواتنا في ارحمنا يا الله، فعبارة "ارحمنا يا الله" نكررها باشكال كثيرة وفي أوقات مختلفة وأيضا نصلى في مزمور التوبة قائلين "ارحمني يا الله كعظيم رحمتك "مز ٥٠ قبطي)، وعبارة "عظيم رحمتك" تعنى عظيم الشفقة، أي شفقة الله التي لا تنتهى على البشر وإن توقفنا قليلاً عند أعمال السيد المسيح، نجد أن جميعها لا تخلو من أفعال الرحمة إن كان ذلك من خلال المعجزات أو الامثال أو المقابلات لمعجزات المسيح كانت تتنوع ما بين شفاء المرضى أو إقامة الموتى أو عرس قانا الجليل، وكل هذا يحمل روح الشفقة والرحمة. فمثلاً في معجزة شفاء مريض بيت حسدا مر السيد المسيح على هذا الإنسان الضعيف المطروح عند البركة وقال له اتريد أن تبرا، واعتقد أنه عبر الـ ٣٨ عاما التي قضاها هذا المريض عند البركة، لم يسأله أحد هذا السؤال فقال له المخلع "يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا أت ينزل قدامی اخر "(یو٧:٥)، ولكن المسيح كلى الرأفة قال له "قم أحمل سريرك وامش "(يو ٥ :۸)، واعطاء الرحمة والشفقة اللتين كان في احتياج إليهما. وأيضاً أمثال السيد المسيح، تشتمل جميعها على الرحمة والشفقة، فمثلاً في مثل الابن الضال عندما عاد إلى أبيه، لم يجد منه غير الشفقة والرحمة فيقول الكتاب "وإذ كان لم يزل بعيداً رأه أبوه، فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو ۲۰:۱۵). وهكذا مقابلات السيد المسيح اشتملت جميعها أيضاً على الرحمة مثال لذلك مقابلته مع نيقوديموس "كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلاً" (يو ۳: ۱-۲)،ومقابلته مع المرأة السامرية "فجاءت امرأة من السامرة لتستقى ماء فقال لها يسوع أعطيني لأشرب" (يو ٧:٤). ومقابلته مع نازفة الدم "وإذا امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من ورائه" (مت ۲۰:۹)، ولقائه مع المرأة الكنعانية وتحننه عليها "وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه ارحمني يا سید یا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً" (مت ٢٢:١٥) ومقابلته مع زكا العشار "فلما جاء يسوع إلى المكان نظر إلى فوق فراه وقال له: يا زكا أسرع وانزل، لأنه ينبغى أن أمكث اليوم في بيتك"(لو ٥:١٩). وهنا اسأل نفسك ماذا ستقول للسيد المسيح إن تقابلت معه يوماً ؟!! أعتقد لن تستطيع أن تنطق إلا بعبارة واحدة وهي: «ارحمني يا الله» فالطلب الأول والأخير الذي نطلبه من شخص السيد المسيح هو الرحمة. جولة في الكتاب المقدس المشاهدة رحمة الله: والآن سنتجول معاً في الكتاب المقدس، لنرى رحمة الله وشفقته على جنس البشر. أولاً: في العهد القديم شفقة الله على آدم، لقد ظهرت شفقة الله منذ بداية الخليقة عندما أوجد الإنسان الأول آدم، ووجده وحيداً فقال: "ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره" تك ۲ : ۱۸)، فخلق له أمنا حواء التي كانت الإنسانة الأولى على الأرض فخلقة حواء بطريقة خاصة من آدم كانت نوعاً من شفقة الله على الإنسان. وحتى بعد سقوط آدم وحواء في الخطية، وكسرهما وصية الله أشفق أيضاً عليهما !! فيقول الكتاب "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما "(تك ۲۱:۳)، وكان هذا نوعاً من الشفقة والرحمة حتى وهما خطاة!! شفقة الله على لوط، فقد كان الملاكان يعجلان لوطاً وعائلته بالخروج من المدينة، لأنها ستحرق بالنار والكبريت ولما توانى يقول الكتاب" أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة" (تك ١٦:١٩). شفقة الرب على ليئة، لقد تزوج أبونا يعقوب من ليئة ابنة لابان، ثم تزوج من راحيل أختها، ويقول الكتاب "وأحب أيضاً راحيل أكثر من ليئة" (تك ۳۰:۲۹)، إلى جانب أن راحيل كانت أكثر جمالاً من ليئة لذلك أشفق الله على ليئة، وأعطاها نسلاً قبل راحيل أختها، فيقول الكتاب: "ورأى الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها، وأما راحيل فكانت عاقراً" (تك ۳۱:۲۹). أولاً: في العهد القديم شفقة الله على المساكين والفقراء ونجدها كثيراً في الكتاب المقدس، فهو يشفق على المسكين والبائس كما يقول الكتاب "لانه ينجى الفقير المستغيث، والمسكين إذ لا معين له يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء" (مر ۱۲:۷۲-١٣) ويشفق أيضا على الغريب واليتيم والضيف كما يعلمنا الكتاب قائلاً" الصانع حق اليتيم والأرملة، والمحب الغريب ليعطيه طعاماً ولباساً فأحبوا الغريب لأنكم كنتم غرباء . "(تث ۱۸:۱-۱۹)، فشفقة الله لا تستطيع أن تتكلم عليها، أو نصفها بتمام الوصف شفقة الله على حزقيا الملك، فقد كان حزقيا ملكاً صالحاً، وفي أحد الأيام قال له اشعياء النبي "الرب يقول إنك تموت ولا تعيش" هكذا يقول الرب أوص بينك لأنك تموت ولا تعيش" (اش ۱:۳۸)، فبكي حزقيا وصلى إلى الرب قائلاً: "اه يارب اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم، وفعلت الحسن في عينيك" (۲مل ۳:۲۰) فاستجاب الله لصلاته، ولم يخرج إشعياء من المدينة حتى أمره الرب أن يعود الملك حزقيا مرة أخرى، ويقول له :هكذا قال الرب إله داود ابيك قد سمعت صلاتك قد رأيت دموعك هانذا أشفيك في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب وأزيد على ايامك خمس عشرة سنة" (۲ مل٥:٢٠-٦) ثانيا: في العهد الجديد شفقة الله على الأعميين، لقد تقابل السيد المسيح معهما، وهو في الطريق خارجا من أريحا، فصرخا قائلين "ارحمنا یا سید یا این داود" فأشفق الرب عليهما. كما يقول الكتاب "فتحنن يسوع ولمس اعينهما فللوقت أبصرت اعينهما فتبعاه"(مت ٣٤:٢٠) شفقة الله على المرأة الكنعانية، التي كانت تصرح قائلة "ارحمنی با سید، يا ابن داود ابنتي مجنونة جدا"(مت ٢٢:١٥)، وهنا أدخلها السيد المسيح في امتحان صعب جداً، فقال لها "ليس حسناً أن يؤخذ خبر البنين ويلقى للكلاب ولكن هذه المرأة الكنعانية في إيمان ثابت اجابته قاتلة نعم يا سيد والكلاب ايضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها (مت٢٧:١٥) فنظر إليها السيد المسيح وقال لها: "يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة (مت ۲۸:۱۵) لقد تحين الله عليها وشفى ابنتها. شفقة الله على الأبرص، يقول الكتاب "وإذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني فمد يسوع يده ولمسه قائلاً: اريد، فاظهر (مت ۲:۸-٣) لقد تحنن الله على هذا الأبرص وطهره من برصه شفقة الله على أرملة نايين، فقد اقام لهذه الأرملة ابنها الوحيد، كما يقول الكتاب "فلما رأها الرب تحنن عليها، وقال لها لا تبكي، ثم تقدم ولمس النعش، فوقف الحاملون فقال أيها الشباب لك أقول قم فجلس الميت وابتدأ يتكلم، فدفعه إلى امه (لو ١٣:٧-١٥) شفقة الله على الجموع أن سبب هذه المعجزة هو شفقة الله على جموع الشعب المجتمعة لسماع تعاليمه، فيقول الكتاب "واما يسوع فدعا تلاميذه وقال: إني اشفق على الجمع، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معى وليس لهم ما يأكلون ولست اريد أن أصرفهم صائمين لثلا يخوروا في الطريق (مت ٢٢:١٥). شفقة الله على الحيوان والجميل هنا أن شفقة الله وحنانه ليست على البشر فقط ولكنها على الحيوان أيضا، فيقول الكتاب "لا تحرث على ثور وحمار معا" (تث١٠:٢٢) لأن الثور أقوى من الحماروهذا يسبب تعبا وألما للحمار" وأيضاً يقول "لا تطبخ جدياً بلبن امه"(تث٢١:١٤)، وهناك مواقف أخرى كثيرة، فمن خلال الكتاب المقدس خرجت ما يسمى بجمعية الرفق بالحيوان وايضا جمعيات حقوق الإنسان في شكل من اشكال الرحمة. شفقة الله على الطيور فيقول الكتاب "المعطى للبهائم طعامها، لفراخ الغربان التي تصرخ (مز ٩:١٤٧) فراخ الغربان أي الأولاد الصغار للغربان، وهي تتميز باللون الأبيض في أيامها الأول، وهذا يجعل الغراب الأب يخاف من أولاده ويهرب ويتركهم ويقال أن هذه الغربان الصغيرة عندما تترك وحيدة ترفع افواهها إلى السماء وتصرخ وكانها تطلب من الله إطعامها وبالفعل يرسل لها الله بعض الحشرات الصغيرة التي تشبعها، ومع الوقت يبدا لونها الأبيض في التحول إلى اللون الرمادي الغامق، وهنا يعود الغراب الآب إلى أولاده ويكمل رعايته لهم ! شفقة الله على الأرض فيقول الكتاب "وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها ، وأما في السابعة فتريحها وتتركها لياكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها وحوش البرية كذلك تفعل بكرمك وزيتونك "(خر ۱۰:۲۲ -11) لأنه إن زرعت الأرض بصفة دائمة، فإن ثمرتها وإنتاجها وقوتها سوف تضعف وأيضاً لأنه في هذا العام سيخرج من الأرض بعض الأعشاب التي يقتات منها الإنسان الفقير ووحوش البرية إن الرحمة والشفقة من الصفات العالية جدا التي يتميز بها الإنسان ولكن للأسف الشديد قد يصاب قلب الإنسان بالقسوة سواء كان ذلك في إطار الأسرة الصغيرة أو المجتمع أو الأوطان فنجد الحروب في كل مكان وهنا يتخلى الإنسان عن الرحمة التي في قلبه، بينما يعلمنا الكتاب قائلاً" كونوا رحماء كما أن أباكم ايضاً رحيم، (لو ٣٦:٦). كيف ينال الإنسان شفقة الله ورحمته!! هناك ثلاث قنوات تساعد الإنسان، لكيما ينال رحمة الله وشفقته وهي التوية، والقدرة على التسامح، وعمل الرحمة. أولا التوبة فالتوبة تجعل الله يسكب على الإنسان كل البركات، وأيضاً تفرح السماء فيقول الكتاب "اقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة (لو ٧:١٥) فالتوبة هي التي تسكب رحمة الله على الإنسان، ففى توبة الابن الضال، كان كل ما يتمناه في رجوعه، هو أن يكون أجيراً في بيت أبيه، ولكن ما حدث كان خلاف هذا، فقد قبله أبوه وتحنن عليه، كما قال الكتاب "فقال الأب لعبيده أخرجوا الحلة الأولى والبسوء واجعلوا خاتما في يده، وحذاء في رجليه وقدموا العجل المسمن واذبحوه فناكل ونفرح "(لو ٢٢:١٥-٢٣)إن توبة الابن الصادقة هي التي جلبت كل هذه النعم والعطايا عليه، فيقول الكتاب "كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن" (مر ۱۳:۱۰۲ -١٤)، فتوبة الإنسان هي التي تجعل الله يتحنن عليه ثانيا : القدرة على التسامح فهناك مشكلات قد تستمر لسنوات عديدة بينما إن كان لأحد الطرفين القدرة على التسامح، لكان هذا الصراع قد انتهى سريعاً، لذلك نصلي في الصلاة الربانية ونقول "وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمدنيين إلينا" (مت ٦ :١٢) ويقول الكتاب "وإن لم تغفروا انتم لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضاً زلاتكم "(مر ٢٦:١١)، فعلم نفسك أيها الحبيب كيف تستطيع أن تسامح، وقد تبدو هذه الكلمة سهلة، ولكنها في الحقيقة هي غاية في الصعوبة فكثير من الأشخاص ليس لديهم القدرة على المسامحة ولكن إن تخيل أي إنسان أن الله من الممكن أن يفعل معه ذلك، ولا ينسى له أخطاء، ماذا ستكون مشاعره !!! بالتأكيد سيكون شيئاً مؤلماً للغاية، لذلك حاول أن تسامح وتصفح، لتنسكب عليك رحمة الله وشفقته ثالثاً عمل الرحمة علم نفسك أيها الحبيب، أن تعمل دائماً. أعمال الرحمة وذلك بكل أشكالها، وضع امامك هذه الآية التي تقول "كونوا رحماء كما أن أباكم ايضاً رحيم،:(لو٣٦:٦).فمثلاً اجعل لك شفقة على الإنسان الضعيف فهناك من يتلذذ بإذلال الآخر وتعذيبه ولكن هذا يطيح بالإنسان بعيداً عن السماء فكيف تطلب من الله أن يشفق عليك وأنت لا تشفق على أخيك الإنسان مهما كانت قرابته لك علم نفسك كيف تكون رحيما بالآخرين، سواء كان هذا الآخر زوجاً أو زوجة أو ابناً أو جاراً أو صديقاً أو إلخ لكي ما تتمتع برحمة الله فحاول أيها الحبيب أن تبحث عن آية قساوة داخل قلبك، واعمل على إزالتها. وصل دائماً قائلاً "اشكرك يارب لأنك اشفقت على وأعطيتني النعمة التي استطيع بها أن أشفق على الآخرين". قداسة البابا تواضروس الثاني عن كتاب نشكرك لأنك
المزيد
01 أغسطس 2024

بدعة إعادة معمودية الهراطقة

هل الراجعين من الهرطقة يجب أن يتطهروا بالمعمودية؟ كيف نادى كبريانوس ومن معه من الأساقفة بأن الراجعين من الهرطقة يجب أن يتطهروا بالمعمودية؟ قال المؤرخ يوسابيوس القيصرى (1): وأول كل شئ اصر كبريانوس راعى كنيسة قرطاجنة، على أنهم يجب أن لا يقبلوا إلا إذا تطهروا بالمعمودية من زلاتهم، ولكن أستفانوس أشتد غضبه ورآه غير ضرورى إدخال أيه بدعة تخالف التقليد السارى منذ البداية. الرسائل التى كتبها ديونيسيوس عن هذا الموضوع: وإذ راسله ديونيسيوس بتوسع بصدد هذا الموضوع، بين له أخيراً بأنه طالما كان الإضطهاد قد خفت وطأته فإن الكنائس فى كل مكان بدعة نوفاتوس وصارت فى سلام بين بعضها البعض، وقد كتب ما يلى: الهدوء الذى جاء عقب الإضطهاد: 1 - لكن أعلموا الآن يا أخوتى أن جميع الكنائس فى الشرق، وما بعد الشرق، التى كانت منقسمة، قد أتحدت كلمتها، وأصبح جميع ألأساقفة فى كل مكان برأى واحد، مغتبطين جداً بالسلام الذى جاء، فوق ما كان منتظراً، هكذا أغتبط ديمتريانوس فى أنطاكية (2)، وثيوكتستوس فى قيصرية (3)، ومازابانس فى آليا، ومارينوس فى صور (كان الأسكندر تنيح) وهليودورس فى لادوكية (بعد موت ثيليميدرس) وهيلينوس فى طرسوس، وجميع كنائس كيليكية، وفرميليانوس، وجميع كبادوكية، ولم أذكر سوى أبرز الأساقفة لكى لا تكون رسالتى طويلة، وكلماتى ثقيلة. 2 - وجميع سوريا وبلاد العرب التى ترسلون إليها المساعدات عند الحاجة، والتى كتبتم إليها ألان مباشرة، وما بين النهرين وبنطس وبيثينيا، وبالإيجاز أن الجميع فى كل مكان مغتبطون، ويمجدون الرب من أجل الوحدة والمحبة الأخوية " هذا ما ذكرة ديونيسيوس. 3 - أما أستفانوس فإذ شغل مركزة سنتين خلفه زيستوس، وقد كتب إليه ديونيسيوس رسالة أخرى عن المعمودية، بين له فيها فى نفس الوقت رأى وحكم أستفانوس والأساقفة الآخرين، وروى ما يلى عن أستفانوس: 4 - " لذلك سبق أن كتب عن هيلينوس وفرمليانوس وجميع من فى كيليكية، وكبادوكية وغلاطية والأمم المجاورة: قائلاً أنه لا يريد الإختلاط بهم لهذا السبب، أى لأنهم أعادوا معمودية الهراطقة، لكى نتأمل أهمية الموضوع. 5 - " صحيح أنه صدرت من أكبر مجامع الأساقفة - على ما أعلم - قرارات فى هذا الموضوع، متضمنة بأن القادمين من الهرطقات يجب تعليمهم، وبعد ذلك يغسلون وينظفون من الخميرة العتيقة الدنسة، وقد كتبت إليه متوسلاً من أجل جميع هذه الأمور، وبعد ذلك يقول: 6 - " وقد كتبت أيضاً بكلمات قليلة فى البداية، وبكلما كثيرة أخيراً إلى زميلينا القسين المحبوبين ديونيسيوس (4) وفيلمون (5) اللذين كانا يدينان بنفس رأى أستفانوس، وكتب إلى عن نفس الأمور " هذا ما قيل عن المناقشة السابق ذكرها. سقطة الهراطقة الشنيعة / الرؤيا الإلهية التى رآها ديونيسيوس والقانون الكنسى الذى قبله. 1 - وقد روى ديونيسيوس هذا نفسه ما يلى فى الرسالة الثانية عن المعمودية التى كتبها إلى فليمون القس الرومانى: " وقد فحصت أعمال وتقاليد الهراطقة، مدنساً عقلى وقتاً قصيراً بآرائهم الكريهة، ولكننى حصلت على هذه الفائدة منهم، وهى أننى قد فندت آرائهم بنفسى، وأزددت لهم كرهاً. 2 - وعندما حاول الأخوة من القسوس أن يمنعنى خشية أن أحمل فى تيار شرهم ونجاستهم (الذى قد يدنس نفسى) وكنت أرى أيضاً أنه يقول الحق، أتتنى من الله رؤيا شدتتنى، والكلمة التى أتتنى أمرتنى قائلة بكل وضوح: 3 -: " أقرأ ما يمكن أن تصل إليه يدك، لأنك تستطيع أن تصحح كل شئ وتمتحنه، وهذا هو سبب إيمانك من البداية " فقبلت الرؤيا على اساس أنها تتفق مع الكلمة الرسولية القائلة لمن هم أقوى منى: كونوا سيارفة ماهرين. 4 - وبعد التحدث عن كل الهرطقات يضيف قائلاً: " لقد قبلت هذه القاعدة وهذا الترتيب من أبينا الطوباوى هراكلاس، لأن الذين عادوا من الهرطقات، رغم إرتدادهم عن الكنيسة، أو بالأحرى لم يرتدوا بل بدا كأنهم قد أجتمعوا معهم وأتهموا بالإلتجاء لأحد المعلمين الكذبة، فإنه عند طردهم من الكنيسة لم يقبلهم ثانية، رغم توسلاتهم، إلا بعد أن قصوا علانية كل ما سمعوه من خصومهم، وعندئذ قبلهم دون أن يتطلب منهم معمودية أخرى، لأنهم كانوا قد قبلوا منه سابقاً الروح القدس ". 5 - وأيضاً بعد معالجة الموضوع بالتفصيل يضيف ما يأتى: " وقد علمت أن هذه لم تكن بدعة دخلت أفريقيا وحدها، بل أن هذا الرأى كان مقبولاً فى اشهر الكنائس منذ زمن طويل أيام الأساقفة الذى سبقونا، وفى مجامع الأخوة فى أيقونية وسنادا، كما كان مقبولاً من أشخاص آخرين كثيرين، وأنا لا أستطيع أن احتمل بأن أقلب آرائهم، وأطرح بهم إلى الخصام والنزاع، لأنه قيل: لا تنقل تخم صاحبك الذى نصبه ىباؤك. 6 - أما رسالته الرابعة عن المعمودية فقد كتبت إلى ديونيسيوس الرومانى الذى كان وقتئذ قساً، ولكنه أرتقى إلى اسقفية تلك الكنيسة بعد ذلك بوقت قصير، وواضح مما قاله عنه ديونيسيوس الأسكندرى أنه هو أيضاً كان رجلاً متعلماً مقتدراً، وضمن ما كتبه ذكر له ما يلى عن نوفاتوس: معمودية الهراطقة الخاطئة 1 - أما رسالته الخامسة فقد كتبت إلى زيستوس أسقف روما، وبعد التحدث كثيراً فى هذه الرسالة عن الهراطقة روى حادثة حدثت فى عصرة كما يلى: " لأننى أخشى حقاً أيها ألأخر فى حاجة إلى المشورة، وأننى أطلب حكمك فى موضوع عرض على، خشية أن اكون على خطأ. 2 - " فقد كان أحد الأخوة الذين يجتمعون يعتبر مؤمناً منذ زمن طويل، وكان عضو فى الجماعة قبل رسامتى، بل قبل رسامة المغبوط هراكلاس على ما أظن، وكان حاضراً مع من تعمدوا أخيراً، وعندما سمع الأسئلة والأجوبة أتانى باكياً ونادباً سوء حظه، وسقط عند قدمى، وأعترف محتجاً بأن المعمودية التى عمد بها مع الهراطقة لم تكن كهذه المعمودية بأى حال من الأحوال إذ كانت مملوءة كفراً وتجديفاً. 3 - وقال أن نفسه قد أنكسرت حزناً، وانه ليست له دالة ليرفع عينيه إلى الرب لأنه كان موافقاً على تلك الأقوال والأفعال الكفرية، ولهذا طلب لمن ينال هذا التطهير الكامل وهذه النعمة الجزيلة. 4 - ولكننى لم اجسر على أن أفعل هذا، وقلت أن شركتة الطويلة كافية، لأننى يجب أن لا أجسر على أن أجدد من البداية شخصاً سمع وشكر، وأشترك فى ترديد آمين، ووقف أمام المائدة ومد يديه ليتناول الطعام المبارك وتناوله فعلاً وأشترك وقتاً طويلاً فى جسد ودم ربنا يسوع المسيح، على أننى نصحته بأن يتشجع ويقترب إلى شركة القديسين بإيمان ثابت ورجاء صالح. 5 - ولكنه لا يكف عن النحيب، ويتحاشى الأقتراب من المائدة وبندر أن يحضر الصلاة ورغم الإلحاح عليه. 6 - وعلاوة على هذه لا تزال باقية أيضاً رسالة أخرى لنفس الرجل عن المعمودية، موجهة منه ومن أيبروشيته إلى زيستوس وكنيسة روما، وفيها يناقش الموضوع الذى أثير وقتئذ بحجج أقوى، ولا يزال باقياً أيضاً رسالة أخرى بعد هذه موجهة إلى ديونيسيوس الرومانى بخصوص لوسيان. هذا ما قيل عن هذه الأمور.
المزيد
31 يوليو 2024

السلام القلبي

السلام القلبي هو ثمرة من ثمار الروح القدس في القلب الروح القدس إذا سكن قلب إنسان يعطيه سلامًا قلبيًا "يفوق كل عقل" كما يقول الرسول وكان السلام هو عطية السيد المسيح للناس، فقال"سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم" الشخص المملوء بالسلام لا يقلق ولا يضطرب ولا ينزعج مهما كانت الأمور ضاغطة من الخارج إن سلامه لا يعتمد على الظروف الخارجية، وإنما يعتمد على ثقته بحفظ الله ورعايته وثقته بوعود الله مادام الله موجودًا، ومادام يعمل ويحفظ، إذن لا داعي للخوف لهذا قال داود النبي "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (سفر المزامير 23: 4) إن مصدر سلامه هو شعوره أن الله معه تعب التلاميذ حينما كانوا في السفينة وظنوا أن الرب نائم بينما البحر هائج لهذا فقدوا سلامهم. كان العامِل المُسَيطِر هو الظروف الخارجية، والإحساس بعدم عمل الرب، فقام وانتهر الريح وأعاد إليهم سلامهم كونوا ثابتين من الداخل راسخين في إيمانكم، حينئذ لا تهزكم الظروف الخارجية مثل البيت المبنى على الصخر تعصف به الريح والإمطار فلا تقدر عليه لأنه ثابت من الداخل السفينة السليمة تحيط بها الأمواج الشديدة وتلطمها فلا تؤذيها، ولكن متى تتعب السفينة؟ تتعب حينما يوجد بها ثقب يوصل الماء إلى داخلها فهل يوجد ثقب داخل نفسك يجعل المياه تتسرب إلى نفسك فتغرقها القديس الأنبا انطونيوس كان مِثلاً للسلام القلبي، قال عنه القديس أثناسيوس الرسولي "مَنْ مِنْ الناس كان مُرّ النفس ومضطرب الخاطر ويرى وجه الأنبا انطونيوس إلا ويمتلئ قلبه بالسلام"! إن الإنسان المملوء بالسلام، يستطيع أن يفيض بالسلام على الآخرين، ويربح غيره عيشوا إذن في سلام حينئذ تستريحون وتعيشون في طمأنينة وهدوء، في صحة روحية وجسدية قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
30 يوليو 2024

الاجتهاد والتغصب

مِنْ رِسالة مُعلّمِنا بولس الرسول إِلَى أهل أفسُس بركاته على جميعِنا آمين[ فإِنَّ مُصارعتنا ليست مَعَ دمٍ وَلحمٍ ، بل مَعَ الرُّؤساء ، مَعَ السَّلاطين ، مَعَ وُلاة العالم على ظُلمة هذا الدَّهر ، مَعَ أجناد الشَّرِّ الرُّوحيَّة فِى السَّماويَّات مِنْ أجل ذلِك إِحمِلوا سِلاح الله الكامِل لِكى تقدِروا أنْ تُقاوِمُوا فِى اليوم الشِّرِّير ، وَبعد أنْ تُتمِّمُوا كُلَّ شىءٍ أنْ تثبُتُوا 0 فأثبُتُوا مُمنطِقين أحقاءكُمْ بالحقِّ ، وَلاَبسين دِرع البِرِّ ، وَحاذين أرْجُلكُمْ بإِستعداد إِنجيل السَّلام حامِلين فوق الكُلِّ تُرْسَ الإِيمانِ ، الّذى بِهِ تقدِرون أنْ تُطفِئوا جميع سِهام الشِّرِّير المُلتهِبة وَخُذوا خُوذة الخلاص ، وَسيف الرُّوح الّذى هُو كلِمةُ الله مُصلِّين بِكُلِّ صلوةٍ وَطِلبةٍ كُلِّ وَقْتٍ فِى الرُّوح ، وَساهِرين لِهذا بِعينِهِ بِكُلِّ مُواظبةٍ وَطِلبةٍ ، لأِجْلِ جميع القدِّيسين]( أف 6 : 12 – 18 ) لِكى نصِل إِلَى حياة الصلاة المُثمِرة يلزمنا أنْ لاَ ننتظِر البركات تهبِط علينا فجأة ، بل نحنُ نأخُذ طريقنا إِليّها بخطوات بطيئة وَلكِن ثابِتة ، يلزمنا جِهاد مُنظّم طويل ، وَيلزمنا صبر وَتغصُّب يكفينا أنْ نتقدّم ، مهما كان هذا التقدُم بطيئاً ، وَمهما كانت حلكة الظلام التّى تُحيط بِنا وَبِإِيماننا !! وَأنّ مُجرّد تقدُمنا فِى حياة الصلاة وَالعِشرة مَعَ الله لهُو دليل أكيد أنّنا واصِلون ، وَأنّ النّور لابُد أن يظهر وَإِنْ إِحتجب عنّا طويلاً ، وَحينئِذٍ يظهر تعب جِهادنا وَشدّة إِيماننا وَصبرِنا أمّا تغّصُبنا فِى جِهادنا وَعرقنا وَدموعنا وَمُغالبتنا مَعَ شِكوكنا ، وَسيّرنا بالرغم مِنْ الظُلمة التّى تُحيط بِكُلّ شىء فينا ، فهو وَإِنْ ظهر بِمظهر الضعف فِى أعيُننا إِلاّ إِنّهُ فِى عينّى الله غالِى القيمة [ طوبى للّذين آمنوا وَلَمْ يروا ] ، [ لأنّ الله ليس بِظالِم حتّى ينسى عملكُم وَتعب المحبّة التّى أظهرتموها نحو إِسمِهِ ] ( عب 6 : 10 ) معنى الجِهاد وَالتغّصُب القانونِى السوِى الّذى يقود إِلَى المسيح وَالحياة الأبدية وَهُو أنْ تتجِه إِرادة الجِهاد نحو التسليم المُطلق لله ، وَيتجِه تغّصُب الإِرادة إِلَى إِتضاع النَفْسَ لتدبير النعمِة مهما كانت الظروف ، بإِيمان لاَ يكِل ، حتّى لاَ يتبّقى للنَفْسَ مشيئة خاصة وَ لاَ شهوة خاصة إِلاّ أنْ تكون فقط مُطيعة دائِماً لصوت الله وَوصاياه وَهُنا ينبغِى أنْ نحترِس مَعَ إِنحراف الذات أثناء حرارِة العِبادة ، حينما تبدأ علامات النجاح وَما يتبعها مِنْ فرح وَسرور ، لأنّ الذات تميل فِى هذِهِ اللحظات أنْ تستزيد مِنْ النّجاح وَتستزيد مِنْ السرور ، فتلجأ إِلَى الجهد الذاتِى لِتستحدِث بِهِ مزيداً مِنْ النّجاح وَالفرح ، وَهُنا النُقطة الحرِجة التّى عِندها يتحّول الجِهاد وَالتّغصُب مِنْ سيرة القانونِى السوِى إِلَى جِهاد ذاتِى مقلوب ، وَتغّصُب لِحساب نمو القُدرات الشخصيّة إِذن فالإِجتهاد وَالتغّصُب لاَ ينبغِى أنْ يكون لهُما حافِز على الإِطلاق سوى محبِة الله فِى شخص يسوع المسيح مِنْ كُلّ القلب ، وَالتعبير عَنَ هذا الحُب ليس إِلاّ بقسر الذات على طاعِة الوصيّة مهما كان الثمن باهِظاً ،وَإِلزام الإِرادة وَالنيّة للتسليم بتدبير الله مهما كانت النتائِج غير مُسرّة للنّفْسَ ، أمّا الهدف الّذى يلزم أنْ نضعه أمامنا بالنسبة للجِهاد وَالتغّصُب فهو الخضوع الكامِل لله وَالتسليم المُطلق لمسرِّة مشيئتةُ 0 علامات منيرة على طريق الإِجتِهاد وَالتغّصُب :- أولاً:- إِحترِس مِنْ توّتُر الإِرادة لأنّهُ عتيد أنْ يُلقيك فِى دوّامِة جِهاد ذاتِى ، فحينما تنشط الإِرادة وَ تتحمّس أُربُطها فِى الحال بِطاعِة المسيح حتّى لاَ تعمل شيئاً مِنْ ذاتك 0 ثانياً:- أُرفُض كُلّ إِحساس بمسئوليتك عَنَ النّجاح وَالفشل ، وَحوِّله فِى الحال إِلَى إِحساس بمسئوليِة مُتابعِة العمل فقط 0 ثالِثاً:- لاَ تتطلّع إِلَى ضرورِة الحصول على معونة خارِجيّة مِنْ القوّات غير المنظورة ، لأنّ المسيح لَمْ يجعلك فِى نقص مِنْ شىء ، وَقَدْ تكفّل لك بِكُلّ لوازِم المسير ، إِذن فأكتفِى بِقوّة المسيح التّى معك ، وَجاهِد على أساسها ، فإِذا أتتك معونات وَتعزّيات مِنْ فوق فأفرح بِها وَأبتهِج ، وَلكِن لاَ تجعلها أساس جِهادك لئلاّ تُبطِل مسيرك وَيتعطّل 0 رابِعاً:- الإِجتِهاد وَالتغّصُب الّذى تعيشه ليس مِنْ أجل حصول شىء لذاتك أو لتقوية إِرادتك وَعزيمتك ، أوْ لِمواجهة عدوّك ، بل هُو فِى الحقيقة لِتتخلّى عَنَ ذاتك ، وَتُسلِّم إِرادتك ، وَ لاَ تعتمِد على عزيمتك ، وَتختفِى خلف المسيح مِنْ مواجهة عدّوك 0 خامِسا:ً- بقدر ما ستعتمِد على إِرادتك ، بقدر ما سيضعُف إِحساسك بِمعونة الله ، وَبقدر ما تقتصِر فِى جِهادك على تسليم إِرادتك فِى هدوء الخُضوع وَعِناد المُثابرة وَالتغّصُب لقبول كُلّ تدبيرات الله ، بقدر ما تحِس بيقين عمل الله وَعنايتهُ وَتدبيره لحياتك 0 سادِساً:- لاَ توقِف إِجتهادك وَتغّصُبك فِى طاعِة وصايا الله مهما كان فشلك ، وَمهما كانت تجارُبك ، لأنّ خلف نَفْسَك المهزومة يقِف المسيح وَفِى يديهِ إِكليل الجِهاد،فأنت غير مسئول عَنَ النّجاح،بل مسئول عَنَ الجِهاد 0 سابِعاً:- الجِهاد الّذى نُجاهِده وَالتغّصُب الّذى نُمارِسه إِذا مارسناه بِصِحّة فهو قطعاً يُبعِدنا عَنَ ذواتنا ، وَيفصِلنا عَنَ حياة الخطيئة وَالعصيان 0 وَالحقيقة التّى لاَ ينبغِى أنْ تغيب عَنَ أذهانِنا ، هى أنّ الإِنسان الّذى يعتمِد على ذاته وَإِرادتهُ فِى جِهاده لاَ يكتشِف أنّ جِهاده ذاتِى وَ لاَ يحِس أنّ إِعتماده لاَ يستنِد على الله ، فيمضِى فِى مسيره مُتعلِّقاً بِنَفْسَه مُتخبِّطاً ، يقوم مِنْ حُفرة لِيسقُط فِى أُخرى ، يلغِى نَفْسَه وَيلوم مشيئتةُ وَيحزن وَيكتئِب نَفْسَياً ، وَهُو لاَ يزال يعتقِد أنّهُ يستنِد على الله وَأنّهُ يثِق بِهِ وحدهُ فالحقيقة عكس ذلِك تماماً ، فالمسير فِى حياة تسليم الإِرادة لله لاَ يكون فيِهِ لوم للإِرادة كأنّها هى المسئولة عَنَ السقوط وَالتعثُّر ، فالسقوط وَالعثرات لاَ تنشأ عَنَ ضعف الإِرادة بل تنشأ عَنَ قوّتِها وَ تداخُلِها وَنشاطِها وَتعاليها على النعمة إذاً فإِنْ كُنّا نُريد أنْ نتحاشى العثرات وَالخطايا وَالسقطات ، فعلينا أنْ نخضع إِرادتنا وَنُسلّمها لله بِكُلّ عزم تسليماً نهائياً ، وَهذا يتِم بتغليب صوت الله على صوت الذات ،وَإِلزام الإِرادة بتكميل وصيّة الله مهما كانت الخِسارة أوْ الإِهانة ،وَإِلزامها بالخضوع وَإِحتمال التعب وَالمشقّة وَالوقوف وَالسهر لطاعِة كُلّ تعليمات الآباء وَتدبيرهُم ، حتّى تخضع الإِرادة وَينكسِر سُلطانِها لسُلطان الروح القُدس ، وَتبدأ تختفِى وراء النعمة ،وَحينئِذٍ ينجح الإِنسان علماً بأنّ الأحزان المُفرِطة التّى يستسلِم لها الإِنسان عِند سقوطه فِى خطيّة أو عثرة ما هى إِلاّ علامة على الكبرياء وَتوقير الذات وَالظُنون بالإِرادة فوق ما تستحِق ، ممّا يجعل على الإِنسان يستكثِر على نَفْسَه السقوط ، وَيظِل يتلّمس العزاء وَالراحة فِى تشجيعات كاذِبة مِنْ النّاس وَأب الإِعتراف لِيُضّمِد بِها كبرياء نَفْسَه المجروحة أمّ الموقِف الصحيح إِزاء سقوط الإِنسان فِى أىّ خطيّة فهو الإِعتراف بالخطيئة ، الإِلتِجاء فِى الحال إِلَى التوبة ، مواصلة الجِهاد بِتغّصُب لِمُتابعة تسليم وَمُمارسة إِتضاع النَفْسَ لله 0 أقوال الأباء فى الإجتهاد والتغصب:- فِى بدء حياة العِبادة ، تكون الصلاة أمراً ثقيلاً على الجسد وَالعقل ، وَإِنْ تُرِكا لذاتيهِما لِما تقدّمنا للصلاة قط ، لِذا وجب أنْ نُغصِب ذواتنا حتّى تصير الصلاة جُزءاً هاماً مِنْ حياتنا لاَ نستطيع أنْ نُهمِله أو نستغنى عنهُ 0 يقول النّاس إِذا كُنت لاَ تشعُر بميل إِلَى الصلاة ، فالأحسن أنْ لاَ تُصلّى ، هذا إِحتيال وَسفسطة جسدانيّة ، لأنّك إِذا كُنت ستُصلّى فقط حينما يكون لك ميل للصلاة ، فأنت لن تُصلّى قط ، لأنّ ميل الجسد الطبيعِى هُو ضد الصلاة [ فإِنِّى عالِم أنّهُ ليس ساكِن فىّ أىّ فِى جسدِى شىءً صالِح ] ( رو 7 : 18 ) ، وَ معروف أنّ [ الجسد يشتهِى ضد الرّوح ] ،وَ [ ملكوت الله كُلّ واحِد يغتصِب نَفْسَه إِليه ] ( لو 16:16 ) ، فأنت لن تستطيع أنْ تعمل لِخلاص نَفْسَك إِذا لَمْ تغصِب ذاتك 0 الصلاة التّى تكون لأداء الواجِب فقط خوفاً مِنْ النّاس تولِّد النِفاق وَالرياء ، وَتجعل الإِنسان عاجِزاً عَنَ أىّ خِدمة تحتاج إِلَى تأمُلّ روحِى ، وَتجعلهُ كسلاناً مُتباطِئاً فِى كُلّ شىء حتّى فِى تتميم واجِباته الجسديّة ، لِذلِك وجب على الّذين يُمارِسون مِثل هذِهِ العِبادة أنْ يُصّححوا صلواتهُم وَيجعلونها بفرح وَهِمّة وَنشاط مِنْ كُلّ القلب ، فَلاَ نُصلّى للرّبّ فقط حينما نكون مُجبرين على ذلِك بحُكم طقس العِبادة أوْ القوانين المُرتّبة ، بل يجِب أنْ نكون [ غير مُتكاسلين فِى الإِجتهاد ، حارين فِى الرّوح ، عابِدين الرّبّ ، فرِحين فِى الرجاء ، صابِرين فِى الضيق مواظِبين على الصلاة ] ( رو 12 : 11 ) 0 الكسل هُو الشوك الّذى يخنُق حِنطة الجِهاد ، وَهُو يحرِمنا مِنْ أتعابنا السالِفة ، وَالكسل فُرصة للشيطان ، يرمِى فيها بذوره السّامة ، الحسد ، الغيرة ، البُغضة ، الدينونة 0 إِغصِب نَفْسَك فِى كُلّ كلِمة مِنْ كلِمات الصلاة لِكى تكون بصحو وَشِدّة مِنْ عُمق القلب ، فإِذا فرِحت بِصلاتك فأعلم أنّ الله فرِح بِها ، فكُلّما كان القلب صادِقاً فِى شعوره ، كُلّما صارت الصلاة مُستحِقة القبول وَالإِستِجابة ، وَالله يُعطيك حسب قلبِك 0 إِذا كان جسدك ضعيفاً مُتكاسِلاً ، وَمهما كانت تيّرات النُعاس شديدة ، وَقَدْ سرت فِى جسدك كُلّه ، وَأخذت ترخِى أعضاءه عُضواً بعد الآخر ، هُنا وقت الشِهادة ، قُم أُنفُض غُبار الكسل وَأنزع نوم الغفلة ، وَجاهِد نَفْسَك حتّى تغلِبها ، وَ لاَ تُشفِق عليها ، وَمَنْ أجل حُبّك لله أُرفُض ذاتك وَأجحدها وَتقدّم للصلاة بِقلبٍ شُجاع وَنَفْسَ حارّة 0 القلب الّذى تقسّى بأباطيل العالم وَشهوات الجسد طويلاً ، يلزمهُ جِهاد طويل كذلِك 0 الله يفرح بلجاجتنا فِى الصلاة ، أىّ لاَ تكون صلواتنا قصيرة ، لِذلِك أعطانا مَثَلَ صديق نصف الليل وَالأرملة المُلِحّة ، فَلاَ تمل مِنْ الصلاة وَجاهِد إِلَى أنْ تبلُغ ما تُريد 0 تعلّم كيف تُصلّى وَأغصِب ذاتك على الصلاة ، فِى البداءة سيكون الأمر لديك شاقّاً ، وَلكِن بعدئِذٍ كُلّما غصبت نَفْسَك صار سهلاً لديك أنْ تُصلّى ، كُلّ شىء فِى بدايتِهِ يحتاج إِلَى أنْ يغصِب الإِنسان نَفْسَه عليه [ القديس يوحنا كاسيان ] لاَ تتبع راحِة الجسد وَلكِن صلّى ، وَصلّى بجِد وَإِهتمام حتّى وَلو كُنت طول النّهار تكِد وَتتعب ، لاَ تكُن مُهمِلاً فِى الصلاة المُقدّسة ، بل إِنتصِب وَقُل صلاتك مِنْ قلبك حتّى نهايتها ، لأنّها واجِب عليك نحو الله [ لاَ أصعد على سرير فِراشِى وَ لاَ أُعطِى لعينىّ نوماً أو لأجفانِى نُعاساً وَ لاَ راحةً لصدغِى إِلَى أنْ أجِد موضِعاً للرّبّ ] ( مز 132 ) ، إِذن فأحترِس أنْ لاَ تتمدّد بِجسدك أمام الله ، وَتزدرِى بالصلاة مِنْ أجل راحِة الجسد 0 إِذا كُنت قَدْ رتّبت لنَفْسَك قاعِدة أنْ تقرأ عدداً مِنْ الصلوات قصيرة كانت أم طويلة فتمِّم قراءتها بأعتناء حتّى أخر كلِمة ، إِقرأ بِكُلّ إِنتباه وَتيّقُظ ، وَ لاَ تعمل عمل الله بقلبٍ مُنقسِم فيكون نصفهُ أمام الله وَنصفه الآخر يطوف فِى العالم ، الرّبّ إِله غيور وَلن يسكُت على خِداعك وَمُخاتلتك وَإِشفاقك على ذاتك وَتقول أنّك تُصلّى وَأنت لاَ تُصلّى وَأعلم أنّ كُلّ صلاة تُقدّم بِلاَ إِخلاص نيّة تفصِل قلبك عَنَ الله وَتجعله ضِدك ، وَكُلّ صلاة تُقدِّمها بإِهتمام وَإِشتياق ترفع قلبك نحو الله فتجعلك قريباً مِنهُ على الدوام ، لأنّهُ ليس شىء يستطيع أنْ يجعل قلبك قريباً مِنْ الله مِثَلَ العرق وَالدموع 0 لِكى تتحرّر مِنْ عبودية الشهوات وَالخطايا وَسُلطة الشياطين ، ضع ملكوت السموات وَأورُشليم السمائيّة هدفاً لك ، مُستعيناً بإِسم الرّبّ يسوع ، وَأعلم أنّ هذا الهدف يحتاج إِلَى ثلاثة وَهى : الإِيمان وَ الرّجاء وَ المحبّة ، وَالمحبّة تكون أعظمهُنّ 0 أحياناً تفتقِد النَفْسَ حركة روحانيّة حادّة تتذّوق فِيها الله بِحرارة وَتشتعِل بِحُب الأشياء الإِلهيّة ، ثُمّ تعود تفتقِدها فتجِدها بردت وَجفّت مِنها ، لأنّ التشويش الحادِث مِنْ خُلطة النّاس قَدْ أصابك فِى موضعٍ ما ، أوْ لأنّك قَدْ فضّلت بعض الأعمال الجسديّة وَقدّمتها على خدمِتك الرّوحيّة إِلاّ أنّهُ فِى أىّ حال أنّ الدموع وَقرع الرأس على الأرض أثناء الصلاة وَإِنسحاق النَفْسَ ، تُسرِع مرّة أُخرى بإِنسياب تيار الحرارة الرّوحيّة الحلو الدافىء مِنْ القلب ، وَفِى شغف الفرح الرّوحِى الممدوح يطير القلب وراء الله هاتِفاً [ عطِشت نَفْسَى إِلَى الله إِلَى الإِله الحىّ ، متى أجىء وَأتراءى قُدّام الله ] ( مز 42 )( القديس مارِأفرآم السُريانِى ) الإِنسان الّذى يرغب أنْ يأتِى إِلَى الرّبّ وَيوجد مُستحِقاً للحياة الأبدية ، عليهِ أنْ يُداوِم بإِستمرار على الصلاة ، وَيغصِب ذاته على الإِتضاع ، واضِعاً فِى نَفْسَه أنّهُ أقل وَأحقر النّاس جميعاً ، وَكُلّ ما يغصِب نَفْسَه لأجله وَيعمله وَهُو مُتألِّم بقلب نافِر غير راضِى ، سوف يأتِى عليه يومً يعملهُ بِرضى وَقبول ، وَحينما يرى الرّبّ نيّة الإِنسان وَإِجتهاده يتحنّن الرّبّ عليه وَيُظهِر لهُ رحمتهُ ، وَيُخلِّصه مِنْ أعدائه وَمِنْ سُلطان الخطيّة ، وَيملأه مِنْ الرّوح القُدس ، وَحينئِذٍ يُتمِّم وصايا الرّبّ دون تغّصُب وَإِجتهاد ، لأنّ الرّبّ الساكِن فيه هُو يكون العامِل فيه ، وَبِذلِك يُثمِر ثِمار الرّوح بِطهارة ( الأنبا مكاريوس الكبير ) نصيب النعمة الإلهيه فى الإجتهاد البشرى:- لاَ وسيلة لرفع الملل وَالضجر وَ الحُزن المُفسِد إِلاّ بالإِنقطاع عَنَ الكلام البطّال وَالمزاح وَمُضاعفة الصلاة وَالإِنهماك فِى العمل الموكول إِلينا ، وَعدم التنّقُل مِنْ مكان إِلَى مكان ( القديس يوحنا كاسيان ) بالإِيمان ينال الإِنسان نعمة ، وَيكون أهلاً لدخول الملكوت ، إِلاّ أنّهُ مِنْ الناحية الأُخرى عليهِ أنْ يُحافِظ على روح النعمة وَيكون موافِقاً لهُ فِى كُلّ أعمالهِ ، فَلاَ يأتِى عملاً رديّاً أوْ يُهمِل عملاً مِنْ أعمال الله ، فإِذا داوم على ذلِك وَلَمْ يُحزِن الرّوح داخِلهُ بعمل ما يوافِقهُ ، يُمكِن عملياً مِنْ الدخول إِلَى ملكوت السموات 0 أحياناً يقوى علينا جانِب الشر ( بِسماح مِنْ الله ) وَتثِب علينا الأفكار الشرّيرة بِشِدّة ، وَفِى أُخرى تكون ثِقة الإِنسان وَعزمه أكثر مِنْ قائِد مُنتصِر يستمِد العون وَالنجاة مِنْ الله ، وَيُقاوِم الشرّ بِقوّة ، وَهكذا يسمح الله أنْ نكون فِى ناحية مغلوبين ، وَفِى أُخرى غالِبين ، حيناً ضُعفاء وَحيناً نتقدّم إِلَى الله بغيرة وَحرارة مُلتهِبة ، وَالشيطان يعلم ذلِك وَ لاَ يتجاسر أنْ يقترِب مِنْ الإِنسان فِى هذِهِ الأوقات لأنّهُ يعلم أنّهُ لاَ يقوى عليه ، وَ لِماذا ؟ لأنّ الإِرادة تكون حاضِرة عِنده مُشدّدة بالنعمة ، وَقَدْ تكاثرت عِنده بسبب ذلِك قوّة الإِيمان وَالحُب 0 الرّبّ يعمل مَعَ الإِنسان فِى أرض النَفْسَ ، أمّا الأشواك التّى يُبذِرها الشرّير فهى تنمو ، وَ لكِن حينما تكثُر النعمة تذويها وَتلفحها شمس البِر 0 المواهِب التّى يمنحها الله لنا تكون بِمثابِة وسائِل لتقوية إِيمان الآخرين ، فكُلّ إِجتهاد وَكُلّ بلوغ لَمْ يكمُل وَيُكلّل بعد رباط الحُب يبقى مُعرّضاً للخوف وَالحرب وَالسقوط وَالزوال ، وَإِذا لَمْ يأخُذ صاحِبهُ الحذر البالِغ فإِنّ الشيطان يُباغِتهُ وَيُصرِعهُ ( القديس مكاريوس الكبير ) قبل كُلّ شىء إِعلم أنّهُ لن يُتّوج أحد إِذا لَمْ يُجاهِد قانونياً ، كما قال بولس الرسول ، وَكُل واحِد لاَ يُجاهِد حسب ناموس السيرة التّى إِختارها لِنَفْسَه فإِنّهُ لن يُتّوج ، فينبغِى لِمَنْ تقدّم إِلَى الطريق الروحانِى أنْ يغصِب نَفْسَه فِى كُلّ تدبير يُقدِّمهُ إِلَى الله ، إِنْ كان صوماً أو صلاة أو بقيّة الفضائِل 0 إِذا كُنت تسأل إِلَى أىّ حد أغصِب ذاتِى ، أقول لك إِلَى حد الموت إِغصِب نَفْسَكَ مِنْ أجل الله ، إِغصِب نَفْسَكَ على الصلاة قبل مواعيدها لِتخِف عليك 0 إِحذر أنْ تُبطِل شيئاً مِنْ خِدمة الأوقات ( أىّ سبع الصلوات التّى بالأجبية ) ، إِتعِب جسدك بالصلاة حتّى تؤهّل لِحفظ الملائِكة ، وَحتّى يتقدّس سريرك مِنْ عرق الصلاة ، وَبِغير تعب فِى الصلاة لاَ تنم 0 صدّقنِى ياأخِى أنّ الملل وَالضجر وَثِقل الأعضاء وَالتكدُر وَتعب الفِكر وَبقيّة أسباب الحُزن التّى يسوقها عدو الخير على الإِنسان ، تُحسب لهُم عملاً إِلهياً ، وَلو يبقى الإِنسان مضغوطاً بِها فيصبِر وَيحتمِل وَ لاَ يخضع لها ، تُحسب لهُ ذبيحة نقيّة وَعملاً إِلهياً ، ما خلا فِكر العظمة وَالكبرياء 0 التجارُب التّى أمرنا الرّبّ أنْ نطلُب عدم الدخول فيها هى التجارُب النَفْسَية التّى تؤول بِنا إِلَى الفشل وَتُبعِدنا عَنَ الخلاص ، أمّا تجارُب الجسد فعلينا أنْ نستعِد لقبولها بالشُكر لأنّها توّصلنا إِلَى الله 0 مُحِبّو الراحة لاَ يحِل فيهُم روح الله ، بل الشيطان 0 أمّا إِنْ كُنت تتعب فِى سهرك مِنْ الوقوف وَيُوسّوِس الشيطان إِليك أنّهُ ما يبقى فيك قوّة ، وَيوحِى إِليك بالنوم ، فقُل لهُ أنا أجلِس وَأُكمِل سهرِى وَلستُ أنام 0 إِنّهُ أليق لنا أنْ نموت فِى الجِهاد ، مِنْ أنْ نحيا فِى السقوط 0 لاَ تقُل إِنِّى جاهدت وَمللت ، فرُبّما فِى أخر لحظة تهزِم عدوك وَتأخُذ إِكليلك وَتعبُر فِى أرض الشقاء إِلَى الراحة الأبديّة ، وَرُبّما يكون ذلِك بِكلِمة تقولها فِى موضعِها ، أو بِفكر مُنسحِق تُقدِّمهُ ، أو بشُكر على ضيقة تحِل عليك ، أُذكُر اللص الّذى دخل ملكوت الله مَعَ مُخلّصنا بسبب فِكرة إِيمانيّة ملأت نَفْسَه فِى أخر ساعة مِنْ ساعات حياته إِذا هبط علينا روح الإِهمال وَبردت حرارتنا ، نجلِس بيننا وَبين أنَفْسَنَا وَنجمع أفكارنا ، وَنُميِّز بِدقّة ما هُو سبب الإِهمال ، وَمِنْ أين بدأ ، وَ ماهُو الّذى يُبطِلك مِنْ الصلاة وَالعِبادة ؟ إِبحث وَإِذا عرفت داءك فَلاَ تتوان عَنَ تقويمه وَقطعه ، مُركِّزاً كُلّ عِبادتك وَصلاتك مِنْ أجله إِذا تعرّقلت حياتك الرّوحيّة لأىّ سببٍ كان ، فأبدأ حياتك مِنْ جديد ، كأول يوم عرفت فيهِ الله ، وَأبدأ جِهادك بِشِدّة وَأنت تصِل سريعاً إِلَى درجتك الأولى الّذين يبدأون جِهادهُم بِعزيمة مُتراخية ، فإِنّ الشيطان يقوى عليهُم ، وَالله لاَ يُعضّدهُم لأنّهُ يقول [ ملعون مَنْ يعمل عمل الرّبّ بِرخاءٍ ] أنّ جميع الفضائِل التّى نقتنيها بالتعب ، إِنْ كُنّا نتهاون فِى عملِها تضيع قليلاً قليلاً ( القديس مارِإِسحق السُريانِى ) الملل عدو الصلاة ، إِذا وقفت يُصارِعك لِتجلِس ، وَإِذا جلست يُصارِعك لِتتكىء ، وَإِذا إِتكأت يُصارِعك لِتنام ، أمّا ثمرِة الملل المُرّة فهو التنقُلّ مِنْ مكانٍ إِلَى مكان ، وَعصيان أوامِر الرؤساء وَالآباء ( القديس يوحنا الدرجِى ) إِسهر بغير ضجر ، لأنّ الله يُحِب سهراً بِفرح ، وَكُلّ ما يكون بِفرح فلهُ ثمرُه ، أمّا العمل الّذى بالضجر ما يكون لهُ أجر بل دينونة ( القديس يوحنا ذهبىّ الفم ) مَنْ تكاسل عَنَ الأمور الصغيرة ، لاَ تثِق بِهِ فِى الأمور الكبيرة ، وَ لاَ يُثقلّ عليك أنْ تموت مِنْ أجل الأمور التّى تحيا بِسببِها ( القديس باسيليوس الكبير ) القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
29 يوليو 2024

كيف نقتني الفضيلة

" من كان ذا فضيلة لا يسقط ( بسهولة )" ( 1 ملوك 1 : 52 ) ما هى الفضيلة؟ وما معنى عبارة إنسان فاضل؟ ‏ربما عبارة إنسان فاضل تعنى أنه إنسان خير،يحب الخير ويعمله ويحب البر ‏والفضيلة قد تعني النقاوة،أو السير فى طريق الله وقد تعنى قوة فى النفس،تمكنها من الانتصار على كل نوازع الشر وإغراءاته وتمارس الحياة البارة ‏وربما تعنى الفضيلة الارتفاع فوق مستوى الذات بحيث يخرج الإنسان عن دائرة ذاته،ويعيش لغيره ‏يخرج من الاهتمام بنفسه أو التركيز على نفسه للاهتمام بالاخرين من محبته لنفسه إلى محبته لله وللناس ‏نقول هذا لأن الخطيئة كثيرا ما تكون انحصارا حول الذات إنسان يريد ان يرفع ذاته،يمنع ذاته يشبع رغبات ذاته الفضيلة أيضا هى ارتفاع فوق مستوى اللذة: ‏لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية أو لذة نفسية فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس ،وتصبح لونأ من إشباع الذات وبطريقة خاطئة فالذى يحب المال أو المقتنيات إنما يجد لذة فى المال وفى المقتنيات،وكذلك من يحب الزينة ومن يحب الطعام ومن يحب المناصب أو الشهرة إنما يجد لذة فى كل هذا ومن يحب الجسد يجد لذته فى الجسد ومن يحب الانتقام لنفسه يجد لذة فى ذلك ‏الخطيئة إذن هى سعى وراء اللذة والفضيلة هى ارتفاع فوق مستوى اللذة إلى أن تجد إشباعا لها فى السعادة الروحية والسعادة غير اللذة،والفرح غير اللذة،اللذة غالبا مرتبطة بالحس ،بالجسد والمادة أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح ولذلك الفضيلة إذن تكون ارتفاعأ فوق مستوى المادة ولكى يحصل المرء على الفضيلة ويتحلى بها ، ينبغى أن يقتنى الآتى : الحكمة والمعرفة السليمة : " الحكيم عيناه فى رأسه ( ويعرف طريق خلاصه ) ، أما الجاهل ( روحياً ) فيسلُك فى الظلام " ( جا 2 : 14 ) ويقولون فى الأمثال : " فلان جاهل ، لا يعرف خيرّه من شّره ، ولا نفعه من ضرره " ( لو 23 : 34 ) ، ( 1 كو 2 : 8 ) . تقوية الإرادة ( العزيمة ) بوسائط النعمة المجددة :- أما عدم القدرة على سلوك الفضيلة ، لأن الخاطئ مغلوب على أمره ، من عادة ضارة أو بفكرة شريرة " لأنى لستُ أفعل الصالح الذى أريده ، بل الشر الذى لستُ أريده ، فإياه أفعل " ( رو 7 : 19 ) ويقول مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث " إن الضعف هو بسبب الوقوع فى الخطية ، والوقوع فى الخطية ، يؤدى إلى مزيد من الضعف ، والإنسان الذى تستعبده عادة رديئة هو إنسان " ضعيف " أما الشخص " الفاضل " فهو قوى بنعمة الله ، ويتحكم فى لسانه وفى أعصابه وفى فكره ، ولا يعود للخطية " ولا قيمة للفضائل عند الخاطئ ، مما يدفعه إلى الأستهتار واللامبالاة ولا الوقت له قيمة عنده ، ولا المواعيد , أو الأرتباط بالعهود والوعود ، ولا الواجبات لها قيمة فى نظره ، ولا القانون ولا التقاليد ، ولا شئ على الإطلاق " . مخافة الله : " بدء الحكمة مخافة الله " ( أم 9 : 10 ) ، فالفاضل يرى الرب أمامه كل حين ، ورقابته فى كل مكان ، فيسلك فى الفضيلة ، فى السر والعلانية ( يوسف الصديق ، ودانيال وأصحابه ) . ويعمل الروح القدس فى النفس المُجاهدة ، من أجل إقتناء الفضيلة : فقد اختار الرب إرمياء ، ويوحنا المعمدان لخدمته ( إر 1 : 5 ) ، ( لو 1 : 15 ) ، فهو بسابق علمه يعرف أن هؤلاء مجاهدين من أجل إقتناء الفضائل ، لذلك ملأهما – وقبل ولادتهما بالروح القدس – ويقول المثل العامى : " مالك متربى ؟! قال : من عند ربى " فلنمارس وسائط الخلاص تقتنى وتربح ثمار الفضيلة الجميلة ، وتتمتع بها قوة الإرادة والعزيمة: ‏قد لايستطيع إنسان أن يسلك فى طريق الفضيلة لأنه مغلوب من نفسه لأنه ضعيف الإرادة.. وكما يقول الكتاب ( لأنى لست أفعل الصالح الذى أريد بل الشر الذى لست أريده إياه أفعل رو 19:7) ‏ ولهذا فإن كثيرين لكى يحيوا فى الفضيلة يسلكون تد اريب روحية لتقوية إرادتهم. ‏إن الضعف يسبب الوقوع فى الخطية ‏والوقوع فى الخطية يؤدى إلى مزيد من الضعف، كل منهما يكون سببا ونتيجة للآخر ‏ولذلك نقول عن الإنسان الفاضل إنه إنسان قوى قوى فى الروح وفى الفكر وفى العزيمة وفى التنفيذ وفى التدريب إنه قوى فى الانتصار على الحروب الخارجية وفى الانتصار على النزعات الداخلية الذى تستعبده عادة رديئة هو إنسان ضعيف ‏والذى لايستطيع التحكم فى لسانه ولا التحكم فى أعصابه ولا التحكم فى فكره هو إنسان ضعيف وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيله حتى إن تاب عن الخطية يعود إليها مرة أخرى ‏من مصادر الفضيله أيضا: المبادىء والقيم ‏الإنسان الروحى المتمسك بالمبادىء والقيم يحيا حياة الفضيله لأن القيم التى يؤمن بها تحصنه فلا يستطيع أن يخطى، مهما حورب بالخطية يقول لك:لا أستطيع أن أفعل هذا الشىء ولو كان السيف على رقبتى لا أستطيع أن أكسر مبادئى أما الإنسان الخاطىء فلا قيم عنده ‏أى أن الفضائل لاقيمة حقيقية لها فى نظره حتى يحافظ عليها إنه يكذب لأن الصدق لاقيمة له فى نظره ويزنى لأن العفة لاقيمة لها فى نظره ويخون لأن الأمانة لاقيمة لها فى نظره وهكذا مع باقى الفضائل وبسبب ضياع القيم،يقع فى الاستهتار واللامبالاة ‏لا الوقت له قيمة،ولا المواعيد لها قيمة ولا الواجبات لها قيمة،ولا النظام العام ولا القانون ولا التقاليد ولاشىء على الإطلاق! ‏من مصادر الفضيلة أيضا مخافة الله ‏الإنسان الذى توجد مخافة الله فى قلبه،لايخطىء ولهذا قال الكتاب بدء الحكمة مخافة الرب أم 9 ‏: 10 ونجد فى هذه الآية الحكمة والمخافة معأ الإنسان الروحى،يخاف أن يكسر وصايا الله.ويخاف اليوم الذى يقف فيه أمام الديان العادل عب 1 ‏: 31 ‏ ويخاف العقوبة بل يخاف أن يفقد طهارته،وأن يفقد الصورة الإلهية ويخاف أيضأ على سمعته ويخاف أن يكون عثرة لغيره ‏وبالمخافة يسلك فى طريق الفضيلة وبممارسة الفضيلة يحبها وهكذا يسلك فيها حبأ لاخوفأ ‏غير أن البعض من الذين لايفهمون الترتيب الطبيعى للفضائل يبعدون عن المخافة بفهم خاطىء للآية التى تقو ل لا خوف فى المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج ايو 11:4 ‏ فمن من الناس قد وصل إلى هذه المحبة الكاملة لله، التى تطرح الخوف إلى خارج؟علينا أن نبدأ بالمخافة أولا والكتاب يقول سيروا زمان غربتكم بخوف ابط 17:1 ويقول ايضا تمموا خلاصكم بخوف ورعدة فى 12:2 ‏ولنثق أن هذه المخافة هى التى ستوصلنا إلى المحبة ‏مصدر آخر للفضيلة هو الموهبة الإلهية ‏فالفضيلة على نوعين نوع يولد الإنسان به،بطبع هادىء طيب ونوع يجاهد الإنسان لكى يصل إليه. أما عن النوع الذى يولد الإنسان به فهو كمثال يوحنا المعمدان الذى قيل عنه إنه من بطن أمه يمتلىء من الروح القدس لوا: 15 ومثال أرميا النبى الذى قال له الله قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب أرا: 5(وكما يقول المثل العامي مالك متربى قال من عند ربىي)ومن الذين جاهدوا حتى يصلوا إلي الفضيلة القديس موسى الأسود والذى يجاهد ينال بلا شك أجرا سماويا على جهاده وانتصاره وهؤلاء وضعهم السيد الرب فى سفر الرؤيا تحت عنوان من يغلب رؤ 11:3 حتى الذى يولد بالفضيلة يحتاج أيضا إلى جهاد لكى يغلب لأن عدو الخير لايشاء أن يتركه فى راحة بل يحاربه محاولا أن يفقده فضائله، فالذى ولد بالفضيلة يلزمه أن يثبت فيها ويصمد أمام حروب العدو،وكما قال الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك رؤ 3 ‏: 11 ‏ وأيضا الذى يجاهد حتى يصل إلى الكمال فى فضيلته إنه جهاد للنمو وجهاد يدخل به من الباب الضيق حسب وصية الرب 13:7 من مصادر الفضيلة:النعمة: ‏نعمة الله التى تساعد الإنسان وتقويه لكى يسلك ويثبت فى طريق الله،كما قال بولس الرسول بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لى لم تكن باطلة بل أنا تعبت اكثر من جميعهم ولكن لا أنا بل نعمة الله التى معي 1 ‏كو 5 ‏ا: ولأهمية هذه النعمة فإن الكنيسة المقدسة تطلبها لنا فى كل اجتماع قائلة نعمة ربنا يسوع المسيح،ومحبة الله وشركه الروح القدس،تكون مع جميعكم آمين 2 ‏كو 4:13 ‏على أننا يجب أن نتجاوب مع عمل النعمة ونشترك مع الروح القدس فى العمل ذلك لأن نعمة الله العاملة معنا لا تهبنا الفضيلة إلا باشتراكنا معها وقبولنا لها ولذلك يقول الرسول النعمة العاملة معي وليست العاملة وحدها الروح القدس يعمل فينا ونحن نعمل معه نشترك معه فى العمل ويتحد عمل الله مع إرادة الإنسان وعمله ونصل إلى الفضيلة بالشركة مع الروح القدس ‏قال بعض الآباء :الفضيلة بطبيعتها مغروسة فى النفس وهكذا تكون الخطية مجرد مقاومة لهذا الغرس الإلهى ولهذا تجد ضمير أى إنسان أيا كان من أى دين من الأديان بوذى ،براهمى ،كنفوشيوسى من اى دين تجد الفضيلة مغروسة فيه إنها الشريعة الطبيعية غير المكتوبة،التى وضعها الله فينا توضح لنا الخير وتدفعنا إليه،وتبكتنا إن لم نسلك فى طريق الفضيلة لذلك نجد الذى يخطيء،يشعر بالخجل والخوف والارتباك ‏هذا هو الذى يحدث للطفل حينها يخطف شيئا ليس له أو حينها يرتكب خطأ لاتوافق عليه القيم المغروسة فيه بالفطرة وهذا ما يحدث للكبار أيضا لهذا يحبون أن يرتكبوا الخطية فى الخفاء فى الظلمة دون أن يلاحظهم أحد لأنهم يقاومون شيئا مغروسا فى أعماقهم،ولذلك قيل عنهم ،أحب الناس الظلمة أكثر من النور،لأن أعمالهم كانت شريرة يو 19:3 القمص إفرايم الانبا بيشوى
المزيد
28 يوليو 2024

المسيح المشبع الاحد الثالث من أبيب

تَقْرَأ الكَنِيسَة فِي هذَا الصَّبَاح فَصْل مِنْ بِشَارِة لُوقَا أصْحَاح 9 وَالَّذِي يَتَحَدَّث عَنْ إِشْبَاع الجُمُوع وَكَانَتْ الجُمُوع تَتْبَعْ يَسُوع لِسَمَاع التَّعْلِيمْ وَابْتَدَأ يَسُوع يُكَلِّمَهُمْ لِفِتْرَة طَوِيلَة وَكَانَ التَّلاَمِيذ لَهُمْ دَالَّة عِنْدَ الرَّبَّ يَسُوع فَقَالُوا لَهُ { إِصْرِف الجُمُوع لِيَذْهَبُوا إِلَى القُرَى المُحِيطَة وَالحُقُول لِيَسْتَرِيحُوا وَيَجِدُوا مَا يَأكُلُونَهُ } ( لو 9 : 12)وَكَأنَّهُمْ يَتَشَفَعُوا عَنْ الشَّعْب فَالشَّعْب مَكَثَ ثَلاَثَة أيَّام يَسْمَعْ تَعَالِيمْ الْمَسِيح وَمِنْ جَمَال التَّعْلِيمْ لَمْ يِشْتِكُوا وَلَمْ يَمَلُّوا وَكَانَ لاَ يُوْجَدٌ طَعَام لِذلِك طَلَبَ التَّلاَمِيذ مِنْ يَسُوع أنْ يَصْرِف الجُمُوع وَلكِنْ يَسُوع كَانَ لَهُ حَل آخَر فَقَالَ لَهُمْ { أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا }( لو 9 : 13) فَتَحَيَّرُوا وَتَعَجَّبُوا وَخَجَلُوا وَكَانَ هُنَاك تِلْمِيذ مُنْدَفِعْ قَلِيلاً وَهُوَ القِدِيس فِيلُبُّس فَقَالَ لِلْمَسِيح إِنَّهُمْ وَلَوْ بِمِئَتَيْ دِينَار يَسْتَطِيعُوا أنْ يُشْبِعُوا هذِهِ الجُمُوع وَحَتَّى لَوْ حَدَثَ ذلِك فَكُلَّ وَاحِدٌ سَيَأخُذ شَيْئاً بَسِيطاً جِدّاً مِنْ الأكْل ( يو 6 : 5 ) وَكَانَتْ ألـ 300 دِينَار قَدِيماً تُعَادِل 10 آلاَف جُنَيْة اليَوْم هُنَاك أُمور كَثِيرَة فِي دَاخِلْنَا لاَ نَسْتَطِيعْ حَلَّهَا بِحُلُولْنَا البَشَرِيَّة وَالله يَطْلُبْ مِنَّا أنْ نَسْتَخْدِم الخَمْسَة خُبْزَات وَالسَّمَكَتَيْن المَوْجُودَة بِدَاخِلْنَا وَلاَ نَخْجَل مِنْهُمْ فَنَحْنُ نَظُنْ أنَّ إِمْكَانِيَاتْنَا ضَعِيفَة وَحَقِيرَة وَلكِنْ الله يَفْرَح بِهَا فَالله يُرِيدْ أنْ يَعْمَل بِالضَّعْف فَنَحْنُ نَمْلُك جَسَدٌ تَعْمَل فِيهِ الغَرَائِز وَالشَّهوَات جَسَدٌ لاَ يُرِيدْ أنْ يَصُوم أوْ يُصَلِّي وَهذِهِ هِيَ إِمْكَانِيَاتُه وَلكِنْ إِذَا قَدَّمْنَا هذَا الجَسَدٌ الضَّعِيفْ لله سَيُصْبِحٌ هَيْكَل لله وَأدَاة فِي يَدْ الله وَمَوْضِعْ لِسُكْنَى الله فَيَجِبْ أنْ نُقَدِّم أي شَيْء عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ كَانَ صَغِير مِثْل فِلْسِيّ الأرْمَلَة ( مر 12 : 42 ) فَيَجِبْ ألاَّ نُمْسِك شَيْء عَلَى رَبِّنَا وَأنْ نُقَدِّم لَهُ كُلَّ مَا عِنْدَنَا فَأُقَدِّم لَهُ عُمْرِي وَمَشَاعْرِي وَوَقْتِي وَإِمْكَانِيَاتِي { مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ }( 1أخ 29 : 14) جَمِيل أنْ يَعِيش الإِنْسَان بِهذَا الفِكْر فَالله يَنْظُر لأِي تَقْدِمَة بِفَرَح مَهْمَا كَانَتْ بَسِيطَة فَالله لاَ يُرِيدْ أنْ نَطْلُبْ مِنْهُ أنْ يَعْمَل فِينَا وَلاَ نُقَدِّم لَهُ شَيْئاً بَلْ يَجِبْ أنْ نُقَدِّم لله كُلَّ مَا عِنْدَنَا مَهْمَا كَانَ صَغِير مِثْل وَقْفِة صَلاَة بَسِيطَة وَقَصِيرَة وَرَفْع يَدْ وَعُشُور قَلِيلَة فَلاَ يَجِبْ أنْ نَقِفْ أمَام الله فَارِغِي اليَدَيْن فَالله يَنْظُر لِلحُبْ وَالأمَانَة أكْثَر مِنْ القِيمَة وَقَدِيماً فِي العَهْد القَدِيم كَانَتْ هُنَاك تَقْدِمَات لِكُلَّ طَبَقَات الشَّعْب وَكَانَتْ هُنَاك تَقْدُمِات لأِكْثَر طَبَقَات الشَّعْب فَقْراً وَهيَ فَرْخَيّ حَمَام وَهذِهِ هِيَ التَّقْدِمَة الَّتِي قَدَّمَتْهَا السَيِّدَة العَذْرَاء وَيُوسِفْ النَّجَار وَلَمْ يَخْجَلُوا مِنْ فَقْرِهِمْ وَكَذلِك كَانَتْ هُنَاك تَقْدِمَات لِلأَكْثَر فَقْراً وَهيَ الدَّقِيق المَوْجُودٌ فِي كُلَّ بَيْت إِذَا لَمْ نَكُنْ نَمْلُك تَقْدِمَة فَلاَ يَجِبْ أنْ نَنْظُر لِلخَارِج كَمَا فَعَلَ التَّلاَمِيذ عِنْدَمَا إِسْتَهَانُوا بِالخَمَس خُبْزَات وَالسَّمَكَتَيْن بَلْ يَجِبْ أنْ نُقَدِّم لله أبْسَط شِئ حَتَّى إِمْكَانِيَاتْنَا فَنُقَدِّم لَهُ جَسَدْنَا حَتَّى وَلَوْ كَسْلاَن القَلْب وَلَوْ حَتَّى بَلِيدْ الله يُحِبْ أنْ يَعْمَل بِالضَّعْف فَيُحِبْ الضَّعْف { قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ } ( 2كو 12 : 9 ) فَصَمُوئِيل النَّبِي عِنْدَمَا ذَهَبَ لِيَسَّى لِيَخْتَار المَلِك عَرَضَ عَلَيْهِ يَسَّى كُلَّ أوْلاَدُه فَرَفَض فَقَالَ لَهُ يَسَّى لَيْسَ لَدَيَّ سِوَى وَلَدٌ وَاحِدٌ ضَعِيف وَصَغِير فَإِخْتَارُه صَمُوئِيل لِيَكُون المَلِك وَاسْتَخْدِمُه رَبِّنَا لِخَلاَص الشَّعْب كُلُّه بِأبْسَطْ الإِمْكَانِيَات هِيَ مِقْلاَع وَخَمَس حَجَارَات ( 1صم 17 : 1 – 54 ) وَيَقُول الله عَنْ دَاوُد { أَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ قَالَ وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي } ( أع 13 : 22 ) الله يُحِبْ أنْ يَسْتَخْدِم الضَّعْف فَفِي عَصْر القُضَاة كَانَ الشَّعْب يَعِيش فِي ذُل وَانْكِسَار وَمَهَانَة عَلَى يَدْ جَمَاعَة مِنْ البَشَر إِسْمُهُمْ المِدْيَانِيِّين فَاخْتَار الله شَخْص ضَعِيفْ لِكَيْ يَقُود الشَّعْب وَيُخَلِّصَهُمْ هُوَ جَدْعُون الَّذِي قَالَ لِلمَلاَك عِنْدَمَا إِخْتَارُه { هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي } ( قض 6 : 15) وَكَأنَّ جَدْعُون يَقُول أنَّهُ أصْغَر وَاحِدٌ فِي أصْغَر عَشِيرَة فِي بَنِي إِسْرَائِيل الله لاَ يَعْمَل فِي الأقْوِيَاء وَلكِنَّهُ يَنْظُر لِلإِمْكَانِيَات الضَّعِيفَة { لِيَقُلِ الضَّعِيفُ بَطَلٌ أَنَا }( يؤ 3 : 10) فِي الكِتَاب المُقَدَّس ذَهَبَتْ إِمْرَأة إِلَى ألِيشَعْ النَّبِي وَقَالَتْ لَهُ أنَّ زَوْجِي مَاتْ وَعَلَيْهِ دِينْ وَلَمْ يُوْفِي دِينُه وَلاَ يُوْجَدٌ لَدَيْهَا مَال وَأنَّ الدَّيَّان يُرِيدْ أنْ يَأخُذْ وَلَدَيْهَا عَبِيداً لَهُ مُقَابِلْ لِلدِينْ فَسَألَهَا ألِيشَعْ عَمَّا تَمْلُكُه فَقَالَتْ لَهُ أنَّهَا لاَ تَمْلُك شَيْئاً وَسَألَهَا ثَانِيَةً وَأخَذَتْ تُفَكِّر حَتَّى تَذَكَّرَتْ أنَّ لَدَيْهَا قَلِيل مِنْ الزَّيتْ فَقَدِّمِتْهُمْ لأِلِيشَعْ فَطَلَبْ مِنْهَا إِنَّهَا تِجِيبْ كُلَّ الأوَانِي الَّلِي عَنْدَهَا وَعَنْد جِيرَانْهَا وَأخَذَ ألِيشَعْ يُصَلِّي ثُمَّ صَبْ الزَّيتْ فِي الأوَانِي حَتَّى فَرَغِتْ الأوَانِي فَتَوَقَفْ الزَّيتْ ( 1مل 17 : 8 – 16) فَالله يَمْلأ طُوْل مَا إِحْنَا بِنُقَدِّم لَهُ فَلاَبُدْ أنْ نُقَدِّم لَهُ أوْعِيَة فَارِغَة حَتَّى يَمْلأَهَا فَنُسَلِّمْ كُلَّ أُمُورْنَا لِرَبِّنَا وَرَبِّنَا يُجْرِي فِي كُلَّ أُمورْنَا رَحْمَة وَبَرَكَة فَلاَبُدْ أنْ نُجَاهِدْ حَتَّى نَأخُذْ فَضِيلَة فِي مُعْجِزِة تَحْوِيل المَاء لِخَمْر طَلَبْ الْمَسِيح أنْ يَمْلأُوا الأجْرَان الفَارِغَة بِالمَاء وَالله حَوَّلْهَا لِخَمْر جَيِّدٌ ( يو 2 : 1 – 10) فَالله طَلَبْ أجْرَان مَمْلُوءَة بِالمَاء وَهُوَ حَوَّلْهَا لِخَمْر وَلكِنْ لاَ يُمْكِنْ أنْ نَقُول لَهُ أنَّنَا لاَ نَمْلُك حَتَّى المَاء ( جَسَدْنَا وَمَشَاعِرْنَا ) لاَبُدْ أنْ نَنْظُر لله وَلاَ نَنْظُر لإِمْكَانِيَاتْنَا الضَّعِيفَة حَتَّى لاَ نَيْأس وَبِذلِك نَحْنُ نُقَلِّلْ مِنْ قُدْرِتُه بَلْ يَجِبْ أنْ يَكُون لَدَيْنَا إِيمَان بِأنَّهُ يَسْتَطِيعْ أنْ يَعْمَل بِالقَلِيل فَالْمَسِيح إِخْتَار تَلاَمِيذُه مِنْ الضُّعَفَاء وَالصَّيَادِينْ وَاسْتَخْدِم الجُهَلاَء لِيُخْزِي الحُكَمَاء وَالضُّعَفَاء لِيُخْزِي الأقْوِيَاء ( 1كو 1 : 27 ) الله عِنْدَمَا إِخْتَار مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى { أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ } ( خر 4 : 10) وَلكِنْ الله صَمَّمْ عَلَى إِخْتِيَار مُوسَى وَقَالَ لَهُ أنَّكَ سَتَتَكَلَّمْ أمَام فَرْعُون بِجَمِيعْ مَا أقُولُه لَك فَلَمْ يَخْتَار الله شَخْص فَصِيحٌ اللِّسَان بَلْ إِخْتَار شَخْص ثَقِيل اللِّسَان لِيَكُون فَضْل القُوَّة لِرَبِّنَا وَلَيْسَ لَهُ ( 2كو 4 : 7 ) كَانَ الله يَقُول لأِرْمِيَا دَائِماً { لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ } ( أر 1 : 7 ) .. فَهُوَ لَيْسَ صَغِير وَلكِنَّهُ كَبِير فِي عِينْ رَبِّنَا وَالله بِرَغْم صِغَر سِنُّه إِلاَّ أنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى شَعْب بَنِي إِسْرَائِيل بِرِسَالَة صَعْبَة وَهيَ أنَّ الله سَيُهْلِكَهُمْ وَنَتِيجَة لِذلِك أنَّهُمْ رَمُوه فِي الجُبّ ( أر 38 : 6 ) فِي رِسَالِة بُولِس إِلَى تِلْمِيذُه تِيمُوثَاوُس يُوَضِّحٌ بُولِس أنَّ تِيمُوثَاوُس كَانَ :- 1- سِنُّه صَغِير وَغِير نَاضِج كِفَايَة لكِنْ بُولِس كَانَ يَقُول لَهُ { لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ }( 1تي 4 : 12) فَالحِكَايَة لَيْسَتْ بِالسِّنْ وَلكِنْ بِاسْتِعْدَاد القَلْب . 2- مَرِيض بِرَغَمْ صِغَر سِنُّه{ مِنْ أَجْلِ مَعِدَتَكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ } ( 1تي 5 : 23 ) . 3- كَانَ خَجُول فَكَانَ بُولِس يَقُول لَهُ { لاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ } ( 2تي 1 : 8 ) . 4- حَسَّاس فَقَدْ بَكَى أثْنَاء القَبْض عَلَى بُولِس وَلَمْ يَسْتَطِيعْ أنْ يَحْتَمِل . وَبِالرَّغْم مِنْ كُلَّ هذِهِ الضَّعَفَات إِلاَّ أنَّ الله إِخْتَارُه فَالله يُرِيدْ ضَعْفِنَا لِكَيْ يَكُون فَضْل القُوَّة لاَ مِنَّا بَلْ مِنْ الله ( 2كو 4 : 7 ) لاَبُدْ أنْ نُفَتِّش دَاخِل أنْفُسَنَا لِنَرَى مَا نَسْتَطِيعْ أنْ نُقَدِّمُه لِرَبِّنَا وَلاَ يَجِبْ أنْ نَقُول أنَّنَا لاَ نَمْلُك شَيْئاً فَنَحْنُ نَسْتَطِيعْ أنْ نُحِبْ النَّاس وَأنْ نَقْرأ وَنَدْرِس الإِنْجِيل وَنُصَلِّي وَالله أعْطَانَا عَقْل وَقَلْب وَمَشَاعِر فَنَحْنُ نَمْلُك أُمور كَثِيرَة يَجِبْ أنْ نُقَدِّمْهَا لِرَبِّنَا فَلاَ يَجِبْ أنْ نُفَتِّش عَلَى شِئ نُعْطِيه لِرَبِّنَا مِنْ الخَارِج بَلْ يَجِبْ أنْ تَكُون العَطِيَّة مِنْ دَاخِلْنَا{ أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا }فَرَبِّنَا يَسْتَطِيعْ أنْ يَسْتَخْدِم ضَعْفِنَا وَأنْ يُحَوِّل الضَّعْف لِقُوَّة رَبِّنَا يِكَمِّلْ نَقَائِصْنَا وَيِسْنِدْ كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلأِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
27 يوليو 2024

إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر أبيب ( لو ١٤ : ٧ - ١٥ )

" وقال للمدعوين مثلاً، وهو يُلاحظ كيف اختاروا المتكاتِ الأولى قائلاً لهُمْ: مَتَى دُعيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عرس فلا تَتَّكِي فِي المُتَّكَ الأَوَّلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنكَ يكون قد دعي منه. فيأتي الذي دعاك وإِيَّاه ويقول لك: أعط مكانًا لهذا. فحينئذ تبتَدِى بِحَجَلٍ تَأخُذُ المَوْضِعَ الأخير. بل متی دعيت فاذهَبْ واتَّكِي فِي المَوْضِعِ الأخير، حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك : يا صديق، ارتفع إلى فوق. حينئذ يكون لك مجد أمامَ المُتَّكِئِينَ معكَ. الأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ ومَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ. وقال أيضًا للذي دَعاهُ : " إذا صَنَعَتَ غَدَاءً أَو عَشَاءً فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يَدعوكَ هُم أيضًا، فتكون لك مكافاة. " بل إذا صنعت ضيافَةً فادع المساكين، الجدع، العُرج، العمي، فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يُكافوك لأنَّكَ تُكافى في قيامَةِ الأبرار. فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ وَاحِدٌ مِنَ المُتَّكِئِينَ قَالَ لَهُ: طُوبَى لمَنْ يَأْكُلُ خُبزًا في ملكوت الله ". إنجيل القداس: معجزة إشباع الجموع. إنجيل العشية المتكأ الأخير طوبى لمن يأكل خبزا في ملكوت السموات". قال مثلاً وهو يلاحظ كيف اختاروا المتكات الأولى. الرب يلاحظ طرق البشر وعيناه تخترقان أستار الظلام فإن أدركت هذه الحقيقة يجب أن تسلك بخوف وحكمة واتضاع عارفًا أن الله ينظر ويلاحظ كان المتكئون يسرعون لكي يأخذوا مكان الصدارة والمتكات الأولى وعينا يسوع تلاحظهم... ليس كما يلاحظ الناس مظاهر الأعمال، ولكن كان يلاحظ حركة قلوبهم وفكرهم ونياتهم الداخلية، علة الكبرياء والأنا كانت هي الدافع والمحرك - وهي دائمًا كذلك - ولكن الرب لا يترك موقفًا إلا ويعلم لكي يخلص سامعيه بكلمة الحياة حينما يتبعون منهجه الإلهي كيف يخلص الإنسان من الكبرياء وتزكية الذات؟. بالمسيح - بالاتضاع - بالمتكأ الأخير ... وليس ثمة علاج آخر الذي يختار المتكأ الأول يزكي نفسه ويضع غيره منهج المسيح أن يضع الإنسان نفسه ويقدم غيره في الكرامة.وإن ركزنا بصرنا نحو إنجيل القداس حيث اتكأ الجميع ضيوفا على مائدة المسيح بشبه مائدة ذبيحة جسده الذي كسره خبزًا للحياة الأبدية ... نقول كيف نختار المتكات في هذا الملكوت حيث الملك جالس على الجبل الذي أسس عليه كنيسته ورسله الأطهار هم الموكلون بتجليس الناس. يا للخجل الذي ينالنا حينما نفكر في المتكات الأولى وأنه لا يوجد أكرم منا في كنيسة المسيح وملكوته!!. يا للخجل حينما يزكي الإنسان ذاته ويشتهي كرامة الكهنوت مثلاً !!. أين يذهب من ملاحظة المسيح له ومن عينيه التي تنظران إلى القلب !!. اتكئ في الموضع الأخير هناك تجد المسيح الذي أخلى ذاته وأخذ شكل العبد ووضع نفسه حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم". اتكئ في الموضع الأخير ... إن كنت تشعر أنك خاطئ شعورًا حقيقيًا من القلب، فليس للخاطئ أن يتكئ في المتكات الأولى.كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع هكذا يقول الرب. وحتى عندما أذهب إلى المتكأ الأخير، أشعر في نفسي أنه فضل من الله مجرد وجودي بين المتكئين وأنا لا أستحق حتى المتكأ الأخير ، فأوجد شاكرًا فرحًا أنني حسبت أهلاً أن أوجد في مجمع القديسين الذي هو كنيسة الله ولو في المتكأ الأخير. الآباء القديسون ضربوا أروع الأمثلة في اختيار المتكأ الأخير ... لما اختار الرب البابا كيرلس السادس ليجلسه في المتكأ الأول ظل يبكي متمسكا بالمتكأ الأخير وكان يقول كنت أتمنى أن أموت مجهولاً. كانوا يأتون بالآباء المختارين من الله للبطريركية في التاريخ القديم وهم مربوطون بسلاسل حديد ويحضرونهم قسرًا وكانوا يهربون من كرامة المتكات الأولى ويتعللون بعلل حتى يفلتوا ... أحدهم قطع لسانه لكي يعفي نفسه!! شيء يفوق الوصف ولكن لأنه كان مختارًا من الله أمر أحد الأساقفة أن يفتحوا فمه ووضع الجزء المقطوع في مكانه وابرأه فخضع للآباء وسار معهم. مار إسحق يقول : من يطلب الكرامة تهرب منه ومن يهرب منها بمعرفة فإنها تتبعه وترشد إليه الكثيرين". فإن كان لا يليق أن نتصرف هكذا في متكات العالم،فلا نختار المتكات الأولى ثم يلحقنا الخزي إذ يطردوننا منها ويعطوها لآخرين ... فبالأولى يكون سلوك أولاد الله الروحيين في الكنيسة. يكون سلوك إنكار الذات والهروب من الكرامة هو أساس حياتهم ومبدأهم. متى صنعت وليمة": ادع المساكين إلى مائدتك ولا تتأفف من عاداتهم ولا من وسخ ملابسهم ... فهم جسدك، أعضاء في جسد المسيح، بل أخوته، وهم إذ ليس لهم ما يكافئونك به سيدفع المسيح عنهم، ويكافئك مكافأة سماوية لا تخطر على بال البشر.طوباك يا أنبا أبرام أسقف الفيوم لأنك عشت كلمات سيدك في حياتك كلها فحسبت نفسك أحد هؤلاء المساكين وسعدت بصحبتهم ولم تتأفف منهم بل احتضنتهم برفق المسيح أكلاً معهم فهم كانوا مدعوين إلى مائدتك كل يوم ترى أي مكافأة عظيمة نلتها في السموات !؟. الأم تريزا الراهبة المعاصرة التي عاشت في الهند تعتني بالمرضى بالأمراض الخطيرة والمعدمين والمعوقين وكانت تحنو عليهم كأم ارتفع رصيدها في المجد من الله والناس ومن المسيحيين وغير المسيحيين والبوذيين والذين ليس لهم دين. ما أجمل وصايا المسيح حين تخرج إلى حيز التنفيذ في حياة الذين يؤمنون ويصدقون قول الرب ويتبعونه بكل قلوبهم. طوبى لمن يأكل خبزا في ملكوت الله: يبدو أن كلام المسيح وإن كان بحسب الظاهر يدعو إلى اتباع آداب الأفراح والمآدب، فالمدعوين يجب ألا يختاروا لأنفسهم المتكات الأولى. والذين يصنعون الولائم يجب أن يهتموا بالمساكين وهكذا فهم الذين كانوا يسمعون الرب. ولكن واحدًا وحيدًا فيما بينهم صرخ بهذا القول: "طوبي لمن يأكل خبزًا في ملكوت الله". لقد اتجه فكره نحو المائدة السمائية وعشاء عرس الخروف وخبز الحياة الأبدية.... فطوب أصحاب النصيب الفاخر الذين سيحسبون أهلاً لهذه الكرامة السماوية. المتنيح القمص لوقا سيداروس عن كتاب تأملات في أناجيل عشية الآحاد
المزيد
26 يوليو 2024

نشكرك لأنك ... نعمة القبول

من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله في تشكرك وحسب تقليد كنيستنا، فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي تفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات بعد أن نتلو الصلاة الربانية "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في اليد. عند الله كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضي، في الظلمة والظلمة لم تدركه كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا هذا جاء للشهادة ليشهد النور، لكي يؤمن الكل بواسطته لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان أنيا إلى العالم كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه"(يو١: ۱-۱۲) إن كل إنسان في هذه الحياة، يسعى دائما أن يكون مقبولاً عند الآخرين، فمثلاً الراهب يسعى أن يكون مقبولاً عند رئيس الدير واخوته الرهبان، وآخر يسعى أن يكون مقبولاً في عمله، وآخر يسعى أن يكون مقبولاً في الخدمة أو في محيط الأسرة أو.. وهكذا فنعمة القبول نعمة عظيمة جدا، عندما يجدها الإنسان في حياته، وهذه النعمة تجدها متكررة كثيرة جدا، في مشاهد من الكتاب المقدس، سواء كان ذلك في العهد القديم أو العهد الجديد، فيقول الكتاب إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يو١ : ۱۱-۱۲). مشاهد من نعمة القبول في العهد القديم: إن نعمة قبول الله للإنسان كانت تظهر قديما من خلال تقديم الذبائح، فكان الإنسان منذ بدء الخليقة يقدم الذبائح لله وكان قبولها علامة لرضا الله عنه، أما رفضها فكان دليل غضب الله على الإنسان أو على شعبه، إن كانت تقدم عن الشعب فمثلاً قايين قدم ذبيحته من أثمار الأرض، أما هابيل فقدم من أبكار غنمه. فنظر الله إلى هابيل وقربانه، ولم ينظر إلى قايين وقربانه كما يقول الكتاب وإن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر، (تك ٣:٤-٥). وقد قبل الرب ذبيحة هابيل، لأنها كانت ذبيحة حيوانية دموية كما يعلمنا الكتاب وكل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم. وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة(عب ٢٢:٩) وهكذا نوح قدم ذبيحة للرب بعد خروجه من الفلك، فيقول الكتاب " وبني نوح مذبحا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضاء "(تك ٢٠:٨-٢١)، وعبارة "فتنسم الرب رائحة الرضا" تشير إلى رضا الرب عن نوح الصديق. وفي عهد موسى النبي كانت تقدم ذبائح عن خطايا الشعب، ويطلب رضا الله، فيقول الكتاب عن هذه الذبائح إنها كانت "رائحة سرور وقود وهو للرب (خر ۱۸:۲۹) وكلمة "سرور" تعنى فرح ورضا وقبول فكانت الذبيحة مبعث شعور عند الإنسان أنه مقبول لدى الرب. وإذا تأملنا في العهد القديم قليلاً، نجد أن الله أحياناً كثيرة كان يغضب على شعبه بسبب خطاياهم الكثيرة، لذلك كان يرفض ذبائحهم التي تقدم لها كما يقول الكتاب "محرقاتكم غير مقبولة، وذبا ئحكم لا تلذ لي" (إر ٢٠:٦). إن شعب بني إسرائيل قديما، عندما كان يعيش في رضا الله وطاعته كان الله يتقبل ذبائحهم كرائحة سرور كما يقول الكتاب في سفر إشعياء "وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي لان بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب (إش ٧:٥٦). إن عملية القبول خطيرة جدا في حياة الإنسان، وفي مسيرة حياته الروحية فكل إنسان منا قد يقوم بأعمال كثيرة خلال يومه، وهذا أسأل نفسك أيها الحبيب، هل تتنسم رائحة رضا الله وسروره عن كل ما تقوم به من أعمال !! هل تشعر أنك مقبول لدى الله هل تستطيع أن تصلى كل يوم وتقول، أشكرك يارب لأنك قبلتني إليك؟ وإرميا النبي وقف في إحدى المرات يعاتب الله في سفر المراثي على تركه له قائلاً "لماذا تنسانا إلى الأبد وتتركنا طول الايام ارددنا يارب إليك فنرتد جدد أيامنا كالقديم. هل كل الرفض رفضتنا هل غضبت علينا جدا، (مر ٢٠:٥١-٢٢) وهذا حال كل إنسان يقف يناجي الله ويسأله هل أنا مقبول أمامك هل حياتي وسلوكي مقبول امامك يارب ؟ إن الله عندما كان يرضى عن شعبه ويقبله إليه يرنم الشعب فرحاً قائلاً: غنوا للرب ترنيمة جديدة تسبيحته في جماعة الاتقياء ليفرح إسرائيل بخالقه، (مز ١:١٤٩-٢) ونقف قليلاً عند شاول الملك الذي رفض الرب وفارقه روح الرب، لأنه تعدى على الكهنوت، وقدم ذبيحة للرب " هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش" (١صم ٢٢:١٥)، وهذا نسمع تحذير الله له على لسان صموئيل النبي قائلاً لأنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك (١صم ٢٢:١٥).مشاهد من نعمة القبول في العهد الجديد كما نعلم جميعاً أنه في العهد الجديد، لا توجد ذبائح دموية، وإنما أصبح سر التوبة والاعتراف هو الذبيحة التي يقدمها كل إنسان باعتبار أن السيد المسيح ذبح لأجلنا ولأجل خلاصنا، فعندما يشعر الإنسان أنه مقبول عند الله، يشعر داخله بالفرح والسلام مهما هاجت الأمواج. وايضا يشعر بالبركة في حياته ويظهورات قديسين له فتظهر له أطياف من القديسين تزوره وتفرح به ويتعزى بها فالسماء تفرح بخاطي واحد يتوب كما يقول الكتاب إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة (لو ٧:١٥) وسنذكر الآن بعض الاسئلة التي تبين قبول الله للإنسان أولاً: دعانا أولاده وهذه دعوة خاصة، تشعر الإنسان بالقرب إلى الله، فعندما تقف للصلاة تقول "أبانا الذي في السماوات" . وهي صلاة علمها لنا رب المجد بنفسه. كما قال الكتاب "فقال لهم: متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك، (لو ۲:۱۱) وفي العظة على الجبل، كرر السيد المسيح مرات كثيرة عبارة "أبوكم السماوي"مثال لذلك " انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها الستم أنتم بالحرى أفضل منها، (مت ٢٦:٦) وأيضا (مت ٦ ١٤، ١٥) ،(۱۱:۷)وأيضاً في (مر ٢٥:١١-٢٦) ثانياً الله يقبل الخطاة: وهذا أمر مفرح للإنسان، فالإنسان الذي يقع في الخطية، أو يعيش في خطايا معينة، أو يبتعد عن الله يشعر في داخله بعدم السلام، وكانه مرفوض ومكروه ولا أحد يبالي به والقديس بولس الرسول يقول "الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (١ تي ٤:٢) وهذا ما حدث مع المرأة الخاطئة.فقد غفر لها السيد المسيح خطيئتها. كما ذكر الكتاب فقال للمرأة إيمانك قد خلصك اذهبي بسلام (لو ٥٠:٧) وأيضاً قبل زكا العشار الذي بسببه حدث تذمر من الكتبة والفريسيين على السيد المسيح. وقالوا كيف يدخل بيت إنسان خاطئ وهنا أجابهم المسيح قائلاً: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم، لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك"( لو ۹:۱۹-۱۰) ثالثاً: الله يقبل الأطفال: وليس الأطفال فقط، بل أيضا يعيش بروح الأطفال، كما قال الكتاب "دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات" (مت ١٩ :١٤)،ولعلنا جميعاً نتذكر صورة جميلة،كنا نأخذها في مدارس الأحد للسيد المسيح وهو فاتح ذراعيه للأطفال فالمسيح يحب ويقبل كل من يعيش بقامة الأطفال،كما علمنا الكتاب قائلاً" إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت ۳:۱۸)، وهذه القامة تتميز بالبساطة والنقاوة والبراءة. وبالحياة البعيدة عن أية خطية رابعاً: الله يقبل الضعفاء يقول معلمنا بولس الرسول "اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجوده (۱کو١: ۲۷-۲۸) فالله يستخدم الضعفاء والصغار لكيما يتمجد فيهم ويقبلهم ففي زمن السيد المسيح، كان العالم ينقسم إلى فئتين أمم ويهود، وكان اليهود يطلقون على الامم لفظاً صعباً وهو أنهم . كالكلاب ونرى هذا بوضوح في قصة المرأة الكنعانية التي طلبت من السيد المسيح شفاء ابنتها، فقال لها المسيح "ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب" (مت ١٥ :٢٦) ولكن هذه الأم بإيمانها القوى بشخص المسيح، أجابته قائلة "نعم يا سيد والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها" (مت ٢٧:١٥)، وقد استجاب لها الرب وشفى ابنتها، وهذا يبين كيف قبل السيد المسيح الامم لذلك عندما نتامل في قصة ميلاد السيد المسيح، نجد أنه قد أتي لزيارته مجموعتان مجموعة الرعاة وهم يمثلون اليهود، ومجموعة المجوس وهم يمثلون الأمم، لكن للاسف رفض اليهود أن يعيشوا في المسار الصحيح، كما قال الكتاب" إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله (يو١ :۱۱) فهناك انسان يرفض النور ويفضل أن يعيش في الظلمة خامسا: الله يقبل الأعمال الصغيرة فكما يعلمنا الكتاب أن كاس ماء بارد لا يضيع أجره "ومن سقى أحد هؤلاء الصغر كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ. فالحق أقول لكم: إنه لا يضيع أجره "(مت ٤٢:١٠)، فمجرد أن يقوم إنسان بتقديم كأس ماء إلى شخص يشعر بالظماء الله يكافئه !! إنه عمل بسيط جداً. ومع هذا الله لا يضيع أجره، وليس هذا فقط بل وأيضاً يفرح بها ومن أمثلة ذلك، قصة الأرملة صاحبة الفلسين، لقد امتدحها السيد المسيح وقال عنها "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد القت أكثر من جميع الذين القوا في الخزانة، لأن الجميع من فضلتهم القوا وأما هذه فمن إعوازها القت كل ما عندها، كل معيشتها (مر ٤٢:١٢-٤٤)، فالله يقبل ويستخدم حتى الأمور الصغيرة ويحقق بها نجاحات كبيرة ويذكر لنا تاريخ الكنيسة قصة القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة وكيف أمن وأصبح من أياء الرهبنة العظام !! فيقول التاريخ عنه: إنه عندما كان جندياً في الجيش، عسكرت كتبيته بجانب مدينة إسنا وهناك فوجي أن أهل اسنا خرجوا اليهم بالطعام والشراب فتعجب وبدأ يسأل من هؤلاء الناس. ولماذا يفعلون لنا هذا، وهم لا يعرفوننا " وكانت الإجابة أنهم مسيحيون والمسيحية تعلمهم فضيلة إضافة الغرباء "كنت غريباً فاويتموني"( مت ٣٥:٢٥). إن من قام بإعداد كل هذا الطعام هم سيدات القرية البسطاء. وهم لا يعلمون من هم هؤلاء الجنود ولكنهم اعدوا هذا الطعام بكل أمانة وإخلاص وربما بصلواتهم أيضاً. وقد اصطاد هذا العمل البسيط نفس الجندي الشاب باخوميوس الذي قرر أن يصير مسيحيا، إن عاد سالماً من الحرب لقد قبل الله العمل البسيط الذي قامت به السيدات من إعداد الطعام، وقبل أيضا هذا الشاب الصغير الذي صار فيما بعد مؤسس حياة الشركة الرهبانية سادسا الله يقبل عبارات الصلاة القصيرة فقبل اللص اليمين وهو على عود الصليب حينما صرخ قائلاً هذه العبارة الصغيرة "اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك"( لو ٤٢:٢٣) ويقبل منا صلواتنا اليومية القصيرة مثل "ياربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" و"اللهم التفت إلى معونتي يارب أسرع وأعني" وغيرها من الصلوات القصيرة وايضا يقبل منا عبارة كيرياليسون، التي تكررها كثيرا في صلواتنا فكل هذه العبارات القصيرة والصلوات الكثيرة يقبلها الله ويقبل قائلها كما فعل مع اللص اليمين فالله يقبلنا ويقبل كل أعمالنا الصغيرة، كما يقول الكتاب" تعالوا یا مبارکی ابی رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فاطعمتمونی عطشت فسقیتموني كنت غريباً فأويتموني عريانا فكسوتموني مريضا فزرتمونی محبوسا فاتيتم إلى" (مت ٣٤:٢٥-٣٦). كيف ينال الإنسان القبول من الله أولاً اجعل إيمانك مقترنا باعمالك فلا تجعل إيمانك إيمانا صامتا أو أخرس فعبر عن إيمانك بأعمالك، كما يقول القديس بولس الرسول "الإيمان العامل بالمحبة "(غل ٦:٥) بمعنى أن الإيمان الموجود داخل القلب يجب أن يترجم إلى أعمال محبة يقول الكتاب "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه "(عب ٦:١١)، فاجعل إيمانك دائما مقترنا بالأعمال، لأن الإيمان بدون أعمال میت كما يقول معلمنا يعقوب الرسول "ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيمانا ولكن ليس له أعمال هل يقدر الإيمان أن يخلصه هكذا الإيمان أيضا إن لم يكن اعمال ميت في ذاته" (يع ١٤:٢-١٧) فمثلاً في مثل العذاري الحكيمات والجاهلات، تجد أنهن تشابهن في كل شيء عددا وشكلاً و إلخ، لكن كان هناك فرق واحد بينهن وهو أن الحكيمات كن مستعدات وقد سهرن وملأن مصابيحهن أما الجاهلات فأهملت كل شيء لذلك قال لهن العريس "الحق اقول لكن إلى ما اعرفكن (مت ١٢:٢٥)، والله لا يسمح أن يسمع أحد منا هذه العبارة القاسية.ونقرأ أيضا في الكتاب المقدس عن استير الملكة،وما فعلته لكي ما تنفذ شعبها من الفناء والإبادة فقد تطلب منها الأمر أن تدخل إلى الملك بدون دعوة منه، لكي ما تطلب منه انقاذ شعبها ولكن هذا الأمر كان من الممكن أن تدفع حياتها ثمنا له!! وهنا وبايمان كامل طلبت من الشعب أن يصلي ويصوم من أجل أن يعطيها الله نعمة امام الملك "صوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تضربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا. وأنا أيضا وجواری نصوم كذلك وهكذا أدخل إلى الملك خلاف السنة فإذا هلكت هلكت"(اس ١٦:٤)، وبالفعل وجدت نعمة أمام الملك، وأنقذت شعبها من الإبادة ثانيا: التوبة المستمرة إن الله يحب ويقبل الإنسان، الذي له التوبة المستمرة التي تعبر عن نقاوة قلبه. ويقبل أيضا من يحفظ ثوبه الأبيض الذي ارتداء يوم المعمودية، فالسيد المسيح مازال يدعونا كل يوم قائلاً "ارجعوا إلى يقول رب الجنود فارجع اليكم. يقول رب الجنود "(زك١ :۳) وايضا يقول "ومن يقبل إلى لا أخرجه خارجا "(يو٦ : ۳۷) وهنا نتذكر مثل الابن الضال، الذي رجع إلى أبيه بعد فترة من الضلال والاتعاب والخطايا، وقد استقبله أبوه ورحب به وفرح به وقبله إليه كما قال الكتاب "واذا كان لم يذل بعيدا راه ابوه، فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو ٢٠:١٥)، وهذه هي التوبة الصادقة التي ينطبق عليها قول الكتاب "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال، وأنا أريحكم (مت ۲۸:۱۱) ثالثا: التقوى: يذكر لنا الكتب أنه عند مقابلة بطرس الرسول مع كرنيليوس قائد المئة أنه قال له" بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (۱ع ٣٥:١٠)، فالتقوى تعنى مخافة الله، سواء كان ذلك في داخل غرفة الإنسان أو أمام الآخرين في الداخل كان أو في الخارج في كل مكان والمخافة في حضور الله الدائم في حياة الإنسان، كما قال معلمنا داود النبي "جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا اتزعزع (مز ٨:١٦) وأمنا العذراء مريم تقول في تسبحتها" ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه "(لو١: ٥٠)، فهي تقول لنا هذا الوعد الجميل فليعطنا الله دائما أن نعيش هذه النعمة ونتمتع ونفرح بها قداسة البابا تواضروس الثاني عن كتاب نشكرك لأنك
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل