المقالات

01 سبتمبر 2020

كما يشتاق الإيل (مزمور 42)

المزمــــــــــــور الثاني والأربعون هو أحد المزامير المعزية التي لا نكرّرها في صلوات الأجبية اليومية، لكنه مزمـــــــــور تحمل كلماته لنا الكثير من التعزيات وقت الضيق والآلام. ففي الآلام هناك من تصغر نفسه ويكتئب، وهناك من تقوده الآلام إلى شوق أكثر إلى الله!!!والإيل نوع من الغزلان تتميز بعدوها السريع، وبشوقها الدائم وبحثها الناجح عن أماكن المياه، وأيضًا يميزها نجاحها الدائم في مواجهة الأفاعي والتغلُّب عليها. فالإيل يستطيع أن يعدو بسرعة ويهاجم الأفاعي ويقتلها، وهذا يتركه في عرق وعطش، فيعدو بسرعة إلى أماكن المياه (والماء في الكتاب المقدس هو إشارة للروح القدس الذي قال عنه الرب يسوع: «من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 38)). أخيرًا يميّز الإيل أنها تتحرك في جماعات مستندة على بعضها البعض، كعلامة حب واحتمال للأخوة، فكل فرد في الجماعة يهتم بسلامة إخوته لكيما يعبروا الطريق معا!والمزمور يمثل شوق الإنسان إلى الله –رغم كل الآلام- بشوق الإيل إلى جداول المياه.كما يَشتاقُ الإيَّلُ إلَى جَداوِلِ المياهِ، هكذا تشتاقُ نَفسي إلَيكَ يا اللهُ. عَطِشَتْ نَفسي إلَى اللهِ، إلَى الإلهِ الحَيِّ: فالإنسان يقابل في حياته العديد من الأفاعي وهي تمثل حروب الشياطين، وهي على أنواع شتى، بعضها شر ظاهر وبعضها ذات بريق ملفت، لكن الإنسان الروحي لا ينخدع أبدًا بنعومة ملمس الأفاعي ولا بجمال شكلها، ولا يخشى الآلام التي تسبّبها له هذه الحروب، لكنها يواجهها ويهزمها جميعًا، ولا تزيده هذه الحروب والآلام إلّا شوقًا إلـــــــــــى الـــــــــرب وفرحًا به. مَتَى أجيءُ وأتَراءَى قُدّامَ اللهِ؟: وهذا هو شوق الإنسان الروحي، إنه يشتاق إلى أيّ وقت يصلي فيه، أو يخدم الآخرين، أو يسأل عن إخوته، فهذه كلها هي عمل للوجود في محضر الله. فالآلام لا تزيد المسيحي سوى شوق إلى الله ومحبة لإخوته!!! صارَتْ لي دُموعي خُبزًا نهارًا وليلًا: والخبز مهما كان يابسًا فهو موضوع شبع لصاحبه، فالإنسان المتمتّع بتعزيات الله تتحول ضيقات النهار -مهما كانت- إلى موضوع تعزيات ليلًا، إذ يضعها بدموع أمام الله في الصلاة، فالإنسان الروحي تتحول علاقته بالرب إلى علاقة شوق واختبار، فهو لا يعتبر صلواته واجبًا ثقيلًا عليه، بل يشتاق أن يجلس إلى الله وتكون آلام النهار خبز للليل، وما يصنعه معه الرب نهارًا يكون تعزية له ليلًا.إذ قيلَ لي كُلَّ يومٍ: «أين إلهُكَ؟»: وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، إذ يعيّرنا البشر: هذا هو إلهكم يترككم للآلام! لكن من يتأثر بكلام الناس لا يمكنه أن يحوِّل آلام النهار إلى تعزبة.هذِهِ أذكُرُها فأسكُبُ نَفسي علَيَّ: هذا هو رد فعل الإنسان الروحي تجاه الآلام وتعييرات الآخرين. أنا أتذكر تعيير العدو (الشيطان) لي، ولا أدع آلامي تلهيني، ولا تجعلني أتذمّر على الرب، بل أتخلّى عن ذاتي، ولا تصير نفسي ثمينة عندي، ولا أترك محبتي لذاتي تجعلني أضطرب، بل أتذكر ضعفاتي وخطاياي، وأقول لنفسي إنني مستحق للآلام، وأقدم توبة عن كل ضعفاتي، فتتحول آلامي إلى سبب للقائي مـــــــع الـــــــــــــــرب والتعزية به. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
02 مايو 2019

التدبير الروحي في الخماسين المقدسة

يشكو الكثيرين أنفسهم في أيام الخماسين المقدسة بأنهم يتراجعون روحياً وتبرد حميتهم الروحية، فالصوم قد توقّف والميطانيات ممنوعة ومسحة النسك التي كانت تغطي السلوك التدبيري قد بهتت. ولكن فترة الخمسين المقدسة إن كانت تشير إلى شيء فهي إنما تشير إلى الأبدية، لا خطايا ولا توبة بالتالي، لا دموع و قرع صدر لأنه الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، فالطعام روحي "لان ليس ملكوت الله أكلاً و شربًا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (رومية 14: 17). والسجود بفرح، وفي سفر الرؤيا جاء ذكر السجود للجالس على العرش اثنتي عشر مرة " وكانت الحيوانات الاربعة تقول امين والشيوخ الاربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى أبد الآبدين (رؤيا 5 : 14) إذا فالسجود ليس في كل مرة هو سجود التذلل، وانما يمكن أن يتم بمشاعر البهجة الممزوجة بالفرح، مثلما ينحني إنسان أمام أب كاهن أو حتى جده ليقبل يده بودّ وفرح وليس بتذلل. هكذا يوجد السجود في السماء، ويمكن بالأحرى أن يتم على الأرض وفي فترة الخمسين. إذا هذه الفترة ليست للتسيب وإلاّ فإن ذلك يعني أننا صمنا على مضض مكرهين ! وما أن انتهى الصوم حتى تنفس البعض الصعداء !. لذلك ربما لاحظت أن البعض يتعجّل نهاية القداس ليلة العيد،ومثله من يتعمّد أن يأكل دسماً بشراهة يومي الأربعاء والجمعة خلال الخمسين !!. أعرف بعض الآباء في البرية والذين اعتادوا الصوم حتى الثالثة كل يوم، فإذا حلت الخمسين حلوا صومهم صباحاً بكسرة خبز بسيطة على أن تكون الوجبة الأساسية في موعدها عند الثالثة، بل منهم من كان له تدبير - بالاتفاق مع الأب الروحي – على صوم يوم في الاسبوع بمستوى ما خلال هذه الفترة بل وعمل عدد من الميطانيات أيضاً. فإذا لم يحدث شيئا من هذا خلال الخمسين فإننا سنجد صعوبة شديدة في استئناف الجهاد الروحي في صوم الآباء الرسل. إن الإنسان الروحي يتساوى عنده الصوم مع الطعام فيختار الصوم، والمسوح مع الأرجوان، والتنعم مع الزهد،ففرحه داخلي وتعزيته في المسيح وغايته الأبدية،والقانون هو السمو فوق كل القوانين... نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
03 سبتمبر 2019

مقار الآخرة

مقار الآخرة هي أربعة: الفردوس، والجحيم، وملكوت السماوات، وجهنم، منها مؤقت أي الفردوس والجحيم، ومنهاأبدي أي ملكوت السماوات وجهنم. والمقار المؤقتة هي لانتظار الأرواح بعد الوفاة إلى يوم الدينونة الأخير، أما المقار الدائمة فهي للأرواح والأجساد معًا فيما بعد الدينونة أي بعد مجيء المسيح الثاني حيث "يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 29) فأجساد الموتى سوف تقوم في اليوم الأخير حيث تعود الأرواح إلى الأجساد وتتحد بها مرة أخرى لكي تدان الأرواح مع الأجساد. ولكن الجسد بعد القيامة العامة سوف تكون له خصائص جديدة تختلف عن خصائصه الحالية، وليس بمعنى أن الأجساد سوف تفنى ولكنها ستتغير عند القيامة وهذا ما سوف نشرحه بمشيئة الرب بتفصيل أكثر من واقع تعاليم الكتاب المقدس. الفردوس الجحيم الهاوية ملكوت السماوات جهنم أولًا: الفردوس الفردوس حاليًا ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء. إذ أن ذلك الفردوس أي الجنة كان يحوى أشجارًا وثمارًا وحيوانات. وقد وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها وحينما أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أي أن الرب قد أخرجه من الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد في خطيته ولا توجد له فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هي موت. وصار موت الجسد هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجًا إلى الخلاص بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن السيد المسيح: "بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية" الفردوس الحالي صار مقرًا للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات والأنهار. وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هي دمه "لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه" (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق أما ما رآه القديس يوحنا الرسول وكتب عنه في سفر الرؤيا من جهة الأربعة أحياء غير المتجسدين، فهذه كائنات حية روحية من طغمة الملائكة الكاروبيم ومنظرها الذي رآه هو منظر رمزي له مدلول روحي. فوجه الإنسان يرمز إلى تجسد الرب، ووجه العجل يرمز إلى ذبيحة الصليب، ووجه الأسد يرمز إلى القيامة، ووجه النسر يرمز إلى الصعود. كما أنها ترمز إلى الأناجيل الأربعة متى ولوقا ومرقس ويوحنا. بنفس هذا الترتيب. وذلك حسب طقس الأيقونات القديمة في الكنائس الأرثوذكسية جميعًا الفردوس الحالي ذكرهالسيد المسيح وهو معلّق على الصليب حينما طلب إليه اللص اليمين قائلًا: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو23: 42) فأجابه السيد المسيح مصححًا له طلبته: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) قال السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولًا وتنتظر هناك في شركة روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسي المسيح بعد عودتها إلى الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى ميراث ملكوت السماوات وقد قصد السيد المسيح أن يعلن للص اليمين إنه لن ينتظر طويلًا لكي يلتقي به، وذلك بعد مجيئه الثاني واستعلانملكوت السماوات، بل إنه سوف يلتقي به سريعًا بعد خروج روحه من الجسد حيث يكون السيد المسيح قد فتح بابالفردوس مرة أخرى لتنتقل إليه أرواح الأبرارأما أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر في السجن، فقد ذهب إليها السيد المسيح بروحه الإنساني المتحد باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من السجن ونقلها إلى الفردوس أي أنه قد (رد آدموبنيه إلى الفردوس( مثلما نقول في قسمة عيد القيامة.وقد وردت أقوال في الكتاب المقدس تؤكد أن السيد المسيح قد فعل ذلك مثل قول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "لذلك يقول: إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا،وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل" (أف4: 8-10). وقد صعد السيد المسيح بروحه من الجحيمإلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذًا معه أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد 40 يوم من قيامته من الأموات وفي هذا الصعود لم يأخذ معه أحدًا من البشر إلى أن يأتي للدينونة وقد تكلم أيضًا القديس بطرس الرسول عن عمل السيد المسيح في نزوله بالروح إلى الجحيم للكرازة بإتمام الفداء وفي نقل أرواح الأبرار إلى الفردوس فقال: "فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي فيالسجن" (1بط3: 18، 19) وقد سبق إشعياء النبي فقال بفم الله الآب: "أجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العمى، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن" (إش42: 6، 7). والكنيسة في صلاتها على الراقدين تقول: [هذه النفس التي اجتمعنا بسببها اليوم، يا رب افتح لها باب الفردوس كما فتحته للص اليمين. افتح لها باب الراحة لتدخل وتتنعم هناك وتشارك جميع القديسين..]. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
10 فبراير 2020

ماذا تعرف عن صوم "يونان النبي"؟

يبدأ اليوم، الإثنين، الأقباط في صوم يونان، والمعروف بصوم نينوي أيضا، والذي يستمر لمدة 3 أيام، لينتهي بفصح يونان يوم الخميس المقبل ويونان هو نبي عاش مع بني إسرائيل أرسله الله لأهل نينوي الذين أخطأوا أمام الله ليطلب منهم التوبة، إلا أن يونان خاف جدا من أهل نينوى فهرب إلى مدينة ترشيش، إلا أن الله أرسل ريحا عظيما وكادت أن تهلك المركب بمن فيها، وقام البحارة بعمل قرعة ليعلموا من هو سبب هذا الغضب العظيم بعد أن شكوا في الأمر فاستقرت القرعة على يونان 3 مرات.وفي النهاية اعترف يونان بأنه خالف قول الله، فما كان منهم إلا أنهم ألقوه في البحر، إلا أن الله كان أعد حوتا عظيما فابتلعه وظل في جوفه 3 أيام قدم فيها توبة حقيقية إلى أن لفظه على الشاطئ قرب نينوي، وقام يونان بمهمته وتابت بلده نينوي كلها على يديه. ويقع صوم نينوي قبل بدء الصوم الكبير بأسبوعين، ومدة هذا الصوم حسب طقس الكنيستين السريانية والقبطية هو ثلاثة أيام، أما الأرمن الأرثوذكس فيصومونه خمسة أيام، ولا تعرفه الكنيسة اليونانية. هذا الصوم إلى الكنيسة القبطية في أيام البابا إبرآم ابن زرعة السرياني (976- 979م) البطريرك الـ62 في القرن العاشر، حيث كان البابا ابرآم سرياني الأصل، وكان السريان يصومونه قبل القرن الرابع الميلادي.وكان عدد أيام هذا الصوم قديما ستة، أما الآن فهو ثلاثة أيام فقط، تبدأ صباح الاثنين الثالث قبل الصوم الكبير، وكان قد أهمل عبر الأجيال.ويذكر مار ديونيسيوس ابن الصليبي (1171+) أن مار ماروثا التكريتي (649+) هو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولا، ويقول ابن العبري نقلا عن الآخرين إن تثبيت هذا الصوم جرى بسبب شدة طرأت على الكنيسة في الحيرة (وباء خطير فتك بالأهالي) فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتماما لوصية أسقفهم (مار سوريشو مطران)، الذي أراد تقليد أهل نينوي لعل الله يستجيب ويخلصهم من الوباء، فنجاهم اللّه من تلك التجربة.وظل هذا الصوم يتأرجح، حتى نجده صار صومًا مستقرًا في الكنيسة في قوانين ابن العسال في القرن الثالث عشر، كما ذكره ابن كبر +1324م كصوم مستقر في الكنيسة
المزيد
24 يونيو 2021

شخصيات الكتاب المقدس أيوب

أيوب " بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عين "" أى 42: 5 " مقدمة عندما أفاقت الفتاة فرانسس من المخدر أثر عملية كبيرة، قالت لها الطبيبة التى كانت تقف إلى جوارها: تشددى يا فتاتى إن هى إلا بضع ساعات تتحررين بعدها من الآلام، وفى الغد لن تشعرى بآلام أقسى وأشد وأجابت الفتاة الجميلة، وعيناها تلتهبان بشواظ من الضيق والتمرد: إن الأمر لا يقتصر على وليس بى أدنى خوف من الغد، فإن فى أعماقى شيئاً يقهر الألم القاسى،... لكن المشكلة التى تفزعنى هى فى آلاف الناس فى العالم الذين يطحنهم الألم،.. والكثيرون منهم ليس لهم قدرة على النضال، والسؤال الذى ربما تضيقين به، ولكنه يراودنى: كيف أحب إلهاً يسمح بهذه الآلام؟ ولعلك تقولين، إنه ليس مسئولا عن الآلام، إذ هى خطية الناس التى تجلب عليهم آلامهم، ومع ذلك فأنا أعلم أنه قادر على كل شئ فلم يسمح لهم بالآلام؟!!... وقالت الطبيبة: أجل، أنا أعلم أن بعض الآلام تأتى من خطايا الناس،.. ولا أعلم لماذا يسمح اللّه بالكثير من الآلام التى قد لا تكون نتيجة مباشرة للخطية!!.. ومع ذلك أود أن أقول لك: إن هناك فتاة شابة فقيرة على مقربة منك، وقد تعرضت هذه الفتاة لمرض خطير، وكان من المستحيل أن تقاوم المرض، ما لم يكن لها الروح المعنوية العالية التى تتغلب بها عليه،.. وقد قصصت عليها شجاعتك فى تحمل الآلام، إلى درجة أنها تود رؤياك وتشتاق أن تسمع كل شئ عنك!!... وربما لا تعلمين أنه لولا قصتك لما اجتازت الفتاة محنة مرضها!!.. وإذ سمعت فرانسيس هذا امتلأت تأثراً وقالت للطبيبة: أنا لا أستحق أن أوصف بهذه الصورة التى رسمتيها لى، وأود أن أرسل إليها باقة من الزهور!!.. وإذا بنوبة من الألم تسكتها.. وأكملت الطبيبة الكلام قائلة: وسأقول لها: إنكما تقفان معاً على خط النار!!... وقصة أيوب فى كل التاريخ هى قصة الواقفين على خط النار فى أتون الآلام، إذ هو الرجل الذى تتطلع إليه الأجيال كنموذج عظيم للانتصار على التجارب والمآسى: أو كما يذكر الرسول يعقوب: " ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " يع 5: 11 ". ولعلنا بعد هذا كله يمكن أن نرى القصة فيما يلى:- أيوب من هو:- يعتقد بعض المفسرين أن الاسم " أيوب " من الكلمة العبرية التى تناظر فى العربية " آب " أى رجع.. فهو " التائب " أو " الراجع ". ولعلهم قصدوا أن يصوروه فى قوله أمام اللّه: " لذلك أرفض وأندم فى التراب والرماد " " أيو 42: 6 ".. وهناك من يعتقد أن الاسم يعنى " المضطهد " أو " المتألم "... وأياً كان الاسم، فما من شك أن الرجل كان شخصية تاريخية، وليس مجرد شخصية خيالية أو رمزية،... وحجة المنادين بأنه شخصية رمزية، أن مقدمة السفر وخاتمته جاءت نثراً، وأما البقية فقد كانت شعراً رائعاً وعظيماً،.. ومثل هذا لا ينهض حجة ضد تاريخية الرجل، فإن الشعر فى كل أقطار الأرض تناول أناساً تاريخيين دون أن يقدح هذا فى شخصياتهم التاريخية،... فإذا قيل إن الأرقام الواردة به وردت ابتداء وتضاعفت انتهاء فى البهائم والسائمة والماشية وأن أرقامها الدائرية، لا تعطى حقيقة تاريخية، كان الرد أن هذه أيضاً حجة واهية، لأن كاتب السفر لم يقصد أن يسجل عددها، بقدر ما أراد أن يسجل مضاعفة بركة اللّه للرجل الذي احتمل التجربة،... وأن الأولاد فقط هم الذين كان عددهم مماثلا فى النهاية للذين ذهبوا إلى اللّه فى الكارثة التى أحدثها الشيطان، فهم لم يضيعوا، بل حفظوا فى المجد إلى أن لحق بهم أبوهم وأخوتهم!! وهناك حجة ثالثة تقول إن السفر قد ضم إلى الكتب التعليمية، كسفر المزامير والأمثال والجامعة والمراثى، ولم يضم إلى الكتب التاريخية،... غير أن هذه الكتب نفسها تعد حجة مع أيوب كشخصية تاريخية، وليست ضده، لأن الكتب التعليمية كانت هى ذاتها، والكثير مما تضمنته وقائع تاريخية، لأشخاص تاريخيين!!.. وفى الواقع أن كتاب سفر أيوب، هو كما وصفه فيكتور هوجو قائلا: ربما هو أعظم كتاب على الأرض واجه الذهن البشرى وكان أيوب شخصية تاريخية، ذكره حزقيال النبى كشخصية تاريخية يقول عنها اللّه له: " ياابن آدم إن أخطأت إلى الأرض وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة: نوح، ودانيال وأيوب... إن عبرت فى الأرض وحوشاً وفى وسطها هؤلاء الرجال الثلاثة، فحى أنا يقول السيد الرب إنهم لا يخلصون بنين ولا بنات هم وحدهم يخلصون " " حز 14: 13 - 20 " ويقول أيضاً يعقوب الرسول: وقد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " " يع 5: 11" ويعتقد مارتن لوثر أن أيوب شخصية تاريخية، وأن كاتب السفر رجل تقى عميق الفهم والدراية الكتابية!!ومن الواضح أن أيوب كان أعظم رجل شرقى فى عصره، وأنه من " عوص " التى يعتقد أنها كانت فى الطرف الشمالى للجزيرة العربية، وتقع بين فلسطين ونهر الفرات، وربما كانت المدينة على اسم " عوص " من سلالة سام!! فإذا تحولنا إلى أخلاق الرجل وصفاته، نجد أنه وصف بأربعة أوصاف أساسية: " وكان هذا الرجل كاملا، ومستقيما، يتقى اللّه، ويحيد عن الشر " " أيو 1: 1 و8، 2: 3 " ولا يعنى الكمال أنه كان بلا خطية، فهو قد تحدث عن خطاياه، وأنه لا يمكن أن يظهر الإنسان كاملا أمام اللّه، ولكن الكمال بالمعنى النسبى، وهو التوازن الخلقى الذى يظهر فيه الإنسان " موزوناً " على حد التعبير الشائع، بدون ازدواج أو انفصام فى الشخصية، أو يعتبر ملوماً فى هذا أو ذاك من أوضاع الحياة، وقد أوضح الرسول بولس هذا الكمال النسبى فى رسالة فيلبى عندما قال: " ليس أنى نلت أو صرت كاملا ولكنى أسعى فليفتكر هذا جميع الكاملين منا " " فى 3: 12 - 15 " إن الولد الصغير الذى ينال الدرجة النهائية فى الحساب مثلا درجة الكمال، ليس معناه أنه أصبح عالماً فى الرياضيات لا يحتاج إلى نمو فى معرفته للحساب، لكنه الكمال الذى ينمو ويتحول كمالا آخر مع تزايد المعرفة والإدراك،ولعل هذا الكمال يتضح فى السلوك المستقيم الذى لا يعرف الالتواء، بل يتبع الخط المستقيم طوال الطريق كلها، والرجل لا يمكن أن يكون هذا إلا إذا توفر له أمران: أحدهما داخلى، والآخر خارجى، أحدهما مع اللّه والآخر مع الناس، أحدهما فى السريرة، والآخر فى السيرة،فهو فى السريرة الداخلية " يتقى اللّه " أى يخاف اللّه ويخشاه ويجله ويحترمه، وهو فى السيرة أمام الناس " يحيد عن الشر " أى يتباعد عنه، ولا يرتبط به بأية صورة من الصور!!.. أيوب والحوار غير المنظور:- إن النقطة التى يبدأ بها سفر أيوب، وينتهى، هى الحوار غير المنظور، بين اللّه والشيطان ابتداء، وبين اللّه وأيوب انتهاء، ومن اللازم أن نشير إلى أن أهم ما فى الوجود، ومن فى الوجود، هو غير المنظور، وأن مصائر الحياة، تتعلق بغير المنظور دون أدنى شبهة أو شك،وإن أقل ما فى الوجود هو المنظور،وإن أقل ما يجرى بين الناس هو المنظور، وأنه كان من الطبيعى إذا أردنا لقصة أيوب أن تتصور على حقيقتها، أن نبدأ بغير المنظور، أو أن نبدأ بالمنظر العلوى غير المكشوف للعين البشرية، الذى يمثل فيه الشيطان فى حضرة اللّه،والسؤال: كيف يمثل، وهل يمثل برغبته، أم يمثل بأمر أو سماح من اللّه؟؟ إنها أسئلة عويصة، ليس من السهل الإجابة عليها، وإن كنا نعلم أنها حقيقة واقعة، وأن ما يحدث على الأرض فى حياة الناس أو البيوت أو المجتمعات أو الممالك، يحدث فى العادة لأن غير المنظور تحكم فى المنظور،وأن الناس لا تعرف فى العادة من الحقيقة: إلا أقلها وأبسطها،فهذا الشيطان الذى مثل أمام اللّه يطلب أيوب، هو نفسه الذى مثل أمام السيد لنفس الشئ تلاميذ المسيح. وكما ادعى الشيطان أن أيوب لا يعبد اللّه مجاناً، وأنه لو سلم فى يده لأثبت هذا، هو نفسه الذى أراد أن يفتك بتلاميذ المسيح، وهو يصورهم على استعداد أن يتركوا المسيح عند أقل بادرة: " هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة ".. (لو 22: 31).. وهو الذى يشتكى على المؤمنين ليلا ونهاراً أمام اللّه، " رؤ 12: 10 "ولو أننا تأملنا هذا الحوار المثير لأدركنا أنه تحد للّه، أكثر من تحد لأيوب، وكأنما الشيطان يريد أن يقول للّه إن نعمته ليست كافية قط لأن تحفظ الإنسان، فى شتى التجارب والآلام، وأن العلاقة بين الإنسان واللّه، ليست هى نوعاً من الحب بين الإنسان واللّه، الحب العميق المجرد الخالص، بل هى نوع من المتاجرة، يجزل اللّه العطاء ليكسب ولاء الإنسان وتعبده وصلاته،وهذا الاتهام التعس الرخيص، إذا كان يصيب الإنسان فى الصميم، فإنه يجرح مشاعر اللّه ولا شك، واللّه الآب السماوى لا يقبل أن تكون علاقته بابنه المؤمن، مجرد علاقة وصولية نفعية، يعطى فيه الابن مقابل ما يأخذ، أو يقدم على أساس الانتفاع والمصلحة،... وقد أخذت قصة أيوب قوتها أمام الأجيال والتاريخ، فى أن اللّه يريد أن يكشف الحقيقة الثابتة لديه، والغائبة عن العالم والشيطان والتاريخ: إن نعمة اللّه الحافظة قوية منتصرة على طول الخط، وأن علاقة المؤمن باللّه تضرب جذورها العميقة فى المحبة الإلهية - محبة المسيح لنا وليست محبتنا للمسيح - والتى جعلت بولس يتحدى الشيطان فى قوله العظيم: " من سيشتكى على مختارى اللّه؟ اللّه هو الذى يبرر. من هو الذى يدين. المسيح هو الذى مات بل بالحرى قام أيضاً الذى هو أيضاً عن يمين اللّه الذى أيضاً يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشده أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف؟ كما هو مكتوب اننا من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا. فإنى متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة اللّه التى فى المسيح يسوع ربنا " " رو: 33 - 39"إن الحقيقة المثيرة التى ينبغى أن ننبه الناس إليها، فى قصة أيوب، والتى تقلبها رأساً على عقب، هى أن أيوب صمد فى المعركة لسبب واحد لا أكثر ولا أقل، وقد ذكره السيد المسيح فى قوله: " وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى، أبى الذى أعطانى إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى ".. " يو 10: 28 و29 " عندما هدد الكاردينال " كاجيتان " لوثر وهو يقول له: " إن خنصر البابا أغلظ من ألمانيا التى أنت متكل عليها، وأين تكون أنت عند ئذاك؟!!... وأجاب لوثر: أكون حيث أنا الآن فى قبضة يمين القادر على كل شئ!!.. قال أحدهم: إن الشيطان رغم معرفته بحقائق كثيرة، لكن هناك حقيقة يجهلها أو لا يستطيع أن يصل إلى عمقها، وهى قدرة نعمة اللّه الفعالة فى حفظ الناس!!.. وهذه الحقيقة ليست مجرد خيال أو تصور، أو من باب التخمين أو الاستنتاج، بل إنها واضحة من القصة نفسها، لقد استنفد شيطان تجاربه بالقضاء على ثروة أيوب وأولاده، بسماح من اللّه، ثم عاد مرة أخرى يطلب مواصلة الامتحان فى جسده، وأعطى له كل شئ بحدود، فهو ليس مطلق التصرف، وعندما طلب التلاميذ ليغربلهم كالحنطة... كان هناك طلب آخر، مضاد ومعاكس لطلب الشيطان، وهو طلب المسيح " طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت فثبت إخوتك ". " لو 22: 32 ".. لقد ذهب يهوذا لأنه كان ابن الهلاك، وبقى بطرس لا لقوة فيه، بل للحارس الضامن بأعجوبة النعمة الإلهية الفعالة فى حياة المؤمنين!!... أما ما هى البواعث العميقة فى قلب اللّه للمنح أو للترك؟؟؟... فهذا سؤال أعمق من أن يصل إليه الإنسان فى العالم الحاضر، وربما يشاء اللّه فى جلاله الأبدى أن يبقيه، إلى أن يكشف حكمته العظيمة الكلية، فيما وراء عالمنا المنظور وفى مجده الفائق فى السماء،... ومن الثابت على أية حال أن صراعنا الأكبر فى الأرض، ليس الصراع مع المنظور، بل مع غير المنظور، أو كما يقول الرسول بولس: " البسوا سلاح اللّه الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات " " أف 6: 11 و12 " إن الناس، كبروا أو صغروا، ما هم إلا دمى فى يد الشيطان يلعب بهم ويستخدمهم فى حربه مع المؤمنين!!.. ومن أول التاريخ البشرى حتى نهايته، من اللحظة التى اختبأ فيها الشيطان فى الحية، والتى ظهر فيها فى الصليب من وراء قيافا وبيلاطس واليهود والرومان،... والتى فيها ارتكب يهوذا جريمته الكبرى بعد أن دخله الشيطان،... وإلى آخر القصة البشرية، لا ينبغى أن نحول النظر عنه، لأنه دائم الجولان والتمشى فى الأرض، " ولأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو "... " 1 بط 5: 8 " هل يستطيع البشر كتابة التاريخ من هذه الزاوية؟،.. إنهم إن عجزوا، فإن الأبدية سترويه وستقصه من هذه النقطة المثيرة التى لا يتعمق الناس فى دراستها، وهم يناقشون مسرحية الإنسان ولعبته الكبرى فى الأرض!!. أيوب والحوار المنظور مع أصحابه:- فإذا تركنا الخلفية غير المنظورة، وتحولنا إلى الحوار المنظور، وهو الحوار الذى قام بين أيوب وبين أصدقائه الأربعة،... ولكن قبل أن نتعرض لهذا الحوار، لابد أن نشير إلى أن لغز الألم أعمق من أن يكشف عنه البشر فى الأرض!!.. قال ج. ولا س هاملتون: " لا يمكن لأى إنسان إلا الأحمق أن يدعى معرفة الجواب عن كل آلام الإنسان فى العالم،... إن آلام الإنسان مغطاة بالرهبة وبالفزع المقدس، وهى التى تجعله يصرخ فى اتجاه السماء قائلا: لماذا!!؟... وأحكم الناس على الأرض، لا يستطيعون معرفة لماذا!!... ومع ذلك، فنحن لسنا فى ظلام مطبق!!... فالناس الذين يشتكون، كثيراً ما ينسون أن شكواهم ما هى إلا خلاصة الاختيار الذى اختاروه هم لأنفسهم!!.. ومع ذلك فليس الكل يشتكون دائماً، إذ نحن نعيش فى عالم واحد، والناس يدخلون الاختبار الواحد بدرجات مختلفة، وتقبل الإنسان الأمور بالشك أو الإيمان، إنما هو عملية داخلية بينه وبين نفسه!!.. ورد الفعل عند البعض بالمرارة والتذمر، وعند آخرين هو التدرب على اليقين بأن صمت السماء ليس مجرد صمت غليظ أو جاف، بل سيتعلمون بعض المعانى، وسيرون فى أعماق الليل، النجوم التى لم يستطيعوا أن يروها فى النهار، وسيدركون أن المعنى الأعمق فى الحياة هنا ليس السعادة بل القداسة، وأن ما هو أفضل لنا، هو القياس الصحيح للنضال المحتدم فى حياتنا!!.. فقد " هارولد رسل " يديه فى الحرب العالمية الأخيرة، لكنه أصبح واحداً من أشجع الناس فى تقبل صدمته بعد الحرب، وشق طريقه لتصبح حياته ذات فائدة ومغزى عندما كتب كتاباً فى عام 1949: " النصر فى يدى " قال فيه: إنه ليس هناك قاعدة سهلة للحياة السعيدة، والذى يقول غير ذلك إما أنه ساخر، أو كاذب ولست أقصد أن أعطى وصفة أو تذكرة طبية من عندى،... ولكنى أركز على حقيقة واحدة بسيطة، إذا كان لى أن أذكر، وهى ليست وصفة مؤكدة للسعادة، أو سبيلا يمكن أن يملأ حديقتك الخلفية بالطيور المغردة، بل هى فى الواقع، ما وجدت أنه يساعد على الانتصار على الأسف الذى لا يجدى، أو هزيمة النفس!!... إنه ليس ما تفقد بل ما تترك هو الذى يتبقى،... وما أكثر الذين يبذرون جهدهم ووقتهم وأحلامهم فى الأمور التى انطوت، والتى لا يمكن أن تعود، وكان الأحرى بهم أن يشغلوا حياتهم بالحقائق، والواجبات الثقيلة اليومية " لقد أفلس أيوب وأصحابه فى الوصول إلى الحل الأخير لمشكلة الألم، وبقيت المشكلة أعمق من أن نجد لها الجواب الصحيح فى العالم الحاضر، ويكفى أن نلخص الحوار العظيم حول هذه المشكلة فى سفر أيوب!!.. لقد بدأ أيوب الحوار، بعد أن عجز عن ضبط نفسه، فلعن اليوم الذى ولد فيه، والليل الذى تصور فيه فى بطن أمه، وتمنى لو أنه مات طفلا، ليتساوى مع الذين ماتوا بعد أن بنوا الأهرام،... ومن المتصور أن اليفاز التيمانى كان أكبر الصحاب، وخلاصة كلامه فى الأصحاح الرابع أنه لابد أن هذا عقاب من اللّه على خطايا ارتكبها أيوب، وطلب إليه فى الأصحاح الخامس أن يتوب عنها، وسارع أيوب فى الرد على أليفاز، فى الأصحاحين السادس والسابع، غير أن بلدد الشوحى وصوفر النعمانى ساندا أليفاز فى الأصحاحين الثامن والحادى عشر، وكان بلدد أقسى من أليفاز، وصوفر أقسى من بلدد،... ورد أيوب بضعف على الجميع فى الأصحاحات التاسع والعاشر والثانى عشر، والثالث عشر، والرابع عشر ووصفهم بالقول: " أما أنتم فملفقو كذب أطباء بطالون كلكم ". " أيو 13: 4 ".. ومع أن أيوب اعترف بخطايا صباه: " لأنك تثبت على أمور مرة وورثتنى آثام صباى ". " أيو 13: 26 ".. ومع أنه اعترف بنقصه شأن كل بشر: " أ أخطات؟ ماذا أفعل لك يارقيب الناس؟ لماذا جعلتنى عاثوراً لنفسك حتى أكون على نفسى حملا؟. وولماذا لا تغفر ذنبى ولا تزيل إثمى لأنى الآن اضطجع فى التراب تطلبنى فلا أكون؟ " " أيو 7: 20 و21 " إن اخطأت تلاحظنى ولا تبرئنى من إثمى. إن أذنبت فويل لى، وإن تبررت لا أرفع رأسى " " أيو 10: 14 و15 " " كم لى من الآثام والخطايا أعلمنى ذنبى وخطيتى " " أيو 13: 23 " " أما الآن فتحصى خطواتى، ألا تحافظ على خطيتى؟ معصيتى مختوم عليها فى صرة وتلفق على فوق إثمى " (أيو 14: 16/17) إلا أن أيوب مع هذا كله لا يعلم خطية معينة معروفة لديه قد ارتكبها، وهو لهذا يؤكد: " فى علمك إنى لستت مذنباً " " أيو 10: 7 " وهو إذا حوكم سيخرج بريئا!!.. وبينما يرى أصدقاؤه أن هذا الإصرار من جانبه على براءته يعتبر نوعاً من التجديف: " أما أنت فتنافى المخافة وتناقض التقوى لدى اللّه، لأن فمك يذيع إثمك وتختار لسان المحتالين " " أيو 15: 4 و5 " ومع أن أيوب، وهو فى سياق الدفاع عن نفسه، كاد يصور اللّه، وكأنه لا يبالى بالفرق بين الكامل والشرير: " لذلك قلت إن الكامل والشرير هو يغنيهما. إذا قتل السوط بغتة يستهزئ بتجربة الأبرياء. الأرض مسلمة ليد الشرير. يغشى وجوه قضائها، وإن لم يكن هو فإذاً من " " أيو 9: 22 - 24 " " خيام المخربين مستريحة والذين يغيظون اللّه مطمئنون الذين يأتون بإلههم فى يدهم " (أيو 21: 6).. وهو مع هذا كله، لا يتخفى عن اللّه مهما يفعل اللّه معه،... وهو يؤمن أنه سينصفه بصور ة ما، وفى يوم ما... ولذا يقول مهما بلغت قسوة أصدقائه عليه: " هوذا يقتلنى. لا انتظر شيئاً. فقط أزكى طريقى قدامه ". " أيو 13: 15 " فإذا انتهى الحوار الأول عند هذا الحد، فإن حواراً ثانياً يبدأ من الأصحاح الخامس عشر حتى نهاية الأصحاح الحادى والعشرين وقد بدأه أيضاً أليفاز التيمانى، وفيه يؤكد بشهادة الحكماء الأقدمين، العقاب الذى يلاحق الأشرار فى الأرض،... وقد عدد بعده بلدد فى الأصحاح الثامن عشر الألوان المختلفة لهذا العقاب،... ويبدو أن صوفر وهو يساند الاثنين، يكاد ينعت أيوب بالخطايا السرية التى ارتكبها، وجلبت عقاب اللّه عليه،... وقد رد أيوب فى الأصحاحات السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر والحادى والعشرين، ويبدو من الرد أنه لا يهتم باتهامهم له، فهو فى نظره لغو فارغ بغير دليل،... وأنه لهذا يشهد اللّه: " أيضاً الآن هو ذا فى السموات شهيدى وشاهدى فى الأعالى " " أيو 16: 19 " وهو لا يتحدث عن براءته فحسب، بل يؤكد أن اللّه لابد أن يكشف الحق يوماً ما ولو بعد حياته هنا على الأرض، أو كما يقول: " ليتك توارينى فى الهاوية وتخفينى إلى أن ينصرف غضبك عنى وتعين لى أجلا فتذكرنى. إن مات رجل أفيحيا؟ كل أيام جهادى أصبر إلى أن يأتى بدلى تدعو فأنا أجيبك تشتاق إلى عمل يديك " " أيو 14: 13- 15"" أما أنا فقد علمت أن وليى حى، والآخر على الأرض يقوم، وبعد أن يفنى جلدى هذا وبدون جسدى أرى اللّه ".. " أيو 19: 25 و26 " على أنه فى الوقت عينه، وفى الرد على صوفر يبدو أيوب أو بالحرى يقع فى التجربة التى وقع فيها آساف عندى يرى خير الأشرار وفيضهم وبهجتهم، وهو يفزع لهذا كله على النحو الذى يذكره فى الأصحاح الحادى والعشرين!! فإذا جئنا إلى الحوار الثالث وهو الذى يبدأ من الأصحاح الثانى والعشرين حتى نهاية الأصحاح الحادى والثلاثين، فنجد أنه فى هذا الحوار يتخلف صوفر عن الاشتراك فيه. ويتكلم أليفاز فى الأصحاح الثانى والعشرين وبلدد فى الخامس والعشرين، ويجيب أيوب فى الأصحاحات الثالث والعشرين والرابع والعشرين، ومن السادس والعشرين حتى الحادى والثلاثين - ويؤكد أليفاز بشاعة خطية أيوب، كما يتصورها فى الأصحاح الثانى والعشرين، وفى الوقت عينه رحمه اللّه الواسعة متى اتضع أمامه وتاب،... ويضيف بلدد إلى ذلك متحدثاً عن عظمة اللّه وسلطانه، وضعف الإنسان ونقصه: " السلطان والهيبة عنده. هو صانع السلام فى أعاليه، هل من عدد لجنوده وعلى من لا يشرق نوره فكيف يتبرر الإنسان عند اللّه وكيف يزكو مولود المرأة هو ذا نفس القمر لا يضئ والكواكب غير نقية فى عينيه فكم بالحرى الإنسان الرمة وابن آدم الدود " " أيو 25: 2 - 6 " ويرفض أيوب إتهام الرجلين، ويؤكد براءته ويدعمها باستعداده للمثول فى حضرة اللّه، وأنه إذا جربه سيخرج كالذهب، وهو يذكر كم يعانى الأبرار من متاعب، وكم يستمر الأشرار فى ظلمهم،... ومع ذلك فهو يؤكد عظمة اللّه وجلاله ومجده، فى الأصحاح السادس والعشرين، وأن نهاية الأشرار، مهما ارتفعوا وعلوا، قاسية وشنيعة كما يظهر فى الأصحاح السابع والعشرين - ومن الغريب أن الإنسان مهما علا فى الفهم والإدراك والمعرفة العالمية، فهو عاطل تماماً من كل حكمة سماوية كما يظهر فى الأصحاح الثامن والعشرين!!.. ويختم أيوب هذا الحوار بالحديث عن نفسه، فى مجده السابق، وفى حياته العظيمة، وفى مأساته اللاحقة،... دون أن يتخلى عن يقينه بصدق حياته وأمانته أمام اللّه والناس، وأنه ليس لأصدقائه أدنى حق، فيما حاولوا أن يتهموه، أو يلصقوه به!! فإذا أردنا أن نلخص كل مساجلات الحوار التى أشرنا إليه، فهو اتهام يبدأ بالتشكك، ثم تصاعد إلى مرتبة اليقين من أصدقاء أيوب، عن الخطايا المتعددة والجسيمة التى اقترفها صاحبهم سراً أو علنا، والتى لا يمكن أن يتركها اللّه دون عقاب، إذ هو شديد البأس والبطش بالخطاة والأشرار، وهيهات لمجرم أو آثم أن يفلت من بين يديه، وأنه يمكن أن يكون هناك رجاء، لو أن أيوب اتضع فى حضرة اللّه، وندم، ويدفع أيوب عن نفسه سائرالتهم. ويؤكد براءته، ويسجل أن الأبرار وليس الأشرار هم الذين يعانون مرات كثيرة من الظلم والمتاعب والآلام،... وعلى العكس، فما أكثر النعم والمتع والخيرات التى تمتلئ بها بيوت العتاة! وهو لا يعرف السبب الذى من أجله تلاحقت النكبات، والتى قلبت حياته رأساً على عقب،... وهو يتمسك باللّه، وبكماله، وهو يؤمن أن اللّه لابد أن يحقق العدل الذى ضاع فى الأرض ويؤمن بحياة بعد الموت، فصحح فيها كل الأوضاع، ويتم فيها الجزاء الصحيح للأبرار أو الأشرار على حد سواء!!... وإذ ينتهى الحوار عند هذا الحد، دون أن ترجح كفة أيوب أو كفة أصحابه، يدخل أليهو طرف فى الحوار، وقد ظل مستمعاً طوال الوقت وكان أحدث سنا، ولعل هذا هو الذى منعه من المساجلة أولا!!.. ولكنه لا يلبث وقد تمكن منه الغضب على أيوب وأصحابه، أن يدفع فى حديث طويل، يتجه شطره الأكبر إلى أيوب، ما بين الأصحاحات الثانى والثلاثين إلى السابع والثلاثين، والأقل إلى أصحابه،... وفيه يندفع قاسياً فهو لا يقبل تبرير أيوب لنفسه، ويشتد عليه فى الكلام،... وإن كان فى الوقت نفسه يدخل عنصراً جديداً لم يذكره أصحاب أيوب الثلاثة... وهو أن الآلام والمآسى، تأتى من اللّه أساساً فى أغلب الأحوال، وهى تأديبات المحبة، وليست عقوبة الغضب، وأنها مرسلة للتعليم والتقويم والتحذير، دون أن تكون رصداً لخطايا قديمة ينتقم منها!!.. أيوب والسبى المردود:- وفى الأصحاحات الأربعة الأخيرة، تأتى نهاية القصة العظيمة. ويظهر اللّه من خلال العاصفة، ليتحدث إلى أيوب، وإذا كان أصدقاء أيوب جميعاً، قد صمتوا، ولم يعد لهم كلام، ولم يكن لأيوب سوى كلمات قليلة، فإن اللّه يتكلم، وهو لم يأت ليتحاجج مع أيوب أو ليعطيه جواباً على أسئلته، بل أخرجه إلى الطبيعة الواسعة ليعرف منها كيف يكون الجواب!!.. وكان السؤال: هل يستطيع أيوب وهو يرى السماء والنجوم، والبحار والنور، والزوبعة والجليد، والضباب والوحوش، والحيوانات البرية وفرس البحر، والتمساح وغيرها، هل يستطيع أن يخلفها، ويقودها، ويوجهها!؟؟ وهل له القدرة والحكم والسلطان على تسييرها وضبطها وفق النظام الدقيق العظيم الذى تسير به كما يلمح ويشاهد!!؟... ومع أن أيوب سبق أن صاح: " من يعطينى أن أجده فأتى إلى كرسيه. أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمى حججاً فأعرف الأقوال التى بها يجيبنى وأفهم ما يقوله لى " " أيو 23: 3 - 5 "... إلا أنه - وقد جاء أمام اللّه فى جلاله العظيم - لم تعد له كلمة أو حجة واحدة يجاوب بها، إذ أدرك حقارته ووضع يده على فمه إذ لا يجد الجواب!!.. وإذا كان اللّه يدير الكون بهذه القدرة الواسعة، والحكمة العظيمة، فهل يستطيع أيوب أمام أسرار اللّه الفائقة أن يبحث سراً واحداً، ويهتدى فيه إلى حل!!؟.. لقد أدرك أيوب، ما ينبغى أن يدركه الإنسان فى كل العصور والأجيال، إن الحياة مفعمة بالأسرار، وأن الإنسان مهما يبلغ من معرفة أو فهم ستأتى عليه اللحظات التى يقف فيها أمام الجلال الإلهى، عارى القدم، مغطى الوجه، لأن الأرض التى يقف عليها أرض مقدسة، وأن أسرار اللّه التى يطويها، (ومن بينها سر الألم) ستبقى مكنونة، ومحفوظة، ومهما قال الإنسان إزاءها: لماذا!!؟ لماذا!!؟ فإنه يجمل به على الدوام أن يقول: " لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن... ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت "!! " 1 كو 13: 11 و12 ".نسى أيوب كل حججه أمام اللّه، وإذ سمع صوت القدير انجابت عن نفسه الزوابع والأعاصير، وسكنت مشاعره وقرت نفسه،... إن سر عاصفته هو أنه كان يتكلم عن الرب ويبحث عنه دون أن يجده، ولكنه الآن قد رآه وسمعه، وهناك فرق شاسع بين أن يتكلم الإنسان عن الرب، وأن يكلم الرب،... وبين أن يسمع عن الرب، وأن يسمع الرب. إن سر الشقاء والتعاسة الدائمة للانسان، هو أنه لا يستطيع أن يتبين اللّه أو يسمعه من خلال تجاربه، ولكن أيوب تعلم بعد أن سمعه، أنه وإن كان لا يفهم شيئاً فمن واجبه أن يثق فيه ويؤمن به، وهو إذ يصل إلى هذه النتيجة، يندم على ما فرط منه دون فهم، بل يلتتصق بالتراب والرماد فى الخضوع والتسليم للّه!!.. ملك الشيطان الزمام مؤقتاً، ولكنه خسر المعركة، وسيخسرها على الدوام، لأن اللّه محبة، ولأن السبيل إليه، على الدوام، هو سبيل الإيمان..لم يؤخذ أيوب مع أملاكه إلى الأسر، ولم يذهب بعيداً عن المكان الذى عاش فيه. فلماذا يقال: " ورد الرب سبى أيوب؟ ".. إن الكلمة تعنى نهاية الألم والتعب، والضيق والمشقة، والعسر والمرض،.. أو فى - لغة أخرى - إن عودة الحياة والصحة والأصدقاء والظروف الطيبة، كمن أفلت من الأسر والغربة والبؤس والتشريد، ليعود إلى السلام والبهجة والهدوء والراحة بعد طول البلوى والمعاناة، وهو لم يعد إلى هذه جميعاً، إلا بعد أن جلس مستضعفاً على التراب فى حضرة اللّه،.. ولن يرد اللّه سبينا أو يعيد إلينا المجد والجلال والحياة، إلا ونحن فى وادى الوداعة والتصاغر والاتضاع أمام عظمته الكلية ومجده الأسنى، وهو لن يفعل ذلك قبل أن نغفر لإخوتنا، ونزيل كل مرارة من نفوسنا تجاههم،.. ولم يرض اللّه على أليفاز وصوفر وبلدد، رغم ما تكلموه أو ظنوا أنه يتكلمونه من أجل اللّه،.. ومع أنهم تكلموا جميعاً عن المبادئ السليمة عن اللّه وحقه ومجده العظيم، لكنهم أخطأوا، إذ تحدثوا عن أيوب، وظلموه بما لم يكن لهم به علم، واللّه لا يقبل دفاعاً يستند إلى ظلم، أو حقاً يتمشى إلى جانب القسوة فى الحكم على البائس المسكين. وعفا اللّه عنهم بالذبيحة التى قدمها أيوب من أجلهم!!.. وانتهت قصة أيوب بالبركة المضاعفة، والأولاد السبعة والبنات الثلاث البارعات الجمال،.. وبالحياة الصابرة التى عوضها اللّه كل شئ بسخاء عظيم!!.فى أحد معسكرات أسرى الحرب العالمية الأخيرة، وجدت هذه الكلمات التى كتبها أحدهم: إنى أؤمن بالشمس حتى لو لم تكن ساطعة، وأؤمن بالمحبة حتى ولو لم أحس بها، وأؤمن باللّه حتى ولو صمت ولم يتكلم!!... حقاً نحن لا نعلم ماذا سيأتى به الغد. ولكننا نعلم من يمسك بالغد!!..
المزيد
20 نوفمبر 2020

مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي

+ سرّ التناول مِن جسد الربّ رهيب وعجيب.. هو سرّ الأسرار، عاشته الكنيسة منذ أول عصورها وسلَّم المسيح جسده للرسل في عليةّ صهيون وإلى اليوم. آلاف السنين وما زال السرّ مستورًا لم يَصِل أحد إلى كماله. ملايين الملايين من البشر نالوه ولم يُستَنفَذ بعد. أليس هو جسد المسيح الإله ودمه الكريم يُقام في ذات الوقت في عشرات الآلاف من الأماكن، وهو ذات المسيح الواحد، كالشمس التي تدخل إلى ملايين الأماكن في ذات الوقت. وهو يتوزَّع ولا ينقسم. مئات الملايين تناله وهو واحد أحد لا ينقسم. لا ينال الواحد جزءًا منه، ولكنّه يناله بالكليّة، فكلّ واحد مِنّا يأخذ المسيح، يدخُل إلى داخل أعماق الملايين، ولكنّه غير محدود وغير محصور، مثل الشمس تخترق أكوام النفايات ولا تتّسخ. دخول جسد المسيح داخلنا نحن الخطاة، يطهِّر الخطايا ويغسل الضمير. نحن نأكل الطعام لنحوِّله إلى طاقّة للحركة والحياة، ولكن نأكل المسيح ليحوِّلنا إليه، لنحيا به وله. هناك قولٌ يقول: «المسيحيون يقيمون الإفخارستيا، والإفخارستيا تُقيم المسيحيين». الغرض الرئيسي من إعطاء الربّ جسده لنا، لكي نحيا به، ولا نحيا بعد بذواتنا وفكرنا وبشريتنا وغرائزنا المنحرفة. نحن نأكله لكي نثبت فيه وهو فينا. نحن نأكله لكي يكون لنا حياة أبدية به. نحن نأكله لأنّه خبز الحياة الأبدية. بدون أكله ليس لنا حياة. به نحيا ونتحرّك ونوجَد. وبدونه لا حياة ولا حركة حقيقية ولا وجود. + التناول بدون إدراك روحي حقيقي، يُفقِد الإنسان كلّ شيء. مثل الذين أكلوا المن – خبز الله - النازل من السماء. أكلوه بحاسّة بشريّة وبدون وعي روحي.. أكلوه ماديًّا، فتأفّفوا مِنه، وسئموه، وسمّوه الطعام السخيف.. فلم يُسَر الله بهم، وماتوا وطُرِحَت جُثثهم في القفر. لذلك نبّهنا السيد بقوله لليهود «آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 49 – 51). + لا بد مِن المذاقة الروحيّة الحقيقيّة، لنستطعِم خبز الحياة. خبز الحياة الذي لا يُقاس بالأمور الماديّة ولا بالعقلانيّة ولا بالحواس الجسديّة، مِن نظر ولَمس وتذوُّق، بل بالحواس الروحيّة النقيّة، التي لإنساننا الداخلي، وبالبصيرة الروحيّة نراه، مع الملائكة الذين يخدمونه ويسترون وجوههم من بهاء مجده. وبالخشوع الروحي الداخلي نقترب إليه، وبالخوف الحقيقي نقبله كما قبل إشعياء جمرة النار من يد الساروف (واحد من السيرافيم) وبالإيمان نسمع ذات الكلام «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ». (إش6: 7). + ولكن أين هذا من واقعنا اليوم؟ كثر المتناولون، ولا عدد لهم في كلّ كنيسة، وفي كلّ القُدّاسات، وكلّ الأيام، ولكن قَلّما نجد أثرًا للتناول. أين المسيح الحيّ في هؤلاء.. فهو قال «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). نتناول كلّ يوم ولكن نعيش بذواتنا ولذواتنا. نتناول خبز السماء، ولكن حياتنا تشهد أنّنا مازلنا أرضيّين ترابيّين. نتناول لغفران الخطايا، ولكن مازلنا متمسّكين بخطايانا، لأنّنا نتناول بدون توبة. + دينونة عظيمة للذي يتناول بعدم تمييز «غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ» (1كو11: 29). + دينونة عظيمة للذي يتناول بدون استحقاق. + الاستعداد للتناول بالتوبة والاعتراف والصلاة المنسحقة لقبول المسيح. وصلاة الشكر والامتنان بعد التناول يجعل الإنسان في نمو مستديم. + الروتين وحضور القداسات كما لقومٍ عادة، يقتل الحياة الروحيّة بجملتها، ويتحوّل الإنسان فيها كآلةٍ بِلا إحساس.. الآباء القديسون بسبب حرصهم الشديد وعمق علاقتهم بالمسيح، لم يَدخل إليهم الروتين والآلية، بل ظلّوا مدى الحياة في حِسٍّ مرهف، ويقظة روحية، لاسيما في ممارسة الأسرار، فكانوا يزدادون كلّ مرة يتزوّدون فيها من الذخيرة الروحيّة. + أمِل أذنَك الروحيّة عندما تسمع القول: «القُدْسات للقديسين» واطلب إلى القدوس أن تصير القدسات لك للتقديس وتطهير الحياة برُمّتها. + قال لي قداسة البابا شنودة (نيَّح الله نفسه) إنّني حينما أتناول أقول للرب «ليس من أجل استحقاقي بل من أجل احتياجي» هكذا يجب أن نقترب إلى السرّ الرهيب. من يأكلني يحيا بيَّ الإيمان بالمسيح، بتجسّده، وعمله الخلاصي على الصليب، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات، وجلوسه عن يمين الآب، وإرساله موعد الآب، روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق... وكلّ ما عمله المسيح وعلَّم به، وكلّ آيات الشفاء والمعجزات والتعليم الإلهى.. وكلّ ما يختصّ بحياة الأبد وميراث الملكوت.. كلّ هذا ذخَّره المسيح لنا حينما أعطانا جسده مأكلاً حقيقيًّا، ودمه لنشربه مَشربًا حقيقيًّا. فالإيمان بالقلب، والاعتراف باللسان، مُعتَبَران أمرًا شفويًّا يخصّ التصديق والكلام العَلَن. أمّا التناول فهو فعل وليس قولاً. التناول أكل وشرب.. وتناول الجسد المكسور بالحبّ هو فِعل حبّ إلهي فائق، وشُرب الدم المهراق على الصليب هو فعل الذبيحة التى اشتمَّها الآب وقت المساء على الجلجثة. فكون المسيح يعطي ذاته ويبذلها من أجل خلاص العالم، ويسلّمه لنا فِعلاً حقيقيًا ولكنه مَخفيٌ في سِرّ إلهي فائق، ويقدمه لنا في الهيئةِ كخبز نازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان فيأكل الحياة الأبدية، فهذا أمرٌ يفوق العقول، ويتجاوز أفهام البشر والملائكة معًا. + الجسد المبذول هو عطية الله لحياة الإنسان الأبديّة، لأنّ الرب يسوع إذ قال: «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (يو6: 54)، سيقيمنا معه، وجسده الذي نتناوله هو القيامة بذاتها. فالتناول من الجسد الأقدس هو الذى يقيمنا الآن وفي الدهر الآتي. + وكما أنّ طعام الجسد يقُوته ويعطيه حياة، إذ لا يُعقَل أن يحيا الجسد بدون طعام.. هكذا صار خبز الحياة الأبدية بالنسبة لأرواحنا. + قال الرب: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ» (يو6: 35). هو شبع نفوسنا.. وحين نناله لا نجوع بعد إلى العالم. «لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً... لِغَيْرِ شَبَعٍ؟» هكذا تساءل إشعياء النبي «أَيُّهَا الْجياعُ... أَيُّهَا الْعِطَاشُ ... تَعَالَوْا وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ... خذوا وَكُلُوا... اِشربوا وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ» (إش55: 1، 2). وهو بدون فضة أو ذهب، إذ يُعطَى مجانًّا، ولكنّه ليس رخيصًا، لأنّ قيمته أغلَى مِن كلّ ممتلكات الدنيا. هو ليس من هذه الخليقة.. بل هو جسد ابن الله بالحقيقة. مَن يا تُرى يستطيع أن يُدرِك كمال هذا السرّ؟!! نحن نَقبَل هذه النعمة بإيمان بغير فحص العقل، ونشترك في الجسد الواحد الذي يحوّلنا إليه، ويوحّدنا بعضنا مع بعض كأعضاء في جسد واحد. هذا هو سِرّ الحُبّ وسِرّ الحياة.. مستحيل على الطبيعة البشرية أن تذوق هذا الحبّ بعيدًا عن سِرّ جسد المسيح، لأنّ فيه وحده عدم الموت والحبّ المطلق. + الاستعداد للتناول من الجسد والدم، يكون كما قال الرسول: «لِيَمْتَحِنِ (ليفحص) الإِنْسَانُ نَفْسَهُ» (1كو11: 28). أولاً من جِهة المحبّة، أن يكون ذا قلبٍ مُحِبٍ للأخوة، بصفاء النيّة، ويكون مُختبِرًا السلام الإلهي مع جميع الناس. - «اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ» (رو12: 9).. الرياء يُفسِد المحبّة. - «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بط1: 22).. لا يوجد إنسان كامل في المحبّة، ولا يوجد أحد لم يتعكّر قلبه مُطلقًا.. هذا أمر مؤكَّد، ولكن إن اتّسخ القلب بعكارة العداوة أو عدم المحبة من جهة إنسان، فيُوجَد ينبوع لغسل الخطايا وتطهير القلب. الإنسان المسيحي يُسرع إلى ينبوع دم المسيح بالصلاة والتوسُّل.. ولا يطيق أن يحيا في العداوة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
08 يناير 2019

تأملات فى عيد الظهور الإلهي

تقابل السيد المسيح أثناء كرازته مع إنسان ولد أعمى، ولم يستطع هذا الإنسان أن يتمتع بنعمة البصر إلا بعد أن قابله السيد وطلى بالطين عينيه، وأمره بالإغتسال فى بركة سلوام، مثالاً لكل البشر، الذين فقدوا بصيرتهم الروحية وإستنارتهم السماوية، وكيف أنهم سينالون الإستنارة من خلال المعمودية. إن الله لم يترك نفسه بلا شاهد (أع 17:14) بل أعلن لنا نفسه فى القديم بواسطة رموز وصور متعددة مثل: 1- ملكى صادق (تك 14) : ملك شاليم، الذى أضاء فى وسط العهد القديم، بلمحة من ضياء كهنوت المسيح. وظهر بعد ذلك الكهنوت اللاوى، حتى جاء المسيح كاهناً على رتبة ملكى صادق (مز 4:11)، ذلك الذى كان مجرد رمز للسيد المسيح، ملك السلام، والبر، وقابل العشور، وذبيحة الخبز والخمر.. الخ. 2- سلم يعقوب (تك 28) : الذى رآه فى هروبه من وجه أخيه وكان رمزاً للسيدة العذراء حاملة المسيح (يو 51:1). 3- ظهور النور (الشاكيناه) : ظهر على غطاء تابوت العهد بين الكاروبين ليعلن عن حضور الله وعن مشيئته، فالله هو النور، وساكن فى النور، وتسبحه ملائكة نور.. 4- أخيراً جاء يوحنا المعمدان : جاء كملاك يعد الطريق (مت 1:3).. ودعى السابق الصابغ والشهيد. وفى ملء الزمان كشف الله عن ذاته بطريقة باهرة، إذ انشقت السماء، وأعلن الآب عن ذاته، منادياً الابن، وظهر الروح القدس فى شكل حمامة. 1- الإعلان الكامل : أخيراً أعلن الله ظهوره النورانى الكامل الذى مهدت له ومضات العهد القديم. وازداد لمعان ذلك الظهور أثناء كرازة الرب العامة (يو 3:17)، وفى حادثة التجلى (مر 19:12-26). 2- السماء المنشقة : أ- انشقت السماء يوم عيد الظهور الإلهى، إيذانا بانتهاء عهد الظلال والرموز والظلام، وحلول وبدء عهد النور المكشوف الواضح. ب- لم تنغلق السماء منذ أن انشقت، بل ظلت مفتوحة للمؤمنين (أع 26:7)، (أع 11:10)، (2كو 12) فى رؤى للقديسين بطرس وبولس. ج- وإذ انشقت السماء نزل منها الروح القدس، ليحل على بنى البشر مصدراً للحياة، وأساساً للتعزية، يصاحب المؤمن طوال غربته. 3- الشهادة السماوية : أ- هذا هو إبنى الحبيب: هى شهادة البنوة التى أعلن بها الآب أبوته لإبنه الوحيد، ذاك الذى صار لنا به التبنى المواعيد (أف 5:1). ب- الذى به سررت: بهذا أعلن الآب كمال مسرته بإبنه، أنه قد أصبح لله مسرة فى حياة أولاده المؤمنين به، "لذتى فى بنى آدم" (أم 31:8). وهنا نتساءل: هل استنرت أنت يا أخى الشاب شخصياً فى حياتك؟ بل هل أضأت مصابيح قلبك بزيت البهجة؟ كيف؟‍‍؟! هناك وسائل هامة للإستنارة مثل: 1- إستنارة المعمودية : بدون المعمودية لا يمكن أن يستضئ قلب المؤمن، وبولس الرسول يقول عنها أنها الإستنارة (عب 4:6) التى لا تعاد. وهى حق لكل مؤمن. 2- إمتداد الإستنارة : وما أن ينال المؤمن قوة المعمودية، حتى ينطلق لممارسة كافة الأسرار الكنسية المقدسة، كالميرون والإعتراف والتناول، بل أنه يواظب على وسائط النعمة لزيادة إمتداد الإستنارة، بالإضافة إلى دراسته لكلمة الله وقراءاته الروحية، وحضوره الإجتماعات الكنيسة.. هذه كلها وسائل إستنارة. ملاحظات: ويمكن للخادم أن يناقش بعض الموضوعات الأخرى مثل: 1- عمل الثالوث القدوس فى خلاصنا. 2- اتضاع المسيح وخضوعه للناموس سواء فى الختان أو المعمودية ليكمل كل بر. 3- أهمية المعمودية والقيم الروحية التى ننالها من ممارسة هذا السر، كما أنه يمكن أن يقرأ مع المخدومين بعض مقتطفات من كتاب الخدمات الكنسية عن المعمودية. 4- يحسن أن ينبه الخادم إلى أن الميلاد الثانى بالمعمودية ليس هو التوبة وتغيير الفكر، كما تدعى بعض الطوائف، وإنما التوبة هى إمتداد عمل المعمودية فينا، ولكن الولادة الثانية هى بالماء والروح. فلنتأمل معاً فى بركات المعمودية التى نالها كل منا، ويمكنا أن نجمع مواقف وآيات من الكتاب المقدس عن مواضع إعلان الله لذاته فى العهدين، وأن طقوس المعمودية وعلاقتها بالنور مثل الملابس البيضاء، وإضاءة الشموع حول المعمد فى الزفة التى تعمل بعد العماد. بعض أقوال الآباء القديسين : كيرلس الكبير: "تستنير نفوس المعتمدين بتسليم معرفة الله". يوستينوس الشهيد: "وهذا الإغتسال يسمى تنويراً لأن الذين يتعلمون هذه الأمور يستنيرون فى أفهامهم". نيافة الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 فبراير 2020

خليقة جديدة

«إِنْ كَانَ أَحَـــدٌ فِي الْمَسِيـــــحِ فَهُـــــــوَ خَلِيقَــــــةٌ جَدِيـــــدَةٌ: الأَشْيَــــاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُــــــوَذَا الْكُــــــلُّ قَدْ صَارَ جَدِيــــدًا» (2كو5:71)إن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة جديدة، أنت الذي تعيش إيمانك في المسيح تعيش هذه الخليقة الجديدة. ولكن هذه الخليقة الجديدة لها مواصفات يجب أن تعرفها، ويجب أن تكون أمامك على الدوام، هذه المواصفات هي التي تجعل منك في الحقيقة خليقة جديدة. وأود أن أذكركم أن كلمة «جديدة» في مفهوم الكتاب المقدس تعني أنها جديدة في كل يوم، فهي لا تخضع للزمن. إذا أتيت بشيء جديد اليوم سوف يصبح بعد شهر قديمًا وبعد سنة يصبح أقدم وهكذا، ولكن في المسيح يسوع كلمة جديدة تعني جديدة في كل صباح، فلا تعرف غلبة الزمن عليها، ولا تعرف القِدَم، لأنك في المسيح يسوع دائمًا جديد، وهذه الحياة الجديدة هي مسئولية لكل أحد فينا. مـــــــاذا يعنــــــــي أن يكــــــــون للإنســـــــــان الخليقـــــة الجديدة؟الأشياء العتيقة التـــــي مضــــت يُقصَــــد بهـــــا الإنسان الذي يتخلّى عن خطاياه كل يــوم، ومن هنا تكون الخليقة الجديدة ثلاثية الأبعاد، هي تعني: قلبًا جديدًا وطبيعة جديدة وفكرًا جديدًا. 1) القلب الجديدنصلي كـــــــل يـــــــــوم ونقــــــــول: «قلبًا نقيــــًــــا أخلــــــق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جــــــدّده في أحشائي»، وهذه هي طلبة الصباح والمساء، بل طلبة كل وقت. ما أشهى أن يكون قلب الإنسان جديدًا دائمًا؛ فالقلب العتيق والممتلئ بالشرور والمُلوَّث بالخطايا والأفكار، قلب لا يصلح أن يكون ضمن الخليقة الجديدة. القلب الجديد يتجدّد بروح التوبة الدائمة، وروح التوبة تبدأ دائمًا في الصلوات المرفوعة، فعندما تنفرد بالحبيب وتنفرد في علاقاتك الشخصية بربنا يسوع المسيح، وترفع قلبك وتضعه في يد المسيح وتطلب منه قلبًا نقيًا، فهذه هي البداية لكي يكون قلبك جديدًا. وروح الصلاة هي الذي عبّر عنها ربنا يسوع المسيح في الأصحاح السادس في إنجيل معلمنا متى (الإنجيل الذي قرأناه في أحد الرفاع) وقال: «ادخل إلى مخدعك وأغلق بابك». إننا نحيا في هذه الأيام في طقس الصوم، والصوم هو الفترة التي ندخل فيها داخل القلب لأننا خارج الصوم تكون قلوبنا مشغولة بأشياء كثيرة. فما أشهى أن يخصّص الإنســــــان وقتًا كــــــل يوم، وإن صاحبته الأصوام فيكون الفعل الروحي أقوى وأقوى، بحيث أن هذا القلب يتجدد بروح الصلاة. وهذا الأمـــــر يــــا أحبائـــــي فـــــي غايــــــة الأهمية لأن هذا الزمان به أشياء كثيرة تسرق وقتنا للأرض، ويأتي السؤال: هل لديك وقت تخصصه لربنا؟ أن تقتطع من الوقت الذي يمنحه الله لك لكي ما تعيـــــده وتقدمه إلى الله؟ أحيانًا يا إخوتي الأحباء تمر بشارع مغلق ومكتوب عليه «مُغلَق للتحسينات»، قلبك في المخدع هو مُغلَق للتحسينات، والمقصود بالتحسينات هو روح التوبة.2) الطبيعة الجديدة هذه الطبيعــــــة ننالهــــــا من خــــــلال وسائـــط النعمة، ونقرأ في المزمــــــور الأول عن الرجـــــل الصالح الذي يكون كالشجرة المغروسة علـــــى مجاري المياه، ومجاري المياه تعني وسائط النعمة، نِعَم الروح القدس التي يعطيها لنا من خلال الأسرار، وفي بداية الأسرار في سر المعمودية حيث يلبس الطفل المُعمَّد الملابس البيضاء ويوضع الزنــــــــار الأحمـــــر حول كتفــه رمزًا لدم المسيح، لأنه صـــــار خليقة جديدة. ونسمي سر المعمودية «سر الولادة الجديدة». وهذه الطبيعة تستمر من خلال سر التناول المقدس أو سر الإفخارستيا، الذي يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه، حياة أبدية طبيعة جديدة، وهذه الطبيعة الجديدة هي مسئولية كل واحد فينا.. يوجد أناس كثيرون لديهــــم قلق وخوف واضطراب وأمراض نفسية، هل تعلمون ما هو السبب؟ أنهم لم يدخلوا بعد في الطبيعة الجديـــــدة، حتى وإن كـــــان بعضهـــــــم مسيحيــــــون لكن ليس لهم التلامـــــــس الشخصــــــي والعلاقة الشخصيـــة مـــــــع الله. أيهــــــــــا الحبيــــــب تملّك الطبيعة الجديدة دائمًا، وعش بالأسرار المقدسة ووسائط النعمة هذه الطبيعة، وعش فيها بالحياة وليست بالعادة كشخص يذهب للتناول كالعادة، فهذه المفاهيم الروحية هي مفاهيم قوية بالطبيعة الجديدة.3) الفكر الجديد:لا أريد أن أسميه فكرًا جديدًا، ولكن يمكن أن أسميه نظرة جديدة أو رؤية جديدة. هناك شخص لا ترى عيناه إلّا الأشياء القبيحة، بل إذا رأت ما هو حســـــــن أحيانًا، فهو يقلبـــــه للعكس! هؤلاء هم الذين ينشرون الإشاعات ويقولون الأخبـــــــار السيئـــــــة ويخيفــــــــون النـــاس. ويوجد آخرون لديهم رؤية جديدة، والسبب الرئيسي فيها هو كلمة الله المقدسة والارتباط بالإنجيل. الإنجيل يعطيك روح الاستنارة، ودوام العلاقة مع الكلمة المقدسة تعطيك هذه النظرة الجديدة. من خلال الإنجيل نرى الحياة عطية الله العظيمة للإنسان، لذلك توصي الكنيسة بقراءة الإنجيل يوميًا، وأوجدت قراءات منتظمة في صلواتها لكي يكون هنام تعامل يومي مع كلمة الله. يقول الرسول إن: «كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ» (عب4:21).الخلاصة أن الأشياء العتيقة قد مضت، الخطايا واهتمامات العالم واهتمامات التراب، هوذا الكل قد صــــــــار جديدًا، جديدًا بالقلـــــــب الجديـــــــد من خــــــــــلال الصلــــــــوات، وبالطبيعـــــــة الجديدة من خلال الأسرار، وبالنظرة الجديدة من خلال الكلمة المقدسة.التدريب الذي تأخده هو أن تصلــــي: «يا رب اجعلني من هذه الخليقة الجديدة، وأعطني القلب النقي، أعطني القلــــــــب الجديد، وأعطني هذه الطبيعة الجديدة في حياتـــــــي على الدوام، وأعطني الرؤية والنظرة الجديدة دائمًا». قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
29 يوليو 2019

لماذا أنا مسيحى؟الجزء الثانى

(4) كمال الأعمال الربانية: صحيح إن الهدف الرئيسي لمجئ السيد المسيح للعالم ليس هو عمل المعجزات من شفاء مرضي أو إطعام الجموع من سمكتين وخمس خبزات وغير ذلك وإنما الموت عن الخطاة كما قلنا سابقا وأن أعماله الجليلة التي سجلت الأناجيل عدد محدوداً منها قد أكد لنا حبه وأنه هو نفسه الله الخالق (عيون للأعمي) وفي إقامة الموتي بالأمر وهوالشافي لجميع الأمراض حتي تلك التي يصعب علي الطب شفائها حتي الآن وهو المسيطر علي الطبيعة الحية والجامدة انظر كيف أسكت هيجان البحر بالأمر وسار علي الماء وصعد وحده إلي السماء (بعكس قانون الجاذبية)..الخ وأراح التعابي وبإختصار إن أعمال السيد المسيح كلها إعجاز ولم يأت أعظم الأنبياء بمثلها أو بعددها أو بطريقة عملها كما كانت للرب يسرع سيطرة (سلطان) علي الشياطين طرد الأرواح النجسة بكلمة منه) ومعرفته الغيب وأسرار وخفايا القلوب وأفكار ونيات الناس والتنبؤ بما سيحدث قبل نهاية العالم وأعلن بعض ما في السماء من أمور مخفية عن البشرية وهو ما إعترف بع الأعداء قبل الأصدقاء وقد قال المخلص للناس "إن الأعمال –التي أعطاني الآب لأكملها –هي الأعمال هي بعينها التي أنا أعملها وهو مستعد أن يعملها لكل من يطلبها إذا ما توقفت مع مشيئة الله الصالحة (أو لأجل شفاعة ملائكته وقديسيه وشهدائه أيضاً) ولهذا تم تطويب كل من رآه بالجسد وسمع منه بالأذن لأن أنبياء وأبراراً كثيرين –في العهد القديم –كانوا يشتهون ويتمنون رؤياه –له المجد –ولم تتح لهم الفرصة الذهبية لإتمام مثل هذا اللقاء العجيب (مت 16:13-17) ومع ذلك يسمح الرب بلقاء كل نفس مؤمنه به وتشتاق إليه الآن ويعمل الروح القدس في النفس فتستطيع أن تعمل أعمال عجيبة وتثمر عملاً صالحاً باراً وتحتمل الألم الشديد..الخ لأننا بدونه لا نستطيع كل شئ أن نفعل شيئاً (يو 5:15) "وأستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " (في 13:4) فهو يسند الضعفاء ومعين لكل من ليس له معين وهو الوحيد الذي يقول لكل الأجيال "تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم " (مت 28:11) ويقول أيضا لكل ضال:"كل من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً (يو 37:6) وهو ما لم يستطيع أن يقوله أي نبي أو رسول أرسله (5) أعطانا المسيح الفرح الكامل: في ليلة الصلب تحدث الرب –بصراحة عما سيجابهه تلاميذه وخدامه من الآم شديدة من من أجل الإيمان بعد رحيله عن العالم ولكنه وعدهم بإرسال الروح القدس المعزي لهم من اعند الآب لكي تمتلئ به النفوس المؤمنه وتتمتع بمواهبه الهامة لنجاح الخدمة ولتستفيد بثماره الكثيرة من محبة وفرح وسلام وطول أناة وصلاح ولطف وبر ووداعة وتعفف ومزيد من الإيمان (غل 22:6-23) وكان له المجد قد قال لهم من قبل أنه يرسلهم للخدمة أنهم كغنم وديعة وسط ذئاب مفترسة ولن يخافوا لأن الراعي الصالح سيكون معهم ويدافع عنهم فمتي أسلموكم للمحاكمة فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم (الروح القدس) الذي يتكلم فيكم " (مت10) وأعطي الرب يسوع أولاده الطمئنينة وقال:لا تضطرب قلوبكم..في بيت أبي منازل كثيرة (درجات) كثيرة أنا أمضي أعد لكم مكاناً وإن مضيت وأعددن لكم مكانا آتني وأخذكم حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً ولكنني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم " (يو 17:14) وهكذا تمتع أولاد الله بفرح روحي داخلي دائم من عمل الروح القدس في النفس وهو يختلف عن فرح العالم المادي والمؤقت والذي يتذبذب حسب الظروف وخير دليل علي ذلك أنهم تعرضوا للتعذيب علي أيدي الرومان بنحو أربعين نوعاً من العذابات البدنية والنفسية التي لا يستطيع أن يتحملها البشر ولكن الرب اذي لم يمنع عنهم بركات الألم وقف بجوارهم وسندهم وعزاهم حتي أنهم كانوا يندفعون إلي أقصي الولاة لإعلان الإيمان والإلحاح عليهم أيضا بتعذيبهم حتي موتهم لأن الروح القدس عزاهم جداً وأعطاهم عربون الحياة الآبدية في الدنيا وهو ما لا يوجد في أي دين آخر علي الأرض وهو ما أوضحه السيد المسيح في صلاته الشفاعية وقال "أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك..ليكونا واحداً كما نحن..ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم..لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير..أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلي واحد" (يو 17) وقد تم وعد الله وانسكب الروح القدس علي كل المؤمنين من الجنسين يوم الخمسين وفرح الرسل بالآلام والسلام كما سجله القديس لوقا في سفر أعمال الرسل وقال "دعوا الرسل وجلدوهم وأما هم فذهبوا فرحين –من أمام المجمع –لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه وكانوا لا يزالون (رغم كل هذه الآلام) كل يوم في الهيكل وفي البيوت –معلمين ومبشرين بيسوع المسيح (أع40-42) والمؤمن الحكيم لا يتعقد من الظلم ولا من الاضطهاد ولا من المعاناة من أجل إيمانه وأمانته بل يفرح جداً بكل بركات الألم وسيسند الروح القدس كل نفس تتألم ونشكر الرب وتدعو للظالمين بالخلاص من ظلمهم (لا أن تدعي الرب للإنتقام منهم لأنهم مرضي بالروح وفي حاجة علاج لا عقاب (6) أعطانا الأسرار المقدسة الكاملة والمكملة: من أعظم نعم الله التي تتميز بها المسيحية عن غيرها تمتع المؤمنين بها "بأسرار الكنيسة السبعة "ونتائجها العظيمة للنفس والغير وعلي رأسها سر المعمودية حيث يولد المسيح ولادة جديدة من الماء والروح ويتخلص من الخطية "الجدية التي ورثتها ذرية أدم كمرض روحي وهي الديانة الوحيدة التي تقدم العلاج الحقيقي لهذه المشكلة الروحية وفي سر التوبة يجلس الخاطئ مع جلسة مصالحة طالباً رحمة الله ثم يتقدم بإيمان تام إلي المستشفي الروحي (الكنيسة) حيث يلتقي التائب مع الرب يسوع طبيب الروح والجسد فيسكب أمامه دموعه ويعلن توبته الحقيقية وندمه الشديد عما فعله وبصلوات الكاهن يرحمه الله من كل آثامه وذنوبه وشروره وخطاياه ثم يتقدم للتناول من السر الأقدس دواء وشفاء وعزاء للنفس ويشتعل الروح القدس فيه بالأكثر بممارسة باقي وسائط الخلاص من صوم وصلاة وعطاء وخدمة وقراءات روحية ومطانيات وتسبيح وترنيم وتأملات..الخ فيزداد فرح النفس وتتقدس وربما تتكرس لخدمة الرب والشعب في سر الكهنوت المقدس أو الوحدة بالبرية أو يقدس نصف الوقت للعبادة والخدمة مع العمل لطعام الجسد ويمكن للمريض الجسدي أن يدعو رجل الله لكي يعترف بخطاياه ويشفيه الله منها ومن مرض الجسد بصلاة مسحة المرضي إذ رأته عناية الرب أو علي الأقل يتمتع المريض بالإنعتاق من عبودية الخطية وهو الأهم من كل مرض للجسد الترابي وترتفع المسيحية بقمة الكمال والجمال في سر الزيجة المقدس الذي به تقام أسرة مسيحية مؤسسة علي صخرة المسيح ولا تتأثر بمتاعب الدنيا الكثيرة إذ يربط الروح القدس بين الشريكين برباط المحبة والإخلاص والوفاء والأمانة وغيرلاها من الفضائل المتميزة بها الأسرة المسيحية وتقوم الأسرة المسيحية علي أساس وجود المسيح في البيت المقدس والمكرس للعبة والحب للرب لأنه "حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم (مت 20:18) ولذلك يتم اختيار الشريك المبارك الممتلئ نعمة والذي له علاقة قوية بالله وبكنيسته والمرتبط باجتماعاته وخدمته (بالوزنة المعطاه له من الله) وتكون الشريكة "الأمينة "معينة لزوجها كما حدده الله للإنسان منذ بدء الخلق وتشاركه كل أفراحه وأحزانه ويتقاسمان معا متاعب الدنيا فتخف أثقلها (جا 9:4-12) ولا تتكون زيجة مسيحية سليمة علي أساس مادي جسدي أو جنسي فقط كما يفعل أهل العالم لأنها ستكون حتما مثل بيت مبني علي الرمل يسط بسرعة وبسهولة متوقعة من أول تجربة صعبة (مت 27:7) وبندم الشريك ولكن لا ينبغي له أن يلقي بالمسئولية علي الله فالزواج ليس قسمة ونصيب كما يزعم البعض بل هو إختيار بحكمة ويطلب النعمة وبمشورة القريب والغريب وسؤال الرب وخدامه والبحث والإستقصاء –لفترة طويلة قبل وبعد مشروع الخطبة ولا يلومن أحد سوي نفسه كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم وتبلغ الأسرة كمالها وجمالها بتفيذ مفاهيم وتعاليم المسيح السليمة عن الحب الروحي والمضحي وعن مساندة الشريك للضعيف الآخر وعن عدم التخلي عن الشريك المريض بالروح أو بالجسد والصلاة من أجله إلي أن يسترد صحته الروحية والجسدية وأن تدنيس الرباط المقدس يكون بدخول طرف شرير ثالث بينهما وهو السبب الرئيسي (الخيانة)لفصم عري هذا الزواج المقدس علاوة الزنا الروحي بترك أحدهما الإيمان المسيحي عندما يغوي إبليس طرفا ً ضعيفا ً روحيا لبيع مخلصه بغباء من أجل لذة عابرة وغيرها من أمور العالم الفاني ويندم الغبي إلي الآبد ولا يمكن منطقياً لمن يغضب الرب ويترك أو يخالف شريعة الكمال أن يشعر براحة بال بسعادة حقيقة بأية حال من الأحوال وهو أمر مؤكد للكل وأسألوا المجربين البين عن الله ووصاياه الخاتمة: والخلاصة أن المسيحية الجميلة بما فيها من سمو في الروحيات وفي الإجتماعات والصداقات الروحية وفي التعاليم العظيمة هي حقاً ديانة الجمال والكمال ومن يشك في هذا المقال عليه أن يدرس كتابها وما يحتويه من أقوال وأفعال تدعو للسعادة الحقيقية والأستقرار والهدوء والسلام النفسي والاجتماعي أيضا وهو ما إخترته الملايين ووصل أتباع هذا الدين العظيم إلي نحو من ثلاثة مليارات من سكان عالمنا المعاصر ويزدادون كل يوم بعمل الروح القدس في كل نفس تؤمن وتعتمد وتخلص وختاماً تعلمنا الكنيسة القبطية في صلوات (ومزامير الساعة الأولي من النهار (صلاة باكر بالأجبية) كيف يومنا بكل آلامه وآماله وكيف نتعامل مع الناس ومختلف الأجناس بتلك الكلمات الجميلة التي نطق بها الروح القدس علي لسان القديس بولس وقال "أطلب إليكم أن الأسير في الرب (في سجن روما أجل الإيمان) أن تسلكوا كما يحق للدعوة " (المسيحية التي دعيتم بها بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة مجتهدين (مسرعين تحفظوا وحدانية الروح برباط سلام " وليتنا نستمع بالأكثر ونستمع بتلك أيضا الوصايا الجميلة والكاملة:"لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم (الأشرار) ببطل ذهنهم إ هم مظلمو الفكر ومتجنبون (بعيدون) عن حياة الله (المقدسة) لسبب الجهل الروحي)الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم "لا يسرق السارق والعاطل فيما بعد بل بالحري يتعب (يكسب العيش) عاملاً الصالح بيديه (لتوفير المال) وليكون له أن يعطي من له احتياج " "لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان (لا للعثرة) كي يعطي نعمة للسامعين ولا تحزنوا روح الله القدوس " لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. (لؤم أو مكر) وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ. فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاَللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، 2وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً (لخلاصنا) وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. " (أف 5-4)
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل