المقالات

29 نوفمبر 2021

هل المسيح إله أم إنسان؟'

هل هو ابن الله أم ابن مريم؟ يسأل البعض هذا السؤال الجوهري بالنسبة للمسيحية: هل المسيح إله أم إنسان؟ هل هو ابن الله أم ابن الإنسان، أبن مريم؟ فعند القراءة الأولي للعهد الجديد يجد الإنسان نفسه أمام هذا السؤال وغيره من الأسئلة العديدة المرتبطة به: هل المسيح هو الله الخالق أم أنه مجرد إنسان مخلوق خُلق مثل آدم؟ هل هو الله الكلي الوجود، الموجود في كل مكان وزمان، غير المحدود بالزمان أو المكان، الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية، أم أنه المولود من في بيت لحم ومن العذراء في زمن معلوم ومكان محدد؟ هل هو الله الواحد غير المولود الذي لا أب له ولا أم ولا نسب؟ أو أنه الإنسان الذي له ولد من أم وله سلسلة أنساب تصل إلى آدم؟ هل هو الله الذي لا يجوع ولا يعطش ولا يأكل ولا يشرب ولا يتعب ولا ينام، أم أنه الإنسان الذي جاع وعطش وأكل وشرب وتعب واستراح ونام؟ هل هو الله الحي الأبدي الذي لا يموت، أم أنه الإنسان الذي مات ودفن في القبر ثلاثة أيام؟ وكثيرا من الأسئلة التي سنذكرها في حينها. س 1: هل المسيح هو الله وابن الله؟ ج: نعم المسيح هو الله(1) وابن الله فقد نسب إليه الكتاب المقدس كل أسماء الله وألقابه وصفاته وأعماله، ودعي اسمه يسوع (مت21: 1؛ لو31: 1) واصله العبري " يهوشاع " ومعناه الله المخلص أو الله يخلص (يهوه يخلص) كما دعي " عمانوئيل " في سفر اشعياء وإنجيل متي وتفسيره " الله معنا " (اش14: 7؛ مت23: 1) كما دعاه الكتاب " الله " أو " الإله ": " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3). " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9). " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28: 20). " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2). " ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5). " إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح " (تي13: 2). " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك " (رو5: 9). " أما عن الابن يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " (عب8: 1). " أجاب توما وقال له (ليسوع المسيح) ربي والهي " (يو28: 20). " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والي الأبد " (عب8: 13). " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان " (يه25). " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1). وكانت أعماله هي أعمال الله: فهو خالق الكون ومدبره:- " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو1: 13). " الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل " (كو15: 116). " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب2: 13) وصاحب السلطان علي الكون " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا13: 7،14). وصفاته هي نفس صفات الله كالوجود الأزلي بلا حدود والأبدية، أي الأزلي الأبدي والوجود في كل مكان " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) والعلم بكل شئ " الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد لهذا نؤمن انك من الله خرجت " (يو30: 16)، والقدرة علي كل شئ " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1) أما كون المسيح ابن الله ووصف الكتاب له بذلك باعتباره هو كلمة الله " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1) وعقل الله الناطق وصورة الله غير المنظور " المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4: 4)، المساوي لله الآب " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله " (في6: 2)، " الذي هو صورة الله غير المنظور ... فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو15: 1)، وبهاء مجد الله الآب ورسم (صورة) جوهره " الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب3: 1)، والموجود دائما وأبدا في حضن الآب من الأزل وإلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبر " (يو18: 1)، " لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا " (عب5: 1)، المولود من الآب وفي ذات الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق. من الآب " أنا اعرفه لأني منه وهو أرسلني " (29: 7)، وفي الآب " أنا في الآب والآب في ... صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو10: 14،11)، وواحد مع الآب " أنا والآب واحد " (يو30: 10). وهذا ما يؤكده الكتاب أيضا في العشرات من آياته: فقد وُصف ب " ابن الله الحي " ؛ " أنت هو المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16)، و " المسيح ابن الله " (مت63: 26)، وفي بدء الإنجيل للقديس مرقس يقول " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1)، والشياطين " كانت تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله " (لو41: 4). وأكد الرب يسوع المسيح للجموع أنه ابن الله الذي من ذات الله الآب والذي له كل صفات الله الآب والذي يعمل جميع أعمال الله الآب ؛ " فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله، فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا اعظم من هذه لتتعجبوا انتم، لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء، لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله، الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة، الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيّآت إلى قيامة الدينونة " (يو18: 529). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد
28 نوفمبر 2021

دَوَافِعْ الخِدْمَة

مِنْ سِفْر أرْمِيَا النَّبِي ﴿ قَدْ أقْنَعْتَنِي يَارَبُّ فَاقْتَنَعْتُ وَألْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ صِرْتُ لِلضَّحِكِ كُلَّ النَّهَارِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْتَهْزَأَ بِي لأِنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ صَرَخْتُ نَادَيْتُ ظُلْمٌ وَاغْتِصَابٌ لأِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لِي لِلعَارِ وَلِلسُّخْرَةِ كُلَّ النَّهَارِ فَقُلْتُ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أسْتَطِعْ ﴾ ( أر 20 : 7 – 9 ) الله كَلَّفْ أرْمِيَا بِإِنْذَار وَتَأدِيبَات الشَّعْب إِذَا إِسْتَمَرَ فِي شُرُورِهِ وَأنَّهُ سَيَسْمَح لَهُمْ بِالسَبْي وَالعُبُودِيَّة وَأنَّ الهِيكَل سَتَزُول مِنْهُ الذَّبَائِح وَالتَّقْدُمَات وَبَدَأَ أرْمِيَا النَّبِي يَتَكَلَّمْ لكِنُّه كَمَا قَالَ * صِرْتُ لِلهِزْءِ وَالسُّخْرَة وَالعَار كُل النَّهَار * أي لاَ إِسْتِجَابَة فَقَالَ ﴿ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ ﴾ نَعَمْ لأِنَّهُ لاَ فَائِدَة مِنْ الشَّعْب لِذلِك سَأصْمُت لكِنْ لَمْ أسْتَطِع لِمَاذَا يَا أرْمِيَا ؟ لأِنَّ إِسْم الله كَالنَّار فِي قَلْبِي مَحْصُورَه فِي عِظَامِي مِنْ خِلاَل مَا نَرَاه فِي أرْمِيَا النَّبِي نَجِد أنَّ دَوَافِعْ الخِدْمَة عِنْدُه كَانَتْ دَوَافِعْ مَحَبَّة كَبِيرَة لله وَأنَّهُ يُوْجَدٌ عِنْدُه مَسْئُولِيَّة وَغِيرَة وَأنَّ إِسْم الله دَاخِلُه مَحْصُور فِي قَلْبُه وَعِظَامُه لِذلِك سَنَتَكَلَّمْ عَنْ أرْبَعِة كَلِمَات مُهِمَّة لاَبُدْ أنْ يَخْتَبِرْهَا الخَادِم لِيَعْرِف هَلْ خِدْمِتُه تَسِير فِي الطَّرِيق الصَّحِيح أم لاَ :- 1- مَحَبِّتُه لله أمِينَة:- الَّذِي تَذَوَّق مَحَبِّة الله بِأمَانَة لاَ يَسْتَطِيع أنْ يَكْتَفِي بِهِ وَحْدُه الَّذِي تَذَّوَق صَلاَح الله وَغُفْرَانُه لَنْ يَكْتَفِي بِهَا لِنَفْسُه بَلْ تِلْقَائِي يَخْدِم لِذلِك مِنْ أجْمَل تَعْرِيفَات الخَادِم أنَّهُ تَائِب يَقُودٌ تَائِبِينْ .. كُلَّمَا كَانَ الخَادِم أمِين فِي تُوبْتُه وَمُتَجَدِّد كُلَّمَا إِسْتَطَاعَ أنْ يَقُودٌ مَخْدُومِيه لاَبُدْ لِلخَادِم أنْ يَكُون مُخْتَبِر مَحَبِّة الله وَيَشْعُر أنَّ الله يَحْمِلُه وَيُعْطِيه الأدْوِيَة المُؤدِيَة إِلَى الحَيَاة وَيَحْتَوِيه وَيُخَلِّصُه إِخْتِبَار مَحَبِّة الله عَلَى المُسْتَوَى الشَّخْصِي مُهِمْ جِدّاً وَكَمَا قَالَ بُولِس الرَّسُول ﴿ الَّذِي أحَبَّنِي وَأسْلَمَ نَفْسَهُ لأِجْلِي ﴾ ( غل 2 : 20 ) بِدُون هذَا الإِخْتِبَار خِدْمِتِي خِدْمَة شَكْلِيَّة غِير فَاعِلَة لأِنَّهَا لَيْسَتْ نَابِعَة عَنْ حُبْ وَاخْتِبَار وَتُوبَة وَبِذلِك تَكُون خِدْمَة عَقْلِيَّة قَدْ يَكُون الخَادِم قَدِير فِي كَلِمَاتُه لكِنُّه غِير مُؤثِّر بَيْنَمَا الخَادِم المُخْتَبِر مَحَبِّة الله قَادِر أنْ يَنْقِل الكَلاَم وَيِعَيِّشُه لِلمَخْدُوم لأِنَّهُ إِخْتَبَر الأمر وَبَدَلاً مِنْ أنْ يَقُول * المَجْدُ لَك يَا مَنْ تَحْتَمِلْنِي * يَسْتَطِيع أنْ يَقُول * المَجْدُ لَك يَا مَنْ تَحْتَمِلْنَا * الإِحْتِمَال إِنْتَقَل مِنْ إِخْتِبَارِي الشَّخْصِي أنَا إِلَى إِخْتِبَار المَخْدُومِين وَبِذلِك يَسْتَطِيع الخَادِم أنْ يِوَصَّل صُورِة الله المَحْبُوب الغَالِي لِلمَخْدُوم وَيِعَرَّفُه أنَّهُ مَوْضِع سَعْي الله وَلَذِّتُه حَتَّى وَإِنْ كَانْ شَخْص مُتْعِب مَفْقُود خِدْمِة الحُبْ مُهِمَّة إِخْتِبِر مَحَبِّة الله هُنَاك كَلِمَة وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَة مُسْتَهْلَكَة لكِنَّهَا إِخْتِبَار مُهِمْ جِدّاً عَلَى المُسْتَوَى الشَّخْصِي وَهيَ * إِنَّنَا نُحِبْ الله * الحُبْ يَنْمُو بِالعَطَايَا وَالعَوَاطِف وَاللِقَاء النَّاس تَنْمُو بَيْنَهَا المَحَبَّة بِاللِقَاءَات المُسْتَمِرَّة بَيْنَهُمْ وَعِنْدَمَا يَتَذَوَقُوا الإِخْتِبَار الشَّخْصِي لِبَعْضِهِمْ يَزْدَاد الحُبْ بَيْنَهُمْ هكَذَا اللِقَاءَات الدَّائِمَة مَعَ الله تُنَمِّي المَحَبَّة فِي القَلْب وَمَا أرْوَع تَشْبِيهَات القِدِيس يُوحَنَّا الدَّرَجِي عِنْدَمَا قَالَ ﴿ لِيُقَبِّلَك ضَمِيرِي كَمَا قَبَّل يَعْقُوب حَبِيبُه يُوسِف ﴾ تَخَيَّل لِقَاء أبِينَا يَعْقُوب بِحَبِيبُه يُوسِف بَعْد أنْ كَانَ يَعْرِف أنَّهُ مَات ثُمَّ عَرَفْ أنَّهُ حَي يَقُول الكِتَاب ﴿ بَكَى عَلَى عُنُقِهِ زَمَاناً ﴾( تك 46 : 29 ) تَخَيَّل أنَّ لِقَاءَك بَالله عَلَى مُسْتَوَى لِقَاء يَعْقُوب بِحَبِيبُه يُوسِف !! لِقَاء حُبْ عَمِيق جِدّاً صَلِّي كَثِيراً وَتَعَانَق مَعَ يَسُوع فِي صَلَوَاتَك سَتَجِد أنَّكَ قَدْ صِرْت مُتَأنِّي وَمُحِبْ وَلأِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأخُذ مِنْ مَحَبِّة الله وَتَشْبَع سَتَكُون خِدْمِتَك مُذَبْذَبَة لأِنَّ العَوَاطِف البَشَرِيَّة مُذَبْذَبَة وَتُحِبْ الإِسْتِهْلاَك وَلَهَا عَوَائِق لكِنْ مَحَبِّة الله مَحَبَّة بَاذِلَة ثَابِتَة . 2- يَمْتَلِئ بِمَحَبِّة الله:- المُرْوَى يُرْوِي إِنْ عِشْت مَعَهُ يَصْعَد كَلاَمُه مِنْ قَلْبَك إِلَى فَمَك ﴿ مِنْ فَضْلَةِ القَلْبِ يَتَكَلَّمُ الفَمُ ﴾ ( مت 12 : 34 ) سَتَجِد أنَّ كَلاَمَك وَفِكْرَك هُوَ كَلاَم وَفِكْر الْمَسِيح عِشْ خِدْمِة التَّشَبُّع بِالْمَسِيح تَجِد أنَّ كُل مَا فِيك مِنْهُ تَجْلِس مَعَهُ كَثِيراً فَتَأخُذ مِنْهُ كَثِيراً وَتَتَلَذَّذ كَثِيراً وَتُرِيدْ أنْ تُعْطِي مَنْ حَوْلَك مِمَّا تَذَوَقْتَهُ السَّامِرِيَّة تَحَوَّلَتْ مِنْ خَاطِئَة إِلَى تَائِبَة إِلَى كَارِزَة التُوبَة وَالكِرَازَة خَطْوَة وَاحِدَة تِتُوب وَتِكْرِز قَالَتْ تَعَالُوا لأِكَلِّمَكُمْ لاَ عَنْ نَفْسِي بَلْ عَنْهُ عَنْ خَطِيِتِي وَغُفْرَانُه عَنْ قُبْحِي وَحَلاَوْتُه السَّامِرِيَّة كَانَتْ تَعْرِف سِتَّة رِجَال كَمَا قَالَ الكِتَاب وَرَقَمْ " 6 " هُوَ رَقَمْ يُشِير لِلنَقْص مَنْ الَّذِي دَخَل رَقَمْ " 7 " ؟ الْمَسِيح يَسُوع تَوِّبْهَا وَمَلأهَا فَلَمْ تَنْظُر لآِخَر ﴿ مَنْ إِمْتَلَكَك شَبَعَتْ كُل رَغَبَاتُه ﴾ بَعْد أنْ شَبَعِت كَرَزِت لِذلِك خِدْمِتْنَا هِيَ دَعْوَة لأِوْلاَدْنَا أنْ يَتُوبُوا فِي ثِقَة أنَّ الله سَيَقْبَل كَمَا نَتُوب نَحْنُ وَهُوَ يَقْبَل نَحْنُ لَسْنَا أصْحَاب فَضْل وَكُلَّمَا نَتُوب كُلَّمَا إِسْتَطَعْنَا أنْ نَدْعُو أوْلاَدْنَا أنْ لاَ يَسْتَثْقِلُوا خَطَايَاهُمْ عَلَيْهِ لأِنَّهُ فَعَلَ مَعَنَا وَعَمَلُه وَاضِح فِي حَيَاتْنَا الخَادِم لَهُ إِخْتِبَارُه وَلَهُ حَيَاتُه لِذلِك عِنْدَمَا يَعْرِف الخَادِم الْمَسِيح يَجِبْ أنْ يَتَزَايِد فِي مَعْرِفَتُه فَيَجْلِس مَعَ الإِنْجِيل أكْثَر وَمَعَ التَّسْبِيح أكْثَر وَ عَلاَمِة الخِدْمَة الصَّحِيحَة هِيَ أنْ تُحِبْ الجُلُوس مَعَ الْمَسِيح أكْثَر هذَا يُعْلِنْ أنَّ خِدْمِتَك لَيْسَت ذَاتِيَّة وَنُعْلِنْ أنَّنَا عَرَفْنَا الْمَسِيح وَالمَخْدُوم يُعْلِنْ أنَّهُ عَرَفْ الْمَسِيح عِنْدَمَا عَرَفَك وَأنْتَ تَقِلْ وَالْمَسِيح يَزْدَاد عِنْدَ المَخْدُوم إِمْتَلِئ وَغَمْر يُنَادِي غَمْر الحَيَاة مَعَ الله لَيْسَ بِهَا إِكْتِفَاء وَكَمَا يَقُول الأبَاء﴿ يَسْتَقْطِبْهُمْ بِالكَمَال وَلاَ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَسْتَقْطِبُوه ﴾ أي الحَيَاة مَعَ الله لَيْسَ بِهَا إِنْتِهَاء تَخْرُج مِنْ قُدَّاس وَأنْتَ مُنْتَظِر قُدَّاس اليُوْم التَّالِي تَخْرُج مِنْ إِصْحَاح فِي الإِنْجِيل مُشْتَاق لِلإِصْحَاح التَّالِي تِنْهِي وَقْفِة الصَّلاَة وَإِنْتَ مُشْتَاق لِوَقْفِه صَلاَة أُخْرَى وَإِنْتَ دَاخِلَك تَتَمَنَّى ألاَّ تَنْتَهِي هذِهِ الوَقْفَة المُشْبِعَة فِي حُضُور الله لأِنَّ الحَيَاة تُعْطِي جِدَّة وَكُل يُوْم فِي العِلاَقَة الحَيَّة يُوْجَد تَجْدِيد . 3- غِيرْتُه عَلَى خِدْمِة الله:- الخَادِم لاَبُدْ أنْ تَكُون لَهُ غِيرَة عَلَى كُل عُضْو﴿ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوع ﴾ ( كو 1 : 28 )﴿ مَنْ يَعْثُرُ وَأنَا لاَ ألْتَهِبُ ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) تَشْتَاق أنْ تُعَرِّف كُل شَخْص عَلَى الْمَسِيح وَتَحْزَن إِنْ غِيرَك لَمْ يَعْرِفُه بَعْد حَتَّى وَإِنْ كَانْ غِير مَسِيحِي سَتَجِد نَفْسَك تَرْفَع قَلْبَك لله لِكَيْ يِعْرَّفُه طَرِيقُه وَكَمَا قَالَ أرْمِيَا ﴿ فَقُلْتُ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أسْتَطِعْ ﴾ نَار وَغِيرَه دَاخِلُه المُتَنَيِح أبُونَا بِيشُوي كَامِل كَانَ يَنْظُر لِلخِدْمَة فَيَعْرِف مَنْ مِنْ المَخْدُومِين لَمْ يَأتِي فَيَذْهَب لِيُحْضِرُه قَلْبُه مُلْتَهِب يَقُول فِي نَفْسُه خِسَارَة أنْ لاَ يَعْرِف أحَدٌ الله خِسَارَة إِنْ فُلاَن لَمْ يَأتِي اليُوْم لِيَتَعَرَّف عَلَى الْمَسِيح أكْثَر فَيُحِبُّه أكْثَر فَيِتْعَب وَيِبْذِل مِنْ أجْل أنَّ الكُلَّ يَعْرِفُه تَعَبْ الخِدْمَة يُعْلِن مِقْدَار المَحَبَّة لله يُقَال عَنْ أبِينَا يَعْقُوب أنَّ السِّنِين الَّتِي عَمَلَ فِيهَا مِنْ أجْل رَاحِيل ﴿ وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا ﴾ ( تك 29 : 20 )غِيرَه القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِي الفَمْ قَالَ ﴿ إِنْ كُنْت تَقُول لِي أنَّكَ مَسِيحِي وَلاَ تَشْعُر أنَّ لَكَ إِلْتِزَام أنْ تَخْدِم أرَى أنَّكَ كَمِثْل مَنْ يَقُول أنَّ الشَّمْس لاَ تُعْطِي شُعَاع وَحَرَارَة إِذاً لَيْسَت شَمْس تَقُول لِي إِنَّهَا خَمِيرَة وَلاَ تُخَمِّر إِذاً لَيْسَت خَمِيرَة كَأنَّكَ تَقُول لِي عِطْر وَلاَ يُعْطِي رَائِحَة إِذاً لَيْسَ عِطْراً ﴾ هذَا هُوَ الْمَسِيحِي هُوَ شَمْس تُعْطِي شُعَاع وَحَرَارَة هُوَ خَمِيرَة تُخَمِّر هُوَ عِطْر يُعْطِي رَائِحَة الْمَسِيح الذَّكِيَّة لَمْ أسْتَطِع الإِمْسَاك لِذلِك الخَادِم يَفْتَقِد وَيَسْأل وَيَعْرِف هذَا وَذلِك وَعِنْدُه غِيرَه ﴿ هَلاَك وَاحِدٌ كَهَلاَك مَدِينَة ﴾ نَعَمْ هذَا هُوَ الخَادِم وَالمَخْدُوم لِذلِك أمر خَطِير جِدّاً أنْ تَشْعُر أنَّهُ لاَ يُوْجَد شِئ يُحَرِّكَك لِلخِدْمَة لأِنَّ هذَا مَعْنَاه أنَّكَ لَمْ تَذُق وَلَمْ تَخْتَبِر مَحَبِّة الله وَلَمْ تَشْعُر أنَّهُ إِلْتِزَام القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِي الفَمْ يَقُول ﴿ حِينَمَا أرْعَى شَعْبِي أشْعُر أنَّ إِبْرُوشِيَتِي هِيَ عَالَمِي وَلكِنْ عِنْدَمَا أتَحَلَّى بِرُوح الكِرَازَة أشْعُر أنَّ العَالَم هُوَ إِبْرُوشِيَتِي ﴾ فَرْق كَبِير بَيْنَ الإِبْرُوشِيَّة هِيَ عَالَمَك وَالعَالَمْ هُوَ إِبْرُوشِيِتَك كَمَا إِسْتَلَمَ القِدِيس إِغْرِيغُورْيُوس إِبْرُوشِيِتُه وَبِهَا سَبْعَة عَشَر أُسْرَة مَسِيحِيَّة وَتَنَيَّح وَبِهَا سَبْعَة عَشْر أُسْرَة غِير مَسِيحِيَّة غِيرَه ﴿ مَنْ يَضْعُفُ وَأنَا لاَ أضْعُفُ ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) . جَمِيل فِي الطَقْس أنَّهُ عِنْدَ صَرْف الذَّبِيحَة أنَّهَا لاَ تُصْرَف قَبْل أنْ يَجْمَع الأب الكَاهِن الجَوَاهِر الَّتِي تُمَثِّل النِّفُوس البَعِيدَة الأعْضَاء الَّتِي تَاهَت مِنْ الجَسَد وَيَطْلُب مِنْ الشَّمَاس أنْ يَفْحَص مَعَهُ وَكَأنَّهُ لاَ يَعْتَمِد عَلَى نَفْسُه فَيَطْلُب المُسَاعَدَة وَلاَ يَهْدأ حَتَّى يَجْمَع كُل الجَوَاهِر لِلجَسَد الوَاحِدٌ لِذلِك لَيْتَكَ تَشْعُر يَا خَادِم الله أنَّ كُل مَخْدُوم جَوْهَرَة تَائِهَة فَلاَ تَهْدأ حَتَّى تَشْعُر أنَّ الجَسَد كُلُّه تَجَمَّع مَعاً . 4- مُطِيع لِلإِنْجِيل:- كَمْ مَرَّة قَالَ إِذْهَبُوا إِكْرِزُوا نَادُوا بَشَّر ؟ الكِتَاب مُمْتَلِئ بِهذِهِ الكَلِمَات ﴿ هَأنَذَا أرْسِلْنِي ﴾ ( أش 6 : 8 ) إِذاً هِيَ طَاعَة وَأمر إِنْجِيلِي فَلاَ تَشْعُر أنَّكَ مُتَفَضِّل أنَّكَ تَخْدِم بَلْ هِيَ طَاعَة لأِمر أنْتَ جُنْدِي فِي جِيش الْمَسِيح وَعَلَيْكَ أنْ تُطِيع ﴿ يَنْبَغِي أنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أيْضاً ﴾ ( 1يو 2 : 6 ) تَخْدِم فِي كُل الحَالاَت وَكُل الأوْقَات وَفِي كُل الأوْسَاط المَرْأة المُمْسِكَة فِي ذَات الفِعْل كَانَت فِي الفَجْر أي أنَّ يَسُوع كَانَ يَخْدِم فِي اللِيل مَعَ السَّامِرِيَّة كَانَتْ خِدْمِتُه السَّاعَة الثَّانِيَة عَشْر ظُهْراً عَلَى الجَبَل فِي البَحْر فِي المَجْمَع أثْنَاء المَسِير قَالَ أسْرَار حَتَّى فِي لَحَظَات الإِسْتِرْخَاء يُقَال عِلْمِياً أنَّ المَعْلُومَة لاَ تَثْبُت إِلاَّ وَالنَّاس مُهَيَّأة بَعْد الفِصْح إِتَّكأ أي إِسْتَرْخَى وَأعْطَاهُمْ السِّر ﴿ خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي ﴾ ( مت 26 : 26 ) أهَمْ المَعْلُومَات أعْطَاهَا حَتَّى فِي وَقْت الإِسْتِرْخَاء حَتَّى عَلَى الصَّلِيب كَانَ يَخْدِم وَيَطْلُب مِنْ أجْل صَالِبِيه وَكَرَز لِلِّص اليَمِين وَيَفْتَح لَهُ بَاب الفِرْدُوس الخِدْمَة طَاعَة أنْ تُطِيع أمر الْمَسِيح وَتَسْلُك بِحَسَبْ أمْرُه وَالخِدْمَة وَاجِبْ رَاجِع نَفْسَك فِي هذِهِ الدَّوَافِع حَتَّى لاَ تَكُون قَدْ دَخَلْت الخِدْمَة مِنْ أجْل شَخْص أوْ أصْحَاب أوْ تَكُون قَدْ دَخَلْت فِي مَاكِينِة الخِدْمَة وَهُنَاك دَوَافِع أُخْرَى كَثِيرَة لِلخِدْمَة وَبِحَسَبْ مِقْدَار مَحَبِّتَك لله وَامْتِلاَءَك وَغِيرْتَك وَطَاعْتَك تَعْرِف نَجَاح خِدْمِتَك وَأي خَلَلْ فِي هذَا المِيزَان يُعْلِنْ أنَّ الخِدْمَة بِهَا أخْطَاء مُجَرَّدٌ أنْ تَمِل مِنْ الخِدْمَة أوْ تَشْكُو مِنْ الأوْلاَدٌ أوْ الوَقْت أوْحَتَّى لَوْ لَمْ تَأتِي إِلَى الخِدْمَة لاَبُدْ أنْ تُتَابِع مِنْ الخَارِج خِدْمِتَك تَابِع تُوبِة أوْلاَدَك وَاعْتِرَافْهُمْ وَتَنَاوُلَهُمْ وَأسَاسِيَات الحَيَاة مَعَ الله لَوْ لَمْ تَعِشْهَا لَنْ تَعْرِف كَيْفَ تَخْدِم وَلاَ تَكُون الخِدْمَة عِلاَقَة شَخْصِيَّة فَقَطْ بَلْ أسَاسِيَات الحَيَاة الرُّوحِيَّة حَتَّى تُحْضِرَهُمْ لِلْمَسِيح حَتَّى وَلَوْ بِالصَّلاَة بِرِحْلَة بِقُدَّاس الإِنْسَان الَّذِي عِنْدُه الغِيرَه الغِيرَه تِغْلِب الصِّعَاب رَبِّنَا يُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُل ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
27 نوفمبر 2021

النساء والزينة

«لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا. الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ» (1بط3: 3–6). في صميم الخِلقة، تميل النساء، إلى التزيُّن وإلى الظهور بمظهر الجَمال.. هذه طبيعة وهي رأس زاوية تقف عند مفارق الطرق في تدبير الحياة.. فلا يمكن بصورة من الصور أن تُغيَّر الطبيعة!! ولكن إن انحازت النفس إلى العالم فجرفها في تيّاراته، فإنّ المظهَر يصير كلّ رأس مالها.. وتبتدئ الزينة الخارجيّة تملك على الكيان.. وعندئذ تتبارَى مَلَكات الإنسان وامكانياته تخدم الخارج والجسدانيّات.. فتُكرِّس كلّ الطاقات الماديّة والفِكرية والعِلميّة لفنون الجسد وزينة الخارج، الذي يَبلَى يومًا ولا بديل. ومُجرَّد نظرة بسيطة إلى ما هو موجود في عالَم الموضات، مِن اللبس والحُليّ والماكياچ والعطور وتصفيف الشعر.. شيء رهيب حقًّا لا يقع تحت حَصر.. تيّار جارف وأمواج مُزبِدة تجرِف الملايين بل ومئات الملايين. ولا يستطيع أحد أن يقف في وجه تلك التيّارات المخيفة، فأقلّ ما يَصفه به العالم هو الجنون وعدم الواقعيّة وأنّه يحيا في الوهم والخيال. بينما أولاد الله إذ قد اكتشفوا زوال أباطيل هذا العالم الخدَّاع، واستنارت بصيرتهم فأدركوا السماويات، صرفوا العمر كلّه يعتنون بالداخل ومجد الداخل، كمثل العذراء القديسة التي قيل عنها «كُلُّ مَجْد ابْنَةِ الملِكِ مِنْ داخِل. مشْتمِلةٌ بأطرافٍ مُوَشّاةٍ بالذَّهَبِ، مُزَيَّنَةٍ بأشْكالٍ كَثيرةٍ» (مز44 الأجبية).. مجد لا يوصَف.. ولا يعرفه العالم. قُلْ أنّ الاهتمام الزائد بالزينة الخارجية هو تغطية لعوار الداخل الذي تشمئزّ منه النفس. ألَمْ يكن هذا حال الفرّيسيين الذين قال لهم الرب: «تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (نتانة)» (مت23: 27). فالنزوع إلى التزيّن الخارجي والانحصار فيه، يعني عدم الالتفات للداخل، بل وإهماله، بل وفي أحيان كثيرة هو محاولة للتغطيّة لِما قد يُخجَل منه إذا انكشف. لذلك جاءت الوصيّة صريحة للنساء القدّيسات «لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ هى الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ... بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ». الزينة المختفية بالروح.. في القلب الخفي عن عيون الناس، ولكن مستعلَنَة لدى الله، في الإنسان العديم الفساد، لأنّ كلّ ما هو خارجي يفسد، لأنّ إنساننا الخارج يفنى ولا محالة!! زينة الروح الوديع.. وإن فطنت إلى هذه الفضيلة النادرة والغالية جدًّا، ليس قدّام الناس بل هي قدّام الله كثيرة الثمن.. فكم بالحري لدى الناس؟ قَلَّ أنْ تجد امرأة تتحلّى بالوداعة والهدوء الروحي.. فإن وجدتَها فثمنها يفوق اللآلئ، لأنّها مُشتَرَاه بدم زكي كريم ومُقدَّسة فيه!! أمّا الصفة الثانية وهي الاتكال على الله، فهي رصيد الزوجة المسيحيّة.. عليها يؤسَّس استقرار البيت، فهي لا تتّكل على أشياء ومقتنيات، ولا على ذراع البشر، بل على الله الحيّ.. تتّكل عليه مِن كلّ قلبها، وتسوس بيتها، وتشيع في أولادها عدم الخوف وعدم القلق وعدم الاضطراب، بإيمانها واتكالها على الله.. تُطَيِّب قلب زوجها وتُطَمئنه.. فهي لا تُرهِقه بكثرة المطالب في العالميات، ولا تدفعه إلى الأطماع لتلبية رغباتها، بل اتكالها على الله هو كفايتها وكنزها. «يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ بزِينَةَ الرُّوحِ ولباس الحشمة خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ» أمّا مِن جهة لباس الحشمة، فهذا يأتي من الإدراك الروحي، فالإنسان الروحي «يَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ» (1كو2: 15). فلا يوجد زِيّ يُقَال له الزِيّ المسيحي.. ولكن تُدرِك المرأة المسيحيّة بروحها، وتُمَيِّز بين ما يليق وما لا يليق، وما يوافق ومالا يوافق، بحسب ما هو مكتوب «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ» (1كو10: 23). + والإدراك الروحي والحياة في المسيح، يجعَل الإنسان يحرِص على نقاوة قلبه وطهارة جسده، عالِمًا أنّ الجسد هو هيكل الروح القدس الساكن فينا «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). وأيضًا يقول: «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20). فنحن أعضاء جسد المسيح وأعضاؤنا أعضاء جسده. لذلك لباس الحشمة يليق بمن أدركوا أنّ أجسادهم مِلكٌ للذي اشتراهم. فالخلاعة من أي نوع أو التشبُّه بأهل العالم، هي مجاراة للمجتمع لا تليق بأولاد الله. في تاريخ المسيحيّين الأوائل، لما ألقوا إحدى الشابات في ساحة، لثور وحشي، بسبب إيمانها بالمسيح، ومزّقها الثور بقرونه، كانت تلملم ثيابها لتستر نفسها غير عابئة بالموت، لأنّ عفّتها ومحبّها للقداسة كانت أغلى من الحياة (الشهيدة بِربِتوا). والقصص كثيرة جدًّا التي تؤكِّد أنّ المسيحيّات منذ الأيام الأولى كُنّ مِثالاً لقداسة السيرة والمظهر الذي يليق بأولاد الله. والشهيدات العفيفات: دميانة وبربارة ويوليانا صِرنَ نموذجًا لملايين، تَبعْنَ سيرتهن الطاهرة وتمثّلنَ بهنّ. في ستينيّات القرن الماضي ورَدَتْ إلى مصر موضة من أوربّا، هي لِبس الملابس القصيرة، وتأثّر بها معظم سيّدات وفتيات مصر.. وفي يوم أحد أثناء القداس، في كنيستنا في سبورتنج بالاسكندرية، دخلت إحدى السيّدات الشابّات بفستان قصير جدًّا بشكل لا يليق، وصار اشمئزازٌ من كثيرين.. وكان من عادتنا، أنّنا في نهاية القداس بعد انصراف الشعب، نقف على باب الكنيسة، لنسلّم على كلّ الشعب. (كانت أيّام جميلة محفورة في ذاكرتي..) كان يومها أبونا بيشوي هو الذي يُصلّي القدّاس، وفيما هو يُسَلِّم على الشعب لفَتَ نظره هذه الأخت، ولم يكُن يعرِفها.. سلّم عليها بمَوَدّة وسألها أين تسكن؟ وفي ذات اليوم زار أبونا منزلها هي وزوجها، وكان لها بنتان صغيرتان.. صلّى معهم وكلّمهم بكلمات النعمة، فدخلت إلى أعماق قلوبهم. بعد ذلك بوقت قصير، كانت الحياة قد تغيّرت، وأصرّت هذه الأخت أن تحرق هذه الملابس غير اللائقة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
26 نوفمبر 2021

الارتباط بالكنيسة

كلمتكم فى الاسابيع الماضية عن مهابة الكنسة وكرامتها، اريد ان اتحدث فى هذا اليوم عن الارتباط بالكنيسة: ما معنى الارتباط بالكنيسة فكرة الكنيسة تظهر بوضوح فى اعتراف القديس بطرس الرسول عندما اجتمع بهم ربنا يسوع المسيح فى قيصرية فيلبس وسألهم مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ فاجابوا اجابة واضحة فى فم القديس بطرس الرسول أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! كانت النتيجة ان المسيح اجابه برد جميل انه عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي وكانت هى المرة الوحيدة التى تاتى فيها كلمة كنيسة بصيغة الملكية الكنيسة بمفهوم جديد على اعتبار انها جسد المسيح او عروس المسيح وكما ذكرت فى المرات السابقة ان الكنيسة ليست مجرد مجتمع، الكنيسة هى شركة القديسين مع المسيح،والكنيسة ليست مجرد مبنى –نسمع فى القرون الاولى فى اوقات الاضطهاد واواقات الاستشهاد وقبل ان تبنى كنائس كانوا يصلون فى مقابر ومغائر وشقوق الارض وكانوا يصلون فى المزارع،فالكنيسة ليست مجرد مبنى… الكنيسة هى اعضاء جسد المسيح، والكنيسة ايضا ليست مجرد مؤسسة عادية ارضية الكنيسة تعنى الحياة فى المسيح وعلى هذا الاساس الكنيسة ليس لها حدود فى عملها لا فى الزمان ولا المكان ولا فى الكيان –كيان الانسان الكنيسة تمتد فى المكان والزمان وفى كيان الانسان- لهذا نقول على الكنيسة انها وحده، تتميز بالاتحاد الذى نسميه الشركة فى الكنيسة والكنيسة ايضا واحده بمعنى انها غير منقسمة، والمسيح يوحدها والكنيسة ايضا وحيده، بمعنى انه ليس مثيل لها يمكن ان نجد كل شئ خارج الكنيسة ولكن الكنيسة تقدم الخلاص بدم المسيح وصليبه فالكنيسة نقول عنها انها وحدة واحدة وحيدة كما نعبر فى قانون الايمان “نؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية الذى يعمل فى الكنيسة هو روح الله القدوس، المسيح حجر الزاوية، والكنيسة هى التى تمدنا بنعم الاسرار بعمل الروح القدس، لهذا عندما نصلى القداس جميعا معا يقف الاب الكاهن او الاب الاسقف يقول عبيدك يارب خدام هذا اليوم، وانتبه لكلمة خدام ليس المقصود بها خدام مدارس الاحد ولكن خدام هذا اليوم، بمعنى انه كل من يوجد فى الكنيسة فى هذا الوقت الكل ويفسرهم بحسب وضيعيهم والاخر وضعفى، كل الموجودين هم خدام هذا اليوم، ولذلك من التقاليد المستقرة فى كنيستنا الا يقدر كاهن ولا اسقف ان يصلى قداس بمفرده على الاقل ثلاثة، من يمثل الخدام من يمثل الشعب والاسقف او الكاهن الذى يصلى القداس، لابد من وجود هذه الشركة ماذا تعنى عبارة الارتباط بالكنيسة نشرح هذا الارتباط ليستطيع كل واحد فينا ان يقيم معنى ارتباطه بالكنيسة، وكل ما الانسان يعرف مقدار ارتباطه الحقيقى بالكنيسة يعرف تمام المهابه والكرامة التى تعطى للكنيسة الارتباط بالكنيسة هو شكل الصليب بأربعة اطراف، يوجد ارتباط فكرى، ويوجد ارتباط روحى، ويوجد ارتباط اجتماعى، وكل هذا على اساس الارتباط الليتورجى اولا الارتباط الفكرى:- الارتباط الفكرى يعتمد اولا على الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد) ويعتمد ايضا على تعاليم الاباء،الاعتماد الاساسى فى الارتباط الفكرى فى الارتباط بالكنيسة انه مرتبط بالكلمة المقدسة (الكتاب المقدس والاجبية) ومرتبط بتعاليم الاباء التى يقدمها لنا المعلم قد يكون الاب الاسقف او الاب الكاهن الذى يعلمنى بحسب تعاليم الاباء وبحسب ماتسلمت الكنيسة، ويجب ان يكون التعليم مطعما من الكتاب المقدس ومن اقوال الاباء وسيرهم،هذا هو الاتباط الفكرى، عقلى وافكارى كلها كما يقول الكتاب “مستأثرين كل فكر لطاعة المسيح” هذا هو معنى ارتباطك الفكرى بالكنيسة ينمو عقلك يوم ورا يوم فى معرفة ربنا يسوع المسيح الارتباط الليتورجى او الاساسى (او ممكن تسمونه الارتباط الحياتى) الذى هو قاعدة الصليب:- نسميه الارتباط بنعم الحياة ونعم الحياة هى الاسرار وخاصة سر المعمودية وسر الافخارستيا، نعتمد ونولد من جديد بطقس المعمودية ونبدأ به حياتنا فى الكنيسة، وكما ذكرت امامكم فى مرة سابقة ان يوم المعمودية هو يوم فريد لأن الطفل فيه ينال ثلاثة اسرار هم المعمودية والميرون والافخارستيا ولكن مهم فى اول تناول له يسمع فيه عبارات الاعتراف الاخير فى القداس عندما يقول الاب الكاهن يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة ابدية لمن يتناول منه، ويصير هذا اليوم هو الانطلاق الى الابدية، هذه هى محطة القيام لطريق طويل الى ان يصل هذا الانسان الى السماء، اذا كانت المعمودية هى ميلاد الحياة الجديدة فتأتى الافخارستيا هى غذاء الحياة الجديدة ويبدأ الانسان بالثبات فى المسيح ويرتبط الانسان بالكنيسة والغذاء والجسد والدم الاقدسين وهو يتقدم للتناول هذا هو الارتباط الحياتى الارتباط الروحى:- يعتمد ايضا على شيئين، هم التلمذة لأب الاعتراف ويعتمد على الصلاة وروح التوبة ارتباطك بالتلمذة لاب الاعتراف هو الرفيق فى الحياة الروحية، وارتباطك بالصلاة التى ترفعك الى روح التوبة التى تجعلك دائما حريص على نقاوة قلبك،تلمذتك لأب اعترافك هى التلمذه الروحية وليست التلمذة الشخصية، التلمذة الروحية ان اب الاعتراف هو انسان اختبر الحياة قبلى يمكن ان يرشدنى وان يرافق طريق حياتى الروحية، واب الاعتراف الحديث معه حديث روحى ليس اخبار او حكايات وجدل، ولذلك فى الاعتراف الاب يمسك الصليب فى يده ليكون الصليب بينه وبين المعترف ويكون هو الرابط او الجسر الذى يربط بين الاثنين، وأب الاعتراف يسمع ما تقوله ويصلى ثم يرشدك بحسب ماتحتمل قامتك الروحية وينمو معك قليلا قليلا وتكبر سنة عن سنة فى حياتك الروحية . الارتباط الاجتماعى:- الارتباط الاجتماعى يعنى العضوية الكنسية والخدمة الكنسية، انت عضو فى الكنيسة ولك مسؤلية، ولكن ليس الامر بالعضوية الكنسية فقط ولكن ايضا بالخدمة الكنسية، كلنا خدام ولا يوجد –او من المفترض ان لا يوجد- فى الكنيسة عضو عاطل خامل او لا يعمل، انت تعبر عن ارتباطك بعضويتك وبخدمتك ونسميه الارتباط الاجتماعى اذا يا أخوتى الارتباط بالكنيسة هو ارتباط فكرى بالانجيل وتعاليم الاباء، ثم ارتباط حياتى او ليتورجى من خلال الاسرار وعلى رأسها المعمودية والافخارستيا، ثم الارتباط الروحى بالتلمذة لأب الاعتراف وبالصلوات التى تدفعك الى التوبة، واخيرا الارتباط الاجتماعى من خلال عضويتك الكنسية ومن خلال خدمتك الكنسية بأى صورة من الصورهذه نسميها الارتباط والحياة فى الكنيسة وكما سمعتم هو ارتباط وعمل ايجابى فيه حركة هو ارتباط حى بالكنيسة وليس مجرد علاقة نظرية، وان عشت فى هؤلاء الاربعة تجد حياتك تكبر تدريجيا فى معرفة المسيح ،وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ”. توزيع الخدمة كأعضاء الجسد هناك تنوع “لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ” الكنيسة ممثلة فى الاب الاسقف والاب الكاهن والشماس والخادم والخادمة والرجال والنساء والشباب والشابات كل واحد له دور والخلاصة تكون تكميل القديسين ارجوكم تنتبهوا، كأن كل من صار عضوا فى الكنيسة صار من القديسين وهذه موجودة فى كتابات بولس الرسول كثيرا،لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ” هذا هو الارتباط بالكنيسة وبهذا اكون كلمتكم عن كرامة الكنيسة ومهابتها والارتباط بها، وكل ما عشت فى هذا الارتباط كل ما شعرت بهذه الكرامة وهذه المهابة لالهنا كل مجد وكرامة من الان والى الابد امين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
25 نوفمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس دبورة

دبورة «فأرسلت ودعت بارقا بن أبينوعم....» مقدمة في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، كانت الفتاة الفرنسية المشهورة «جان دارك» ترعى أغنامها في يوم من أيام الصيف، ولم تكن قد بلغت بعد الثامنة عشرة من عمرها وسمعت كما لو أن صوتًا سماويًا يناديها أن تذهب لإنقاذ فرنسا، التي كانت ترزح تحت النير الإنجليزي في ذلك الحين، وكانت الفتاة تؤمن بأن هذا صوت إلهي لا شك فيه، فسارت إلى حاكم المنطقة، وطلبت منه أو يرسلها إلى الملك، وسخر الحاكم بها في باديء الأمر، ولكنه اضطر إزاء إلحاحها أن يرسلها إلى الملك، وتردد الملك ورجال الدين في الاستماع إليها، ولكنهم ازاء إيمانها القوي لم يلبثوا أن أطاعوها، وجعلها الملك قائداً على الجيش الفرنسي، فإذا بالفتاة التي لم تكن تعرف الحرب تقود الجيوش الفرنسية بنجاح وتطرد الإنجليز وتتوج الملك على عرشه. ومع أن هذه الفتاة ذهبت. كما نعلم ضحية الحاسدين الذي أسلموها للبرغنديين، وهؤلاء بدورهم أسلموها لحلفائهم الإنجليز الذي اتهموها بتهمة السحر والشعوذة وحكموا عليها بالإعدام حرقاً وهي في التاسعة عشرة من عمرها، إلا أن السؤال الذي تطرحه هذه الفتاة - وطرحته من قبلها دبورة القاضية والنبية القديمة - على بعد التاريخ وتباين الأحوال والأوضاع والظروف، هو هل يجوز للمرأة أن تأخذ مركز القيادة والصدارة إلى الدرجة التي تقود فيها الجيوش وترأس الأمم، وتحكم البلاد، وتأخذ كافة المناصب القيادية اجتماعياً ودينيا، يقول البعض إن هذا جائز جدًا، وأن المسيحية لا يمكن أن تعترض عليه، وأنه اذا كان العهد القديم قد قدم لنا أسماء لامعة من هذا القبيل كمريم النبية، ودبورة، وراعوث، وأستير، وغيرهن، فإن العهد الجديد الذي حرر المرأة وأعطاها المساواة مع الرجل لابد يعطيها مركز أسمى وأعلى، ويمكنها من كافة المراكز القيادية في وقت غزت المرأة كل مكانة ومجال في الأرض، بل وأخذت سبيلها أيضًا في الفضاء، على أن البعض الآخر لا يرى هذا الرأى، ويرد عليه بأن التاريخ لا يعرف قط هذه القيادة النسائية إلا على وجه الاستثناء، وفي فترات متباعدة في التاريخ، ويوم يعز الرجال ويخرج ديوجين بمصاحبه المشهور في شوارع أثينا يفتش عن الرجل المنشود، وأن دور المرأة الصحيح أن تقف إلى جانب الرجل أو خلفه لتكون له بمثابة الملهم والمحفز والمعين كما فعلت دبورة عندما دعت باراق بن أبينوعم ليقود المعركة، واشترط أن تبقى إلى جواره حتى يصل إلى النصركم يكون من المفيد اذن أن نتعرض لهذه الدراسة لعلنا نصل إلى الرأى الأرجح ولذا سندرس دبورة باعتبارها:- قوية الشخصية:- إن الدراسة المتعمقة لشخصية دبورة كما جاءت في كلمة الله، تؤكد وتقطع بأنها شخصية نادرة غير عادية، أو إذا جاز التعبير على منطق الناس، فلته من الفلتات، أو نسخة من النسخ التي لا تتكرر سوى في عصور متباعدة في التاريخ قد تصل إلى المئات أو الألوف من السنين.. ولعل هذه الحقيقة تبدو بوضوح إذا أدركنا أن أية شخصية عادية، تبدو قوية في جانب من الجوانب على حساب جانب آخر، فالشخصية التي تملك عقلاً جبارًا مثلاً، قد يكون هذا على حساب العاطفة الرقيقة، أو المشاعر الحساسة التي تعوزها والعكس صحيح، فالشاعر الرقيق قل أن يكون محاربًا.. ولكن أن تكون الشخصية قاضية مفكرة وأما رقيقة، وأن تحمل في جنباتها عنف المحارب، وأغنية الشاعر، كمثل ما كانت عليه دبورة، فان هذا لا يحدث إلا على نحو نادر، وفي فترات متباعدة جدا وعلى الأغلب في عصور الأزمات والمحن القاسية والآلام الرهيبة في حياة الأمم والشعوب والممالك... كانت دبورة: جبارة التفكير:- وهذا يبدو من قدرتها كقاضية تجلس تحت نخلتها، ينتقل إليها المتنازعون من كل مكان للفصل بينهم، فيما استعصى عليهم حله من خصومه أو خلاف أو نزاع، ولا يمكن أن يذهب الرجال المتخاصمون إلى امرأة إلا لأن حكمتها فاقت جميع الرجال الموجودين في جيلها وعصرها، فهي من ذلك الصنف من النساء الذي يبرز في الأزمات كالمرأة التقوعية الحكيمة التي استعان بها يوآب في إرجاع أبشالوم من المنفى، أو الأخرى التي أنقذت مدينتها من الحصار عندما حاصر آبل بيت معكة، يوم فتنة شبع بن بكري، ولاشك أن شهرة أحكامها قد ذاعت في طول البلاد وعرضها وعرف عن أحكامها ما فيها من دقة وعمق وأصالة، وبعد عن التحيز والهوى والعاطفية التي جعلت بعض الدول تتردد في أن تجعل المرأة قاضية، أو على الأقل أن تجلس للحكم في ذلك النوع من القضايا الذي قد يخرج بها عن العدالة أو الإنصاف تحت تأثير العاطفة المفتعلة أو الشعور الوقتي. مرهوبة الجانب:- هذه الشخصية الحكيمة ولاشك مرهوبة الجانب محترمة من الجميع، وقد وصفها يوسيفوس المؤرخ اليهودي، أنها كانت موضع المهابة والاحترام، ليس في جيلها فحسب، بل في التاريخ اليهودي بأكمله، ولا يبدو هذا في قدرتها على وضع أحكامها كقاضية موضع التنفيذ، في عصر وصف أبلغ وصف بالكلمة التي جاءت في ختام سفر القضاة: «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه». بل أكثر من ذلك في أنها وجهت الأمة ودعتها إلى الحرب، ورفض القائد أن يتحرك للقتال ألا اذا كانت هي على رأس الجيش، تسير إلى جواره خطوة فخطوة، والشيء العجيب في هذه المرأة أنها كانت تجمع بين قوة السكون، وقوة الحركة، كانت جالسة تحت نخلة دبورة، تحكم كما يحكم ملك من عرش، وعندما دعت باراق ابن أبينوعم إلى القتال، لم تذهب هي إليه، بل دعته ليأتي إليها، وفي هذا اعتزاز كبير بشخصيتها القوية، ولسلطانها الآمر، على أنها في قوة الحركة هي دبورة أو «نحلة» فهي أشبه بالنحلة المتحركة التي لا تستطيع أن تهدأ أو تسكن حتى تنفذ ما تريد، وتتمم ما ترغب!! فياضة الأنوثة:- على أن هذا كله لم يكن على حساب أنوثتها، أو مركزها كامرأة، لقد كانت هذه المرأة زوجة، وأما في ذات الوقت كان زوجها «لفيدوت» أو «مصباح» معروفًا ومذكورًا،.. كما أنها إلى جانب ذلك كانت أما، وأغلب الظن أنها كانت أما في بيتها، اذ كان لهما أولاد،.. ولكن أمومتها اتسعت لتشمل البلاد بأكملها، فإذا أضفنا إلى هذا كله أنها غنت شعرًا، والشاعر على الدوام إنسان مرهف الحس رقيق المشاعر، تبين إلى أي مدى كانت هذه المرأة دفاقة العاطفة، فوارة الاحساس مما يؤكد أن أنوثتها لم تذهب أدراج الرياح، وهي تفكر أو تقضي أو تعطي المشورة لشعبها. مفتوحة العينين:- كان عصرها عصر المأساة والنكبة، ومثل هذا العصر ليس من السهل على الإنسان أن يبصر فيه ما قد يحيط به الظلام من كل جانب، لكن هذه المرأة كانت «نبية» اخترقت عيناها الحجب الكثيفة، لترى رؤى الله، مفتوحة العينين، مكشوفة الحجاب، وقد وصلت إلى هذه الرؤيا لأنها كانت امرأة تقية، قريبة من الله، في أرض الاعوجاج والشر، ولعل من أكبر البركات في حياة الإنسان رجلاً كان أم امرأة، أن تكون له هذه الشفافية، فيرى خلف المنظور مالا يرى، ومن لا يرى، وطوبى للأتقياء القلب لأنهم يعاينون الله... شجاعة القلب:- ومن العجيب أن هذه المرأة، إلى جانب هذا كله كانت تحمل بين جنبيها أرق المشاعر وشجاعة الأسد، فهي لم تدع باراق إلى الحرب فحسب، لكنها سارت معه إلى الميدان، عندما طلب ذلك، ومع أنه ليس من السهل على الإنسان أن يتصور امرأة تقود أو تدفع جيشًَا إلى القتال، وأنها إذا سارت إلى ميدان القتال أو المعركة، فلكي تعمل على إيقاف نزيف الدم المنهمر بين المحاربين في أعمال الأغاثة والإسعاف والتمريض، إلا أن الذي يعنينا الآن في هذه المرأة، ونحن بصدد التعمق في تحليل شخصيتها مقدار ما كانت عليه من صلابة وشجاعة تستروح معها صيحة الحرب وقعقعة السلاح كانت دبورة في الواقع على حظ عال كبير من قدرة الفكر، والتهاب العاطفة، وجبروت الإرادة، وتكامل الشخصية غير العادية ونادرة الوجود!!.. دبورة وقضيتها:- كانت هذه المرأة قاضية في جيلها وعصرها، وكم حكمت ولاشك بين المئات أو الآلاف من المتنازعين الذين وفدوا لكي تفصل بينهم فيما أثاروا من شكاوي أو خصومات، لكنها تحولت هي فيما بعد إلى قضية عامة تنتقل من جيل إلى جيل، ومن بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع، قضية المرأة، وهل من حقها أن تأخذ مكان القيادة أو الصدارة، وهل هذا الحق مطلق، وعام، وشامل!!؟ أم هو حق نسبي أو استثنائي لا يأتي إلا في أوقات خاصة، وظروف معينة!؟ ربما نكون أقدر على الأجابة أو أتيح لنا أن نمسك بها كقضية كتابية ندرسها بتأمل وعمق وإمعان في ضوء الحق الإلهي الظاهر من الوحي المقدس، وكلمة الله، وقضية دبورة على هذا الأساس تحمل الخصائص التالية:- قضية إقناع:- وهذه الظاهرة الأولى في هذه القضية، فان أول أوصاف دبورة أنها «نبية» وهي ثاني نبية يذكرها الكتاب المقدس بعد مريم النبية «أخت موسى وهرون»، وهي النبية الوحيدة خلال أربعة قرون بين قضاة إسرائيل، وكان من المستحيل أن تظهر على المسرح إلا بعد اقتناعها واقتناع الشعب بصوت الله الذي جاء إليها، وليس في الكتاب ما يفصح عن النبوات التي تنبأت بها، فيما خلا إعلانها لباراق عن دعوة الله له ليقود المعركة، غير أنه من الواضح أن الشعب آمن بأنها تحمل رسالة الله، وأن صوت الله في فمها، وأن قوتها الصحيحة والحقيقية، بل إن شجاعتها الفائقة لم تكن كلتاهما صادرتين عن مجرد استعداد طبيعي في كيانها البشري، بل ليقينها الكامل بأنها مدفوعة من الله لغاية مقدسة... هذا هو الأمر الذي نطلق عليه في لغة الإيمان المسيحي بالدعوة العليا ومع أنه كما قال أحدهم: لم يعد من طبيعة المرأة أو من عملها أن تدعو إلى الحرب كما فعلت دبورة دفعاً للاستعباد أو الطغيان الذي وقع فيه الشعب بعد أن أسلمه الرب لأعدائه نتيجة لشرهم وخطاياهم، إلا أن الدعوة العليا في الرسالات المفتوحة أمام المرأة هي أول ما ينبغي أن تتحققه على نحو أكيد قاطع، لا يستشار معه كما يقول الرسول بولس لحم ودم، بل تندفع إليها بكل حماس ودون أدنى تردد، وقد جاءت أعداد كثيرة من النساء بعد دبورة، وتحققن من الرسالة التي وضعت عليهن وسرن وراء إعلانها الخاص وندائها الإلهي،... كانت ماري ريد مرسلة كسائر المرسلات اللواتي يعملن في الهند، ولكنها يوماً ما وقع نظرها على أبرص، فامتلأ قلبها ألماً ورأت الله يدعوها لخدمة البرص، فكرست حياتها لخدمتهم، وانتقلت اليها العدوى، ولكنها لم تجزع بل خدمت، وفنيت في خدمتهم، إذ كانت هذه رسالتها الموضوعة عليها في الأرض،... أبصرت جين ادامز متسولاً فقيرًا يلتقط قطعة من الكرنب من القمامة ويأكلها في الحي الشرقي في لندن، حي الفقراء، فآلمها المنظر وكرست حياتها لخدمة الضائعين المتشردين،... وهل يمكن أن ننسى خدمة اليزابيث فراى مع المسجونين وفلورنس نايتنجيل مع الجرحي، وفرانسيس ويلارد مع المدمنين والسكيرين، وهاريت بيتشر التي كتبت قصتها المشهورة «كوخ العم توم» للخلاص من الرق والعبودية، ومدام كوري مكتشفة الراديوم، وأمثالهن اللواتي كن نبيات عصرهن والعصور اللاحقة، فيما أدركن من رسالة عشن لها علي نحو عظيم ونبيل، لمجد الله، وخدمة الإنسانية، ورفع الألم والعار والتعاسة عن أعداد لا تنتهي من المعذبين في هذه الأرض!!.. قضية بيت:- وبيت دبورة لم يضع في زحام قصتها العظيمة، إذ كانت زوجة «لفيدوت» ومعنى اسمه كما ذكرنا «مصباح» وهذا المصباح لم ينطفيء أو يخفت نوره خلف شخصيتها العظيمة، كما أن بيتها حيث ألفت أن تجلس تحت ظل نخلة دبورة كان بيتًا شهيرًا ومعروفًا، وأمومتها تؤكد ما قاله بصدق د.م. مكاي عندما وصفها بالقول: «ما هو الشيء العام الذي نلحظة على دبورة، هذا الأمر العام، أنها كامرأة عاملة لم تفشل في حياتها الخاصة، ونجاحها في حياتها العامة لم يبن على أنقاض حياتها البيتية، إذ لم تتلمس شهرتها ومجدها على أساس قذارة بيتها أو عدم المحافظة عليه أو على الشقاء أو عدم العناية التي يمكن أن تصيب زوجها وأولادها، وقد تقول كيف عرفت ذلك أجيبك أني عرفته من قولها أقمت أنا أما، وهل تظنون أن دبورة كانت تقول هذا لو أنها كانت فاشلة في حياتها البيتية كلا، بل أنها تقول: لا تحسبونني شاذة أو نبية بدوية، لأني وإن كنت نبية فأنا كغيري امرأة وادعة....» ولا شبهة عند هذا كله، أن نذكر أن المكان الأول للمرأة في كل العصور هو بيتها.. وأنها تستطيع أن تقدم أعظم الخدمات للحياة والكنيسة والمجتمع البشري، إذا استطاعت أن تبني بيتها، وتحسن معونة زوجها، وتربية أولادها تربية روحية دينية صافية، كانت زوجة لأحد خدام الله الإنجليز، وكان زوجها فقيرًا، وأنجبت أربع فتيات، أشرفت على تعليمهن وتربيتهن، وتزوجت الأولى بورن جونز الرسام العظيم، وتزوجت الثانية لورد بونيتير، وأصبحت أما للسير هوج بونيتير الكندي المشهور، وتزوجت الثالثة جون كبلنج وأنجبت أربع فتيات، أشرفت على تعليمهن وتربيتهن، وتزوجت الأخيرة رجلاً اسمه بولدوين الذي كان أبًا لبلدوين رئيس وراء بريطانيا في يوم من الأيام،.. وفي كل بلد ووطن تستطيع الأم الصالحة أن تخلق جيلاً ممتازاً لخدمة الله ومجد الأوطان والجماعات والشعوب. قضية قيادة:- والآن نأتي إلى السؤال الهام والحيوي، هل من حق المرأة أن تأخذ المراكز القيادية، على انفراد أو مشاركة الرجل في كل ميدان، وهل يشجع الفكر المسيحي مثل هذا الاتجاه؟ وهل تلقى قصة دبورة مزيداً من النور علي الرأى الصحيح من هذا القبيل؟ وأيا كانت الأفكار المختلفة والمتباينة في الإجابة على هذا السؤال، فمما لاشك فيه أن هناك ظاهرة تستدعى الالتفاف، أنه بدراسة الوحي والتاريخ، نجد أن الشخصيات غير العادية من النساء كن يظهرن في وقت الأزمات والشدائد وليس هذا بالغريب، سواء نظرنا إلى الظاهرة من خلال التفكير الديني أو الاجتماعي على حد سواء، فمن الوجهة الدينية هناك قاعدة أكيدة ثابتة، أنه إذا كان البشر يفاجأون لمحدودية أنظارهم وأعمارهم بهذه الصور أو تلك من أزمات الحياة، فحاشا لله أن يفاجأ على الإطلاق، بأية آزمة بل أنه في عنايته الشاملة يعد للأزمة أبطالها من الرجال أو النساء، الذين ينسجهم في بطن الزمن أو التاريخ ليظهروا في اللحظة المناسبة، وفي الوقت الدقيق، أليس هو القائل للشعب: أرسلت أمامك موسى وهرون ومريم، وأليس هو الذي أعد أستير لمواجهة المؤامرة التي كانت وشيكة الوقوع، كما سنشير في إفاضة الى ذلك، عند عرض قصة هذه الملكة القديمة، وأليس هو الذي أعد الكثير من البطلات والشهيدات، في أقسى عصور الاضطهاد والآلام ليكتبن أروع ما يمكن أن يكتب من سطور العظمة والمجد، أما إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة بتفسيرها الاجتماعي، فإننا نعلم أن الضغط يولد الانفجار، والآلام تصنع البطولة والشدائد تخلق أنبل الناس وأعظمهم وأقواهم على الأطلاق.ولعل عيون الكثيرات من أصحاب النفوس النبيلة، عندما تفتحت على تعاسة الآخرين وآلامهم كانت أشبه بعيني السامري الصالح، وهو يرى المنكوب الجريح على حافة الطريق الذي كان يسير فيه. وفي مثل هذه الأزمات لا يهم عند الله أن يستجيب لندائه رجل أو امرأة، فاذا لم يجد الله الرجل، سيجد المرأة التي تكون كما قال أحدهم: قريبة إلى إراداته وقلبه، وتتحرك للخدمة المقدسة، إذا كان الرجل غارقًا في هوانه أو ضعفه أو مشغولاً بالتافة أو الحقير من أوضاع هذه الحياة، وهذا ما كان عليه اليهود تماماً في عصر القضاة إذ تركوا الرب إلههم الحي الحقيقي ليعبدوا آلهة حديثة، وانحطوا إلى أبعد حدود الانحطاط دينيًا وأدبيًا واجتماعياً، فانفصل عنهم وتركهم، وباعهم، لينالوا ما وصلوا إليه من ضيق واستعباد وآلام وتعاسات.والأزمات بهذا المعنى لا يمكن أن تؤخذ قياسًا مطلقًا يبني عليه المبدأ أو يتوسع فيه، كما ينبغي أن نلاحظ أن دبورة لم تعمد حتى في قلب هذه الأزمة، إلى أن تنشيء جيشًا أو تقوده كما فعلت جان دارك في التاريخ الفرنسي، بل رأت أن تدعو رجلاً إلى مكان القيادة، وعندما رفض الرجل أن يذهب إلى المعركة بمفرده، رضيت أن تذهب معه، على أن يدرك الفارق الطبيعي بين الرجل والمرأة، فهي لم تخلق للقتال كما يفعل الرجل، لكن رسالتها أن تقف خلف المقاتلين لتقوى وتشجع وتحفز وتدفع إلى الأمام ومن ثم فمن الطبيعي أن ندرك أن الأزمات تضع تحفظًا مضاعفا على ما ينادون بمساواة المرأة والرجل في الأعمال أو الوظائف أو الخدمات العامة، وهي أكثر من ذلك في نظر الفريق الأخر، استثناء من القاعدة، والاستثناء لا يجوز الأخذ به أو القياس عليه!! بل على العكس هو الضرورة التي لا يتجه إليها إلا في أضيق الحدود وأدق الأوقات فاذا طرحنا القضية في معناها الواسع، وليس فقط في حدود العهد القديم، بل ونحن نطل على المرأة في العهد الجديد، وفي التاريخ المسيحي على بعد أكثر من ثلاثة وثلاثين قرنًا من المرأة القديمة، كان لنا أن ندرك باديء ذي بدء أن مبدأ المساواة في المسيحية بين الرجل والمرأة أمر لا خلاف عليه، وأن الحضارة العظيمة التي وصل إليها الإنسان كان من العسير أن تتحقق من غير هذه المساواة، وأن نظرة واحدة بين ما كانت عليه المرأة أيام الحضارة الأغريقية أو الرومانية وما هي عليه الان ترينا مدى ما وصلت إليه من حرية لم تكن تحلم بها على الاطلاق، وقد أشرنا إلى هذا، عند الحديث عن شخصية بريسكلا، ويكفي أن نذكر هنا أن المسيح حطم كل الحواجز بين المرأة والرجل، أو كما يقول الرسول بولس: ليس ذكر ولا أنثى، وأوضحها بالقول: «غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب...» غير أن هذه المساواة لا تعني الاندماج العملي أو الوظيفي في كل شيء، بل أن هناك أشياء يعملها، في الأصل، الرجل، وليس من السهل أن تعملها المرأة، والعكس صحيح، والتنظيم الوظيفي أمر يلفت الرسول النظر إليه في معرض هذه القضية عندما يقول: «أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل ان كان يرخي شعره فهو عيب له، وأما المرأة ان كانت ترخي شعرها فهو مجد لها لأن الشعر قد أعطى لها عوض برقع...» فوظيفة المرأة أو تكوينها أو طبيعتها أو نوع حياتها كأنثى، شيء يختلف تماما عما للرجل، وقد وضع الله من هذا القبيل القيادة للرجل، اذ وضعه موضع الرأس من الجسد كما يقول الكتاب: «لأن الرجل رأس المرأة» ولا يعني هذا للحظة واحدة معنى السيادة أو السيطرة أو التسلط بل بالأحرى التحرك والعمل على نظام ثابت دقيق، فالرأس لا يستطيع الاستغناء عن الجسد أو الانفصال عنه، أو أخذه بأي أسلوب من الشدة أو العنف أو القسوة، دون أن يرتد هذا الأثر عليه هو أولا وقبل كل شيء، إن العلاقة بين الرأس والجسد كالعلاقة بين أي رئيس وأمته أو أي قائد وجيشه، علاقة وظيفة لا يمكن أن يتصور فيه سوى الرابطة التي تحكم الاثنين، على وجه التكامل والتناسق والترتيب.وقد أحكم السيد المسيح هذه القاعدة، وطبقها بالمعنى الكامل الدقيق، ففي الوقت الذي جمع فيه حوله من الأتباع الرجال والنساء على حد سواء، دون أدنى تفرقه، كان هناك التلاميذ، وكانت هناك النساء اللواتي كن يخدمنه من أموالهن، وفي الوقت الذي ظهرت فيه العلاقة بين الجميع على أرفع وأرقى لون حضاري عرفه الإنسان حتى يومنا الحالي، وطبقته الكنيسة المسيحية عندما كانت المرأة تسير جنبًا إلى جنب إلى جوار الرجل، في أورشليم واليهودية والسامرة، وفيلبي وكورنثوس وتسالونيكي وروما وسائر الكنائس التي ظهرت في آسيا وأوروبا معًا.. لم يمنع هذا من التمييز بين العلاقة الوظيفية والتنظيمية بين الرجل والمرأة سواء في داخل الكنيسة أو خارجها وعلى النحو الواضح الملحوظ في الإنجيل أو التاريخ!! فمثلاً لماذا لم يختر المسيح من بين تلاميذه الاثنى عشر أو السبعين امرأة واحدة أو أكثر ولماذا قصر هذا على الرجال دون غيرهم، ولماذا لم يختر للكنائس المختلفة امرأة لتكون أسقفًا أو شيخًا، أو لماذا لم يكن ملاك واحدة من الكنائس السبع من بين النساء، رغم وجود الكثيرات اللواتي كن من أعظم الشخصيات، وكان أثرهن في الكنيسة في بعض الأوقات أعمق وأقوى من أثر الرجال، كليدية وأفودية وسنتيخي في فيلبي، وبريسكلا التي كانت الكنيسة تنتقل في بيتها بانتقالها من مكان إلى آخر، وكانت على قدرة تعليمية، مكنتها من تعليم أبلوس العظيم طريق الرب بأكثر وضوح، ومع أن بولس في ختام رسالة رومية بعث بتحياته إلى مجموعة من النساء وصفهن في الخدمة والعمل بأجل الأوصاف، ومع أن يوحنا الرسول كتب رسالته الثانية إلى كيرية المختارة، فاننا لا نعثر في الكنيسة الأولى على وظيفة قيادية للمرأة، ما خلا فيبي التي ذكر أنها خادمة الكنيسة في كنخريا ويمكن أن تترجم الكلمة «شماسة» وتاريخ الكنيسة الأولى لا يتحدث كمبدأ عام عن استخدام النساء كشماسات، وحتى لو جاز هذا فان هذه الوظيفة، وقد أخذتها المرأة على هذا النطاق الاستثنائي، لا تؤخذ بالمفهوم الكتابي المطلق.. معنى الوظائف القيادية الكبرى في الكنيسة:- على أن البعض يقول إن المسيحية كان من العسير عليها أن تعطي المرأة مثل هذه الوظائف القيادية، في وقت كان فيه مركز المرأة عند الرومان أو اليهود على حد سواء في أدنى المستويات، ولم يكن العالم مؤهلا لأن يراها في مثل مركزها العتيد، وأنه كان لابد من التدرج في هذه الحركة، حتى تفهم على صحتها، وحتى تحرر من السلبيات أو الأضرار التي كان يمكن أن تنشأ فيما لو فقدت التوازن بينها وبين تقدم المرأة التدريجي في التاريخ، ومع أن الرأى يبدو سليما إلى حد ما فإن المسيحية لم تقطع صلتها البتة بالأجواء والظروف والبيئات المحيطة بها، وأن ما يصلح في مكان لا يصلح بالضرورة في مكان آخر، كما أنها تدفع الحركات التقدمية في كل التاريخ إلى الأمام، غير أن هذا الرأى ما يزال قاصرًا عن ملاحظة أن الموقف الحضاري بالنسبة للمرأة المسيحية ظهرت أضواؤه بوضوح كما أشرنا من الدقيقة الأولى للمسيحية في العالم، وأن الطليعة بين النساء من أيام مريم العذراء، والمجدلية وليدية، وبريسكلا، وفيبي، وغيرهن، كان لهن من الجلال والنفوذ والتأثير ما يشجع على أن يأخذن كافة المراكز القيادية أسوة بالرجل دون أدنى تردد أو اقحام؟ لكن المسيحية لم تفعل لأنها ما تزال تفرق بين المساواة والتنظيم الوظيفي للذكورة والأنوثة في حياة الناس، وأن مريم العذراء أم المخلص، والتي اصطفاها الله وفضلها على جميع النساء في العالم، هذه السيدة المباركة أمر الرب أن تضم إلى خاصة يوحنا دون أن يمس هذا مركزها المقدس في شيء،.. ولكنه التنظيم الوظيفي في الحياة بين الناس، ولا شبهة في أن الكثيرات من النساء، ممن ذكرنا وغيرهن فاقت الواحدة فيهن بالخدمات، مما يتعذر على عشرات من الرجال مجتمعين معا، دون أن ينال هذا من التنظيم الذي يأخذ فيه الرجل أصلا، وعادة، مكان الرأس أو القائد فإذا عدنا لوضع السؤال بصورة أخرى، نرى فيها إمكانية وضع المرأة موضع القيادة على كافة المستويات وتخيلنا ماذا يمكن أن تكون حال الدنيا لو أن المرأة هي القائد في البيت أو الكنيسة أو المجتمع أو الجيش أو العالم بأسره، منفردة في ذلك أو متبادلة مع الرجل في هذا الموقع أو ذاك. أو سيدة أو رئيسة في بعض المجالات أو الميادين!! أيكون حال الدنيا أقل أو أسوأ؟ أيمكن أن تكون البيوت أهدأ أو أشر؟ وهل تتقدم الكنائس وتنمو أو تتراجع وتفشل؟ وهل يطلب البشر ضروريات الحياة أو ينزعون إلى الترف والكماليات؟ وهل يسود السلام أم تعم الحروب؟ كل هذه وغيرها من الأفكار التي يمكن أن تنهض عن هذا السؤال، لست أظن أنه من السهل الإجابة عليها بمعزل عن الوحي والتاريخ وأحداث العصور والأجيال ولعل القراءة المدققة لكلمة الله، وملاحظة الطبيعة، وأحداث الحياة والتاريخ تؤكد أن مكان المرأة على الدوام خلف الرجل، حيث هناك عملها ونشاطها ومملكتها العظيمة، وأنه لا يجوز بحكم التنظيم الوظيفي الإلهي لها، أن تأخذ مركز القيادة إلا من قبيل الاستثناء حين يضيع الرجل، أو يهمل رسالته أو يفقدها، أو يخور تجاهها، فلا تثريب هنا علي المرأة كالإناء الأضعف أن تحل محله في مثل هذه الحالات ليعطي المجد خالصًا وكاملاً للإله العظيم وحده الذي يستطيع أن يتمجد في الأنثى كما في الذكر سواء بسواء. دبورة وأغنيتها:- وأخيراً نأتي إلى أغنية دبورة التي غنتها غداة نصرها العظيم مع القائد باراق، والأغنية من الشعر العبري الرفيع، وتعد واحدة من أعظم الأغاني وأصدقها في التعبير عن الجو الحربي والوطني الذي قد يعيشه المرء في وطن محتل وشعب معذب، ولا نستطيع أن ننظر إلى الأغنية من هذا القبيل، دون أن نتذكر، أن دبورة غنتها في القرن الرابع عشر قبل المسيح، وأن روح دبورة أو يا عيل التي قتلت الرجل النائم الآمن في خيمتها، هي أشبه الكل بتلك الروح التي انتفضت ذات يوم في ابني زبدي وهما يريدان نارا من السماء تأتي لتحرق قرية من قرى السامرة لأنها رفضت دخول المسيح أو إيوائها له، فانتهرهما وهو يقول: «من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص...» على أن دبورة وهي تغني لم تنظر إلى وطنها كمجرد وطن، ولا شعبها كمجرد شعب، بل نظرت إلى هذا الوطن وهذا الشعب، كأداة واعلان لمجد الله في الأرض، ومن أجل ذلك فهي تقر في يقين بأن الخراب والضياع والمأساة التي عاناها الشعب، جاءت لأنه استبدل إلهه بآلهة أخرى حديثة وانحرف عن الله، واعوج في السبيل، كما أن المعركة التي خاضتها، كانت عندها ليست مجرد معركة وطنية، بقدر ما هي معركة إلهية، ولأجل ذلك فهي تسخر من الذين رفضوا الدخول في المعركة، وجلسوا على المساقي بين الحظائر لسمع الصفير لقطعان الأغنام، وهم يتشدقون بالفارغ من حديث أو كلام كما لعنت من وقف على الحياد! ولست أتصور أن هناك ما يمكن أن نختم به هذه الأغنية بأفضل من كلمات بروفسور مكاي عندما قال: «والآن أليس بينكم من يسمع الدعوة الإلهية كما سمعتها دبورة في القديم،.. فهناك بيوت خربة، ضائعة بينكم في هذه الأيام كما كانت أيام دبورة قديمًا، فالشهوة، والإدمان، والاغتصاب، والشر هي جيوش سيسرا القديمة التي ذبحت في طريقها عشرات الآلاف في أرضنا البهيجة فماذا أنتم فاعلون تجاه هذا الخراب؟ وهل لا يوجد بينكم من ينهض كدبورة لينضم إلى ذلك الجمع النبيل من الرجال والنساء، الجمع الذي لا يمكن أن يهدأ أو يستريح حتى يضرب ضربته القاضية لمجد الله، والإنسانية؟ ألستم تسمعون نداء المسيح أيتها الأخوات من النساء؟ أجل فإنه نفس الصوت الذي جاء قديمًا إلى بنات أورشليم عندما قال: «يا بنات أورشليم لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن...» ابكين بكاء الضراعة والحزن على غيركن من أخوات خاطئات.... ألا فانهضن من فراش تنعمكن، وهدوء جمودكن وسرن مع المسيح في «طريق الآلام» لتساعدنه بمساعدة إخوتكم من الرجال والنساء...».
المزيد
24 نوفمبر 2021

روحانية الصوم

أهنكم يا أخوتى ببداية صوم الميلاد المقدس،الذي هو فترة روحية يرتفع فيها الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة.. وتتفرغ فيها الروح للعبادة.. وهذه هي حكمة الصوم. والصوم الحقيقي، هو الذي يتدرب فيه الصائم على ضبط النفس فإذا ما اتفق ذلك خلال الصوم، يصير ضبط النفس -بالنسبة إليه- هو منهج حياة، يستمر معه. والصوم ليس مجرد فضيلة للجسد، بعيدًا عن الروح!! فكل عمل لا تشترك فيه الروح، يعتبر فضيلة على الإطلاق، أن عمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح، أو هو تعبير عن مشاعر الروح.. الروح تسمو فوق مستوى المادة والطعام، وفوق مستوى الجسد.. فتقود الجسد معها في موكب نصرتها، وتشركه في رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن ذلك بممارسة الصوم.إننا أن قصرنا تعريفنا للصوم على أنه إذلال للجسد بالجوع والامتناع عما يشتهيه، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله الايجابي الروحي، وهو الأساس. الصوم ليس مجرد جوع للجسد، بل بالأكثر هو غذاء للروح.. ليس الصوم هو تعذيب للجسد كما يطن البعض.. إنما الصوم هو تسامي الجسد، لكي يصل إلى المستوى الذي يتعاون فيه مع الروح.والصائم الحقيقي ليس هدفه أن يعذب جسده، بل هو يقصد عدم السلوك حسب شهوات الجسد، فيكون إنسانًا روحيًا وليس جسدانيًا.. الصوم هو روح زاهدة، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل هو الجسد الزاهد، أو على الأقل الجسد الذي يتدرب على الزهد في فترة معينة.ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل.. بل الجسد الذي يتدرب على التخلص من شهوة الأكل.. وبالتالي يفقد الأكل قيمته في نظره، من فرط اهتمامه بطعام آخر هو طعام الروح. الصوم فترة ترتفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها تخلصه من أحمال وأثقال، وتجذبه معها إلى فوق، لكي يعمل معها من أجل الله بلا عائق، والجسد الروحي يكون سعيدًا بذلك.. الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد والروح معًا في عمل روحي يشترك فيه الاثنان معًا في الصلاة والتسبيح والعشرة الإلهية.فيصلي الإنسان ليس فقط بجسد صائم، إنما أيضًا بنفس صائمة.بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة المادة والماديات، في حياة مع الله تتغذى بمحبته ووصاياه..الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي.. وهو -الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه- بقلبه ونفسه، وجسده وروحه، وبحواسه وفكره وعواطفه.. كل ذلك في مشاعر مقدسة..الصوم ليس مجرد علاقة بين الإنسان والطعام بل هو فترة مقدسة يشعر فيها الإنسان بعلاقته مع الله..والصوم الذي ليس هدفه القربى من الله، هو صوم باطل..الله هو الهدف. فنحن من أجل الله نأكل، ومن أجله نصوم.. من أجل الله نأكل، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله، وان يكون أمينًا في واجباته التي كلفه بها الله من نحو الناس.. ونحن من أجل الله نجوع، لكي نخضع الجسد فلا نخطئ إلى الله. ولكي يكون الجسد تحت سيطرتنا، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد، ولكيلا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدنا في تصرفاتنا.. إنما نسلك حب الروح.لهذا كله، هناك فضائل لابد أن يرتبط بها الصوم، ليكون مقبولًا عند الله.. وأولى هذه الفضائل هي التوبة.. فالصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول.. والله -تبارك اسمه- يريد القلب النقي أكثر مما يريد الجسد الجائع.والإنسان الذي يصوّم فمه عن الطعام، ولا يصوّم قلبه عن الخطايا، ولا يصوم لسانه عن الأباطيل، فصوم هذا الإنسان باطل بل أن الخطية التي يرتكبها الإنسان -وهو صائم- تكون عقوبتها أشد. لأنها تحمل كذلك الاستهانة بقدسية أيام الصوم.لذلك على كل صائم أن يتأكد من أن الصوم قد حوّل حياته إلى مستوى أفضل.. ليس فقط بالامتناع عن خطايا كان يقع فيها قبلًا. بل أيضًا باكتساب فضائل جديدة قد تدرب عليها.هذا ويكون من لوازم الصوم: التدريبات الروحية التي يكتسب بها الصائم صفات من حياة البر كانت تنقصه وليسأل الإنسان نفسه: كم من أصوام مرت عليه خلال ما مضى من سنوات، دون أن يكتسب فضائل جديدة تضاف إلى روحياته..؟! وإنما هو هو، لم يتغير فيه شيء!! ولم يدفعه صومه إلى درجات في حياة الروح، ينمو فيها سنة بعد سنة.لماذا لا نراقب أنفسنا أثناء صومنا؟ ولماذا لا نحاسب أنفسنا: في أية درجة روحية نحن الآن؟ وماذا بذلناه من جهد لكي تكون علاقتنا بالله أكثر عمقًا وأكثر قربًا؟!. وكما يرتبط الصوم بالتوبة، يرتبط أيضًا بالغذاء الروحي إن أخطر ما يتعب البعض في الصوم، أن يكون الجسد بلا غذاء، والروح أيضًا لا تجد ما تتغذى به، ويصبح الصوم مجرد فترة من الحرمان!! وهذا الحرمان يعطي صورة قاتمة عن الصوم.. فيشتهي البعض متى ينتهي الصوم ليأكلوا!! وغذاء الروح معروف، وهو الصلاة والألحان والتسابيح، والتأمل في كلام الله وعمق وصاياه والتأمل في صفات الله وفي سير الأبرار، والتأمل في الفضائل. وغذاء الروح أيضًا: المشاعر الروحية، والتفكير في السماء وفي الأبدية والروح إذا تغذت، تستطيع أن تحمل الجسد، فيحتمل الجسد جوعه وترتبط بالصوم أيضًا: أعمال الرحمة وإطعام الجياع فالإنسان الذي جرب في الصوم قسوة الجوع، بالضرورة يشفق على الجياع، ويعطيهم شيئًا من طعامه.. ليس هذا فترة الصيام فقط وإنما تصبح فضيلة له أن يهتم بكل جوعان ويعطيه ليأكل.وهكذا تدخل الرحمة في مشاعر الإنسان الصائم.. ولا تقتصر رحمته على إطعام الجياع فحسب، بل تشتمل الفقير واليتيم والمسكين، بكل أنواع الإحسان التي يقدر عليها.وأخيرًا أقول يا أخوتي، أن أيام الصوم هي فترة تخزين روحي للعام كله، تفيض بروحياتها على باقي أيام السنة.فالصوم ليس مجرد فترة تمر وتنتهي، وتنتهي معها فضائلها ومشاعرها!! كلا.. بل من عمق روحيات الصوم، يأخذ الصائم طاقة روحية تستمر معه بعد انقضاء الصوم أيضًا، وما تعوده خلال الصوم، وما درب نفسه عليه، يتحول بالوقت إلى جزء من طبعه لا يود أن يفقده.والتوبة التي كانت له في صومه، ليس من السهل أن يزول تأثيرها، وكذلك ما أصلحه في نفسه من طباع وعادات.فإن تخلصت من خطية في فترة الصوم، اثبت في ذلك، ولا تعد إلى ممارسة الخطيئة فيما بعد.وليكن هذا الصوم مباركًا في حياتك، وفي حياة كل من يتصل بك، ويراك أمثولة يقتدي بها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 نوفمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (29) المسيحى وحياة الأستقامة

مفهوم الاستقامة واهميتها ... الاستقامة تعنى الصدق والبر .. ما احوجنا فى حياتنا المعاصرة التى تتميز بتسارع وتصارع الاحداث الى اناس الله القديسين الذين يحيوا حياة الاستقامة التى تعنى الصدق والبر والحق سواء بالفكر أو القول او العمل وفى السر والعلن ومع النفس والقريب والبعيد وفى عبادتهم وعلاقتهم بالله .اننا وسط عالم يكثر فيه الكذب والنفاق والرياء والتلون نحتاج الى حياة الاستقامة حتى ما تستقيم حياتنا وتنصلح امورنا .ان اصعب ما نواجهه فى حياتنا هو عدم الاستقامة سواء فى الفكر او الضمير او المبادى عندما يلبس الرياء والنفاق والخداع ثوب المجامله والتقدير، ويلبس الباطل ثوب الحق والفضيلة باسم الدين ، وتلبس الخيانة والدهاء والانتقام ثوب الدفاع عن الحق . وتلبس الرشوة ثوب الهدية المقبولة . ان الله من اجل المستقيمين والابرار يصبر على مجتمعنا وعالمنا هكذا خاطب الله ارميا النبى قديما { طوفوا في شوارع اورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون انسانا او يوجد عامل بالعدل طالب الحق فاصفح عنها. وان قالوا حي هو الرب فانهم يحلفون بالكذب. يا رب اليست عيناك على الحق ضربتهم فلم يتوجعوا افنيتهم وابوا قبول التاديب صلبوا وجوههم اكثر من الصخر ابوا الرجوع} ار 1:5-3. اننا نحتاج لوجود القدوة والسلوك المستقيم فهم سر لنجاح الانسان الروحى فى كل زمان ومكان وهذا لا يتوقف على مركز الانسان اوعمره أو مكان تواجده فيوسف الصديق البار كان كعبد شاب فى مصر واستطاع ان يحيا حياة الاستقامة ورفض الاغراء والوعود الزائفة ودانيال كان فى قصر الملك وعاش مستقيم ورفض ان يتنجس باطايب الملك ولا بخمر مشروبه ، وزكريا الكاهن واليصابات عاشا زمن طويل بدون انجاب محتفظين باستقامتهما {وكانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب واحكامه بلا لوم} لو6:1. الانسان المستقيم يقول الحق ولا يسلك فى الباطل ويكون صادقا فى أقوله وتعاملاته ، هكذا شهد ملك اخيش عن داود النبى فى وجوده بينهم وهو هارب من وجه شاول الملك {فدعا اخيش داود وقال له حي هو الرب انك انت مستقيم وخروجك ودخولك معي في الجيش صالح في عيني لاني لم اجد فيك شرا من يوم جئت الي الى اليوم }(1صم 29 : 6). ان الكذب والجهل والباطل والتزويير هم ضد الاستقامة حتى وان كان طريق الجاهل مستقيم فى عينيه { توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت} (ام 14 : 12). المتواضع متى اخطأ يعترف بخطئه ويتوب ويرجع اما المتكبر فيسلك فى الجهل والضلال ، هكذا كان عليم الساحر يقاوم الايمان المستقيم { فقاومهما عليم الساحر لان هكذا يترجم اسمه طالبا ان يفسد الوالي عن الايمان. واما شاول الذي هو بولس ايضا فامتلا من الروح القدس وشخص اليه. وقال ايها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن ابليس يا عدو كل بر الا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالان هوذا يد الرب عليك فتكون اعمى لا تبصر الشمس الى حين ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده بيده} أع 8:13-11. الاستقامة ايضا تعنى العدل والاعتدال وعدم التطرف .. ان الاستقامة تعنى العدل فتكفل لكل واحد حقه بغض النظر عن الجنس او الدين او العرق حتى وان لم يقرّه عرف أو شريعة وضعية.هكذا تعامل بنى حث مع ابراهيم ابو الاباء وهو غريب بينهم حتى قبل الشريعة المكتوبة بالاف السنين { وقام ابراهيم من امام ميته وكلم بني حث قائلا. انا غريب ونزيل عندكم اعطوني ملك قبر معكم لادفن ميتي من امامي. فاجاب بنو حث ابراهيم قائلين له. اسمعنا يا سيدي انت رئيس من الله بيننا في افضل قبورنا ادفن ميتك لا يمنع احد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك} تك 3:23-6 . اما فى زمن المادية والإنانية فنجد الاخوة يتنازعوا الارث قبل مواراة جسد ابيهم فى الثرى ويقوم الابناء على الاباء والاباء على الابناء فى تكالب على المال والشهوات ويقوم الكبير على الصغير، والقوى على الضعيف ، فى ظلم وتطرف وتعصب . ان الاستقامة صفة من صفات الله { وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة} (مز 9 : 8). والله يريد لنا ان نسلك بالاستقامة فهو يهدينا الى طرقة {تفرح وتبتهج الامم لانك تدين الشعوب بالاستقامة وامم الارض تهديهم } (مز 67 : 4) وبهذا شهد للسيد المسيح حتى اعدائه {فسالوه قائلين يا معلم نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} (لو 20 : 21). ان الاستقامة تجرم الظلم وتقيم العدل { هكذا قال الرب احفظوا الحق واجروا العدل لانه قريب مجيء خلاصي واستعلان بري} (اش 56 : 1). { مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب} (ام 17 : 15). الاستقامة تعنى الاعتدال وعدم التطرف سواء فى الكلام او السلوك فيحيا الانسان المستقيم دون تطرف أو قسوة او تدليل او تحييز لنفسه او غيره ولهذا راينا السيد المسيح يدين الكتبة والفريسيين فى زمانه الذين حملوا الناس احمالاً عثرة وهم لم يعملوا بها بل عاشوا فى رياء وخداع لانفسهم والناس { ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ايها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} 23:23-28. الاستقامة البشرية هى انعكاس وثمرة لبرّ الله الأسمى وللرقة العجيبة التي يقود الله بها المسكونة، ويغفر بها للإنسان ويرحمة طالبا منه ان يحيا باستقامة وان يقيم العدل والاعتدال والرحمة والحق . الاستقامة تعنى حفظ وصايا الله ... الانسان المستقيم يعمل على السير فى وصايا الله ومرضاته لان الله يسر بالمستقيمين ويخلصهم هكذا صلى داود النبى لله مع الشعب طالبا منهم حفظ وصايا الله { وقد علمت يا الهي انك انت تمتحن القلوب وتسر بالاستقامة انا باستقامة قلبي انتدبت بكل هذه والان شعبك الموجود هنا رايته بفرح ينتدب لك. يا رب اله ابراهيم واسحق واسرائيل ابائنا احفظ هذه الى الابد في تصور افكار قلوب شعبك واعد قلوبهم نحوك. واما سليمان ابني فاعطه قلبا كاملا ليحفظ وصاياك شهاداتك وفرائضك وليعمل الجميع وليبني الهيكل الذي هيات له. ثم قال داود لكل الجماعة باركوا الرب الهكم فبارك كل الجماعة الرب اله ابائهم وخروا وسجدوا للرب} 1 أخ 17:29-20. واذ يسير الانسان بالاستقامة فانه يجد احسانا وعونا من قبل الرب { واصنع احسانا الى الوف من محبي وحافظي وصاياي }(تث 5 : 10){يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد }(تث 5 : 29). {ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر} (اش 48 : 18). هكذا يدعونا السيد المسيح لحفظ وصاياه { ان كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي }(يو 14 : 15). فحفظ وصايا الله دليل على محبتنا له وعملنا على طاعة {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21). وحفظ الوصايا يثبتنا فى محبة الله {ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته} (يو 15 : 10). الاستقامة تعنى الاخلاص وعدم الخيانة او الرياء... الانسان المستقيم هو انسان وفى مخلص لا يعرف الخيانة او الخبث أو الجحود أونكران الجميل . هكذا كانت دعوة السيد المسيح الى الاخلاص والاستقامة والمحبة والتسامح والرحمة ونقاء القلب وسمو الروح والاستعداد للوفاء والتضحية الى حد بذل الذات . لقد مدح السيد المسيح السامرى الذى نال منه الشفاء فرجع دون التسعة الباقين ليقدم له الشكر على نعمة الشفاء وعاتب يهوذا الخائن الذى فى رياء جاء ليقبله ليرشد عنه الذين اتو للقبض عليه ليلاً وقال خير لذلك الانسان لو انه لم يولد . لقد ادان السيد هذا الرياء فى علاقتنا بالله او بالغير { يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا} (مت 15 : 8). نحن نسعى لكى نكون مستقيمى القلوب والافكار والاعمال لانه كما علمنا السيد المسيح { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسهْ (مت 16 : 26). فنحن نسعى لنكون امناء مستقيمين من اجل خلاصنا الابدى والله لا ينسى تعب المحبة التى نقوم بها من اجل اسمه القدوس { بر المستقيمين ينجيهم اما الغادرون فيؤخذون بفسادهم} (ام 11 : 6). { لان المستقيمين يسكنون الارض والكاملين يبقون فيها} (ام 2 : 21). { كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة} (رؤ 2 : 10). السيد المسيح وحياة الاستقامة ... عاش السيد المسيح حياة الاستقامة وعلمها .. الاستقامة التى تتضمن القداسة والحق والصدق والعدل والوفاء وعدم الرياء والاخلاص هذا ما عاشه السيد المسيح على الارض وعلمه وكان قدوة للناس فى كل ماقال وعمل . وقد شهد بذلك تلاميذه وحتى اعدائه { نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} لو 21:20 . ولقد لام السيد المسيح هؤلاء الذين عاش بينهم حياة القداسة وهو يجول يصنع خيرا ، يشبع الجياع ويفتح أعين العميان ويقيم الساقطين والموتى ويصنع المعجزات ومع هذا اتسمت قلوبهم بالقساوة وعيونهم بالعمى وحياتهم بالرياء وقال لهم { من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي} (يو 8 : 46). جاء السيد المسيح معلما للحق.. لقد تحققت فى المسيح يسوع نبوة اشعياء النبى {هوذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي اضع روحي عليه فيخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} مت 18:12-21 . جاء الله الكلمة متجسدا ليخبرنا الحق { قال له يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6). وشهد بالحق امام بيلاطس البنطى وهو ماض فى طريق الصليب { أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم الى اليهود ولكن الان ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس افانت اذا ملك اجاب يسوع انت تقول اني ملك لهذا قد ولدت انا ولهذا قد اتيت الى العالم لاشهد للحق كل من هو من الحق يسمع صوتي} يو 36:18-37 . ودعانا للثبات فى الحق وهو الذى لم يتملق او يجامل أحد على حساب الحق { فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق والحق يحرركم. اجابوه اننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لاحد قط كيف تقول انت انكم تصيرون احرارا. اجابهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت الى الابد اما الابن فيبقى الى الابد. فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا} يو 31:8-36. لقد جاء المسيح ليعرفنا طريق الحق . الانسان المستقيم يؤمن بالحق ويعيش فيه اما الشرير فيهرب من الحق والاستقامة الى عالم الظلمة { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة. لان كل من يعمل السيات يبغض النور ولا ياتي الى النور لئلا توبخ اعماله. واما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكي تظهر اعماله انها بالله معمولة} يو 16:3-21. لقد تتلمذ الرسل على تعاليم المخلص وسلموها للمؤمنين ليحيوا بها مستقيمى السريرة والسيرة ودعوا الناس الى التوبة والرجوع الى الحق {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل }(اع 17 : 30). حتى لا يقع احد تحت حكم غضب الله باثامه { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر. لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 18:1-22. ابناء الله يعرفوا الحق ولا يشاكلوا أهل العالم فى جهلهم بل يحيوا فى الحق والصدق والاستقامة والوفاء { فاقول هذا اشهد في الرب ان لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الامم ايضا ببطل ذهنهم. اذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع. واما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا.ان كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع. ان تخلعوا من جهة التصرف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم. وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض} أف 17:4-25. فان الله يريد ان كل الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون . السيد المسيح عاش صادقا وأمينا .. ودعى لقبه بالامين والصادق { هذا يقوله الامين الشاهد الامين الصادق } (رؤ 3 : 14). ودعانا للصدق { ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لانها كرسي الله. ولا بالارض لانها موطئ قدميه ولا باورشليم لانها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف براسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء او سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير} مت 33:5-37. ان الصدق يستلزم منا الامانة والابتعاد عن الرياء الذى حزرنا منه السيد الرب { ابتدا يقول لتلاميذه اولا تحرزوا لانفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء }(لو 12 : 1) لان عقابة الرياء الهلاك { ولكن ان قال ذلك العبد الردي في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه وياكل ويشرب مع السكارى. ياتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. فيقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الاسنان} مت 48:24-51. كما حزرنا من ادانة الاخرين ودعانا لاصلاح وعلاج عيوبنا { لا تدينوا لكي لا تدانوا.لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لاخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك} مت 1:7-5. ولقد تابع التلاميذ دعوة معلمهم الى الاستقامة والصدق { اطرحوا عنكم الكذب و تكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض }(اف : 25) { واما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم }(كو 3 : 8). { طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الاخوية العديمة الرياء} ابطر 22:1. جاء السيد المسيح عادلا ويدعو الى العدل.. وهو الديان العادل الذي يعطى كل واحد كنحو أعماله فى عدل ورحمة { ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب} (رؤ 19 : 11) ودعانا لكى لا نحكم بالمظاهر { لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا} (يو 7 : 24). ووبخ الكتبة والفريسيين على تركهم للعدل وتمسكهم بالشكليات ومظهرية العبادة { ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه و لا تتركوا تلك} (مت 23 : 23). لذلك دعانا الكتاب الى السلوك بالحق والعدل { اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا. وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورايتموه في فهذا افعلوا واله السلام يكون معكم} في 8:4-9. السيد المسيح يدعو الخطاة الى التوبة والاستقامة .. جاء السيد المسيح يدعونا الى الاقتداء به فى تواضعه ووداعته وزهده فى المال او المقتنيات وقد وعد انه يتكفل بنا . ولمعرفته بضعف البشر فقد جاء يدعوا الخطاة الى التوبة والبعد عن الطمع ومحبة المال ورايناه يبحث عن الخطاة ليحررهم ، بحث عن المرأة السامرية ودعاها الى التوبة وعبادة الله بالروح والحق { الله روح و الذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا }(يو 4 : 24). وعندما راى فى قلب زكا العشار رغبته فى ان يراه ذهب الى بيته وحرره من الطمع ومحبة المال { فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع و نزل وقبله فرحا. فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم. لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10. جاء السيد المسيح ليعلن محبته للخطاة { اما الكتبة والفريسيون فلما راوه ياكل مع العشارين والخطاة قالوا لتلاميذه ما باله ياكل ويشرب مع العشارين والخطاة. فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} مر 16:2-17. السيد المسيح يحزرنا من العثرات ... ان حياة الاستقامة تدعونا الى الحرص والسهر على خلاص أنفسنا واخوتنا وان نحثهم على حياة الفضيلة والبر ولا ندفعهم الى العثرة او الاغراء باى صورة فهذا هو عمل أبليس وجنوده وفى البعد عن العثرات نبتعد عن من هم عثرة لنا حتى وان كانوا بمثابة اليد أو الرجل او العين اليمنى لنا ولا نكون نحن عثرة لاخوتنا واخواتنا الصغار سواء بالتعليم او القدوة او التحريض { ويل للعالم من العثرات فلا بد ان تاتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تاتي العثرة. فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها و القها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان. انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار لاني اقول لكم ان ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السماوات. لان ابن الانسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك} مت 7:18-11. بل يجب ان نسعى الى رد الخطاة عن طريق ضلالهم { فليعلم ان من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا} (يع 5 : 20). الاستقامة فى حياة الانسان المؤمن ... الاستقامة جهاد مستمر .. ان حياة الاستقامة والبر والتقوى هى حياة تلمذة وتعلم من الراعى الصالح ، كما انها جهاد مستمر بامانة للسير والاقتداء بالمسيح . هى حياة نمو فى معرفة الله والتوبة عن الضعفات للوصول الى حفظ الوصايا والتأمل فيها والعيش فى مخافة الله بقلب طاهر غير منقسم وضمير صالح وايمان بغير رياء { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). حياة الأستقامة لا تعرف التعرج بين الفرقتين او الغش والمكر والخداع { فتقدم ايليا الى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين ان كان الرب هو الله فاتبعوه وان كان البعل فاتبعوه }(1مل 18 : 21). الاستقامة تنبع من الفكر السليم والذى يبنى على كلمة الله وعمل الروح القدس وقيادته للنفس وتقديسه للحواس والعواطف .ان أفكارنا وعواطفنا المقدسة هى الموجه لسلوكنا فان كانت أفكارنا مقدسة وعواطفنا طاهرة تكون حياتنا نقية وسلوكنا مقدس ، حواسنا وقلوبنا هى النافذة التى نرى بها العالم من حولنا والله يبحث عن مستقيمى القلوب ويخلصهم . الاستقامة والثقة ... الانسان المستقيم هو مصدر ثقة وامانة لمن حوله وضرورة لمجتمعه . ان الاستقامة ليس فضيلة اجتماعية فقط بل هى مقياس للإيمان السليم ، فالعقيدة السليمة تقود الى حياة الاستقامة . لهذا ينبغى لابناء وبنات الله ان لا يشاكلوا أهل هذا الدهر بل يتغيروا للافضل بناء على دعوتهم المقدسة ليكونوا قديسين وكاملين { فاطلب اليكم ايها الاخوة برافة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} رو 1:12-2. الاستقامة هو طريقنا للنجاح والحياة الابدية ، وتتضمن استقامة وسلامة التعليم {لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح }(2كو 2 : 17){ قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر او غاشين كلمة الله بل باظهار الحق مادحين انفسنا لدى ضمير كل انسان قدام الله }(2كو 4 : 2). ولهذا نداوم على حفظ استقامة التعليم الذى نتلقاه ونعلمه لغيرنا { لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك ايضا }(1تي 4 : 16). صفات الانسان المستقيم ... أ*- الامانه والصدق ... الاستقامة تحلى صاحبها بالامانه { من يسلك بالاستقامة يسلك بالامان ومن يعوج طرقه يعرف }(ام 10 : 9) . سواء فى عبادته وعلاقته بالله او بالاخرين . فيكون امينا فى وعوده ومواعيده وفى حفظة لاسرار الغير وفى توبته عن خطاياه واخطائه والتماسه الاعزار لضعفات الغير ، كما ان الانسان المستقيم هو انسان صادق لا يعرف الغش أو الخداع ولا يرضى بالمكسب او المنفعة التى تأتى من طريق غير مستقيم . الاستقامة تجعلنا أمناء فى القليل وتجعل الله يقيمنا على الكثير { الامين في القليل امين ايضا في الكثير والظالم في القليل ظالم ايضا في الكثير} (لو 16 : 10). والاستقامة تجعل الانسان يحرص على خلاص نفسه فلا يكون لديه ازدواجية فى المعايير ويهتم بالتدقيق فى الامور الصغيرة لانه ان لم نتخلص منها تكبر وتتفاقم وتشكل خطر على استقامة حياتنا الروحية وخلاصنا . ب*- البعد عن الشر والخطية... الاستقامة تجعل صاحبها يحيد عن الشر والخطية ويصنع الخير { منهج المستقيمين الحيدان عن الشر حافظ نفسه حافظ طريقه} (ام 16 : 17). هكذا كان ايوب البار { فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي ايوب لانه ليس مثله في الارض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر} (اي 1 : 8). وهذا ما اوصى به الرب سليمان الحكيم عندما تراءى له { وانت ان سلكت امامي كما سلك داود ابوك بسلامة قلب واستقامة وعملت حسب كل ما اوصيتك وحفظت فرائضي واحكامي. فاني اقيم كرسي ملكك عن اسرائيل الى الابد كما كلمت داود اباك قائلا لا يعدم لك رجل عن كرسي اسرائيل. ان كنتم تنقلبون انتم او ابناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي فرائضي التي جعلتها امامكم بل تذهبون وتعبدون الهة اخرى وتسجدون لها. فاني اقطع اسرائيل عن وجه الارض التي اعطيتهم اياها والبيت الذي قدسته لاسمي انفيه من امامي ويكون اسرائيل مثلا وهزاة في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة كل من يمر عليه يتعجب ويصفر ويقولون لماذا عمل الرب هكذا لهذه الارض ولهذا البيت. فيقولون من اجل انهم تركوا الرب الههم الذي اخرج اباءهم من ارض مصر وتمسكوا بالهة اخرى وسجدوا لها وعبدوها لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشر } (1مل 9 : 4-9). وهذا جعل القديس بولس يدافع عن استقامته {لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم }(2كو 1 : 12) ج- الاستقامة والثقة فى الله .. الانسان المستقيم يثق فى الله ولا يتكل على سلطة او مال ويكون عفيف طاهر الفكر والجسد والروح . ان من اعداء الانسان الذين يحارب بهم الشيطان الانسان المستقيم، شهوة الجسد وشهوات العيون وتعظم المعيشة . الانسان الملتوى يتمسك بالسلطة ليجد فيها المركز والامان اما المستقيم فيحتمى فى الرب { الاحتماء بالرب خير من التوكل على انسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء (مز 118 : 8- 9). الثقة فى الله تجعلنا لا نتكل على الغنى او المادة ايضا { لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان و طعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} (1تي 6 : 10). ويكون المال لنا خادم جيد وليس عبداً قاسى لهذا يوصي الانجيل الاغنياء ان يتكلوا على الله لا الغنى { اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع} (1تي 6 : 17). ولنتعود على حياة الشكر لله والعرفان بالجميل فى كل شئ أننا دخلنا العالم بلا شئ وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشىء . وحيث أننا لم ندخل العالم بشىء لذا فإن كل شىء نحصل عليه يجب أن نأخذه بشكر وعرفان بالجميل .. لذا فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما . الاستقامة تعلمنا أن تشكر على كل شىء مهما صغر والشكر لا يجعل مكاناً فى قلوبنا للتذمر أو الطمع. كما ان الاستقامة تجعلنا نحرص فى علاقتنا لاسيما فى العلاقة بالجنس الاخر ان تكون علاقات طاهرة تتسم بالاتزان والالتزام وتوجيه الانظار الى المسيح المشبع لعواطفنا وارواحنا ونفوسنا وهذا الحرص يلازم الانسان فى كل مراحل حياته فداود القوى سقط عندما أهمل حرصه وعاش حياة الكسل والترف وترك المعركة الروحية ليتطلع على اسرار الغير { طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها اقوياء }(ام 7 : 26) فلا تعطى لنفسك وجسدك فرصة للخطية واشغل وقتك بما هو صالح ومفيد فوقت الفراغ هو الفرصة الثمينة التى نعطيها لإبليس ليحاربنا ويسقطنا فى الخطية. لابد ان نشبع ارواحنا بمحبة الله وننشغل بأهداف الله السامية وخطته العظيمة لحياتنا ورؤيته المقدسة لخلاص العالم .وكلما عشنا فى مخافة الله ننمو فى حياة الاستقامة لنصل الى القداسة والكمال النسبى الذى يستطيع المؤمن الوصول اليهما . القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
22 نوفمبر 2021

تَذْكَارُ ظُهُورِ جَسَدِ مَارِمِينَا العَجَائِبِيّ وتَكْرِيسِ كَنِيسَتِهِ

وُلدمينا في سنة ٢٨٥م بمعجزة إلهية من والدَيْنِ بارَّيْنِ ؛ أودكسيس وأفومية ، وسُمي مينا لأن أمه كانت عاقر واتاها الصوت السماوي "أمين" فسمَّته "مينا" لأنه ابن الصلوات. وكان أبوه صاحب سلطان ونفوذ في الإمبراطورية الرومانية. لذلك عُين مينا قائدًا في الجيش؛ لكنه ترك مكانته لينذر نفسه لله ، ولما سُمع عنه ذلك، هاج عليه إبليس ودفع الإمبراطور إلى تعذيبه... فأعلن إيمانه بالمسيح وتحمل عذاباتٍ وآلامًا كثيرةً حتى قطع الرأس والحرق التي واكبتها تعزيات وظهورات سماوية؛ إلى أن نال الأكاليل غير المضمحلة من أجل بتوليته ونسكه وشهادة دمه الطاهر. وصار جسده مصدرًا لشفاء الأمراض ولطرد الأرواح الشريرة، وقد بُنيت مدينة رخامية عظيمة على اسمه بصحراء مريوط في عهد البابا أثناسيوس الرسولي، اشتهرت بالعجائب والمعجزات التي لإلهنا القدوس المتعجب منه بالمجد والعجيب في قديسيه .وتوجد أيقونة لمارمينا بمتحف اللوفر بباريس فيها صورة المسيح له المجد واضعًا ذراعه الأيمن على كتف مارمينا الأمين؛ لأنه ترك اهتمامات هذا العالم المملوءة تعبًا، وعاش في عشق إلهي يقتني اللؤلؤة الجزيلة الثمن، وصارت حياته إنجيلاً مكتوبًا بريشة الروح، باقية ومطوَّبة في ذاكرة حياة الكنيسة من أجل سيرته وشهادة سلوكه البيضاء ، وشهادته الحمراء بالعذابات وسفك الدم.شفاعتك أيها الكوكب المنير صاحب العجائب ونسب الجنس المختار في الأرض. الطوبى لك يامن نلت مكانة عظمى في السموات من أجل الشهادة والبتولية والانفراد في البرية.. محاربًا وجنديًا باقيًا في جيش القدوس ملك القديسين. الفرح لك بسُكنى الفرحين وبتكريم الكنيسة لك في أعياد ثلاث : لاستشهادك ولظهور جسدك ولتكريس بيعتك ، كعلامة انتصار وكرامة في موضعك الرخامي الثمين والمزيَّن بالبركات والفضائل؛ تلك التي دشنتها اليد الرسولية التي للعظيم أثناسيوس حامي الإيمان النيقاوي، وجعلها مدينة شهيرة يأتي إليها الزوار والغرباء، لينالوا بركة (مرتيروبوليس) Mαρτυρόπολης أي مدينة الشهيد . وقد تجدد مجد مدينة مارمينا الأمين المبارك؛ وصارت موضعًا للرهبنة والاستشفاء؛ عندما أعاد مجدها القديس المتنيح البابا كيرلس السادس البابا ١١٦ وتلميذه الأنبا مينا أفا مينا . السلام لمارمينا صانع كل عجائب، السلام لمارمينا مانع كل مصائب، المشهور بالعجائبي دون سائر الشجعان؛ ليكون لنا شفيعًا يوم نصب الميزان مع البابا كيرلس السادس وتلميذه أنبا مينا أفا مينا... ولربنا المجد دائمًا آمين. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد
21 نوفمبر 2021

علاقات داخل الخدمة

من رسالة معلمنا بولس الرسول الأولى إلى تلميذه تيموثاوس ﴿ لا تزجر شيخاً بل عظه كأبٍ والأحداث كإخوةٍ والعجائز كأمهاتٍ والحدثات كأخواتٍ بكل طهارةٍ أكرم الأرامل اللواتي هن بالحقيقة أرامل ولكن إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة فليتعلموا أولاً أن يوقروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة لأن هذا صالح ومقبول أمام الله ولكن التي هي بالحقيقة أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاءها على الله وهي تواظب الطلبات والصلوات ليلاً ونهاراً وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية فأوصِ بهذا لكي يكن بلا لومٍ وإن كان أحد لا يعتني بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن لتُكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة إمرأة رجلٍ واحدٍ مشهوداً لها في أعمالٍ صالحةٍ إن تكن قد ربت الأولاد أضافت الغرباء غسلت أرجل القديسين ساعدت المتضايقين إتبعت كل عملٍ صالحٍ أما الأرامل الحدثات فارفضهن لأنهن متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن ولهن دينونة لأنهن رفضن الإيمان الأول ومع ذلك أيضاً يتعلمن أن يكن بطالاتٍ يطفن في البيوت ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضاً وفضوليات يتكلمن بما لا يجب فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم فإن بعضهن قد انحرفن وراء الشيطان إن كان لمؤمن أو مؤمنة أرامل فليساعدهن ولا يثقل على الكنيسة لكي تساعد هي اللواتي هن بالحقيقة أرامل أما الشيوخ المدبرون حسناً فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ولا سيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم لأن الكتاب يقول لا تكم ثوراً دارساً والفاعل مستحق أجرته لا تقبل شكاية على شيخٍ إلا على شاهدين أو ثلاثة شهودٍ الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين أن تحفظ هذا بدون غرضٍ ولا تعمل شيئاً بمحاباةٍ لا تضع يداً على أحدٍ بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين إحفظ نفسك طاهراً ﴾ ( 1تي 5 : 1 – 22 ) نعمة الله الآب تحل على أرواحنا جميعنا آمين يتحدث القديس بولس الرسول عن علاقتنا مع البعض كشكل وجوهر وسنتحدث في ثلاث نقاط :- 1- الكنيسة جماعة المؤمنين :- نحن نمثل جسم ربنا يسوع المسيح فنحن لحم من لحمه وعظم من عظامه فكل شخص يمثل خلية في جسم ربنا يسوع المسيح فنحن أعضاء جسم واحد ومن ضمن ألقاب الكنيسة أنها * كنيسة واحدة * فنحن نشترك في وحدة واحدة ﴿ هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح ﴾ ( رو 12 : 5 ) فنحن نمثل جسم حقيقي لربنا يسوع فالله هو الرأس والمدبر للجسم ولهذا فنحن مترابطين وأيضاً أبونا الكاهن في القداس يختار حمل واحد وأيضاً في التناول يرى أبونا الكاهن هل هناك أي جوهرة في الصينية إن جسد ربنا يسوع يتناوله المؤمنين ولذلك فكلنا خبزة واحدة في جسم واحد وكلنا توحدنا بالمسيح فكل عضو له كرامة ومحبة وأهمية وكيان فنحن نعمل مع بعض في تكامل ولسنا ضد بعض أو هناك تخاصم أو تعارض وكما يقول ﴿ هؤلاء الذين ألفهم الروح القدس معاً مثل قيثارة ﴾ ( ذكصولوجية باكر ) فنحن مثل القيثارة فلا توجد قيثارة إلا إذا اختلفت النغمات . وليس شرط أن يكون كل شخص مثل الآخر بل لابد أن نعمل في إتفاق ووحدة وتنسيق ولا يجب أن يقلل أحد من دور الآخر بل كل شخص مهم وأيضاً مهم للآخر وهنا نذكر موقف هام في حياة داود فعندما تمرد أبشالوم على أبيه داود وأصبح أبشالوم صاحب مملكة كان يوجد رجل حكيم يُدعى حوشاي الأركي هذا الرجل أحب أن يكون مع داود ولكن داود طلب منه أن يظل مع إبنه أبشالوم ويبلغه أخبار إبنه وكيف يفكر وعندما عرف حوشاي الأركي أن أبشالوم سوف يهجم على داود أرسل جارية إلى الكاهن ليبلغ داود وبالفعل قام الكاهن وأرسل إبنه وهو شاب إلى داود وهذا الشاب عندما دخل المدينة رآهم بعض الناس من عند أبشالوم فاختبأ هذا الشاب عند سيدة حتى ذهب الذين يبحثون عنه واستطاع أن يذهب إلى داود ويخبره وهنا نجد أن الذي إشترك في العمل هم :- 1- حوشاي الأركي 2- جارية 3- الكاهن 4- إبن الكاهن 5- سيدة 6- داود وهذه هي سلسلة الكنيسة فرئيس الشعب هو داود وحوشاي هو المشير والكاهن هو الكاهن والشاب ( إبن الكاهن ) يمثل كل من يحضر إلى الكنيسة والسيدة هي فئة الأرامل والجارية هي كل من يقوم بأعمال بسيطة جداً فالجارية قامت بدور بسيط ولكنه مهم فجميعهم حلقة واحدة فليس دورنا في الكنيسة أن نرى الأعظم أو أن نلغي أدوار بعضنا ولكن إعمل شئ صغير جداً وكن أميناً فيه فكل شخص له دور وكرامة ودالة ويُحكى أنه كان يوجد مجلس شيوخ وكانوا يتحدثون عن الأنبا أنطونيوس هل هو أخذ درجة كهنوتية أم مازال راهب ؟ وكان يوجد شخص صامت بينهم فسألوه فقال لهم * أنا لا أعلم رتبته ولكني أعلم أنه كان عاملاً بدرجته * فالمهم أن ينفذ كل إنسان دوره بطريقة صحيحة وكل شخص عليه مسئولية في الكنيسة ودور فلا تتهاون في دورك وتعتبره غير مهم ولا تطلب دور غيرك ولا تتصارع مع أحد بل كن عضو إيجابي واشترك في كل نشاط ولا تكن سلبي ولا تنقد واسعى للبنيان لا للهدم والذي لا يقوم بدوره يكون عبء وإذا لم يشعر الخادم بمسئوليته في العمل الذي يقوم به حتى إذا كان عمل بسيط فيصبح غير أمين في الكنيسة ولا ينمي الروح الواحدة ولا ينمي روح المحبة وكما قال القديس بولس الرسول﴿ أُكمل نقائص شدائد المسيح ﴾ ( كو 1 : 24 ) ويقول القديس غريغوريوس تشبيه هام في العهد القديم ويربطه بالعهد الجديد وهو إذا توفى زوج سيدة فتتزوج من الأقرب لها حتى يقيم منها نسل وإذا رفض يحدث أمران هما :- أ- يخلع نعله . ب- تبصق هذه السيدة على وجهه لأنه تركها للأبعد لها وكان هو أولى بها . فيقول القديس أن السيدة هي الكنيسة وزوجها هو يسوع وربنا يسوع تركها على الأرض وارتفع إلى السماء ولم يكتمل نسلها ومن المفروض أن أقرب شخص لها يقترن بها لينجب أولاد لها ( أي المؤمنين ) والذي يرفض الإقتران بها يجد ملامة من الكنيسة فيسوع هو أخونا البكر والكنيسة عروسته ونسلها لم يكتمل وربنا يسوع يريد أن يضم أعضاء جدد للكنيسة فإذا أهملنا هذا الدور نجد أن جسم المسيح لم يُكتمل وذلك لأننا رفضنا الإقتران به فالكنيسة تنتظر جهدك ويدك حتى تكمل أعضاؤها ولهذا يقول الكتاب المقدس ﴿ وكان الرب كل يومٍ يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون ﴾ ( أع 2 : 47 ) . 2- الخادم والمخدوم :- علاقة الخادم بالمخدوم هي قصة حب وغيرة وأمانة فأصعب شئ أن تتحول الخدمة إلى عمل بلا هدف أو عمل بلا مسيح أو بلا رؤية إن مؤشر أي عمل من أجل المسيح ومن أجل مجده هو مقدار الصلاة من أجل هذا العمل على الخادم أن يصلي حتى يكون ربنا يسوع في وسط العمل ويكون الله هو الذي يقوده وينميه وإلا سوف يحدث إنحراف نفسي عند الخادم أي أنه سوف يختار الولد المؤدب أو اللطيف أو الذي عنده إستعدادات ويرفض الآخر وهذا كله لعدم وجود المسيح وعدم وجود رؤية واضحة فعلى الخادم أن يتعامل مع الكل ويعتبر كل مخدوم أمانة وعلى الخادم أن يحرك قلب المخدوم وأن يوصل له صورة المسيح ويجذبه للخلاص حتى يتغير هذا المخدوم ولهذا لابد أن تكون علاقة الخادم بالمخدوم قوية جداً وكما قال القديس أوغسطينوس ﴿ لا يخلص عن طريقك إلا من يحبك ﴾ فقد يحدث إنحراف عاطفي وتغيب الناحية الروحية ولذلك فإن الناحية العاطفية التي تربط بين الخادم والمخدوم لابد أن تُوجه بطريقة روحية فالذي يربط بين الخادم والمخدوم هو المسيح فإذا كان يوجد محبة أو غيرة أو دالة كل هذا بالمسيح وفي المسيح وكما ذكر القديس بولس الرسول ﴿ لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً ﴾ ( 1كو 2 : 2 )فالمسيح أمام عينيَّ بولس الرسول في كل خدمة وفي كل أمر ولهذا يقول أيضاً ﴿ فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون قلبنا متسع ﴾( 2كو 6 : 11) .. وأيضاً ﴿ صرت للكل كل شيءٍ لأخلص على كل حالٍ قوماً ﴾ ( 1كو 9 : 22 )فمن الصعب أن تتحول أعمال الخدمة إلى أعمال إجتماعية أو تتحول إلى أمور عاطفية لأن الأمور العاطفية يحدث فيها تغيير وخداع أما الأمور الروحية فثابتة ودائمة فالمخدوم يتغير ولكن الخادم لا يتغير فعلاقة الخادم بالمخدوم لابد أن يكون فيها وعي روحي كبير من الخادم وخاصةً عند الخادمات وذلك لأن البنات تتعلق بالخادمة في المسيح ولكن جزء كبير من هذا التعلق عاطفي نفسي ولكن كيف تحول الخادمة هذه العاطفة النفسانية للبنيان وهنا نذكر أن دور الخادم بالمخدوم يتلخص في أكثر من نقطة وهم :- الصلاة من أجلهم :- يقول أحد الآباء ﴿ ليتنا نتكلم مع يسوع عن المخدومين أكثر مما نكلم المخدومين عن يسوع ﴾ فإذا كانت الصلاة من أجل المخدومين ضعيفة فلا توجد خدمة روحية وتصبح الخدمة مثل النادي الإجتماعي وقد تصبح الخدمة معتمدة على الشلة ( الصُحبة ) . السهر على خلاص نفسك :- لابد أن يكون عند الخادم يقظة روحية ويكون دائم النمو من أجل نفسه ومن أجل الآخرين فحتى تخلص نفسك والآخرين لابد أن تكون ممتلئ حتى تعطي فلابد أن تكون هناك فترات خلوة خاصة بالخادم واجتماع خاص به وعشية خاصة به فمن أصعب الأمور أن العشيات والإجتماعات تخلو من فئة الخدام وذلك لأنهم وضعوا أنفسهم فوق التعليم فلابد أن يشعر الخادم أنه تلميذ ويتعلم ورؤية المخدومين للخادم كتلميذ أكثر فائدة لهم من رؤية الخادم مُعلم . الإرتقاء بأفكار الأولاد :- على الخادم أن يرتقي برغبات المخدومين فإذا لم يكن هناك ضوابط في المجتمع يحدث جموح وتحكم أدنى فئة أو مستوى فإذا تركنا هوى المخدومين يسيطر على الأمور فسنجد أننا لا نسير حسب الإنجيل فعلى الخادم أن يوفر النشاط للمخدومين ولكن لابد من وجود هدف روحي واضح . متابعة حياتهم الروحية :- على الخادم أن يعرف هل الأولاد مواظبة على التناول والإعتراف ؟ وأيضاً هل عند المخدومين وعي إيماني وعقيدي ؟ فإذا كان هناك مخدوم يحب القراءة على الخادم أن يشجعه ويعطي له كتاب يحببه أكثر في القراءة وأيضاً على الخادم أن يحفظ الترانيم أو التسبحة أو يحكي قصة كل هذا مع اللعب ولابد أن نذكر أن العمل الفردي مهم مثل العمل الجماعي فعندما يذهب الخادم للإفتقاد لابد أن يذكر إسم ربنا يسوع ويكون الحديث في الإفتقاد عن ربنا يسوع وليس عن مشاكل العالم وعلى الخادم أن يراعي في الإفتقاد أن يقرأ جزء صغير من الكتاب المقدس ويقول كلمة صغيرة ويعطي للمخدوم صورة أو كتاب ثم يصلي . أن يكون دائم الإرشاد للمخدوم :- وأن يعي سن المخدوم فالخادم يصنع جيل فلا يستهين بدوره لأن من الممكن أن يسمع مخدوم لحن فيحب الألحان ونشكر الله أن الأولاد تحب الخدمة والله يعطي نعمة للخدام فلابد أن نكون أمناء ونرتقي بالمخدومين حتى نربح كثيرين لربنا يسوع واحذر التعلق العاطفي أو التمييز وأن تهتم بفئة معينة من المخدومين وهذا يظهر في الإفتقاد فأحياناً يذهب الخادم إلى المخدوم المواظب على الكنيسة ولكن على الخادم أن يفتقد الناس المجهولة التي لا يذكرها أحد فهم في احتياج إلى الإفتقاد وكما يقول الكتاب المقدس ﴿ لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى ﴾( مت 9 : 12) .. والخادم الذي قلبه غيور سيُعرفه الله على الناس التي تحتاج للإفتقاد فالخادم الأمين كثير العمل قليل الكلام . 3- علاقة الكاهن والأمين والخادم :- الكاهن : الكاهن له كرامة والكاهن عمله مدبر وهو أخذ مسئولية من الله وهذه المسئولية ليست للسلطة أو للتميز أو النهي ولكن هذا عمل تدبيري فالكاهن ينكسر أمام الله وينسحق من أجل شعبه وكما قال القديس أوغسطينوس ﴿ أطلب إليك من أجل سادتي عبيدك ﴾فكلمة * سادتي * أي * المخدومين * والكهنوت ليس مركز فالكاهن شفيع أمام الله ولكن بعض من الناس تشعر أن أبونا الكاهن لها وحدها فإذا قصَّر في شئ تصب عليه إتهامات كثيرة ولكن لابد أن نعرف أن الكاهن مسئول عن أشخاص كثيرة جداً وهو أيضاً وكيل للأسرار وهناك بعض من الناس تحتاج إلى إهتمام أبونا الكاهن أكثر من أناس أخرى والكاهن لا يطلب الكرامة من أحد وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم ﴿ قيل عن الرعاة أن الكرامة ثِقَل عليهم والإهانة مكسب لهم ﴾ وأيضاً يقول القديس مارأفرآم ﴿ إعطي الكرامة اللائقة للكاهن كوكيل لأسرار الله ولا تتأمل في أعماله لأنه من حيث أعماله هو إنسان ومن حيث درجته هو ملاك وبالرحمة صار وسيطاً بين الله والناس ﴾ فعند رسامة الكاهن يفتح فمه ورئيس الكهنة ينفخ في فمه وبذلك يأخذ نفخة الروح فهذه النفخة التي أعطاها ربنا يسوع للرسل هي نفس النفخة التي يأخذها الكاهن ولذلك فهي تظل فاعلة في الكاهن ثم يقول الكاهن ﴿ فتحت فمي فاجتذبت لي روحاً ﴾ فالكهنوت وعاء للروح . الأمين يدبر وينظم وينسق ويرتب فكلمة * أمين * تأتي من الأمانة وعلى الأمين أن يتابع ويوزع الأدوار ويشجع ويوجه ويعرف الطاقات ويوظفها ولا ينحاز لأحد ويجعل الخدمة ترتقي روحياً ويتابع الخدام شخص شخص أي متابعة فردية لا بروح السلطة بل بروح المحبة وعلى الأمين أن يوفر للخدام كتب تفيدهم في التحضير ويعمل خلوات وأيام روحية للخدام ويكون هناك قداس للخدام والأمين هو حلقة الوصل مع أبونا الكاهن وعلى الكاهن أن لا يلغي الخدام وكذلك على الخدام أن لا يلغوا الأمين فلابد أن يعمل الجميع في حلقة واحدة وعلينا أن لا نتخطى بعض ولكن الخادم يعرض أفكاره على الأمين والأمين بدوره يعرض هذه الأفكار على أبونا الكاهن ويسمع توجيهات الكاهن ثم يعرضها الأمين على الخدام ويقنعهم بها حتى يصل إلى أفضل وضع يبني الخدمة حتى يكون الجميع رعية واحدة لراعي واحد . الخادم : الخادم يفكر ويصلي ويبحث في الكتب ويطور من وسائل الإيضاح ويعرض موضوع معين من خلال ندوة وله دور في التنفيذ فالخادم لا يعمل بمعزل عن الآخرين ولكن الجميع لهم فكر وقلب واحد مثل بولس الرسول عندما ذهب للمعتبرين أعمدة أي بطرس ويوحنا وباقي الرسل حتى يعرض فكره وإنجيله وقال ﴿ لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً ﴾ ( غل 2 : 2 ) فعلى الخادم أن يقبل التوجيهات من الأمين ومن الكاهن ويتكلم بحب واتضاع ويعرض مشاكله ولا يكون فيه روح تمرد وكما ذكر الكتاب المقدس ﴿ طريق الجاهل مستقيم في عينيه أما سامع المشورة فهو حكيم ﴾( أم 12 : 15) وأيضاً قد يصبح للخادم أشخاص معينة ويبعد عن الأمين والكاهن وتتحول الخدمة إلى عمل إجتماعي لأن من صفات العمل الروحي وجود الروح الواحدة وعلى الخادم أن يواظب على إجتماع الخدام وممكن ينزل إفتقاد مع خادم آخر لأسرة غير أسرته وإذا كان هناك إجتماع صلاة يحضره ﴿ غير تاركين اجتماعنا كما لقومٍ عادة ﴾ ( عب 10 : 25 )ويكون حضوره إيجابي وعلى الخادم أن لا يسخر من خدمة الآخر أو من شخصية الآخر وعليه أن يتخلص من حرف الياء * أولادي كنيستي أسرتي خدمتي * فأنت عضو في جسم فلا تعمل بمفردك وعلى الخادم أن يصلي من أجل كل الكنائس وعن خلاص كل الشعب وعليه أن يحذر من الإنعزال والتمرد والفراغ الروحي الذي يجعل الإنسان يفقد الهدف ومن الروتينية في الخدمة وكما قال صموئيل النبي لشاول الذي لم يسمع كلام الله ﴿ هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا الإستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش لأنك رفضت كلام الرب رفضك من المُلك ﴾ ( 1صم 15 : 22 – 23 ) فالعمل الذي عمله شاول في شكله ليس خطأ ولكنه كسر من خلاله روح الطاعة والروح الواحدة وكما قال القديس بولس الرسول﴿ حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً ﴾ ( 1كو 9 : 27 ) ربنا يكمل خدمتنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ويكمل نقائصنا ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين. القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل