المقالات

31 ديسمبر 2021

اتركها هذه السنة ايضا

فحص الذات ... وتجرى الأيام ويعبر العام بما فيه من أحداث جسام من حولنا ونتأثر بها وتؤثر فى حياتنا بلا شك لكن الانسان المؤمن يثق فى الله الذى يقود سفينة حياتنا ويجعل كل الاشياء تحدث من أجل خيرنا ولمنفعتنا الروحية { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). الانسان الذى يبنى بيته على صخرة الإيمان الواثق لا يتزعزع حتى مع شدة الرياح او العواصف { فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسسا على الصخر} مت 24:7-25وكما ان كل مؤسسة ناجحة تعمل حساب ختامى لنهاية العام تبين فيها مدى ربحها أو خسارتها وما هى مواضع القوة والضعف فيها هكذا نحن أيضا نحتاج لوقفة صادقة مع النفس لنعالج عوامل الخلل ونقوى الحلقات الضعيفة ونستثمر مواطن القوة فى شخصيتنا وحياتنا ونتميز ونتفوق فيها. ميزان الحق والصدق مع الرحمة ... نفحص ذواتنا بروح الصلاة وبالتواضع ونتجنب الكبرياء كمن يتجنب النوباء ، نحاسب انفسنا بدون محاباة وبصدق وحق فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه الذى ، وفى نور الانجيل وعمل الروح القدس وايضا فى ضوء مراحم الرب الذى صبر علينا هذا العام ززهبنا نعمة البقاء والحياة لنأتى بثمر ويدوم ثمرنا { وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فاتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين اتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد اقطعها لماذا تبطل الارض ايضا. فاجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زبلا .فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها} لو 6:13-9. نجلس مع ذواتنا ونحاسبها أو نعتبها او حتى نعاقبها ونعرف فيما اخطانا او تاجرنا وربحنا فى علاقتنا بانفسنا وبالله وبالاخرين من حولنا ونصلى ونعمل مع الله طالبين عمل نعمته معنا فى كل أيام غربتنا على الارض لننجح فى طرقنا ونعمل من أجل خلاص نفوسنا ومن معنا . فلا أحد معصوم من الأخطاء أو كامل ومنزه عن العيوب والضعفات ولكى نتقدم الى الامام فى بناء شخصيتنا الروحية الناجحة يجب ان نتصالح مع انفسنا ونقبلها كما هى فيما لا نستطيع تغييره من سمات ولكن فى مجال السلوك أو العلاقات فانه فى مقدورنا ان نتصالح بروح الود والاعتراف بالخطاء لمن أخطانا اليه ثم نصنع خيرا وبرا مع من حولنا . لا يجب ان نكتفى فقط ان لا نؤذى انفسنا أو الغير بل يجب ان نحب الناس ونحسن اليهم ونتفانى فى مساعدتهم قدر طاقتنا { لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله }(ام 3 : 27). كما يجب ان نقبل الاخرين بضعفاتهم ونقائصهم وبالمحبة والصبر يأتى التغيير الذى فى استطاعتهم ايضا { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7). أعداد النفس للأثمار ... اذ طلب صاحب الحقل من الكرام ان يقطع الشجرة غير المثمرة من الارض لانها لم تصنع ثمراً على مدى عدة سنوات فطلب الكرام ان يصبر عليها سنة أخرى لتثمر ثمراً جيداً وفى سبيل ذلك فان الكرام سيقوم بكل ما هو ضرورى لكى تثمر بان ينقب حولها وينظف الارض من الاحجار وينزع من حولها الحشائش الضارة ويسمد الارض ويتعهدها بالرى والرعاية . نحن نشكر الله على محبته وصبره وطول اناته علينا وفى ذات الوقت يجب ان ننقب ونفحص ذواتنا ونتوب ونعترف بخطايانا ونطلب المغفرة من الله ونقوم من الكسل الروحى ونشمر على سواعد الجهاد ،علينا ان نهتم بخلاص أنفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). يجب ان نبتعد عن كل ما هو ضار بالروح والنفس والجسد ونتخلص من العادات الضارة وننتصر على الرغبات والشهوات والخطايا ولا ندع شئ أو أحد يفصلنا عن محبة الله . نتعهد شجرة حياتنا بالرعاية ... وحتى ما تثمر شجرة حياتنا يجب ان نتعهدها بالرعاية اللازمة ونحميها حتى من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم التى هى الخطايا الصغيرة لكى لا تتأصل فى النفس ،ونرويها بمياة نقيه التى هى محبة الله والخير والغير ونغذيها باسمدة الخلاص والتقوى ووسائط النعمة . علينا ان لا ننام وقت الزرع والرعايته حتى ما نجنى الثمار فى أوان الحصاد وعندما يحين الميعاد نسمع من رب العباد { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) استثمار الوقت وتنظيمه اذاً عامل هام فى حياة كل انسان منا فلا يجب ان نهدر أوقاتنا فيما لا يبنى أو لا يفيد فان الوقت من ذهب ان لم تستثمره ذهب ولم يعد . وما لا ينبغى ان تعمله فلا تفكر فيه ولا تتذكره وعاتب نفسك على أخطائها خير لك من ان تعاتب غيرك مبتعدا عن نظر وسماع ما لا يفيد لكى ما تتخلص من فعل ما هو ضار لهذا يوصينا الإنجيل ان نكون حكماء { لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17. علينا ان نستيقظ اذا من نوم الغفله وننسئ ما هو وراء ونمتد الى ماهو قدام . وفى مجال علاقتنا بالله .. يجب ان ننمو فى محبته ونعطيه قلوبنا بكل ثقة ورجاء{ ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12) .نخصص الوقت المناسب للصلاة بل تكون حياتنا كلها عشرة محبة وصداقة فيها نسير مع الله ونصلى اليه بالروح والحق ، نصلى اليه ان يقوى ايماننا به ويذيد محبتنا ورجائنا فيه ونطيعه ونعمل على السير تبعاً لارشاده طالبين خلاص انفسنا واهلنا وكنيستنا وبلادنا نخصص وقتا للقراءة فى الإنجيل والكتب الروحية لننمو فى المعرفة والمحبة والعشرة بالله فالقراءة الجيدة ينبوع للصلاة النقية وتنقى الفكر وتبعد عنه العثرات .ونلتصق بالكنيسة ونشارك فى صلواتها واجتماعاتها وتكون امنا روحية لنا . ويكون لنا صداقة روحية بالملائكة والقديسين ورجال الله الاتقياء واصدقاء روحيين ننموا نحن واهل بيتنا فى روح التلمذة للكتاب المقدس والله والكنيسة . علاقتنا بالاخرين.. كلما كنا ناجحين فى علاقتنا بالله طائعين لوصاياه فان ذلك يدفعنا الى محبته وخدمة الناس على كل المستويات . فان الوصية تعلمنا ان المحبة لا تتجزء بل تتكامل ومحبة الله تكتمل بمحبة القريب { يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 36:22-40. علينا ان ننمى علاقتنا ونبادر الى صنع الخير مع اهل بيتنا ومن حولنا فى العمل والسكن وحتى نصل بمحبتنا للاعداء والبعيدين فلعاز البلايا يحتاج منا الى البسمة والكلمة الطيبة ومد يد العون فى مجتمع يعج بالفقراء والمحزونين والمساكين والضالين والمحرومين وهذا هو مقياس الدخول للسماء { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني. عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40ان مقياس كمال المحبة هو محبة الاعداء كما قال لنا السيد المسيح { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48. أما صفات هذه المحبة كثمرة رئيسية فى حياة المؤمنين فقد ذكرها لنا القديس بولس الرسول قائلاً { المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق . وتحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و رجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا } 1كو 4:13-8. بسبب كثرة الاثم فى المجتمع من حولنا نجد الكراهية ونتائجها المرة تنتشر كما قال لنا المخلص الصالح { ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12). فدعونا نعمل بقلوب صادقة فى العام القادم ان نطفأ الكراهية بالمحبة والصلاة وصنع الخير ، وبدلا من ان نلعن الظلام فاننا نضئ شموع المحبة الصادقة والتعاون المثمر مع الكل ونقدم المحبة للجميع لاسيما للذين أظلمت حياتهم واختفت منها المحبة { ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه }(1يو 4 : 16).ان الحصاد كثير والفعلة قليلون وكل واحد منا مدعو للعمل الروحى كسفير للسماء ونورا فى العالم وملحاُ يعطى مذاقة روحية فى مجتمعه . فهل نلب النداء الالهى ونثمر ونقوم برسالتنا وتكون هذه السنة سنة عطاء ونجاح فحياتنا ستنتهى ولكن ليتها تنتهى من أجل عمل صالح وللخير والصالح ولحياة ابدية . دعوة لضبط وقوة النفس... ان الكتاب يوصينا ان نحب قريبنا كنفوسنا . فاعلى مقياس لمحبة للقريب هى ان تحبه كنفسك ولكن يجب ان نحب ذواتنا محبة روحية تخلصها وتنميها وتربطها بفاديها . نهتم باجسادنا كوزنة من الله فلا نهمله او ندمره فى عيش مسرف فما أقسى اضرار التدخين والشهوات ، التى يأذى بها الكثيرين انفسهم . الانسان القوى هو الذى ينتصر على عاداته الخاطئة ويقوى ارادته وعزيمته بلا تردد او خنوع أو خضوع للضعف او الخوف لنعمل على ضبط فكرنا والسنتنا ووزن كل كلمة قبل ان تخرج من السنتنا . ونغذى فكرنا بما هو مفيد وقلبنا بمحبة الله محبة والغيرننمى ارواحنا ونقويها بوسائط الخلاص ونطلب من روح الله ان يقودنا ويهدينا وعندما نعمل على ان نأتى بثمر فان الله ينقينا لنأتى بثمر أكثر { كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر }(يو 15 : 2) نصلى ونعمل ليدوم ثمرنا ويبارك الله حياتنا واهلنا وبيوتنا وكنيستنا وشعبها وبلادنا ومن فيها ، أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
30 ديسمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس رفقة

رفقة «وكان أسحق ابن أربعين سنة لما أتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي أخت لابان الآرامي من فدان آرام». مقدمة أيهما يا ترى أهم في قصة الحياة الزوجية الصورة الأولى التي يتصورها الناس ليوم الزواج، أم صورة الأيام الأخيرة في الحياة الزوجية إن أمكن أن تصور.. إن الناس في العادة تهتم بأن يحضر المصور حفل الزواج، ليصور العروس في ثوب زفافها التقليدي الأبيض الجميل الأنيق، والعريس في بدلته المجهزة لهذا اليوم، لكننا لا نعرف إنسانًا فكر أن يستعدي المصور ليأخذ صورة لليوم الأخير عندما يربض الموت أو يأتي ليفرق بين اثنين عاشا سنوات طويلة في حياة زوجية قد تصل إلى خمسين سنة أو أكثر.. وبين هاتين الصورتين كم من الصور يأخذها الزوجان على مر الأعوام والسنين في الشباب أو الكهولة أو الشيخوخة أو مع الأولاد والأحفاد، فيما بين الجمال الرائق الفائق الحي جمال الشباب، وتجاعيد الشيخوخة القاسية ورسومها المطبوعة على جبين الاثنين في آخر المراحل في هذه الحياة، ولا أقصد من هذه الصور جميعًا مجرد الظاهر من الشكل، أو الخارج من الصور، بل أقصد شيئًا أعمق وأجل... فمن لي بمن يرسم تيار الحياة الزوجية عندما يكون الزوج حلماً رائقًا جميلاً نديًا كيوم الزفاف، يوم يتعانق فيه الزوجان نفسًا وروحًا وجسدًا وعندما تكون العاطفة قوية ورائقة ومشبوبة وملتهبة، وفي تلك الأيام البعيدة المتأنية عندما لا يعود الزوجان يبحث أحدهما في شيء عن شكل الآخر الجسماني، بل عندما تلعب السنون في ظروفهما المتعددة وتتغير الأوضاع، وتتلون حياتهما بمختلف ألوان الأحداث والمحن والآلام والمتاعب، وتهدأ العاطفة أو بالحري تتعمق لا ليكون تيار الزوجية ذلك الزبد الهائج فوق سطح البحار والمحيطات بل التيار العميق الداخلي الذي يسير الحياة الزوجية على نحو لا يعلمه سوى الله وحده!! ولعله من الغريب أن نلاحظ أننا لا نعرف بالضبط الصورة الأولى لزواج إبراهيم بسارة عندما تزوج هناك فيما وراء النهرين، لكننا نعرف بكل يقين الصورة الأخيرة عندما نراه وقد أضجع زوجته العظيمة جثمانا مسجي أمام بني حث، وهو يشتري القبر المشهور في مغارة المكفيلة، وعلى العكس من ذلك تمامًا، نحن نعرف جيدًا الصورة الأولى لزواج اسحق برفقة، في تلك القصة الطويلة الرائعة عندما ذهب اليعازر الدمشقي ليخطبها لسيده من فدان آرام، وكانت باهرة الجمال قوية الشخصية ممتلئة الأنوثة، لكني أخشي أن أقول إن هذه الصورة وحدها هي الغالبة في فهم هذه الشخصية، أو التي تطغي على أية صورة أخرى، ولذا فنحن أحوج ما نكون إلى الصور الأخرى الآتية المتلاحقة، وأخشى أن نصدم في بعض نواحيها، أذ سنرى صورا تختلف إلى حد كبير عن الصورة الأولى.. فمثلا ما أبعد الفرق بين أول مرة ترى فيها رفقة زوجها اسحق، فتغطي وجهها وهي تقترب منه عندما تراه مقبلاً إليها في الحقل القديم، والصورة الأخرى التي تتفق فيها مع ابنها يعقوب على استغلال عدم رؤياه لصالح الابن الأصغر، كل هذه الصورة تعطينا أن ننتبه بل وننبه ونحذر الأزواج والأسر والجماعات إلى ما قد يفعل الزمن والأيام في كل زواج، وأفضل الأزواج وأسعدهم هم الذين يستطيعون أن يختموا الحياة الزوجية على صورة أروع وأحلى وأعظم وأمجد من اليوم الأول العاطفي الملتهب في قصة الزواج،.. وبهذا المعنى سنواجه رفقة في أكثر من صورة. رفقة وخطبتها:- كانت خطبة رفقة إلى أسحق أول قصة كتابية رائعة تذكر على هذا النحو المطول الذي جاء في الأصحاح الرابع والعشرين في سفر التكوين، وقد درج الوعاظ على العودة إلى هذه القصة الكتابية القديمة ليتناولوها من هذا الجانب أو ذاك، لكني أخشى أن أقول إن دراسة هذه الجوانب كثيرًا ما لا تأخذ حظها الكافي في الموضوع، ولعلنا لو أحسنا التأمل لرأينا القصة تبدأ أولا باستعمال العقل، والعقل هو أول خطوة في أي زواج موفق سعيد، وقد استعمل إبراهيم عقله فأغلق كل باب فيما يتصل بالزواج من بنات الجيرة المحيطة به من الكنعانيين، ذلك لأن إبراهيم كان يعلم تمام العلم ما للأسر المتصاهرة من سلطان وتأثير في حياة الزوجين، وان ابنه سيقاد حتمًا وبدون أدنى شك بتأثير هذه الزوجة إلى ما هو أسوأ وأرادأ أو أشر، الأمر الذي لم ينتبه له عيسو، أو استخف به، فقلب حياته وتاريخه بجملته، الأمر الذي وعاه بلعام بن بعور فجعله الشرك القاتل لشعب الله، عندما نصح بالاق ملك موآب بأن يهزم الشعب بالموآبيات الراقصات والواقفات في طريق العابرين!! الأمر الذي استهان به شمشمون استنادًا إلى قوته الجبارة الخارقة، فقلعت عيناه ودار كما يدور الحيوان في الطاحونة، وذهبت حياته على نحو محزن بسبب حجر دليلة الخاطئة، الأمر الذي غفل عنه سليمان رغم حكمته الفائقة فأمالت النساء الكثيرات قلبه بعيداً عن الله، ولهذا كان إبراهيم حازمًا وحاسمًا في أن يستعمل عقله ويبعد ابنه تمامًا عن تأثيرات البيئة المجاورة التي لا تتفق وأحلامه وميوله ورسالته ورؤياه البعيدة والعظيمة معًا، والتي لابد أن تكون... واستعمال العقل بهذا المعنى يرقى إلى مستوى البديهيات الألهية في الحياة، فلا حاجة إلى أخذ رأى الرب للزواج بمن يختلف وايانا في العقيدة والإيمان والحياة والأسلوب والرؤى، كمثل الملحدين ومن هم أشبه ممن لا تستطيع أن تجتمع معهم حول فكر أو معتقد أو رأى، لأن هذا يرقى إلى مستوى البديهيات التي لا حاجة إلى التساؤل عندها!! واذا فقد الإنسان عقله بهذا المعنى، فلا يلومن إلا نفسه على ما لابد أن ينال من أوخم النتائج أو أرهب الآثار أو أقسى الشرور، على أنه إلى جانب العقل، أو امتداداً له، عندما تتوقف خطاه، هناك الإيمان، والقصة ترينا كيف لعب الإيمان دوره العظيم في هذا الأمر، وكان الذين ربتوا لهذا الزواج ثلاثة... قلت ثلاثة!.... أخشى أني أخطأت.. فهم في الواقع أكثر من ثلاثة آذ هم في الحقيقة أربعة... كان هناك إبراهيم الذي رأى في الموضوع أخطر مواضيع الحياة وأهمها عنده، ولأجيال ممتدة أخرى بعيده آتية، ومن ثم استحلف كبير عبيده المؤتمن والموثوق به تمامًا!!.. ومع هذا فمن الغريب أن إبراهيم لم يتحرك في الأمر ولم يذهب مع عبده اذ أنه وإن كان قد أودع الأمر لهذا العبد الا أنه أودعه أكثر إلى السيد، وأدخل إبراهيم عنصر الإيمان فيه، وكان الثاني الذي لا يقل اهتمامنا بالأمر هو اسحق ونحن نعلم أن اسحق من ذلك النوع من الناس الذي يحسن التأمل، ولكنه لا يكثر الكلام، وكان اسحق ولا شك يدرك أن هذا الموضوع يعد بالنسبة له أخطر مواضيع الحياة جميعًا... وكان من الممكن أن يطلب الذهاب ليرى ويفحص ويدقق، ويشترط كما يفعل الكثيرون في أمر يعتقدون أنه من أعظم الأمور في قصة الحياة وعلى مفترق الطرق، ولكن اسحق آثر أن يخضع العقل لسلطان الإيمان! وكان الثالث اليعازر الدمشقي الرسول المكلف بتنفيذ هذه المهمة العظيمة والدقيقة والشاقة معًا، وكان اليعازر واحدا من أعظم الناس الذين يعرفون المسئوليات ويرتفعون بها أمام الله والناس إلى مرتبة التقديس، وقد كلفه سيده بمسئوليات متعددة، لكنه يعلم أنه لم يكلف قط بمسئولية أرهب أو أضخم من هذه المسئولية التي هو ذاهب إليها، ومع تقديره الضخم لهذه المسئولية، أؤ بالحري لتقديره الضخم لها، أوقف عقله وأدخل في الأمر... الإيمان!... أما الرابع أو بالحري الأول والأخير، فقد كان الله ذاته،... واذا كان الموضوع عند الثلاثة ذا أثر بعيد عميق ممتد، فهو عند الله أعمق وأجل وأكثر امتداداً، والله هو المحيط بما لا يستطيع الثلاثة أن يصلوا أو يسبروا غوره أو يدخلوا إلى أعماقه، وأكثر من ذلك فان المرأة الذاهبة إلى هناك تحمل رسالة من أهم وأخطر الرسالات التي وضعت على عانق المرأة في كل التاريخ...وإذا كانت حاجة الإنسان الدائمة إلى أن يدخل الله معه في كل صغيرة وكبيرة، فأنه أحوج إليه عندما يقف على مرحلة حاسمة من مراحل الحياة، المرحلة التي لن تؤثر فيه هو فحسب بل ربما تطبع بآثارها أعدادًا من الناس هيهات أن تتصورهم أو تتخيلهم مهما أوتينا من بعد الخيال أو قوة التصور. وإلى جانب العقل والإيمان فهناك الصلاة أيضًا وقد صلى عبد إبراهيم ليكتشف الزوجة التي عينها الرب لابن سيده، ولم تكن الصلاة في الواقع عنده وحده فمما لا شك فيه أن إبراهيم كان يصلي طوال الرحلة من أجل هذا الأمر، وكان اسحق يفعل ذلك أيضًا بدون أدنى ريب، وصلاة العبد لم تكن صلاة مطولة مكررة بقدر ما هي مختصرة وحارة ومركزة ولعلها واحدة من أعظم الصلوات الحاسمة التي يستنجد بها الإنسان في اللحظات الدقيقة الحاسمة أمام الله، ومن العجيب أن كثيرًا من هذه الصلوات المصيرية قد تكون بالغة القصر، لكنها في ارتفاعها وطولها لها مثل طول السموات والأرض،.. ألم يصل نحميا أمام الملك مثل هذه الصلاة وهو يقول: فصليت إلى إله السماء،.. ألم يصل العشار المسكين بجملة واحدة صارخة، اللهم ارحمني أنا الخاطيء!!.. ألم يصل اللص التائب: أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك!!... إن الصلاة الناجحة القوية هي التي يقول عنها الرسول: أصلى بالذهن وأصلي بالروح أيضًا، وقد تكون بعيدة عن الفلسفة والفن والجمال اللفظي والعبارة المنمقة، واللهجة الخطابية أو اللحن الموسيقي، ولكنها الصلاة الملتهبة القوية المؤثرة، وقد كانت صلاة اليعازر العبد الدمشقي القديم، على هذا النمط، وهكذا ينبغي أن تكون صلوات الباحثين عن الزواج صلوات صادقة محددة صارخة صادرة من نبع قلب، أدخل الله في الأمر، وهو يرجو أن يدله الله كأب عطوف محب محسن على من يصلح، وفي أي وقت يصلح، وعلى أي أسلوب يمكن أن تكون هذه الصلاحيات المنتظرة، وهل يمكن لهذه الصلوات أن تضيع أو يغفل فيها الله عن الجواب الصحيح والحاسم العظيم.ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل وبعد أن اكتشفت الإرادة الألهية، جاء التسليم، وقد ظهر هذا التسليم من الجانب الآخر، بتوئيل أبيها ولابان أخيها اللذين لا يستطيعان التدخل بالخير أو الشر مادام الأمر قد تناولته يد أعلى وأقوى وأقدر، لكنهما مع ذلك يعطيان درسًآ رائعًا في المعنى الديموقراطي العظيم، بسؤال الفتاة عن مكنون رأيها، وعمق رغبتها، ويتركان لها حرية التصرف في الرفض أو القبول، واذ تقبل يباركان رأيها، ويطلبان لها ولمن يأتي منها كل رغد وسلام ونصر، ومن الغريب أن يأتي هذا الرأي منذ أربعة آلاف عام، بينما يصر كثيرون من الآباء والأمهات والأخوة في القرن العشرين، على أن الفتاة لا رأى لها، أو لا ينبغي أن يؤخذ لها رأى في مثل هذا الأمر المصيري بالنسبة لها ولأولادها فيما بعد!! أن بتوئيل يذكرنا أو ينبغي أن يذكرنا بأن رأى الله هو الرأى الأول، ورأى الفتاة صاحبة الشأن هو الرأى الثاني، أما رأيه ورأى أخيها أو آلهًا أو الأصدقاء، فلاشك يقع بعد هذين الرأيين، ولا يجوز أن يتجاهلهما أو يتجاوزهما على وجه الأطلاق.وثمة أمر أخير قبل أن تترك موضوع الخطبة، وهو الهدايا التي قدمت، وهي تقدم أولا وقبل كل شيء للخطيبة نفسها، أما ما قد يقدم لأبيها أو أخيها أو أهلها فيأتي تاليًآ وثانوياً بالنسبة لما يعطي لها، ولعله من المناسب أن نلاحظ أن الهدايا التي أعطيت لرفقة وبيتها، كانت وسطا بين الشح والتبذير، فقد أعطيت توازنًا صحيحًا مع الثروة الكبيرة الطائلة التي لإبراهيم واسحق، والتي أعلنها العبد للأسرة حتى تعرف ما هي ذاهبة إليه أو مقبلة عليه، ولعله من أهم الأمور في الحياة، أن تقع المادة هذا الموقع بعينه ابتداء واستمرارا في قصة الحياة الزوجية فلا هي بالتقتير تعطي بخلا وشحا، ولا بالتبذير تعطي رميًا وسفها لمن لا يملك إلا القليل، ولكنه قد يقسو على نفسه أو يستدين ليظهر بهذا المظهر أو ذاك، مما يغرقه في النهاية بالدين أو العطب أو الهلاك!!... وما أكثر ما قادت المادة لمثل هذه الأمور في أكثر من خطبة وأكثر من زواج.... رفقة وشخصيتها:- أما وقد عرفنا، كيف خطبت رفقة إلى اسحق، آن لنا أن نقف بعض الوقت في شخصيتها كما تظهر في كلمة الله، ولعل أول ما نواجه به هو جمالها الفائق الذي كاد يتعرض لمثل ما تعرضت له سارة، من تجارب الجمال وأخطاره، وأنا لا أعلم هل كان اسحق بطبيعته يحب الجمال، ومع أنه لم يذهب مع عبده ليختار امرأة جميلة، فان سيده الأعلى لا يمكن أن يخلق فيه حبًا للجمال أو تذوقًا له دون أن يشبعه منه أو يمتعه به على نحو فائق وعظيم، وأغلب الظن أن اسحق كان من هذا النوع المتأمل الذي يهوى الجمال، في الزنبقة النابتة في البرية وفي الطير الصداح الذي يفرد جناحيه ويرتفع مغردًا هنا وهناك في سماء الله، ولأجل ذلك أشبعه السيد وعزاه عن جمال أمه، بجمال امرأة تكاد تكون ندا ونظيرًا لأمه الحبيبة الجميلة،... يتصور البعض عندما يطلب إليهم أن يتعلموا التسليم لله في اختيار الزوجة، أن الله يفعل على عكس ما يرغبون أو ينتظرون، فيعطيهم الزوجة التي لا تتفق وميولهم، كأنما يعاند الله هذه الرغبات ولا يشبعها، في حين أنهم لو عقلوا، لأدركوا أن الله لا يخلق إنسانًا على شيء ثم يجرده في الوقت نفسه من متطلبات هذا الشيء أو حاجته، وأن الله لا يمكن أن يحرم إنسانًا من حب الجمال إلا إذا أدرك أن هذا الجمال سيكون وبالا على هذا الإنسان وخطراً على حياته الروحية والأبدية.وكانت رفقة إلى جانب جمالها العظيم من النوع الحالم الطموح البعيد الرؤى والأحلام والآمال كانت ولا شك قد سمعت عن رحلة إبراهيم وسارة ولوط، يبحثون عن عالم آخر أسمى وأعظم وأجمل وأجل من العالم الذي تعيش فيه مع بقية الأهل والعشيرة والوطن، وكانت تسرح بخيالها ولا شك إلى ذلك العالم، وعندما رأت شعاعات منه في القافلة من العشرة الجمال وجميع الخيرات التي تحملها القافلة، وأليعازر القائد لها، وعندما سمعت كيف بارك الله إبراهيم ومنحه وأعطاه الغنم والبقر والفضة والذهب والعبيد والإماء والجمال والحمير، لم تعد ترغب في عالمها أو تقبل البقاء فيه، وعند أول نداء للدعوة للعالم الجديد، قالت مدفوعة برؤى الشباب وأحلام اليقظة: أنا أذهب!.. على أنها أكثر من النساء الذي لا يكاد يرغب في الجلوس أو يطيقه أو يقبل عليه، يسألها أليعازر الدمشقي جرعة من ماء فاذا بها كما يصفها الكتاب، تسرع وتنزل جرتها على يدها وتسقيه، وبعد أن تفرغ من سقيه، تطلب إليه أن تسقي جماله أيضًا، وتسرع تفرغ الجرة في المسقاة، وتركض إلى البئر أيضًا لتملأ المسقاة حتى تستقي لكل جماله!!. ولعل حركتها هذه تشير أيضًا إلى مدى ما لها من جراة وشجاعة وجسارة، فهي تذهب مع غريب بعد ليلة يبيتها في بيتها في رحلة منطلقة قد تأخذ شهرًا من الزمان دون تردد أو خوف، أو نوع من الهيبة التي تسيطر ولاشك على الإنسان المهاجر الذي ينطلق ربما إلى غير عودة إلى وطنه مرة أخرى في الحياة!!... كما أنها كانت ولاشك بالغة الجرأة وهي تشجع ابنها المتردد على أخذ البركة من أبيه، بذلك الخداع الذي دفعته إليه!! على أن هذا لا ينبغي أن ينسينا بأنها غطت وجهها في الواداعة والتواضع، على أي حال كانت رفقة واحدة من النساء اللواتي لا يمكن أن يذهبن أو يجئن إلى مكان ما دون أن يطبعنه بطابع محفور قوي عميق!... رفقة وضعفها:- إن المتتبع لحياة رفقة يجد أن هذه الصورة من شخصيتها قد اهتزت كثيرًا في بعض النواحي وربما أصيبت في حياتها بمرض الملل، فانطفأت إلى حد كبير جذوة الحماس التي جاءت بها أول الأمر إلى أرض كنعان، لقد استمرت عشرين عاماً دون أن تنجب فتلتفت حولها فرأت المكان على ما كان فيه من ثروة أو غنى أو مجد، الا أنه صحراء، يختلف إلى حد كبير عن أور الكلدانيين، وكان زوجها اسحق، رجلا هادئًا ساكنًا قابعًا في خيمته!! وعندما جاء الولدان، كانت المسافة بينها وبين زوجها من ناحية العمر، قد وصلت إلى الحد الذي أصبح فيه يأخذ طريقه إلى الشيخوخة وهي إلى متوسط عمرها، على أي حال أنها أصيبت بما قد تصاب به أي فتاة في مطلع صباها، عندما تتخيل الزواج أحلامًا ذهبية، ورؤى لامعة، وهي تحلق بأجنحة عالية في سماء الخيال، ثم لا تلبث أن يردها الواقع إلى عالم المفشلات والآلام والضيق والمعاناة، فتنتهي إلى نوع من الملل لم تكن تحلم به أو تتصوره على وجه الاطلاق، كما أن مأساة هذه المرأة أن احترامها لزوجها لم يعد يأخذ نفس الصورة الأولى والطابع القديم، ورغم علمها بأن هذا الزوج هو رأس الأسرة، وفي يده البركة يستطيع أن يعطيها لمن يشاء، ويحرم من يشاء الا أن الرجل الطيب وقد أحاطت به الشيخوخة وجلس هادئًا في مكانه لا يتحرك، وقد فقد بصره تماماً، لم يعد ينال نفس الصورة القديمة من المهابة والاحترام، فهي تشجع ابنها المتردد على أن يخدعه، ومع أنها ربما اعتذرت لنفسها، أنها تتم إرادة الله التي وعدت من البدء يعقوب بالبركة، إلا أنها على أي حال فيما قلت، لا تعطينا إلا صورة المرأة التي استهانت بشيخوخة زوجها وضعفه وقلة حركته، ولا أعلم هل تعلمت هذا في بيتها الأول، إذ يبدو أن أباها بتوئيل لم يكن ينال الاحترام الكافي في بيته، وأن ما طبعت عليه الفتاة في بيتها القديم، عادت إلى تكراره في بيتها الثاني، لست أدري؟ وإن كنت أعلم أن كثيرًا من صور الحياة يمكن أن تنقلها الفتاة من بيتها القديم إلى البيت الآخر الجديد الذي تذهب إليه، وأن معاملة أمها لأبيها يمكن أن تتكرر في معاملتها لزوجها، وأن العديد من المتاعب والمآسي والآلام تحدث عندما تفاجأ الزوجة بزوج لا يمكن أن يقبل مثل هذا الأسلوب المعكوس، ويجتهد في أن يقلب الأمور رأساً على عقب، أو بتعبير أصح يصحح الوضع الخاطيء الذي –لكثرة ما يألفه الإنسان- يتصوره صحيحاً سليمًا لا يقبل أدنى تغيير أو تحويل، على أن هناك صورة أخرى من الضعف وقعت فيه، ولعلها جرت البيت بأكمله إليه، ونعني بها تحيزها إلى يعقوب ابنها الصغير، في الوقت الذي أحب فيه اسحق ابنه عيسو وقد يسأل البعض ولكن لماذا يمكن أن يحدث هذا التحيز الذي أوجد ولاشك شرخًا وتصدعًا وانقسامًا في الأسرة كلها..!! في الواقع أن كلا من الأبوين انجذب بطبعه إلى الابن الذي يكمله، فرفقة المتحركة لا يمكن أن تقبل إلا ابنها الهادي يعقوب، فهما قطبان فيهما السالب والموجب ولأجل هذا يأتلفان ويتقابلان، لكنها تبقى مع عيسو، أشبه بالسالب يواجه سالباً آخر ولابد يتنافران، أما عيسو المتحرك الشجاع الجريء فهو حظوة أبيه، وهو يكمل الأب الساكن الوادع في مواجهة المحيطين به من جماعات وقبائل متربصة معادية!... على أنه مهما يختلف الأولاد في الطباع أو الحياة أو الأسلوب فان من أكبر الأخطاء أن يلاحظوا ظاهرة التحيز في المعاملة عند الأبوين، وأن هذا الأمر قد يكون بمثابة الدمار للأسرة كلها، ولهذا فان من أهم الأمور في أية أسرة حرص الأبوين على تربية الأولاد بدون أدنى تمييز أو تحيز أو فرقة أو انقسام، بل لعله من أهم الأمور أيضًا ألا يظهر الأبوان مهما اختلفا في وجهات النظر أي نوع من مثل هذا الاختلاف أو أسبابه مهما كانت الظروف. فلا يجري ما جرى عندما وقفت رفقة عند باب الخيمة تسمع عن تأهب اسحق لمباركة ابنها عيسو، فترتب الحركة المضادة، لينال يعقوب لا عيسو هذه البركة. لقد كان اسحق مخطئًا ولاشك لأنه وهو يعلم أن البركة المودعة من الله في الأصل ليعقوب، لكنه نسى هذا أو تجاهله بدافع محبته المتحيزة لابنه الأكبر، أما رفقة التي تفضل الأصغر، فقد رأت العكس وأصرت على أن ينال هذا ما يلزم أن يكون حقه بالموعد الإلهي لا لمجرد اتمام الرغبة الإلهية بل لأنها تحب يعقوب وتميزه وتؤثره وتسعى على أن يبقى دائمًا الأفضل والأعظم. رفقة وحصادها:- كان لرفقة من كل هذا حصاد مرير مفزع هائل، اذ فاضت كأسها مع الأيام بالمرارة والعلقم، ولعل أول هذا الحصاد كانت تلك المرارة التي جاءت عن زوجتي عيسو يهوديت ابنه بيري الحثي وبسمة ابنه ايلون الحثي اللتين كانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة، ومن العجيب أن البعض يقول إن الفتاتين على ما جبلتا عليه من طباع وثنية شريرة كافية لأن تجعل الأسرة تغرق في العلقم والافسنتين، لكن رفقة بمعاملتها لابنها دفعته وهي لا تدري إلى هذا السبيل، ولو أنها قربته إلى قلبها وأعطته الحب والحنان، ولم تفرق بينه وبين أخيه، لما حدث كل هذا الذي حدث،... ولما تحول البيت إلى نوع من الجحيم بعد أن حصل يعقوب على البركة والبكورية معاً، ولما وضع عيسو في قلبه أن يقتل أخاه، ولما وصل الألم إلى قلب المرأة إلى الحد الذي فيه تدفع ابنها الاصغر إلى الهرب وتذهب إلى زوجها قائلة: «مللت حياتي من أجل بنات حث أن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة»... وهكذا عاشت المرأة المتآمرة لتفقد في يوم ما طعم الحياة مع كل ما لديها من أسباب المادة المتوفرة التي تكفل الحياة السعيدة لمن يظنون ان المادة تفعل مثل هذا في حياة الناس على الأرض، على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أنها وهي تدفع ابنها الأصغر الحبيب إلى الهرب، كانت تقدر أن الأمر لن يطول بل هي بضعه أيام أو شهور يهدأ بعدها الأكبر، وتسكن ثورته وغضبه، ويعود الصغير مع زوجته وما قد يأتيه من أولاد تفرح بهم وتهتم بتربيتهم، فيتصالح الأخوان، ويلم الشمل، ولم تكن تتصور على الأطلاق أن الأمر سيطول حتى يبلغ عشرين عامًآ، وأنها لن ترى هذا الابن مرة أخرى إذ ستموت قبل أن يجيء!! ولعلها كانت تمد البصر في أيامها الأخيرة صوب البلاد البعيدة حيث هناك ابنها الطريد، ويعتصرها الألم لتتعلم، وبالحري لتدرك الحكمة التي جاءت معها أول الأمر، عندما غطت وجهها، وهي تحترم زوجها عند أول لقاء... وأنه أولى بالاحترام والهيبة عندما كف عن البصر، وقعد عن الحركة، وأنه مهما كان الفارق بين ولديها، فان رسالتها الدائمة في الحياة، أن تعاملهما معاملة واحدة، في جهادها مع الله والناس على حد سواء، تاركة الله في قصده الأزلي أن يقول: «لأنهما وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيرًا أو شرًا لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو».
المزيد
29 ديسمبر 2021

الجدية والتدقيق

الجدية هي الميزة الأولى التي تميز الناجحين والمتفوقين عن غيرهم فعظماء الرجال الذين سجل التاريخ أسماءهم، هم أولئك الذين كان لهم خط واضح رسموه لحياتهم، وساروا فيه بقلب ثابت لا يتزعزع، ولم ينحرفوا عنه يمينًا ولا يسارًا، وكانت لهم مبادئ ثابتة لا يحيدون عنها. كما أنهم لم يسمحوا مطلقا لأية ظروف أن تعوقهم.وأيضًا طلاب العلم الذين نبغوا، وكانوا الأوائل بين زملائهم، هم الذين عكفوا على دراساتهم بكل جدية. وأيضًا العامل الناجح هو الذي يؤدى عمله بجدية. بل حتى اللاعب الناجح هو اللاعب الذي يكون جادًا في لعبه، لا يتهاون أو يتكاسل فيه والإنسان الجاد هو جاد في كل شيء هو جاد في وعوده، وفي مواعيده. لا يعد أحدا بوعد ويرجع فيه مهما كانت الأسباب. ولا يحدد لأحد ميعادا ويغيب أو يتأخر عنه ملتمسًا لنفسه الأعذار! والإنسان الجاد إذا نذر نذرًا، لا يعاود التفكير فيه أو المساومة ولا يؤجل الوفاء بنذره، ولا يحاول استبداله بغيره، ولا يماطل. إنما بكل سرعة، وبكل جدية، ينفذ نذره كما هو. واضعًا أمامه القاعدة الذهبية التي تقول "خير لك أن لا تنذر، من أن تنذر ولا تفي" لهذا فكل وعوده ونذوره، تكون موضع ثقة. والإنسان الجاد يهدف إلى الكمال. لذلك فهو ينمو باستمرارالجدية تمنحه حرارة روحية. والحرارة تدفعه كل حين إلى قدام وإذ يتمسك -في كل ما يعمل- بأعلى درجة يمكنه الوصول إليها، لهذا فإنه بكل مثابرة واجتهاد، يمنح مسئولياته كل قوته وكل إمكانياته، وكل إرادته وكل قلبه.. ويعمل بكل النعمة المعطاة له، ولا يقصر في شيء إنما يبذل كل طاقاته.. ولذلك فهو لا يحتاج كثيرا إلى من يدفعه في الطريق، فالدفع المستمر يأتيه من الداخل والإنسان الجاد لا يدلل نفسه ولا يحابيها. ولا يعذرها في أي تقصير وإن توانت نفسه يومًا، يغصبها على العمل وعلى التقدم، حتى تتعود ذلك وتؤديه في تلقائية والإنسان الجاد، إذا صادفته صعاب، ينتصر عليها، ولا يعتذر بها إنه لا يستسلم لعقبة، بل يكافح ساعيًا إلى المثاليات، مُصِرًا على النجاح في طريقه مهما كانت العقبات أمامه. وهو ينجح في كفاحه، طالما كان حارا في الروح، لا يفتر ولا يضعف ومادامت المثاليات أمامه، فإنه لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا باجتياز مرحلة في الطريق والاكتفاء بها! بل يسعى بكل نشاط، حتى يصل إلى الغاية والى النهاية. لذلك فهو في صعود مستمر نحو الهدف.وهذا الجاد الذي يتقدم باستمرار، لا يخشى عليه من النكسات أو من الرجوع إلى الوراء إن الجدية في الحياة، دليل على الرجولة وقوة الشخصية والإنسان الجاد في حياته، هو إنسان يحترم نفسه، ويحترم مبادئه، ويحترم الكلمة التي تخرج من فمه، ويحترم الطريق السليم الذي يسلكه. فهو -لهذا كله- يتميز بالثبات وعدم الزعزعة. انه كسفينة ضخمة تشق طريقها في بحر الحياة بقوة متجهة نحو غايتها وليست كقارب تعصف به الأمواج في أي اتجاه إن الإنسان غير الجاد، يتأرجح في حياته دائمًا بين الصعود والهبوط ومسيرته غير ثابتة، سواء في أمور عمله، أو في حياته الروحية فهو يسقط ويقوم، ويداوم القيام والسقوط ، في غير استقرار!! أحيانًا يكون حارًا، وأحيانًا يكون فاترًا،أو باردًا. في فترة يكون مهتمًا، وفي أخرى يقابل الأمور بلا مبالاة!! الإنسان الجاد، تظهر جديته في سلوكه الروحي وعلاقته مع الله فالجدية في السلوك الروحي، لا تقبل الإهمال والتراخي ولا التردد، ولا الرجوع أحيانًا إلى الوراء. ولا تقبل التأرجح بين طريقين: حياة الفضيلة وشهوة الخطية! أو ساعة للقلب، وساعة للرب!! كما لو كان القلب والرب في طريقين متناقضين!! الإنسان الجاد لا يتساهل في حقوق الله مطلقا. انه يأخذ حق الله من نفسه هو أولا، قبل أن يسعى لأخذ حق الله من الآخرين وهو يسلك في وصية الله بكل حزم وبكل دقة وبكل عمق.. وطاعته لله -تبارك اسمه- تكون بغير مناقشة وبغير مساومة والجدية في الحياة الروحية لا تعنى التزمت إطلاقًا! فمن الممكن أن يسلك الإنسان بطريقة روحية في حياة الفضيلة، وفي نفس الوقت يكون بشوشًا، ومرحًا في وقارأما التزمت فهو لون من التطرف. والتطرف ضد الروحانية والجدية والإنسان الجاد الروحي، لا يقدم تبريرات للسقوط في الخطية!! فالفضيلة واجبة، مهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة.. ومثال ذلك يوسف الصديق العفيف: كانت الظروف من الخارج تضغط عليه، ولكنه لم يخضع لها، ولم يتساهل مع الخطيئة، بحجة أنه وقتذاك كان عبدا، وتحت سلطان غيره، وبإمكان سيدته أن تؤذيه ولكن الخير الذي كان في قلبه، كان أقوى من الخطيئة التي تغريه، وكان أقوى من الضغوط الخارجية. وكان يوسف جادا في حفظ نفسه طاهرًا إذن يجب أن يكون الإنسان جادا في حياة التوبة فيقاوم الخطيئة بكل جدية، إذا ما حورب بها وان سقط ، يكون جادًا في توبته ولا يؤجلها. وان تاب وترك الخطيئة، يتركها بجدية، ولا يعود إليها مرة أخرى. وليضع أمامه قول ذلك الأب الروحي: "لا أتذكر أن الشياطين قد أطغوني مرتين في خطية واحدة" فقد يكون السقوط عن جهل أو ضعف. ولكن متى أدرك التائب الجاد ذلك، يحرص إلا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى. بل تكون التوبة نقطة تحول كامل في سلوكه بغير عودة فهو يغلق أبواب فكره وقلبه أمام الخطية غلقًا تامًا، بعزيمة قوية وإصرار شديد على حياة البر، ويكون جادا في تداريبه الروحية لا يكسرها مهما كانت الأسباب، ويحفظ تعهداته أمام الله في جدية على أن الشيطان أو أعوانه، الذين يحاربون الإنسان في جدية الحياة الروحية، قد يغرونه بما يسمونه المرونة في سلوكه!! لكن المرونة لا تكون أبدًا بالخروج عن القيم الروحية. إنما المرونة بمعناها الحقيقي تكون في داخل القيم وليس خارجها وليست المرونة مطلقا في عدم الالتزام، بل يكون الإنسان مرنا مع الالتزام بحياة الفضيلة والبروالجدية تلزم الإنسان أيضًا على حياة التدقيق من مظاهر الجدية, التدقيق في كل شيء.والإنسان الجاد في حياته، يحرص أن يكون مدققا في كل تصرفاته، وفي كل كلمة يقولها، وكل فكر. ويكون مدققا من جهة حواسه ومشاعره، ومن جهة مواعيده ووقته. وبالاختصار في كل علاقاته مع الله والناس، ومع نفسه. ويتدرب على ذلك، حتى يصبح التدقيق جزءًا من طبعه.. وبعد يا قارئي العزيز، ألست ترى أن موضوع التدقيق يلزم له مقال خاص؟ إني أرى ذلك أيضًا. فإلى اللقاء. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
28 ديسمبر 2021

نهايه سنة و بداية سنة جديدة

كل سنه وحضراتكم طيبين، سننهي سنه ونبدأ سنه جديده، وفي نهايه السنه بنتذكر أن العمر كله بينتهي، وأن الحياه كلها ماهي إلا أيام ،ولها صوره محدده، لم نحيا هنا علي الارض، ونحن ندرك أن الحياه علي الارض حياه بلا نهايه، نعلم كلنا أنها مرحله، مثل القطار سيأتي زمن كل منا له وقت يرحل من الارض ثم يرحل الذي يليه، ثم ينتهي كل الرحيل وتبدأ الحياه مره أخري بصوره جديده في السماء، تلك الحقيقه التي أحياناً نحاول أن نهرب منها بأن نبني لنا بيوتا ونجمل قصوراً ونكنز أموالاً، ونحاول أن نجعل في قناعتنا الشخصيه اننا سنعيش حتماً أياماً كثيره، ثم تأتي الحقيقه حينما نري أحبائنا يرحلون، وندرك أن ما نفعله يجب أن يكون في إطار ما نحياه علي الارض في إطار أنها حياه مؤقته، فيجب ان تكون الاموال ليست لآجل أن نكنز، ولا أن نجعلها هدف للحياه، ولكنها مجرد وسائل للحياه، كل ما نحياه يجب أن يوضع في مكانه الحقيقي أننا نحيا فتره مؤقته، سيأتي الزمن الذي نعبر فيه من هنا، ونقف أمام الله ويتوقف وجودنا الفعلي، لن يكون هناك فعل أو حدث، ما صنعت تحاسب وما عشته يأخذ مكانه وجودك الدائم . وفي الايام تمر بنا صعوبات وتجارب نصرخ ونتألم نجرح نسقط، وأحياناً نرفع عيوننا إلي السماء ونقول له يارب لماذا، وأحياناً تفقد الرجاء وأحياناً نشعر أنه تركنا لمخالب الشرير أن يعبث بنا، وأننا صرنا بلا حمايه منه ولا ندرك أن لكل شئ تدبير حتي الألم له تدبير، حتي التجارب لها تدبير، إن كنا نؤمن أنه ضابط الكل ، يجب أن نؤمن أنه لا يوجد شئ خارج سلطانه حتي تحركات الاشرار لا يمكن أبداً أن تكون خارج سلطانه. نحن نقيس عمل ربنا بمقاييس بشريه، نري فقط اليوم ولا نري الغد، ولكن الله يري الغد، ونقيسها بمقاييس ذاتيه لا نري سوي مصالحنا الشخصيه، لكن هو يري تدبير كل الصوره لاجل الخير الدائم بل قد يكون لآجل خلاص نفوسنا الابدي، وقد يكون أيضاً تدبير مجد في السماء حينما يسمح بمرض او ألم او ضيق يجب أن ندرك أن كل ما يفعله من أجلنا هو خير، أحيانا نقيسها بعقلنا المحدود جداً، من كان يظن أن الشعب بعد العمل العظيم جداً بعبور البحر الاحمر أنه يشق طريق أمامهم في البحرويعبروا، إذاً يجب أن نثق أن يديه معهم، برؤيتنا البشريه القاصره نظن أنهم لن يجوعوا أو يعطشوا ولا يواجهوا آي مشكله، ثم نجد أن الشعب يجوع ويعطش ، من ليس له إيمان ومن لهم رؤيه ماديه وأن وجودهم في مصر أفضل سقطوا ورفضوا الحياه مع ربنا، وتذمروا علي موسي النبي، أما ربنا فكان نتيجه هذا الاحتياج كان يخرج منه عمله المعجزي، فتضاف إلي تاريخ هذا الشعب وجود ربنا. تذكر السنه الماضيه بما فيها من ضيقات ولكن يد ربنا كانت واضحه معك، هل تريد حياه تسير بلا مصاعب وبلا عمل ربنا، أم تريد حياه تواجه فيها مصاعب وتأخذ عشره مع الله، مثل الطالب الذي لا يريد أن يجتاز الامتحان ولكنه أيضاً لن يأخذ شهاده. القضيه ليست فقط أن الله يظهر مجده ولكن بظهور مجده في حياتك، فوق في السماء يكتب في حياتك تلك الامور، حينما تفتح الاسفار ونقف أمام العرش الالهي ماذا يوجد فيه مكتوب هل فقط أمور ماديه ، يُكتب أنه سمح بتجربه وربنا في حياتك، لان ما يُكتب هو وجود ربنا في حياتك. تخيلوا ماذا كان سيكتب لو أن الشعب خرج من مصر دخل أرض الموعد، شعب عبر وعاش فقط، حتي اليوم ما يقرب من أربعه الآف سنه نتذكر أن الله ظهر لهذا الشعب في البريه، وانه انزل لهم من وسلوي، واخرج لهم ماء من صخره، من عمق الالم، من العطش اخرج لهم ماء، ومن الجوع اعطاهم المن والسلوي، من عمق الصرخات واجهوا شعب مثل شعب عماليق وانتصروا، تريد حياتك تمر بدون حروب ولا آلام وبدون يد ربنا، ولا الاحلي أن نواجه هذا ونري أيضا يد ربنا، نحن نشك في حب ربنا وفي عنايته ماذا يمكنك أن تري حباً اكثر أنه يأتي ويتجسد لكي يصلب، من أجل السرور الموضوع أمامه استهان بموت الصليب . الله لا يجد عليه جديد هو يرانا فوق الزمن ويدرك أن دمه سيخلصنا، "هوذا السيد يعطيكم نفسه آيه" " قولوا لابنه صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً علي آتان وجحش ابن آتان " ياتي لكي يصلب. الذي يضع أمامه دائماً المسيح لا يمكن ابداً أن يحزن، مهما أن كانت الامور صعبه، مهما أن كنا نواجه تجارب، مهما كان إبليس يأخذ لحين سلطان، مهما كان الشر يأخذ لحين مساحه، ندرك أنه معنا أيضاً وسط الضيق، يقول له داود النبي في أحلك ظروف حياته وفي هروبه من شاول الملك، في هذه الفتره قال كلام عميق جداً " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب ناصر حياتي ممن أجزع عند اقتراب الاشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي واعدائي سقطوا أن يحاربني جيش لن يخاف قلبي إن قام علي قتال ففي هذا أنا مطمئن" " الرب راعي فلا يعوزني شئ" عبر زمن الضيق واصبح هو الملك. لذلك في كل مره تواجه ضيقات ارتمي في حضن المسيح، قل له أنا في حضنك مطمئن ولا اشعر ابدا أنه يوجد سلطان علي طالما أنا في حضنه، الذي اخلي ذاته لاجلك وصلب ألا يعطيك كل شئ ؟. 2كو9.8 " من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره" مشكلتنا أن أعيننا لا تستطيع أن تراه جيداً ، الذي يري الحواس مدربه لا يخاف ولا يقلق بل يستقبل كل شئ بشكر وفرح، تقلق حينما لا تجد المسيح موجود في السفينه، مثل التلاميذ في وجود المسيح وكانوا خائفين فقال له " أين إيمانكم أنا هو لا تخافوا" " هذه هي الحياه الابديه أن يعرفوك" " المسيح هو هو أمس واليوم وإلي الابد" " الله مسحني لابشر المساكين لاشفي منكسري القلوب لانادي المأسورين بالاطلاق والعمي بالبصر" الذي فتح احضانه لشخص عاش طول حياته لص ولكنه علي الصليب قال له اذكرني متي جئت في ملكوتك، قال له اليوم تكون معي في الفردوس، لن يغلق أحضانه مهما أن كانت حياتنا حينما نذهب إليه" عاملا الصلح بدم صليبه" بينما نحن في حاله عداوه هو جاء يصالحنا بدمه بذبيحه ذاته، لذلك كل الذين عرفوا جيداً كانوا فرحين " فرحين في الضيق"، ماربطرس يسجن ويضرب ويضطهد وفي النهايه يموت منكس الرأس، ماربولس كان له سلطان وعنفوان ويضطهد كان مفترياً، بعدما صار مسيحياً ضُرب وعذُب ، بينما كان مسجون في فيلبي قال " افرحوا في الرب كل حين" لان وجود المسيح كان يعزيه، حتي وأن كان هناك تجارب، " سلمنا فصرنا نُحمل" " افرحوا كل حين واقول ايضاً افرحوا" هل تثق فيه أم لا؟ كل الذين يسقطوا في كآبه وضيق هم الذين ليس عندهم إيمان " طيب هو الرب للذين يترجونه النفس التي تطلبه" أنت محبوب عنده يجب أن تثق في ذلك. لذلك في كل تجربه من تجارب أولاد الله تجد كذلك يد تسنده، وجوده يعزي، بينما التجارب مؤلمه لكن وجوده مفرح. هل تفضل أن لا يكون هناك تجارب ولكن يختفي هو من المشهد، وقت التجارب هو يكون اكثر قرباً، مثل الأب الذي حينما يكون ابنه مريض يحمله علي كتفه. " أليست خمسه عصافير تباع بفلسين واحداً منها ليس منسياً عنده أنتم افضل من عصافير كثيره" " أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" " ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم. يا عزيزي ونحن نستقبل عام جديد افرح مهما كان، افرح بربنا الذي سمح بسنه جديده، الذي سمح بمذبح تصلي وتأخذه وتتحد به، أنك تقف وتصلي أمامه، افرح أنك في آخر الليل تضع رأسك علي ركبتيه وتستشعر وجوده وأحضانه. لآلهنا كل مجد وكرامه إلي الابد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
27 ديسمبر 2021

كيف يولد الخالق من إمرأة مخلوقه؟

س 1: إذا كان المسيح هو الله وفي نفس الوقت هو ابن مريم، فكيف يولد الله وهو الذي لم يلد؟ وكيف يولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟ ج: نحن نؤمن أن الله ليس مولوداً ولا يلد ولا يتوالد، مثل البشر، ليس له ذريه كما أنه ليس له أب أو أم فهو الذي لا بداية له ولا نهاية، الموجود الدائم الوجود وعله كل وجود ولم يوجده أحد وإنما هو الموجود بذاته، الموجود دائما بلا بداية ولا نهاية إذ يقول هو عن نفسه (كما بينّا في الفصل السابق): " أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحي " (تث39: 32). " أكون الذي أكون " الكائن " (خر14: 3)، أي الكائن، الموجود دائما علة كل وجود. " أنا الأول وأنا الأخر ولا اله غيري " (اش6: 44). والسيد المسيح باعتباره كلمة الله، الله ناطقا، " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1)، وصورة الله غير المنظور، هو الله " هذا هو الإله الحق والحيوة الأبدية " (1يو20: 5). وكلمة الله مولود من ذات الله بلا انفصال مثل ولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل، مولود منذ الأزل " أنت ابني أنا اليوم ولدتك " (عب5: 1)، مولود بلا بداية ولا نهاية ولا خلق " مولود غير مخلوق "، فهو كلمة الله، وكلمة الله هو الله " وكان الكلمة (هو) الله "، " والكلمة هو الله " والله غير مولود وغير مخلوق ولا آب له ولا أم ولا نؤمن بتعدد آلهة بل نؤمن بإله واحد فقط بدون مشاركة من أي كائن آخر " الرب إلهنا رب واحد " (تث4: 6) والرب يسوع المسيح يقول "" أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1). " أنا هو الألف والياء الأول والآخر " (رؤ11: 1). " أنا الألف والياء البداية والنهاية. الأول والأخر " (رؤ13: 22). " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو8: 58)، أي أنا أكون دائما، أنا الكائن دائما، في كل زمان، بلا بداية ولا نهاية. " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم والي الأبد " (عب7: 13). ولكن الله قادر علي كل شئ ولا يستحيل عليه شئ، والذي كُتب عنه ؛ " الله القادر على كل شيء " (تك3: 48)، " الإله القادر على كل شيء " (خر3: 6)، " الرب القادر على كل شيء " (2كو18: 6)، " قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان و لكائن و لذي يأتي " (رؤ8: 4)، وأيضا " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (لو26: 18)، والذي عرف أول ما عرف عند الآباء الأول بالقدير أو القادر علي كل شئ " وأنا أظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب بأني الإله القادر علي كل شئ " (خر3: 6) وقد شاءت أرادته الإلهية، منذ الأزل، أن يظهر للإنسان على هذه الأرض وفي هذا العالم بأن يتجسد ويظهر له عيانا، في الجسد، في مكان معين وزمان معين ومن ثم أختار أم معينه ليولد منها " في ملء الزمان "، يظهر علي الأرض كإنسان، فحل في بطن هذه الأم، العذراء مريم، واتخذ منها جسدا وظهر علي الأرض كإنسان، اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، وجد في هيئة إنسان، يقول الكتاب " في البدء (منذ الأزل) كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (الكلمة هو الله) كل شئ به كان (كون، صار، وجد) وبغيره لم يكن شئ مما كان ... فيه كانت الحياة ... والكلمة صار (اتخذ)(1) جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو1: 13،14). " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3). " الذي إذ كان (هو) في صوره الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلى نفسه (تنازل من علاه) أخذا صورة عبد صائر في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت " (في6: 5-8).كلمة الله وصوره الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم (صورة) جوهره، الإله القدير، الله الكلمة، لما أراد أن يظهر علي الأرض، ولما جاء الوقت المحدد لذلك (ملء الزمان)، حل في بطن العذراء القديسة مريم واتخذ منها جسدا، اتخذ صورة العبد وصار علي الأرض في هيئة إنسان، ظهر في الجسد الكامل، اتخذ كل ما للإنسان حتى الموت، ولد من أم وهو الخالق الذي لم يخلقه أحد، ولد في الزمان وهو خالق الزمان، الأبدي الأزلي، ولد وهو الذي بطبيعته سلا يلد ولا يولد مثل سائر المخلوقات، نزل علي الأرض، نزل من السماء وظهر علي الأرض في هيئة إنسان وسار بين البشر وعاش بينهم ثلاث وثلاثين سنه وثلث!! س 2: كيف يولد من العذراء في حين أنه نزل من السماء!؟؟ لو كان قد نزل من السماء فلا يمكن أن يكون ولد من امرأة، ولو كان قد ولد من امرأة فلا يمكن أن يكون من السماء!! ج: الكتاب واضع وصريح في أن المسيح قد نزل من السماء إذ يقول المسيح عن نفسه "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) وكرر في تعبيرات عديدة أنه نزل من السماء حتى أن اليهود لما سمعوه يقول ؛ " لأني قد نزلت من السماء " قالوا " أليس هذا يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه: فكيف يقول هذا أنى نزلت من السماء " (يو42: 6) والقديس بولس يقول بالروح ؛ " وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضا إلى أقسام الأرض السفلي الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السموات لكي يملا الكل " (أف9: 4،10) والكتاب أيضا واضح وصريح في أن المسيح قد ولد من العذراء مريم بالروح القدس، حل في أحشائها وأتخذ منها جسدا، إذ يقول" ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس " (غل4: 4). " ها العذراء تحبل تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " (اش14: 7) والذي تفسيره الله معنا " (مت23: 1). " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا ألها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9) وقال الملاك للعذراء " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع ... الروح القديس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو31: 1،35) وقال ليوسف النجار ؛ " لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع " (مت20: 1) وقالت اليصابات للعذراء ؛ " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو42: 1) ويقول القديس لوقا الإنجيلي ؛ " وبينما هما هناك (في بيت لحم) تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر " (لو6: 2،7).فالعذراء قد حبلت بالمسيح حقا وولدته حقا، فهو قد ولد منها وهو أيضا ثمرة بطنها. س 3: هل كان ميلاده منها مجرد مرور أو عبور، حل فيها ومر من خلالها دون أن يأخذ منها شيئاً، كعبور الماء من القناة أو عبور السفن من القنوات؟ ج: كلا وحاشا فقد كان ميلاده من العذراء ميلادا حقيقيا كاملا وليس مرورا. فقد حل فيها وأتخذ منها جسدا حقيقيا، كاملا، إنسانا كاملا، ومكث في أحشائها تسعة اشهر كجنين حتى ولدته عندما تمت أيامها. لقد كان هو ثمرة بطنها أي أن ناسوته، جسده، طبيعته الإنسانية، مكون من لحم ودم وعظام، وأيضا من روح ونفس وجسد، داخل أحشائها ومن أحشائها ذاتها فهو بالحق والحقيقة ثمرة بطنها " ولد منها ودعيت هي أمه " أم ربي " (لو43: 1)، بالرغم من أنه، هو، خالقها. نعم ولد من امرأة ولكن باتخاذه جسدا منها. فهو مع كونه الإله الأبدي الأزلي أتخذ منها جسدا، احتجب به وسكن فيه واتحد به فكان هو جسده " احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية ... لترعوا كنيسة الله التي اشتراها بدمه " (أع28: 20)، " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة " (1بط24: 2). وللتعبير عن هذه الحقيقة يستخدم القديس يوحنا تعبير ؛ " المسيح انه قد جاء في الجسد " (1يو2: 4-3)، و " المسيح آتيا في الجسد " (2يو7: 1)." وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي16: 3). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد
26 ديسمبر 2021

عمل الله فى خلاص البشرية

اليوم هو الاحد الثاني من كيهك، وفي شهر كيهك بنحتفل بإستعداد وصوره التجسد الذي من خلاله أفتقد الله العالم بعد أزمنه الظلام والجهل، وبعد حاله الإنفصال عنه في الفردوس، والخروج من دائره التدبير الإلهي والشبع، وبينما العالم مظلم وبينما البشريه كلها تئن تحت عبوديه إبليس، افتقد الله الإنسانيه بإنه اظهر لها إمكانيه الرجوع والخلاص، وعمل ربنا يسوع المسيح في خلاص البشريه ليس في فكره تمت في سنين قليله، ولكنها تمت في الآف السنين، وأخذ من الله تدبير وعمل ضخم جداً، بدايه من تدبير الإنسانيه ما قبل العهد القديم، ثم فساد البشريه اكثر، ثم إحتياجهم لشخص معين يحمل كلمه الله ويقول لهم كيف يرجعوا وكان هذا هو موسي النبي، ثم الآف السنين مره أخري بأنبياء ورموز وطقوس، ولكن لم تدرك البشريه أن الخلاص حقيقه ملموسه إلا حينما جاء السيد المسيح، وكانت كل النبوات مرتبطه بإنه سيأتي ملك ليخلص، ولكن كيف يأتي هذا الملك وبأي صوره، كانت النبوات بتقول بعض الملامح، ولكن البشريه لم تكن قادره علي الإدراك، حتي هذا الزمن جاء الملاك وبشر العذراء أنها هي المختاره وسيكون منها عمل التجسد، ولا يظن أحد أن هذا الاختيار سيكون عشوائي، بعض الافكار الغير ارثوذكسيه تقول: أن العذراء مثلها مثل باقي الفتيات، كان ممكن أن يتجسد من اي فتاه، هذا ليقللوا من شأن العذراء، وينزلوا فكره القداسه من صوره شخصيه لصوره متاحه، آي احد يمكن أن يكون مثل العذراء. الحقيقه أن العذراء شخصيه فريده جداً، قال لها الملاك:" قد وجدت نعمه"، وحينما يجد شخص نعمه، إذاً هذا ليس إختياراً عشوائياً " وجد نعمه"، فإختيار العذراء كان إختيار دقيق جداً منذ أن بشر والدها يواقيم، ثم نذرها إلي الهيكل، فتربت تلك الطفله والصبيه والفتاه في هيكل، وكان يمكن أن يعمل الفساد فيها، وكان يمكن أنها تنظر إلي خارج الهيكل وتتساءل لماذا لا أحيا مثل باقي الفتيات؟، وحينما جاء وقت خروجه من الهيكل قالت جملتين كانت تريد أن تظل بتولاً أيضاً، فهي عاشت في حاله من حالات القداسه المبكره جداً، وقدمت حياتها لربنا وهي طفله، ثم ادركت وكبرت، وكان الثبات في الوجود الإلهي قوي، والذي يثبت ذلك هو طريقتها في الكلام، وردود أفعالها في أنها صارت خادمه لاليصابات بعد أن عرفت أنها ستصير اماً للإله المتجسد، ملامح شخصيتها كانت واضحه أنها تحمل عمقاً كبيراً، حينما جاء الملاك وقال لها :" مباركه أنت في النساء" . كانت كل نساء اليهوديه تدرك أنه ستأتي تلك العذراء التي منها سيأتي منها الإله المتجسد، في نبوه اشعياء 14.7" هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعي اسمه عمانوئيل الله معنا"، وفي 16.9 " يولد لنا ولد يُعطي ابناً إلهاً قديراً" وهم كانوا يحفظون هذه النبوات كلها، وكانوا يذكروا أن تحقيقها سيتم بصوره إعجازيه، ثم اظهر لنا الكتاب أنها حينما رآت الملاك خافت واضطربت من هذا الكلام، الاضطراب هنا ليس معناه خوف رعب، ولكن معناه حاله من حالات عدم الادراك، " ما عسي أن يكون هذا الكلام" هل تحقيقاً للنبوات صرت أنا المختاره، فقال لها الملاك:" لا تخافي يا مريم لانك وجدت نعمه عند الله، هاأنت ستحبيلين وتلدين أبناً وتدعي اسمع عمانوئيل. لماذا لم يكن هناك تهيئه للموضوع؟ لماذا لم يذكرها الملاك بالنبوات؟ لآن الله يدرك تماماً اعماق العذراء وأنها تحفظ النبوات تماماً، انها تفهم القصه كلها، وترتيب كل الاحداث الخلاصيه في ذهنها، يتضح ذلك من خلال التسبحه التي قالتها، كلام لآهوتي عميق، يحمل إشتياقات كل العهد القديم. وكل كلمه من كلمات الملاك لها نبوه في العهد القديم. "تدعي اسمه يسوع": يسوع تعني المخلص. "ابن العلي يُدعي" :ابن الله معناها ابن الله المتجسد. "يعطيه الله كرسي داود ابيه": لآن كانت النبوه معناها أنه سيملك علي الملكوت المعد من الله، ولكن هذا المُلك لم يكن مثل مُلك داود النبي او باقي الملوك .. مُلك ارضي، فكان لابد أن يقول:" فلا يكون لملكه نهايه" أي غير محدود الملكوت ولا زمانياً ولا مكانياً. أما العذراء فكانت لابد أن تسأل سؤال مهم... كيف يحدث هذا؟ حتي في كل تفسيرات اليهود كانوا يقفوا أمام تفسير هذه الآيه " هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً" كيف يمكن لعذراء أن تحبل، فقالت للملاك كيف يكون لي هذا وأنا لست اعرف رجلاً؟؟ وهذه الآيه دليل علي دوام بتوليه العذراء، لو أنها كانت تتكلم علي أنها يمكن أن تتزوج وتنجب لم يكن السؤال كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلاً؟ الاجابه المنطقيه علي هذا السؤال أنها تتزوج، ولكن الملاك قال لها:" ها أنت تحبلين" سيتم هذا، لكن حينما تكون العذراء ندرت بتوليتها فسؤالها هو ليس بمتي ولكن بكيف. لذلك لماذا نؤكد علي دوام بتوليه العذراء؟ لاثبات أن المتجسد تجسد دون زرع بشر، مثلما قال في سفر نشيد الانشاد" أنها ينبوع مختوم ومغلق" ، وكان كلام الملاك لها أن هذا سيتم بفعل الروح القدس، " الروح القدس يحل عليك وقوه العلي تظللك" معناها أنها منذ الآن ستصير سماء، " ولذلك المولود منك يدعي ابن الله" لذلك: معناها أن هذا الطفل الذي في أحشائك لن ينسب إلي أب بشري، لذلك حينما قال السيد المسيح أن ابوه هو الاب السماوي، كانوا سيرجموه،" لانك وانت إنسان جعلت نفسك معادلاً لله " أنك طبيعه إلهيه، لذلك لفظ ابن الله لا يعني التناسل ولكن يعني الولاده، التناسل: هو زواج بشري ثم يُنجب ابن، أما الولاده ليست بالضروره أن تكون من تناسل، فولاده الكلمه من العقل ليس تناسل، وولاده الكيان المعنوي ليس تناسل، حينما اقول أنا ابن مصر، إذاً ولاده الابن من الآب ولاده لآهوتيه، حينما نتكلم عن الآمور الآهوتيه، لابد أن نتجرد من كل الصور البشريه، فيكون ولاده الابن من الآب ليست زمنيه وليست محدوده وليست خارج الكيان الإلهي، الآبن والآب واحد في ذات الجوهر، ولكن الولاده هي حاله كيانيه للجوهر الإلهي كي يكون فعال في داخله بفعل ذاتي، يكون منه الابن ويكون فيه الآب دائماً، دون الولاده يكون الكيان الآهوتي كيان جامد غير فعال، لآن الفاعليه في الكيان الآهوتي هي الفاعليه، بنفس المنطق حينما نقول أن الله محبه لا يمكن أن نتصور ابداً أن الله لم يكن محبه في وقت من الاوقات، الحب معناه تبادل مع كيان آخر، فكيف يكون الله يتبادل الحب قبل الخليقه، وإن كان الله أحب فقط حينما خلق الكائنات، لكانت الكائنات هي التي تُظهر محبته ولكان الله في هذا الوضع محتاجاً إلي هذه الكائنات، ولكن الولاده ووجود الابن مع الآب في ذات الجوهر، يكون الآب يحب الابن والابن يحب الآب، ويكون الكيان الإلهي كامل في ذاته ولا يحتاج إلي آخر كي يتفاعل معه كي يقدم له حب، لآن الله لابد أن يكون في كل صفاته كاملاً، ولا يمكن أن يحتاج لآي شئ خارج عنه. لذلك قال لها:" المولود منك يدعي ابن الله"، ولكن بالرغم من قداسه السيده العذراء ولكن أسئله كثيره تتبادر في ذهنها، ماذا سيقول الناس عني؟ ماذا سأفعل؟ حينما يحدث هذا الحبل هل ستكشف السماء ذلك للناس؟ وحينما يحل الإله داخلي كيف سأعيش؟ ولكنها اظهرت شخصيتها بكامل التسليم بجمله واحده " هوذا أنا امه الرب فليكن لي كقولك" ونتأمل كثيراً جداً في هذا الاتضاع وهذا التسليم، ولكن هناك سؤال مهم ماذا لو رفضت العذراء؟ موسي النبي رفض أن يذهب لفرعون، وإرميا النبي رفض وقال له أنا ولد، موسي النبي لم يكن بخطوره الموضوع ولا كان سيواجه شئ فيه عار، ولكن بالعكس ربنا اعطاه قوه لمواجهه فرعون ومع هذا رفض اكثر من مره. كان يمكن للعذراء أن ترفض، لكن خضوعها إرادياً وأحتمالها لهذا العمل العجيب والفريد جداً في الكون كله، كانت لتعيد مره أخري مكانه حواء في السماء، فبينما كانت إراده حواء في العصيان كانت سبب دخول الفساد، كان خضوع العذراء هنا هو سبب أن يُزال الفساد من العالم، لذلك خضوعها إرادياً رفع مكانه حواء واُزيلت اللعنه تماماً، ولم تعد حواء هي التي تحمل في الكيان البشري صوره المعصيه وصوره رفض إراده الله، لقد اعادت العذراء بتلك الإجابه، وبإحتمالها هذا العمل وخدمتها صوره حواء من جديد، التي اراد الله يخلقها في الإنسانيه الجديده. لإلهنا كل مجد وكرامه إلي الابد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
25 ديسمبر 2021

فكرة روحية لكل يوم - زيارة القديسة مريم لاليصابات

عندما نقرأ ما جاء فى بشارة القديس لوقا الأنجيلي ما كتبه بالروح القدس عن زيارة القديسة مريم العذراء لاليصابات، نتأمل كيف تكون لقاءات القديسات مملؤة إيمان وسلام وفرح وتسبيح وشكر لله. 1- تقويه الإيمان... عندما أعلن رئيس الملائكة غبريال بشري الميلاد للقديسة مريم وقبلتها وحل الأبن الكلمة وأخذ منها جسداً، أعلن لها أن اليصابات قريبتها المتقدمة فى الأيام هي ايضا حبلي بيوحنا فى الشهر السادس وهي فى شيخوختها، لأنه ليس شئ غير مستطاع لدي الله. قامت القديسة مريم مسرعة تحمل مسيحيها ومخلصها وأبنها وبشري الخلاص وذهبت من الناصرة الي " عين كارم" غربي القدس قاطعة ما يقرب من مائة وستين كيلومتر، وعندما تقابلت مع اليصابات وسلمت عليها أمتلات اليصابات من الروح القدس وسبحت وباركت الله وأعلنت إيمانها بامومة العذراء للكلمة المتجسد " وقالت من أين لي هذا أن تأتي أم ربي اليّ" بل أن يوحنا المعمدان أرتكض فرحا بقدوم العذراء وأبنها الحبيب جنين فى بطنها. وأعطت اليصابات الطوبي للعذراء التي أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب. هذا ما جاء فى الكتاب المقدس { فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا،وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي،لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ،وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.} ( لو 39:1-49). لقد أسرعت القديسة مريم وهى تحمل رسالة الخلاص وذهبت فى تواضع قلب تخدم اليصابات وتقوي إيمانها وتهبها سلام الله وتفرح معها باعلان قدوم يوحنا المعمدان كجنين فى بطن أمه، فما أحلي وأطيب أن نجتمع معا نفرح مع الفرحين ونحزن مع الحزاني، ونعطي الشكر لله العامل فينا ومعنا من أجل مجد أسمه القدوس علينا أن نعي دورنا فى نشر وتقوية الإيمان، نحن نحمل نور المسيح الي العالم المتعب، وعلينا أن نكون موصل جيد للنور وبقدر أقترابنا من نور المسيح فاننا ننير ونحمل بشري الخلاص لجميع الناس لاسيما فى لقائتنا الأسرية والأجتماعية وفى كل مكان نحل فيه، فلا يمكن أن تخفي مدينة كائنة علي جبل ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل يضعونه على المنارة ليضئ لكل من فى البيت، فليضئ نوركم أمام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات. بشرى السلام والفرح .. ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام { ما اجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك الهك} (اش 52 : 7). هكذا علمنا ملك السلام أن نحمل بشرى السلام لكل بيت نذهب فيه { واي بيت دخلتموه فقولوا اولا سلام لهذا البيت. فان كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه و الا فيرجع اليكم.} (لو 5:10-11). لقد حملت العذراء مريم ملك السلام ومعطيه فكان سلامها من القلب ودخل الي قلب اليصابات واحشائها ففرح يوحنا وأرتكض فى بطن أمه وأمتلأت اليصابات بالروح القدس، وسبحت الله فرحه بعمله الخلاصي ورحمته. أننا نتعلم من لقاءات القديسين كيف نقوي إيمان بعضنا البعض ونهب السلام والفرح لمن حولنا. فما أحوجنا فى عالم اليوم الي من يحمل لنا الأخبار السارة ويطمئننا في ثقة بعمل الله العجيب في مختلف الظروف والأحداث. علينا أن لا نعاتب فى خصام ولا ننشر المذمة والأنقسام بل نكون دعاة وحدة ووئام. فمسيحنا ملك السلام يقول لنا {طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9). أن أبناء الله وبناته عليهم أن يحملوا بشري السلام والفرح لكل أحد { فلنعكف اذا على ما هو للسلام و ما هو للبنيان بعضنا لبعض }(رو 14 : 19). فلا تخافوا مهما تعقدت الأمور فلها عند الله حلول كثيرة، وثقوا في المسيح الغالب وتمسكوا بوعده الصادق{ فان الجبال تزول و الاكام تتزعزع اما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب} (اش 54 : 10). {وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس }(رو 15 : 13). الشكر لله علي خلاصه ... قام أحد الأطباء بعمليه تغيير قلب لمريض فى حالة مئيوس منها وتعافى الرجل وكتب يشكر الطبيب الشهير ويمتدحه ويقول له أنه سيظل مديون له بالشكر ما بقي علي قيد الحياة. ونحن كم يا أحبائي مديونين بتقديم الشكر والتسبيح لمن مات وبذل ذاته عنا ونحن خطاه وببرنا ووهبنا الحياة الأبدية السعيدة. هكذا سبحت القديسة مريم العذراء الله شاكرة خلاص الله العظيم وقدمت له المجد والتعظيم لانه نظر الي تواضع أمته وتجسد منها ووهبنا الخلاص. لقد أعترفت بقداسة الله ورحمته وأستحقت التطويب من المؤمنين فى كل الأجيال فهي بالحقيقة أرفع من الشاروبيم وأجل قدراً من السيرافيم فقد صارت سماء ثانية ووالدة الله المتجسد ، ومع القديسة مريم نعظم من تواضع وجاء وخلاصنا ووهبنا الخلاص ونقدم الشكر والتسبيح لله ومع الغالبين نسبح { قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة} (رؤ 5 : 12)، أمين. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
24 ديسمبر 2021

مَظَاهِرُ الكرِيسْمَاس فِي الغَرْبِ

في احتفال عيد الميلاد بالغرب ، نرى مغارة مصنوعة من قش ناعم معطر وشجرة مزينة وديكورًا فخمًا للمذود ... لذلك أصبحت مناسبة عيد الميلاد أو ما اصطلح عليه (كريسماس) مجرد ألوان وأنوار وزينات وهدايا ، غاب عنها جوهر ومعنى الحدث الخلاصي غاب عنه إخلاء وفقر المسيح الذﻱ صار فقيرًا كي نغتني نحن بفقره وغناه وقداسة مجده . فقد أُلصقت بالمناسبة سطحيات حوّلتها إلى موسم للتسويق وقياس الحالة الاقتصادية والاستهلاك اكتفى الغرب بالتعييد للميلاد بهذه المظاهر السطحية ، كذلك غاب تمامًا وبهت الاحتفال بعيد القيامة ، لأن الثقافة الغربية تتعامل مع الموت بطريقة هاجسية ... فمع تراجع فكرة المقدس وتحول الإيمان إلى موضة قديمة وإلى دافع إضافي لاستلاب الإنسان من خلال استخدامه التجارﻱ ، الأمر الذﻱ جعل فكرة الموت مجرد فكرة فلسفية وعبثية ؛ اقتربت أكثر فأكثر إلى أن الموت مجرد حدث طبيعي بيولوچي ، فالموت لا قيمة له إلا إذا كنت مؤمنًا وتمارس الإيمان ... وبالرغم أن موت المسيح وقيامتة هو عمل التدبير الخلاصي ، لكنه في الغرب صار أقل أهمية وغاب تمامًا ؛ لأن فكرة الموت بهتت وفقدت معناها ، إذ يراد الهروب من التأمل أو التفكير فيها أو حتى تذكُّرها في حقيقة الأمر نحتفل في عيد الميلاد بتجسد الله الكلمة ، وهو صاحب العيد الذﻱ وُلد لنا ومن أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا ... وُلد في إسطبل حقير للبهائم كي يبارك طبيعتنا فيه ، ويهذبها ويرقّيها ... لذا نحن مدعوون أن نأتي إليه لأنه هو أتى إلينا ، ساهرين مع الرعاة لنحرس أمر خلاصنا بحراسات الليل كي يشرق علينا مجده ونتبعه مع جمهور جند الرب ، وإنْ راعينا إثمًا في قلوبنا فسيسطع علينا نور وجه المولود بغفرانه وغناه الذﻱ لا يُستقصىَ ... إننا في عيد الميلاد نعيّد لميلاده كي يأتي ويموت ويقوم من أجلنا ، فلننتقل من مرعىً إلى مرعىً كي نجد مقر الحمل الإلهي المولود ، نحمله في داخلنا بعيدًا عن كل المظهريات ، لأننا سفراؤه ولا عبرة عندنا للأزمنة من غير ولادته فينا ، فألف سنة في عينيه كيوم أمس الذﻱ عبر ، وهو الذﻱ يملأ أعمارنا بضياء طهارته وخلاصه ورحمته الأبدية (مجدًا في الأعالي وسلامًا على الأرض ومسرة للناس) في عيده نتبع النجم لنقدم هدايانا (قلوبنا وحياتنا وسلوكنا وكل ما لنا) مسيحنا المولود هو شجرة حياتنا وزينتنا وفرحتنا وهديتنا وعطية جميع العطايا ، الذﻱ يخلصنا من الرائحة البهيمية وحيوانية الشهوة ، لأنه مشير عجيب وهو أبو كل الدهور، نسجد له مع كل الكون ونعيّد له بثياب التسبيح مع كل الخليقة التي تهللت بمجيئه نعيد له لأنه هو هدف التاريخ ومحوره ، وهو مركز حياتنا وحضورنا ... هو فرحنا في المسرات ، وتعزيتنا في الأحزان ، ومعونتنا في التجارب ، وهو الذﻱ جعل لحياتنا معنىً وقد صار لنا خلاصًا وفصحًا مقدسًا .. فردوسه هو أملنا وصار لنا حصنًا برحمته التي بها أحيا كل الأرواح وفتح العيون ومنحنا البيعة الحلوة ، المجد لميلاده بسر التقوى العظيم . القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد
23 ديسمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس رحبعام

رحبعام "خنصري أغلظ من متني أبي" 1مل 12: 10 مقدمة اشتهر رحبعام بن سليمان بأنه الرجل الذي أضاع مملكة بلسانه،.. وسيقف رحبعام مثلاً في كل التاريخ، للقدرة المدمرة الهائلة للسان البشري، وإن كنت في شك من الأمر، فاقرأ ما كتب الرسول يعقوب عن اللسان: "هكذا اللسان أيضاً هو عضو صغير ويفتخر متعظماً هوذا نار قليلة أي وقود تحرق" فاللسان نار عالم الإثم هكذا جعل في أعضائنا، اللسان الذي يدنس الجسم كله ويضرم دائرة الكون ويضرم من جهنم لأن كل طبع للوحوش والطيور والزحافات والبحريات يذلل وقد تذلل للطبع البشري، وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذلله. هو شر لا يضبط مملوء سماً مميتاً"...، وبمفهوم المخالفة أو على حد التعبير العكسي كما يقولون، أو بما قال الرسول يعقوب في استهلال الحديث عن اللسان: "إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذلك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضاً".. ولعل هذا يذكرنا بالمثل الفارسي القائل أن فيلسوفاً أرسل تلميذه إلى السوق طالباً منه أن يشتري أردأ ما في السوق، فعاد الغلام. وقد اشترى "لساناً" من السوق!!... وإذا أعاده الفليسوف ليشتري أفضل ما في السوق أيضاً، فعاد الشاب وقد اشترى "لساناً" من السوق!!.. وفي سوق الحياة ليس هناك ما هو أردأ من اللسان أو أفضل من اللسان،... لأنه في الواقع من فضلة القلب يتكلم اللسان،... ونحن لم نكشف في قصة رحبعام عن لسانه أو بالأحرى اتساخ لسانه، بل سنتعمق أكثر إلى ذهنه الفارغ، وحياته القبيحة التي لم يكن اللسان سوى تعبير صادق عن كليهما في شخصيته ومن ثم يصح أن نرى رحبعام من الجوانب التالية: رحبعام ونشأته:- عندما ولد رحبعام أطلق عليه سليمان هذا الاسم الذي يعني "مرحب الشعب" أو موسع الشعب، ولعله سليمان كان يحلم لابنه ما يحلمه في العادة الأباطرة بالنسبة لأولادهم،.. ولعله فردرك الأكبر الذي جاء بولده قبل أن يموت، وقال له: ها أنا يا ولدي أسلمك امبراطورية عظيمة، فلا تسمح أن يضيع منها شيء، وإلا ضحكت عليك في قبري!!... ولا أعلم إن كان شيء من هذا المعنى في ذهن سليمان، وهو يتوق أن يرى الامبراطورية العظيمة، التي أنشأها، وجعلها حلماً من الأحلام، لا في اتساع رقعتها فحسب، بل في الثروة الخيالية التي ملأ بها أورشليم، والمباني والقصور الشاهقة، والتجارة العظيمة، والفن، والمعمار، والموسيقى،.. وهو يتمنى أن ولده يتسلم هذه جميعاً، ليجعلها أضعافاً مضاعفة،.. على أي حال إن هذا حلم كل أب لابنه، وهو الحلم الذي يتمشى مع أعماق الطبيعة البشرية التي تتغلغل فينا جميعاً، وقد ذكره بناياهو بن يهوياداع لداود في قوله: "كما كان الرب مع سيدي الملك كذلك ليكن مع سليمان، ويجعل كرسيه أعظم من كرسي سيدي الملك داود"... وأغلب الظن أن عيني داود في تلك اللحظة ومضتا بنور لامع، وارتسمت الابتسامة على شفتيه، ولعله رفع صوته إلى الله، ليقول آمين يا رب ليكن هكذا!!... وجاء سليمان ووسع، وفعل، وعمل، الكثير، وولد له الولد الذي على الأغلب كان جميلاً كجمال أمه، وأبيه،.. وأطلق عليه الاسم "رحبعام"، وهو يحلم له بالرحب والسعة، من كل جانب من جوانب حياته ونفسه،.. وقد كان من الممكن أن يكون الشاب هكذا، وقد كانت معه الإمكانيات الكثيرة التي تساعده على ذلك، إذ كان له السهم الذهبي، الذي وضعوه شعار لأمير ياباني قيل أنه كان سيتغرب عن بلده فترة من الوقت، وكان هذا السهم يذكره أينما يتجه ويذهب بالأصل الذي ينتمي إليه، والأسرة التي ينحدر منها، وسواء صحت القصة بالنسبة للياباني أم لم تصح، فإن رحبعام بن سليمان كان يمكن أن يعود إلى آبائه وأجداده ليرفع رأسه، كأعلى ما يكون الارتفاع، وأسمى ما يكون العلو والمجد، ولعله سمع عن جده داود من القصص والأحاديث ما يمكن أن يصنع منه بطلاً لو ترسم خطى هذا الجد أو سار في سبيله، أو سلك سلوكه، وكان يمكنه أن يتوفر على الأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد التي خرج بها سليمان إلى العالم، لينهل منها البشر أروع الحكم وأمجد الأمثال، وكان من المتصور أن النبع وقد بدأ من بيته ليجري في تيار الإنسانية كلها، أن يكون هو أول من يرتاده وينهل منه،.. وأعظم من هذا كله، كان هيكل الله على قيد خطوات منه،.. وكان يمكنه أن يجد سبيله إلى هذا الهيكل وهو يغنى: "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله"... "ما أحلى مساكنك يارب الجنود تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي، العصفور أيضاً وجد بيتاً والسنونة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها مذابحك يا رب الجنود ملكي وإلهي، طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك... لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار"على أن رحبعام -رغم هذه الامتيازات كلها- لم يحتج سليمان إلى أن يموت ويضحك عليه في قبره، إن صح أن الموتى يضحكون في قبورهم، فإن سليمان الحكيم بكى في حياته، وهو يرى ابنه يأخذ سبيله إلى الشباب والرجولة،.. لقد خضع الشاب لعوامل أعتى وأقسى وأقدر على الهدم والتحطيم، وكان لسليمان اليد الطولى في كل هذه العوامل،.. لقد تزوج سليمان نعمة العمونية، وهي أميرة عمونية يقطن أهلها الصحراء الواقعة شرقي الأردن، ويبدو أنها كانت ذات جاذبية وتأثير عميق على الملك، حتى أنه بنى مرتفعة لمولك رجس العمونيين من أجلها،...، وإذا كانوا قد قالوا أن خلف كل ولد عظيم أم عظيمة، وإذا كان الأمريكيون في تقديرهم لهذه الحقيقة قد أقاموا نصباً تذكار ية لأم واشنطون، وأم ابراهام لنوكلن... فمن الجانب الآخر يمكن أن نقيم تمثالاً بشعاً للخراب والدمار لرحبعام بن سليمان، هو في الحقيقة نعمة العمونية الآتية من وراء الأردن تحمل معها ملوك رجس العمونيين، وعجز الشاب رحبعام عن أن يعرف السبيل إلى إله إسرائيل، لأن أمه أرضعته الوثنية على مرتفعة ملكوم رجس العمونيين!! وقد ضاعف النكبة والمأساة سلوك الأب تجاه ابنه، ولو سئل رحبعام الأحمق: لماذا جاء في حماقته على العكس من أبيه الحكيم الذي كان مضرب الأمثال في الحكمة؟ لربما جاء الجواب، كما ذكره ذلك الشاب الذي اقتيد إلى المحاكمة لارتكابه جريمة مروعة، وكان أبوه من أشهر القضاة في البلد، وإذ قيل له: كيف يمكن أن يرتكب مثل هذا الجرم، وأبوه من أعظم رجال العدالة والقضاء،.. قال: وهذه هي المأساة... لقد كان أبي غارقاً في كتب القانون دون أن يكون له متسع من الوقت لكي يعلمني ويهذبني وينبهني ويرعاني،.. لقد ترك سليمان الغلام، دون أن يعني به، لأنه كان مشغولاً عنه بالمهام التي تواجهه كل يوم في امبراطوريته العظيمة الواسعة،.. أجل وهذه هي المأساة المحزنة، لقد ترك الأب المجال والميدان للأم العمونية، لتصنع من ابنها الإنسان الوثني القلب، والجالس على عرش يهوذا،.. وهي مأساة تتكرر بهذه الصورة أو تلك في قلب البيوت المسيحية، حتى أن الناس تتعجب. كيف يحدث أن أبناء القادة المسيحيين والرعاة والخدام والشيوخ يكونون على النقيض تماماً من قصة آبائهم أو حياتهم أو سيرتهم،.. وقد نسى بيته وأولاده بالتمام،.. أو أنه لا توجد الأم التي يمكن أن تصنع التعويض، أو تملأ الفراغ في هذا المجال... كان سليمان يحلم لابنه بالأحلام العظيمة الوردية، وكان يمكنه أن يحول هذه الأحلام إلى الواقع، حتى ولو كان مشغولاً، بأن يفعل ما فعله أبوه فيه، عندما سلمه للنبي ناثان، ليتولى إرشاده ورعايته وتهذيبه وتعليمه،.. كان من الممكن أن يجد له المعلم الأمين الصادق الذي يتولى الصغير، بما يمكن أن يجعل حياته متمكنه الشركة والارتباط العميق بالله،.. ولكننا لا نعرف أن سليمان فعل شيئاً من هذا القبيل فإذا أضيف إلى ذلك ما يقولونه: "لقد تزوج سليمان ألف امرأة، وكان له ابن، وكان هذا الابن للأسف أحمق"... ويكفي أن ينشأ أي غلام في قصر فيه ألف امرأة، وهو محاط بالترف، والتنعم، والحياة الشهوانية الصاخبة،... وهو يطلب فيجاب طلبه في الحال، وهو يتكلم فيمتدح كلامه، حتى ولو كان أسخف كلام، وهو يشير بإصبعه، فيجد عشرات أو مئات الخدم والحشم تلبي النداء، مثل هذا الشاب الترف المدلل، كان أحوج الكل إلى ما قاله سليمان في أمثاله: "من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن أحبه يطلب له التأديب" "لا تمنع التأديب عن الولد لأنك إن ضربته بعصا لا يموت تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية"... ولو أن سليمان مد عصاه إلى ظهر رحبعام، لربما تغير تاريخه وتاريخ المملكة بأكملها لكنه لم يفعل، فمهد له بحياته وتصرفاته وتدليله الطريق الرهيب إلى الضياع الذي وصل إليه فيما بعد!!.. ولا يمكن أن ينسى أخيراً في هذا المجال نكبة المعاشرات الردية، في ذلك المجموع الكبير من الزمان والصحاب الذين خالطوه وداهنوه وتملقوه، ووصفوا بالقول: "الأحداث الذين نشأوا معه ووقفوا أمامه"... هذه هي العوامل المتعددة التي أثرت في رحبعام، لينشأ فتى متكبراً أنانياً ضعيفاً ضيق الأفق، أو كما وصفه ابن سيرا: "وافر الحماقة ويعوزه الفهم!!.. رحبعام وسياسته:- هل كان رحبعام في الحادية والعشرين من العمر أم في الحادية والأربعين؟؟ لقد أورث هذا ارتباكاً عند البعض، مع أن هذا الارتباك في حد ذاته يعطينا تمسكاً بالكتاب أكثر، إذ الأرقام في اللغة العبرية كانت تكتب عادة بالحروف، والحرف الذي يشير إلى الحادية، هو حرف واحد في الحالين الألف في الأبجدية العبرانية، أما الحرف الذي يشير إلى العشرين، وهو حرف الكاف، والآخر الذي يشير إلى الأربعين وهو حرف الميم فإنهما في الكتابة العبرانية قريبان جداً من بعضهما، حتى أنه ليصعب مرات كثيرة أمام المخطوطات التي عاشت آلاف السنين أن تتبين في المخطوطة الفرق بين الحرفين، وحتى يكون الكاتب أميناً فإنه يرسم الحرف الذي أمامه دون أدنى تغيير، ويبقى الاحتمال الثاني ويشار إليه في الهامش،.. ومن المرجح لهذا أن رحبعام كان في الحادية والعشرين من عمره في السن التي يقال عنها في أيامنا سن الرشد،.. ولكنها في الحقيقة هي السن التي تحتاج أمام المشاكل والمتاعب، إلى أمرين أساسيين يخطيء الإنسان إذا تجاوزهما، ولم يتمسك بهما، تمسكه بالحياة نفسها،... وهما: الإرشاد الإلهي، وخبرة الذين جازوا الصعاب والمتاعب المشابهة من قبلنا، أو الذين حنكتهم الأيام، وأورثتهم الفطنة والحذر والتأمل... وإذا عجز الإنسان عن أن يملك الأمرين، وإذا قدر له أن يتخلى عن واحد منهما،... فعليه أن يطلب بكل إلحاح وإصرار مشورة الله،... وعلى وجه الخصوص، عندما يقف على مفترق الطرق، وأمام أقسى المخاطر، وأشد الأزمات، وأصعب السبل،... ولو أن رحبعام بن سليمان طلب من الشعب مهلة الثلاثة الأيام ليرجع فيها إلى الرب، ليعطيه التصرف الناجح الحكيم- لكانت بكل تأكيد النتيجة تختلف تمام الاختلاف عما وصل إليه،.. عندما اعتلت الملكة إليزابيث الثانية ملكة انجلترا الحالية عرش بلادها، قالت في حفل التتويج لشعبها: إن تتويجي هذا ليس رمزاً للقوة والأبهة التي ستذهب وتنتهي في يوم من الأيام، ولكنه إعلان عن آمالنا في المستقبل وعن السنين التي يتيحها الله لي برحمته ونعمته أن أحكم بينكم، وأخدمكم كملكة!!. كان رحبعام الملك في حاجة إلى مثل هذا الروح وهذا الأسلوب، عندما اتجه الشعب جميعاً إلى تتويجه في شكيم،... وكان في حاجة قبل أن يتحدث مع أحد، أن يتحدث مع الله، وقبل أن يأخذ رأي إنسان أن يأخذ رأي الله،... لقد ضاعت مملكة الرجل، بضياع الصلة التي تربطه بالله،.. وفي الحقيقة إنه كان في حاجة لسؤال الله، لسبب أعمق من ذلك كثيراً، لأن مصير المملكة كان يتعلق أساساً بموقفها من الله، وهذا الشرخ الرهيب الذي حدث فيها، لم يكن مرده الشكوى من معاملة سليمان للشعب، مع أن هذا هو السبب الظاهر، لكن السبب الحقيقي مدون بكل وضوح وجلاء: "ولم يسمع الملك للشعب لأن السبب كان من قبل الرب ليقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد أخيا الشيلوني إلى يربعام بن نباط"... إن مصير المملكة يرتبط بتوبتها وعودتها إلى الله،... ولو عاد رحبعام إلى الله، بعد أن يحطم المرتفعات ويبدأ بمرتفعة ملوكم التي بناها سليمان خصيصاً من أجل نعمة أمه، ولو عاد ليقول ما قاله جده فيما مضى: "لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني".. لو عاد ليقول هذا، أو شيئاً يشبه هذا لوجد حنان الله ورفقه ورحمته، وجوده وحبه، لكنه للأسف نسى الله أو تناساه، أو جهل الطريق إلى بيته فلم يعرفه إلا شكلاً أو طقساً أو لماماً، ولم يعرف الأساس الصحيح لأية سياسة ناجحة في حياة الإنسان على هذه الأرض!!.. أيها الشاب الذي تقف على أعقاب الحياة، وقد تشعبت أمامك الطرق، واستبدت بك الحيرة واستغلق عليك السبيل، لا تخط في أي مجال خطوة واحدة دون أن تسترشد بالله، وتقف الموقف الصحيح منه في عالم الحياة!!... ربما نقول: أنا لست رحبعام، ولم أرث مملكة، ولا أظن أني سأكون ملكاً في يوم من الأيام،.. إنك إن تصورت هذا تخطيء أفدح الخطأ، وتصبح رحبعام الأحمق بعينه،.. كل واحد منا له مملكته. وكل واحد منا ملك بمعنى من المعاني، أنت ملك في مملكة نفسك، وأنت ملك في مملكة بيتك، وأنت ملك في مملكة الرسالة التي أعطيت أن تقوم بها على هذه الأرض، وليس المهم أن تكون مملكتك صغيرة أو كبيرة، إنما المهم أن تعلم أنك -كأي ملك- ممسوح من الله على هذه المملكة، وأنه لا يجوز لك أن تتصرف في أي تصرف إلا بالعودة إلى الله، ليرشدك إرشاده الصالح، ويعلمك كيف تصنع الحق، وتحب الرحمة، وتسلك متواضعاً مع إلهك!!.. على أن الإرشاد الإلهي، قد يأتينا مباشرة من الله بصورة متعددة على قدر ما نعي أو نتعلم أو نسمع الصوت الإلهي، وقد يأتي إلينا في المشورة الصادقة الصحيحة التي تأتي من الآخرين، ومهما كان الإنسان حصيفاً كيساً فطناً، فإنه من الحماقة ألا يستعين بمشورة الآخرين من غيره من الناس، وذلك لأن الإنسان بمفرده مهما كانت قدرته، فهو محدود النظرة، وضيق الاختبار، وأنه لابد له من المختبرين أو في تعبير آخر "الخبراء" ومن هنا نشأت في كل ممالك الأرض فكرة المشيرين المتخصصين الأكفاء، والذين قد يتنبهون إلى الزوايا المختلفة من الموضوع أو المشكلة، والتي ربما لا يستطيع أبرع الناس وأقدرهم من الانتباه إليها، أو الإحاطة بأعماقها وخباياها!!... على أن المشكلة في العادة في اختيار المشيرين وتقدير أفكارهم ومشورتهم، وقد استعان رحبعام بنوعين من المشيرين، هم الشيوخ، والشباب، وكان الاثنان على طرفي نقيض!!.. ولا سبيل إلى اللقاء بينهما على وجه الإطلاق، وهنا نتبين أهمية المشورة، وصعوبتها، ودقتها، والحاجة الماسة إليها، وأن الإنسان لا يستطيع كقاعدة عامة إهمالها أو التخلي عنها!!... ومع أننا لا نستطيع أن نقول إن كل شيخ لابد أن يكون حكيماً، وأن كل شاب لابد أن يكون نزقاً طائشاً، فما أكثر ما يتبادل الاثنان المواقع، لكن القاعدة العامة مع ذلك، أن الشيخ أميل إلى تحكيم العقل والتجربة والاختبار، في الوقت الذي يندفع فيه وراء لهيب المشاعر والأحاسيس والعواطف، ومن هنا كان لابد أن تتباعد المشورتان تباعداً كاملاً أمام عيني رحبعام!!... كان العظمة عند الشيوخ تقوم على أساس الخدمة والرفق والحنان والكلمة الحلوة، وأن الإنسان في أي مكان ومجال لا يمكن أن يهزه قدر الموادعة والاتضاع من أي إنسان آخر مقابلة، فهو يمكن أن يستعبد الآخرين عندما يبدو أمامهم عبداً لهم خاضعاً مطيعاً لرجائهم وانتظارهم، وكان الشيوخ -ولا شك- يدركون مدى المعاناة القاسية التي عاناها الشعب أيام سليمان، وأنه قد سلم رحبعام المملكة بركاناً يوشك أن ينفجر، وأنه وإن لم يكن سليمان قد وسع رقعة الأمة، وملأها بالفضة والذهب، وحول خيامها إلى قصور، وأعطاها مجداً لم تعرفه من قبل،... لكن صرخة الإنسان الدائمة في كل العصور هي الحرية، وأنك يوم تحصره أو تضعه في قفص، ولو من ذهب، فإنه لا يلبث أن يتحول وحشاً يحطم كل شيء، ولا يبالي بعد ذلك حتى ولو حطم نفسه وهو يبحث عن الخلاص والحرية، ولعل الشيوخ وقد عاصروا داود وسليمان، وأدركوا الفرق بين الرجلين، إذ كان داود خادم الشعب والمكافح والمغامر بحياته من أجله، والذي ساسه بالصبر واللين والحكمة والوداعة، فأحبه وخدمه والتف من حوله،.. على العكس من سليمان الذي ملأ بطنه طعاماً، وألهب ظهره بالسياط، فبذر بذور العداوة والحقد والفرقة والانقسام بين يهوذا وإفرايم، وقد جهل بغباء أن سبط بنيامين لا يمكن أن ينسى أن العرش كان له وتحول إلى سبط آخر،... وإذا أدركنا إلى جانب هذا كله أن طلبات الشعب لم تكن مغالية، بل كانت على العكس وديعة متواضعة، فهم لا يطلبون الشطط، وهم استعداد لخدمة الملك الجديد، متى خفف النير القاسي الموضوع على أعناقهم!!... كانت العظمة عند الشباب شيئاً يختلف تماماً عن هذا التصور أو هذا التعبير، إذ أن العظمة في عرفهم تقوم على التسلط والاستبداد، وأنه كلما أمعن الملك في الأمرين، كلما دانت له العامة، وسارت القافلة دون توقف لا تلوي على شيء... نرى هل كان رحبعام يؤمن بنظرية الحق الإلهي في حكم الشعوب؟؟ الحق الذي عندما أسيء استغلاله، في عصر شاول جلب الخراب والدمار على الأمة،.. وعندما أساءت أوربا استعماله في الكثير من الأوضاع والظروف حولها إلى بركة مليئة بدماء الملوك والعامة معاً،... قال أحدهم: إذا كانت رغبتك أن تملك أكثر مما تعطي، وإذا كنت تطمع في القوة لتأمر أكثر مما تبارك، وإذا كان ما تصبو إليه السيادة أكثر من المحبة، ورغبتك أن تكون الأعظم من أن تكون الأقل، الأول بدلاً من الأخير... فإنك بذلك تخدم العدو الأعظم الذي هو الموت، وستنال إكليله بالدود الذي يرعى جسدك ويتقبل مصيرك".. لقد جاء سيدنا ليلقن العالم كله الطريق الأمجد للعظمة: من أراد فيكم أن يكون عظيماً فليكن لكم خادماً ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن عبداً" كان رحبعام كما أشرنا -إلى جانب هذا كله- الملك الذي أضاع مملكته بلسانه، ومن الملاحظة أن تهديده كان أجوف أخرق لا معنى له، وأنه لم يكن في حاجة إلى أن ينتظر ثلاثة أيام ليعد الجواب، فيما لو كانت نظرية الاستبداد هي النظرية التي ستحكم عمله، لأن المستبد الفطن، لا يترك الشعب يتجهز للتمرد والثورة ثلاثة أيام، ويعد نفسه في حالة التصادم والرفض، كما فعل ياهو بن نمشي عندما أراد الفتك بأنبياء البعل، إذ لم يكشف عن رغبته، بل بالحري غطاها بالدعوة إلى حفل كبير للطعام، وكان حريصاً ألا يكون بينهم واحداً من أنبياء الله،.. أو كما فعل محمد على عندما أراد الفتك بالمماليك. إذ دعاهم إلى حفل كبير تختلط فيه لحومهم باللحم الوافر الشهي الذي أعده لها!!.. كما أن رحبعام لم يكن في حاجة إلى أن يثير الشعب، حتى بعد ذلك بالقول القاسي الذي قاله لهم، قبل أن يرتب أمره ويدبر خطته، ويعد جيشه لقمع الثورة في حال نشوبها،... وليس أدل على ذلك من عجزه في التصرف ومواجهة الثورة عند قيامها، إذ يرسل أدورام القائم على التسخير، ليزيد من انفعال الشعب الذي قام برجمه، وكان موشكاً أن يفتك بالملك نفسه، لولا أنه أسرع في مركبته هارباً إلى أورشليم، كان الملك في الواقع غراً أحمق، أقدر على الكلام منه على التصرف والفعل!!.. ومن المؤسف أن رحبعام لم يكن له من العقارب إلا عقرباً واحدة أطلت من لسانه، وويل للإنسان الذي يتحول لسانه عقرباً،.. لقد صور لهم أنه يملك قدرة محزة تعسة، قدرة العنف والقسوة، ولا يمكن أن تقارن هنا قدرة أبيه بقدرته، إذ أن أباه يبدو من هذا القبيل أصغر وأضأل، إذ أن خنصره أغلظ من متني أبيه، وإذا كان أبوه قد أدبهم بالسياط، فسيؤدبهم هو بما هو أقسى وأشر، إذ سيستعمل آلة تسمى بالعقرب، وهي عبارة عن سوط بعدة أطراف، وفي كل طرف قطعة من الحديد أو الرصاص، وعندما يضرب بها شخص يناله من الأذى كما لو أن عقرباً قد لدغته!!.. ما أبعد الفرق بين الكلمة الآسرة، واللفظ القاسي، ومن أجمل ما يتمتع به الإنسان، ضبط النفس، وحلاوة اللفظ، ولقد قيل أن قيصر لم يكن قائداً مغواراً فقط، بل كان ذا لسان حلواً آسر رقيق، وفي ذلك قالوا عنه: لقد كسب قيصر صداقة الكثير من الناس في روما بفصاحته في الدفاع عن قضاياهم، وقد أحبه الناس للطريقة التي كان يتحدث بها إلى كل إنسان.. كما قالوا أنه ذهب مرة إلى ضيافة صديق من أصدقائه، وأخطأ الخدم فوضوعوا في طبق السلطة زيتاً من زيوت الشعر بدلاً من الزيت العادي الذي يستعمل في الطعام، فأكل قيصر دون تأفف، ودون أن يكشف الأمر أمام صديقه مراعاة لعواطفه وشعوره!!... رحبعام ونهايته:- كانت نهاية رحبعام معلومة من البداءة، ولكن الله مع ذلك أعطاه أكثر من فرصة... لقد أعانه الله في السنوات الثلاث الأولى من حكمه فبنى مدناً وحصنها، وجاءه الكثيرون من الكهنة واللاويين الذين هربوا من يربعام، وما من شك بأن مجيئهم كان يحمل بركات مضاعفة لمملكة يهوذا، وكان للملك أن يبارك الله لأجل تحسن الظروف التي أحاطت به، لكنه للأسف، حدث العكس، إذ يقول الكتاب: "ولما تثبتت مملكة رحبعام وتشددت ترك شريعة الرب هو وكل إسرائيل معه".. وهذا ما يحدث -للأسف- مع الكثيرين إذ يتمسكون بالله إلى أن تضحى ظروفهم أكثر توفيقاً ويسراً، وعندئذ يتركونه!!.. وقد توالت عليه الكوارث فيما بعد، على قول النبي إرميا "أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون.. الحائدون عني في التراب يكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية!!".. وهل لنا بعد ذلك أن يمتد بنا القول: "اشفني يا رب فأشفى، خلصني فأخلص لأنك أنت تسبيحتي؟
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل