المقالات

16 أكتوبر 2021

الصلاة فى الخدمة

كثيراً ما تقابلنا مشاكل في الخدمة ونحاول أن نحلها لكننا لا نستطيع وكثيراً ما يريد الله أن يعلمنا في الخدمة العجز لكي نعلم أن المعونة هي من عنده معلمنا بولس الرسول يقول في رسالته لأهل أفسس﴿ مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقتٍ في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلي لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهاراً بسر الإنجيل ﴾( أف 6 : 18 – 19) ويقول أيضاً في رسالته لأهل تسالونيكي ﴿ صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب وتتمجد كما عندكم أيضاً ﴾ ( 2تس 3 : 1 ) الصلاة في الخدمة مهمة جداً فهي :- ضرورة للخدمة . لابد أن نتعلم كيفية الصلاة للخدمة . 1- ضرورة الصلاة في الخدمة :- أ- الصلاة هي القوة المحركة للخدمة :- السيارة تحتاج موتور موتور الخدمة هو الصلاة قد يكون للخدمة شكل جميل لكن لكي تعرف أنها عمل الرب وليس فِعل بشر لابد أن تكون مسنودة بصلاة كنيسة الرسل كان يقال عنها﴿ كانوا يواظبون بنفسٍ واحدةٍ على الصلاة ﴾ ( أع 1 : 14) ﴿ ولما صلوا تزعزع المكان ﴾( أع 4 : 31 ) الصلاة قوة خفية قيم صلاتك من أجل الخدمة هل تريد أن تعرف خدمتك قس صلاتك على خدمتك عندما تخدم كثيراً وتصلي قليلاً تعرف أنك تخدم بذاتك وليس بالله وبالتالي ستظهر عيوبك كبشر لأنك تخدم بذاتك لكن عندما تصلي بقدر خدمتك ستنضح الصلاة على الخدمة وتصير الخدمة خدمة المسيح بولس الرسول يقول صلوا لأجلي لكي يعطيني الله كلمة عند إفتتاح فمي يُحكى عن خادم قرية أنه كان يذهب إلى القرية ويجمع أهلها في بيت أحدهم ليعظهم وكان يدخل حجرة قبل أن يعظهم ليصلي وفي أحد الأيام تجمع أهل القرية وبدأوا الصلاة والخادم في الحجرة يصلي ثم رنموا ترنيمة وأخرى وأخرى والخادم في حجرته تأخر فدخل أحدهم ليناديه ليعظهم إذ به يجده يصارع الله ويقول له * أنا لست مستعد للكلام إن لم تتكلم أنت يا الله لن أتكلم أنا * هكذا أنت أيضاً قل لله إن لم تخدم أنت لن أخدم الصلاة تحرك الخدمة يحكي الأنبا موسى أنه أثناء خدمته وهو علماني دعا المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وكان عدد المخدومين بسيط وصلوا ورنموا ودخل الأنبا أثناسيوس ووجد أن العدد بسيط فقال لهم لنقف ونصلي وبينما هو يصلي قال * إفتقد يا الله كل شخص الآن واحضر كل شخص الآن *وبعد الصلاة إذ بأفواج تدخل الكنيسة هل هذا البعد الخفي موجود عندي إذ أصلي وأقول له أنت تحرك وتغير أيضاً يحكي الأنبا موسى وقال أنه أثناء أحد العشيات والتسبحة التي تقام بعدها دخل أحد أولاده وجلس بجانبه وكان هذا المخدوم قد كلمه الأنبا موسى كثيراً من قبل ولم يستجيب له فقرر الأنبا موسى أن يرحب به ولن يكلمه وأثناء ترحيبه به رفع قلبه وصلى من أجله كي يعترف وإذ بالمخدوم يقول له أنه يشتاق أن يعترف الآن وأن شئ داخله يلح عليه بالإعتراف الآن دورنا في الخدمة أن نصلي وهذا مهم جداً الصلاة هي إعلان شخصي مني أن الخدمة ليست حركة بشر بل حركة سماء وأنها عمل إلهي أنا أتكلم والله يستخدم كلامي ليغير ويؤثر لذلك مقدار صلاتي هو ميزان حقيقي لخدمتي إهتم بإجتماع صلاة الخدمة وأن تكون لك فترات لصلاتك الخاصة من أجل الخدمة . ب- الصلاة هي وسيلة تنقية الخادم :- عندما أخدم مطلوب مني أن أكون إنسان مصلي من أجل نفسي لاستقبال نعمة الله وأكون وعاء للروح القدس لكي يستخدمني الله الصلاة تجعلني وعاء جيد لنقل البركات وعطايا الروح لن أستطيع أن أعطي عطايا الروح دون أن أتذوقها أولاً عندما أصلي تنقيني النعمة فتنضح على خدمتي وقناعة المخدوم بشخصي .جيد داود النبي عندما قال ﴿ إفتح شفتيَّ فيخبر فمي بتسبيحك ﴾ كان التسبيح بالنسبة له خدمة يطلب عنها هكذا أنت أيضاً قل له إفتح فمي ونقيني لا يمكن أن يُعلم إنسان عن طريق دون أن يسلكه ولن يستطيع أن يشرح ما هي الصلاة دون أن يمارسها لأن الصلاة ممارسة وليست معلومة الآباء يقولون ﴿ صلي لكي تعرف كيف تتعلم الصلاة صلي لكي تعرف كيف تُعلم الصلاة صلي كي تعرف كيف تصلي ﴾بالصلاة تستنير روح الخادم وترتفع نفسه وتتقوى بالصلاة تعرف مفتاح سرائر الله سواء كان مهموم أو حزين أو في فرح يصلي لذلك الصلاة هي وسيلة تنقية للخادم والمخدوم معاً لذلك بصلاتك يتقدس عقلك ولسانك وقلبك ومشاعرك فتصير في حالة صلاة تسمع كثيرون يقولون أننا نحب سماع صوت المتنيح أبونا بيشوي كامل حتى وإن كنا غير مركزين لما يقول لو بحثنا عن أبونا بيشوي نجده مُصلي في مخدعه وضع صورة لربنا يسوع على الصليب وتحت قدميه تركع مريم المجدلية والعالم كله أُخليَ من حولهما هكذا تخيل أنت نفسك أنك في نفس الموقف إن كنت متكبر إركع تحت أقدام يسوع وإن كنت خاطئ إركع تحت أقدام يسوع وإن كنت متعزي إركع تحت أقدام يسوع كل ذلك ماذا يفعل في خدمتك ؟!! ج- الصلاة هي وسيلة معرفة وحكمة :- أنت في الخدمة تُعلم ماذا تُعلم ؟ الخدمة ليست معلومة ولا تُخرج فلاسفة بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس الذين كانوا ذوي حكمة ومعرفة وقال لهم أنا لست أكلمكم بكلام حكمة بل بنبوة الروح ( 1كو 2 : 4 ) يقول أيضاً صلوا لكي يعطي الله كلمة عند افتتاح فمي ( أف 6 : 19) ﴿ واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود ﴾ ( 1كو 1 : 28 ) الأمر ليس فصاحة ولغة لكن عندما تصلي تجد أن الكلمات مهما كانت بسيطة إلا أنها مؤثرة ومُفرحة ومؤنبة ومشجعة إجعل كلامك مسنود بالصلاة صلي بقدر وقت الكلمة إن كانت الكلمة نصف ساعة صلي نصف ساعة إختبر أن تِحضَّر درس جيد واختبر أن تصلي من أجله ستجد أن إحساسك وتفاعلك مع الكلمات إختلف عن درس بدون الصلاة مهما كان تحضيره جيد هذا بسبب الصلاة لذلك مصدر التعليم في الكنيسة هو الصلاة ولذلك أيضاً قال الآباء ﴿ أن اللاهوتي الحقيقي هو المُصلي ﴾ما سر نقاوة إيمان أثناسيوس ؟ لأن اللاهوت بالنسبة له ليس حقائق فلسفية بل حياة كان آريوس فيلسوف وشاعر وفصيح جداً حتى أن كل من جلس معه كان لا يستطيع أن يقاوم فكره فجعل العالم كله يسير خلفه آريوس كان أفصح من أثناسيوس لأنه كان يقنع كل من يتكلم معه سواء مثقف حكيم أو بسيط لكن ما الذي جعل أثناسيوس يتحداه ويقف أمامه ؟ تقواه أنه كان إنسان مُصلي هل تريد أن تُعلم أولادك طقس عقيدة لاهوت ؟ صلي إن الصلاة في الكنيسة هي مصدر الفهم والمعرفة وتحكمك للخلاص لذلك يقول الكتاب أن الكنيسة عندما إختارت سبع شمامسة قال الرسل لكي نواظب نحن على الصلاة وخدمة الكلمة( أع 6 : 4 ) بدون الصلاة يكون مصدر الكلام العقل والذي يخرج من العقل يخاطب العقل ونحن لسنا أُناس أفكار بل أصحاب روحيات والروحيات لابد أن تُسند بصلاة . د- الصلاة هي وسيلة تعبير عن حب المخدوم :- أصدق وسيلة تعبير عن حبك للمخدوم هي الصلاة نعم نشاطات الخدمة من رحلات ومسابقات و تعبر عن حبك واهتمامك بالمخدوم لكن أهم وسيلة تعبر عن حبك لهم هي الصلاة لأن عدم صلاتك للمخدومين يحول الخدمة إلى خدمة ذاتية فتجدهم يحبوك لذاتك وتصير أنت المستفيد لحساب رصيد ذاتك لكن عندما تحبهم حب صادق تصلي لأجلهم وما أروع ما قاله صموئيل النبي عندما رفضوه وطلبوا ملك مثل سائر الأمم قال مهما رفضوني لن أكرههم بل ﴿ وأما أنا فحاشا لي أن أُخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم ﴾ ( 1صم 12 : 23 ) المتنيح أبونا بيشوي كان يعشق هذه الآية وكل كاهن كان يأتيه ليأخذ نُصحه كان يقولها له كان يجعلها شعار لخدمته إجعل الأمر ينتسب لله وليس لك إن لم يصلي يصير مخطئ إلى الله * بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم * تعبير عملي عن محبتك للمخدوم وما أجمل ربنا يسوع عندما قال لبطرس الرسول ﴿ طلبت من أجلك ﴾ ( لو 22 : 32 ) أي أنا أحبك وأصلي من أجلك لن أتركك مهما تركتني سأصلي دائماً من أجلك عندما تقرأ صلاة ربنا يسوع الوداعية نجده يقول فيها ﴿ أيها الآب القدوس إحفظهم في إسمك لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير ﴾ ( يو 17 : 11 – 15) كيف تقول ذلك يارب وأنت تعلم أن هناك مكيدة مدبرة من أجلك وستُسلم وتُصلب و ؟ يقول لأني أحبهم أجمل وسيلة للتعبير عن حبك للمخدومين أن تصلي لأجلهم وبذلك تعلن عن أنهم للمسيح فتتحرر من ذاتك وتصير خادم للمسيح وليس لذاتك هل تريد أن تأخذ مؤشر صادق لخدمتك ولمحبتك للمخدومين ؟ صلي من أجل ضعفات الخدمة والمخدومين وأين أنت ؟ أنت تحت الكل ما عليك إلا أن تسلم الوكالة لصاحبهاإن لم تصلي ستعالج ضعفات المخدومين بقدراتك ولن تستطيع لأن الله يعلن لك عجزك عن ذلك فصلي وانحني كثيراً ما قال بولس الرسول ﴿ أحني ركبتيَّ ﴾ ( أف 3 : 14) وكثيراً ما قال موسى النبي سقطت على وجهي ( عد 14 : 5 ) موسى النبي من حبه للمخدومين قال للرب إن لم تغفر لهم إمحوا إسمي من سفر الحياة ( خر 32 : 32 ) نعم هم أخطأوا لكن إغفر لهم وإن لم تغفر لهم فإهلكني معهم بولس الرسول قال أنا كنت أود أن أكون أنا نفسي محروم من المسيح المهم أن يعرفوه هم ( رو 9 : 3 ) كيف يا بولس وأنت قد تركت كل شئ من أجل ربنا يسوع ؟ يجيب ما قيمة أن أعرفه وحدي دون سائر أحبائي مادمت قد عرفته لابد أن يعرفوه هم أيضاً .ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
15 أكتوبر 2021

مثَل حبة الخردل ج2

-2- لقد قلتَ لرسلك الأطهار، مشجعًا حياتهم في الإيمان: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ... فَيَنْتَقِلُ». إنّ حبّة الخردل صلبة جدًّا، في صغرها المتناهي. تحمِل أيضًا صفات الإيمان الصلب الذي لا يلين، إيمان الأقباط نَقَلَ الجبل فعلاً، وهي معجزة لا ينساها الأقباط مهما مضى عليها من زمن، فهي حدثت في أيام البابا أبرام بن زرعة، وحُكم المُعِزّ لدين الله الفاطمي، حدَثَت في وضح النهار وقدّام جماهير المصريين، انتقلَ الجبل وسار بقوة الإيمان، المشبَّه بحبّة الخردل.. إيمان لم تَنَلْ منه التجارب ولا الاضطهادات، ولا شكوى عدو الخير.. بل زادته التجارب صلابة وقوّة، وصقَلته المحن والضيقات.. فهل تسند إيماني بك وتوطِّد رجائي فيك. ولكن هذه البذرة يا مخلصي، لابد أن تَسقط في الأرض وتموت، كقولك عن ذاتك وصليبك «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يو12: 24).. هذا قلتَه يا مخلصي الصالح عن موتِك المُحيي. لابد أن تعاني بذرة الملكوت في القلب، ما تعانيه البذرة، حبّة الخردل في تراب الأرض، لابد أن تصارِع حتى الموت في مواجهة عوامل الفناء والموت والتحلُّل.. تموت لتنمو، تُدفَن لتقوم، تتحلّل لتصير أعظم.. تفنى في باطن الأرض لترتفع إلى السماء.. سرّ عجيب!! والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني، من أين هذه الفروع العظيمة، الكبيرة؟ مِن تلك البذرة المتناهية في الصغر. من أين أتت الحياة المُزهِرة التي للقدّيسين حتى صاروا عظماء ممجَّدين في كلّ العالم؟ مِن حبّة الخردل الصغيرة في القلب، من بذل الحياة والفناء من أجل ملكوت الله. فلما كمُل البذل وإنكار الذات وحمل الصليب، أخرجَتْ شجرة الملكوت، وأغصانها صارت تملأ الدنيا كلّها. وصارت حبّة الخردل سبب راحة وخلاص لطيور السماء، صارت مسكنًا لألوف، وعشًّا تضع فيها أفراخها للإكثار، وملجأ من السيل والحر، ووطن للغريب. متى يُستعلَن ملكوت الله، ينمو ممتدًّا حتّى يظلّل على الكثيرين؟ إنّ حبة الخردل تبدو بلا فائدة وبلا قيمة حتى تتحوّل إلى شجرة عظيمة. أي لا تصير لذاتها أو قائمة بذاتها بل تُصبِح وتعيش للآخرين. علِّمني الخروج من ذاتي وإنكار ذاتي، بل وبذل ذاتي. هكذا سيظل ملكوتك يا إلهي محصورًا فيَّ إلى أن يُستعلن خادمًا للآخرين، يأوي إليه طيور السماء.. - أغصان حُبّ ورحمة تظلّل الضعفاء.. أغصان اتضاع ومسكنة تحمل الأثمار. ومِن ثقل الأثمار تراها متّجهة إلى أسفل.. - أغصان قداسة تفيح رائحتها، تملأ المسكونة من رائحة المسيح الزكية..أغصان زيتون الروح الجُدُد المتجدّدين، محيطين بمائدة المذبح. - أغصان خشبة الصليب، وحمل الصليب، وحبّ الصليب.. أتوسل إليك أن تصير حبّة الخردل التي ألقيتَها في أرضي.. في قلبي، واستودعتها سرّ حياتك الخاصّة، فصارت كائنة من أقاصي المسكونة إلى أقصاها. وها أنا أطلب في الصلاة أن تحفظها بسلام. + قلتَ يا سيدي عن حبّة الحنطة «إِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا».. إنّ قِشْرتها الصغيرة تجدها في حجمها الصغير، فلابد أن تنحل هذه القشرة، وتتكسّر وتفنى في تراب الأرض، لتعطي فرصة للجنين الحي ليشقّ طريقه، مثل قشرة البيضة محيطة بالفرخ الحي، لابد أن تتهشم ليخرج هو إلى الحياة. القشرة الخارجية هي الذّات التي أحرص عليها، والمظهر الخارجي، وحياة إنساني الخارجي، إنسان الجسد والتراب. إنكار الذات والتفريط فيها، وجحد مشيئتها وصلب الجسد مع الأعضاء.. و«مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ» (رو8: 36).. كلّ هذا تعبير عن خلع العتيق ليفسح مكانًا للجديد. + إنّ النمو والزيادة، هما قانون حياة الروح وملكوتك يا إلهي. فحبّة الخردل، لا تبقى دومًا محجوزة داخل قشرتها الصغيرة، هذا مستحيل.. فما أن تبدأ رحلة نموها حتى تحطِّم كلّ مقاييس الصغر. ملكوتك زيادة، لا تعرف النقصان، يُفاجَأ العالم بها وإذ هي شجرة كبيرة.. نمّيني في النعمة، وفي معرفة ربِّي يسوع المسيح.. اجعلني أنمو كلّ يوم، دَعْ بذرة الملكوت تنمو داخل قلبي كلّ يوم. + الكنيسة هي ملكوتك يا إلهي على الأرض، وهي الملجأ والظلّ، ومكان الاحتماء «العُصْفورُ وجَدَ لهُ بَيْتاً واليَمامَةُ عُشّاً لِتضَعَ فيهِ أفْراخَها، مَذابِحُكَ يا رَبُّ إلَه القُوّاتِ مَلِكي وإلَهي. طوبَى لِكلِّ السُّكانِ فى بَيْتِكَ» (مز83 أجبية). الصليب صار كحبّة الخردل، عندما زُرع في الأرض، وارتوى بدم المسيح، صار شجرة أبدية، تحت ظلّه تشتهي النفوس أن تبيت وتستريح. وطيور السماء المُحلِّقة في الروحيّات لا تجد راحتها سوى في الصليب يا إلهي.. كلّ من أوى إلى أغصان الصليب يكون قد دخل لكي يحتمي تحت جناحيّ المسيح. والآن.. هل وصلتْ إليَّ كلمة الملكوت؟ هل وجدَتْ في قلبي مكانًا تختبئ فيه؟ هل وجدَتْ فيه رطوبة وليونة وسقي ماء الروح؟ هل وجدَتْ أيضًا عمقَ أرضٍ حتى تفسح لها مكانًا تعمل فيه جذورها لتتأصّل؟ إن وجد كلّ هذا، فكلمة الملكوت سوف يُستعلَن وجودها لا محالة. سوف تظهر أغصانها ويمتدّ الملكوت فيَّ وبيَّ. ولكن أنا أعلم أنّ ساق النبات وأوراقه يظهر في مرحلة أولى، بينما الأثمار هي آخر مراحله. فأطلب إليك وأتوسل أن تتأصّل فيَّ كلمة الملكوت، لكي أُثمر لك يا إلهي ومخلّصي. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
14 أكتوبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس حجى

حجى " هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب "" حج 1: 4 " مقدمة لست أعلم كم بكى حجى كلما وقعت عيناه على منظر بيت اللّه وهو أطلال دارسة!!؟.. ولست أعلم هل كان صغيراً عندما أخذ إلى السبى مع أبويه، وقضى هناك سبعين عاماً، ثم عاد ليرى صورة طوتها الأيام، صورة البيت القديم فى مجده الشامخ وصورته الآن بعد أن تحول أنقاضاً وخراباً!!؟.. إن هناك قلة من المفسرين تتجه إلى ذلك!!.. على أن البعض الآخر يصوره، على العكس، فى شرخ الشباب وقد استوى عوده، وهو يذهب ويجئ إذ ولد فى وطنه وبلده، ليرى كل صباح ومساء بيت اللّه الخرب، والذى وضع أساسه، وعجز الواضعون عن أن يتقدموا إلى البناء، وتراكمت الأحجار هنا وهناك، وعلى مقربة منها قصور مغشاة بناها الراجعون من السبى!!.. وأية مقارنة يمكن أن يتصورها العقل،.. بين إنسان يستريح فى قصره، وبيت اللّه خراب؟!!.. لم يبك حجى فحسب، بل لعله امتلأ غيظاً وسخطاً ومرارة وأسى، كيف يبنى الإنسان بيته الأرضى بكل حماس وهمة وغيرة وبذل، وهو لا يعطى بيت اللّه عشر معشار ما يفعل بمسكنه وبيته وقصره؟!! ولكنها هى مأساة الإنسان فى كل العصور، عندما يوازن بصدق وحق بين ما يفعله من أجل بيته وأسرته وأولاده،... وما يفعله، أو بالحرى، لا يفعله فى بيت اللّه!!.. إنها فاجعة تروى، وعبرة تحكى، ولعل حجى النبى ينتصب أمامنا من وراء العصور القديمة، ليحدثنا كيف يحدث هذا ونحن نتابع روايته وقصته!!.. حجى وأيامه لعلنا - وقد درسنا فيما سلف بعض شخصيات الأنبياء - أن نلاحظ أن المجموعة الأولى التى كانت أدنى إلى الامبراطورية الأشورية والتى ارتبطت نبوتها بها عن قرب أو بعد هى مجموعة يونان، ويوئيل، وعاموس، وهوشع، وإشعياء، وميخا، وناحوم أما التى ارتبطت بالعصر البابلى فتشمل: حبقوق، وصفنيا، وإرميا، ودانيال، وحزقيال، وعوبديا،.. أما المجموعة الثالثة فهى التى جاءت بعد السبى، وهى مجموعة حجى، وزكريا، وملاخى، ولا يكاد المرؤ يعلم بالتمام كم كان عمر حجى عندما تنبأ إلا أنه وقد تنبأ فى السنة الثانية لداريوس الملك، فمن المعتقد أن نبوته كانت سنة 520 ق. م. ونحن نعلم أن الغرض الأول من عودة المسبيين إلى أورشليم كان بناء الهيكل وإرجاع العبادة كما فى الأيام القديمة الخوالى، ويبدو أن المسبيين بدأوا بذلك، لكنهم أحسوا بعد قليل بضعفهم وعجزهم عن العمل. وإذا تابعنا سفر عزرا فإننا ندرك أنهم لم ينشطوا من اليوم الأول فى بناء بيت اللّه، كما كان منتظراً، بل ظلوا سبعة شهور دون أن يفعلوا شيئاً تقريباً، ثم رأوا أنه إذا لم يكن بد من البدء، فمن واجبهم - على الأقل - أن يقيموا المذبح للعبادة، وقد قاموا فعلا بذلك، ثم شرعوا فى السنة التالية فى وضع حجر الأساس لهيكل اللّه، ولكنهم بعد وضع الحجر توقفوا عن العمل، فى وجه الصعوبات الخارجية، والداخلية معاً،.. أما الصعوبات الخارجية فكانت راجعة إلى وجود الأعداء المتربصين بهم، الحريصين على مقاومة كل جهد فى بناء بيت اللّه،... أما الداخلية، فترجع لإحساسهم بقلة عددهم وعدتهم، إذ هم عدد قليل فقير متعب، ليس لهم من دفاع. إذ أن جيشهم ضعيف لا يقوى على حمايتهم، كما أنهم لا يستطيعون الصعود إلى الجبال لجلب الأرز اللازم للعمل، إذ يكبدهم هذا مشقة فوق طاقتهم، فكان أن توقفوا عن العمل، أو بالحرى، أجلوه إلى وقت آخر. وهذان الأمران على الدوام هما اللذان يعطلان بناء بيوت اللّه وإقامة العبادة فى كل عصر، إذ يحسب المؤمنون أنهم أقلية ضعيفة غير قادرة على مواجهة كافة الصعوبات المرتبطة بالعمل!!.. حجى والحاجة إلى بيت اللّه ترتبط نبوة حجى ببناء الهيكل ارتباطاً كاملا، ولا حاجة إلى القول بأن الهيكل كان أهم شئ فى حياة شعب اللّه، إذ أنه مركز تجمعهم، والتفافهم حول عقيدتهم وإيمانهم باللّه، وقد كتب توماس كارليل فى كتابة « الأبطال وعبادة البطولة » قائلا: « تعد ديانة الإنسان من كل وجه، الحقيقة الأساسية بالنسبة له، لأى إنسان أو أية أمة من الناس،... إن الشئ الذى يؤمن به الإنسان عملياً،... ويضعه فى قلبه، ويرتبط به فى هذا الوجود السرى، ويرى حياته ومصيره هناك، هذا الشئ بكل تأكيد هو أهم ما يواجهه فى الحياة. ويقرر تبعاً لذلك كل أوضاعه الأخرى... فإذا حدثتنى عنه، فإنك تحدثنى إلى أبعد الحدود، عمن هو هذا الرجل، وأى نوع من الأشياء لابد سيفعل »... ومن ثم نعلم كمسيحيين وكمؤمنين أثر الكنيسة فى حياتنا وحياة أولادنا!!... كتب دكتور ف. أ. اتكنز فى واحد من كتبه الصغيرة، يقول إنه خرج من الكنيسة فى مدينة نيويورك فى يوم أحد، وقد أخذ يتفرس فى وجوه الناس، ورأى كثيرين من الذين يسيرون فى الشوارع ولا رابط لهم بكنيسة ما، ووجوههم صلبة قاسية، وبعضهم يمتلئون بالكآبة والتعاسة البادية على مظهرهم،.. غير أنه اقترب من الكنيسة المشيخية فى الشارع الخامس، وكان المصلون خارجين منها، وإذا وجوههم تلمع بالأمل والرجاء والبهجة والانتصار، وكانت هذه هى الكنيسة التى يعظ فيها فى ذلك الوقت دكتور جويت،... ومع أن الكنائس قد لا تجد وعاظاً مقتدرين مثل هذا الواعظ المشهور، لكن كلمة اللّه نفسها لها القدرة والفاعلية، لترفع الإنسان فوق المعاناة والآلام والضيقات والشدائد!!... كان العائدون من السبى فى أمس الحاجة إلى الهيكل الذى يمكن أن يعطيهم بسمة الرجاء رغم أطلال الخراب التى وجدوها أمامهم!!.. حجى والعقبات أمام بناء بيت اللّه عاد الرعيل الأول من السبى، وكانت رغبتهم الأولى بناء بيت اللّه، ولعلهم كانوا جذوة ملتهبة من الحماس والرغبة فى أن يروا هذا البيت قائماً فى أسرع وقت، ولكن العقبة تلو العقبة ظهرت أمامهم فى الطريق، إذا بالجذوة تنطفئ، وإذا بهم ينصرفون عن العمل، وتنقضى ستة عشر عاماً بعد وضع حجر الأساس دون أن يحركوا ساكناً،... وانتهوا - كما ذكر حجى - إلى أن الوقت لم يحن لبناء هذا البيت، وربما يكون مفيداً جداً أن نقف من هذه العقبات التى تتكرر كثيراً، وبصورة مشابهة عند إقدام الكثيرين على بناء بيوت اللّه، فى العصور المختلفة من التاريخ!!.. ولعله من اللازم أول الأمر أن نخرج شخص اللّه من أن يكون عقبة فى الأمر، إذ أنه على العكس من ذلك، يرغب كل الرغبة، فى أن ننشغل جميعاً ببناء بيوته، وليس أدل على ذلك من سخطه على خراب البيت، ولعنته التى أصاب بها الناس، وتنبيهه لزربابل والشعب عن طريق النبيين: حجى وزكريا، إن الخراب فى حد ذاته قاس، وهو مناقض لمشاعر اللّه وقلبه، وهو لا يستطيع أن يبصره دون حزن وألم، وعندما خلق عالمنا لم يستطع أن يبقى على الأرض خربة وخالية، ولمسها لمسة الحياة والجمال والقوة والعمران،... فإذا كان الخراب فى ذاته مروعاً أمام اللّه، فإن خراب الخراب، إن صح التعبير، هو خراب بيوت اللّه بالذات،... وإذا كان بعض الذين عادوا من السبى، وفى ذكرياتهم القديمة - وهم شيوخ تجاوزوا السبعين عاماً - صورة بيت اللّه العظيم الذى قوضه نبوخذ نصر وأتى عليه بعد كل المجد الذى كان عليه، والجهد الخارق للعادة الذى بذله سليمان فى بنائه،.. إذا كانت هذه الصورة تحزن وتبكى إنساناً، مهما تكن رقة قلبه، فإنها فى الواقع تدمى قلب اللّه وتملؤه بالضيق والألم والحزن والمرارة،... ويكفى أن تسمع القول الإلهى: « ولماذا يقول رب الجنود. لأجل بيتى الذى هو خراب » " حجى 1: 9 ".. فإذا عن للإنسان أن يسأل بعد ذلك: ولكن إذا كانت هذه هى رغبة اللّه، وهذا قصده،... إذاً لماذا يترك هذا البيت يخرب وينجس؟ ولماذا يسمح بأن تمتد إليه معاول الهدم، على الصورة البشعة المتكررة فى التاريخ؟؟. ولماذا يسمح بأن تقوض كنائس وتخرب أو تغلق أبوابها؟!. إن الجواب الواضح لا يمكن أن نجده بعيداً عن يسوع المسيح، الذى كشف عن أمرين جوهريين أساسيين فى قلب اللّه، أولهما غيرته المطلقة على هذا البيت، الغيرة التى جعلته يضع سوطاً، ويطهر الهيكل، من الباعة، والصيارف، والرؤساء، الذين حولوا البيت إلى مغارة لصوص،... والصورة الثانية هى نبوته عن الهيكل، عندما تفاخر التلاميذ بعظمة بنائه، وأكد لهم أنه سيهدم حتى الأساس دون أن يترك حجر على حجر لا ينقض!!..، وإذا كان المسيح قد واجه خطية العالم بصليبه العظيم، فإنه لا يمكن أن تغلق كنيسة أمام عينيه دون أن يطعن مرة أخرى فى جنبه بحربة الصليب!!.. على أن المأساة تبلغ أقصاها فى الموازنة بين بيت اللّه، وبيوت الناس بين الجهد الذى يبذل فى بيت اللّه، والجهد الذى يبذل فى بيوت الناس،... والفاجعة الكبرى أن الناس على قدر ما يبذلون فى بناء بيوتهم ويزينونها بسخاء حتى تبدو تحفا رائعة،.. وعلى قدر ما يفخرون بذلك ويتباهون، فالأمر على العكس تماماً فى بيت اللّه، إذ تقبض اليد وتجد مالا يحصى ويعد من أسباب الاعتذار من المساعدة أو المساندة أو المساهمة،... إن أى بيت عادة، يكشف مظهره ومبناه عن صاحبه وساكنه، فالفقير لا يمكن أن يملك قصراً، والغنى يرفض أن يسكن فى كوخ، وأنت لست فى حاجة إلى حساب دقيق حتى تعرف ساكن البيت من مجرد نظرة إلى بيته،... وقد وضع الناس فى أيام حجى، وإلى اليوم مايزالون يضعون اللّه ونفوسهم فى الوضع العجيب الغريب،... لقد مر الشاب ذات يوم بكنيسة من الكنائس فى مدينة من المدن المصرية، وكانت أقرب إلى عشة من عشش الفراخ، وتعجب الشاب أبلغ العجب، إذ أن بعض أعضاء هذه الكنيسة كانوا من أغنياء البلاد، وكانوا يملكون القصور الشامخة، فى المدينة نفسها، وفى غيرها من المدن،... وعجب الشاب، وقد امتلا من المرارة والأسى، كيف يرضى هؤلاء أن يناموا ليلة واحدة فى بيوتهم المغشاة، وبيت اللّه خراب،... وهل يقبل هؤلاء وغيرهم أن يبدو اللّه الذى لا تسعة سماء السموات، والأرض موطئ قدميه، هل يرضوا أن يبدو السيد العظيم، كاليتيم والفقير والبائس الذى لا يملك إلا كوخاً خرباً ليسكن فيه!!؟... إن كل من يهتم ببيته، وينسى بيت اللّه، يضع اللّه فى هذا الوضع المخجل الجارح!! فإذا أخذنا الأمر من وجهة أخرى، فإنه من الصعب على الإنسان أن يواجه نفسه بهذه الحقيقة الجارحة المعراة، والضمير مهما كان من عثراته لا يمكن أن يواجه هذا المنطق دون خجل، ولابد للضمير أن يجد حلا للمشكلة، وهذا الحل الأحمق يأتى بنوع من المداورة فى التفسير، فإذا كان الإنسان يرفض أن يرى بيت اللّه خرباً أو أدنى إلى الأكواخ، وهو يرفض أن يتهم نفسه بالشح والبخل، فالأفضل أن يربط بين البناء والتأجيل، فالوقت لم يبلغ أو يأت بعد لبناء البيت،... وضع اليهود الأساس، ثم توقفوا عن العمل، وظل التوقف ستة عشر عاماً، فما العذر!!؟ ليس هناك من عذر إلا أن الوقت لم يحن، وسيأتى يوم ما، فيه لابد أن نبنى وننهض للعمل،!!... وهنا مرة أخرى تأتى الموازنة بين بيوت الناس وبيت اللّه، عندما يبنى الإنسان مسكناً أو قصراً، إنه لا يهدأ أو يستريح حتى يتممه، والأفضل أن يغشيه، ويبدع فيه بكل ما فى هندسة الديكور من فن وجمال،... وهو لا يقبل أن يرجئ اللمسات الفنية الأخيرة قبل أن يسكن فيه، بل هو حريص على السرعة والإبداع معاً،... وهو غير ضنين بكل جهد أو مال فى هذا السبيل،... أما بيت اللّه فهذا شأن آخر، وأمر آخر، وأسلوب آخر،... والتأجيل هنا مريح، ومعقول، ويهدئ النفس تماماً،... ومأساة التأجيل هنا ليست مثيرة ومزعجة فحسب، بل أكثر من ذلك تقود إلى نوع من الختل والخداع، يفقد معه الإنسان سلامة التفكير، والقياس الصحيح، إذ يصبح التأجيل الواقع الذى يألفه الناس، ولا يرون غيره،... فإذا أنت مررت بالخراب أياما وشهوراً وسنوات، وارتسم أمام عينيك، وأضحى من معالم الحياة، فإن التغيير بعد ذلك يصبح أمراً يوشك أن يكون شاذاً وغير مألوف!!.. فإذا نهض السائل يقول: « أليس من واجبنا التغيير؟ يجد الجواب السريع: لقد ورثنا الخراب عن آبائنا ونحن لا نستطيع أن نغير الواقع بين يوم وليلة،... فليبق إلى أن تأتى أيام أفضل يمكن معها عمل مثل هذا التغيير!!... وإذا كان الإنسان فى حد ذاته سخط على آبائه الذين أورثوه الخراب،... فمن الغريب أو العجيب أنه يرضى أن يورث أبناءه ذات الخراب،... وكان بالأولى أن يفعل العكس، لعله يعطيهم حياة أيسر وأسهل،... إنه يذكرنا بأحد المهاجرين، الذى عرض فى الولايات المتحدة مزرعة وبيتاً بثمن بخس، يكاد يقرب من تكاليف البيت فقط، وعندما سئل عن السبب أجاب: إن أقرب كنيسة ومدرسة أحد على بعد عشرين ميلا من المكان، وهو لا يستطيع أن يرى أولاده محرومين من بيت اللّه، ومن العبادة المسيحية!!.. والذين يهتمون بأن يبنوا بيوتاً مغشاة، كان أولى بهم أن يهتموا ببناء بيت الرب، حتى يستطيعوا أن يورثوا أولادهم أثمن ما يورث الإنسان فى الأرض،... الإيمان الذى سكن فى آبائهم وأجدادهم من قبل!!.. ومن الواضح دائماً أن الإنسان بطبعه ملول، فإذا جنح إلى التأجيل، فإنه سيجنح فى العادة إلى المزيد منه، وهذه كارثة التأجيل فى الحياة،.. فإذا أجل الإنسان الخلاص،... فيخشى أن يضيع منه، متقسياً بغرور الخطية..، وما أكثر ما خرج شاب من اجتماعات النهضة، تحت تصميم أن يودع ماضيه الآثم، وإذ يرى الشيطان منه هذا التصميم، لا يقاومه فى المبدأ، ولكن يصارعه فى التوقيت، وهنا الطامة الكبرى، والتى مثلها فيلكس الذى سمع بولس يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، فارتعب، وخرج من الإرتعاب من باب التأجيل الموارب، وهو يقول للرسول: « أما الآن فاذهب ومتى حصلت على وقت أستدعيك »... " أع 24: 25 " ومن المؤسف أنه استحضر بولس مراراً كثيرة بعد ذلك،...... ولكن لا للتوبة، بل على أمل أن يعطيه بولس دراهم ليطلقه!!... وقد قاوم السيد المسيح التأجيل فى الخدمة، سواء فى الذى أراد أن يقوم بها بعد أن يموت أبوه ثم يدفنه، أو فى ذاك الذى طلب أن يودع الذين فى بيته!!.. وكلاهما أشبه بمن قال فى أيام حجى: « إن الوقت لم يبلغ لبناء بيت الرب » "حجى 1: 2 ". وقد صح اللّه هذا الوضع الخاطئ بمعاودة التأمل فى التأجيل، إذ طلب من الشعب: « اجعلوا قلبكم على طرقكم » " حجى 1: 5 " أى أن يفكروا بعمق أكثر، واهتمام أعمق، فى الطريق التى يسلكونها،... كما طلب المسيح من تلميذيه المشار إليهما أن يتجنبا التأجيل، تاركاً للموتى روحيا أن يدفنوا موتاهم، أو محدثاً عن الخطر الذى يلحق بمن يضع يده على المحراث ثم ينظر إلى الوراء!!.. وثمة أمر آخر ينبغى إدراكه، أن اللّه - وإن كان هو القادر على كل شئ ويمكن أن يقيم من الحجارة أعظم مبنى رآه الإنسان ليكون بيت عبادة له - إلا أن سياسته الدائمة أن يبنى عمله بسواعد الإنسان وشركته، وهو يذكرنا بما حدث فى الحرب العالمية الثانية، إذ دمرت القنابل كنيسة ألمانية، أعادها الألمان بعد الحرب، ولم يتغير فيها سوى تمثال للمسيح قطعت ذراعاه، وعندما أراد البعض أن يضعوا الذراعين، رفض الآخرون، إذ قالوا: إن ذراع المسيح فى الأرض هى تلاميذه وأتباعه وخدامه بين الناس،... ولو وعى الشعب أيام حجى هذه الحقيقة لأدركوا أنهم أمام أعظم امتياز، وأرهب مسئولية،... وأن اللّه أعطى سليمان امتيازه العظيم ببناء الهيكل، وأعطى جستنينان الأمبراطور امتيازاً، وأعطى المهندس وليم ويكهام، وهو يبنى كنيسة من أعظم الكنائس الإنجليزية، أن يكتب على النافذة: « هذا العمل صنع وليم ويكهام »... ولما سأله ادوارد السابع ملك إنجلترا متعجباً: ماذا يقصد بذلك، أجاب: « إن بناء الكنيسة قد منحه شرفاً ومجداً وإمتيازاً، فهو لم يبن الكنيسة، لكن الكنيسة هى التى بنته »... واللّه على الدوام يتحدى تلاميذه وأتباعه، إذ يضع الإمتياز مع المسئولية جنباً إلى جنب، فإذا أمسك بهما الإنسان كان أسعد ما يكون، إذا لم يتنبه إليهما يسمع الصوت « لأجل بيتى الذى هو خراب وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته ».. " حجى 1: 9 ".وهناك الحقيقة التى تتبع هذا، أن الإنسان لابد أن يركض، ولا يمكن أن يعيش فى فراغ،... ولعل هذا ما قصده اللّه بالقول: « وأنتم راكضون » فإذا كانت الأيام تدور، وهو يركض مع الزمن، ولا يمكن أن يعود إلى الوراء، فإنه من جانب الحياة والعمل، سيركض أيضاً..، وهو إذاً لم يركض فى خدمة بيت اللّه، فإنه سيركض ويملأ الفراغ فى بيته وشهواته وأعماله،... « أليس جهاد للانسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه »؟.. " أيوب 7: 1 " والأمر كله يتوقف على القبلة التى يركض إليها، ومن المؤسف أن الشعب أيام حجى، عندما تركوا بيت اللّه بعد أن وضعوا الأساس، حملوا أدواتهم معهم، أدوات البناء، ليبنى كل واحد بيته، ومسكنه، ودائرته الخاصة،.. ومن العجيب أن جميع الاعتذارات التى منعتهم من بناء بيت اللّه، تلاشت، وذهبت كالبخار ههنا،.. كانوا فقراء عن الانفاق، وقد عادوا من السبى، وكان عذرهم الحاجة وضيق ذات اليد،... لكن هذا العذر لم يظهر وهم يبنون بيوتهم على الشكل الفخم، والصورة الجميلة،... كانوا خائفين متعبين منهوكى القوى، لعل غيرهم يأخذ مكانهم فى بناء بيت اللّه،... أما فى بناء بيوتهم، فهم لا يعرفون الراحة أو الهدوء، حتى يخرج كل شئ على الوجه الأجمل والأكمل!!.. والحقيقة الأخيرة فى العقبات، والتى يصح أن تذكر، هى أن عمل اللّه لا يمكن أن يكون سهلا أو فسحة أو نزهة، إنه دائماً عمل شاق ممتلئ بالصعاب والمتاعب والعقبات، ولعل مجده الصحيح فى صعوبته وقسوته،... إن قلب المسيحية العظيم صليب حمله سيدها، ودعا إليه أتباعه على الدوام: « إن أراد أحد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعنى » " لو 9: 23 " إن مجد الحياة فى صعابها المقهورة وفى مشاقها التى ينبغى التغلب عليها، إن المسيح لم يدع أتباعه ليعيشوا أطفالا، بل ليضحوا أبطالا،... وهو لم يدعهم إلى نزهة خلوية، بل إلى معركة دامية!!.. وهو يقول هنا لبناة بيت اللّه: « اصعدوا إلى الجبل وأتوا بخشب وابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد قال الرب ». "حجى 1: 8 " إنها معركة الصعود إلى الجبال، وقطع الأخشاب هناك، وحملها، مهما يكلف ذلك من مشقة أو عرق أو دموع،... وهو عمل اللّه الذى يدعو إليه من ينبغى أن يكافحوا ويبذلوا: « فاشترك أنت فى احتمال المشقات كجندى صالح ليسوع المسيح ». " 2 تى 2: 3 " أجل!! وليس فى المسيحية أو فى عمل اللّه إكليل دون جهاد أو صليب!!.. حجى والعودة إلى بناء بيت اللّه تنبأ حجى النبى، وسمع الناس نبوته، وكان الأثر الواضح ثلاثياً على الأقل. أولا: الخوف: « وخاف الشعب أمام وجه الرب » " حجى 1: 12 " ونحن نعجب أن يرتبط بناء بيت اللّه بالخوف،... ولكن الحقيقة أن الشعب أدرك سراً كان خافياً عليه، أو لم يكن واضحاً له كل الوضوح لقد تلاحقت الكوارث الطبيعية أمامه، إذ جف الزرع، وذهب الضرع، وضاعت المحاصيل: « زرعتم كثيراً ودخلتم قليلا. تأكلون وليس إلى الشبع، تشربون ولا تروون، تكتسون ولا تتدفأون. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب »... "حجى 1: 6 " « انتظرتم كثيراً وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه... لذلك منعت السموات من فوقكم الندى ومنعت الأرض غلتها، ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم وعلى كل أتعاب اليدين ».. "حجى 1: 9 -11 "« مذ تلك الأيام كان أحدكم يأتى إلى عرمة عشرين فكانت عشرة. أتى إلى حوض المعصرة ليغرف خمسين قورة كانت عشرين. قد ضربتكم باللفح - وباليرقان وبالبرد فى كل عمل أيديكم وما رجعتم إلى يقول الرب » "حجى 2: 16 و17 " وما من شك أن الشعب كان حائراً لا يدرى سر هذه النكبات الملاحقة،حتى وضع آخر الأمر إصبعه على السر،... لقد كانت جميعها عقاباً من اللّه لانصراف الناس عن بناء بيته، وهم فى سبيل بيوتهم وحياتهم الخاصة الممتلئة بالأنانية،... ولعلنا نلاحظ هنا وضعاً معكوساً، إذ كان الناس يحتجون، بأنهم لا يستطيعون بناء بيت اللّه، لأنهم فقراء لا يملكون شيئاً، ومحاصيلهم ضائعة، وثروتهم لا تمكنهم على الإطلاق من البذل فى سبيل البناء كانوا، فى لغة أخرى، يرون النتيجة سبباً، ورأى اللّه العكس، إذ أنها لعنة اللّه عليهم، وهم منصرفون إلى بيوتهم، دون بيت اللّه أو مجده، لقد طلب إيليا من أرملة صرفة صيداء، وهى تقش عيدانها لتأكل لقمتها الأخيرة مع ابنها، طلب منها كعكة صغيرة، ولكن ينبغى أن تكون له أولا!!.. ومهما يكن من ضيق ذات اليد، فإنه لا يجوز أن نبدأ العمل بعد أن تتحسن الأحوال، وتكثر الثروة، ويتسع الغنى،... إن اللّّه يهتم بفلسى الأرملة، قبل أن يهتم بأنهار الأموال التى تأتى إلى هيكله!!.. فإذا تقاعس المرء عن خدمة اللّه وهو فقير، فإن الفقر لن ينتهى، بل يتزايد ويصبح لعنة تلاحق صاحبها أينماذهب!!... ولعلنا نلاحظ فى أقوال حجى لا الفقر فحسب، بل تتابعه وتزايده، فالمحصول عندما يذهب إلى البيت يتناقص هناك، وعندما يتحول نقوداً فى الجيب، نجد أن الجيب نفسه منقوب، تضيع من ثقوبه البقية الباقية،... وقد ازدادت الرهبة عند الشعب، لا التى يمكن أن تصيبه، بل للبركة التى - على العكس - تضيع منه، فإن السخاء فى خدمة اللّه وبيته مصحوب دائماً بالبركة: « فمن هذا اليوم أبارك». "حجى 2: 19"... إن ما نضعه فى بناء الكنائس سيكون دائماً مصحوباً بفيض البركات الإلهية!!.. وهى حقيقة مؤكدة، إن ما تبقى عليه يضيع، وما نبذله يتحول كالبذار التى توضع فى الأرض ليتضاعف نتاجها وثمرها، وعندما أدرك الشعب هذه الحقيقة خاف أمام الرب، وأدرك تقصيره الشنيع... ثانيا: السبب الثانى لعودة الشعب إلى العمل، هو ذاك التحريك الداخلى لروح اللّّه فى زربابل وفيهم، « ونبه الرب روح زربابل بن شألتئيل وإلى يهوذا وروح يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وروح كل بقية الشعب ». "حجى 1: 14 " لقد ملأهم روح اللّه جميعاً بالإحساس بالتقصير والمهانة والحاجة إلى الحركة التى لابد أن تقوم بينهم للبناء،... هذا الوازع الداخلى الذى سيطر عليهم جميعاً، أعادهم إلى الحركة والعمل،... ونحن لا يمكن أن نعمل أو ننجح دون سيطرة روح اللّه علينا، وتحريك عواطفنا ومشاعرنا الداخلية، وتوجيهنا إلى العمل بثبات وهمة!! ثالثا: على أن السبب الثالث والأهم،... هو وعد اللّه بمعونتهم ومساندتهم فالآن تشدد يازربابل يقول الرب وتشدد يايهوشع بن يهو صادق الكاهن العظيم وتشددوا ياجميع شعب الأرض يقول الرب وأعملوا، فإنى معكم يقول رب الجنود » "حجى 2: 4 " قال أحدهم: « إقذف بى فى أى معركة، ولكن أعطنى أولأ يقين النصر، وأنا لا أتردد »... وها نحن نرى اللّه يؤكد هذا اليقين للجميع، وأنه مهما كانت العقبات التى تواجههم، فإن اللّه أقوى وأعظم وأقدر على كل مشكلة وصعوبة!!! حجى ومجد بيت اللّه كان الشعب محتاجاً إلى كلمة أخرى، إذ أنه مهما كان قوياً أو متشدداً أو صبوراً على العمل، فإنه لا يمكن أن يقيم بيتاً كالبيت القديم، الذى شاده سليمان بعد أن وفر له داود ما استطاع أن يوفر، وبعد أن بذل فيه سليمان - والمملكة فى أوج مجدها وغناها - وما بذل،... ولعل الخيال لعب دوره فى هذا المجال، خاصة وأن الشعب لم يعد له ملك، بل أضحى له وال هو زربابل، والأمة بعد السبى لاتزيد عن ولاية من الولايات التى يحكمها الفرس وهى مهما أعطى داريوس، فإنه لا يمكن أن يعطى شيئاً يقابل ما كان يملك سليمان فى مجده العظيم،.... لكن اللّه - مع هذا كله - يتحدث قائلا: «وأزلزل كل الأمم، ويأتى مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود. لى الفضة ولى الذهب يقول رب الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول "حجى 2: 7 - 9 ". فكيف يمكن أن يكون هذا؟... إنه هيهات أن يكون دون أن تزلزل أوضاع كثيرة، ويتغير كل شئ على وجه الأرض،... وقد حدث هذا فى يسوع المسيح، وبه،... كان من المستحيل أن يكون البيت الذى بناه زربابل، بيتاً أعلى وأسمى أجمل، من البيت القديم، الذى بناه سليمان، وكان من المستحيل أيضاً أن زربابل الراجع من السبى، يمكن أن يكون الخاتم الذى يرمز إلى القوة والسلطة والمجد، فى بيت داود،... كان الأمر أبعد وأعمق وأشمل وأكمل،.... ولم يكن زربابل القديم إلا رمزاً له، والبيت المتواضع القديم أيضاً لم يكن إلا صورة باهتة له!!... كان « زربابل » الحقيقى هو الرب يسوع المسيح،... وكان البيت القديم إشارة إلى كنيسة المسيح التى ستملأ الأرض كلها،... وتحول الأمر من اليهود إلى الأمم عندما جاء المسيح » مشتهى كل الأمم » ليبنى بيته وكنيسته فى الأرض!!... ولم تعد العبادة التى جاء بها المسيح عبادة طقسية: « هكذا قال رب الجنود اسأل الكهنة عن الشريعة قائلا: إن حمل إنسان لحماً مقدساً فى طرف ثوبه ومس بطرفه خبزاً أو طبيخاً أو خمراً أو زيتاً أو طعاماً ما، فهل يتقدس؟ فأجاب الكهنة وقالوا لا، فقال حجى إن كان المنجس بميت يمس شيئاً من هذه فهل يتنجس فأجاب الكهنة وقالوا يتنجس. فأجاب حجى وقال هكذا هذا الشعب وهكذا هذه الأمة قدامى يقول الرب وهكذا كل عمل أيديهم وما يقربونه هناك هو نجس »... "حجى 2: 11 - 14 " لأن الأمة لم تصل فى روحها إلى ما وراء الطقوس والفرائض، سلباً وإيجاباً، بل هى تقف عند المنجس أو غير المنجس، دون أن تبلغ اللباب الذى تحدث عنه المسيح، عندما سألته السامرية السؤال الطقسى أو الفرضى: « آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل وأنتم تقولون إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يسجد فيه، قال لها يسوع يا امرأة صدقينى أنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تتعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. اللّه روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا » " يو 4: 20 - 24 " وهذا هو التفسير الصحيح لأقوال حجى، وقد جاءت ساعته، فحل يسوع المسيح محل زربابل، وحلت الكنيسة محل الهيكل... وحلت العبادة الروحية بالروح والحق محل المنجس أو المقدس على أوضاع الشريعة القديمة،... وهى ذات الرؤيا التى أبصرها بطرس فى الملاءة العظيمة المربوطة بأربعة أطراف والمدلاة على الأرض، والتى طلب فيها اللّه منه أن يذبح ويأكل، وإذا هو يصيح: « كلا يارب لأنىلم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً، وإذا بالصوت يصير إليه ثانياً: « ما طهره اللّه لا تدنسه أنت »!!.. " أع 10: 14 و15 "وإذا هو على باب كرنيليوس، بل على باب الأمم العظيم المفتوح لهم بنعمة يسوع المسيح!!.. أجل لقد هدم نبوخذ نصر هيكل سليمان، وهدم تيطس الرومانى الهيكل الذى بناه هيرودس فى ست وأربعين سنة، وتبعثر اليهود فى كل أركان الأرض، ونهضت كنيسة المسيح التى لا تقهر، ومجدها يملأ كل الأرض،... وستبقى حتى تعود له كنيسة مجيدة لا دنس فيها أو غضن، أو شئ من ذلك عندما تنزل من السماء، عروساً مزينة لرجلها: « مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفى هذا المكان أعطى السلام يقول رب الجنود »... "حجى 2: 9 ".
المزيد
13 أكتوبر 2021

من الأعواز

يرجع هذا الموضوع إلى قصة أرملة فقيرة وضعت فلسين في صندوق العطاء‏,‏ أي بضعة ملاليم‏,‏ بينما كبار رجال القوم وضعوا بالمئات‏,‏ والسيد المسيح رأي هذه الأرملة الفقيرة في عطائها وقال‏:‏ الحق أقول لكم‏:‏ إن هذه الأرملة الفقيرة قد أعطت أكثر من الجميع لأن هؤلاء من فضلتهم. ألقوا في الصندوق, بينما هذه قد أعطت من إعوازها.حقًا إن الله ينظر إلى عمق العطاء وليس إلى مجرد قيمته, والذي يعطي من إعوازه من احتياجاته يدل علي عطاءه فيه الكثير من الحب, ومن تفضيل غيره علي نفسه بعكس الذي يعطي مما فضل عنه.وفي هذا الموضوع أود أن أتأمل معكم شخصية من يعطي من أعوازه, سواء من جهة المال, أو إعوازه من جهة الوقت, أو من جهة الراحة والصحة.هناك مثل عظيم للذي أعطي من أعوازه من جهة الأبناء انه إبراهيم أبو الآباء والأنبياء الذي أعطاه الله أبنًا في شيخوخته ثم أمره أن يقدم هذا الابن محرقة علي الجبل, فأطاع ومضي به ليذبحه حسب أمر الله, لذلك باركه الله بركة عظيمة, وبارك نسله. مثال آخر هو حنة أم صموئيل النبي وكانت عاقرًا, وصلت ونذرت أن الله إذا أعطاها نسلًا تكرسه لخدمته، وفعلًا عندما منحها الله ابنها صموئيل قدمته لخدمة الرب منذ أن استطاع السير علي قدميه, ويؤسفنا في هذه الأيام أن كثيرًا من النساء يبخلن علي الله في الموافقة علي تقديم الزوج أو الابن لخدمة الرب. مثل آخر ممن يعطي ممن إعوازه هو مثال من يعطي نفسه لخدمة الرب.. إذ يكون ناجحًا جدًا في خدمة العالم. ولكنه يفضل خدمة الرب وتكريس نفسه لذلك فيعطيه ذاته, التي لا يملك غيرها, ويترك كل شيء من أجله, انه بلا شك أعظم بكثير من الذي يعطي المال من الإعوازلاشك أن الذي عنده مال كثير ويعطي منه لخدمة المحتاجين, ولكن عطاءه لا يكون له عمق مثل الذي يعطي وهو محتاجًا إلى ما يعطيه.كانسان يقول إن مرتبي كله لا يكفيني فكيف أدفع العشور لله؟! حقًا انك ستعطي من إعوازك, لذلك سيبارك لك الله الباقي من مالك, فيكون أكثر من المرتب كاملًا. هناك وصية أخري من أيام موسى النبي هي وصية البكور, إذ كان الشخص عليه أن يعطي إبكار أو أوائل كل ما يأتيه من الخير سواء من النبات أو الحيوان, فالشجرة حينما تطرح ثمرًا, يعطي أولي ثماره لله, وكذلك إذا بهيمة أو شاه ولدت له, فيعطي أول نسلها لله, حاليا توجد أزمة بطالة للخريجين فإذا حدث ونال أحدهم وظيفة معينة طالما كان ينتظر ولكن حسب وصية البكور, فان أول مرتب يصل إليه من المفروض أن يقدمه للرب لخدمة الفقراء, ويعتبر هذا المرتب هو بكور إيراداته, وفي نفس الوقت عطاء, من الإعواز وبالمثل أول عملية جراحية يقوم بها طبيب, أو أول كشف أو علاج عليه أن يقدمه للرب وبالمثل علي كل مهندس أو مدرس أو محاسب أو محام أو صاحب مهنة, يقدم أول مكسب له لله, انه تنفيذ لوصية البكور, وفي نفس الوقت هو عطاء من الإعواز. ان الأمر باختصار يدل علي مدي محبة الإنسان للمال, أو ارتفاعه عن مستوي ذلك, بذلك فان مال الفقير الذي يقدمه لله, هو أكثر قيمة من مال الغني الموسر.أتذكر بهذه المناسبة قصة أولوجيوس قاطع الأحجار, الذي يكسب في اليوم درهمًا واحدًا فيمضي في الغروب إلى مدخل المدينة, ليري أي غريب قد جاء إليها, فيستضيفه من درهمه هذا الواحد.وأتذكر بهذه المناسبة قصة كاهن في الإسكندرية كان أقدم خدام الكنيسة الكبرى, وقابله في الطريق إنسان محتاج يطلب منه صدقة, ولم يكن في جيبه أي شيء من المال ليعطيه لهذا المحتاج, فاضطر أن يقترض من صاحب محل قريب, وما اقترضه أعطاه لذلك المحتاج لكي ينفذ وصية: "مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ" (إنجيل متى 5: 42؛ إنجيل لوقا 6: 30).ومن الأمثلة الأخرى الأب الفقير الذي يعلم أولاده من أعوازه, أو ذلك الأب المريض الذي يفضل عدم شراء الدواء اللازم له, ويقدم ثمن ذلك الدواء ليغطي احتياجات أبنائه, فهل يذكر الأبناء عطايا آبائهم, التي أعطوها لهم من احتياجاتهم. نقطة أخري هي العطاء من إعواز الوقت: أنت ترجع إلى بيتك وأنت في غاية التعب ولسان حالك يقول: ثقل النهار وحرّه لم أحتمل بسبب ضعف بشريتي, وتريد أن تنام وتستريح, ولكن ماذا عن الصلاة؟ تقول ليس لدي أي وقت لها. أو قل بصراحة ليس لدي اهتمام بها أو إنك لا تريد أن تعطي من أعوازك من جهة الراحة.. أعط إذن من إعواز وقتك سواء لعمل الصلاة, أو التأمل أو القراءة الروحية, وأعط من قلبك أيضًا, واعلم أن الله سوف لا ينسي لك تعبك, أنه سيقويك، أقول ذلك أيضًا من جهة الخدمة فلا تحاول أن تعتذر عنها مبررا ذلك بأنه ليس لديك وقت, بل أعط الخدمة من إعوازك في الوقت أيضًا, لا تحاول أن تبرر نفسك; بضيق الوقت مثلا وتذكر تلك العبارة المهمة التي تقول: إن طريق جهنم مفروش بالمبررات.اعرف أن عبارة ليس لدي وقت, ربما يكون تفسيرها: ليس عندي اهتمام بذلك, فلا شك أن الشيء الذي تعطيه اهتمامًا, سوف توجد له وقتًا.أيضا من جهة التربية المنزلية, الأب والأم مسئولان عن تربية ابناهما روحيًا وليس فقط من جهة الصحة والتغذية والملابس والتعليم, فهل يعتبر كل منهما أنه لابد أن يكون لديه وقت يقضيه في جلسة روحية مع أولاده يعلمهم طريق الخير والبر إنني في حضوري العيد الألفي لبناء الكنيسة في روسيا, شكرت الكنيسة علي حفظها للإيمان خلال سبعين سنة من الشيوعية, وشكرت أيضًا الأمهات والجدات اللاتي اهتممن بالأطفال وعلمنهم الإيمان وإعدادهم لذلك.قدموا إذًا وقتًا ولو من إعوازكم لتربية أولادكم. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
12 أكتوبر 2021

القيم الروحية ( حياة الشكر )

الشكر شعور بنعمة الله علينا .. الانسان الشاكر لله هو الذى يشعر بنعم الله عليه ورعايته له فى مختلف ظروف الحياة ، وهو إنسان متواضع طيب القلب قنوع ، يشعر ان الله صانع الخيرات حتى وان سمح الله بضيقات تأتى عليه فهى لفائدته الروحية ، فالله قادر ان يغير ما يصنعه ضدنا الاشرار الي خير لنا كما قال يوسف الصديق { انتم قصدتم لي شرا اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا }(تك 50 : 20). وهكذا كان يوسف نبيلا مع اخوته الذين تأمروا على قتله وبعد ذلك باعوه عبدا، وكان شهماً ستر على اخوته وعلى امرأة سيده عندما أتهمته ظلما { لاني قد سرقت من ارض العبرانيين وهنا ايضا لم افعل شيئا حتى وضعوني في السجن} تك 15:40. ومن أجل طهارته وتواضع قلبه وهبه الله الحكمة والنعمة واستطاع ان يفسر حلم فرعون ويدير احوال مصر فى المجاعة وينقذ شعبها واهله من الجوع والغلاء والفناء .من اجل ذلك يدعونا الإنجيل الى حياة الشكر كابناء محبين لله { فكونوا متمثلين بالله كاولاد احباء. واسلكوا في المحبة كما احبنا المسيح ايضا واسلم نفسه لاجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة. شاكرين فى كل حين، على كل شئ} ( أف 1:5- 2، 20 ) الشكر هو عرفان بالجميل .. لكل من قدم لنا عطية او خدمة من البشر. ونحن نقدم الشكر والحمد لله على نعمة التى منحها لنا وعلى كل شيء لم يمنحه ومنعه عنا لخيرنا حتى لو كان الإنسان يشعر باحتاج اليه وهذا ما يقوم به العامة من تقبيل ايديهم من داخل ومن خارج حينما يشكروا الله . فنحن نشكر الله على جميع العطايا التى منحها الله لنا وكذلك على كل ما قد حجبه الله عنا حتى ولو كنا فى احتياج لذلك الشئ الذى حجبه الله واثقين ان ذلك من اجل خيرنا . الشكر على عطايا وهباته.. اننا نشكر الله على نعمة الوجود وعلى ما لدينا من صحة وحتى من مرض فالمرض هبة من الله لنعرف ضعفنا ونجلس مع ذواتنا ونتقابل مع الله . اننا يجب ان نشكر الله على رعايته ونصرته لنا فى حروبنا ونتعلم من أخطائنا ونتوب عنها، يقول قداسة البابا شنوده الثالث (لا شك أن الشيطان يبذل قصارى جهده من أجل ضررنا وأسقاطنا، فاٍن كنا الآن بخير ، فذلك لأن الله قد منع الضررعنا، الضرر الذى نعرفه او لا نعرفه، ونحن نشكر الله على هذا الحفظ، اٍننا اٍذا شكرنا على النعم فقط ، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها ! أما اٍن شكرنا الله حتى على الضيقة ، فاٍنما نبرهن على أننا نحب الله لذاته وليس لعطاياه ). كتبت احدى المجالات البريطانية مقالاً موثراً عن احد الجنود الذي أصيب بشظية استلزمت اجراء سبع عمليات جراحية له وعندما أتاه الطبيب بعد ان استفاق سأله الجندي : هل سأعيش ؟ فاجابه نعم . فسأله مره اخري : هل ساستطيع ان أزاول حياتى العادية من جديد؟ فأجابه الطبيب نعم . عند ذلك رد الجريح قائلاً : انني احمق ! علام القلق أذاً ! لدينا الكثير والكثير من الاشياء التي تستحق الشكر، عزيزى هل شكرت الله على انك لك عينين ترى بهما . وعلى نعمة القراءة وعلى ضوء الشمس والكهرباء ؟ يقول الشاعر الراحل أمل دنقل : ترُي حين افقأ عينيك ، واثبت مكانهما جوهرتين . ترُي هل ترى ؟ هى أشياء لا تشترى . فهل شكرنا الله على نعمة البصر. وكم من أناس لم تتاح لهم فرصة التعليم ولا يستطيعوا القراءة .فهل شكرت الله على ذلك . وكم يكفي من المال مقابل ساقيك ؟ ان لدينا نعم كثيرة تكفى للشكر الدائم ، والإنسان القنوع بما لديه ، الشاكر الله على نعمه يحيا سعيدا ويقبل نفسه كما هو ساعيا الي الكمال المسيحي والنمو الروحي والعملى فى تواضع ورضا بما لديه فى غير تذمر او تمرد او عصيان بدلا من السعى للوصول الى اهداف زائفة تقوده الى هلاك النفس والروح {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة } (1تي 6 : 6) الإنسان الشاكر لله والأخرين يحيا حياة الرضا والسعادة بما لديه فالسعادة ليس بمقدار ما نملك ونستهلك بل السعادة تأتي من القناعة بما بين ايدينا وما في مقدورنا عمله لادخال البهجة والفرح لحياتنا وحياة من حولنا . وكما يقول أحد القديسين (لا موهبة بلا زيادة الا التي هي بلا شكر) . فلنعود أنفسنا يا أحبائي على حياة الشكر لله وكذلك نقدم الشكر لكل من يساهم فى تقديم خدمة لنا ولاحبائنا . السيد المسيح وحياة الشكر:- نتعلم الشكر والاحسان والوفاء من الله . اننا نتعلم الوفاء والشكر من الله {فاجتاز الرب قدامه "موسي" ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء }(خر 34 : 6). وعندما شفى السيد المسيح له المجد العشرة البرص. رجع واحد فقط ليقدم الشكر لله وكان رجلا سامري غريب { فواحد منهم لما راى انه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له وكان سامريا. فاجاب يسوع وقال اليس العشرة قد طهروا فاين التسعة. الم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس} لو 15:17-18. من اجل هذا تعلمنا الكنيسة فى كل صلاة نصليها ان نبتدى بالشكر لله صانع الخيرات الرحوم لانه سترنا واعاننا وحفظنا وقبلنا اليه واشفق علينا وعضَددنا ووهبنا نعمة الحياة لنقف أمامه ونشكره . عرف داود النبي مراحم الله واختبرها لذلك رايناه يبارك الله دائما { باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرافة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين. الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا} مز1:103-10. فياليتنا نتعلم من رجال الله القديسين ونشكر الله على نعمه المتنوعة . تذكر أحسانات الله لنا وصية من الله .. عندما كان الشعب قديماً فى البريه واطعمهم الله المن فى البرية أمر موسى ان يحتفظ منه بالقليل في بيت الرب ليكون مجال للتذكر والشكر { وقال موسى هذا هو الشيء الذي امر به الرب ملء العمر منه يكون للحفظ في اجيالكم لكي يروا الخبز الذي اطعمتكم في البرية حين اخرجتكم من ارض مصر. وقال موسى لهرون خذ قسطا واحدا واجعل فيه ملء العمر منا وضعه امام الرب للحفظ في اجيالكم.كما امر الرب موسى وضعه هرون امام الشهادة للحفظ} خر32:16-34. وهكذا نحن فى العهد الجديد نشكر الله فى كل صلاة ولاسيما فى الصلاة اللليتروجية فى القداس التي هي بحق سر الشكر لله على عطيته التى لا يعبر عنها بكلمات. الكتاب المقدس وحياة الشكر .. ان الكتاب المقدس وتعاملات الله عبر التاريخ تعلن لنا عطايا الله وغنى نعمتة المجانية وهي تفيض على البشر. وفعل الشكر هو جواب الإنسان لهذه النعمة المتدفقة والمتواصلة التي ستجد كمالها في المسيح. فالشكر وعي بعطايا الله. واندفاع لا شائبة فيه للنفس التي سبيت من الدهش بهذا الجود. وعرفان بالجميل أمام العظمة الإلهية وهو ياتى في الكتاب المقدس كرد فعل عميق للخليقة التي تكتشف عظمة الله ومجده. فخطيئة الوثنيين الرئيسية في نظر القديس بولس تكمن في أنهم عرفوا الله ولم يمجدوه ولا شكروه {لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 20:1-22 . حياة الشكر تقود إلى استعادة روح الفرح والحمد والتهليل.. { اهتفوا ايها الصديقون بالرب بالمستقيمين يليق التسبيح. احمدوا الرب بالعود بربابة ذات عشرة اوتار رنموا له. غنوا له اغنية جديدة احسنوا العزف بهتاف. لان كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالامانة. يحب البر والعدل امتلات الارض من رحمة الرب} مز 1:33-5. ولان الرب صالح والى الابد رحمته فيجب ان نحمده ونشكره { وغنوا بالتسبيح والحمد للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته على اسرائيل وكل الشعب هتفوا هتافا عظيما بالتسبيح للرب لاجل تاسيس بيت الرب. وكثيرون من الكهنة واللاويين ورؤوس الاباء الشيوخ الذين راوا البيت الاول بكوا بصوت عظيم عند تاسيس هذا البيت امام اعينهم وكثيرون كانوا يرفعون اصواتهم بالهتاف بفرح}(عز 3: 11-12) . وكما هتف المرنم شاكراً الرب { احمدك يا رب الهي من كل قلبي وامجد اسمك الى الدهر.لان رحمتك عظيمة نحوي وقد نجيت نفسي من الهاوية السفلى}(مز 86: 12-13). وبكلام أكثر دقّة يقوم فعل الشكر على أنه اعتراف عملي بفضل الله . فحمد الله يودي إلى إعلان العظائم التي يجريها معنا وإلى الشهادة لأعماله. أما فعل الشكر، فإنه يسير كصدى له في القلوب. ولهذا السبب، فهو يتضمن غالباً الإشارة إلى جماعة الصديقين التي دُعيت لتسمع وتشارك في الشكر{ احمدك في الجماعة الكثيرة في شعب عظيم اسبحك} (مز 35: 18). { حسن هو الحمد للرب والترنم لاسمك ايها العلي. ان يخبر برحمتك في الغداة وامانتك كل ليلة. على ذات عشرة اوتار وعلى الرباب على عزف العود. لانك فرحتني يا رب بصنائعك باعمال يديك ابتهج. ما اعظم اعمالك يا رب واعمق جدا افكارك} (مز 92: 1-5). أما اللفظ العبري الذي يعبر عن نوعية هذا الاعتراف المندهش والمعترِف بالجميل، أو "توداه" بالعبرية ، ويوازيه في اللغة العربية شكرا ، فهو لا يفي اللفظ العبريً حقّه. أما اللفظ الذي يبدو أنه يجسم فعل الشكر في العهد القديم ويترجم بصورة دقيقة الموقف الديني المقصود، فهو عبارة " مبارك الرب الاله " ففي العبرية "باروخ اته ادوناى " هى تفصح عن " التبادل الجوهري " بين الله والإنسان. فصدى بركة الله الذي يهب خليقته الحياة والخلاص هو البركة التي يشكر الإنسان بواسطتها خالقه { باركوا الرب يا كهنة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا ارواح ونفوس الصديقين سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب ايها القديسون والمتواضعو القلوب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور لانه انقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط اتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار.اعترفوا للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته} (دا3: 84-89}.الضيقة والصلاة والشكر .. فى الكتاب المقدس تقليد خاصّ بالشكر، يظهر بوجه خاص في المزامير ويكشف بشكل دقيق عن طبيعة الشكر كردة فعل على خلاص الله وانقاذه لابنائه وشعبه . فالاعتراف والعرفان بالجميل على الخلاص نرى فيه وصف لخطر يستهدف الانسان او الشعب { اكتنفتني حبال الموت اصابتني شدائد الهاوية كابدت ضيقا وحزنا} (مز116: 3)، ثم يشتمل على صلاة قلقة او عميقة لله { احببت لان الرب يسمع صوتي تضرعاتي. لانه امال اذنه الي فادعوه مدة حياتي... وباسم الرب دعوت اه يا رب نج نفسي}(مزمور 116: 1-2-4). ثم تذكير بتدخل الله الرائع{ الرب حافظ البسطاء تذللت فخلصني. ارجعي يا نفسي الى راحتك لان الرب قد احسن اليك. لانك انقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة ورجلي من الزلق. اسلك قدام الرب في ارض الاحياء} (116: 6-9). نعمة العهد الجديد وحياة الشكر .. اما فى العهد الجديد هو فنحن اخذنا من ملء نعمة الله المفاضة علينا بالمسيح يسوع ربنا {ومن ملئه نحن جميعا اخذنا ونعمة فوق نعمة. لان الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا} (يو1: 17-18) انه إعلان للشكر غير المنقوص الذي يرفعه الابن للآب في الروح القدس فى وحدة غنية . الشكر المسيحي هو جواب ورد عملى على نعمة الله الغنية والتعبير النهائي عنها يكمن في الأفخارستيا السرية، وهي شكر الرب،. ففي العشاء السري وعلى الصليب، يكشف يسوع عن هدف حياته وموته، ألا وهو الشكر من قلبه لتتميم عمل الخلاص والفداء ، وصلاة القداس هى أمتداد لعمل المسيح الخلاصى على الصليب. حياة المخلص كلها تعدُّ فعل شكر متواصل، يظهر أحياناً بصورة جلية ومهيبة لكي يحمل البشر على الإيمان وعلى مشاركته في الشكر { قال يسوع ارفعوا الحجر قالت له مرثا اخت الميت يا سيد قد انتن لان له اربعة ايام. قال لها يسوع الم اقل لك ان امنت ترين مجد الله. فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا ورفع يسوع عينيه الى فوق وقال ايها الاب اشكرك لانك سمعت لي. وانا علمت انك في كل حين تسمع لي ولكن لاجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني. ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجا. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات باقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب} (يو11: 39-44).السيد المسيح هو الذي رفع أولاً الشكر إلى الآب ونحن "به ومعه وفيه" نقدم شكرنا وتسبيحنا للاب القدوس . فبعد أن أدرك المسيحيون معنى النعمة التى حصلوا عليه، وبعد أن اجتُذِبوا منه ، { وانا ان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع }(يو 12 : 32) . جعلوا من الشكر حياتهم المتجددة والمستمرة فنشكر الله على كل حال وفى كل حال ومن اجل كل حال . أمثلة لحياة التسبيح والشكر:- فى تسبحة العذراء مريم.. نري بدء تسابيح شكر العهد الجديد بانفتاح نعمة الله نحو البشر واعلان رئيس الملائكة غبريال للعذراء مريم بالتجسد الإلهى { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه.صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم.انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين.اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين.عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم اباءنا لابراهيم ونسله الى الابد} لو 47:1-55. ثم راينا شكر سمعان الشيخ وحنة النبية وزكريا الكاهن وكلها تشكر على خطة الله لخلاص البشر . وقد أوحاها التأمل المتأني للأحداث، على مثال ما كان يحصل في العهد القديم. الشكر فى حياة الرسل ... هكذا كان الرسل يواظبون مع المؤمنين على ليتروجية الشكر كجماعة بقلب واحد ويقدمون الشكر لله كل حين { كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبزوالصلوات} (اع 2 : 42). {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46) . ويعَبر عن الشكر والتسبيح لدى الرسل والجماعات المسيحية الأولى حتى بعد القيامة والصعود وفى كل خدمتهم وحياتهم { واخرجهم خارجا الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء. فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم.وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} لو 50:24-53 . { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور} 2كو14:2-16. ويعلمنا الانجيل ان نشكر كل حين { اشكروا في كل شيء لان هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم} 1تس 18:5. {فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها} (2كو 9 : 15).{فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1). الهدف من الشكر خلال كل الأحداث هو قبول ملكوت الله والاحساس بمحبته وقيادته للانسان. والعيش كما يحق لإنجيل المسيح، انه ثمرة الفداء المنتشر في الكنيسة { لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده . لذلك انا ايضا اذ قد سمعت بايمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين. لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي. كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته} (أفس 1: 12- 19). أما سفر الرؤيا فإنه يوسع آفاق الشكر إلى حدود الحياة الأبدية، ففي أورشليم السماوية، وبعد أن يكتمل العمل المسياني، يصبح الشكر حمداً خالصاً لله ومشاهدة منبهرة لله وعظائمه الأبديَة { والاربعة الاحياء لكل واحد منها ستة اجنحة حولها ومن داخل مملوة عيونا ولا تزال نهارا وليلا قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الاله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي ياتي. وحينما تعطي الحيوانات مجدا وكرامة وشكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين. يخر الاربعة والعشرون شيخا قدام الجالس على العرش ويسجدون للحي الى ابد الابدين ويطرحون اكاليلهم امام العرش قائلين.انت مستحق ايها الرب ان تاخذ المجد والكرامة والقدرة لانك انت خلقت كل الاشياء وهي بارادتك كائنة وخلقت} رؤ 8:4-11. {والاربعة والعشرون شيخا الجالسون امام الله على عروشهم خروا على وجوههم وسجدوا لله. قائلين نشكرك ايها الرب الاله القادر على كل شيء الكائن والذي كان و الذي ياتي لانك اخذت قدرتك العظيمة و ملكت} رؤ 16:11-17. مجالات وأسباب الشكر:- اذ نعدد المجالات والاسباب التى تستوجب تقديم الشكر لله فاننا نستمر فى حياة الشكر الدائم لله على كل شى ، نشكره على انه اعطانا واحبائنا نعمة الوجود كخالق ومحب للبشر ، وعلى نعمة البنوة لله { فشكرا لله انكم كنتم عبيدا للخطية و لكنكم اطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها }(رو 6 : 17) ونشكره على انه عبر بنا تجارب كثيره تعلمنا منها الكثير { شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب} 1كو 57:15-58. نشكره على كل ما لدينا من أمكانيات ومواهب { فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها }(2كو 9 : 15). نشكر الله على الإيمان وعلى الفرص المتجدده للتوبه والعمل. لكن علينا ان نعلم ان حياة الشكر لا تعني الاستكانة وعدم الجهاد فى تحسين أوضاعنا سواء فى الدراسة او المعيشة او العمل او العلاقات . بل علينا ان نجلس مع الله وأنفسنا ونحاسبها او نعاتبها ونتخذ القرارات اللازمة لتصحيح اوضاعنا ونقوم بتنفيذ الخطوات العملية للوصول الى الأفضل . علينا ان نتعلم من أخطائنا ونصححها لا ان نبكى على اللبن المسكوب وعندما نسقط علينا ان نبادر بالقيام عالمين ان النجاح يأتى من حسن التقدير وحسن التقدير يأتى من التجربة والسقوط ما هم الا سوء تقدير . فمع كل يوم جديد نشكر الله الذى اعطانا فرصة جديده للحياة والعمل والقيام والنجاح ولا ندع شئ يفصلنا عن الله حتى التجارب التى نواجهها فى حياتنا هى فرص نرى يد الله العاملة معنا ، ونجاهد لنكلل. ان الجهاد والتعب ومواجهة متاعب الحياة تخلق فينا التحدى والعمل على تخطى الصعاب { اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني } (نح 2 : 20). اننا لله نثق ان ما يحدث لنا سواء بارادة الله او بسماح منه لابد ان ينتهى لخيرنا { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده }(رو 8 : 28). فلهذا نقدم الشكر لا على السعة فقط ولكن حتى فى الضيقات { بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية و التزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 3:5-5. فلنحيا دائما شاكرين فى كل حين {شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور ، الذى لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا } ( كو 1 13 – 14 ). معوقات لحياة الشكر:- التركيز على المتاعب .. هناك من يضع المتاعب التى تواجهه امامه كل حين ويضخم المشاكل والضيقات ويجعلها تحصره وتحزن قلبه وتدعه نهباً للقلق والحزن والتذمر مما لا يجعل الانسان يشكر او يذوق طعم السعادة . يجب ان نعيش الحياة بحلوها ومرها وندع المرة تمر لكى لا تمرر حياتنا وتتعبنا . لنعيش فى حدود يومنا ونقدس الحاضر، الذى نملكه فالأمس قد ذهب بكل ما فيه والغد لا نملكه لأنه فى يد الله وحده.. ولكننا أمام واجب اليوم ، وواجب اللحظة الحاضرة. وفى تقديس الحاضر تقديس للحياة كلها، واليوم هو أجمل وأروع من الأمس والغد، ليتنا نفرح بكل ما في اليوم من خير، لئلا تتبدد طاقتنا بين التفكير فى الأمس والقلق على الغد. فلنشكر الله على نعمة الحياة ونعمل من اجل يوماً طيباً وغداً سيكون أفضل . نسيان عمل الله وعدم الشعور بنعمته .. ونحن أحياناً لا نشكر لأننا ننسب الأشياء الحلوة في حياتنا، لغير الله ، إذا نجحنا ننسب ذلك إلى ذكائنا، أو إلى مجهوداتنا . وتختفى معونة الله من عقولنا وكذلك إن شفينا ننسب ذلك إلى الأطباء. وإن وفقنا في عملنا، ننسب ذلك إلى قدراتنا وكفاءتنا. وإن نجونا من حادثة، نرجع ذلك إلى مهارة السائق. وبالتالي يختفي الله من أسباب أفراحنا، فلا نشكره على شيء. واحياناً اخرى لا نشكر على شيء، إلا إذا فقدناه أو حرمنا منه، لا نحس النعمة التي نحن فيها، إلا إذا ضاعت منا، فلا نشكر الله على وجود الوالدين ولا نشعر ببركاتهما إلا إذا توفي أحدهما. ولا نشكر على ما نحن فيه من صحة، ولا نعرف قيمتها إلا إذا مرضنا. بل لا نشعر ببركة وجود النور في الحجرة، إلا إذا انقطع النور في الحجرة، إلا إذا انقطع التيار الكهربائي. الانانية والتعود على الاخذ .. هناك من لا يفكر إلا في ذاته، فإن اخذ لا يفكر في اليد التي أعطته. كإنسان جائع، يوضع أمامه طعام، فيأخذ في التهامه، دون أن يفكر فيمن قدمه له، أو في شكره على ذلك. كذلك قد ينشغل الانانى بذاته في أخذها، دون أن يتطلع إلى وجه المعطي. كإنسان فتح له الله أبواب الرزق، فتراه ينشغل بالرزق، وبجمعه وتكويمه وإنمائه، ولا يتفرغ ولو لحظة لكي يشكر من وهبه الرزق. واحياناً لا يشكرالانسان لأنه لم يتعود ذلك في حياته. لذلك يجب ان نعود انفسانا وابنائنا أن نشكر غيرنا على كل أمر يعملوه من أجلنا مهما كان ضيئلاً ثم بعد ذلك نشكرك الله لأنه يرسل لنا من يساعدنا، ويمنحهم القدرة على خدمتنا . إن كل خير نعيش فيه هو عطية من الله، الحياة والصحة، والعمل والمال، وكل شيء. ومادام كذلك فلنشكر الله المعطي. احياناً لا نشكر، لأننا نظن ان الأمر أصغر من أن نشكر عليه، أو هكذا نراه. يقول احد الاباء "الذي لا يشكر على القليل، كاذب هو إن قال إنه يشكر على الكثير كما ان الامين فى القليل أمين فى الكثير". لا نشكر لعدم ادراك حكمة الله...أمور كثيرة تمر بنا، ولا نشكر عليها، بل على العكس قد نتضايق منها، أو نتذمر بسببها. وكل ذلك لا ندرك حكمة الله فيه. ولو أدركناها لشكرنا الله كثيراً.العيب فينا إذن. لنا عيون ولكنها لا تبصر في كل ما يمر بنا من أحداث ومن أمور. قد لا نشكر على ما أعطانا الله، لأننا نرى أن غيرنا عنده أكثر منا، أو ما هو أفضل أو لأن غيرنا أخذ مثلنا ونظن انه لا يستحق. وهذا خطأ ينم عن عدم محبة وكبرياء داخل النفس يجب ان نتخلص منها . هناك من لا يشكر، بسبب الطموح ورغم ان الطموح جيد لكن علينا ان لا نرتئى فوق ما ينبغى بل الى التعقل . وتكون تطلعاتنا ليس أعلى من المستوى الممكن، الطموح في حدود الاعتدال، وفي عدم شهوة العالم ليس هو خطية لكن لا يمنع الشكر. اشكر الله على ما معك، فيعطيك أكثر. كذلك لا يجوز أن الطموح يجعلك تحتقر ما وهبك الله إياه. الطموح الروحي فليس له ضحايا، إن عاش أصحابه في حياة الإتضاع شاكرين الله، وراغبين في الامتلاء من حبه. التذمر أو الطمع والبعد عن الله ... هناك اناس يعيشون في الخطية، وليست لهم صلة بالله، ولا يعترفون بفضله عليهم. إنما كل همهم هو متعة العالم. وكما قال الكتاب " كل الأنهار تجري إلى البحر. والبحر ليس بملآن" (جا1: 7).انلم يتعود الإنسان حياة القناعة فمن الصعب عليه أن يصل إلى حياة الشكر. كما ان البعد عن الله يبعد الانسان عن ان يشكره لأنه لا علاقة له بالله إطلاقا، فلا شكر، ولا صلاة، ولا قراءة كتاب، ولا حضور اجتماعات روحية، ولا شركة مع الله في شيء.ويحتاج هؤلاء إلى أن يدخلوا في الحياة مع الله. وحينئذ، حينما يشكرونه . فلنشكر صانع الخيرات الرحوم:- ايها الاله الرحوم محب البشر الصالح نشكرك يارب لانك خلقتنا ووهبتنا علم معرفتك ووهبتنا كل مقومات الحياة من شمس وماء وهواء وغذاء وكساء ولم تدعنا معوزين لشئ بل تقودنا كراعي صالح كل الأيام وتعبر بنا تجارب وضيقات الحياة لنتعلم ويشتد عودنا ويتقوى ايماننا ويزداد رجائنا وتنمو محبتنا لك . نشكرك يارب على كل حال لانك تغفر خطايانا وتعيننا وتحفظنا وتقبلنا اليك كأب صالح وتشفق علينا كالأم الحنون. انت يارب تبحث عن الضال لترده وتعصب الجريح وتُجبر الكسير ولاترفض الراجعين اليك بكل قلوبهم مانحا ايانا سلامك ، واهباً لنا شفاء النفس والروح والجسد . فكيف نعبر عن محبتنا لك الا بشكرنا لنعمك وتسبيحنا بحمدك وطاعتنا لوصيتك وتقديم محبتك لكل محتاج الى أعلان محبتك للجميع . ايها الرب الاله الذي قاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل ، وعبر بها بحار ورياح التجارب والضيقات منتصراً على قوى الشر . نسالك يا ملك السلام ان تقودنا رعاة ورعية هذه الايام الصعبة وكل أيام حياتنا بكل سلام ونحن نامين فى محبتك وسائرين فى مخافتك . وأبطل عنا كل فخاخ ابليس المنصوبة حولنا وبدد مشورة الاشرار مقدما كل يوم وعلى مدى الأيام كل خير وصلاح وبركة لشعبك مسددا احتياجات رعيتك ايها الراعي الصالح . لنصل بك ومن خلال قيادتك الى ملكوتك السماوي . أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
11 أكتوبر 2021

الرجاء

الرجاء هو وقود الحياة، وهو البَر الذي نرنو إليه، وهو النور الآتي من نهاية النفق المظلم، وهو الدالة التي لنا عند الله، وهو الثقة في إمكانياته وإمكانية التغيير، وهو التعلق بما هو آتٍ، والصخرة التي في عرض بحر عالمنا المضطرب، وبه ننحلّ من رُبُط الفشل الراهن، وهو الابتسامة التي تداعب المخيلة، والباب الذي لا يوصد، والكنز الذي لا يفنى، والمحرك الذي يقود ويجذب ويرفع، هو دواء الفشل والحزن والقلق، الرجاء هو الله .«لأنك أنت هو رجاؤنا كلنا» (أوشية الإنجيل). نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
10 أكتوبر 2021

الخادم إنجيل معاش

نَقْرأ مَعاً آيَتَيْن لِبُولِس الرَّسُول لِتِلْمِيذُه تِيمُوثَاوُس بَرَكَاتُه عَلَى جَمِيعْنَا أمِين ﴿ لاَ يَسْتَهِنْ أحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلمُؤْمِنِينَ فِي الكَلاَمِ فِي التَّصَرُّفِ فِي المَحَبَّةِ فِي الرُّوحِ فِي الإِيمَانِ فِي الطَّهَارَةِ ﴾( 1تي 4 : 12 ) & ﴿ وَأمَّا أنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي وَسِيرَتِي وَقَصْدِي وَإِيمَانِي وَأنَاتِي وَمَحَبَّتِي وَصَبْرِي وَاضْطِهَادَاتِي وَآلاَمِي ﴾ ( 2تي 3 : 10 – 11 ) نِعْمَة الله الآب تَحِل عَلَى أرْوَاحْنَا جَمِيعاً أمِين . الخَادِم إِنْجِيل مُعَاش الخَادِم إِنْجِيل مَفْتُوح الخَادِم وَصِيَّة مُتَحَرِّكَة الخَادِم قُوِّة حَيَاة أكْثَر مِنْهُ قُوِّة مَعْرِفَة أوْ مَعْلُومَات لِذلِك سَوْفَ نَتَحَدَّث عَنْ ثَلاَث نِقَاط :- 1- التَّعْلِيم بِالحَيَاة :- يَعْنِي لاَ فَائِدَة مِنْ كَلاَم دُونَ حَيَاة لاَ فَائِدَة مِنْ مَعْلُومَات دُونَ تَطْبِيق لاَ فَائِدَة مِنْ إِنِّي أكُون كَثِير المَعْرِفَة وَقَلِيل الفِعْل لِذلِك يَقُول ﴿ وَأمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوت السَّموَات ﴾( مت 5 : 19) فَأنَّهُ ذَكَرَ هُنَا * عَمَلَ * الأوِّل فَالأهَمْ هُنَا هُوَ العَمَل أهَمْ مِنْ التَّعْلِيم لأِنَّ التَّعْلِيم سَهْل هُوَ تَلْقِين مِنْ المُمْكِنْ أنَّ أي شَخْص يَقْرأ مَوْضُوع وَيِسَمَّعُه فَمَثَلاً مُمْكِنْ أطْلُب مِنْ أي شَخْص أنْ يِحَضَّر مَوْضُوع عَنْ الصَّلاَة فَيَقُول مَا هِيَ الصَّلاَة ؟ فَيَرُدٌ * الصَّلاَة * هِيَ إِتِصَال بِالله وَهيَ حَدِيث خَفِي .. شُرُوط الصَّلاَة ؟ فَيَرُدٌ 1/ ..... ، 2/ ..... ، 3/ .....فَمَا هِيَ المُشْكِلَة أنْ يَقُوم شَخْص بِقِرَاءِة مَوْضُوع مِنْ أي مَكَان وَيُلَقِّنُه لِلأوْلاَدٌ فَيَقُول ﴿ مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ ﴾ نُلاَحِظْ أنَّ الجُزْء الَّذِي قَرَأنَاه لِمُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول لِتِلْمِيذُه تِيمُوثَاوُس يَقُول ﴿ أنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي وَسِيرَتِي ﴾ * سِيرَتِي * أي * حَيَاتِي * يَقْصِدٌ أنْ يَقُول أنْتَ رَأيْت حَيَاتِي عَامْلَه إِيه وَعَاشِرْتِنِي فَمَا رَأيُكُمْ إِذَا كَانَ عَاشَ تِيمُوثَاوُس الرَّسُول وَرَأى بُولِس الرَّسُول يَكْرِز وَيُخْبِر بِرَبِّنَا يَسُوع وَلكِنْ لاَ يَرَى حَيَاتُه مُنْضَبِطَة وَلاَ يَعِيش حَيَاة الإِنْجِيل وَيَرَى أنَّهُ إِنْسَان شَهْوَانِي وَغَضُوب وَأنَّهُ إِنْسَان مُحِبْ لِلمَال وَلَيْسَ لَدَيْهِ مَحَبَّة وَيُحِبْ ذَاتُه ؟ لكِنْ بُولِس غَيْر هذَا فَقَالَ لِتِيمُوثَاوُس ﴿ أنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي وَسِيرَتِي ﴾ أنْتَ رَأيْت كُل شِئ إِنِّي أُرِيدْ أنْ أقُول لَكُمْ شِئ مُهِمْ يَا أحِبَّائِي إِذَا سَألْتُكُمْ مَا قَصْد رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِنْ تَجَسُّدِهِ ؟ فَيَكُون رَدُّكُمْ الخَلاَص وَالصَّلِيب وَالفِدَاء فَإِنِّي أقُول لَكُمْ أنَّ هذَا هَدَف لكِنْ هُنَاك شِئ مُهِمْ جِدّاً رَبِّنَا جَاءَ عَلَشَانُه فَهُوَ هَدَف مُهِمْ جِدّاً وَهُوَ أنَّهُ يَكُون نَمُوذَج لِلإِنْسَان فَيَقُول مُعَلِّمْنَا بُطْرُس ﴿ تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ ﴾ ( 1بط 2 : 21 ) فَرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح جَاءَ فِعْلاً لِكَيْ يَصْنَع الفِدَاء فَكَانَ مِنْ المُمْكِنْ أنْ يَنْزِل مِنْ سَمَاه فَيَأتِي بِطَريقَتُه لأِنَّهُ إِله مُمْكِنْ مَثَلاً يَأتِي اليُوْم صَبَاحاً وَيُصْلَب بَعْد الظُّهْر وَيُنْهِي عَمَلِيِة الفِدَاء فِي خِلاَل أُسْبُوع مَثَلاً وَبِهذَا يَكُون تَمَّ الفِدَاء لكِنْ لأ لكِنُّه ﴿ حَلَّ بَيْنَنَا وَرَأيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ ﴾ ( يو 1 : 14)﴿ الَّذِي سَمِعْنَاهُ الَّذِي رَأيْنَاهُ بِعُيُونِنَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ وَلَمَسَتْهُ أيْدِينَا مِنْ جِهَةِ كَلِمَة الحَيَاة ﴾ ( 1يو 1 : 1)رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِشَخْصُه المُبَارَك لَمَّا جَاءَ عَلَى الأرْض جَاءَ لِكَيْ يُعَرِّفْنَا كَيْفَ نَسْلُك فِي العَالَمْ وَكَيْفَ نَسْلُك عَلَى الأرْض وَكَيْفَ نَسْلُك فِي المُجْتَمَع كَيْفَ نَتَعَلَّمْ المَحَبَّة وَكَيْفَ نَتَعَلَّمْ مَحَبِّة الأعْدَاء وَكَيْفَ نَعِيش فِي طَهَارَة وَقَدَاسَة وَكَيْفَ نَتَعَامَل مَعَ الخَاطِئ وَالمُتَوَانِي وَكَيْفَ نُقَدِّس كُل أحَدٌ وَكَيْفَ تُقَدِّس المُجْتَمَع بِسِيرْتُه وَحَيَاتُه تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ نَتَّبِع خُطُوَاتِه جَاءَ لِكَيْ يُمَهِّد آذَانَنَا لِلحَيَاة الأبَدِيَّة جَاءَ عَلَشَان لَمَّا يِكَلِّمْنَا عَنْ وَصِيَّة نِكُون شُفْنَاه وَهُوَ يِعِيشْهَا قَبْل مَا يِكَلِّمْنَا بِهَا ﴿ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُك ﴾ ( 1يو 2 : 6 ) لِذلِك نَقُول ﴿ شُكْراً للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِب نُصْرَتِهِ ﴾ ( 2كو 2 : 14) فَهُوَ أمَامَنَا وَنَحْنُ نَسِير خَلْفُه وَأعْيُنَنَا عَلِيه فَالتَّعْلِيم بِالحَيَاة أجْمَل مِنْ التَّعْلِيم بِالكَلاَم فَيَقُول مُعَلِّمْنَا بُولِس ﴿ كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أنَا أيْضاً بِالْمَسِيح ﴾ ( 1كو 11 : 1) أنَا بَتْمَثِّل بِالْمَسِيح وَأنْتُمْ تَتَمَثَّلُوا بِيَّ إِذاً أنْتُمْ تَتَمَثَّلُوا بِالْمَسِيح إِذاً التَّعْلِيم بِالحَيَاة هُوَ جَوْهَر التَّعْلِيم هُوَ تَسْلِيم أكْثَر مَا مِنُّه مَعْلُومَات لِذلِك سَيِّدْنَا البَابَا لَهُ عِبَارَة جَمِيلَة يِقُول ﴿ الخَادِم هُوَ إِنْجِيل مَفْتُوح هُوَ إِنْجِيل مَشْرُوح ﴾ يِمْكِنْ الإِنْجِيل عِنْدَمَا نَقْراؤه تَكُون هُنَاك آيَات تَقِفْ مَعَنَا لكِنْ عِنْدَمَا نَرَى إِنْسَان يَعِيش الإِنْجِيل فَبِذلِك أكُون فِهِمْت الإِنْجِيل مِنْ ضِمْن الكَلِمَات الجَمِيلَة لِسَيِّدْنَا البَابَا ﴿ أنَّ الخَادِم هُوَ وَسِيلِة إِيضَاح لِلفَضَائِل ﴾فَإِذَا حَبِّيت أنْ تِشْرَح الإِتِضَاع هَات بِخَادِم مُتَضِعْ فَإِذَا حَبِّيت أنْ تَتَكَلَّمْ عَنْ الصَّلاَة هَات بِخَادِم مُصَلِّي فَالخَادِم وَسِيلِة إِيضَاح لِلفَضَائِل فَمَثَلاً عِنْدَمَا تَتَكَلَّمْ مَعَ الأوْلاَدٌ عَنْ نُوح وَالفُلْك وَقُوس قَزَح وَالغُرَاب وَالحَمَامَة وَتَأتِي بِنَمَاذِج تُسَاعِد فِي الدَّرْس إِذاً الدَّرْس يَثْبُت بِالنِّسْبَة لِلأوْلاَدٌ كذَلِك أنْتَ تَكُون أجْمَل وَسِيلِة إِيضَاح التَّعْلِيم بِالحَيَاة كُنَا فِي مُؤتَمَر لإِعْدَاد الخُدَّام لِشَبَاب وَشَابَّات الأسْكَنْدَرِيَّة فَفِي سَنَة مِنْ السَنَوَات تَعَلَّمْنَا تَرْنِيمَة تَقُول : عَلِّمْنِي بِحَيَاتَك قَبْل كَلاَمَك لِيَّا هذَا أفْضَل جِدّاً لِحَيَاتِي الأبَدِيَّة وَكَأنَّهُمْ يَتَكَلَّمُوا بِلِسَان الأطْفَال كَأنَّ الطِّفْل يُخَاطِبْنِي أنَا كَخَادِم وَيَقُول لِي هذِهِ الكَلِمَات فَمِنْ المُمْكِنْ الخَادِم يَعِظْ الطِّفْل وَبَعْد وَقْت صَغِير جِدّاً يَرَى الطِّفْل هذَا الخَادِم غَضُوب Nerves وَمُمْكِنْ يِغْلَط فِي الكَلاَم وَخَارِج الخِدْمَة هذَا الخَادِم أمَام الطِّفْل يِهَذَّر بِطَرِيقَة غِير لاَئِقَة مِثْلَمَا كَانْ فِي وَقْت قَالُوا الخُدَّام أنَّهُمْ لاَ يُرِيدُوا أوْلاَدٌ إِبْتِدَائِي فِي النَّادِي الخَاص بِالكِبَار وَيَتَشَدَّدُوا فِي هذَا الأمر وَاتَضَح أخِيراً لأِنَّهُمْ يُرِيدُوا أنْ يَأخُذُوا رَاحِتْهُمْ وَلكِنْ فِيهَا إِيه عِنْدَمَا يَحْضَر الأوْلاَدٌ الصِّغَار فِي نَادِي الخُدَّام وَقْت لِعْبُهُمْ ؟!! وَلكِنْ عِنْدَمَا يَرَى الأطْفَال خُدَّامْهُمْ وَهُمَّ بِيِلْعَبُوا يِعْرَفُوا إِنُّهُمْ مُحِبِين وَمُتَعَاوِنِين وَرُوحْهُمْ جَمِيلَة وَطَيِّبَة – وَهُمَّ بِيِلْعَبُوا – وَمَالُوا فَمِنْ المُمْكِنْ إِنِّي ألْعَب مَعَاكُمْ شِئ عَادِي لكِنْ الخُدَّام الَّذِينَ طَلَبُوا هذَا الطَلَبْ يَعْرِفُون أنَّ بِهُمْ ضَعَفَات وَسَيَغْضَبُوا وَمُمْكِنْ يِشْتِمُوا وَصُوتهُمْ يِكُون عَالِي فَهُمْ لاَ يُرِيدُوا الأوْلاَدٌ يَرُوهُمْ بِهذَا الوَضْع الحِكَايَة يَا أحِبَّائِي لاَ تَحْتَاج إِلَى مَعْلُومَات إِحْنَا الأوْلاَدٌ الَّذِينَ نَخْدِمَهُمْ لاَ تَحْتَاج مِنِّنَا إِلَى مَعْلُومَات بَلْ تَحْتَاج إِلَى أنْ تَرَى مَسِيح وَاضِح أمَامَهُمْ تَرَى إِنْجِيل مُعَاش بِحَيَاتْنَا وَسُلُوكْنَا وَتَصَرُّفَاتْنَا وَهُدُوئْنَا بِوَدَاعِتْنَا بِصُوتْنَا الهَادِئ صَدِّقُونِي كُل جُزْء فِينَا يَجِب أنْ يَشْهَد لِلْمَسِيح النِّعْمَة عِنْدَمَا تَدْخُل فِينَا تُقَدِّس كُل حَيَاتْنَا تُقَدِّس نَظَرَاتْنَا وَتُقَدِّس مَشْيُه وَخَطَوَاتُه وَتُقَدِّس إِنْفِعَالاَتُه وَتَصَوُرَاتُه وَتَجْعَلُه أكْثَر إِلْتِزَاماً وَأكْثَر أدَباً أكْثَر صَمْتاً وَأكْثَر رَزَانَة هذَا هُوَ عَمَل النِّعْمَة الإِنْجِيل عِنْدَمَا يَدْخُل جُوَّا الكَيَان يُقَدِّسُه وَيَجْعَل مَلاَمِحُه عَلِيهَا نِعْمَة فَنَقُول ﴿ قَدْ أضَاءَ عَلَيْنَا نُور وَجْهَك يَارَب ﴾ ( مز 4 – مِنْ مَزَامِير بَاكِر ) لِذلِك قَالَ رَبِّنَا لَهُ المَجْد ﴿ الكَلاَم الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاة ﴾ ( يو 6 : 63 )فَلَيْسَ المَوْضُوع كَلاَم فَقَطْ بَلْ رُوح وَحَيَاة حَيَاة تُعَاش هُوَ رُوح تَتَحَوَّل إِلَى حَيَاة وَحَيَاة تَتَحَوَّل إِلَى رُوح إِنْجِيل مُعَاش لِدَرَجِة إِنُّه مُمْكِنْ أرَى فِيك كَأنَّكَ أنْتَ نَفْسَك مَزْمُور كَأنَّكَ إِيه ؟ أنْتَ نَفْسَك تَكُون آيَة جَمِيل جِدّاً أنَّ الإِنْسَان يَتَحَوَّل إِلَى إِنْجِيل فَرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح قَالْ آيَة الوَاحِدٌ يِتْكِسِفْ مِنْهَا جِدّاً – أنَا نَفْسِي بَكُون مَكْسُوف جِدّاً مِنْهَا وَهيَ فِي يُوحَنَّا 17 – عِنْدَمَا قَالَ ﴿ لأِجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الحَقِّ ﴾( يو 17 : 19) .. فَإِنَّ كَلِمَة * أُقَدِّس * تَعْنِي * تَخْصِيص وَتَكْرِيس *يَعْنِي إِنْتَ يَارَب تُقَدِّس ذَاتَك لأِجْلِنَا فَيَجِبْ عَلِينَا نَحْنُ أنْ نُقَدِّس ذَوَاتْنَا إِذَا كَانْ هُوَ القُدُّوس الَّذِي بِلاَ شَر الَّذِي إِنْفَصَلَ عَنْ الخُطَاة مِثْلَمَا قَالَ مُعَلِّمْنَا بُولِس فِي الرِّسَالَة إِلَى العِبْرَانِيِّين ( عب 7 : 26 ) فَإِذَا حَال القُدُّوس الَّذِي إِنْفَصَلَ عَنْ الخُطَاة إِنُّه يُقَدِّس ذَاتُه فَيَجِبْ عَلَيْنَا مِنْ أجْل خِدْمِتْنَا أنْ نُقَدِّس وَنُخَصِّص ذَوَاتْنَا الحِكَايَة لَيْسَتْ حِكَايِة شِوَيِة وَقْت وَنَتَقَمَص شَخْصِيَّة مُعَيَّنَة فِي الخِدْمَة وَخَلاَص لكِنْ هذَا سُلُوك بِاسْتِمْرَار وَحَيَاة بِاسْتِمْرَار أقْدَر أقُولَّك أنَّ الوَاحِدٌ يَجِبْ أنْ يَتَحَوَّل إِلَى حَالِة وُجُودٌ فِي حَضْرِة الله الدَّائِمَة بِاسْتِمْرَار بِاسْتِمْرَار يِكُون الوَاحِدٌ فِي قَلْبُه وَفِي ذِهْنُه فِكْر إِنْجِيلِي وَيَعِيش بِمُقْتَضَاه وَيَكُون قُدْوَة لِلمُؤمِنِينْ فِي التَّصَرُّف فِي الرُّوح فِي الكَلاَم فِي طُول الأنَاة فِي الطَّهَارَة فِي كُل عَمَلْ يَكُون قُدْوَة وَيَكُون نَمُوذَج جَيِّد نَمُوذَج يِفَرَّح إِيلِيَّا النَّبِي كَانَ بَرَكَة فِي بَيْت سَيِّدَة صَرْفَة صَيْدَا يُوسِف البَّار كَانَ بَرَكَة فِي بَيْت فُوطِيفَار وَصَارَ بَرَكَة لأِرْض مَصْر كُلَّهَا نُوح البَّار كَانَ بَرَكَة لِلعَالَمْ كُلُّه وَحَفَظْ العَالَمْ مِنْ الهَلاَك الله أبْقَى ثَمَانِيَة أنْفُس بِبَرَكِة نُوح البَّار هذَا الإِنْسَان البَرَكَة هذَا الإِنْسَان الَّذِي يَعِيش وَيَكُون الإِنْجِيل فِي فِكْرُه وَفِي قَلْبُه لِدَرَجِة إِنُّه يِقُول أنَّ الله تَنَسَّم رَائِحَة سُرُور وَرَائِحَة رِضَى فَإِنْ رَبِّنَا فِرِح بِنُوح وَأوْلاَدُه التَّعْلِيم بِالحَيَاة كَثِيراً مَا نَسْمَع عَنْ قِدِّيسِينْ كَانُوا غِير مُؤمِنِينْ فَنِسْمَع عَنْ قِدِّيس إِسْمُه يَعْقُوب رَاجِل غَنِي وَأبُوه وَثَنِي وَكَانْ عَنْدُهُمْ قَطِيع غَنَمْ كِبِير وَكَانَ هُنَاك رَاعِي غَنَمْ مِسِيحِي فَالقِدِيس يَعْقُوب تَعَلَّمْ مِنْ رَاعِي الغَنَمْ أُصُول الْمَسِيحِيَّة بِدُون مَا الرَّاعِي يَقُول لَهُ عَنْ الْمَسِيح وَيِعَلِّمُه وَيِحَفَّظُه أي شِئ بَلْ عَلَّمُه بِالحَيَاة العَمَلِيَّة فَجَاءَ الرَّاعِي لأِبُو القِدِيس يَعْقُوب يَقُول لَهُ أسْتَأذِنَك فِي إِنِّي حَبَطَّل شُغْل فَسَألَهُ أبُو القِدِيس يَعْقُوب عَنْ السَبَبْ فَرَدٌ الرَّاعِي أنَا رَايِح لِلإِسْتِشْهَادٌ فَفِي البَلَد المُجَاوِرَة لَنَا هُنَاك جَمَاعَة تَجْعَل الْمَسِيحِيِّينْ يَسْتَشْهِدُوا فَالرَّاعِي يَسْتَأذِن لِكَيْ يَذْهَبْ لِلإِسْتِشْهَادٌ فَلَّمَا عَلِمَ القِدِّيس يَعْقُوب طَلَبْ مِنْ الرَّاعِي أنْ يَذْهَب مَعَهُ لِيَتَفَرَّج فَقَالَ الرَّاعِي لكِنْ مَتْخَفْش إِذَا شُوفْتِنِي وَأنَا بَدِبِح فَعِنْدَمَا وَصَلُوا لِلبَلَد كَانَ هُنَاك شَاب يُعَذَّب فَقَالَ الرَّاعِي * أتَعْلَم يَا يَعْقُوب مَنْ هذَا الشَّاب ؟ الشَّاب الَّذِي يُعَذَّب هُوَ إِبْن الوَالِي وَاسِيلِيدِس وَهذَا الشَّاب هُوَ القِدِّيس بُقْطُر * فَقَالَ يَعْقُوب وَهَلْ هذَا مَعْقُول ؟ فَقَالَ الرَّاعِي أصْل يَابْنِي هذَا العَالَمْ فَانِي وَفِي الحَال طَلَبْ يَعْقُوب مِنْ الرَّاعِي إِنُّه يَتَقَدَّم لِلإسْتِشْهَادٌ وَفِعْلاً تَقَدَّم لِلإِسْتِشْهَادٌ فَالْمَسِيحِيَّة هِيَ حَيَاة قُدْوَة فَهُنَاك قِصَّة مَعْرُوفَة ذَهَبَ مُدَرِّس إِلَى إِحْدَى الدُوَل العَرَبِيَّة وَلَمَّا ذَهَبْ كَانَتْ المُفَاجَأة أنَّ المُدَرِّس شَخْص مَسِيحِي فَقَالُوا لَهُ إِنَّنَا لاَ نُعَيِّنْ مَسِيحِيِّينْ إِنْتَ إِزَّاي جِيتْ ؟!! فَقَالَ لَهُمْ أنَا رَاسِلْتُكُمْ وَإِنْتُمْ بَعَتُوا لِي فَأنَا قُمْت بِإِخْلاَء طَرَفِي وَجِئْت فِعْلاً وَمَا يِنْفَعْش إِنِّي أرْجَع فَكَتَبُوا عَلِيه تَعَهُّدْ وَفَرَضُوا عَلِيه شَرْط وَهُوَ * أنَّكَ لاَ تَتَكَلَّمْ عَنْ الْمَسِيح وَلاَ تِجِيب سِيرْتُه أبَداً * وَهُوَ وَافِق وَبَعْد فِتْرَة لاَحْظُوا أنَّ الأوْلاَدٌ مُلْتَفِّين حَوْلَهُ وَيُحِبُّوه جِدّاً فَقَالُوا لَهُ فِي شِئ غَرِيب إِنْتَ شَكْلَك بِتِتْكَلِّمْ عَنْ الْمَسِيح وَإِحْنَا حَا نِسْأل الأوْلاَدٌ فَكَانْ رَدٌ المُدَرِّس أنَا لَمْ أفْتَح فَمِي وَلَمْ أتَكَلَّمْ بِشِئ أمَّا هُمْ فَرَاقَبُوه أثْنَاء تَأدِيَتُه لِحِصَصُه وَيُرَاقِبُوه أثْنَاء كَلاَمُه وَلاَحَظُوا إِنُّه لاَ يَتَكَلَّمْ عَنْ الدِّينْ وَبَدَأُوا يَتَعَجَّبُوا مَا هُوَ سِر إِنْجِذَاب الأوْلاَدٌ إِلِيه بِهذِهِ الدَّرَجَة ؟!! وَعِنْدَمَا سَألُوا الأوْلاَدٌ قَالُوا لَهُمْ أنَّ هذَا المُدَرِّس يَهْتَمْ بِنَا جِدّاً وَأخَذَ أرْقَام تِلِيفُونَاتْنَا وَعِنْدَمَا يَغِيب أي وَاحِدٌ مِنِّنَا يَتَصِل بِهِ وَيِسْأل عَلِيه وَيَطْمَئِنْ عَلِيه وَالوَلَدٌ اللِّي تِكُون دَرَجَاتُه ضَعِيفَة يِحَدِّد مِيعَاد مَعَاه دَاخِل المَدْرَسَة وَيِشْرَح لَهُ مَا يَصْعُب عَلِيه فَهْمُه وَالوَلَدٌ المُتَفَوِق يِجِيب لُه هِدِيَّة عَلَى حِسَابُه الخَاص وَبِهذِهِ الطَّرِيقَة الأوْلاَدٌ حَبُّوه وَحَبُّوا حَيَاتُه وَلَمَّا يِعْرَفُوا إِنْ السِّر فِي ذلِك إِلَهُه يَتْبَعُوا حَيَاتُه وَإِلَهُه فَهذَا هُوَ التَّعْلِيم بِالحَيَاة ﴿ وَأمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوت السَّموَات ﴾ فَيَجِبْ كُل شَخْص يِسْأل نَفْسُه كَمْ شَخْص أحَبَّ الْمَسِيح بِسَبَبِي ؟ كَمْ شَخْص ؟!! فَإِنْتَ حَبِّبْت كَمْ شَخْص فِي الْمَسِيح بِسَبَبَك ؟ ﴿ يَرَوْا أعْمَالَكُم الحَسَنَة وَيُمَجِّدُوا أبَاكُم الَّذِي فِي السَّموَات ﴾ ( مت 5 : 16) . 2- خُطُورِة التَّعْلِيم دُونَ حَيَاة :- عَلِّمْ .. عَلِّمْ .. عَلِّمْ .. قُول .. قُول .. قُول .. إِتْكَلِّمْ .. إِتْكَلِّمْ .. إِتْكَلِّمْ .. وَلاَ يَكُون هُنَاك فِعْل فَهذَا يُسَبِّبْ بَلاَدَة .. جُمُودٌ ..رِيَاء ..إِزْدِوَاج ..بَلْ عَلَى العَكْس فَهذَا يِعْمِل الإِنْسَان عِنْدُه رُوح غُرُور وَكِبْرِيَاء فَكُل مَا الشَخْص يُعَلِّمْ فَكُل مَا يِفْتِكِر نَفْسُه كذَلِك فَيَظُنْ أنَّ الّذِي يُعَلِّمُه هذَا إِنَّهُ عَايْشُه فَتِكْبَر الذَّات بِدُون فِعْل وَيَتَأخَّر التَّقَدُم الرُّوحِي جِدّاً وَبَدَل مَا الخِدْمَة تَكُون وَسِيلِة خَلاَص تِكُون وَسِيلِة جُمُودٌ وَبَدَل مَا الإِنْسَان يِكُون فِي طَرِيقُه لِلقُرْب مِنْ رَبِّنَا لكِنْ فِي الحَقِيقَة إِنُّه بِالشَكْل يِكُون بِيقَرَّب لكِنُّه فِي الحَقِيقَة إِنُّه بِيِبْعِد عَنْ رَبِّنَا مَا أخْطَر أنْ تَتَحَوَّل الخِدْمَة إِلَى مِهْنَة فَإِنَّ الخَادِم يَذْهَب لِيُلْقِي دَرْس وَيِحَكِّي شِوَيَة وَيِهَذَّر وَيِنَكِتْ شِوَيَة وَخَلاَص عَلَى كِدَه مَا أخْطَر أنْ يَتَحَوَّل الأمر إِلَى مُجَرَّد تَلْقِين أوْ مَعْلُومَات فَهذَا أخْطَر لِدَرَجِة أنْ تَكُون الخِدْمَة عِبَارَة عَنْ مُسَكِّنْ يِزِيدْ المَرَض وَلاَ يُزِيلُه لِدَرَجِة أنَّ هذَا التَّعْلِيم يُضَخِّمْ ذَات الإِنْسَان وَيَجْعَلُه يَشْعُر بِأنَّ النَّاس أقَلْ مِنْهُ لأِنَّهُ هُوَ مُعَلِّمْ لِذلِك رَبِّنَا يَقُول ﴿ لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِين كَثِيرِين ﴾ ( يع 3 : 1) لاَ تَكُون حَابِبْ أنْ تَكُون مُعَلِّمْ وَخَلاَص بَلْ عِيش فَمَا أكْثَر الكَلاَم عَنْ المَحَبَّة لكِنْ مَا أرْوَع المُحِبْ فَمَا أكْثَر الكَلاَم عَنْ الصَّلاَة لكِنْ مَا أجْمَل المُصَلِّي فَهذَا شِئ يِجْذِب قَلْب رَبِّنَا هذَا شِئ يَجْعَل الإِنْسَان المُحِبْ جَذَّاب مَا أخْطَر أنْ نَكُون كَالكَتَبَة وَالفِرِّيسِيِّين الَّذِينَ يَعْرِفُوا النَّامُوس وَلاَ يَعِيشُوه مَا أخْطَر أنَّ الإِنْسَان يَتَحَوَّل إِلَى صِرَاع فِي دَاخِلُه بَيْنَ المَعْرِفَة وَبَيْنَ التَّطْبِيق فَهذِهِ خُطُورَة تِعْمِل إِزْدِوَاج وَجُمُودٌ وَتَجْعَل الإِنْسَان لَهُ شَكْل التَّقْوَى وَيُنْكِر قُوِّتْهَا ( 2تي 3 : 5 ) فَيَقُول الشَخْص أنَا خَادِم أنَا خَادِمَة أنَا رُوحْت أنَا عَمَلْت أنَا إِتْكَلِّمْت أنَا أدِّيت المَوْضُوع دَه أنَا شَرَحْت أنَا حَفَّظْت أنَا عَمَلْت أنَا قَرَأت فَمَا أخْطَر شَخْصِيِّة الإِزْدِوَاجِيَّة مَا أخْطَر أنْ تَتَحَوَّل حَيَاتْنَا إِلَى جُزْء فِي الخِدْمَة وَجُزْء لِلشَّخْصِيَّة الطَّبِيعِيَّة الخَاصَّة بِنَا فَمَثَلاً عِنْدَمَا تَقُول أنَّ الخَادِم يَلْتَزِم بِأشْيَاء مُعَيَّنَة لِلخِدْمَة فَمَثَلاً عِنْدَمَا تَقُول لِلخَادِمَات تَعَالِي الخِدْمَة بِدُون مِكْيَاچ وَبِدُون بَنْطَلُون تَعَالِي بِچِيبَة وَاسْعَة وَالْبِسِي حَاجَة حِشْمَة فَمُمْكِنْ أنْ تَأتِي الخَادِمَة وَقْت مَدَارِس الأحَدٌ مُنْضَبِطَة تَمَام وَفِي أي وَقْت غِير مَدَارِس الأحَدٌ بِشَكْل تَانِي خَالِص فَهذَا كَأنَّنَا بِنْمَثِّل سَاعْتِين وَلكِنَّنَا إِحْنَا فِي الخِدْمَة بِنْكُون أكْثَر إِلْتِزَاماً لكِنْ هذَا مَعْنَاه أنَّ هذِهِ الحَيَاة تَكُون غِير طَبِيعِيَّة بَلْ يَتِمْ التَّحْوِيل إِلَى أنْ تَكُون هذِهِ طَبِيعَتِي وَيَكُون هذَا سُلُوكِي وَشَخْصِيِتِي وَأنَا لاَ أقْبَل أنْ أكُون غِير ذلِك فَهذَا هُوَ الصَّح مَا أصْعَب الإِزْدِوَاج وَهذَا لِلأسَفْ السِمَة الَّتِي يَعِيشَهَا جِيلْنَا هذَا حِلْوِين جِدّاً جِدّاً جِدّاً دَاخِل الكِنِيسَة وَيَكُونُوا أيْضاً مَعَاك عَلَى الخَطْ خَارِج الكِنِيسَة ألْحَان وَتَسْبِحَة تَمَام وَغِير ذلِك أيْضاً تَمَام فَفِي قِصَّة كُنْت مَرَّة سِمِعْتَهَا إِنْ نَاس قَامُوا بِالإِتِفَاق مَعَ شَمَامِسَة عَلَى المُشَارْكَة فِي صَلاَة إِكْلِيل فَعَرَفُوا الشَّمَامِسَة مِيعَادٌ الإِكْلِيل وَفِي أي كِنِيسَة وَاتَفَقُوا فِعْلاً فَقَام شَمَاس يِسْأل النَّاس أصْحَاب الفَرَح * إِنْتُمْ بَعْد الكِنِيسَة رَايْحِينْ فِينْ ؟ * فَالنَّاس رَدُّوا إِنُّهُمْ رَايْحِينْ مَكَان لِلفَرْفَشَة بَعْد الإِكْلِيل .. فَالشَّمَامِسَة قَالُوا مُمْكِنْ إِحْنَا كَمَان نَقُوم بِالفَرْفَشَة فَهُمْ نَفْس الشَّمَامِسَة ( مِينَا وَمَايْكِل وَدِيڤيد وَجِرْجِس وَبِيشُوي وَ ) فَهُمْ أثْنَاء الإِكْلِيل لاَبْسِين التُونْيَة وَمَاسْكِين الدَّف وَبَعْد الإِكْلِيل يِقْلَعُوا التُونْيَة وَيِسِيبُوا الدَّف وَيِمْسِكُوا حَاجَة تَانِي فَهذَا إِزْدِوَاج فَأنْتَ إِيه بِالظَّبْط ؟ مَاذَا تُرِيدْ ؟ مَاذَا تُحِبْ ؟ مَا هِيَ مُيُولَك ؟ أرْجُوك إِسْأل نَفْسَك هذَا السُؤال إِلَى أي التَّيَارَات تَمِيل ؟ مَنْ أنْتَ ؟ سُؤال مُهِمْ جِدّاً مَا أخْطَر إِزْدِوَاجْنَا القَلْب المَقْسُوم هذَا صَعْب وَلاَ نَسْتَطِيع أبَداً أنْ نَعْرُج بَيْنَ الفِرْقَتَيْنِ ﴿ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ الله فَاتَّبِعُوهُ وَإِنْ كَانَ البَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ ﴾( 1مل 18 : 21 )مَا أصْعَب إِنْشِقَاق الإِنْسَان مِنْ دَاخِلُه فِي الجَامْعَة مَعَ أصْحَابُه يِجَارِي الجَو إِلَى أقْصَى دَرَجَة وَفِي الكِنِيسَة كَذلِك وَأيْضاً فِي الشُغْل كَذلِك لاَزِم نُمَجِّد رَبِّنَا وَلاَزِم يِكُون عِنْدَك الإِقْتِنَاع الكَافِي فِي شَخْصِيِتَك إِنَّك إِنْتَ كِدَه إِنْتَ مَسِيحِي وَيَجِبْ أنْ تَشْهَدٌ لِمَسِيحَك إِنْتَ فِيك شِئ مُخْتَلِف لاَزِم نِكُون عَايْشِينْ بِمُقْتَضَاه ﴿ مَجِّدُوا الله فِي أجْسَادِكُمْ وَفِي أرْوَاحِكُم الَّتِي هِيَ لله ﴾( 1كو 6 : 20 ) مَا هِيَ مَشِيئَة قَلْبَك وَمَاذَا تُحِبْ ؟ لِذلِك الإِنْسَان الَّذِي يَعِيش مَعَ الله فِعْلاً وَالإِنْجِيل مَغْرُوس بِدَاخِلُه فَلاَ يَعْرِف أنْ يَعِيش كُل فِتْرَة بِشَخْصِيَّة فَلاَ يَكُون عَايِش مِثْل الكَتَبَة وَالفِرِّيسِيِّينْ الَّذِي لَهُمْ حَيَاة فِي الشَّكْل وَلَهُمْ حَيَاة أُخْرَى فِي الخَفَاء وَمُخْتَلِفَة فَلاَ تَكُونُوا كَالنَّاس الَّذِينَ يُحَمِّلُوا الآخَرِينْ أحْمَالاً عَثِرَة وَلاَ يُحَرِّكُونَهَا بِأصَابِعَهُمْ( مت 23 : 4 )فَهُمْ كَانُوا يُعَشِّرُون النِّعْنَاع وَالشِّبِثَّ وَالكَمُّون وَتَرَكُوا الحَقَّ وَالرَّحْمَة( مت 23 : 23 ) كَانُوا يَأكُلُوا مَال اليَتِيم وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ فِي الصَّلاَة ( مر 12 : 40 ) فَهذَا تَنَاقُض رَهِيب لِذلِك الخَادِم يَنْطَبِع عَلَى أوْلاَدُه فَالإِنْسَان الَّذِي فِي خِدْمِتُه عَايِش حَيَاة فِيهَا إِهْتِمَامَات رُوحِيَّة فَيَكُون أوْلاَدُه لَهُمْ إِهْتِمَامَات رُوحِيَّة وَالخَادِم الَّذِي يَهْتَمْ بِالمَظْهَر وَالشَّكْل وَالرِّيَاضَة وَالفُسْحَة وَالتَّرْفِيه يِكُونُوا أوْلاَدُه يِحِبُّوا الهِيصَة فَهَلْ أنَا بَحْرِص إِنِّي فِي يُوْم السَبْت أحْضَر عَشِيَّة وَأجْعَل أوْلاَدِي يِحْضَرُوا عَشِيَّة ؟ فَهَلْ أنَا بَحْرِص أنْ أحْضَر تَسْبِحَة فِي الكِنِيسَة ؟ فَهَلْ أنَا مُهْتَمْ بِحُضُور القُدَّاسَات ؟ هَلْ أنَا مُهْتَمْ بِأعْيَادٌ القِدِّيسِينْ ؟ هَلْ أنَا مُهْتَمْ بِالسَّهَرَات الرُّوحِيَّة ؟ فَلَوْ أنَا مُهْتَمْ بِكُل هذِهِ الأُمور فَأتَفِق مَعَ أوْلاَدِي أنْ يَحْضَرُوا هُمْ أيْضاً وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِي نَفْس هذِهِ الإِهْتِمَامَات وَلِي إِهْتِمَامَات أُخْرَى فَأوْلاَدِي سَيَتَعَلَّمُوا مِنِّي نَفْس الإِهْتِمَامَات خُطُورِة التَّعْلِيم دُونَ حَيَاة تَجْعَل الإِنْسَان يَكُون بِشَكْل مِنْ الخَارِج وَجَوْهَرُه شِئ مُخْتَلِف تَمَاماً وَهذَا يَجْعَلُه يِعِيش فِي رِيَاء وَفِي إِزْدِوَاجِيَّة وَفِي صِرَاع فِي صِرَاع فِي شَخْصِيِتُه . 3- كَيْفَ نَحْيَا حَسَبْ الإِنْجِيل ؟ كَيْفَ أكُون إِنْجِيل مُعَاش ؟ إِهْتَم بِمَبْدأ الفِعْل قَبْل الإِهْتِمَام بِمَبْدأ المَعْرِفَة فَرَبِّنَا قَالْ لِلنَّامُوسِي ﴿ إِفْعَل هذَا فَتَحْيَا ﴾ ( لو 10 : 28 ) مُهِمْ جِدّاً وَصِيِة * إِفْعَل * طَبَّقٌ فَقَالَ الغَنِي﴿ هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي ﴾ ( مر 10 : 20 ) لكِنْ رَبِّنَا رَكِّزعَلَى الفِعْل فَفِي الكِتَاب المُقَدَّس آيَة تَقُول ﴿ فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيل الْمَسِيح ﴾ ( في 1 : 27 ) لِذلِك يَكُون التَّرْكِيز عَلَى * عِيشُوا * مَا أجْمَل أنْ يَتَحَوَّل الإِنْجِيل إِلَى حَيَاة فِي دَاخِلْنَا جَمِيل جِدّاً رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لَمَّا يِقُول لِشَخْص * إِتْبَعْنِي * وَيَقُول ﴿ فَقَامَ وَتَبِعَهُ ﴾( مر 2 : 14) فَإِنَّ الشَخْص الّذِي قُدِّمَتْ لَهُ الدَّعْوَة قَامَ وَتَبَعَهُ فَعَمَلَ وَفَعَلْ فَمَا هُوَ الفِعْل الَّذِي حَصَلْ فِي حَيَاتْنَا الَّذِي نَقُول أنَّ الإِنْجِيل إِشْتَغَل بِدَاخِلْنَا ؟ إِنْ لَمْ يَتَحَوَّل الإِنْجِيل إِلَى سُلُوك فَيَتَحَوَّل بِالنِّسْبَة لَنَا إِلَى أي كِتَاب مِثْل الَّذِي دَرَسْنَاه فِي أُولَى إِعْدَادِي وَتَانْيَة إِعْدَادِي وَتَالْتَة إِعْدَادِي وَهَكذَا لأِنَّهُ يُعْتَبَر كِتَاب وَبِهِ نَظَرِيَات لِذلِك يُكَلِّمْنَا عَنْ الإِيمَان العَامِل بِالمَحَبَّة لاَزِم يِكُون لَنَا إِيمَان عَامِل لَيْسَ مُجَرَّدٌ كَلاَم بَلْ إِيمَان عَامِل الإِنْجِيل مِشْ مَطْلُوب مِنِّنَا أنْ نَأخُذُه كَمَعْرِفَة وَمَعْلُومَات فَعِنْدَمَا تَقْرأ لاَزِم يَتَحَوَّل بِنِعْمِة رَبِّنَا إِلَى تَطْبِيق إِلَى تَدْرِيب إِلَى فِعْل إِلَى عَمَل أنْتَ يَجِبْ أنْ تَدْخُل إِلَى دَاخِل الإِنْجِيل مَا الَّذِي يَجْعَلْنَا نَعِيش فِي غُرْبَة عَنْ الإِنْجِيل ؟ لِمَاذَا تَقُول عَلَى الإِنْجِيل صَعْب ؟ لأِنَّنَا لَمْ نَقْرَاؤه بِاسْتِمْرَار لأِنَّنَا نَأخُذُه بِالفِعْل بِقِرَاءَة مِنْ الخَارِج فَعِنْدَمَا شَخْص يِعْزِمَك عَلَى حَاجَة سَاقْعَة هَلْ بِيُدْلُوقْهَا فُوق مِنَّك وَلاَّ بِيشَرَّبْهَا لَك فِي فَمَك ؟ وَالإِنْجِيل إِوْعَى تَاخْدُه بَرَّه مِنَّك بَرَّه مِنَّك حَيغَرَّقَك وَحَيِعْمِل لِيك كَلاَكِيع لكِنْ لَوْ تِشْرَبُه مِنْ الدَّاخِل يُبْقَى لَذِيذ لَوْ نِفْرِض وَإِنْتَ بِتِقْرا فِي الإِنْجِيل جُزْء خِلْقِة العَالَمْ ﴿ لِيَكُن نُورٌ ﴾( تك 1 : 3 ) مُمْكِنْ شَخْص يِقُول * أنَا مَالِي وَمَال ( لِيَكُنْ نُورٌ ) * العَالَمْ إِتْعَمَل وَلاَّ مَتْعَمَلْش خَالِص وَأنَا مَالِي لكِنْ تَقُول عِنْدَ خِلْقَة هذَا العَالَمْ * يَارَب إِلَى هذَا الحَدٌ إِنْتَ بِتْحِبِّنِي ؟ * مَا هُوَ هذَا العَالَمْ وَلِمَنْ خُلِقَ ؟ وَالكُون هذَا لِمَنْ ؟ فَإِنَّ رَبِّنَا خَلَقُه لَنَا فَنَقُول نَشْكُرَك يَارَب الكِنِيسَة وَاعْيَة تَقُول ﴿ ثَبَّتَ لِيَ الأرْضَ لأمْشِي عَلَيْهَا مِنْ أجْلِي ألْجَمْتَ البَحْر مِنْ أجْلِي أظْهَرْتَ طَبِيعَة الحَيَوَان ﴾ ( جُزْء * قُدُّوس * فِي القُدَّاس الغِرِيغُورِي ) فَالخَلِيقَة كُلَّهَا أُنْشُودِة حُبْ لله شُوفُوا الرَّوْعَة تَخَيَّل إِنْتَ لَوْ لَمْ تَكُنْ الأرْض ثَابْتَة كُنَّا نِمْشِي إِزَّاي ؟ فَالوَاحِدٌ لَوْ كَانْ عَنْدُه مِشْوَار لأِخِر الشَّارِع كُنَّا نِمْشِيه فِي سَنَة لكِنْ رَبِّنَا ثَبِّت الأرْض لِينَا شُوف تَرْتِيب رَبِّنَا﴿ لِيَكُن نُورٌ ﴾ قُولُّه يَارَب بَدِّد ظَلاَمِي بَدِّد ظُلِمِة حَيَاتِي بَدِّد ظُلْمِة الأيَّام الإِنْجِيل مِشْ المَقْصُودٌ مِنُّه إِنُّه يِحْكِي لِينَا قِصَص وَيِحْكِي لِيَنَا عَنْ أشْخَاص فِي العَهْد القَدِيم وَالجِدِيد وَيِحْكِي لِينَا عَنْ طَبَائِع الشُّعُوب وَيِحْكِي لِينَا عَنْ قِصَص حُرُوب وَيِحْكِي لِينَا عَنْ تَدْبِير الخَلاَص وَيِحْكِي لِينَا عَنْ أُمور كَثِيرَة فَلَيْسَ هذَا هُوَ المَقْصُودٌ لكِنْ يَجِبْ أنْ أكْتَشِف نَفْسِي فِي الإِنْجِيل يَجِبْ أنْ أكْتَشِف خَلاَصِي أنَا الَّذِي يَجِبْ أنْ أتَمَتَّع بِهِ دِلْوَقْتِي فِي الْمَسِيح يَسُوع مِنْ هُنَا يَتَحَوَّل الإِنْجِيل إِلَى حَيَاة وَإِلَى فِعْل وَإِلَى سُلُوك جَمِيل جِدّاً أنْ يَكُون لَك آيَات تَتَذَكَّرْهَا بِاسْتِمْرَار رَدِّد آيَة رَدِّد قَوْل مَثَلاً ﴿ اللَّهُمَّ إِلْتَفِت إِلَى مَعُونَتِي يَارَب أسْرِع وَأعِنِّي ﴾ ( مز 69 – مِنْ مَزَامِير بَاكِر ) رَدِّدْهَا رَدِّد آيَة وَاسْعَى لِتَطْبِيقْهَا فَتَأخُذ قُوِّة فِعْلَهَا فَفِي شَخْص إِسْمُه السَّائِح الرُّوسِي عَامِل كِتَاب فَهُوَ قَرَأ آيَة ﴿ صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ ﴾( 1تس 5 : 17) وَظَلَّ يِسْأل وَيَقُول فِي أوْقَات بَنَام فِيهَا وَفِي أوْقَات بَاكُل فِيهَا وَفِي أوْقَات بَشْتَغَل فِيهَا فِضِل يِسْأل إِلَى أنْ عِرِف كَيْفَ يُصَلِّي بِلاَ إِنْقِطَاع أي يَكُون فِي حَالِة وُجُودٌ فِي حَضْرِة رَبِّنَا فِي إِتِحَاد ذِهْنِي وَفِكْرِي طَوَال النَّهَار وَظَلَّ يَقُول ﴿ يَارَبِّي يَسُوع الْمَسِيح إِبْن الله إِرْحَمْنِي أنَا الخَاطِئ ﴾ وَيُرَدِّدْهَا فِي كُل الأوْقَات حَتَّى فِي أوْقَات الأكْل فِي أوْقَات الشُغْل لَوْ مَاشِي لَوْ قَاعِدٌ فَهُوَ عِرِف مَعْنَى ﴿ صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ ﴾عِيش الآيَة لاَ مُجَرَّدٌ مَعْرِفِتْهَا فَقَطْ كَانَ أبُونَا بِيشُوي كَامِل – الله يِنَيِّح نَفْسُه – كَانْ إِسْمُه * إِنْجِيل مُعَاش * لأِنُّه مَكَنْش بِيِقْرَا الإِنْجِيل إِلاَّ لَمَّا يِشُوف إِزَّاي يِحَاوِل أنْ يِطَبَّقُه فَكَانَ يَتَكَلَّمْ مَعَ أحَدٌ أوْلاَدُه وَيَقُول لَهُ تِحِب أدِّيلَك هِدِيَّة ؟ فَيَرُدٌ الوَلَدٌ * إِدِّينِي يَا بُونَا * فَيَقُول أبُونَا * أدِّيلَك آيَة حِلْوَة تِعِيشْهَا * فَيَرُدٌ الوَلَدٌ * حَاضِر يَابُونَا * فَقَالَ أبُونَا ﴿ مَنْ أرَادَ أنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا ﴾( مت 16 : 25 ) يَالاَّ يَا حَبِيبِي رَبِّنَا مَعَاك فَهذِهِ الآيَة يِعِيش بِيهَا عُمْرُه كُلُّه فَمَا الَّذِي يُضَيِّع حَيَاتْنَا ؟ هُوَ أنَّنَا لاَ نُحِبْ أنْ نُهْلِكْهَا وَنُحِبْ أنْ نَحْتَفِظ بِهَا فَعِنْدَمَا نُحِبْ الذَّات فَالذَّات تَرْتَفِع لكِنْ الَّذِي يُحِب نَفْسُه يُضَيِّعُهَا أي طُول مَا أنَا بَحِبْ نَفْسِي فَأنَا بَضَيَعْهَا لكِنْ الَّذِي يُبْغِض نَفْسُه فَهذَا يَجِدْهَا كُل يُوْم ضَعْ نَفْسَك ضَعْ نَفْسَك فِي رَاحْتَك فِي أكْلَك فِي شُرْبَك فِي ذَاتَك فِي غِيرْتَك فِي إِنْفِعَالاَتَك مَعَ الآخَرِينْ إِنْفِق ذَاتَك إِبْذِلْهَا إِعْطِي فَهذِهِ قُوَّة جَبَّارَة الوَصِيَّة فِيهَا قُوَّة جَبَّارَة وَأجْمَل مَا فِي الوَصِيَّة إِنَّك لاَ تَعِيش وَصِيَّة إِلاَّ لَمَّا تِعِيش بَاقِي الوَصَايَا مَعَهَا لِيه ؟ فَعِنْدَمَا يُبْغِض الوَاحِدٌ نَفْسُه يُحِب الَّذِينَ حَوْلُه وَيُحِب العَطَاء وَيُحِب التَّسَامُح وَيُحِب الصُوْم فَتَكُون الوَصَايَا دَاخِلُه عَلَى بَعْضَهَا فَمَثَلاً الأسْكَنْدَرِيَّة مُصَمَّمَة بِطَرِيقَة تَكُون فِيهَا الشَوَارِع مُتَوَازِيَة وَسَهْلَة فَعِنْدَمَا نَذْهَب لِمِشْوَار يَكُون لَهُ طَرِيق يِوَصَّل لِمِشْوَارَك كذَلِك الوَصَايَا تِدَخَّلَك عَلَى بَعْضَهَا فَمَثَلاً الَّذِي يُصَلِّي بِلاَ إِنْقِطَاع يَعِيش الطَّهَارَة وَيَعِيش الحُبْ وَيَعِيش البَذْل وَيَعِيش الأبَدِيَّة فَأي وَصِيَّة تِسَاعْدَك فِي تَنْفِيذ الأُخْرَى وَالعَكْس الشَّر يِوَصَّل لِلشَّر الكِبْرِيَاء يِوَصَّل لِلغُرُور يِوَصَّل لِلشَّك يِوَصَّل لِلكَرَاهِيَّة تِوَصَّل لِلشَّهْوَة وَهكَذَا فَتَكُون شَبَكَات فِي بَعْضَهَا فَيَجِبْ أنْ تَعِيش الوَصِيَّة لاَ تَكْتَفِي أنَّكَ تَعْرِف بَلْ عِيش تِعْرَفُوا لِمَاذَا تَكُون تُوبِتْنَا تُوبَة وَقْتِيَّة شَكْلِيَّة ؟ لأِنَّهَا لَمْ تَكُون مِنْ الإِنْجِيل فَإِنَّ التُوبَة لَيْسَتْ مُجَرَّدٌ كَشْف عَقْل يَا أحِبَّائِي وَلاَ كَشْف ضَمِير التُوبَة بِالإِنْجِيل فَعِنْدَمَا نُحْضِر مَثَلاً وَلَدٌ غِير مِسِيحِي وَنِسْألُه * إِنْتَ مَاذَا تَفْعَل مِنْ الأُمور الوِحْشَة ؟ *فَيَقُول أنَا بَشْتِم بَابَا وَبَزَعَّل مَامَا وَبَاخُدٌ حَاجَات مِشْ بِتَاعْتِي وَبَتْفَرَّج عَلَى حَاجَات وِحْشَة وَأحْيَاناً تَكُون عِينِي وِحْشَة لَمَّا أمْشِي فِي الشَّارِع وَهكَذَا فَهُوَ بِيْقُول خَطَايَا وَهُوَ وَلَدٌ غِير مِسِيحِي فَدَه يُعْتَبَر كَشْف عَقْل وَضَمِير فَهَلْ هذِهِ تَكُون تُوبَة ؟ هذِهِ لَيْسَت تُوبَة أحْيَاناً إِحْنَا تَكُون تُوبِتْنَا عَلَى مُسْتَوَى كَشْف العَقْل وَالضَمِير وَأحْيَاناً يَكُون إِعْتِرَافْنَا عَلَى مُسْتَوَى العَقَل وَالضَمِير فَهذِهِ لاَ تَأتِي بِتُوبَة وَلاَ تَأتِي بِاسْتِمْرَار فَالتُوبَة المَعْمُولَة بِالإِنْجِيل المَعْمُولَة بِالوَصِيَّة إِنِّي أنَا قِيِسْت نَفْسِي عَلَى الوَصِيَّة﴿ سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي ﴾ ( مز 119 : 105)﴿ كَلاَمَك الَّذِي جَعَلْتَنِي عَلَيْهِ أتَّكِل ﴾ ( مز 119 : 49 ) أنَا بَقِيس نَفْسِي بِالإِنْجِيل الإِنْجِيل يَقُول ﴿ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ ﴾ ( يو 13 : 34 ) فَألاَحِظ نَفْسِي إِذَا كَانَ لاَ يُوْجَدٌ عِنْدِي مَحَبَّة فَأنَا بَكُون نِفْسِي أعْمِل هذِهِ الوَصِيَّة وَلاَ أعْرِف عِين غِير بَسِيطَة وَغِير نَقِيَّة فَالَّذِي يَتُوب بِرُوح الإِنْجِيل تَكُون تُوبْتُه لَهَا قُوَّة مَعْمُولَة بِالإِنْجِيل مَا أجْمَل أنْ يَكُون المِقْيَاس لِمُحَاسَبِة نَفْسِنَا هُوَ الإِنْجِيل وَهُوَ مُرْشِد لِطَرِيقْنَا وَالَّذِي يِعَرِّفْنَا الإِشْتِيَاقَات هُوَ الإِنْجِيل هُوَ الَّذِي يَرْفَعْنِي هُوَ الإِنْجِيل الَّذِي يِسْنِدْنِي فَيَقُول الكِتَاب المُقَدَّس ﴿ أبْتَهِج أنَا بِكَلاَمَك كَمَنْ وَجَدَ غَنَائِم كَثِيرَة ﴾ ( مز 119 : 162) الله يِنَيِّح نَفْسُه أبُونَا بِيشُوي كَامِل كَانْ مَرَّة فِي سَيِّدَة لَدَيْهَا ظُرُوف صَعْبَة فَاسْتَضَافْهَا أبُونَا فِي بِيتُه فَقَعَدِت عَنْدُه فِتْرَة لكِنْ تَاسُونِي أنْچِيل بَدَأت تُلاَحِظْ أنَّ هُنَاك أشْيَاء بِتُفْقَد مِنْ المَنْزِل وَبَدأَ الشَك يِرُوح إِلَى هذِهِ السَيِّدَة المُهِمْ تِدُور الأيَّام وَيِرُوح أبُونَا بِيشُوي وَتَاسُونِي أنْچِيل إِلَى هذِهِ السَيِّدَة فِي مَنْزِلْهَا يِزُورُوهَا فَالسِتْ قَدِّمِت لِيهُمْ حَاجَات فِي أطْبَاق كَانِتْ أخَدِتْهَا مِنْ ضِمْن الحَاجَات اللِّي أخَدِتْهَا مِنْ بِيتْ أبُونَا بِيشُوي فَتَاسُونِي أنْچِيل أخَدِت بَالْهَا مِنْ الطَبَق وَبَصِّتْ لأِبُونَا وَقَالِتْ لُه الطَبَق دَه بِتَاعْنَا فَرَدٌ عَلِيهَا حَنْرُوح فِين مِنْ الوَصِيَّة اللِّي بِتْقُول ﴿ قَبَلْتُمْ تُسْلَب أمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ ﴾ فَسَكَتَتْ تَاسُونِي أنْچِيل وَلاَ تَقْدِر أنْ تَقُول شِئ أمَام الوَصِيَّة فَإِنَّ الوَصِيَّة لَهَا قُوَّة يَعْنِي المَفْرُوض إِنِّي أضَعْ الآيَة أمَامِي وَأسِير بِهَا وَابْقَى أنَا بَتْقَاس عَلَى الآيَة وَيِكُون لِيَّ مَرْجِع وَيِكُون لِيَّ سَنَد فِيَّ قُوَّة أعِيش بِيهَا فَهذَا هُوَ الإِنْجِيل هذِهِ هِيَ الحَيَاة المَطْلُوبَة مِنِّنَا لاَ أنْسَى أبَداً طُول عُمْرِي بِنْت صُغَيَّرَة كَانِتْ بِتِعْتِرِف وَهِيَّ بِنْت بَسِيطَة وَغَلْبَانَة يَعْنِي مَعَنْدِهَاش إِمْكَانِيَات وَقَالِتْ لِي * صَحْبِتِي مَعَاهَا بَرَّايَة بِتِبْرِي لِوَحْدَهَا وَتِزَمَّر * فِعْلاً فِي بَرَايَات حَدِيثَة بِأشْكَال مُخْتَلِفَة وَفِي الغَالِبْ تِكُون مِنْ الخَارِج يَعْنِي بِتْحُط القَلَمْ فَتِبْرِيه وَنِشَارِة القَلَمْ بِتِتْجَمَّعْ فِي مَكَان مُعَيَّن فَأنَا إِفْتَكَرْت إِنْ البِنْت أخَدِتْهَا فَلِغَايِة هِنَا وَسَكَتِتْ البِنْت فَقُلْت لَهَا * يَعْنِي أخَدْتِيهَا ؟ *فَالبِنْت قَالِتْ * لاَ يَابُونَا أنَا مَخَدْتِهَاش * فَالبِنْت دِي بِتِعْتِرِف بِإِيه تِفْتِكْرُوا ؟ – البِنْت دِي فِي سَنَة تَانْيَة إِبْتِدَائِي – فَقَالِت يَابُونَا إِحْنَا أخَدْنَا مَرَّة دَرْس عَنْ * لاَ تَشْتَهِي مَا لِقَرِيبَك * فَأنَا إِشْتَهِيت بَرَّايِة صَحْبِتِي دِي فَالبِنْت جَايَة تِعْتِرِف إِنَّهَا إِشْتَهِت هذِهِ البَرَّايَة اللِّي الوَاحِدٌ وَهُوَ مَاشِي عِينُه بِتَاكُل الدُنْيَا كُلَّهَا ﴿ لاَ تَشْتَهِ مِمَّا لِقَرِيبَك ﴾ ( خر 20 : 17) فَمَا الَّذِي أعْطَى قُوَّة لِلتُوبَة ؟ هِيَ الآيَة جَعَلِت التُوبَة لَهَا قُوَّة لكِنْ مُمْكِنْ كَانِتْ البِنْت تِقُول* عَادِي وَمَافِيهَاش حَاجَة * مَا أجْمَل أنْ أشْعُر أنَّ الوَصِيَّة تَحْكُمْنِي وَمَا أجْمَل أنْ أشْعُر أنَّ الوَصِيَّة وَاجِبَة التَّنْفِيذ هُنَا تَتَحَوَّل حَيَاتِي إِلَى إِنْجِيل وَإِنْجِيلِي إِلَى حَيَاة وَلاَ أتْرُكُه أبَداً وَعِنْدَمَا أقْرأ إِنْجِيلِي أكْتِشِفْ خَلاَصِي وَأكْتِشِفْ مَحَبِّتِي يَا سَلاَم عَلَى القُوَّة الَّتِي تَأخُذْهَا مِنْ الإِنْجِيل فَأنَا لاَ يُمْكِنْ أجْبِرَك عَلَى قِرَايِة الإِنْجِيل وَأقُولَّك مَاتِنْسَاش تِقْرَا الإِنْجِيل فَيِجِي شَخْص يِقُول لِي المُشْكِلَة إِنِّي بَنْسَى يَابُونَا فَأنَا أقُولَّك تِنْسَى لِيه ؟ لأِنَّك لَوْ إِنْتَ أخَذْت الإِنْجِيل مُذَاكْرَة يُبْقَى تِنْسَى لكِنْ لَوْ إِنْتَ أخَذْت الإِنْجِيل صَدَاقَة وَحَيَاة صَارَ الإِنْجِيل هُوَ دُسْتُورَك وَمَنْهَج حَيَاتَك لِمَاذّا حَيَاتْنَا وَاقْفَة وَنِمُوِنَا غِير سَرِيع ؟ وَلِمَاذَا مَحَبِّتْنَا لِرَبِّنَا بَطِيئَة ؟لأِنَّهُ لَمْ يَتَحَوَّل الإِنْجِيل إِلَى حَيَاة لَمْ تَعُدْ الوَصِيَّة مُقْنِعَة لِحَيَاتْنَا إِنَّنَا نَعِيش بِمُقْتَضَاهَا فَأنَا فِي طَرِيقٌ وَالإِنْجِيل فِي طَرِيقٍ آخَر وَمِنْ هُنَا تَكُون حَيَاتِي لَيْسَ لَهَا شَكْل لِمَاذَا ؟ فَأنَا إِسْمِي مَسِيحِي وَلكِنْ سِيرْتِي غِير مَسِيحِيَّة الْمَسِيحِي يَعِيش فِي العَالَمْ وَلكِنْ لاَ يَحْيَا بِحَسَبْ العَالَمْ الْمَسِيحِي يَكُون وَاثِقٌ إِنْ لَوْ كَانْ العَالَمْ أحَبَّ سَيِّدُه كَانَ العَالَمْ يِحِبُّه وَلكِنْ العَالَمْ إِضْطَهَد الْمَسِيح بِلاَ سَبَبْ إِذاً أنَا كَمَان يَجِبْ أنْ أعْرِف إِنِّي لاَ أُحِبْ العَالَمْ وَلاَ غُرُورُه وَلاَ شَهَوَاتُه وَلاَ مَبَاهِجُه فَأنَا لِيَّ طَرِيقٌ آخَر أنَا طَرِيقِي فِي السَّمَاء أنَا مَدِينْتِي فِي السَّمَاء أنَا الإِنْجِيل حَيَاتِي ﴿ جَعَلْت الرَّبُّ أمَامِي فِي كُل حِين لأِنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أتَزَعْزَع ﴾( مز 16 : 8 )﴿ سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي ﴾ كُل مَكَان أرُوح فِيه أقْدَر أنْ أقُول أنَا هِنَا أعِيش الإِنْجِيل سَاعِتْهَا أقْدِر أنْ أقُول إِنِّي أنَا إِنْجِيل مَفْتُوح كُل الَّذِي يَرَانِي كَأنَّهُ قَرَأَ الإِنْجِيل قَرَأ آيَة وَيُحِبْ الْمَسِيح بِسَبَبِي رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح يُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيُرْشِدْنَا لِلعَمَل بِوَصَايَاه وَيِسْنِد كُل ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلَهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
09 أكتوبر 2021

ظروف شباب المرحلة الثانوية

هناك ظروف قديمة وجديدة تحيط بهذه المرحلة، لابد من التعرف عليها، حتى نحسن التعامل مع شبابها المبارك... لاشك أن هناك مستجدات هامة لدى شباب المرحلة الثانوية، فى هذه الأيام، نذكر منها : 1- العملية التعليمية : ولاشك أنها ليست على ما يرام، فهى فى أفضل صورها عملية تلقين لا تكوين... بمعنى أنها تهتم بحشو الذاكرة - وليس الذهن - بكمية ضخمة من المعلومات فى مجالات واسعة من المعرفة.. وكل ما يطلبونه من الشباب هو أن يحفظ هذه المعلومات غيباً، ويسكبها سكيباً فى ورقة الإجابة فى إمتحان واحد خطير آخر العام. هذا بينما يؤمن العالم كله بأهمية التربية قبل التعليم، والتكوين قبل التلقين. لهذا يعتمدون فى الخارج على تكوين روح البحث لدى التلميذ، وعلى تحريك ذهنه للفهم والإبتكار والإبداع. وهذا ما نشاهده فى الغرب، إذ يطلبون من التلميذ تحضير ورقة بحث فى موضوع ما، ربما يختاره هو، ويبحث عن مادة الموضوع فى المكتبة، ولدى المدرس، والأسرة، والكنيسة، حتى تكتمل العناصر، ويتقدم ببحثه، ويناقشه فيه المدرس والزملاء.. وأكثر من مرة حضر شباب من أمريكا أو استراليا، ليدرس مثلاً الفرق بين الشباب القبطى داخل وخارج مصر، من خلال استبيانات وإحصائيات فى مجالات مختلفة: شخصية وعائلية وكنسية... بهدف معرفة ما يجب أن ننتبه إليه فى خدمة الشباب، هنا أو فى المهجر... وقد استفدنا كثيراً من هذه البحوث الميدانية. كذلك نجد العملية التعليمية الآن فيها فاقد رهيب للوقت، فالشباب يذهبون فى الصباح الباكر إلى المدرسة، وتكون الفائدة قليلة جداً، لتكدس الفصول وارهاق المدرسين، وظروفهم الصعبة. ثم يبدأ الشباب فى مدرسة أخرى بعد الظهر، فى فصول التقوية، أو الدروس الخصوصية، حيث الشرح أفضل، ولكن لشباب مرهق... ولا يتبقى سوى سويعات قليلة فى المنزل للاستذكار. هذا كله عبء ضخم على شبابنا الغض، الذى لا يجد فرصة للنمو الروحى والثقافى والإجتماعى والبدنى من خلال الأنشطة والاجتماعات الكنسية والمهرجانات... ولاشك أن تمديد الثانوية العامة إلى عامين بدلاً من عام واحد، أصبح عبئاً كبيراً على شباب المرحلة الثانوية، بحيث لم يعد لديهم النفس الهادئة، أو الوقت المناسب، لتكوين شخصياتهم المتكاملة: روحياً وثقافياً ووجدانياً وبدنياً وإجتماعياً... هذه العناصر الخمسة فى الشخصية الإنسانية، لم يعد من الممكن إشباعها، بينما الشباب يعيش الأرق والإرهاق، مع عملية تعليمية تلقينية مؤسفة. أن شباب المرحلة الثانوية فى هذه الأيام، لا يتمتع حتى بالإجازة الصيفية، حيث الملحق (والتحسين سابقاً)، وحيث ضرورة الاستعداد للعام الدراسى بدروس خصوصية فى الصيف، تمهيداً للعام الدراسى الجديد. وقد لاحظنا ذلك أثناء خدمتنا لهذه المرحلة، فبعد أن كنا نقدم لهم مادة دسمة فى المهرجان، على الأقل أثناء دراستهم فى الصفين الأول والثانى، حيث كانوا يواظبون على الخدمة الكنسية، وبالتالى يستوعبون الكثير من المعلومات اللاهوتية والعقيدية والطقسية والتاريخية والكتابية، مع فنون وآداب ورياضة وكومبيوتر.. مع الإندماج المفرح فى الحياة الكنسية والأنشطة الصيفية... صار شبابنا المرهق المهموم بالثانوية العامة، كثير الغياب عن الكنيسة، ولذلك اضطررنا إلى تخفيض حجم النشاط الكنسى والدراسات والمهرجان، تقديراً لظروفهم... 2- أسلوب الامتحان : ولاشك أنه أسلوب مؤسف، فالشباب يستذكر طوال العام، بمجهود ضخم، ليتم تقييمه من خلال الحفظ وليس الفهم، ومن خلال امتحان واحد فى ساعتين.. وربما أصيب الشاب أو الشابة بوعكة صحية أو مجرد انفلونزا، فيضيع الإمتحان، ويضيع المجهود، ويضيع المستقبل. أى توتر يمكن أن ينشأ عن هذا الأسلوب؟!! الإمتحان فى الخارج يرتكز على الفهم، ويستمر طوال العام من خلال الأسئلة، والإختيارات، والبحوث، والمتابعة الشخصية من المدرس، ولذلك تكون نفسية الشباب هادئة، وإذا فشل مرة، ينجح فى المرة التالية...إن تقييم شبابنا من خلال ورقة واحدة، فى ساعة معينة، ويوم محدد... أمر مثير للتوتر.. فإذا ما حدثت مشكلة فى المنزل، أو مرض، أو وفاة... ضاع كل شئ!! هذا بالإضافة إلى اعتماد الإمتحان على التذكر وليس التفكير، وعلى الحفظ وليس الفهم... ونحن جميعاً نعلم إمتحانات الخارج، التى كثيراً ما تكون من خلال "الكتاب المفتوح" (Open book)، ولا يستطيع الإجابة على الأسئلة إلا كل من درس المادة واستوعبها تماماً. وهكذا لا يرتبط الامتحان بحالات من التوتر والقلق والإحباط كما يحدث فى بلادنا، ليس فقط على مستوى الشباب، بل أيضاً على مستوى أسرهم... وهذا ما نراه فى بيوتنا أثناء أيام الإمتحانات، والأيام السابقة عليها... 3- سلبيات الإعلام : وما يواجهه شبابنا فى هذا العصر من تنوع لوسائل الإعلام، إلى استمرارية تأثيرها على مدى 24 ساعة يومياً إلى سهولة الوصول إلى السلبى منها، وبطريقة لا يستطيع الوالدون اكتشافها بسهولة. هناك الآن شرائط الكاسيت وما تحمله من أغانى هابطة، وشرائط الفيديو والكثير منها يحمل إنحلالاً وإثارة، والبث من الأقمار الصناعية على عشرات القنوات على مدى الليل والنهار، وشبكة الانترنيت وما تقدمه من إباحية وإنحلال. وبالطبع فنحن لا نرى كل الوسائل الإعلاميةشراً، بل نقصد أنها تقدم للشباب الكثير من الإيجابيات فى المعلومات والتواصل والثقافة والتسلية البرئية، ولكنها تحمل - مع ذلك - سلبيات خطيرة، لها أثرها فى شبابنا، سواء فى إعثاره أو فى تعويقه عن الجهاد الروحى، ناهيك عن صعوبة النمو الروحى فى هذا الجو الصعب. لقد أصبحت الخطيئة "محيطة بنا بسهولة" كما يقول الرسول بولس (عب 1:12). الأمر الذى يحتاج إلى إفراز وتوعية وتغذية وبدائل وجهاد كثير، ينبغى أن يبذله شبابنا المبارك، عملاً بقول الكتاب "إمتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن" (1تس 21:5). 4- سلبيات الوسط المدرسى : لاشك أن الوسط المدرسى لم يعد كما كان فى الماضى، سبباً فى إنماء المعرفة وتربية الخلق القويم، إذ أنه صار حافلاً بسلبيات كثيرة منها: أ- التكدس فى الفصول، الذى يعوق علمية التعلم، ناهيك عن عملية التربية. ب- التدنى العام فى المجتمع، واهتزاز القيم، وتآكل الطبقة الوسطى، وصعود نوعيات غير متحضرة إلى السقف بسبب دخلها المادى المتزايد. ج- انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب، فضلاً عن التدخين والشيشة. د- تنامى ظاهرة العنف بين الشباب، بتأثير التكدس فى المساكن، وصعوبة العيش، وازدحام الطريق، والتوتر اليومى العام، ومشاهد العنف فى وسائل الإعلام، وشيوع مبادئ منحرفة كالبلطجة، وأخذ القانون باليد، وليس بالوسائل المشروعة. هـ- التدنى الخلقى فى اللفظ والتعامل اليومى، بتأثير الأفلام والمسلسلات، وما تحويه كثيراً من عبارات وألفاظ غريبة وغير لائقة، تنزل بسرعة رهيبة إلى الشارع والمنزل والمدرسة ويتبادلها الشباب فى سلوكهم اليومى. و- الفوارق الطبقية وما تثيره من حراك إجتماعى وأحقاد بين فئتى الأغنياء والفقراء، وحتى الموظفين، الذين أصبحت دخولهم المادية لا تساعدهم على الحياة الكريمة. ز- تأثيرات الأسرة على الطفل والفتى والشاب، والتى يأتى بها إلى المدرسة، مشحونة بالسلبيات الخطيرة. ى- روح التهريج واللامبالاة والسخرية والتهكم، التى تسود فئات كثيرة، بسبب الإحباط والمتاعب الإقتصادية.. وهذه كلها أمور لها تأثيرها على شباب المرحلة الثانوية، وتستدعى من الكنيسة أن تكون "الأسرة البديلة"، التى يمكن أن تقوم "بإعادة تربية" للكثير من الشباب (Re- education Process). 5- أزمة المستقبل : ويالها من أزمة، بين شبابنا المكافح!! فمع تزايد الأعداد، بسبب الإنفجار السكانى، وتكدس الفصول، وضعف العملية التعليمية، والتنافس المحموم على الحياة والعمل، وصعوبة إختيار الدراسة التى يحبها الشباب، وأكثر منها صعوبة الحصول على عمل مجز بسبب البطالة المنتشرة، والركود العام فى الإقتصاد. هذه كلها أمور مقلقة لشبابنا، إذ لا يرى المستقبل بهيجاً ولا واضحاً ولا مأموناً... الأمر الذى يصيبه بتوتر فى أعماقه، قد يظهر على السطح فى صورة أشكال من العنف، أو أنواع من التهريج والسخرية والسلوك غير السوى، بل أنه قد يدفع الشباب إلى نوع من الإحباط والاكتئاب، ثم إلى التدخين والمخدرات، مع رفقاء السوء، وما أكثرهم!! 6- اختلاف الأجيال : وهو عامل آخر نضيفه إلى الظروف المحيطة بشباب المرحلة الثانوية، حيث كثيراً ما يحدث انفصال بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم فى هذه المرحلة، ويكتفى الوالدون بالعمل على جمع المال، المطلوب طبعاً، وربما يستغرقون فى ذلك بطريقة تحرم الأولاد والبنات من عطف والديهم، واستماعهم إليهم، ومشاركتهم آمالهم وآلامهم. أضف إلى ذلك إمكانية سفر الوالدين أو أحدهما إلى الخارج، طلباً لمزيد من الدخل، مما يعرض الشباب إلى جوع عاطفى، و صداقات سيئة، وإنحرافات خطيرة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك إحساس شباب ثانوى بأنهم كبار، ومحاولاتهم الاستقلال والاستغناء عن نصيحة الوالدين ومشورتهم، واستماعهم إلى أصدقائهم أكثر من والديهم، يتضاعف حجم المشكلة، وتتزايد الفجوة إتساعاً. وفى نفس المجال، إذا ما حاول الوالدين تربية أبنائهم وبناتهم بأسلوب ما تربوا هم عليه فى عهود سابقة، دون تفهم لما يدور حول الأجيال الجديدة من أمور، ودون تفاهم وحوار معهم... تتزايد الفجوة أكثر فأكثر. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحدث من أخطاء فى التربية مثل القسوة، أو التدليل، أو التفرقة فى المعاملة بين الأبناء والبنات، الأمر الذى يجعل من إختلاف الأجيال خلافاً، ثم إنحرافاً. هذه بعض الظروف التى تحيط بأبنائنا وبناتنا فى المرحلة الثانوية، فكيف يكون أسلوب التعامل الفعال معهم، وهم يجتازون مرحلة صعبة، وظروفاً أصعب... نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
08 أكتوبر 2021

مثَل حبة الخردل

-1- «وَقَالَ: بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَل نُمَثِّلُهُ؟ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُذُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا» (مر4: 30-33). ~~~~~~~~~ هكذا يا مخلّصي أعلنتَ سرّ ملكوتك في كلمات بسيطة ليدركها أولادك البسطاء، فالأمر يا سيدي ليس فلسفة كلام، فملكوتك ليس كلامًا ولا خيالاً، بل هو حقّ كلّ الحقّ. وحبّة الخردل الصغيرة تُلقيها أنت بذاتك في القلب. ولكن فيها سرّ الحياة، سرّ الخلود. وأنا أؤمن يا سيدي أنّ زرعك الإلهي كائن في داخلي. وقد نبّهت رسلك الأطهار قائلاً: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ... فَيَنْتَقِلُ» (مت17: 20). ليس الأمر يخصّ نقل الجبال، وإن كان هذا قد حصل فعلاً بقوّتك في ساعة ضيقة أولادك الذين وقع عليهم الاضطهاد.. ليس عسيرًا عليك يا إلهي أن تنقل الجبال، فأنت خالق الجبال. لكن على ما يبدو لعبدك أنّك توجِّه ذهني إلى أنّ الإيمان يقدر على المستحيل، لاسيّما فيما يواجه عبدك من تجارب وحروب، أو ما يبدو عائقًا أمام نمو عبدك. فالإيمان بك يجعل الجبل سهلاً ويُزيل العوائق.. أتوسّل إليك بحقّ حبّك الحاني أن تجعل هذه البذرة تنمو في قلبي.. في أعماقي. + يا سيدي الرب.. ما أكثر ما شبَّهت ملكوتك ببذور النبات، تسقط على الأرض وتُدفَن وتموت فيها، ثم تحيا، وتنبت، وتعطي أثمارها.. وفي الواقع فإنّ تعليمك يا مخلّصي مُنصبٌّ دائمًا على كون البذرة هذه تحوي سرّ الحياة الأرضية، فهي والحال كذلك تصير أصدق تعبير عن سرّ الحياة الدائمة الذي هو ملكوتك الأبدي. إنّ سرّ الحياة الأرضية، لم يصل إليه عِلم العلماء، ولا فهم الفهماء بعد. إنّ كلّ ما يعرفه العلماء هو مظاهر الحياة. أمّا ماهيّة الحياة، فهذا أمر يفوق مستوى الإدراك البشري، إذ أنّ الحياة مستمَدّة مِنك يا إلهي الحيّ الأبدي الأزلي الذي يُدرَك ولا يُدرَك كماله، كما يقول أحد أولادك. فمظاهر الحياة في الكائن الحيّ مُدرَكَة بالحواس: كالتنفّس، والحركة، والنمو والتكاثر والتغذية، إلى آخر هذه الظواهر التي لا تخطئها حواس الإنسان مهما كان بسيطًا في إدراكه. وهذا ما يميّز الكائن الحي من الميت. أما إدراك الحياة ذاتها، فكيف يُدرَك غير المحسوس بالحواس؟ + إنّ اختيارك يا سيدي في هذا المثل، لِحبّة الخردل، ووصفها بأنّها أصغر جميع البذور، ولكن فيها يكمن سرّ الحياة، فقط هيِّئ لها تربة صالحة، وتعهّدها بسقي الماء، وأعطها وقتًا للنمو، ثم تأمّلها.. إنّها أعجوبة وآية باهرة، حيث تصير أكبر من جميع البقول وتصنع أغصاناً كبيرة. وهذا هو صميم عملك في امتداد ملكوتك. والاعتبار الأول الذي تَنَبَّه ذهني إليه في هذا المثل، أنّ الحبّة صغيرة متناهية في الصغر، فهل من هذا الصِغَر يمكن أن تخرج شجرة كبيرة؟! إنّ ملكوتك يبدأ داخل القلب كبذرة صغيرة، كحبّة خردل. وأنّ ملكوتك داخل العالم يبدأ كبذرة صغيرة كحبّة خَردل. ماذا كان الرسل بالنسبة لحقل العالم المتّسع، المترامي الأطراف يا سيدي؟ لقد كانوا قِلّة صغيرة جدًّا، اثني عشر تلميذًا، وسبعين رسولاً. ما هؤلاء بالنسبة لملايين البشر، هل تستطيع حبّة الخردل هذه أن تنمو، أن تُخرِج أغصانًا، أن تصير شجرة كبيرة تأوي إليها طيور السماء؟ لقد حَوَتْ سِرّ الحياة الأبدية، الحياة هي المسيح، لقد حمل التلاميذ سرّ حياة المسيح فيهم، وسرّ الحياة يتحدّى كلّ معوّقات الطبيعة وكلّ ظلمة الأرض وبرودتها المائتة.. أتوسّل إليك أن تستودع قلبي سرّ الحياة هذه! إمكانيّات الرسل كانت ضئيلة، لا عِلم ولا معرفة علميّة، ولا صيت ولا اسم، ولا مركز ولا سُمعة، ولا أموال، ولا مقتنيات، ولا كيس ولا مزود، ولا حتى عصا للطريق، ولا ثوبين.. حقًّا كانوا كحبّة خردل، صغيرة، صغيرة في كل شيء. ولكن هذه الحَبّة، إذ روتها دماء الشهداء، وعَرَق النسَّاك، ودموع التائبين، نَمَت بسرعة أذهلت العالم، وصارت فروع أغصانها تظلّل المسكونة، إذ تعهّدتها يا واهب الحياة، إذ وضعت حياتك فيها واستودعتها روح الحياة، نبتت ونمت وأخرجت أغصانها. ملكوتك يا إلهي، ليس بالقوة ولا بالقدرة، هو كخميرة صغيرة ولكن حيّة. هو قطيع صغير ولكن راعيه الحنون قائم يرعاه، والآب سُرَّ أن يعطيه الملكوت. لا أخاف إذا وجدتُ نفسي كحبّة الخردل، صغير في وسط العالم، أو في وسط المجتمع، أو حتى في وسط أهل بيتي. إنّ الإنسان الأمين لإلهه يبدو كحبّة خردل في وسط بذور الشرّ المنتفخة والمتضخّمة بالكذب. الشاب الطاهر يبدو كحبّة خردل صغيرة في وسط بذور النجاسة المنتشرة في كلّ مكان. الشابّة العفيفة تبدو كحبّة الخردل الصغيرة في مواجهة تيارات التسيُّب والانحلال. اجعل روحك في داخلى يُطَمْئن قلبي.. إنّ سرّ الحياة فيك، فلا يستهين أحدٌ بك، أنا قوي بحياة إلهي فيَّ، سرّ الدم الإلهي يسري في أعماقي، إنّه سرّ الحياة التي لا تموت، ولا يقوى عليها الموت. (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل