المقالات

19 أغسطس 2021

التجلى للقديس مارإفرام السرياني

" إن من القيامِ ههُنا قوما لا يذوقون الموت " ) مت 28:16 . )هكذا أشار المسيح إلى الذين سيرُفعون إلى السماء ، لقد دعا المسيح إيلياالذي سبق ان رُفِعَ إلى السماء ) 2 مل 2 : 10 - 12 ( ، وموسى الذي أُقيمَ منالأموات ) مت 3:17 ( وثلاثة شهود من الرسل ؛ ثلاثة أعمدة جديرين بأن يشهدواعن الملكوت ، وكما تعرَّف المعمدان سابقًا على المسيح بالروح القدس حينما جاءإليه وقد شهد " وانا لمْ أكُنْ اعرف هُ " ) يو 31:1 ( ، هكذا أيضا تكلم بطرس – رغم أميته بحكمة عظيمة ، لأنه تعرف على موسى وإيليا ، لقد نطق الروح –معبراً عن نفسه على فم بطرس بأمر كان هو نفسه يجهله سابقا ، ففي هذه الحادثة الخاصة بموسى وإيليا وبالثلاث مظال تضافر نور الروح القدس مع الرغبة البشرية في العمل معا .أظهر لهم الرب إمكانية ان يتغيرَّ حينما " صارت هيئةُ وجهه مُتغيرةً "( لو 29:9 ) ، فتغير وجهه على الجبل قبل أن يموت حتى لا يشكوا في تغير وجهه بعد موته ، وحتى ما يعلموا أن ذاك الذي تغيرت هيئته قدامهم ، سوف يُقيم الجسد الذي لبسه بالمثل ، فالذي أعطى لجسده الخاص مجداً ، يستطيع ان يُقيمه من الموت الذي يجوزه .فإن كان هذا بهاء ملكوته بعد القيامة ، فلماذا لم يضفيه على الجميع منذ ذلك الحين ؟ لأَّنهم لم يكونوا بعد جديرين بمعاينته ، وبالرغم من ذلك أراد أن يعرفوا أنهم هم أيضا سوف يتغيرون بالمثل ، إذ استحضر هذين الاثنين ، موسى وإيليا ،حتى ما نؤمن بالقيامة العتيدة ، فأولئك الذين ماتوا مثل موسى سوف يقومون ، وأولئك الذين سيكونون أحياء حينئذٍ سوف يُختطفون كمثال إيليا ، لأن للرب العلو والعمق .لقد سُرَّ بطرس أن يرى الجبل وقد خلا من منازعات الكتبة ، وطاب له عبير الملكوت وقد عَبَّق أنفه ، فرأى مجد الرب عوضا عن عاره ، وفرِحَ بوجوده مع موسى وإيليا وتهلل لأنه تخلص من قيافا وهيرودس . وكما أشفق على الرب مرة بقوله : " حاشاكَ يارب " ( مت 22:16 ، ) هكذا يقول الآن : " فلنصنع ثلاثَ مظالَّ " ويضيف الإنجيلي : " لأنه لم يكُن يعلمُ ما يتكلَّمُ بهِ إذ كانوا مُرتعبِيِنَ " ( مر 6:9 ) ، لأن الرب كان ينبغي أن يتألم ويُصلب ويموت ثم يقوم . كان بطرس يظن أنه لو سَمَحَ له الرب بالبقاء على الجبل وعمل ثلاث مظال فإنه لن يفكر بعد في العودة إلى المدينة حيث كان ينبغي أن يموت هناك كما كان قد أخبر تلاميذه .فيا له من حب وإشفاق من بطرس نحو سيده . ولكن ماذا تقول أيها الرسول القديس ؟ لقد ميزت للتو في اعترافك بين الرب وبين عبيده ، أتعود الان وتخلطهم معا ؟ هكذا كان الرسل غير كاملين قبل موت المُخلَّص وغاب عن بطرس ما اُستعلن له من الآب عن الابن أثناء هذه الرؤية ، حتَّى عبَّر القديس مرقس بقوله " لأنه لم يكن يعلمُ ما يتكلمُ به " ( مر 6:9 ( . ولكي ما يبين بالأكثر ذهولهم عبرعنه القديس لوقا أيضا بقوله : " أنهم كانوا قد تثقلوا بالنومِ " ( لو 32:9 ) . وكما تخشى العين الجسدية عادة من النور الشديد هكذا صار التلاميذ كعميان من مجد نور المسيح ولم يقوى ضعف عيونهم على احتماله .يجب أن نفهم أن هذه المظال ليست من عالمنا الأرضي ، بل من العالم الآتي : " اصنعوا لكم أصدقاء بمالِ الظُلم ، حتى إذا فنيتُم يقبلُونكم في المظال الأبدية " ( لو 9:16 ) . ومرة أخرى إذ أنه لم يكن يعلم ما يتكلم به لأنه قد حسب المسيح في عدِ اد أصحاب المظال مع موسى وإيليا غير مُميز بين الرب وبين عبيده . لهذا أنار عقله صوت إلهي من السموات قائلاً : " هذا هو ابني الحبيبُ الذي به سرِرِتُ " ) مت 5:17 . ) في تواضعه ، لبِسَ المسيح جسدنا حتى ما نستطيع أن ننظره ونسمع كلامه ، ولا نُعاني مما عاناه تلاميذه الثلاثة على الجبل ، الذين قد تثقلوا بالنوم ، بسبب عظمة مجد الجسد الذي هبط عليهم ، وهم قد تعجبوا وذُهلوا من مجده .حينما كان ينبغي أن يسهروا أكثر من أي وقت مضئ ، ناموا ؛ بالرغم من أنهم لم يروا مجده كاملاً ، بل فقط بعضا من مجده في الجسد الذي نزل إليهم ولم يعلموا شيئا عمَّا كانوا يرونه ولا ما كانوا يقولونه حتى نتعلم لماذا ظهر بدون مجد وجاء في جسد . وإذا كان بطرس قد قال كلماته هذه فماذا عساه أن يحدث معنا؟ ! لماذا ظهر موسى وإيليا معه ؟ لأنه حينما سألهم : " مَنْ يقولُ الناس إني أنا ابن الإنسان . قالوا : قوم يوحنا المعمدان . وآخرون إيليا . وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء ( مت 16 : 13- 14 ) .إذاً ، فموسى وإيليا ظهرا معه حتى ما يُعلن أنه لم يكن لا إيليا ولا موسى ولا إرميا ولا واحداً من الأنبياء ، بل هو رب الأنبياء .إذ لم يكن المسيح إلها ، فكيف أقام موسى واستحضر إيليا ؟! إذا لم يكن المسيح إلها ، لما سمعنا ذاك الصوت قائلاً : " هذا هو ابني الحبيبُ . له اسمعوا " ؟ "وفيما همْ نازلُون من الجبلِ أوصاهم يسوعُ قائلاً : لا تُعلمُوا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابنُ الإنسان من الأمواتِ " ( مت 9:17 ) . أوصاهم المسيح بذلك ؛ لأنه كان يعلم أن الآخرين سوف لا يصدقونهم ؛ بل سيعتبرونهم مجانين ويقولون لهم من أين أتي إيليا ؟ وأيضا لقد مات موسى ودُفن " ولم يعَرف إنسان قبرهُ إلى هذا اليومِ " ( تث 6:34 ) ؟! وهكذا يكونون قد أثاروا تجديفا وعثرة ، لهذا أوصاهم الرب قائلاً لا تبرحوا من أورُشليم ... حتى تنالوا قوة ( أع 1 : 4 - 8 ) . انتظروا حتى تتفتح القبور ويخرج الأبرار أن الذي أقامهم أقام موسى أيضا .وحتى لا يقول اليهود إن الرب قد ضلل تلاميذه ، فها هم يُعلنون ان موسى وإيليا تكلما معه . في القديم ، تسلم موسى الناموس على الجبل ، وجاء إيليا بغيرة كي يُحقق النقمة المُ علنة في هذا الناموس الذي يقول : " إن لم تتأدبوا مني بذلك ، بل سلكتم معي بالخلاِفِ " ( لا 23:26 . ) لماذا لم يصطحب جميع التلاميذ ؟ لأن يهوذا كان بينهم ، متغربًا عن الملكوت ، وغير جدير بان يُصطَحَب إلى مثل هذا المكان ، وما كان لائقا بأن يُترك وحده ، إذ كان محسوبا في نظر الناس على أنه كامل من أجل اختيار من اختاره . فلو كان الرب قد تركه وحده : لقيل إنه قد أقصاه عن جماعة التلاميذ . فماذا اختاره أولاً ثم رفضه ، ولماذا جعله بصفة خاصة مُدبَّراً للصندوق ؟ هذا لكي ما يُظهر محبته الكاملة ورحمته . ولكي يُعلم كنيسته ، إنه رغم وجود مُعلمون كذبه في وسطها ، فهي جسده الحقيقي .لقد أعطى الخبز لتلك اليد التي امتدت وقَبِلَت أجرتها وباعت المسيح للموت ، وق بَّل فم ذاك الذي أعطى علامة الموت لمغتصبيه .
المزيد
18 أغسطس 2021

اَلقدّيسَة العَذراء وفضيلة الاحتمَال

إن للقديسة العذراء فضائل عديدة جدًا. لعل في مقدمتها الاتضاع، والاحتمال، والتعب سواء في خدمة الآخرين مثل تعبها في رحلة لزيارة أليصابات وخدمتها، مع أنها شابة في حوالي السادسة عشرة من عمرها. وتعبها أيضًا في رحلتها إلى مصر ذهابًا وإيابًا، واحتمالها مشقة الطريق. وتعبها داخل مصر حينما كانوا يطردون العائلة المقدسة من بلد إلى بلد بسبب سقوط الأصنام التي يعبدها المصريون وقتذاك. إلى جوار احتمالها التعب النفساني حينما كانت ترى اضطهادات القيادات الدينية اليهودية لابنها، وأيضًا احتمالها لصلبه.ولما كان من أهم تكريمنا للسيدة العذراء، أن نقتدي بها، فإنني أود هنا أن أذكر كيف نقتدي بها في الاحتمال. ومنها مقدار الاحتمال، التعب في الخدمة. وقد شرح لنا القديس بولس الرسول كيف تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل، وقال إن كل إنسان سيأخذ أجرته بحسب تعبه.وهنا أحب أن أنبه الآباء الكهنة إلى أهمية التعب في افتقاد الناس وفي حل مشاكلهم. وكذلك أنبه جميع الخدام إلى الاهتمام بالتعب في الخدمة. وأذكر قصة ذلك الراهب الذي كان يتعب في خدمة الشيوخ وإحضار الماء لهم من مكان بعيد. فلما ثقل عليه التعب رأى وراءه ملاكًا يكتب شيئًا. فقال له الملاك: "إنني أكتب كل خطوة تخطوها في خدمة أولئك الشيوخ، لكي يمنحك الله أجرًا عليها". حينئذ تعزّى ذلك الراهب وازداد بذلاً في تعبه.ومن أنواع الاحتمال أيضًا، احتمال الظلم. ونذكر مثالًا لذلك يوسف الصديق: الذي احتمل الظلم من أخوته وقد باعوه عبدًا، واحتمل الظلم من امرأة فوطيفار التي اشتكته وادّعت عليه على الرغم من أنها كانت المخطئة. واحتمل الظلم من فوطيفار أيضًا الذي أخذه وألقاه في السجن، على الرغم من أنه كان مخلصًا له جدًا. وبسبب احتمال يوسف الصديق كافأه الله كثيرًا وجعله الثاني في مملكة مصر.وهنا أيضًا احتمال العوز والفقر والجوع. ولعلنا نضرب مثلاً لذلك باحتمال لعازر المسكين، وفي الواقع لست أجد في سيرة هذا البار أي سبب جعله يستحق أن يتنعم في أحضان أبينا إبراهيم سوى فضيلة الاحتمال هذه، الذي كان يتعذب فيحتمل، صار يتعزى أخيرًا.ومن نواحي الاحتمال أيضًا احتمال المرض. ونذكر مثالاً لذلك أيوب الصديق الذي احتمل مرضًا مؤلمًا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. وقال لزوجته «أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟».وفي الاحتمال أيضًا نذكر احتمال موت الأحباء وبخاصة الذين ماتوا فجأة. ولا شك أن الله قد سمح بذلك لخيرهم. فموتهم هكذا أسهل بكثير جدًا من الموت على فراش المرض لمدة طويلة يتحمل فيها المريض عذابات شديدة.ومن أسمى أنواع الاحتمال، احتمال المجد والكرامة. ونذكر هنا أن القديسة العذراء قد احتملت مجد التجسد الإلهي في ظهور رئيس الملائكة جبرائيل لها وتبشيرها بعمل الروح القدس فيها، وبأن القدوس المولود منها يُدعى ابن الله. واحتملت الظهورات المقدسة، ومجيء المجوس إليها، وسجودهم لابنها، وتقديمهم الهدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا. واحتملت أمجادًا كثيرة تُحيط بابنها.. كل ذلك دون أن تفتخر أو تتعالى، بل كانت «تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها». حقًا كما قال القديس أنطونيوس الكبير: "هناك من يستطيعون احتمال الإساءة، ولا يستطيعون احتمال الكرامة. لأن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة". ذلك لأن شخصًا قد ينال كرامة أو رفعة في منصب كبير، أو مال وفير. وحينئذ يرتفع قلبه، ويتعالى على الآخرين، وتهز الكرامة روحياته فينتفخ ويتعجرف! ويتغير قلبه وفكره. لأنه لم يستطع أن يحتمل الكرامة.هناك نوع آخر من الاحتمال قد اختبرته القديسة العذراء مريم. وهو احتمال ترك المشيئة. فما كانت تظن يومًا أنها ستحبل وتلد ولكن لما أخبرها الملاك أن هذه إرادة الله، أجابت في ترك لمشيئتها «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ».يذكّرنا هذا بالراهب الذي كان يحب أن يحيا حياة الوحدة والهدوء والسكون والتأمل. ولكن مشيئة الله دعته إلى الخدمة. وكان عليه أن يتنازل عن مشيئته، ويقول لله لتكن مشيئتك.من أنواع الاحتمال أيضًا احتمال أخطاء الآخرين. وفي هذا ما أكثر ما يعجز الناس عن احتمال اساءات الغير. ويحاولون أن ينتقموا لأنفسهم، ولا يحوِّلون الخد الآخر. وأتذكر أنني قلت يومًا في اجتماع لجنة البر: "ليس واجبنا فقط أن نعطي الناس احتياجاتهم، إنما واجبنا أيضًا أن نحتمل ضعف هؤلاء في ادّعاءاتهم. فالفقر هو الذي ألجأهم إلى ذلك".من أنواع الاحتمال: احتمال انتظار الرب. فقد يصلي إنسان ويطلب طلبة معينة وتمر فترة طويلة ولا يشعر أنه قد نال مراده. وربما يتذمر على الرب ويعاتبه! إن أبانا إبراهيم وعده الرب أن يمنحه نسلًا، ومرت سنوات طويلة جدًا ولم ينل هذا النسل. فلجأ إلى الزواج من هاجر برغبة ونصيحة من زوجته سارة. في عدم الانتظار نقرأ في المزمور «اَلَّلهُمَّ، إِلَى تَنْجِيَتِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ»، عبارة «أسرع» تدل على أن المصلي لم يحتمل الانتظار.ومن أنواع الاحتمال أيضًا: احتمال التجارب، احتمال التأديب، لأنه «إن تزكى ينال إكليل الحياة».إن الله تبارك اسمه يقدم لنا أكبر مثال للاحتمال، وهو ذاته احتمل الأمم سنوات طويلة وهم يعبدون غيره من أنواع عبادات متعددة، وهكذا احتمل الوثنية حتى عادت وآمنت به. وقد احتمل الشيوعية في روسيا لمدة سبعين عامًا، وهم يشيعون أن لا إله! وأيضًا احتمل الخطاة حتى يتوبوا. احتمل أوغسطينوس، وموسى الأسود، ومريم القبطية. وغيرهم... إلى أن تحول هؤلاء إلى قديسين. ولم يتوبوا فقط، بل نموا في حياة الفضيلة إلى درجات عالية.واحتمل اللص اليمين طول حياته، إلى أن ذكره هذا اللص على الصليب.ونرى أمثلة أخرى للاحتمال في موسى النبي الذي احتمل شعبًا متذمرًا لسنوات عديدة، بل أنه أكثر من هذا كان يدافع عنهم أمام الله ويمنعه من إفنائهم.ونرى مثلًا آخر للاحتمال: داود النبي والملك الذي احتمل أبشالوم ابنه الذي نافسه في المُلك، وأقام جيشًا يحاربه، ودخل على جواريه. ولما قُتِل أبشالوم في الحرب، بكى عليه داود وقال: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ!».ومن أوضح الأمثلة في الاحتمال احتمال الأم لابنها في صياحه وبكائه وفي عناده وتمسكه برأيه. تحتمله في بطنها، وفي حجرها، وفي حملها على كتفها، وفي تعليمه الحياة.والاحتمال هو وصية إلهية. فيقول الكتاب «مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (أف4: 2). وأيضًا «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ» (رو15: 1).وأيضًا «المحبة تحتمل كل شيء لأنها لا تطلب ما لنفسها»، ويقول القديس بولس الرسول: «نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ».أما لماذا نحتمل؟ فإننا نحتمل أخطاء الآخرين، كما احتملنا الله أيضًا، وكما يحتملنا. والاحتمال يدل على الوداعة، وطول البال، وسعة القلب. ونحن نحتمل الغير أيضًا لكي نكسبهم. وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم: "هناك طريقة تستطيع بها أن تقضي على عدوك، وهو أن تحول العدو إلى صديق". ونحن لا نستطيع أن نحول العدو إلى صديق إلا باحتمالنا له، بل وإحساننا إليه حسب وصية الرب.وأنت إن لم تحتمل فسوف تتعب أعصابك. وقد تُصاب بمرض من ضغط الدم، والسكر، وأيضًا تخسر الناس. وفي عدم احتمالك تكون قدوة سيئة لغيرك. وكما ورد في سفر الأمثال «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ»، أي تصير مثله في أسلوب الهجوم والصياح، فتعثر الناس الذين يشاهدونك.وفي عدم الاحتمال قد يلجأ الناس إلى طرق خاطئة، بزعم الدفاع عن حقوقهم، أو استرجاع كرامتهم.وأهم سبب للاحتمال هو محبة المخطئين والعطف عليهم وتقدير ضعفهم وظروفهم. وهكذا قيل عن الرب في المزمور «لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ».والرب في احتماله لأخطائنا، أحيانًا يلتمس العذر لنا كما قال الرب على الصليب طالبًا المغفرة لصالبيه «لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».ومما يساعد على الاحتمال: القلب الواسع، وقوة الأعصاب. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
17 أغسطس 2021

السيدة العذراء فى فكر القديس كيرلس الكبير

مقدمة :- أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية تكرم سيدتنا كلنا والدة الإله العذراء مريم وتعطيها لقب (الممتلئة نعمة) – (وليس المنعم عليها كما يكتبها البروتستانت فى طبعتهم للكتاب المقدس الذى بين أيدينا الآن) وهذا اللقب نلقبها به ليس من عندنا ولكن حسب ما لقبها به رئيس الملائكة الجليل جبرائيل وأيضاً نلقبها بالسماء الثانية وخيمة الأجتماع أو قبة موسى لأن أبن الله الكلمة قد حل فى أحشائها الطاهرة وأيضاً هى أم النور وأم القدوس ووالدة الإله ونلقبها بكثير من الألقاب التى نراها واضحة جداً فى ثيؤطوكية يوم الأحد (يرجى الرجوع إليها) ونجد رئيس الملائكة جبرائيل قد كرمها وذلك فى حديثه معها أثناء البشارة لها بحبلها وذلك عندما قال لها (السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت فى النساء) (لو28:1) وأيضاً نجد القديسة أليصابات قد قابلتها بإكرام شديد قائلة لها (من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى. هوذا حين صار صوت سلامك فى آذنى أرتكض الجنين بإبتهاج فى بطنى) (لو44:1). 2- العذراء والدة الإله :- فى أوائل القرن الخامس الميلادى قامت هرطقة كبيرة كان قائدها شخص يدعى نسطور (وهذا كان بطريرك لمدينة القسطنطينية) هذا المهرطق رفض الأتحاد الأقنومى بين لاهوت السيد المسيح وناسوته وقال أن الطبيعتين لم تتحدا نهائياً بل الذى ولد من العذراء هو الأنسان يسوع المسيح وليس الإله المتجسد وقال أن العلاقة بينهما هى مجرد أتصال خارجى وليست أتحاداً بينهما وقال مانصه (أن العذراء مريم ولدت الأنسان يسوع فقط، الذى أتصل به اللاهوت فقط) وعلى هذا فقد رفض تسمية العذراء بوالدة الإله وقال أنها والدة المسيح فقط ونزع عنها لقب الثيؤطوكوس وقال بما أنها لم تلد إلهاً بل المسيح فقط سماها خرستوطوكوس أى والدة المسيح بدلاً من والدة الإله وقد تصدى لهذه البدعة البابا كيرلس الكبير (377 – 444م) عن طريق الوعظ والرسائل والتعاليم التى نادى بها وأيضاً ما يتضح من ثيؤطوكيات التسبحة كما سوف نوضح ذلك فيما بعد وأخيراً نوقشت بدعته فى مجمع أفسس (431م) بالتفصيل وقدمت الردود الكافية والحجج الرادعة بما يثبت كفره وحكم المجمع عليه بحرمانه هو وكل أتباعه ومن ينادى بقوله ووضع المجمع مقدمة قانون الإيمان (نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله)وهذة العقيدة لم ننادى نحن بها المسيحيين فى العصور الحديثة أو القديمة من عندنا ولكن لها المرجعية الكتابية التى تؤيد ما نقول من أهمها:- نبوة أشعياء النبى (هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً ويدعون أسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا)(أش14:7). قول أليصابات للسيدة العذراء (من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى)(لو43:1). قول الملاك للرعاه (ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب)(لو12:2). مقدمة قانون الإيمان التى وضعها أباء مجمع أفسس كما ذكرنا تنص على (نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله). 3- السيدة العذراء عند القديس كيرلس :- يقول القديس كيرلس الكبير فى كتابه (شرح تجسد الأبن الوحيد)ولد الكلمة من الآب بطريقة لا ندركها بل هى فوق مستوى الإدراك لكنه فى الزمان الأخير تجسد وولد من إمرأة حسب الجسد والذى حدث أنه أخذ من العذراء القديسة جسداً وأتحد به أتحاداً حقيقياً ولذلك نعتقد أن العذراء القديسة هى والدة الإله لأنها ولدته حسب الجسد لكنه مولود ذات الوقت من الآب قبل كل الدهور ويقول أيضاً إذا كان هناك أحداً ما يتجرأ أو يعلم أن العذراء مريم ولدت الطبيعة الإلهية غير الجسدانية فإن هذا هو الجنون بعينه لأن الطبيعة الإلهية ليست من تراب الأرض حتى تولد منه ولا تلك الخاضعة للفساد (أى العذراء) تصبح أماً لعدم الموت ولا تلك الخاضعة للموت تلد الذى هو حياة الكل ولا غير المادى يصبح ثمرة للجسد الذى بطبيعته خاضع للميلاد وله أبتداء فى الزمان الجسد لا يمكنه أن يلد الذى لا بداية له لكننا نؤكد أن الكلمة صار كما نحن وأخذ جسداً وأتحد به أتحاداً حقيقياً بطريقة فوق الإدراك أو التعبير وأنه تأنس وولد حسب الجسد ألا تولد النفس البشرية وهى طبيعة مختلفة عن الجسد لأنها متحدة به، ولا أظن أن أحداً سيفترض أن النفس لها طبيعة الجسد أو أنها تتكون معه، وأنما الله بطريقة غير معروفة يغرسها فى الجسد وتولد معه لذلك نحن نحدد أن الكائن الحى الواحد المولود هو من أثنين هكذا الكلمة هو الله لكنه تجسد، وأيضاً ولد حسب الجسد وبطريقة بشرية لذلك تدعى التى ولدته والدة الإله[عن كتاب شرح تجسد الأبن الوحيد ص43 – ص45] 4- السيدة العذراء فى رسائل القديس كيرلس :- حيث أن العذراء القديسة ولدت جسدياً الله متحداً بالجسد الإقنوم فنحن نقول أنها والدة الإله ليس من طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لأنه (أى الكلمة) كان فى البدء والكلمة كان الله (وكان الكلمة الله)(يو1:1) و هو نفسه خالق الدهور وهو أزلى مع الآب وخالق كل الأشياء لأنه كما قلنا سابقاً أنه إذ وحد الأنسان بنفسه أقنومياً فأنه أحتمل الولادة الجسدية من بطنها (من بطن السيدة العذراء) وإذا قد ولدته إمرأة موحداً نفسه بالجسد فسوف ترفع اللعنة إذن عن كل الجنس البشرى[عن الرسالة السابعة عشر، الجزء الأول ص34] من لا يعترف أن عمانوئيل هو الله بالحقيقة وبسبب هذا فالعذراء هى والدة الإله (لأنها ولدت جسدياً الكلمة الذى من الله، الذى تجسد) فليكن محروماً. [عن الرسالة السابعة عشر، الجزء الأول ص35] نعترف أن ربنا يسوع المسيح أبن الله الوحيد هو إله كامل وأنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته وأنه هو نفسه فى الأيام الأخيرة من أجلنا ومن أجل خلاصنا ولد من مريم العذراء بحسب ناسوته وهو نفسه من الجوهر نفسه الذى للآب (أو مع الآب) حسب لاهوته ومن نفس الجوهر الذى لنا (أو معناه) بحسب ناسوته لأنه قد حدث أتحاد بين الطبيعتين لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، وأبن واحد، ورب واحد، وبحسب هذا الفهم للإتحاد وبدون أختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هى والدة الإله لأن الله الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات لحظة الحمل به وحد هيكل الذى أخذه منها مع ذاته. [عن رسالة 39 ص43] ربما يقول أحد أن أسم (المسيح) لا يطلق فقط على عمانوئيل وحده بل سوف نجده يطلق على آخرين أيضاً لأن الله قال فى موضع ما عن أولئك الذين أختيروا وتقدسوا بالروح (لا تمسوا مسحائى ولا تسيئوا إلى أنبيائى)(مز15:105) وعلى ذلك فأن أسم المسيح يجب أن يطلق ليس فقط وبوجه خاص على عمانوئيل بل أيضاً على كل الباقين الذين يمسحون بنعمة الروح القدس ولكن توجد هوة كبيرة وأختلافات لا تقارن تفصل بين حالتنا وبين مجد تفوق مخلصنا. فأن كان جميع الآخرين هم مسحاء وهذا معقول جداً بسبب أنهم مسحوا. أما المسيح وحده فهو الإله الحقيقى (عمانوئيل) وبالحقيقة فإن احداً لايخطىء في هذا إن اختار ان يقول ان امهات آخرين هم (والدات المسيح) ولكن ليسو بإى حال (والدات إله) ايضاً إن العذراء القديسة وحدها بالمقابلة مع اولئك النساء هى كما ندركها و ندعوها والدة المسيح ووالدة الإله معاً لانها لم تلد مجرد إنسان بسيط مثلنا بل بالحرى الكلمة الذى من الله الآب الذى تجسد وتأنس لاننا نحن ايضاً ندعى آلهه بحسب النعمة أما الابن فليس إلهاً على هذا النحو ، بل بالحرى هو إله بالطبيعة وبالحق حتى وان قد صار جسداً ولكن ربما تقولون هذا (قل لى إذن ، هل العذراء صارت والدة لاهوته) ؟ ورداً على هذا نقول ان كلمه الله نفسه الحى ، الكائن بإقنومه ، ولد من جوهر الآب ذاته وان الذى كان بلا بداية صار له بداية فى الزمن وكان دائماً موجوداً مع الذى ولده ،و كائناً فيه و موجوداً معه ويشاركة فى التفكير فى أزمنة الدهر الآخيرة حينما صار جسداً اى حينما إتحد بجسد ذى نفس عاقلة قبل ان ولد ايضاً جسدياً من امرأة ان سر تجسده هو بكيفية ما مماثل لولادتنا لان امهات إولئك الذين على الارض الخاضعات لقوانين الطبيعة فيما يخص الولادة لهم يثبت فى الرحم وهو الذى ينمو قليلاً بحسب افعال الله غير المدركة ويصل الى النضوج الله لم يرسل الروح فى الكائن الحى بكيفية معروفة له . وهذا بحسب قول زكريا النبى (وحى كلام الرب على اسرائيل . يقول الرب باسط السموات و مؤسس الارض و جابل روح الانسان فى داخله) (زك1:12) ان لوغوس (كيان) الجسد واحد وكذلك فإن لوغوس (كيان) النفس آخر ومع ذلك فحتى لو كانت هؤلاء النساء هن فقط امهات للآجساد التى من الارض وإلا انهن يلدن الكائن الحى كله ،و انا اعنى كائناً مكون من جسد و نفس ولا يقال عنهن انهن يلدن جزءاً من الكائن ولن يقول أحد أن اليصابات مثلاً اماً فقط للجسد وليست اماً ولدت نفساً فى العالم الى جانب الجسد لانها ولدت المعمدان انساناً ذا نفس و كائناً حياً مكوناً من الاثنين وانا اعنى انساناً له نفس وجسد معاً اننا نقبل ان شيئاً مثل هذا قد حدث فى ولادة عمانوئيل ايضاً لان كلمة الله الوحيدة قد ولد من جوهر الله الآب ولكن حيث ان الكلمة اتخذ له جسداً وجعله خاصاً به فإنه ايضاً يحمل اسم ابن الانسان وصار مثلنا وان رغب احد ان يقول ان أم فلان هى أم بجسده فقط وليست أماً لنفسه فإنه بذلك يفكر بغباء شديد لان الكائن الحى يولد مكوناً من عنصرين غير متماثلين إلا إنه لإنسان واحد وكل عنصر منهما يظل كما هو و الإثنان هما معاً كما فى وحدة طبيعية واحدة ، كما لو كانا يفحصان احدهما الآخر ،و كل منهما ينقل إلى الآخر ماهو خاص به .. [ عن الرسالة الاولى ص10 ، ص14 ] ونحن نقول انه على الرغم من ان الطبيعتين اللتين اجتمعتا معاً فى وحدة حقيقية مختلفتان فإنه يوجد مسيح واحد و ابن واحد من الاثنين إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب الاتحاد بل بالآحرى فان هذا الاتحاد الذى يفوق الفهم و الوصف كون لنا من اللاهوت و الناسوت رباً واحداً يسوع المسيح و ابناً واحداً [ عن الرسالة الرابعة فقرة 3 ص13 ] وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب واحد ،و لكن إذا رفضنا الاتحاد الاقنومى سواء بسبب تعذر إدراكه أو بسبب عدم قبوله نسقط فى التعليم بإثنين [عن الرسالة الرابعة فقرة 3 ص13 ] هو كلمة الله الوحيد المولود من ذات الجوهر الذى للآب اخذ جسداً من العذراء القديسة وجعله خاصاً به من الرحم واحتمل الولادة مثلنا وجاء كإنسان من امرأة دون ان يفقد ما كان عليه ولكن رغم انه ولد متخذاً لحماً و دماً فإنه ظل كما كان إى من الواضح انه الله بالحقيقة و الحق [ عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص23 ] وإذا نعترف بكل تأكيد ان الكلمة إتحد بالجسد اقنومياً فإننا نسجد لابن واحد الرب يسوع المسيح .[عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص24 ] وايضاً نحن لاننسب اقوال مخلصنا فى الاناجيل الى اقنومين او الى شخصين منفصلين لأن المسيح الواحد الوحيد لايكون اثنين حتى لو أدرك انه من اثنين ومن كيانين مختلفين اجتمعا الى وحدة غير منقسمة .[ عن الرسالة الثالثة الى نسطور فقرة13 ص29 ، 30 ] وحيث ان العذراء القديسة ولدت جسدياً الله متحداً بالجسد حسب الأقنوم فنحن نقول انها والدة الإله [عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص24 ] لان حينما يتأكد هكذا ان المولود من العذراء القديسة هو الله حسب الطبيعة فإنى إظن بالضرورة انه لن يخشى احد مطلقاً ان يفكر وان يجاهر ايضاً انها ينبغى ان تدعى والدة الإله وهذا لائق جداً . [عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص7 ] نحن نؤمن ان ربنا الواحد يسوع المسيح هو بالتأكيد ابن الله الوحيد وهو كلمته المتأنس و المتجسد ولا يقسم الى إثنين بل هو مولود من الله قبل كل الدهور بطريقة لايعبر عنها وانه ولد بحسب الجسد من امرأة فى الازمنة الآخيرة وهكذا فشخصة هو واحد ايضاً وبهذة الطريقة نحن نعرف ان العذراء القديسة هى والدة الإله لانه هو إله و انسان معاً وان الذى بغير تغيير وبغير اختلاط هو الابن الوحيد الذى تجسد وصار انساناً [عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص54 ، 55 ] نحن لم نعتمد لإله و انسان كما لابنين مختلفين بل اعتمدنا لمسيح واحد اى كلمة الله الوحيد الجنس المتأنس و المتجسد حتى انه هو إله و انسان معاً مولود حقاً من الله الآب غير المولود بالمثل من العذراء القديسة بحسب الجسد ... وربنا يسوع المسيح هو واحد و شخصة واحد متأنس و الذى هو بالطبيعة و بالحق الابن ،و حيث انه يعطى الحياة لجسده الخاص به فنحن ايضاً نصير فيه اقوى من الموت و الفساد [عن الرسالة الثالثة الى نسطور ص57 ] 5- دوام بتولية السيدة العذراء عند القديس كيرلس :- يتحدث القديس كيرلس عامود الدين عن عقيدة دوام بتولية السيدة العذراء موضحاً اهميتها من خلال كتاباته التفسيرية فيقول ولكن اولئك الذين يجادلون و يقولون ان كان هو قد جاء فى الجسد فتكون العذراء قد فسدت وان لم تكن قد فسدت فإنه يكون قد جاء بطريقة خيالية فقط ، هؤلاء نقول لهم ان النبى يعلن (ان الرب إله إسرائيل قد دخل و خرج و الباب يظل مغلقاً ) ( حز2:44) وايضاً ان كان الكلمة قد صار جسداً بدون تزاوج جسدى اذ انه حبل به بدون زرع بشر فإنه إذن ولد بدون ان تمس عذراويتها [ عن كتاب تفسير انجيل لوقا للقديس كيرلس الاسكندرى ص28 ] يتكلم القديس كيرلس الكبير عن [ والدة الإله سر فرح العالم ] قائلاً اننى ارى اجتماع كل القديسين الغيورين اجتمعوا معاً مدعوين من أم الله القديسة الدائمة البتولية مريم كنت اشعر بالحزن الشديد ولكن حضور الأباء القديسين حول هذا الحزن الى فرح و إبتهاج الآن كلمات التسبيح الحلوة التى لداود قد تحققت فى حضورنا (هوذا ما احسن وما احلى ان يسكن الأخوة معاً ) (مز1:133) نقول اعظمك يامريم والدة الإله بك تنبأ الانبياء و تغنى الرعاة بتماجيد إلهية الملائكة ترقص ورؤساء الملائكة يسبحون بألحان عظيمة وينحنى المجوس ساجدين فى عبادة و خشوع تهلل يوحنا فى بطن امه وسجد المصباح للنور السرمدى اشرقت النعمة التى لاينطق بها والنور الحقيقى اتى الى العالم ربنا يسوع نوراً اشرق على الجالسين فى الظلمة و ظلال الموت لأجلك و بسببك اعلن الانجيل (مبارك الآتى باسم الرب) (لو38:19 ) بك تأسست الكنائس الارثوذكسية فى كل مكان . اشرق منك قاهر الموت و محطم الجحيم منك خرج صانع الخليقة الاولى و اصلح فساد الانسان الاول ، ذاك الذى فى يده ملكوت السموات بك أزهر جمال القيامة و زاد تألقة ، لقد اشرقت معمودية القداسة العظيمة من الاردن ، تقدس يوحنا و تقدست مياة نهر الاردن وطرد الشيطان ، بك حصلت كل نفس مؤمنة على الخلاص .لتمجد مريم دائمة البتولية بتسبحة الفرح .السلام لك يا من حملت غير المحوى فى احشائك البتولية المقدسة السلام لمريم الثيؤطوكوس الكنز الثمين الذى وجده العالم ، المصباح غير المنطفىء قط ، تاج البتولية ، قضيب الارثوذكسية ، الهيكل غير المفهوم.الموضع الذى احتوى غير المحوى ، الأم الباقية عذراء . 6- دوام بتولية السيدة العذراء من خلال ثيؤطوكيات التسبحة :- ثيؤطوكية يوم الأحد واحد من اثنين لاهوت قدوس بغير فساد مساو للآب و ناسوت طاهر بغير مباضعة مساو لنا كالتدبير . (القطعة الثانية) يا من ولدت المسيح إلهنا بالحقيقة بغير زرع بشر وأنت عذراء . (القطعة السابعة) حبلت وولدت بغير مباضعة ابن العلى الكلمة الذاتى . (القطعة الثامنة) لأنك ولدت الكلمة بغير زرع بشر و بتوليتك بغير فساد . (القطعة التاسعة) ثيؤطوكية يوم الإثنين أشرق جسدياً من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا ( المرد) ثيؤطوكية يوم الثلاثاء أنتِ هى الحقل الذى لم يُزرع و أخرجت ثمرة حياة (القطعة الثانية) غير المنظور غير المحدود ولدته مريم وهى عذراء . لأن هذا هو الحجر الذى رآه دانيال قد قُطع من جبل ولم تلمسه يد انسان البتة هو الكلمة الذى من الآب أتى وتجسد من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا (القطعة الخامسة) وبعد ما ولدتِه بقيتِ عذراء بتسابيح و بركات نعظمكِ (القطعة السابعة) ثيؤطوكية يوم الأربعاء تعالوا يا جميع الشعوب لنغبطها لأنها صارت أما و عذراء معاً (القطعة الخامسة) حزقيال النبى يشهد قائلاً إننى رأيت باباً ناحية المشرق مختوماً بخاتم عجيب ولم يدخل فيه أحد إلا رب القوات . دخل و خرج و بقى مختوماً على حاله . الباب هو العذراء التى ولدَت مخلصنا وقد بقيَت عذراء بعد ولادته (اللبش) ثيؤطوكية يوم الخميس ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وايضاً بعدما ولدَته بقيَت عذراء (القطعة الأولى) وأيضاً بعد أن ولدَته لم يحل بتوليتها وبهذا أظهرها بأنها والدة الإله . يالعمق غنى و حكمة الله لأن البطن الواقع تحت الحكم وولد الأولاد بوجع القلب . صار ينبوعاً لعدم الموت ولدت عمانوئيل بغير زرع بشر و نقض فساد جنسنا (القطعة الثالثة) يالكرامة الحبل الذى للبطن البتولى و الوالد الإله بغير زرع (إذ) شهد الملاك (القطعة الرابعة) ياللطلقات الإلهية العجيبة التى لوالدة الإله مريم العذراء كل حين . هذة التى منها اجتمع معاً بتولية بلا دنس و ميلاد حقيقى . لأنه لم يسبق الميلاد زواج ولم يحل الميلاد أيضاً بتوليتها (القطعة الخامسة) فلهذا يا جميع الشعوب نمجد العذراء لأنها ولدَت لنا الله وبتوليتها مختومة (القطعة التاسعة) ثيؤطوكية يوم السبت ولدتِه كالنبوة بغير زرع بشر ولا فساد وهو الخالق وكلمة الآب (القطعة الخامسة) دعيتِ أم الله الملك الحقيقى وبعدما ولدتِه بقيتِ عذراء بأمر عجيب . عمانوئيل الذى ولدتهِ هو حفظكِ بغير فساد و بتوليتك مختومة (القطعة السابعة) سلامنا إلى من قبلَت غير المُحوى فى بطنها و بتوليتها مختومة من كل ناحية (القطعة الثامنة) ربنا يجعلنا ان نفهم ونعى و نتمسك الى النفس الاخير بعقيدة كنيستنا القبطية الارثوذكسية ذات الايمان المستقيم ولا ننجرف مع اى تيار أو فكر غريب عن ايماننا الاصيل الذى نؤمن فية بأن السيد المسيح تجسد من السيدة العذراء وظهر لنا إلهاً متجسداً مع بقاء والدته (والدة الإله) بتول دائما حتى بعد ولادته بقيت عذراء ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا كل المجد و الإكرام من الأن والى الابد امين . الراهب القس بطرس البراموسى
المزيد
16 أغسطس 2021

علاقة العذراء مريم بآباء وأنبياء العهد القديم ج2

السلام لك يا مريم تهليل يعقوب : + بينما كان يعقوب هاربا خائفا من أخيه عيسو أدركه الليل فنام فرأى سلما منصوبا على الأرض ورأسها يمس السماء ، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها . فقال : " أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق ، الأرض التى أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك " ( تك 28 : 12 – 15 ) . فاطمأن يعقوب بسبب مواعيد الله الغنية وسار فى طريقه متهللا . السلم الذى رآه يعقوب يرمز إلى العذراء مريم التى حل الرب فى بطنها فوصلت بين السماء والأرض بعد قطيعة طويلة ، فقد كان التجسد بداية الصلح والأتصال بين الله والإنسان . كانت الملائكة تسبح الرب وهو طفل مولود فى حجر العذراء مريم كما يشهد بذلك لبش الثلاثاء قائلا : " أفرحى يا مريم العبدة والأم لأن الذى فى حجرك تسبحه الملائكة ، والشاروبيم تسجد له باستحقاق والسيرافيم بغير فتور ، يرفرفون بأجنحتهم قائلين هذا هو ملك المجد رافع خطية العالم كعظيم رحمته . أما تشبيه العذراء مريم بالسلم فيأتى فى القطعة الثامنة من ثيئوتوكية السبت هكذا : " شبهت بالسلم الذى رآه يعقوب مرتفعا إلى السماء والرب المخوف عليه " . + تهلل يعقوب أيضا عندما رأى من بعيد بعين النبوة مجىء " شيلون ( أى ابن الله الحى ) من نسل إبنه المحبوب يهوذا قائلا " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب ( تك 49 : 10 ) " ومعروف أن العذراء مريم والدة ( شيلون ) هى من نسل يهوذا بن يعقوب ، والحكيم يقول " تاج الشيوخ بنو البنين ( أم 27 : 6 ) " . + كان ليعقوب زوجتان : ليئة وراحيل ، كانت ليئة هى الكبرى وكانت عيناها ضعيفتين ، وهى تمثل العهد القديم بشرائعه وطقوسه الضعيفة التى لا تقدر على رفع الخطايا ، أما راحيل وهى الصغرى فكانت جميلة ومحبوبة ، وهى تمثل العهد الجديد – عهد النعمة والمحبة – الذى جاء مكملا لكل نقائص العهد القديم . هكذا المسيح – الأسد الخارج من سبط يهوذا بن يعقوب – هو رب العهدين ، أوحى بالعهد القديم للأنبياء . ثم جاء بنفسه ليعطينا العهد الجديد بدمه لغفران الخطايا . وقال بنفسه " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل" ( مت 5 : 17 ) وقال الرسول : " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة بإبنه" ( عب 1 : 1 ) . السلام لك يا مريم فخر يهوذا : السيد المسيح له المجد هو الأسد الخارج من سبط يهوذا ، والعذراء هى بنت يهوذا أى من نسله . ولما حصلت العذراء مريم على كل هذا الفخر والتكريم والتمجيد فى جميع الأجيال وفى جميع الأقطار بسبب أمومتها الطاهرة للمسيح الإله المتجسد لخلاص العالم ، انعكس كل هذا التكريم على يهوذا أبيها ونال هو قسطا من هذا الفخر والكرامة بسبب أبوته للقديسة مريم والدة الإله ، ويقول الرسول " فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا " ( عب 7 : 14 ) ويخبرنا الكتاب أن " يهوذا اعتز على أخوته ومنه الرئيس " ( 1 أى 5 : 2 ) . السلام لك يا مريم كرازة موسى : كان موسى وديعا وحليما جدا ، لقد قال عنه الكتاب " وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " ( عد 12 : 3 ) ولذلك رفعه الله ليكون قائدا للشعب ونبيا عظيما جدا . وكان فى ذلك مثالا للعذراء مريم الحمامة الحسنة الوديعة الهادئة ، التى كانت بحق فى زمانها وديعة جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ، ولعل من أجل هذا السبب بالذات أحتارها الله لتكون أما لمخلص العالم مانحا إياها هذا الشرف العظيم مكافأة لأتضاعها ووداعتها حسب وعد الله المبارك القائل" كل من يضع نفسه يرفع " ( مت 23 : 12 ) بينما كان موسى يرعى غنم يثرون حميه فى برية سيناء جاء إلى جبل الله حوريب ( خر 3 : 1 ) فظهر له الله فى وسط عليقة ( شجرة صغيرة ) فنظر موسى " وإذ العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق" ( خر 3 : 2 ) ومن هناك كلفه الرب بمهمة اخراج بنى اسرائيل من مصر . العليقة ترمز إلى العذراء القديسة مريم التى حملت فى داخلها جمر اللاهوت ولم تحترق ، وقد اسهبت كتب الكنيسة فى عقد هذه المقارنة الرائعة بين عليقة موسى والعذراء مريم . فتقول ثيئوطوكية الخميس" العليقة التى رآها موسى النبى فى البرية والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها هى مثال مريم العذراء غير الدنسة التى أتى وتجسد منها كلمة الآب ، ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وأيضا بعد ما ولدته بقيت عذراء " ( القطعة الأولى ) ، وإبصالية العليقة المشهورة التى تقال فى أيام الخميس من شهر كيهك المبارك نقول فى مطلعها : " العليقة التى رآها موسى النبى فى البرية والنيران تشعل جواها ولم تمسها بأذية " . " مثال أم النور طوباها حملت جمر اللاهوتية تسعة أشهر فى أحشاها وهى عذراء ببكورية " . + صنع موسى خيمة الأجتماع أو قبة الشهادة كما يسميها حسب المثالات التى أراها الله له فى الجبل ، وكانت تلك الخيمة مشحونة بالرموز عن السيد المسيح له المجد ، وعن أمه العذراء القديسة مريم ، وكان ذلك بمثابة كرازة مسبقة من موسى رئيس الأنبياء عن مجىء المسيح وولادته من العذراء الطاهرة ميلادا عذراويا طاهرا فمثلا : + كان أهم جزء فى خيمة الإجتماع هو قدس الأقداس حيث وضع فيه موسى لوحى العهد المكتوب فيهما الوصايا العشر التى قالها له الله . قدس الأقداس يرمز إلى العذراء القديسة مريم التى حملت المسيح كلمة الله المتجسد . + صنع موسى التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية ، وهو يرمز إلى العذراء الطاهرة داخلا وخارجا . + صنع موسى قسطا ذهبيا ووضع فيه كمية من المن الذى كان يأكله الشعب فى برية سيناء كشهادة أبدية على عناية الله بشعه . كان القسط الذهبى يرمز إلى العذراء والمن الذى بداخله يرمز إلى المسيح خبز الحياة النازلمن السماء الذى كل من يأكل منه لا يموت إلى الأبد بل تكون له حياة أبدية .صنع موسى منارة من الذهب النقى ليوضع عليها السراج الذى لا ينطفىء أبدا داخل خيمة الأجتماع . المنارة الذهبية ترمز للعذراء مريم والسراج الذى عليها يرمز للسيد المسيح نور العالم الساكن فى نور لا يدنى منه ، والذى جاء إلى العالم لينير الطريق للسالكين فى الظلمة وظلال الموت وكل من يتبعه يسير فى النور ولا يدركه الظلام . تقول ثيئوتوكية الأحد : أنت هى المنارة الذهب النقى الحاملة المصباح المتقد كل حين الذى هو نور العالم غير المقترب إليه الذى من النور غير المدنى منه ( قطعة 5 ) صنع موسى مجمرة من ذهب يوقد فيها الكاهن الجمر ويضع عليه البخور بها على مذبح البخور . المجمرة الذهب ترمز للعذراء مريم وجمر النار يرمز إلى لاهوت المسيح الذى سكن فى بطنها تسعة شهور ولم تحترق أحشاءها كما أن جمر النار لا يحرق المجمرة وتقول ثيئوتوكية الأحد " أنت هى المجمرة الذهب النقى الحاملة جمر النار المباركة الذى يؤخذ من على المذبح يطهر الخطايا ويمحو الأثام . أى الله الكلمة الذى تجسد منك ورفع ذاته بخورا إلى الله أبيه ( قطعة 6 ) ثم تضيف نفس القطعة " حينئذ لا أخطىء فى شىء إذا ما دعوتك المجمرة الذهب " جمع موسى عصى رؤساء الأسباط ووضعها فى خيمة الإجتماع أمام الشهادة بناء على أمر الرب ( عدد 17 ) " وفى الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة وإذا عصا هارون لبيت لاوى قد أفرخت ، أخرجت فروخا وأزهرت زهرا وأنضجت لوزا ( عدد 17 : 8 ) ، وكان ذلك بدون أن يغرسها موسى فى الأرض أو يسقيها بالماء عصا هارون ترمز إلى العذراء القديسة مريم التى ولدت المسيح ثمرة الحياة بدون غرس ولا سقى أى بدون زرع بشر أو زواج طبيعى وتقول ثيئوتوكية الأحد " عصا هارون التى أزهرت بغير غرس ولا سقى هى مثال لك يا من ولدت المسيح إلهنا . بالحقيقة بغير زرع بشر وأنت عذراء ( قطعة 7 ) . رموز كثيرة جدا صنعها موسى تكرز وتبشر لكل من يتأملها ويسبر غورها ، تكرز بميلاد المسيح من العذراء الطاهرة بطيقة إلهية إعجازية وتقول ثيئوتوكية الأحد فى مطلع القطعة " 15 " ( من يقدر أن يصف كرامة القبة التى زينها النبى لما رآها المعلمون المختارون للكتب المقدسة تعجبوا جدا ) . وبجانب هذه الرموز التى صنعها موسى تنبأ نبوة صريحة عن مجىء المسيح وأوصى شعه أن يسمعوا له قائلا " يقيم لك الرب إلهك نبيا فى وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون " تث 18 : 15 . وبناء على كل هذه الرموز والنبوات قال السيد المسيح مرة موبخا اليهود " لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى " ( يو 5 : 46 ) . السلام لك يا مريم كرامة صموئيل ولادة صموئيل النبى وولادة القديسة مريم من والديها يواقيم وحنة متشابهين ، كانت حنة أم صموئيل عاقرا وصلت إلى الرب أن يعطيها نسلا فتجعله نذيرا للرب ليخدمه فى هيكل قدسه فسمع الرب صوتها وأعطاها صموئيل ، ولما كبر قليلا أحضرته إلى هيكل الرب وسلمته إلى عالى الكاهن ليخدم الرب ويخدم الكهنة . نفس الأمر يتكرر بخصوص القديسة مريم فقد كانت أمها حنة وهو نفس اسم أم صموئيل النبى كانت حنة عاقرا فصلت إلى الرب ونذرت نسلها للرب فأستجاب الرب طلبتها وأعطاها إبنة دعتها مريم ولما كبرت قليلا سلمتها إلى زكريا الكاهن لتعيش فى الهيكل وتخدم الرب وتعبده ، وتخدم الكهنة . أمر آخر يتشابه فيه صموئيل النبى والعذراء مريم فقد اختار الرب كلا منهما منذ صغره ليقوم بمهمة إلهية خطيرة .بينما صموئيل صبى صغير وكان نائما فى مخدعه فى الهيكل ناداه الرب صموئيل صموئيل ، ولما تحقق أنه صوت الرب قال كما لقنه عالى الكاهن معلمه :" تكلم يارب فإن عبدك سامع " ( 1 صم 3 ) فكلفه الرب بأن يحل محل عالى الكاهن فى قيادة الشعب وتعليمه وأن يقوم بعمل القضاء للشعب لحل مشاكله .مريم الصبية الصغيرة سلمها الكهنة لقريبها البار يوسف الطاهر ليحفظها فى بيته فجاء إليها الملاك وبشرها بأمر التكليف الصادر من قبل الرب بأن الروح القدس يحل عليها وقوة العلى تظللها فتحبل وتلد يسوع المسيح مخلص العالم كله فقبلت المهمة بإتضاع وتسليم وقالت " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك فمضى من عندها الملاك " ( لو 1 : 38 ) . لذلك نال كل منهما كرامة عالية وتشرف بخدمة الرب منذ صباه ، وقام كل منهما بمهمة خطيرة بتكليف من الرب نفسه ونجحا فى ذلك أعظم نجاح . السلام لك يا مريم فخر إسرائيل : القديسة مريم بأمومتها العذراوية الطاهرة للمسيح ابن الله المتجسد أصبحت أشرف نساء العالمين هى فخر الجنس البشرى عامة ، وفخر إسرائيل خاصة ولو أنه بعد أن حل عليها الروح القدس وطهرها فحملت المسيح وولدته ثم حل عليها الروح القدس مع التلاميذ فى العلية فى يوم الخمسين لم تصبح يهودية بل مسيحية وأم جميع المسيحيين ، هى فخر العذارى والمتبتلين ، هى فخر الطهارة والبتولية والعفة . ينسج على منوالها ويقتدى بسيرتها كل من يريد أن يعيش بتولا وكل فتاة تريد أن تحيا عذراء تأخذ سيرة حياة العذراء قدوة صالحة ونبراسا منيرا ، ينير لها الطريق ويخفف عنها معاناة الجهاد . السلام لك يا مريم ثبات أيوب البار : أيوب الصديق رمز الصبر والثبات فى التجارب حتى أن الرسول يوجه أنظارنا إليه لنتعلم منه فضيلة الصبر والثبات والأحتمال أمام التجارب المحرقة فيقول : " خذوا يا إخوتى مثالا لأحتمال المشقات والأناة ، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب . ها نحن نطوب الصابرين ، قدسمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب معه ، لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " ( يع 5 : 10 – 11 ) ولما احتمل أيوب التجربة واجتازها بثبات ونجاح " رد الرب سبى أيوب . وزاد الرب على ما كان لأيوب ضعفا . وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه " ( أى 42 : 10 – 12 ) كان أيوب فى تجربته يرى الرب بعين الإيمان والنبوة آتيا من بعيد كمخلص ومنقذ ولذلك تعزى فى ضيقته . يقول أيوب بروح النبوة " أما أنا فقد علمت أن وليى حى ويظهر على الأرض فى آخر الزمان ، وبعد أن يفنى جلدى هذا وبدون جسدى أرى الرب "( أى 19 : 25 – 27 ) حسب النص القبطى – القديسة مريم شابهت أيوب فى الصبر والأحتمال. [ منقول من كتاب روحانية التسبحة – ج 7 – للقمص بقنتيوس السريانى ]
المزيد
15 أغسطس 2021

الإحتمال فى حياة أمنا العذراء

من سمات جيلنا أنه ليس لنا احتمال لأي شئ أو حتى لبعضنا لكننا نجد أن في حياة أُمنا العذراء أنواع احتمال كثيرة :- 1- احتمال اليُتم :- تنيح أبوها وهي في عُمر ستة سنوات وتنيحت أمها وهي في عُمر ثمانية سنوات أي حُرِمت من مشاعر الأبوة والأمومة منذ طفولتها واحتملت دائماً يحتاج الإنسان إلى تدليل وتلبية احتياجاته أُمنا العذراء حُرِمت من حقها في الإعتناء بها ولا يوجد لها أقارب يُشبعون لها احتياجاتها النفسية والعاطفية أيضاً لم تجد من يوجهها في حياتها وسلوكها لكن هذا الإحتمال كان سبب بركة في حياتها ولم يُسبب هذا الحرمان تعب لها بل إحلال الله يريد أن يملأ عواطفنا لكن نحن لا نعطيه الفرصة ونملأها بمعرفتنا داخل كل واحد منا مستودع عاطفي نملأه بطريقتنا ويأتي الله ليدخل فلا يجد له مكان لا أُمنا العذراء حدث لها تفريغ لعاطفتها فملأها الله كما يقول الكتاب ” إن أبي وأُمي قد تركاني وأما الرب فقبلني “ ( مز 27 : 10 ) ويقول أحد الآباء ” إخلِ المكان ليسوع “ملأ الله مستودع عاطفتها بمشاعر مقدسة قد يرى الإنسان أن الله قاسي وهذه نظرة إنسانية بحتة لكن لا الله له إرادة أن كل جزء يُفرغ داخلك يملأه هو الذي يحيا الرهبنة يترك أهله ليصنع إخلاء للمشاعر ليُشبعه الله ويصير هو الكل بالنسبة لهذه النفس . 2- احتمال الفقر :- كانت فقيرة كانت في الهيكل ليس لها أي دخل مادي وليس لها أي طلبات تُلبَّى قد لا يتحكم الإنسان في طلباته لكن أُمنا العذراء ليس لها أي طلبات حتى عندما جاء ميعاد ولادتها لرب المجد يسوع لم تجد مكان تلد فيه والذي وجدته كان كريه الرائحة مجرد مذود للحيوان وصعب لو لم تكن فقيرة مكتفية ما كانت تحتمل ذلك قديماً لم يكن لديهم أثاث فاخر في منازلهم مجرد أساسيات الحياة البسيطة سرير كرسي منضدة وكان هذا عمل يوسف النجار مجرد تصليح هذه الأمور البسيطة فكان دخله بسيط وعندما هربت العائلة المقدسة إلى مصر معروف أن الشخص الحِرَفي يكون معروف في مكانه فقط لكن إذا انتقل لمكان آخر يصير غير معروف وبالتالي لا يعمل فيقول التقليد أن العائلة المقدسة في مصر كانت تبيع من الذهب الذي أهداه لهم المجوس ليُنفقوا منه وعندما عادوا إلى الناصرة طُردوا منها بعد أُسبوع فذهبوا إلى الجليل ولم يكن لهم مسكن في الجليل بدليل أن المسيح على الصليب سلَّم أُمنا العذراء ليوحنا الحبيب لو كان لها بيت ما عَهَد بها ليوحنا فتاة هذا الجيل عندما يتقدم لها شخص للإرتباط لو كان غني تغفر له كل أخطاؤه مقابل غناه أُمنا العذراء عاشت الفقر في أقصى درجاته أُم لها طفل رضيع لا تجد ما تأكله فكانت تأكل عند آخرين والبعض يقبل أن يُطعمها والبعض لا نحن في عصر مادي استهلاكي يجعل الإنسان لا يقنع بما له العذراء قبلت الفقر وشكرت لم تتمرد ولم تغضب من يوسف إنه فقير لا يُلبي احتياجاتها لا يعطي الإنسان قيمة سوى الإنسان نفسه البابا كيرلس السادس كان يرتدي ثياب قديمة إن أردنا بيعها في مزاد ستُباع بمليون بينما لو إنسان ردئ السمعة ارتدى ملابس بملايين لا تساوي شئ لأنه إنسان ردئ أرجوك لا تؤله الشئ ولا تُشيئ الإنسان . 3- احتمال الشك :- لم تُعلن أُمنا العذراء ليوسف النجار وللناس كيف صارت حُبلى لم تقل إن الملاك بشَّرها بالحَبَل الإلهي نسألها لماذا لم تدافِع عن نفسها ؟ تقول بماذا أدافع ؟ هل أقول لهم لقد حل عليَّ الروح القدس ؟ هل أقول إن الملاك بشرني ؟ لن يصدق أحد ذلك والشك يا أُمنا يا عذراء ؟ ونظرات الناس ؟ إحتملت كل ذلك سيف قاسي جداً عندما يعيش إنسان في شر وخطية والناس تنظر له نظرات رديئة لا يهمه لكن عندما يُقال إن أُمنا العذراء أُم القدوس يُنظر لها نظرات رديئة ويُشك في قداستها وعفتها هذا أمر صعب جداً لكنها صمتت واحتملت وفضَّلِت إنه كما بشَّرها الملاك هكذا هو الذي يدافع عنها هناك عند اليهود شريعة تُسمى " شريعة المياه المرة " تتم مع المرأة التي يشك زوجها في عفتها فيأتون بكوب ماء وتُذاب فيها ورقة مكتوب فيها الوصية ثم تشرب المرأة من هذا الماء إن كانت زانية تسقط بطنها وتتورم رجليها وإن كانت غير زانية لا تتأثر بشئ أُمنا العذراء تمت معها هذه الشريعة واحتملت أن تكون مُستهترة . 4- احتمال التعب :- أُمنا العذراء كانت في الهيكل لم تكن مستريحة لأن الهيكل في العهد القديم كله ذبائح ونار وحيوانات صيد لم تُذبح بعد ونفايات حيوانات وروائح كريهة وكان عمل العذراء نظافة الهيكل واحتملت التعب منذ طفولتها ثم خُطِبت ليوسف وكان رجل مُسن واحتملت خدمته ثم احتملت تربية وحمل الطفل يسوع ثم الهروب لمصر دون أن تعرِف أحد فيها ولم يستضِفها أحد هناك وعادت لليهودية تعب ليس لها مكان تستقر فيه وبعد رجوعها كانت تنتقل مع يسوع من مكان لمكان لأنه ليس لها أين تسند رأسها فكانت يوم عند مريم ومرثا ويوم عند بطرس واحتملت التعب كثيراً ما نطلب الراحة بشكل كبير ونطلب خدمة أنفسنا وأجسادنا معروف إن الإنسان الذي ليس له مكان يكون متوتر أُمنا العذراء تعبت في عدم استقرارها رغم إنها السماء الثانية وموضع سُكنى الله . 5- احتمال الإهانات :- أكثر الإهانات التي احتملتها أُمنا العذراء هي الشك وما قبلته عن ابنها يسوع عندما كان يُقال له أنه سامري وبه شيطان أو إنه مُختل صعب على الأم أن تحتمل إهانة ابنها وأيضاً على الصليب نال تعييرات كثيرة وإهانات وضرب ولطم وجلد وبعد صلبه وقيامته وصعوده لم تنتهي الإهانات بل حاول اليهود محاصرة المسيحية وظهر ذلك في استشهاد إستفانوس وكيف كانوا متضايقين من المسيحية لكن الرومان أهملوا المسيحية وسمحوا لليهود أن يرجموا إستفانوس رغم أن الرومان كانوا قد حرَّموا على اليهود تنفيذ أحكام الإعدام يحاكموا كما يشاءون لكن ليس من حقهم أن يحكموا بإعدام شخص إلا في حالة إعدام إستفانوس سمحوا لهم أن يرجموه أربعة عشر سنة عاشتها أُمنا العذراء بعد ربنا يسوع احتملت فيها آلام شديدة من قطع رؤوس الرسل وآلامهم وسجنهم وهذه آلام صعبة حتى أن اليهود اضطهدوا أُمنا العذراء نفسها لأنها أُمه وعندما عرفوا بخبر نياحتها أرادوا منع موكب الجناز حتى لا يحدث تجمهر لئلا يثبُت أن للحركة المسيحية أتباع كثيرين ولم يستطيعوا حتى أن أحد اليهود المتعصبين مد يده لنعش العذراء ليمنع سير الموكب فشُّلت يده ويقول التقليد أنه هو نفسه المُقعد الذي شفاه رب المجد يسوع وقال له ” ها أنت قد برِئت فلا تُخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر “ ( يو 5 : 14) وشفاه التلاميذ ليسير موكب الجناز وعندما صعد جسدها وفتح التلاميذ قبرها ولم يجدوا الجسد تخيلوا أن اليهود سرقوه لكن توما عرَّفهم أن جسدها صعد فصاموا خمسة عشر يوماً ليروا منظر صعود الجسد وكان مع توما دليل صعود جسدها الزنار الذي كان على جسدها في القبر . 6- احتمال المجد :- سهل احتمال الإهانة لكن صعب احتمال المجد والكرامة وكما قال أحد الآباء أن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة لأنه يؤدي إلى كبرياء أُمنا العذراء احتملت المجد في صمت كل هذا المجد ولم تشعر إنها مُميزة عن غيرها خدمت أليصابات لو شعرت بمجدها كأم لله ما ذهبت لأليصابات لأنها هي أيضاً حُبلى مثلها يقول المديح” أقدامِك عجلات نار في بيت أليصابات “ أي خدمت بحماس ..لم تشعر أنه يجب على الآخرين أن يمجدوها كون إنها تحتمل الإهانة فهذا أمر سهل لكن أن تحتمل المجد هذا صعب تقول الأم سارة” يليق أن يعطي الراهب فضة لشاتميه “ في أحد الأيام بعد ما أنهى المتنيح أبونا بيشوي كامل العظة صعد له شخص إلى الهيكل وقال له إنها كانت عظة جميلة جداً أفضل ما سمع في حياته وسأله هل قال لك أحد ذلك ؟ أردت أن أكون أول من أبدى إعجابه بالعظة لكن أبونا بيشوي قال له نعم هناك آخر قال لي ذلك قبلك الشيطان أُمنا العذراء احتملت المجد إنها أُم الله وقالت ” لأنه نظر إلى اتضاع أمته “ ( لو 1 : 48 )إن كانت أُم الطبيب أو الضابط أولا يسعها أحد دائماً الأم تستمد سلطانها من ابنها بالفطرة يقول مارإسحق ” لا تتضايق من الذين يُشاركونك في صُنع إكليلك “أيضاُ يقول ذهبي الفم ” قيلَ عن الرعاة أن الإهانة مكسب لهم والكرامة ثِقَل عليهم “لذلك يقول للخدام ” لا تشتهي دائماً أن تكون رأساً لأن الرأس كثيرة الأوجاع “ لأن في الطب آلام للرأس مُحيرة جداً أُمنا العذراء احتملت المجد وكانت صامتة أسرار كثيرة في حياتها لم تكشفها ولم نعرفها لكننا عرفنا بعضها بالصدفة ولوقا الطبيب كان أكثر شخص تكلم عن التجسد لأنه كان صديق شخصي لها أسرار رحلة هروب العائلة المقدسة لمصر قالتها للبابا ثاؤفيلس الذي كان يحب العذراء جداً وظلَّ يسألها فحكت له تفاصيل أسرار الهروب لمصر وهو الذي دوَّنها لم تقُل شئ من قبل تعلَّم من أُمنا العذراء الإحتمال مشكلة جيلنا التذمر وعدم الرضا لا نفكر إلا في مشاكلنا فنرى حياتنا أصعب حياة عندما يكتشف الإنسان أن حياته في يد الله يشعر بسرور ورضى ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين. القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
14 أغسطس 2021

شفيعتنا

مفهوم الشفاعة: في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة بالسماويات وذبيحة الفداء إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير أسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12). تسائل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتفق مع شفاعة القديسين؟ نجيب قائلين أن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلى الإنسان عن ذاتيته لكي يقدم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص اخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين.هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح التصقت بالحب نحو الآخرين، تصلي عنهم وتطلب خلاصهم؟ هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال أنه لا خلاص للإنسان خارج اخوته فعلينا جميعا، كل منا يصلي عن الآخر. الأباء وهم ينصحون أولادهم يستجدون خلاصهم مصلين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة أننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقة ما شفيع من أجل النعمة للآخرين إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (متى9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها... أن الرب الذي يحبنا بلا مقابل يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.هذا من جانب أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل اتضاعا صادقا، فنشعر أننا لسنا أهلا للصلاة عن أخواتنا بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يعلم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات يطلب صلوات شعبه لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه... فهل كان الرسول بلا دالة عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والأتضاع! مرة أخرى نتسائل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفوا بالحب عن الصلاة من أجل أخوتهم؟! إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقا وقوة، سائلين الله من أجل خلاص العالم! باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أى عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضو، إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلآم الآخرين ويفرح ويسر بمجد أخيه. سر شفاعتها:- أن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وأخوتها... طالبة خلاص الجميع. لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أما لكل جسده الذي هو الكنيسة... هذه الأمومة ليست لقبا فخريا بل مسئولية عمل دائم. هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلا: "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف" لو2: 35. أمومة العذراء مريم التي قامت أولا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها باتضاعها وحفظها للوصية الإلهية... جعل منها عضوا يفوق كل عضو في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبا خلاص الكل! حدود شفاعتها:- في قصة عرس قانا الجليل نستطيع أن نتفهم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يذكره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثه على الاهتمام بهم... لكن ربنا يسوع المملوء حبا يسر أن يجد في أمه وكل اخوته مشاعر الحب.لقد توسلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب "مالي ولك امرأة لم تأت ساعتي بعد" يو2: 4،وهو لم يصدها إنما أراد أن يكشف لنا شفاعتها أولا: كشف ثقة أمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظر منه أنه يجيبها بشيء، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكدت أنه يعمل عملا لأولاده الذين تطلب عنهم! ثانيا: بحديثها مع الخدام المحتاجين كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلبنا بطريقة سرية تنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت "مهما قال لكم فافعلوه".إذا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلص بنعمة دم ابنها. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
13 أغسطس 2021

مَثَل الغني ولعازر

«كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ... » (لو16: 20–31). المثل صارخ بالمفارقات العجيبة سواء على الأرض أم في السماء،ففى الأرض شتّان بين ذاك الذي عاش في الجسد وللجسد ومسرات الجسد، وغِنى المأكل والملبَس، وما يتبع الغِنى من غرور وخطايا، ونسيان تام للروح أو حاجات الروح، ونسيان كامل لحقيقة أنّ الحياة على الأرض لا تدوم، وأنّ الأيام سريعًا ما تمرّ ويأتي الإنسان إلى النهاية المحتومة.وبين الآخر، الفقير البائس المطروح عند الباب، بلا طعام ولا لباس، وجسده مضروب بالقروح، وليس له إنسان يُضمِّد جراحات الجسد أو النفس. وقد صار عادمًا لكلّ شيء، حتّى ضروريّات الجسد.والمفارقة في السماء أكثر وأشدّ: فالحياة في الأحضان الأبويّة حيث النعيم الدائم والفرح الذي لا يشوبه كدر. لا ألم ولا حزن ولا بكاء ولا تذكار للشرّ، بل تنعُّم وشبع أبدي بالربّ ومجد لا يوصَف. ولا توجَد كلمات تُعبِّر عن الغبطة في ذلك النعيم الدائم.وعلى العكس في مكان العذاب، حيث وجع القلب وعذاب الضمير وحيث «النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ والدُودُ الذى لاَ يَمُوتُ... هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (مر9: 44، لو13: 28). يا سيّدي الرب.. أغنِنى بغِنى كلمتك، لأنّها تُنير في داخلي الطريق إلى الحياة الأبدية، وتكشف لى غوامض كثيرة فما يختصّ بحياتى الأبدية وميراثي في السماء وحضن إبراهيم.. اجعلني في هذه أتفكّر يا سيّدي. وما كتبه الروح بموسى والأنبياء، اجعله في داخلى، يُهديني إلى طريق الاستقامة. وبالأكثر كثيرًا جدًّا ما عملتَه أنت يا إله موسى والأنبياء من جهة خلاص الأبرار، ومن جهة المساكين الذين سيُحرمون من مجد ملكوتك وراحتك.لذلك أتوسل إليك يا سيدي أن تجعل كلماتك في هذا المثل تقودني لمزيد من النور الذي يرشدنى للحياة التي ترضيك، فأبتعد عن كلّ ما يُفسد عليَّ الحياة فيك ومعك وبك.أنت يا سيدي جعلت الحياتَيْن أمام عينيَّ.. حياة الغِنى والترف ولبس الحرير وكلّ ما يختص بتدليل الجسد وراحته، ومن ناحية أخرى حياة المسكين المُعدَم، صاحب الجسد المضروب بالقروح والمُلقى عادمًا كل شيء، وفي حالة العَوَز المُضني والجوع والفاقة، حتى ملء البطن من الفتات. وعندما تنتهي أيّام الأرض، وهي لابد أن تنتهي بهذا أو ذاك، فماذا يكون المصير يا سيّدي؟ لقد استوفى الغنيّ خيراته على الأرض فلم يتبقَّ له خير ولا عزاء بعد. لقد طاب له عزاء الأرض والجسد، فأسلَم نفسه لمطالب الأرض وأفنى أيامه كلّها في الجسد. وانتهى به الجسد إلى التراب، وأحدرته شهوات الجسد إلى الجحيم. قال إبراهيم خليلك عندما ناداه الغني «يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ... فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ...اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ».. لقد طلبتَ راحة الأرض وفقط، فماذا لك بالراحة الأبدية؟! لقد كرهتَ أن تتعَب في الأرض، فها أنت تتعب في السماء.. لقد كرهتَ الدموع على الأرض، وسلَّمت نفسك للضحك والملذات، فها أنت تبكي حيث لا ينفع البكاء. يا سيدي اِكشِف عينيَّ فأرى قصدك الإلهي، لأنّ كلامك يُنير الخفايا ويكشف الأسرار.. ماذا تقصد يا رب وماذا تريد أن تعلِّمني فأتعلم؟ الغني اللابس الأرجوان والبَزّ وهو يتنعم كلّ يوم مترفهًا، هذه كانت حياته وكلّ سيرته.. اِنحصر في الغِنى والترف والتنعم، ولِبس الحرير والأكل والشرب.. كانت هذه هي سيرته.دائرة مغلقة تدور حول الجسد وملذّات الجسد ومسرّات الدنيا. ولم تقُل يا سيدي ما يَتبع هذه الحياة الجسدية من خطايا وانحراف، لأنّ ما هو ثمر الجسد يا سيدي؟ أليس هذا هو قول رسولك: «لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رو8: 13).يا حُزني يا سيّدي.. فإنّ الانحصار في الجسد، والحياة به وفيه وحده، قد صارت حياة كثيرين جدًّا.. كلّ الفكر وكلّ القلب والاهتمام صار للجسد. فأين مكانك أنت يا سيّدي من الحياة؟! أشكرك يا مخلصي الصالح، لأنّك أنرتَ أمامي الطريق بكلامك الحيّ المُحيي، ولأنّك علًّمتَ عبدك وكشفت عينيَّ لأتبصّر في حياتي الأبديّة. قلتَ يا سيدي عن الغَني إنّه «اسْتَوْفَيْ خَيْرَاتُه فِي حَيَاتُه».. أنا أعلم يا سيدي أنّ الغِنى في ذاته من أموال وأملاك ومقتنيات ليس خطيّة، هذه نِعَمٌ تُغدقها بحسب مسرتك، إنّما العيب يوجد في انحراف الإرادة واِنغماس الإنسان في مسرّات وشهوات الجسد. من جهة موت الجسد فهو أمرٌ محقّق، فأيّ إنسان يحيا ولا يرى الموت؟ فإن كان غنيًّا أو فقيرًا فعند الموت يتساوى كلاهما.فالغّنِيّ مات ودُفن.. ولعازر مات وحملته الملائكة.. الغَنيّ رفع عينيه وإذا هو مُعذَّب في الجحيم.. ولعازر فتح عينيه وإذا هو يتنعم في أحضان إبراهيم.فالفرق واضح يا سيدي ولا وجه للمقارنة.. من جهة الخارج فتمييز الغَنيّ عن الفقير المُعدم واضح، ومن جهة الداخل الذي لا يُرى، فالفرق بينهما كان أكثر مما يتصوّره الإنسان. لقد فصلَهما الغِنَى في الأرض وفرَّق بينهما، أما في الروح فمصير أبدي مختلف صارا فيه على طرفيّ نقيض. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
12 أغسطس 2021

شخصية مريم العذراء والدة الإله ج2

مريم العذراء والدة الإله مريم في بيت لحم:- إن كان الله له مطلق السلطان في مقاصده، فله أيضاً مطلق السلطان في اختياره لتلك الأواني التي تحقق مقاصده. ولأكثر من سبعمائة عام قبل ميلاد المسيح، تنبأ ميخا النبي بميلاد المسيح في بيت لخم: "أما أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل". وكانت هذه نبوة عن مكان ميلاد المسيا، وقد اقتبسها رؤساء الكهنة والكتبة في إجابتهم عن السؤال الذي طرحه هيرودس عليهم – أين يولد المسيح؟. ولكن كان بيت مريم في الناصرة في الجليل، وكان الوقت يقترب لميلاد طفلها القدوس، وهكذا: "في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة (العالم أو الإمبراطورية الرومانية). وبناء على هذا القرار تحرك يوسف (ومعه مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى بابنها)، لكونه من بيت داود وعشيرته، وصعد من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية في مدينة داود التي تدعى بيت لحم. ولم يكن الإمبراطور الروماني يدري كثيراً عن نتائج هذه الفكرة التي طرأت على ذهنه. كما لاحظ أحد الكتاب أن "هذا العمل كان لتحقيق قصد الله العجيب، لكي يولد المخلص الملك في قرية – كانت بحسب شهادة الله لابد أن يتم فيها هذا الحدث". وما يلفت الملاحظة أكثر أنه على الرغم من صدور هذا القانون، والذي بموجبه صعد يوسف ومريم مع كثيرين أيضاً إلى مدينتهم ليكتتبوا هناك، غير أن الاكتتاب قد تم بعد ذلك بفترة "عندما كان كيرينيوس والياً على سورية". كم عجيبة حكمة الله وكمال طرقه! فيوسف كان عليه أن يأخذ مريم امرأته إلى بيت لحم، ويحرك الله الإمبراطور ليدفع إمبراطوريته للاكتتاب فيصعد يوسف إلى بيت لحم. يا له من برهان أكيد أن الله يمسك بزمام الحكم في يديه ويحرك قلوب الناس حيثما يشاء أن يمليها. والمسيحي يؤمن ويعرف ذلك وهو يستريح بسلام إزاء كل أعمال الناس ونشاطها، وإزاء كل التشويش والاضطراب والصراعات التي تجري هنا وهناك.وبينما كان يوسف ومرين في بيت لحم، أن مريم "ولدت ابنها البكر فقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" (ع 7). وليس غرضنا في هذا الجزء أن نتناول موضوع التجسد، ولكننا بالحري نتكلم عن تاريخ مريم الشخصي. ونتجاسر أن نقدم لأحدهم بعض التأملات على هذا الحدث العجيب، وسر الأسرار فقال: "إن ابن الله ولد في هذا العالم ولكنه لم يجد مكاناً هنا. وإن كان جميع الناس لهم بيوت ولهم أماكن ولو في فندق غير أن ابن اله لم يجد مكاناً غير مذود. وهل عيثاً يسجل الروح القدس هذه الحادثة؟ كلا، فليس مكان لله ولا لأمور الله في هذا العالم. وهل نجد ما هو أكثر كمالاً غير تلك المحبة التي جعلته ينزل إلى الأرض. ولكنه بدأ في مذود وانتهى بالصليب، وبين البداية والنهاية كل الطريق لم يكن له أين يسند رأسه". ونحن كمؤمنين بكل خشوع وتعبد في حضرة إلهنا نتأمل في الطريقة التي بها "الله ظهر في الجسد" نعمة ربنا يسوع المسيح الذي من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره. وإذا كانت هذه الأمور هكذا فليتنا نتذكر أنه لكي يتمم مقاصد محبته ويفتدي شعبه سواء كان إسرائيل أم الكنيسة، كان لزاماً عليه أن يرفض في حيته ويصلب في موته. إن الطفل المضجع في الذود هو "غرض كل مشورات الله، وهو الممسك والوارث لكل الخليقة، المخلص لجميع الذين يرثوا المجد والحياة الأبدية". ولا عجب فإن مريم كانت محتجة كل هذا الوقت. ولا كلمة تسجل عنها لما كانت تشعر به أو تفكر فيه أو تقوله، والحق أنها كانت مختفية وراء مجد ابنها. مريم والرعاة:- وإذ نشير إلى أولئك الأتقياء الذين اختارهم الله ليتسلموا إعلان ولادة المخلص الذي هو "المسيح الرب"فذلك بسبب ارتباطهم بما تسجل في قصة مريم. فإن الله في هذا الوقت لم يمنح عظماء الأرض هذا الإعلان بل إلى فقراء شعبه والمتألمين الذين كان هؤلاء الرعاة معدودين منهم. فالأخبار والإعلانات الإلهية تعطى فقط للقلوب المعدة إعداداً إلهياً ولهذا فإننا نؤمن بأن هؤلاء الرجال البسطاء كانوا ممن ينتظرون فداء في أورشليم (انظر ع 38). وإذا كانوا ساهرين ليلاً على قطعان أغنامهم فقد أرسل لهم الملاك حاملاً بشائر الفرح العظيم لجميع الشعب، كما أعطاهم علامة للمصادقة على إيمانهم "تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود". وحالما أنهى رسالته سرعان ما "ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله قائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".ولنترك للقارئ التقي أن يتأمل هذه الكلمات التي رنم الملائكة بها والتي ترينا على الأقل أن كل مقاصد الله لبركة شعبه إسرائيل تتحقق في شخص ابنه المحبوب، ولكن دعونا نتتبع هؤلاء الرعاة الذين في بساطة إيمانهم دون أن يتساءلوا عن هذا الحق الذي سمعوه ولكنهم قالوا بعضهم لبعض "لنذهب الآن إلى بيت لحم، وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في مذود". ويا له من منظر ملأ عيونهم بالتحية له! ربما لم يدركوا المغزى الكامل لما رأوه أو مجد هذا الصبي. ولكنهم رأوه بقلوب ساجدة بدون شك. وليست هناك كلمة قيلت منهم ولا من مريم ولا من يوسف،ذلك لأنهم كانوا مثبتين عيونهم على المخلص المسيح الرب وهو مضجع في مذود. ولكن كان لا بد لهم أن يكونوا قد تكلموا، فيعد العبارة المتعلقة بشهادتهم "في الكورة" ونتيجة هذا إذ قيل "وكانت مريم تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها". فإذا ربطت هذا مع نهاية فقرة عدد 57 نستطيع أن نقول أن مريم كانت ذا نفس هادئة متأملة ومتجاوبة. فالاختيار لمثل هذه الإرسالية وبهذا التكليف يصبح من الصعوبة أن يكون بخلاف هذه الشخصية. إن أقل شعور تجاه صبي كهذا أقول أنه يجب أن يكون في رهبة حضور الله، وهنا يقصر الكلام عن التوضيح والإنسان يجب أن يعرف أكثر عن أفكارها وهي تحملق في وجه هذا الصبي العجيب الذي قال عنه أشعياء بالنبوة "ويدعى اسمع عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام". ولكن يا لها من نعمة حظت بها مريم، ومع ذلك فليست هي غرض السماء بل ابنها وهو غرض مشورات الله، الذي به استعلن مجد الله وتثبت وصار نافعاً في هذا العالم. ونحن نتعجب من السمات الجميلة التي اتصفت بها مريم والتي تتفق مع تقواها وسلوكها. مريم في الهيكل:- نتبين في كل من شخصية مريم ويوسف هذه الصفات التقوية التي نلحظها في انتباهها الشديد لدقائق كلمة الله سواء في أمر ختان الصبي القدوس أو في تطهير مريم، فقد كانت طاعتها لأوامر الناموس واضحة وصريحة (انظر لاويين 13). وكذلك في تقديم يسوع للرب "كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب".وكان لا بد أن يمضي أربعون يوماً بعد ولادة الصبي قلما تظهر مريم في هيكل أورشليم. وفي هذه الفترة كانت قد تمت زيارة المجوس أو حكماء المشرق كما وردت في إنجيل متى. وفي هذا المشهد كما في مشهد زيارة الرعاة أيضاً لم تتخذ مريم دوراً ظاهراً بل كانت متوارية في الظل بإرادتها، وكانت في شركة مع الله – على الأقل بقدر قياسها، لذا كانت تعرف المجد الآتي لذاك "المولود ملك اليهود"، فلم تندهش كثيراً عندما رأتهم يخرون ساجدين له أو عندما فتحوا كنوزهم وقدموا له هداياهم – ذهباً ولباناً ومراً – كانت فرحة لكونها الإناء المختار لولادته، ولكن كان عليها أن تتعلم أنه بحكم هذا الارتباط والاندماج بمسيح الله فلا بد أن يلاقيها الاضطهاد من إله هذا العالم. ومن تلك اللحظة التي ولد فيها هذا الصبي ابن الله فإن التنين (أو الشيطان) الذي كان يترقب تلك اللحظة سعى أن يبتلعه. صارت مريم ويوسف وكذلك الطفل يسوع غرضاً لعداوة الملك الشرير ولكنهم كانوا تحت غطاء الحماية الإلهية والإرشاد الذي دفعهم للهروب إلى مصر. وبعدما عادوا إلى أرض إسرائيل إلى الجليل إلى منزلهم الأصلي استمتعا بهذا الشرف والامتياز الذي لا يقدر لخدمته – ذاك الذي لم يكن أقل من ابن الله.وإذ نتذكر تلك الحوادث لنستكمل القصة، والآن لنتأمل هذا المشهد في الهيكل. كتب ملاخي: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه" نعم لقد أتى "وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس". كانت أورشليم كعادتها – شعبها يبيع ويشتري النساء تتمم واجباتها المنزلية والرجال يلازمون حرفهم اليومية. كما كان ملكهم الأدومي المتعطش للدماء والقاسي والحزين والبائس ولكنه كان يعمي أتباعه بسخاء وعظمة صروحه المشيدة، عاملاً على إرضاء شهواته الدنيئة. وهكذا كان الجميع في جهل تام بهذه الحقيقة العجيبة أن الله قد افتقد شعبه، والمسيا الممجد الذي تنبأ له الأنبياء والذي يمتد ملكه إلى كل الأرض (انظر مزمور 72) كان في وسطهم وقد حمل إلى تخوم الهيكل المقدس. ولكن كيفما كان اتجاه الأمة وحالة عدم إيمانهم فإن الله يضمن دائماً معرفة ابنه المحبوب بالصورة التي يستحضره بها. وفي هذه الحالة أعد الله قلوب قليلين كانوا ينتظرون فداء في أورشليم للترحيب بمسيحه واختار الله اثنين من هؤلاء لينظراه بأعينهم في ذلك الوقت كانت مريم ويوسف يجتاز شوارع المدينة ومعهم هذه الوديعة الثمينة، وفعلاً كما كان يفعل أي قديسين يهود بسطاء في أحوال مشابهة لهذه الظروف. ودخلا إلى المكان المقدس دون أن ليلاحظهما أحد أو يعطيهما اهتماماً، ودون أن يعرفا شيئاً عما أعده الله أو ما سيفعله. وكما كتب الإنجيلي "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان. وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل" وجدنا هنا واحداً تحت السيطرة الكاملة للروح القدس، وقد دعاه الله وأعده لكي يأخذ ابنه على ذراعيه عندما دخل مريم ويوسف بالصبي يسوع ليصنعا له حسب عادة الناموس.يا له من مشهد عجيب فعلاً إذ يشغل انتباهنا حقاً لما فيه من فائدة ونفع لنا قبلما نستكمل موضوعنا. ليتنا نتذكر ونحن نتأمل هذا المشهد أننا نقف على أرض مقدسة. ونقرأ أن سمعان "أخذه على ذراعيه" أخذه من يدي أمه. مشهد عجيب! فهذه الأم التقية والمكرسة تضع طفلها بين ذراعي سمعان الشيخ. إن سمعان نال هذا الامتياز الثمين ليحمل على ذراعيه هذا الطفل الذي تتحقق وتتكمل فيه كل مشورات الله!.ولكن من هو هذا الصبي؟ إنه الكلمة الذي صار جسداً المكتوب عنه "في البدء كان الكلمة، والكلمة كانت عند الله، وكان الكلمة الله" (يوحنا 1: 1) وهو "صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة: فإنه فيه خلق الكل، ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أو رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء والذي فيه يقوم الكل". وهو الذي "فيه سر أن يحل كل الملء" (كو 1: 15 - 19). إنه هو الابن "الذي جعله وارثاً لكل شيء. الذي به عمل العالمين.. وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 2و3) ومن جهة أخرى باعتباره مولوداً في هذا العالم فقد كان هو نسل المرأة ونسل إبراهيم وابن داود. كل هذه الأمجاد وغيرها الكثير، فهو أقنوم إلهي تنازل وصار جسداً، إذ تدور حوله وتشع وتلمع من هذا الصبي المقدس الذي وضعته مريم بين ذراعي سمعان. ليتنا نحملق جيداً وبكل خشوع في هذا السر الإلهي، فكلما نظرنا بعمق أكثر كلما انحنت قلوبنا تعبداً وخشوعاً في حضرة ذاك الذي هو عطية الله التي لا يعبر عنها وأمام نعمة لا يسبر غورها ومحبة فائقة المعرفة.لقد وقف سمعان والصبي على ذراعيه أمام الله، وبقلب فائض بارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل". لقد تحققت كل رغائبه، وانقطعت كل علاقة له بالأرض حالما امتلك خلاص الله، وكان مستعداً أن ينطلق بسلام. مثل موسى أيضاً عندما وقف على الفسحة ورأى الأرض التي أعطاها الله لشعبه، هكذا سمعان والصبي المقدس على ذراعيه مركز مشورات الله وتطلع إلى الأمام إلى الوقت عندما يستحضر الأمم إلى النور ويصبح المسيح مجداً لشعبه إسرائيل.وكان يوسف وأم الصبي يتعجبان من الكلمات التي قالها سمعان عنه، ذلك أنهما كانا لا بد أن يعرفا الأمور جزئياً. ونحن كذلك بشكل عام نأتي تدريجياً إلى معرفة الحق بكل قوته – ذلك الحق الذي نعترف نحن به. وتبع ذلك أمرين فإن الارتباط بالمسيح في هذا العالم يستحضر البركة والألم معاً. ونجد هنا مريم مثالاً على ذلك. فإن سمعان "بارك" الله، والآن يباركهما أي يوسف ومريم، ثم يتجه نحو مريم مخاطباً إياها قائلاً "ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم، (وأنت أيضاً يجوز في نفسي كسيف)، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة". وهكذا فإن الله في نعمته ولطفه يستخدم عبده سمعان ليعد مريم بطريق طفلها – طريق الأحزان والرفض – ومن يشك أن هذا القول إن صب أساساً عندا وقفت عند صليب يسوع لتنظر أوجاعه وآلامه ألم يكن في ذلك اختراق للسيف في نفسها أيضاً؟ وفي طريق الله التي نجتازها كم من رحمة تحوطنا إذ نقترب – ليس دفعة واحدة بل – بالتدريج إلى نصيبنا من الأحزان، ونجد أنها عندما تقع علينا تظهر "لمعان محبته"! لا يمكن لمريم أن تنسى هذه الكلمات ولكنها كانت تحفظه "متفكرة به في قلبها"، ولابد أنها كانت دائماً تضع هذه الأقوال أمام الله في تأملاتها وصلواتها. ومن خل حياتها نجد أنها عاشت تحت ظل الصليب، وبالتأكيد فقد كان لها التعويض الكافي والمؤازرة وهي في رفقة ابنها. لابد أنه كان أمامها الكثير الذي لم تقدر أن تتركه ولكنها بالتأكيد كانت تستريح في معرفة أن يسوع هو مسيا المخلص الذي معها. ولم يوجد في كل الأرض من منح هذا الامتياز الذي لا ينطق به وتلك البركة – فلأجل خاطره ومحبة ل فقد أمكنها أن تعاين المستقبل وتترك بين يديه كل شيء اختاره لها في هذا الطريق.ونتبين فقر يوسف ومريم من الحادثة العرضية عندما قربوا ذبيحتهم عند تقديم يسوع. ونقرأ في اللاويين وبخصوص تطهير المرأة عند ولادتها: "وإن لن تنل يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر" (ص 18: 8). لم تكن مريم أن تنال يدها فتحضر شاة وروح الله يلفت انتباهنا أن ربنا قد ولد في ظروف مذلو وحياة متواضعة من البداية، نعم ومن قبل أن يأتي إلى الأرض كان فكره أن يتذلل ويتواضع، فأي أم لا تريد أن تحيط طفلها بكل وسائل الراحة والترف طالما تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولكن كل شيء يتحدد بحكمة إلهية، إذ نرى ليس فقط ظروف ولادة ربنا بل أيضا كل طريقه في هذا العالم الذي لم يجد فيه أين يسند رأسه. وهذا يطبع فينا، كلما تفكرنا في ذلك نعمته التي لا ينطق بها.إذا انتهت طقوس الهيكل مع أقوال سمعان النبوية، "ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب" تركوا الهيكل وخرجوا من بواباته ومعهم هذا الكنز الثمين و "رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة". ممارسين أعمالهم اليومية، وهم يمتلكون سراً إلهياً لم يعفه أحد في الناصرة بخلافهم. وللحديث بقية
المزيد
11 أغسطس 2021

إكرام السيدة العذراء

يكفي قولها الذي سجله الإنجيل (هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني) (لو48:1). وعبارة (جميع الأجيال) تعني أن تطويب العذراء هو عقيدة هامة استمرت من الميلاد وستبقي إلي آخر الزمان. ولعل من عبارات إكرام العذراء التي سجلها الكتاب أيضًا قول القديسة اليصابات لها (وهي شيخة في عمر أمها تقريبًا): (من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي. هوذا حين صار سلامك في أذني، أرتكض الجنين في بطني) (لو44:1). والعجيب هنا في عظمة العذراء، أنه لما سمعت اليصابات سلام مريم أمتلأت اليصابات من الروح القدس (لو41:1). مجرد سماعها صوت القديسة العذراء، جعلها تمتلئ من الروح القدس. والعذراء لم تنل الكرامة فقط من البشر، وإنما أيضًا من الملائكة. وهذا واضح في تحية الملاك جبرائيل لها بقوله (السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء) (لو28:1). وعبارة(مباركة أنت في النساء) تكررت أيضًا في تحية القديسة اليصابات لها (لو43:1). ونلاحظ أن أسلوب مخاطبة الملاك للعذراء فيه تبجيل أكثر من أسلوبه في مخاطبة زكريا الكاهن (لو13:1). وهنا نبوءات كثيرة في الكتاب تنطبق علي السيدة العذراء، ومنها (قامت الملكة عن يمينك أيها الملك) (مز9:45). وفي نفس المزمور يقول عنها الوحي الإلهي (كل مجد ابنة الملك من داخل) (مز13:45). فهي إذن ملكة وابنة الملك.. ولذلك فإن الكنيسة القبطية في أيقوناتها الخاصة بالعذراء، تصورها كملكة متوجة، وتجعل مكانها باستمرار عن يمين السيد المسيح له المجد. والكنيسة تمدح العذراء في ألحانها قائلة (نساء كثيرات نلن كرامات. ولم تنل مثلك واحدة منهن). وهذه العبارة مأخوذة من الكتاب (أم29:31). والسيدة العذراء هي شهوة الأجيال كلها، فهي التي استطاع نسلها أن يسحق رأس الحية) محققًا أول وعد لله بالخلاص (تك15:3). والعذراء من حيث هي أم المسيح، يمكن أن أمومتها تنطبق علي كل ألقاب السيد المسيح. فالمسيح هو النور الحقيقي (يو9:1). وهو الذي قال عن نفسه (أنا هو نور العالم) (يو12:8). إذن تكون أمه العذراء هي أم النور. أو هي أم النور الحقيقي. وما دام المسيح قدوسًا (لو53:1) تكون هي القدوس وما دام هو المخلص، حسبما قيل للرعاة (ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب) (لو11:2). وحسب أسمه (يسوع) أي مخلص، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21:1). إذن تكون العذراء هي أم المخلص. ومادام المسيح هو الله (يو1:1) (رو5:9) (يو28:20). إذن تكون العذراء هي والدة الإله. ومادام هو الرب، حسب قول اليصابات عن العذراء (أم ربي) (لو43:1). إذن تكون العذراء هي أم الرب. وبنفس القياس هي أم عمانوئيل (مت23:1) وهي أم الكلمة المتجسد (يو14:1). وإن كانت العذراء هي أم المسيح، فمن باب أولى تكون أمًا روحية لجميع المسيحيين. ويكفي أن السيد المسيح وهو علي الصليب، قال عن العذراء للقديس يوحنا الرسول الحبيب (هذه أمك) (يو27:19). فإن كانت أمًا لهذا الرسول الذي يخاطبنا بقوله يا أولادي (1يو1:2). فبالتالي تكون العذراء هي أم لنا جميعًا. وتكون عبارة (أختنا) لا تستحق الرد. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون أمًا للمسيح وأختًا لأحد أبنائه المؤمنين باسمه..! إن من يكرم أم المسيح، إنما يكرم المسيح نفسه. وإن كان إكرام الأم هو أول وصية بوعد(أف2:6) (خر12:20) (تث16:5). أفلا نكرم العذراء أمنا وأم المسيح وأم أبائنا الرسل؟! هذه التي قال لها الملاك (الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. لذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعي ابن الله) (لو35:1). هذه التي طوبتها القديسة اليصابات بقولها (طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب) (لو45:1). والتي جميع الأجيال تطوبها.. وعبارة (مباركة أنت في النساء) التي قيلت لها من الملاك جبرائيل ومن القديسة اليصابات، تعني أنها إذا قورنت بكل نساء العالم، تكون هي المباركة فيهم، لأنه لم تنل واحدة منهن مجدًا نالته العذراء في التجسد الإلهي. ولا شك أن الله قد اختارها من بين كل نساء العالم، لصفات فيها لم تكن تتوافر في واحد منهن. ومن هنا يظهر علو مكانتها وإرتفاعها. لذلك لقبها اشعياء النبي بلقب (سحابة) أثناء مجيئها إلي مصر (أش1:19). قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل