المقالات

16 سبتمبر 2021

يوحنا المعمدان

«لم يَقُم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان،ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه» (مت 11: 11) كلامٌ محيِّر!! هل يقصد المسيح نفسَه أنه أصغر من يوحنا في السنِّ؟! إن أي كلام محيِّر في الإنجيل لابد أن تجد الجواب عليه فيما بعد! فيوحنا المعمدان هو إيليا لأنه أتى بروح إيليا: «وإن أردتم أن تقبلوا، فهذا هو إيليا المُزمع أن يأتي. مَن له أُذنان للسمع فليسمع» (مت 11: 15،14) كلنا لنا آذان، ولكن المسيح قال: «لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي» (يو 8: 43)! «جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً، فتقولون: به شيطان» (لو 7: 33)!! جاءكم إنسان ناسك يصوم ولا يأكل إلاَّ الجراد. المسيح هنا يُقارن بين نفسه وبين يوحنا (كل الأصحاح يدور حول هذه المقارنة). كان يوحنا يأكل جراداً وعسلاً بريّاً، عاش 30 سنة في البرية، وكان يلبس ثوباً خشناً ومِنْطقة من جلد؛ أما المسيح فجاء كشخصٍ عادي يأكل ويشرب الكتبة والفرِّيسيون قالوا عن يوحنا إن به شيطاناً، وفي كل جيل توجد فئة تتكلَّم بالشرور على الآخرين. وقالوا عن المسيح الذي يأكل ويشرب مثلنا: «إنسان أكول وشريب خمر، مُحبٌّ للعشارين والخطاة» (لو 7: 34). كان يمشي ومعه جمعٌ من العُرْج والعُمي والخطاة (مت 15: 31)، وإلى هذا اليوم نجد هذا الأمر: فإذا أكل رجل الله، لا يعجبنا هذا؛ وإذا صام، لا يعجبنا أيضاً «والحكمة تبرَّرت من جميع بنيها» (لو 7: 35). أي أن الحكمة تبرَّرت من أولاد الحكمة. والحكمة الإلهية التي أرسلت يوحنا هي التي تجسَّدت في المسيح ربنا. الفرِّيسيون رفضوا مشورة الله؛ أما العشارون فاعتمدوا من يوحنا. وفي حياتنا نجد هذه الأصناف: صنف يأكل، ويشكر الله؛ صنف لا يأكل، ويشكر الله؛ صنف آخر، ينتقد هذا وذاك. ليتك، يا أخي، لا تكون من الصنف الثالث. ملكوت السموات: ما هو؟ ”ملكوت“ من كلمة ”ملك“، أي أن الله يملك: «يا ابني أعطني قلبك» (أم 23: 26)، هذا هو عرش الله.توجد قصة عن كارز بالهند، تأثر من كلامه رجل هندي، فأحضر ابنه الصغير وأعطاه للكارز كهدية عن كرازته، ولكن الكارز رفض. فأحضر له الرجل ابنه الأكبر، فرفض أيضاً. فأحضر له زوجته، فرفض. وأخيراً قدَّم له ذاته، فقَبـِلَه. فقال الرجل للكارز: ”أخدمك“. فأجابه الكارز: ”كُن معي لنعبد الله معاً ونخدم معاً“. وهكذا نحن لا يَرضَى الله منا أي شيء نمتلكه، بل قلوبنا هكذا ينبغي أن نُقدِّم للرب قلوبنا كل يوم قائلين: ”أنا أحبك من كل قلبي“. وحبُّ القلب، أن لا يفصلنا عن المسيح شيء.المسيح ليس له شيء أعظم من القلب ليتقدَّس به. وملكوت الله كائنٌ فيك، أي يملك على قلبك. وإذا ملك الله على قلبك تصير مِلْك لله. «ملكوت الله داخلكم» (لو 17: 21)، أي أن الإنسان صار كنيسة أي بيت الله. الله لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي، ولكن في قلبك الذي صنعه. ملكوت الله هو قلبك عندما يسكن الله فيه.ملكوت الله في مناداة يوحنا المعمدان: «يا أولاد الأفاعي. مَن أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي (أي يوم المسيَّا)... والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار... ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لستُ أهلاً أن أحمل حذاءه... الذي رفشه في يده (أي المذراة التي تُستخدم في تذرية القمح)، وسيُنقِّي بيدره. ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيُحْرِقه بنارٍ لا تُطفأ» (مت 3: 7-12). هذا هو تصوُّر يوحنا عن ملكوت الله: المسيَّا الآتي مثل ”مذراوي“ يُفرِّق بين التبن والقمح. إنه ملكٌ حازم، وحُكْمه شديد. ولكن المسيح كان وديعاً.الملك عندما يجلس على كرسيه، يُحاكم المخطئ (هنا موقف دينونة)، ويُبرِّئ البار (هنا المكافأة). ويوحنا المعمدان رأى الملكوت هكذا: الشجرة الجيدة يُكرمها الملك، والشجرة البطَّالة يقطعها.دينونة العهد القديم كانت الرجم، وكان تصوُّر اليهود للمسيَّا أنه يدين على هذه الصورة (والمثال على ذلك المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل - يو 8: 1-11). دينونة المسيح كانت من نوع آخر. المسيح جاء ليدين بالكلمة: «أنا هو نور العالم» (يو 8: 12)، «الكلام الذي أُكلِّمكم به هو روح وحياة» (يو 6: 63). فكلام المسيح يدخل قلب الإنسان، فيدين الإنسان نفسه.المسيح لم يأتِ ليدين الإنسان من خارج بأية واسطة ظاهرة، بل هو يُكلِّمك ”كلمة حياة“ تدخل إلى قلبك فتدين أنت نفسك. هذه هي دينونة المسيح: المسيح داخلك، وأنت تدين نفسك. هو لا يمسك عصا ويضربنا بها: «إن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آتِ لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47)، أنا أُلقي الكلمة وأنت تدين نفسك: «مَن رذلني ولم يقبل كلامي فله مَن يدينه. الكلام الذي تكلَّمتُ به هو يدينه في اليوم الأخير» (يو 12: 48). كلمة المسيح هي الفأس التي قال عنها يوحنا المعمدان، تدخل قلبك وتستأصل الشر، ومثل السيف كما قال بولس الرسول: «لأن كلمة الله حية وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدَّين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ» (عب 4: 12). أي أن كلمة الله تقطع الشجرة الشريرة التي في قلبك. وكلمة الله هي الفأس، فعندما تدين نفسك بكلمة الله، فإن الكلمة تقطع الشجرة الشريرة التي فيك. وأما الشجرة الجيدة المثمرة، فهي أيضاً في قلبك، فعندما تتوب بعد سماع الكلمة، فإن هذه الشجرة تُثمر أثماراً تليق بالتوبة.وكلمة الله هي أيضاً تُنقِّي الشجرة كل يوم. وكل يوم تصلِّي وتُسبِّح وترتِّل وتتهلل، فأنت تسقي الشجرة فتنمو إلى فوق. كلمة الله في العهد الجديد هي الدينونة، وهي التعزية والفرح والتهليل. في العهد القديم: الزانية تُرجم بالحجارة؛ أما في العهد الجديد: فالزانية هي نفسي النجسة عندما أُحضرها أمام المسيح كل يوم، وهو قادر أن يُبرِّرها ويُسامحها ويقويها لكي لا تخطئ. كلمة الله هي المذراة، تنقِّي القمح من التبن. أما الإنسان الذي لا يستنير بكلمة الله، فإن نفسه تفسد وتتعفن كما يتعفن التبن مع القمح عندما يُترك بغير تذرية، فلا يصلح للإنسان قمح، ولا للحيوان تبن! لا التبن ينفع، ولا القمح أيضاً يصلح ولا لمزبلة!! هذا هو الإنسان الذي ليست له دينونة في قلبه. في العهد القديم كانت المكافأة خيرات أرضية، أما الدينونة فكانت رجماً بالحجارة. وفي العهد الجديد فالمكافأة تعزيات روحية بالخيرات السماوية، أما الدينونة بكلمة الله التي تدخل القلب فتحكم على الإنسان. الفأس هي البلطة عند الفلاحين. والبلطة هي كلمة الله. إذا دِنْتَ نفسك، تنتقل من الموت إلى الحياة. ? المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
15 سبتمبر 2021

الله غير المحدود

إن الله تبارك اسمه له صفات كثيرة‏,‏ ولكنه في بعض هذه الصفات ينفرد بها وحده‏,‏ فمثلًا صفة الله كخالق‏.‏ فهو وحده الخالق ولا يوجد خالق سواه‏,‏ ومن صفاته التي ينفرد بها وحده أنه غير محدود‏.‏ وقد يوجد إنسان يتصف بالحكمة والمعرفة‏.‏ ولكن الحكمة عند الله غير محدودة والمعرفة غير محدودة. نستطيع بعد هذه المقدمة أن نضع هذه القاعدة, وهي أنه من صفات الله الخاصة به وحده أنه غير محدود, وهو غير محدود في المكان والزمان وفي القدرة وفي العلم وفي المعرفة وفي كل شيء. الله غير محدود من جهة المكان والزمان, فهو موجود في كل مكان, ولا يحده مكان, ولا يسعه مكان. هو في الكون كله: هو في السماء وعلي الأرض وما بينهما. هو في الجو وفي أعماق البحر, السماء هي كرسي الله, والأرض هي موطئ قدميه. هو في كل مكان, حيث يري ما يفعل الناس, ويسمع ما يقولونه. كل إنسان مضبوط أمامه. لا يستطيع أن يختفي. كما يقف البشر أمام الله علي الأرض, هكذا أيضا يقف الملائكة أمامه في السماء, أمامه القديسون يسبحون بطهارة قلوبهم, وأمامه أيضا الأشرار في أماكن شرهم. إن أشعة الشمس تدخل في الأماكن الطاهرة كما تدخل أيضا في الأماكن القذرة لكي تطهرها وتقتل جراثيمها ولا تؤثر عليها قذارتها ولا تتأثر بها.ولأن الله في كل مكان لا نقول إنه يصعد أو يهبط, ولا نقول إنه يمشي أو يتحرك. فإن صعد, إلي أين يصعد؟ وهو موجود من قبل في المكان الذي يصعد إليه! وإن قلنا إنه ينزل إلي مكان ما, فهو بلا شك موجود من قبل في ذلك المكان الذي سوف ينزل إليه, وهو لا يمشي ولا يتحرك. لأنه في كل مكان, لا يفارق موضعا إلي موضع آخر. إنه مالئ الكل, وإن وجدت آيات في الكتاب المقدس تحمل مثل هذا التعبير, فإنها لكي تقرب المعني إلي عقولنا البشرية. أو تعني ظهوره في المكان الذي يقال أنه نزل إليه أو ظهر فيه أو عمل فيه عملا فهو لا يأتي إلي مكان, ولا يفارق مكانا, ولا ينتقل من مكان إلي مكان, لأنه موجود في كل مكان, وفي كل وقت, وهو لا يأتي إلي مكان لأنه موجود في المكان الذي يقال إنه أتي إليه. إنما يظهر فيه, أو يعلن وجوده فيه, فيقال أنه أتي إليه عندما سلم الله وحي الشريعة لموسي علي الجبل, كان في نفس الوقت في السماء وعلي الأرض, وأيضا عندما كل أبانا إبراهيم ودعاه... ويسري هذا المنطق علي كل لقاءات الله مع البشر منذ أيام أبينا آدم وعلي مر الأجيال كلها. إنه غير محدود من جهة المكان.كذلك الله أيضا غير محدود من جهة الزمان. إنه أزلي أي لا بداية له. والأزلية هي من صفات الله وحده لا يشاركه فيها أحد. لأن كل الكائنات الأخرى هي مخلوقات. وكل مخلوق له بداية وقبل تلك البداية لم يكن له وجود.ولأن الله أزلي, فهو واجب الوجود, وهو موجود بالضرورة. فوجوده ضرورة تفسر وجود باقي الكائنات.وكما أن الله أزلي, فهو أيضا أبدي. فهو غير محدود من جهة الزمن, بلا بداية ولانهاية, ولذلك يوصف أيضا بأنه سرمدي. أنه لا يدخل في نطاق الزمن ولا مقاييسه. لأنه فوق الزمان. بل هو خالق الزمن. ونفس هذا الكلام يقال عن عقل الله وروحه. نعم يقال عن عقل الله الذي كل شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء مما كان.وكما أن الله غير محدود من جهة المكان والزمان, كذلك هو غير محدود من جهة القدرة.فمن جهة القدرة نقول: إن الله كلي القدرة, أو أنه قادر علي كل شيء ولهذا نقول: إن كل شيء مستطاع عنده, وأن غير المستطاع عند الناس هو مستطاع عند الله.ومن هنا نؤمن بالمعجزات. وقد سميت المعجزات بهذا الاسم لأن العقل البشري يعجز عن تفسيرها. إنها ليست شيئا ضد العقل, إنما هي فوق مستوي العقل تدخل في قدرة الله غير المحدود.ومن قدرات الله غير المحدودة قدرته علي إقامة الموتى. ليس فقط في إقامة أشخاص معينين من الموت. بل بالأكثر القيامة العامة في أخر الزمان. إقامة كل البشر منذ أبوينا آدم وحواء. بل كل الذين تحولوا إلي تراب, والذين تحللت أجسادهم وامتصتها الأرض. كلهم سيقومون جميعا, ويقفون أمام الله يوم الحساب بأرواحهم وأجسادهم... إنها قدرة غير محدودة يقف أمامها العقل البشري مبهوتًا ومذهولًا.إن الله ليس فقط قادرا علي كل شيء, بل هو أيضا مصدر كل قوة. هو الذي يهب القدرة للملائكة, الذين يستطيعون أن ينتقلوا من السماء إلي الأرض في لمح البصر, والله هو أيضا الذي وهب قديسيه قوة لصنع المعجزات كالقوة التي وهبها لموسي النبي حينما ضرب البحر بعصاه. وكالقوة التي أقام بها إيليا أبن أرملة صرفة صيدا من الموت. إنها معجزات ليست بقوتهم البشرية إنما بقوة الله إن الله القادر علي كل شيء, هو الذي وهب العقل البشري قدرات عجيبة. والله الذي يهب القدرة, هو قادر أيضًا أن يسحبها متى شاء. هو الذي وهب شمشون الجبار قوة جسدية فائقة للوصف. وعندما كسر شمشون نذره بعد أن باح به لدليلة, سحب الله منه تلك القوة. فأذله أعداؤه.الله أعطي القوة للنار أن تحرق. ولكنه في قصة الثلاثة فتية القديسين الذين ألقاهم الفرس في النار, لم يسمح الله للنار أن تؤذيهم, وشعرة واحدة من رؤوسهم لم تحترق.نقول أخيرًا إن الله سمح أن يكون للشيطان قوة. ولكن الله وضع حدودا معينة لقوة الشيطان, كما يظهر ذلك في قصة أيوب البار. وأيضا في التجربة علي الجبل قال الرب أخيرًا للشيطان: أذهب يا شيطان. فذهب ولم يستطع أن يخالف. ولا ننسي المعجزات الكثيرة الخاصة بإخراج الشياطين, ولعل من بينها قصة لجئون. علي أن مصير الشيطان واضح أنه في يد الله الكلي القدرة الذي سيلقيه أخيرا في بحيرة النار والكبريت. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
14 سبتمبر 2021

المسيحية والاستشهاد

إن قصة الاستشهاد هي قصة المسيحية كلها فالاستشهاد والمسيحية صديقين متلازمين لا يفترقان عن بعضهما فالاستشهاد هو قصة الكرازة بالإنجيل في كل العالم لأن الإيمان المسيحي كان ينتشر في كل مكان، وكانت جذوره تدب في أعماق البشرية.. فكان يمتد في المسكونة طولًا وعرضًا وعمقًا، وذلك بشهادة الدم أكثر من الوعظ والتعليم فنجد مُعلِّمينا الكبار بطرس وبولس كليهما استشهد من أجل انتشار الإيمان الأول مصلوبًا منكس الرأس، والآخر بحد السيف، ونالا إكليل الشهادة من أجل تمسكهم بالسيد المسيح وهذا هو الفكر السامي في الكرازة والتبشير في المسيحية أن المبشر والكارز هو الذي يستشهد من أجل الإيمان، وليس مَنْ لا يؤمن بالدين هو الذي تقطع رقبته فلم تعرف البشرية في كل عصورها شهداء مثل شهداء المسيحية من حيث شجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وشجاعتهم واحتمالهم وجدّهم وفرحهم بالاستشهاد فنجدهم يعانقون الموت في فرح وهدوء ووداعة عجيبة تزهل مَنْ يعذبونهم ومضطهديهم!! مما يجعلهم في آخر هذه المرحلة الأليمة يؤمنون بالسيد المسيح الذي يعبده النصارى، عندما يرون إيمانهم وجدّهم واحتمالهم للعذابات لآخر نَفَس!! فقد وجدنا "إريانوس" أشرس الولاة الذين قاموا بالتفنن في تعذيب المسيحيين، وكل مَنْ احتاروا في أمره أوصلوه إلى إريانوس القاسي القلب فتارة يعذبهم بالهنبازين، وتارة بالحرق، وتارة بتعليقهم على ساري المركب، وتارة أخرى بتمشيط أجسادهم ثم وضعهم في جير حي وتبارى في أنواع التعذيب. وأخيرًا نجد إريانوس هذا يؤمن بالسيد المسيح بل ينال إكليل الشهادة من أجل إيمانه!! يا ترى ما هو السبب في ذلك؟! وما الذي جعل الشهداء يحتملون هذا العذاب؟ لقد نظروا إلى العالم نظرة وقتية.. فهذا العالم الفاني لا يُقاس بالحياة الأبدية التي سوف يحيون فيها.. وذلك لأنهم عاشوا الإنجيل وتعاليم الآباء الرسل"لأنَّ خِفَّةَ ضيقَتِنا الوَقتيَّةَ تُنشِئُ لنا أكثَرَ فأكثَرَ ثِقَلَ مَجدٍ أبديًّا.ونَحنُ غَيرُ ناظِرينَ إلَى الأشياءِ التي تُرَى، بل إلَى التي لا تُرَى لأنَّ التي تُرَى وقتيَّةٌ، وأمّا التي لا تُرَى فأبديَّةٌ" (2كو4: 17-18) وقد عاشوا حياة الغربة على الأرض، وشعروا أنهم غرباء ونزلاء في هذا العالم فالنزيل أو الغريب لا يمكنه أن يمتلك شيئًا إلاَّ في وطنه وفي أرضه "أيُّها الأحِبّاءُ، أطلُبُ إلَيكُمْ كغُرَباءَ ونُزَلاءَ، أنْ تمتَنِعوا عن الشَّهَواتِ الجَسَديَّةِ التي تُحارِبُ النَّفسَ" (1بط2: 11) إن حياتنا على الأرض مهما طالت فلا بد أن نرجع إلى وطننا السماوي مستقرنا الأخير بيتنا الأصلي، وإلى ميراثنا المحفوظ لنا في السموات وهذا ما أكّده لنا مُعلِّمنا بولس عندما قال "في الإيمانِ ماتَ هؤُلاءِ أجمَعونَ، وهُم لم يَنالوا المَواعيدَ، بل مِنْ بَعيدٍ نَظَروها وصَدَّقوها وحَيَّوْها، وأقَرّوا بأنَّهُمْ غُرَباءُ ونُزَلاءُ علَى الأرضِ" (عب11: 13) وقد شعروا أن هذا العالم قد وُضع في الشرير، وأن الحياة فيه كلها حزن وألم وضيق ولكن هذا الضيق والألم سرعان ما سوف يتحول إلى فرح، عندما نصل إلى السماء وهذا ما قاله السيد المسيح له المجد "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ إنَّكُمْ ستَبكونَ وتنوحونَ والعالَمُ يَفرَحُ أنتُمْ ستَحزَنونَ، ولكن حُزنَكُمْ يتحَوَّلُ إلَى فرَحٍ" (يو16: 20) ولمعرفتهم أيضًا أن نهاية ضيقات وأحزان وآلام هذا العالم الذي نعيش فيه سوف تؤول إلى مجد عظيم في السماء ولذلك صبروا واحتملوا الآلام مُفضلين الضيقات الأرضية التي تؤهلهم إلى المجد السماوي الذي لا يوصف عاملين بما ذكره مُعلِّمنا بولس الرسول "صادِقَةٌ هي الكلِمَةُ: أنَّهُ إنْ كُنّا قد مُتنا معهُ فسَنَحيا أيضًا معهُ إنْ كُنّا نَصبِرُ فسَنَملِكُ أيضًا معهُ" (2تي2: 11-12) "فإني أحسِبُ أنَّ آلامَ الزَّمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمَجدِ العَتيدِ أنْ يُستَعلَنَ فينا" (رو8: 18) ولذلك زهدوا كل شيء في أيديهم وفي العالم، عائشين حياة التجرد والاختلاء من كل ممتلكات العالم، سائرين على خُطى بولس الرسول الذي قال "لأنَّنا لم نَدخُلِ العالَمَ بشَيءٍ، وواضِحٌ أنَّنا لا نَقدِرُ أنْ نَخرُجَ مِنهُ بشَيءٍ فإنْ كانَ لنا قوتٌ وكِسوَةٌ، فلنَكتَفِ بهِما" (1تي6: 7-8) وذلك لأن مُعلِّمنا بولس اعتبر أن الغنى هو غنى الروح وليس الجسد(أي الغنى الروحي وليس الجسدي)لذلك اشتهوا أن ينطلقوا من الجسد لكي يكونوا مع المسيح "ليَ اشتِهاءٌ أنْ أنطَلِقَ وأكونَ مع المَسيحِ، ذاكَ أفضَلُ جِدًّا" (في1: 23). وما شجعهم على هذا هو قول السيد المسيح " في بَيتِ أبي مَنازِلُ كثيرَةٌ، وإلاَّ فإني كُنتُ قد قُلتُ لكُمْ أنا أمضي لأُعِدَّ لكُمْ مَكانًا، وإنْ مَضَيتُ وأعدَدتُ لكُمْ مَكانًا آتي أيضًا وآخُذُكُمْ إلَيَّ، حتَّى حَيثُ أكونُ أنا تكونونَ أنتُمْ أيضًا" (يو14: 2-3) من أجل هذا اشتهى آباءنا القديسين الاستشهاد لأنه هو الذي يُؤهلهم لهذا اللقاء مع عريسهم السمائي،وقد فعلوا كل ذلك من محبتهم العجيبة للسيد المسيح، مُفضلين الحياة معه عن سواه،واضعين أمام أعينهم الآية القائلة "مَنْ أحَبَّ أبًا أو أُمًّا أكثَرَ مِني فلا يَستَحِقُّني، ومَنْ أحَبَّ ابنًا أو ابنَةً أكثَرَ مِني فلا يَستَحِقُّني" (مت10: 37)فكانت حياتهم في الجسد وليست للجسد، وحياتهم في العالم وليست للعالم عاشوا في العالم دون أن يعيش العالم في داخلهم وفي قلبهم لذلك أحبوا الموت أفضل من الحياة في الخطية سفكوا دمائهم من أجل محبتهم في الملك المسيح الذي بذل نفسه على عود الصليب من أجلهم. فيا إلهنا الصالح.. الذي أعنت آباءنا الشهداء على احتمال الآلام والعذابات من أجل تمسكهم باسمك المبارك أعنَّا نحن أيضًا لكي نستطيع أن نشهد لاسمك القدوس المبارك ونقدم للكل مَثلًا حيًا للإنسان الذي يشهد للمسيح في كل مكان ليروا أعمالنا الصالحة فيمجدوك أنت الذي لك كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
13 سبتمبر 2021

موقف المسيحيين في وسط العالم في أيام الاضطهاد

عدم مقاومة الشر:- تلخَّص موقف المسيحيين في عدم المُقاومة ولا حتى ظِل المُقاومة، وبالطبع دون أي مُقاومة مُسلحة.التزم المسيحيون تجاه الاضطهاد المُنظَّم ضدهم بالتطبيق المُباشِر والبسيط لمبدأ ”لا تُقاوموا الشر“ فتركوا أنفسهم بهدوء وتسليم للإبادة وأحنوا رؤوسهم ورِقابِهِم للسيف لا صاغرين بل فَرِحين غالبين الآلام، الأمر الذي أدهش الوثنيين.وعندما أدركتهم الضيقات قبلوا الموت بقلب راضِ وأحنوا رؤوسهم للسيَّاف بلا مُقاومة ولا حتى مُجادلة، وهم شاكرين قابلين الآلام، حتى ارتجف الجنود من شدة إيمانِهِم.تعال لترى معي إستفانوس العظيم رئيس الشمامسة وأول الشهداء ماذا قال لراجميه؟ ”يارب لا تقِم لهم هذه الخطية“.فكما غفر المسيح ربنا ورب الجميع لصالبيه لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، هكذا فَعَلْ إستفانوس شهيد المسيحية الأول، وهكذا سلك كل شهود وشُهداء المسيح.. شهادِة الحق بوداعة، شهادِة الدم بلا مُقاومة ولا حتى مُجادلة.إنَّ الاضطهاد والآلام هِبة وهدية مُقدمة من الرأس إلى أعضاء جسدهِ حتى تنمو الكنيسة بلا مُقاومة ولا إكراه، بل بالحب والكرازة وبشارِة الفرح. الصلاة:- كانت الصلاة هي حصنهم المنيع سواء الصلاة الفردية أو الصلوات الجماعية (الليتورچيَّة)، لأنها سلامهُم الوحيد، مواظبين على الصلوات مُدركين وِحدتهم الروحية مع رب المجد يسوع وفي ذلك كمال الفرح وكثرِة التعزية فأي فرح يشملنا لأننا شُركاء المسيح ومن أجله نتألم!!.. ”نالني ضيق وحُزن وباسم الرب دعوت“ (مز 116).حتى أنَّ كثير من الشهداء صلُّوا لكي ينالوا عطيِة الشهادة فنالوها، وصلُّوا لكي يهِبهُم الله روح النُّصرة عندئذٍ رأوا ولمسوا عمل الله في شهادتِهِم، واقترنت العبادة بحدوث المُعجزات والعجائِب، بنعمة الرب العاملة فيهم. ازدهار الكِتابات اللاهوتية والروحية:- في عصور الاستشهاد، صاحب الصلوات والعبادة ازدهار الكِتابات اللاهوتية والروحية لأنَّ الآلام والاضطهاد كما قال القديسون هي بمثابِة معصرِة العنب أو فرك الزهور ذات الرائِحة الطِّيِبة فهي تُسفِر عن رؤية روحية ومعرفة إلهية لأعماق حقائِق الإيمان... لذا نجد الآباء المُلتمسين أو المُدافعين Apologists مثل أكليمنضُس السكندري والعلاَّمة أوريجانوس وهيبوليتيس والبابا ديونيسيوس السكندري وخُلفائِهِم وتلاميذِهِم الذين ازدهرت كتاباتِهِم اللاهوتية والدفاعية وكذا رسائِلهم مثل رسائِل كبريانوس وأوريجانوس (الحث على الاستشهاد) والمُدافِع ترتليان (ترياق العقرب Scorpiacum)، ودِفاعات لكتانتيوس ويوستين الشهيد وغيرِهِم من الآباء الذين تركوا لنا تُراثًا حيًا. المحبة:- إنَّ الثبات والاحتمال والوداعة التي أثبتها المُعترفون والشهداء بلا استثناء أمام أعدائِهِم، كانت خبرة المحبة المسيحية الحقيقية لم يثوروا ولم يتمردوا، بل أحبَّ الشهداء أعدائِهِم، وشهدوا بمحبتهم قبل أن يشهدوا بدمائِهِم وصمودِهِم وصبرِهِم ووداعتِهِم، فالتزم الكل بأعمال المحبة وهم في عمق أتون الاضطهاد، ومحبة لكل المُضطهدين والمُقاومين، فغلبوا بمحبتِهِم مُعذبيهم الذين اقتبلوا الإيمان لمَّا رأوا ولمسوا محبة شُهداء المسيحية، الذين حسبوا العالم كله نِفاية من أجل فضل معرفة الله، وحسبوا الشتائِم منفعة لهم، والاضطهادات بركة الحياة وشهادِة الدم أقصر طريق للأبدية.فالاستشهاد حُب مُنسكِب بالروح القدس في قلب الشهيد، حُب لرب المجد يسوع، وحُب للمُضطهدين والمُضايقين، فكثيرون قد تُسفك دمائِهِم وليس لهم نصيب مع الشهداء وكثيرون لم تُسفك دمائِهِم يُشارِكون الشهداء أكاليلهم.إنَّ هناك قُوة جبارة دفعت شُهداءنا لقبول الآلام، تلك هي المحبة التي جعلتهم يتقدمون الصفوف، وهناك من كانت قلوبهم تلتهِب حُبًا نحو الرب، ولم تُتَح لهم فرصة لسفك دمائِهِم.لقد أحبوا فاستحقوا، ولم يفصلهم عن محبة المسيح لا عُلو ولا عُمق ولا خليقة أخرى... فغمرتهم محبِة الفادي ليشهدوا حتى الدم لمحبتهم من أجل الرجاء العتيد. الارتباط السري بين الصلاة وقبول الآلام:- يظُن البعض أنَّ الاستشهاد عمل بطولي مثله في هذا مثل الأعمال البطولية الأخرى في كافة الميادين... لكن الاستشهاد المسيحي يتميز بأنه شَرِكة حقيقية مع آلام رب المجد يسوع المُتألِم... فالصلاة تنتعِش وتزكو رائِحتها في معصرة الاضطهادات إذا كانت بحق شَرِكة في الآلام والعذابات فهل نحن الآن نعيش بنفس الروح الإنجيلية الآبائية والرسولية التي تسلمناها في بدايِة المسيحية؟ هل نعيش ببساطِة الإيمان بقوة الروح وخبرِة المخافة وقبول الألم بشكر وصلاة؟ هذا الاختبار السرِّي اجتازه المسيحيون الأوائِل ببساطة لذلك تمجَّد الله في آلامهم وعذاباتهم وأظهر لهم قُّوته ومجده، حتى أنه كلما كان اضطهادهم شديدًا كلما كان عيدهم بهيجًا، وكان المكان الذي يذوقون فيه أشد العذابات لابد أن يُقيموا فيه أهم الاحتفالات ولقد ميَّز المسيحيين ظاهرتان واضحتان، هما شهوِة الاستشهاد ومحبة البتولية، تلك الروحانية العميقة التي عاشوها والسمو العجيب الذي حققوه باحتقار الجسد فحيث الاستشهاد لابد أن توجد الطهارة، لذلك كانت الحياة الرهبانية هي ظِل الاستشهاد، وجاءت الرهبنة بعد عصر الاستشهاد مباشرةً، وكأنَّ الاستشهاد والشهادة لم تنتهي... بل مستمرة وحتى مجيء ربنا يسوع الثاني ليأخذ كنيسته.وأكَّد الاستشهاد على صِدق الإيمان المسيحي فلو أنه مجرد خُرافات مُصطنعة لِمَا قدَّم هؤلاء الشهداء دماءِهِم رخيصة من أجل محبة الملِك المسيح، هو تألم وهم يتألمون من أجله. الاستعداد للآلام بفرح:- كانت نفسية الشُهداء والمُعترفين فَرِحة وشُجاعة واثقة، تسندهم المعونة الإلهية التي وعد الله بها جميع المُضطهدين من أجل اسمه (لو 21: 21).لقد أحس المُعترفون بشرف تألُّمهم (في 3: 10؛ كو 1: 24) مُتطلعين إلى المجد العظيم الذي ينتظرهم وينتظر جميع الذين يُحبون ظهوره أيضًا.. وقد تعزُّوا من الرؤى العظيمة المُشجعة، والتي جعلتهم يرون أكاليلهم ويتطلعون لميراثهم الأبدي حيث المسكن المُستعِد في المدينة التي لها الأساسات.لقد استعذبوا الألم وسعوا ورائه، فبهروا العالم كله لا في قبولهم الآلام واحتمالهم العذابات المُرَّة، بل بفرحِهِم بها وشكرهم عليها وسعيهم ورائها كعطية، فحوَّلوا السجون إلى كنائِس يُسمع فيها صوت التسبيح... ليُعطينا الرب أن نفرح في الضيق وأن نُسبِّح في الألم، عالمين أننا نتألم لنتمجَّد كثير من الأُمهات كُنَّ يرفُضنَ الاستشهاد، إلاَّ بعد الاطمئنان على استشهاد أبنائِهِنَّ أمام أعيُنهِن خوفًا عليهم من البقاء بين الوثنيين، وكثيرون أرسلوا يُشجعون أقربائِهِم في السجون ويحسدونهم على نعمة الاستشهاد، حقًا إنَّ الآلام صعبة لكن الانشغال بالمسيح الإكليل واللؤلؤة يُعطي للألم لذة وللنَّفْس سلام وثبات لقد عانق الشُهداء الموت في فرح وهدوء وتسليم عجيب أذهل مُضطهديهم، بعد أن أيقنوا حلاوة المجد الأبدي والميراث الذي ينتظرهم.ويُمكننا أن نقول أنَّ كل من تمتَّع بخلاص الله العجيب اتحد بالمُخلِّص المصلوب يُصلب عن العالم، ومن مات عن العالم تمتَّع بالعِشق الإلهي والفرح. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج عن كتاب الاستشهاد في فكر الآباء
المزيد
12 سبتمبر 2021

الشهادة والاستشهاد

الشهادة والاستشهادالحياة المسيحية هي حياة الشهادة العملية للسيد المسيح؛ فلا يُحسب الإنسان مسيحيًا إن لم يشهد للمسيح في حياته اليومية وتعاملاته مع الناس وتفاعلاته مع الأحداث وأقواله وتصرفاته «أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ» (إشعياء 43: 10).1- نشهد بإيماننا بوجود ووحدانية الله.. «فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلهٌ غَيْرِي؟» (إشعياء 44: 8). وشهادة الإيمان لا يمكن أن تكون إلاّ بطريقة عملية مُعاشة «...أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي» (يعقوب 2: 18).2- ونشهد بألوهية وربوبية الرب يسوع المسيح: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا...» (أعمال 1: 8).3- ونشهد بقيامة السيد المسيح من الأموات وهي حجر الأساس في إيماننا المسيحي: «فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذلِكَ» (أعمال 2: 32؛ 3: 15؛ 10: 39-41).4- ونشهد لحياة السيد المسيح.. «وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ» (أعمال 10: 39). وشهادتنا لحياة المسيح تكون بأن نتبنى منهجه الإلهي المقدس في سلوكنا اليومي، لأنه له كل المجد تجسد وعاش وتألم ومات من أجلنا «تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (بطرس الأولى 2: 21). وعندما نعيش تعاليم السيد المسيح عمليًا نثبت للعالم كله صدق الإنجيل وسمو تعاليمه المُقدَّسة؛ فالشهادة للمسيح تتضمّن أن نملأ العالم بالحب والتسامح والغفران وقبول الآخر ومشاركة الكل في أفراحهم وأحزانهم بكل المشاركة القلبية.. «فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ» (رومية 12: 15). وأيضا بعدم الشماتة في سقوط عدوك «لا تفرَحْ بسُقوطِ عَدوِّكَ، ولا يَبتَهِجْ قَلبُكَ إذا عَثَرَ» (أمثال 24: 17).5- والإنسان المسيحي عنده استعداد أن يقبل العذاب والخسارة وأن يموت من أجل الإيمان؛ وإن خيّروه بين النجاة أو الموت يختار الموت والخسارة: «وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ» (عبرانيين 11: 35).6- والشهادة للمسيح تتضمّن أن نقبل بكل سرور اعتداء الآخرين علينا دون أن نرد العداوة بعداوة بل بالعكس يُظهر المسيحي قوته وفضيلته بهزيمة الشر.. «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرٍّ...» (رومية 12: 17). «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 12: 21). «لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا» (متى 5: 39). «أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ» (يوحنا الثالثة 1: 11).وقديمًا قال الآباء: "أظهر أنت علامة نقاوة قلبك بمقابلة الشر بالإحسان".والمسيحي لا يمكن أن يعتدي على أي شخص أو أي من خليقة الله، حتى البهائم والطيور والطبيعة الجامدة لا يجب أن تُفسَد أو يُعتدى على جمالها فالكتاب المقدس يعلمنا أن «الصِّدّيقُ يُراعي نَفسَ بَهيمَتِهِ، أمّا مَراحِمُ الأشرارِ فقاسيَةٌ» (أمثال 12: 10).تعالوا أحبائي ننشر سلام المسيح في أرضنا الطاهرة مصرتعالوا نعلن محبة المسيح لكل إنسانتعالوا نشهد لصدق وأمانة الإنجيلولو أدّى الأمر أن نموت من أجل هذا الانجيل الذي يعلن سلام الله مع البشر، فليكن وبكل سرور ومن أجل خير القاتلين لنا، كما مات المسيح من أجل خير الصالبين بل وكل البشر. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
11 سبتمبر 2021

عيد النيروز... عيد الشهَداء

بدأ الاستشهاد ببدء المسيحية. وكان أول شهيد هو القديس اسطفانوس أحد الشمامسة السبعة والذي تضعه الكنيسة في مجمع القديسين قبل كل الآباء البطاركة.وتوالى الاستشهاد حتى شمل جميع الآباء الرسل ما عدا القديس يوحنا الحبيب الذي نالته عذابات كثيرة ولكنه لم يمت شهيدًا.أما عن الاستشهاد في مصر، فقد كان أول شهيد هو القديس مارمرقس الرسول، ثم كثر عدد الشهداء جدًا، وشمل أيضًا النساء والأطفال. ونذكر من بين هؤلاء القديسة الأم دولاجي وأبناءها الذين ذُبِحوا على حجرها وهي تشجعهم. ونذكر أيضًا القديسة يوليطة وابنها قرياقوص. ونذكر أيضًا الطفل أبانوب.ولكن الاستشهاد بلغ ذروته في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي حكم من سنة 284م. وكان الاستشهاد يشمل أحيانًا مدنًا بأسرها ولذلك جعلت الكنيسة القبطية تقويمها (تقويم الشهداء) يبدأ من سنة 284م على الرغم من أن الاستشهاد بدأ من القرن الأول. وذلك لأنه من ذلك التاريخ بدأ الاستشهاد الجماعي. سواء من قسوة وعنف الحكام، أو من رغبة الكثيرين في أن ينالوا إكليل الشهادة.ونذكر بهذه المناسبة 30000 شخصًا خرجوا للاستشهاد وهم يرتلون فرحين في الطريق من دمنهور إلى الإسكندرية لكي ينالوا بركة الاستشهاد.ومن محبة الناس للاستشهاد، ما أكثر الكتب التي صدرت تحت عنوان (حثّ على الاستشهاد). وأصبح الاستشهاد في المسيحية عبارة عن شهوة، شهوة الموت من أجل الرب ومن أجل الإيمان. وهنا نذكر قول بولس الرسول «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» (في1: 23).كان الناس يستهينون بالألم، ويرون أن الموت بالاستشهاد هو أقصر طريق يوصّل إلى الفردوس، وإلى اللقاء مع الرب. لذلك كانوا فرحين بالموت. ولا يخافون إطلاقًا من عذاب الاستشهاد. بل يرونه بركة أكبر.ونحن إن كنا نحتفل بعيد الاستشهاد يوم عيد النيروز، فإننا لا ننكر أبدًا أننا نحتفل بذكرى الشهداء كل يوم. وفي هذا المجال نشكر كل الشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كتب لنا سير الشهداء. حيث كان يجمع أجسادهم المقدسة ويكتب سيرة كل منهم على قدر ما أمكنه ذلك.+ ووراء الاستشهاد توجد دوافع روحية كثيرة: منها الإيمان العميق بالسيد المسيح، وأيضًا الإيمان بالحياة الأخرى أي الحياة بعد الموت. هذه الحياة التي كان يرقبها الشهداء بكل قلوبهم وبفرح لا يُعبر عنه.وطبعًا كان يدفعهم إلى الاستشهاد محبة الرب الذي قال «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ..» (يو15: 13)، فكم بالأولى إن كان يضع نفسه من أجل الله.وحلقة الاستشهاد كان يمتزج بها كذلك الزهد في العالم الحاضر وكل ما فيه. بل سادت أيضًا حركة من البتولية التي قال فيها القديس بولس الرسول: «فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ» (1كو7: 32)، يقصد أنه -والاستشهاد قادم بسبب أعداء الإيمان- لا يكون للإنسان وقت ذلك في هَمٍّ من جهة أسرته وأولاده وبيته.ومما شجَع أولئك القديسين على الرغبة في الموت، نعمة كبيرة كانت تحيط بهم وتقوّيهم وتعطيهم قدرة على الاحتمال. وتعطيهم شجاعة كبيرة في التقدم إلى الاستشهاد. كذلك ما حدث من معجزات كثيرة تقوّي الإيمان.والكنيسة في تلك الأيام أعدت أولادها للاستشهاد بما عمّقته في قلوبهم من محبة الإيمان ومن شهوة الحياة الأخرى. وكذلك اهتمت الكنيسة برعاية أسر الشهداء حتى لا يحاربهم القلق من هذه الناحية.إننا نذكر من بين الشهداء لونجينوس القائد الذي طعن المسيح بالحربة، وآمن واُستُشهد. ونذكر أيضًا أريانوس والي أنصنا الذي كان من أقسى الولاة وآمن واستشهد. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
10 سبتمبر 2021

الملك الألفي (2)

ونحن نصلي دائمًا: «لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ» (مت٦: ١٠) أي ليملك المسيح على قلوب البشر.- هذا الملكوت المُسترَّد من إبليس، دُفِع فيه ثمن عظيم: «لِأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ للهِ» (١كو٦: ٢٠)؛ «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لَا بِأَشْيَاءَ تَفْنَى ، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلْآبَاءِ ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ» (١بط١: ١٨-٢٠)؛ «فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا بِٱلْجَسَدِ.... لِكَيْ لَا يَعِيشَ أَيْضًا ٱلزَّمَانَ ٱلْبَاقِيَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ ٱلنَّاسِ ، بَلْ لِإِرَادَةِ اللهِ» (١بط٤: ١-٢)؛ «لِأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، فَٱلْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلْأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لَا لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لِأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (٢كو٥: ١٤-١٥).- لقد صرنا له، نحن مملكته، نعيش له ولإرادته.طبعًا لا يمكن أن نظن أن الثمن العظيم قد دُفِع للشيطان، فهو مُغتصِب، وليس له حقوق، بل الثمن هو "الموت" الذي ماته السيد المسيح نيابةً عنا.- ونتيجة هذا الموت تم القبض على الشيطان وتقييده لمدة ألف سنة (رقم رمزي يدل على الأبدية كما سيرد بعد قليل).«وَرَأَيْتُ مَلَاكًا نَازِلًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لَا يُضِلَّ ٱلْأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ ، حَتَّى تَتِمَّ ٱلْأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لَابُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا» (رؤ٢٠: ١-٣).- هذه الألف سنة لا يمكن فهمهما أنها سنوات يملك فيها السيد المسيح على الأرض، لأنه سبق وأعلن أن: «"مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ. وَلَكِنِ ٱلْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا". فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟". أَجَابَ يَسُوعُ: "أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي"» (يو١٨: ٣٦-٣٧).وقد رفض السيد المسيح رغبة اليهود في أن يجعلوه ملكًا «وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، ٱنْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى ٱلْجَبَلِ وَحْدَهُ» (يو٦: ١٥).بل بالعكس، تكلم عن ملكوت سمائي عند الآب، يجهزه لنا: «فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلَّا فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا ، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو١٤: ٢-٣).خاصة وأن «لَيْسَ مَلَكُوتُ ٱللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلَامٌ وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (رو١٤: ١٧).يقول القديس أغسطينوس في رده على أناس اعتقدوا أن ملكوت المسيح أرضي: "لن يكون هناك مجيء للمسيح قبل ظهوره للدينونة؛ لأن مجيئه حاصل بالفعل الآن في الكنيسة، وفي أعضائنا. أما القيامة الأولى فهي مجازية تشير إلى التغيير الذي يحدث في حالة الناس عندما يموتون في الخطية، ويقومون لحياة جديدة. فالحكم الألفي للمسيح على الأرض قد بدأ بيسوع نفسه في الكنيسة، والقديسيون يحكمون فيها." - ورقم (ألف) هو رقم رمزي، لا يمكن أن يُفهم بطريقة حرفية «أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (٢بط٣: ٨)، خاصة وأن ملكوت السيد المسيح ملكوت أبدي، فكيف نحدُه في ألف سنة؟ «فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْأُمَمِ وَٱلْأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ» (دا٧: ١٤)؛ «وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لو١: ٣٣).+ إذًا المُلك الألفي هو ما نعيشه الآن منذ الصليب، وحتى المجيء الثاني.«سَأَلَهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ: "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللهِ؟". أَجَابَهُمْ وَقَالَ: "لَا يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللهِ بِمُرَاقَبَةٍ ، وَلَا يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لِأَنْ هَا مَلَكُوتُ ٱللهِ دَاخِلَكُمْ"» (لو١٧: ٢٠-٢١). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
09 سبتمبر 2021

الملك الألفي (1)

يؤمن بعض المسيحيين، أن السيد المسيح سيجيء على الأرض، ويملك ملكًا زمانيًا، لمدة ألف سنة! ويفسّرون أحداث المجـــــــــــيء الثاني بطريقة معقدة جدًا، يمكن تلخيصها -بحسب رأيهم- في:١- يأتــــــــــي المسيــــــــــــــح ســــــــــــــرًا ليخطف المؤمنين. ٢- يأتي ضد المسيح، تحدث الضيقة العظيمة.٣- يؤمــــــــــــــن بعــــــــــــــض اليهود بالمسيح، أثناء الضيقة العظيمة.٤- يجتمع الأشرار لعمل حرب ضد اليهود الذين آمنوا.٥- يأتي الرب يســـــــــوع ليدمر الأشرار، وينقذ اليهود، ويملك على الأرض لمدة ألف سنة. ٦- حلّ الشيطان من قيـــــــوده، والارتداد العظيم، ويصنـــــــــــع الأمم حربًا مع المسيح؛ فيغلب المسيح الشيطان ويطرحه في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.٧- المجيء الأخير للدينونة.+ ونحــــــــــــــــــــــن - الكنيســــــــــــــــــــــة الأرثوذكسية- لا نؤمن بكل هذا التعقيدات، فأحداث مجيء المسيح، والاختطاف، والدينونة العامة، كلها ستحدث في لحظة واحدة، يسبقها كل أحداث ماقبل المجيء الثاني، كما سيتبين في هذا البحث. ونؤمن أن مُلك السيد المسيح (الألفي) على البشر بدأ من يوم الصليب. ولكي ندرك هذه الحقيقة الإيمانية، علينا أن نتتبع القصة من الأول بتدقيق.١- بسبب خطية آدم، سقط الانسان تحت سلطان الشيطان، والموت، والفساد. «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ ، وَهَكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ... لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ بِٱلْوَاحِدِ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيرًا ٱلَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ ٱلنِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ ٱلْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي ٱلْحَيَاةِ بِٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!» (رو٥:12 و١٧).٢- بسبب خضوع الإنسان له، صار الشيطان رئيسًا لهذا العالم وإلهًا لهذا الدهر، ليس عن استحقاق، لكن عن اغتصاب لحق ليس من حقوقه. «ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللهِ» (٢كو٤:٤)؛ «اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجًا» (يو١٢:٣١)؛ «لَا أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ» (يو١٤:٣٠)؛ «وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ» (يو١٦:١١). وصار سلطان الشيطان، ليس على البشر فقط، بل وأيضًا على الخليقة كلها. بسبب أن الإنسان هو سيد ورئيس خليقة الله «إِذْ أُخْضِعَتِ ٱلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ -لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِي أَخْضَعَهَا- عَلَى ٱلرَّجَاءِ» (رو٨:٢٠).٣- جــــــــاء السيد المسيـــــــح؛ ليحررنا من سلطان الشيطان - فـ: «أسلم ذاته -فداءً عنا- إلى الموت الذي تملّك علينا، هذا الذي كنا مُمسَكين به، مَبيعين من قبل خطايانا» (القـــــــــــــداس الباسيلـــــــــي). ووسيلة هذا التحرير هي الصليب، الذي به اُستُرِدت مملكة الله من الغاصب الظالم «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا ، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ -خَوْفًا مِنَ ٱلْمَوْتِ- كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عب٢:١٤-١٥).- سقط الشيطان، وفقد سلطانه على البشــــــــــــر والخليقــــــــــــــــة «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَـــــــــرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لو١٠:١٨)، وهزم المسيح الشيطان، وأشهره جهارًا «وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا ، إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ» (كو٢:١٣-١٥).- وصار المسيح ملكًا صالحًا، يملك علـــــــى قلــــــــــوب من يقبلونـــــــه «ٱلـــــــــرَّبُّ قَـــــــــــــدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ فَلَا تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلِٱسْتِقَامَـــــــــــةِ» (مز٩٦:١٠)؛ «مَلَكَ الربُّ على خشبة» (النص القبطي من السبعينية). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
08 سبتمبر 2021

علامات نهاية الزمان

كما سمعتم الأنجيل ..أنجيل معلمنا مارمرقس وهو يتكلم عن علامات نهاية الزمان ويعطينا تقرير كامل عن ما سيكون في نهاية الزمان وفصل الأنجيل النهارده يستحق القراءة في كل يوم لأجل ان ينتبه الإنسان وآخر كلمة في هذا الفصل تقول “إسهروا ” يعني خدوا بالكوا …أريد أن أتأمل معكم في 3 آيات وردت في العهد الجديد ولها سمة مرتبطة ببعضها البعض من السمات الجميلة أن بعض الآيات الكتاب المقدس التي علمها لنا الرب يسوع أن نصف الآية الأول هنا على الأرض والنصف الاخر يكتمل في السماء يعني الآيه تربط بين السماء والأرض نصها الأول يتحقق على الأرض تجدد النصف الثاني يكنمل في السماء إخترت لكم ثلاثة آيات – طبعا الكتاب المقدس به العديد من الآيات من هذا القبيل لكني إخترت لك ثلاثة آيات من الممكن ان يرسموا طريق روحي لك 1) أول آية التي قالها السيد المسيح في العظة على الجبل “طوبى للمساكين بالروح لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات” 2) والآية الثانية يقولها في مسيرة حياة الأنسان “لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم فد سر أن يعطيكم الملكوت” 3) والآية الثالثة في سفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب المقدس يقول : “كن أمينا للموت فسأعطيك إكليل الحياة” تعالوا نعمل رحلة سريعة ونربط بين الثلاث آيات في حياتنا الروحية: الآية الأولى : طوبى للمساكين بالروح وهذه هي بداية الطريق المساكين بالروح هم أصحاب الأتضاع. والإتضاع كما علمنا الآباء هو الأرض التي تحمل كل الأثمار. وإتضاع الأنسان هو الذي يحرسه ويحرس حياته الروحية. تصور إنسان بلغ في القداسة علو كبير وبلغ في النقاوة …لكن بلا إتضاع يضيع هذا كله. من اجل هذا عندما فال السيد المسيح تعلموا مني ..نتعلم ماذا وماذا منك يا رب ؟ كل ما هو جميل لديك. يقول تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب … أي أن هذه هي النقطة الأساسية ..لماذا؟ لأنها بداية الأنسان والتي تحرس الفضيلة فيه. عندما تكون متضعا هذا الأتضاع يحرس النعم التي يعطيها الله لك. ولماذا يعطينا الله نعم؟ ليختبرنا هل عندما تأخذ هذه النعمة تتكبر أم أنها تزيدك إتضاعا. من التقاليد الموجودة في إديرتنا بمصر إن باب القلاية يجب ان يكون منخفض فعندما يدخل الراهب يجب أن ينحني لكي يتذكر الراهب في دخوله وخروجه الأتضاع. وعندما ينحني ينظر للتراب قديما لم يكن هناك بلاط أو موكيت …كان تراب ورمل فيتذكر أنه من التراب أخذ والى التراب يعود. طالما الانسان بيفكر هكذا ويعرف حياته جيدا …يبقي ماشي في مسيرة الحياة بطريقة ترضي الرب يسوع المسيح. تعالوا ننظر الى حياة سليمان الحكيم والنبي أعطاه الله أمور كثيرة في حياته كل النعم أعطاه له لكن في الحقيقة كثرة النعم جعلته ينحرف بقلبه وعندما أبتدأ أن يتيقظ كتب سفر الجامعة وبه قال باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس. إتضاعك يعطي معنى لحياتك وجميل جدا التعبير الذي يستخدمه السيد المسيح “طوبي للمساكين بالروح” روحك بها مسكنة ونحن نصلي في مزمور التوبة “القلب المنكسر لا يرذله الله” من أجل هذا من طقوس الصلوات التي نستخدمها هو طقس المطانية. فهي عبارة أن الأنسان يقف ويتلو صلاة صغيرة ياربي يسوع المسيح ثم يسجد الى الأرض. …كانه يعترف أمام الله أن خطيته أنزلته للأرض ويكمل صلاة توبته أرحمني أنا الخاطئ فهي صلاة توبة أول مبدأ تضعه أمامك أنت تخطط للسنة الجديدة “طوبى للمساكين بالروح”…اللي يعيش بالأتضاع له نصيب في السماء اللي يبعد عن الأتضاع يروح نصيبه اللي في السما….هذه نمره واحد…البداية الآية الثانية: مسيرة حياة الانسان بها أشياء تجعله يخاف…متاعب تقابل الأنسان وبها الشيطان الذي يحارب والعالم الذي يغري والذات التي توقع الأنسان في فخاخ عديدة …يقول له المسيح لا تخف أيها القطيع الصغير …كن دائما واثق من يعطيك هذا الوعد هو شخص المسيح نفسه. ويعطيه لك بصفة فردية حتى لو كنت قليل أو صغير أو لوحدك …لماذا؟ لأن لك أب يسر أن يعطيك الملكوت. طالما تسير في إتضاع في حياتك ستجد نصيبك السماوي في إنتظارك. نحن نصلي الصلاة الربانية “ليأتي ملكوتك” كلنا مشتاقين لهذا الملكوت يا رب. أحيانا الأنسان في حياته الروحية يخاف. خوف من امور كثيرة من المستقبل من المرض من مشاكل في الإمتحان كيفما يكون لكن وجود رفقة المسيح ينزع كل خوف. بعد القيامة كان التلاميذ خائفين جدا وكانوا في العليقة مقفلين الأبواب والشبابيك …لا يعلموا ما هذا الذي حدث؟ فظهر لهم المسيح فخوفهم العظيم كما إشار إنجيل معلمنا مار يوحنا وفرح التلاميذ إذ رأوا الرب. في العهد القديم جاء ثلاثة فتية رغم أنهم كانوا في السبي …كانوا يعبدوا الله الواحد ولا يعبدوا الملك الوثن التمثال الذهب. فعندما سألهم نبوخذ نصر عن سبب عدم عبادتهم للتمثال الذهب ..فقالوا لنا آلهنا الذي نعبده. من هو هذا الآله ..لا يوجد من هو أعظم مني ومن التمثال المرتفع هذا سأربطكم وأضعكم في الأتون. فنظروا له وقالوا له بكل ثقة يا نبوخذ نصر لا يهمنا ان نجيبك يوجد ألهنا الذي يجيبك. نحن لا نعلم ماذا سيفعل لكن واثقين في آلهنا وفيما سيصنعه . النتيجة إلقاء الفتية في الأتون الذي تم تحميته سبعة مرات وينتظرهم ليجد أن الخيوط والحبال تتقطع ..ثيابهم تبقى ..أجسادهم تبقى..والأكثر جمالا أن يكون الرابع الشبيه بإبن الآلهة يرافقهم في الأتون فيصير ندى بارد …عبارات كثيرة تكررت في الكتاب “انا هو لا تخافوا” طالما المسيح موجود لا تخافوا. الآية الثالثة:” كن أمينا الى موت وسأعطيك أكليل الحياة” كل البشر عندما يقفوا أمام المسيح ….ما هو المقياس الذي يقيس به حياتهم؟ طبعا المقياس هو مقياس الأمانة…عشان كده يقول “كن أمينا الى الموت” أنتبه لكلمة “كن” • كن أنت أو أنتي أو أنا تنفع لكل واحد فينا • كن بحسب شخصك أنت كبير أنت صغير أنت في أول عمرك أنت في عمرك المتقدم ، أنت عالي التعليم عالي الثقافة أو محدود التغليم او الثقافة • في هذه البلد أو في آخري …كن بها إستمرارية إلزام وخصوصية لك ….المهم أن تكون أمينا الى الموت هذا المعيار معيار للأنسان في حياته -أنت راهب أنت مسئول في عمل ما أنا اب وأم في البيت نربي أولادنا أنا خادم ….لازم اكون أمين الى الموت كن أمين الى الموت يعني كن أمين مدى الحياة يعني أمين وأنت شاب وانت كبير في أوقات حياتك ….العملية لا يوجد بها إختيار متى أكون أمين ومتى لا …ما يناسب تعليم المسيح ان الإنسان يكون أمين الى نهاية الحياة ثم ماذا بعد ….سأعطيك إكليل الحياة …مرة يقول لنا “طوبي للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات” وآخرى “لا تخف لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت” وهذه المره يقول لنا “كن أمينا الى الموت وسأعطيك إكليل الحياة” …الجائزة تفوز بالنصيب السماوي من أجل هذا ونحن في مسيرة هذه الحياة ونحن في نهاية عام قبطي وإستعداد لبداية عام جديد ضع هذه المبادئ الثلاثة أمامك: 1. طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات 2. لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت. 3. كن امينا للموت فسأعطيك أكليل الحياة. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل