المقالات

19 سبتمبر 2019

الصليب

صليب ربنا يسوع المسيح، قوة حقيقية للخلاص والنصرة في الجهاد ومعلمنا بولس الرسول يسلمنا هذا الإيمان الحيّ بقوله: "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله" (1كو1: 18) والصليب وإن كانت له أعياد زمنية ومكانية، فهو فوق كل شيء وقبل كل شيء حقيقة إلهية سماوية لذلك نستطيع أن نقول في جرأة الإيمان أن الأعياد التاريخية في كنيستنا تستمد مجدها وبهاءها من واقع حياتنا وإيماننا أكثر من أنها تعطى لحياتنا شيئًا من الواقع أو شيئًا من الإيمان وصليب ربنا في مضمونه الكلى يلزم أن لا يكون في بالنا حقيقة من حقائق الماضي بأي حال من الأحوال، لا لشيء إلا لأن تأثيره الفعال ممتد بالحقيقة في الحاضر والمستقبل، طالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط أساسًا بالمصلوب، والمصلوب حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا، بل قداسة وبرًا وفداء. فنحن نختبر بأنفسنا بل ونمارس بأجسادنا وأرواحنا صليب ربنا كل يوم.وحينما نقول الصليب " المحيى " فإنما نقول ذلك ونظرنا على الدم الإلهي الذي انفجر لنا من الجنب المطعون وجرى على خشبة الصليب نهر حياة!!ولا يمكن أن نذكر الصليب ذكرًا حسنًا أو ننشد نشيده بالروح إلا والإحساس بالدم يملأ أعماق كياننا الإنساني، فالدم هو الصلة الحية المحيية بين الصليب وقلوبنا، بين المصلوب وبين ضمائرنا، بين المسيح في السماء والكنيسة على الأرض!ولا يغيب عن بالنا قط أن شركة الدم أو شركة الألم أو شركة المجد، هذه الأنواع المتعددة التي للشركة الواحدة -أي شركة الصليب- إنما تأخذ قوتها من المسيح "الحي" أي من القيامة.فالصليب قوة حياة أو قوة محيية، لأن المسيح الذي صُلب هو الآن حي! فبدون المسيح الحي يصبح الصليب عثرة وجهالة.ولكن إيماننا بالمسيح الحي القائم من بين الأموات أو بالحرى شركتنا الآن في المسيح الحي تجعل لنا من الصليب قوة حياة. فقيامة المسيح المصلوب جعلت خشبة العار سبب مجد وافتخار ظاهر لكل العالم.وإن كان التحول الذي تم على الصليب من عار إلى افتخار يظهر أمامنا هائلًا وغير معقول، فإنما ذلك من أجلنا نحن، وقد استدعى عملًا من الله الآب فائقًا أيضًا وهائلًا أكثر مما يتصوره العقل، يقول عنه بولس الرسول: "وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السمويات" (أف1: 19،20).فهذه القدرة المتعاظمة والفائقة عن حدود العقل والتصور التي أجراها الله الآب في المسيح من أجلنا، هذه العظمة وهذه القدرة الفائقة وهذه الشدة المتناهية التي استخدمها الآب ليحول لنا عار الصليب إلى افتخار في المجد الأسنى بقيامة المسيح، هذا كله وبكامله مذخر في الصليب!!فبقدر ما احتوى الصليب كل العار البشرى، كذلك وبمقدار أعظم احتوى شدة قوة الله للمجد الأبدي!! مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق عن كتاب رؤية كنسيّة آبائية الصليب في المسيحية
المزيد
26 أكتوبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (12) العطاء

مفهوم العطاء وبركاته .. مفهوم العطاء .. فى عصر يسوده التكالب على المادة والاقتناء والانانية نرى ابناء الله يعطون أنفسهم اولاً لله ثم يبذلون أنفسهم فى سعادة من أجل أخوتهم لاسيما المحتاجين والفقراء متذكرين كلمات الرب يسوع ان الغبطة فى العطاء { في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} (اع 20 : 35). العطاء ليس هو عطاء المال فقط ، ولكنه يشمل العطاء في كل شئ بالبذل والمحبة والتضحية والتشجيع والخدمة والوقت والمال والعواطف الصادقة . ان العالم بما فيه من غزارة فى الانتاج وسوء فى التوزيع، ومن فيه من فقراء ومحرومين واناس بلا مسكن مناسب واناس تموت من سوء التغذية او انعدام الماء النظيف او الحرمان من الرعاية الصحية والتعليمية والاخلاقية فى حاجة ليرى محبة الله المعلنة فى المسيح يسوع من خلال المؤمنين ليري الناس اعمالنا الصالحة ويمجدوا ابانا الذى فى السموات . ان العطاء وعمل الرحمة يشمل كل أشكال الرحمة والعطاء والمساعدة المادية والمعنوية والنفسية والروحية للمحتاجين والفقراء بصفة عامة والكنيسة واحتاجاتها فى الخدمة المادية والروحية وكل عمل يهدف الى أظهار رحمة الله الحانية على كل احد فى حكمة فى العطاء والتوزيع فلا يؤخد مال المحتاجين ويعطي للمحتالين فى عالم يموت فيه ربع مليون كل يوم من الجوع يجب ان يُقدم عمل الرحمة للمحتاجين من اي جنس او دين وامة ولاسيما أهل بيتنا وخاصتنا المحتاجين {وان كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما اهل بيته فقد انكر الايمان وهو شر من غير المؤمن} (1تي 5 : 8). العطاء تشبه بالله واشتراك فى العمل معه ... ان الله هو الرازق ومعطي جميع الخيرات ، وهو الخالق القدير الذي يملك كل شيء والذي يعطي بسخاء ولا يعير وهو يريد ان يشركنا معه فى كل عمل صالح {ولكن من انا ومن هو شعبي حتى نستطيع ان ننتدب هكذا لان منك الجميع ومن يدك اعطيناك} (1اخ 29 : 14) . { وهو يفعل خيراً يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسروراً}أع17:14. الله هو الذى أمطر مناً من السماء أربعين عاماً ليأكل الشعب ولم تفرغ خزائنه، وأعطاهم لحماً ليأكلوا أربعين يوماً صباحاً ومساءً . وهو الذي عال إيليا النبى عندما كان الرب يرسل له غراباً بخبز ولحم صباحاً ومساءً كل يوم.. فمن أين وكيف؟ وهل تعلم أن الغربان من أشد الطيور نهماً وأكلاً للحوم؟ ثم ذهب ايليا بامر الرب إلى امرأة أرملة لديها ابن وحيد. وبسبب المجاعة لم يبق لديها إلا كف من الدقيق والزيت ليكفيها هي وابنها لوجبة واحدة قادمة { وفيما هي ذاهبة لتاتي به ناداها وقال هاتي لي كسرة خبز في يدك. فقالت حي هو الرب الهك انه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز وهانذا اقش عودين لاتي و اعمله لي ولابني لناكله ثم نموت. فقال لها ايليا لا تخافي ادخلي واعملي كقولك ولكن اعملي لي منها كعكة صغيرة اولا واخرجي بها الي ثم اعملي لك ولابنك اخيرا . لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل ان كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص الى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا على وجه الارض. فذهبت وفعلت حسب قول ايليا واكلت هي وهو و بيتها اياما. كوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد ايليا} 1مل 11:17-17. ان عطاء المرأة من اعوازها كان أمتياز لها . الرب الخالق لا يحتاج ولكنه يحبنا ويريد أن نشترك معه في عمله ونكون جزء من تتميم مقاصده . هو يريدنا أن نكون أعضاء بره. يريد أن يعطي بنا ويشبع من خلالنا ، فنجد الشبع والعطاء يرتد إلينا فائضاً يملأ كل احتياجتنا بل ويزيد ويفيض . العطاء نمو لخبرتنا الإيمانية... قبلت الأرملة دعوة الرب لتقدم الخبز لإيليا أولاً. فاختبرت حياة الإيمان كما حصلت على المكافآت وتسديد الاحتياجات. وهناك أرملة أخرى قدمت فلسين هم كل ما عندها ومدحها السيد المسيح لانها وثقت فى الله الذي يدبر كل احتياجاتنا حسب غناه فى المجد {ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه.اتقوا الرب يا قدسيه ، لانه ليس عوز لمتقيه. الاشبال احتاجت وجاعت واما طالبو الرب فلم يعوزهم شئ} مز 8:34-10. العطاء امتياز خاص بحياة الإيمان بالرب، لذا يدعونا للعطاء ليعلمنا حياة الايمان وليس بالحسابات البشرية المعقدة والمخاوف النفسية. أعطوا بالإيمان وأنتوا تنتظروا حصاداً وفيراً فى الارض وفى السماء { اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم} (لو 6 : 38) . وبينما نرى البعض يجعل من المال الها يتعبد له نري ابناء الله يستخدمون اموالهم وممتلكاتهم وحياتهم للنمو في الايمان والعطاء ويفيض عليهم الله ببركاته { لا يقدر خادم ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد و يحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله والمال. وكان الفريسيون ايضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزاوا به. فقال لهم انتم الذين تبررون انفسكم قدام الناس ولكن الله يعرف قلوبكم ان المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله} لو13:16-15. العطاء والبركة والخير .. ان الله كآب صالح يدرك حاجتنا لان نري خيراً ومكأفاة ليس في السماء فقط بل وعلى الارض ايضا { اكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك فتمتلىء خزانتك شبعا وتفيض معاصرك مسطارا } ( ام 3 : 9 – 10}.{ ايسلب الانسان الله فانكم سلبتموني فقلتم بم سلبناك في العشور و التقدمة. قد لعنتم لعنا واياي انتم سالبون هذه الامة كلها.هاتوا جميع العشور الى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود ان كنت لا افتح لكم كوى السماوات وافيض عليكم بركة حتى لا توسع} ملا 8:3-10. العطاء وعمل الرحمة ينجي من الشر واقراض لله يعود علينا بربح جزيل {من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفة يجازية} ( ام 19 : 17). الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة وعمل الرحمة { هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد} (2كو 9 : 6). {طوبى للذي ينظر الى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب }(مز41 :1). العطاء ومحبة الله لنا .. ان كنا نريد ان نكون محبوبين للرب يجب ان نعطي بسرور وسخاء ليس عن أضطرار او بتغصب {كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله} (2كو 9 : 7).والخير الذي نصنعه اليوم نجده ولو بعد أيام كثيرة لنا ولابنائنا من بعدنا { ارم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة }( جا 11 – 1 }. { كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً }( مز 37 – 25 ) . {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10). العطاء وقبول الصلاة وغفران الخطايا .. لقد أمر الله أشعياء قائلا ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم أن سخط الله قد اشتد عليهم بسبب خطاياهم وكبريائهم وعدم الرحمة لديهم { يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ويعاتبهم ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب. أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك و أن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عريانا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هأنذا} (أش2:58-9).إن العلاج لاستعطاف الله قد أعطي لنا في كلمات الله نفسه فالتعاليم الإلهية تعلمنا ما ينبغي أن نفعله ، ان نرحم اخوتنا . لأن من لا يرحم لا يستحق مراحم الله ولا يتحصل على أي نصيب من العطف الإلهي حتى لو صلي مادام ليس لديه رحمة نحو طلبات الفقير هذا ما أعلنه الروح القدس في الإنجيل فطوبى للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب (مز 41: 1) وروفائيل الملاك يشهد بذلك ويحث على أن تعطي الصدقة باختيار وسخاء قائلا الصلاة جيدة مع الصوم والصدقة لان الصدقة تنجي من الموت وتطهر من الذنوب (طو: 8-9). الأجر السمائي ... ما من شئ يبقى لنا كنز فى السماء مثل أعمال الرحمة والعطاء للمحتاجين {طوبى للرحماء لانهم يرحمون (مت 5 : 7) من اجل هذا يوصينا السيد المسيح بان نكنز في السماء بعمل الرحمة { لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} مت 19:6-21. ان مقياس دخولنا للسماء هو عطائنا ومحبتنا {ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم.لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك.ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك.ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40. يا له من جزاء عظيم أن نطعم السيد المسيح عندما يكون جائعا او نسقيه عندما يكون عطشانا او نستضيفه غريبا او نكسوه عريانا فى احد الفقراء ويالها من جريمة كبري أن نزدري بالمسيح متي كان جائعا او عطشانا او عريانا ..الخ . ان الصدقة تمحو الخطايا وتؤهلنا لنوال الرحمة والحياة الابدية {لان الصدقة تنجي من الموت و تمحو الخطايا وتؤهل الانسان لنوال الرحمة و الحياة الابدية }(طو12 : 9) . {لان الصدقة تنجي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير الى الظلمة} (طو4 : 1). {الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا} (سيراخ 3 : 33). العطاء فى حياة السيد المسيح وتعاليمه.. السيد المسيح مثالاً وقدوة .. يقدم لنا السيد المسيح قدوة ومثالاً فى العطاء والرحمة والمحبة الباذلة لنتبع خطواته اذا كان يجول يصنع خيراً ، يشبع الجائعين ويشفى المرضى ويقيم الساقطين ويتحنن على المحتاجين ويعلم الجهال ويكرز ببشارة ملكوت الله داعياً الى التوبة {ولما راى الجموع تحنن عليهم اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها} (مت 9 : 36). من أجل ذلك قيل فيه {فانكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من اجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره }(2كو 8 : 9). عاش كفقير وهو الذي يشبع كل حي من غناه وعندما أقلبت اليه الجموع وعلمهم {ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاما. فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا اعطوهم انتم لياكلوا. فقالوا له ليس عندنا ههنا الا خمسة ارغفة وسمكتان. فقال ائتوني بها الى هنا. فامر الجموع ان يتكئوا على العشب ثم اخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر واعطى الارغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع.فاكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشر قفة مملوءة. والاكلون كانوا نحو خمسة الاف رجل ما عدا النساء والاولاد} مت 15:14-21. من السيد المسيح نتعلم المحبة والخدمة الباذلة ... فالمحبة كانت الدافع والمحرك للخدمة بتواضع وبذل لخاصته وللخطاة والاشرار ولكل البشرية فى كل زمان ومكان { ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه }(يو 15 : 13). هو السيد والرب احبنا وبذل ذاته فدءاً عنا {اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى} (يو 13 : 1) . وهكذا علم تلاميذه ويعلمنا كيف تكون الخدمة والعطاء {فدعاهم يسوع و قال لهم انتم تعلمون ان الذين يحسبون رؤساء الامم يسودونهم وان عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما.ومن اراد ان يصير فيكم اولا يكون للجميع عبدا.لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مر42:10-45. ما لدينا هو وزنات وهبات من الله .. ان كل ما لدينا من وزنات ومواهب وأمكانيات هي عطايا من الله وما نحن الا وكلاء على مواهب وعطايا الله المتنوعة وسنعطي عنها حسابا يوم الدين {وكانما انسان مسافر دعا عبيده وسلمهم امواله. فاعطى واحدا خمس وزنات واخر وزنتين واخر وزنة كل واحد على قدر طاقته وسافر للوقت. فمضى الذي اخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات اخر. وهكذا الذي اخذ الوزنتين ربح ايضا وزنتين اخريين. واما الذي اخذ الوزنة فمضى و حفر في الارض واخفى فضة سيده.وبعد زمان طويل اتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات اخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلمتني هوذا خمس وزنات اخر ربحتها فوقها. فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك. ثم جاء الذي اخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني هوذا وزنتان اخريان ربحتهما فوقهما.قال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} مت 14:25-23. لهذا يوصينا بالعطاء ويعدنا بالمكافأة {اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم (لو 6 : 38). ويقول لنا ان نصنع لنا اصدقاء بمال الظلم اي ما نحجبه من عشورنا ونذورنا وبكورنا عن المحتاجين {وانا اقول لكم اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية }(لو16 : 9). وان كانت العشور والنذور والبكور هي عطايا العهد القديم ويقدمها الكتبة والفريسيين فاننا مطالبون باكثرمنها {فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات }(مت 5 : 20). العطاء للجميع بدون انتظار المقابل .. ان الله في خيريته يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار ويتأني ويرحم الجميع ويريد منا ان نتعلم منه الرحمة والمحبة للجميع دون أنتظار لمقابل والله هو الذى يعطينا الاجر العظيم كابناء له {وكل من سالك فاعطه ومن اخذ الذي لك فلا تطالبه.وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا.وان احببتم الذين يحبونكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يحبون الذين يحبونهم.واذا احسنتم الى الذين يحسنون اليكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يفعلون هكذا. وان اقرضتم الذين ترجون ان تستردوا منهم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل.بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما و تكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار. فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} لو30:6-36. العطاء في الخفاء ..السيد المسيح يعلمنا ايضا ان نعطي فى الخفاء لكي لا نجرح مشاعر المحتاجين ولا نعطي بدافع العجب والتفاخر وتمجيد الذات {احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجدوا من الناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك . لكي تكون صدقتك في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية} مت1:6-4. فمن الجانب السلبي يحذّرنا الرب من ممارسة الصدقة لأجل الناس: "لكي ينظروكم" اي لأجل إشباع الذات، قائلاً: فلا تعرف شمالك الأنا (ego) ما تفعل يمينك. فإن كان اليمين يُشير إلى نعمة الله التي تعمل فينا، فإنّنا نفسد هذا العمل إن قدّمناه ليس من أجل الله، وإنما لإشباع الأنا بإعلان العمل للشمال.الأنا هو أخطر عدوّ يتسلّل إلى العبادة ذاتها والسلوك الصالح، ليحطّم ما تقدّمه نعمة الله لنا خلال يميننا، وتفقده جوهره خلال الرياء الممتزج بالكبرياء. كان المراءون يصنعون الصدقة بينما يُصوّت بالبوق قدّامهم، أي تقدّم لهم دعاية، سواء في عطائهم العام في المجامع من أجل احتياجات الجماعة أو في الأزقّة .احترزوا من السلوك بالبرّ بهذا الهدف، فتتركّز سعادتكم في نظرة الناس إليكم، "وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات". فقدانكم للأجر السماوي لا يكون بسبب نظرة الناس إليكم، بل لسلوككم بهذا الهدف. لم يمنعنا الرب من صنع البرّ أمام الناس ان لم نستطيع صنعه خفية ، لكنّه يحذّرنا من أن نصنعه بغرض الظهور أمامهم . عدم الرحمة يقود للهلاك .. قدم لنا السيد المسيح مثالاً لعدم الرحمة او الشفقة بمن حولنا وكيف يقود الى الهلاك { كان انسان غني و كان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح.ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه.فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم ومات الغني ايضا ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب و راى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه.فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني وارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب.فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا و الان هو يتعزى وانت تتعذب} لو 19:16-25. ان لعازر البلايا قد يكون معنا في البيت او جار لنا او بعيد عنا او زميل لنا فى العمل ، ونحن يفيض عنا الخبز وهو يهلك جوعا .وقد يحتاج منا الى العطاء المعنوي والروحي والتشجيع ويجب ان نقدمه له لئلا نحرم من ملكوت الله . فلنسلك كحكماء لا كجهلاء مفتدين الوقت لان الأيام شريرة . لقد نصح دانيال النبي نبوخذ نصر بصنع الرحمة لينجو من العقاب ولم يسمع له { لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر واثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك} (دا 4 : 27) .من اجل هذا يدعونا القديس كيرلس الكبير ان نكون رحومين: ( لذلك فمن واجبنا أن نكون أمناء لله، أنقياء القلب، رحومين وشفوقين، أبرارًا وقديسين، لأن هذه الأمور تطبع فينا ملامح صورة الله، وتكمِّلنا كورثة للحياة الأبدية). حياة الكمال والعطاء.. قدم السيد المسيح مثالا عاليا فى الكمال المسيحى للشاب الغنى ولمن يريد {قال له يسوع ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني (مت 19 : 21). وهذا مافعله الرسل { و ابتدا بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.فاجاب يسوع وقال الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امراة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الانجيل.الا وياخذ مئة ضعف الان في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات و اولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الاتي الحياة الابدية} مر 28:10-30. لقد نال الرسل بحق الكرامة وعمل المعجزات وخضعت لهم الشياطين ولم يعوزهم الله شئ وللان نكرمهم وهكذا فعل الأنبا أنطونيوس أب الرهبان الذى كان يملك ما يذيد عن ثلاثمائة فدان من أجود أراضى الصعيد، فباعها ووزعها أمواله واملاكه على الفقراء وعاش في الصحراء حياة الفقر الاختياري فذاع صيته فى كل الارض ونال حكمة من الله وعمل المعجزات وأقام الاموات وللان الكثير من الاديرة تسمى باسمه ليست فى مصر فقط بل وفي كل العالم . ليست العبرة عند الله بكم العطاء لكن بكيف نعطي .. فالمرأة التى أعطت الفلسين فى الخزانه مدحها السيد لانها أعطت كل ما عندها {وتطلع فراى الاغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. وراى ايضا ارملة مسكينة القت هناك فلسين.فقال بالحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة القت اكثر من الجميع.لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله واما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها} لو 1:21-4.والفريسى الذى يعطي العشور بكبرياء قلب ويدين الآخرين لم يتبرر امام الله كما العشار المنسحق والمرأة ساكبة الطيب الكثير الثمن بدافع المحبة مدحها الرب وقال حيثما يكرز بالإنجيل يبشر بما فعلته تذكاراً لها. وراينا كيف قبل الله عطايا كرنيليوس القائد الاممى وارسل له بطرس الرسول ليؤمن ويعتمد هو واهل بيته وكان إيمانه بداية قبول الامم فى الايمان المسيحى {فقال كرنيليوس منذ اربعة ايام الى هذه الساعة كنت صائما وفي الساعة التاسعة كنت اصلي في بيتي و اذا رجل قد وقف امامي بلباس لامع.و قال يا كرنيليوس سمعت صلاتك وذكرت صدقاتك امام الله.فارسل الى يافا و استدعي سمعان الملقب بطرس انه نازل في بيت سمعان رجل دباغ عند البحر فهو متى جاء يكلمك.فارسلت اليك حالا و انت فعلت حسنا اذ جئت والان نحن جميعا حاضرون امام الله لنسمع جميع ما امرك به الله} أع 30:10-33. الاغنياء وصنع الصلاح والسخاء .. من أجل هذا راينا الانجيل يوصى الاغنياء ان يصنعوا صلاحا ويكونوا اسخياء فى العطاء لكي يمسكوا بالحياة الإبدية {اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.وان يصنعوا صلاحا وان يكونوا اغنياء في اعمال صالحة وان يكونوا اسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. مدخرين لانفسهم اساسا حسنا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الابدية} 1تيم 17:6-19. لقد ذكر الإنجيل كثيراً من الاغنياء مثل ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف الرامي وفى تاريخنا القبطي المعلم ابراهيم الجوهري ولم تتعلق قلوبهم بغناهم او يتكلوا عليه بل وثقوا فى الاله الحي هكذا يحذرنا الكتاب لئلا ينسى الانسان الله فى غناه {احترز من ان تنسى الرب الهك ولا تحفظ وصاياه واحكامه وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم. لئلا اذا اكلت وشبعت وبنيت بيوتا جيدة وسكنت. وكثرت بقرك وغنمك وكثرت لك الفضة والذهب وكثر كل ما لك. يرتفع قلبك وتنسى الرب الهك} ثت 11:8-14. العطاء وشركة الجسد الواحد .. {فانه كما في جسد واحد لنا اعضاء كثيرة و لكن ليس جميع الاعضاء لهاعمل واحد . هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح واعضاء بعضا لبعض كل واحد للاخر} (رو 12 : 4- 5). فيجب علينا ان نحس باحتياجات اعضاء الجسد المحتاجة والضعيفة ونهتم بها . ولهذا راينا كيف حث القديس بولس اهل كورنثوس على العطاء من أجل الكنيسة فى اورشليم حيث كانت تعاني من الاضطهاد والمجاعة بسبب الجفاف {فرايت لازما ان اطلب الى الاخوة ان يسبقوا اليكم ويهيئوا قبلا بركتكم التي سبق التخبير بها لتكون هي معدة هكذا كانها بركة لا كانها بخل . حثه اياهم على العطاء بسخاء مشبهاً الاعطاء بالزرع. هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله.والله قادر ان يزيدكم كل نعمة لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح. كما هو مكتوب فرق اعطى المساكين بره يبقى الى الابد. والذي يقدم بذارا للزارع و خبزا للاكل سيقدم و يكثر بذاركم و ينمي غلات بركم.مستغنين في كل شيء لكل سخاء ينشئ بنا شكرا لله . ان خدمتهم هذة تسد اعواز القديسين وتسبب الشكر الجزيل لله} 2كو 5:9-11. أنه نعمة وبركة من الله ان يشركنا فى العمل الصالح معه و يكون لنا أحاسيس الرب نفسه تجاه أخوتنا {بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة. وأما مَنْ كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه} 1يو3: 16-17. اين ندخر اذاً اموالنا ؟... ان ما نقدمه لاخوتنا من رحمة هو كنوز لنا فى السماء {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون . بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا و حيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون (مت 6 : 19- 20). يقول القديس أغسطينوس: ( إن أراد المسيحيون أن يرفعوا قلوبهم إلى فوق عليهم أن يدخروا ما يحبونه هناك فرغم وجودهم بالجسد على الأرض إلا أنهم يقطنون مع المسيح بالقلب وإذ صعد رأس الكنيسة أمامها هكذا ينبغي أن يصعد قلب المسيحي قدامه وإذ تذهب الاعضاء إلى حيث ذهب المسيح قدامها هكذا كل إنسان في القيامة يذهب إلى حيث تقدمه قلبه. لنذهب إلى السماء بذلك الجزء (القلب) الذي يستطيع الذهاب الآن وعندئذ سيتعبه إنساننا الكامل. ينبغي ان يهدم مسكننا الأرضي فإن مسكننا السماوي أبدي لنرسل أمتعتنا مقدما إلى حيثما نستعد للرحيل).ويقول الشيخ الروحاني: (من يترحم على إنسان،يصير باب الرب مفتوحاَ لطلباته في كل ساعة. ذو الإفراز بكسرة خبز يشتري لنفسه الملكوت). أهمية العمل والتعفف .. اننا نوصي الجميع بالرحمة والعطاء وحياة الشركة بين المؤمنين وهذه هي سمة الكنيسة الاولي { وكانلجمهور الذين امنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن احد يقول ان شيئا من امواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا }(اع 4 : 32). وفي نفس الوقت نحذر هؤلاء الذين يتعودوا على الاخذ بان يعملوا ماداموا قادرين ويكونوا أعفاء النفس واليد واللسان لكي تكون تقدمات وعطايا الكنيسة ومؤمنيها للمحتاجين بالحقيقة { فاننا ايضا حين كنا عندكم اوصيناكم بهذا انه ان كان احد لا يريد ان يشتغل فلا ياكل ايضا }(2تس 3 : 10). فالقادر على العمل لابد ان يعمل ولا يكون عبء على مجتمعه واهله، لهذا راينا القديس بولس الذى جال العالم كارازاً يحيا متعففاً عاملاً لخدمة نفسه ومن معه وفي نهاية خدمته رايناه يقول {فضة او ذهب او لباس احد لم اشته.انتم تعلمون ان حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} أع 33:20-35.ان القديس بولس الرسول هو قدوة هنا لكل الاكليروس مع اننا نحرص على ان يحيا خدام الكنيسة حياة كريمة ويتفرغوا للعبادة والكرازة وكما قال الكتاب { الستم تعلمون ان الذين يعملون في الاشياء المقدسة من الهيكل ياكلون الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح. هكذا ايضا امر الرب ان الذين ينادون بالانجيل من الانجيل يعيشون. اما انا فلم استعمل شيئا من هذا ولا كتبت هذا لكي يصير في هكذا لانه خير لي ان اموت من ان يعطل احد فخري} 1كو 13:9-15. لكن على الخدام ان يكونوا امناء فيما لله مكتفين بالقليل ، صائرين أمثلة للرعيه فى العفاف المسيحي والعطاء من الاعواز. المال خادم وليس سيد مخدوم .. ان المال بالنسبة للمؤمن خادما وللخدمة وليس سيداً قاسيا {وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم.اذ لم يكن فيهم احد محتاجا لان كل الذين كانوا اصحاب حقول او بيوت كانوا يبيعونها و ياتون باثمان المبيعات. ويضعونها عند ارجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج} أع 33:4-35.ويجب ان يكون لدي الجميع قناعة بما لديهم {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة.لاننا لم ندخل العالم بشيء وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشيء. فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما .واما الذين يريدون ان يكونوا اغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك.لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} 1تيم 6:6-10. {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10). طوبى للرحماء لانهم يرحمون.. ايها الاله الكثير الرحمة ومصدر كل الخيرات ، يا من تشبع كل حي من غناك وتشرق شمسك على الصالحين والطالحين وتمطر على الابرار والاشرار لانك انت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة . نصلي اليك شاكرين عطاياك ونباركك على احساناتك يا من تعولنا منذ الصغر ولا تتركنا فى الكبر والشيخوخة ، أدم مراحمك على كنيستك وبلادنا وعالمك ولتفض علينا بمحبتك ورحمتك واحساناتك لكي نسبحك كل حين كل ايام حياتنا . ايها الرب الهنا صانع الخيرات ، اعطنا ان نتعلم منك الرحمة والكرم فى العطاء والسخاء فى التوزيع واعط الحكام والمسئولين والاغنياء وكل شعبك قلبا حكيما رحيما يشعربالآم المحتاجين والمرضى والايتام والارامل والمعوزين والمحرومين ويجزل لهم العطاء ويرسم البسمة على الشفاه ويسعى لخلاص الساقطين بعين الرحمة الإلهية التى تحب الجميع وتريدنا ان نحيا الحياة الأفضل، اعطنا الحكمة التى بها نحيا كوكلاء حكماء على نعمك المتنوعة . يارب اعطنا قلبا نقياً وروحاً مستقيما فى عمل الخير لا ينسى أحساناتك وفضلك لكي نسبحك مع داود النبى : {باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة و الرافة.الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين . الرب رحيم و رؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا}. ايها الرب الاله المحب هبنا ان نقتدي برحمتك واحساناتك ونسعى بالحكمة فى عمل الرحمة والاحسان لنجد رحمة من لدنك يا رحيم. القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
27 مارس 2020

الصليب... خلاصنا

لقد مات الرب يسوع مصلوبًا، فأصبح الصليب هو أساس خلاصنا، ولم يعد فقط أداة الألم والدم والموت، ولم يعد عارًا، بل صار عنوانًا للمجد وسبيلاً للفداء وافتخارًا لكل إنسان مسيحي. ويقول يوحنا كاسيان: إن في رشم الصليب ملخص لأهم عقائدنا وإيماننا القويم، لأننا بالصليب نعترف: 1- بالثالوث الأقدس. 2- بوحدانية الله. 3- بتجسد المسيح. 4- بفداء المسيح. 5- بخطايانا لأننا كنا أبناء الشمال والظلمة. 6- بخلاصنا لأننا صرنا أبناء اليمين والنور. وبالجملة صار الصليب عنوان مجد للمسيحي حيث يقول القديس يوحنا فم الذهب: "إن إشارة الصليب التي كانت قبلاً فزعًا لكل الناس، الآن يعشقها ويتبارى في اقتنائها كل واحد، حتى صارت في كل مكان بين الحكام والناس، بين الرجال والنساء، المتزوجين والبتوليين. لا يكف الناس عن رسمها ونفشها واستخدامها وقت الطعام، ووقت السفر، في الكنائس، وفي المنازل، في الليل والنهار، في الأفراح وفي الأحزان.. إنها عطية لا يُعبَّر عنها". وإن كنا نرى الصليب في كل الأسفار المقدسة، وفي كتابات الآباء، وفي حياتهم وملابسهم، فإن واحدًا من الأنبياء –هو داود النبي– وقبل المسيح بألف عام، قد سجل مزامير كثيرة عن الصليب والآلام، ولكنه أيضًا رسم مفاعيل الصليب بالكلمات التي كتبها في (المزمور 103: 10-12) حيث قال: (1) لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (ع 10)، وهذه هي فلسفة عمل الصليب وخلاص المسيح لنا. (2) لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه (ع 11)، وهذه هي العارضة الرأسية في الصليب: الرحمة. (3) كبعد المشرق من المغرب، أبعد عنا معاصينا (ع 12)، وهذه هي العارضة الأفقية في الصليب: الغفران. وهذا المزمور -103- يمثل تمجيدًا لعمل الصليب والخلاص في حياة الإنسان ولذلك يبدأ بالشكر والحمد «باركي يا نفسي الرب. وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته: 1- الذي يغفر جميع ذنوبك. 2- الذي يشفي كل أمراضك. 3- الذي يفدي من الحفرة حياتك. 4- الذي يكللك بالرحمة والرأفة. 5- الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك.» ويعبّر عن ذلك القديس غريغوريوس اللاهوتي في ليتورجيا القداس حيث يقول: "المسيح يخلصنا أي يغفر خطايانا، وينقذ حياتنا من الفساد، ويكلِّلنا بالمراحم والرأفات.. فالمسيح هو الذي سعى في طلب الضال، وتعب مع الذي سقط، وكنور حقيقي أشرق للضالين وغير العارفين، ووضع ذاته آخذًا شكل العبد، وبارك طبيعتنا فيه، وأكمل الناموس عنّا، وأزال لعنته، وهو الذي أبطل الخطية بجسده.. وأظهر لنا تدبير تعطفه..." والقديس بولس الرسول الفيلسوف واللاهوتي الأول في فهم المسيحية، بعد أن عاش زمانًا بعيدًا عن المسيح بل ومضطهدًا له، وفي رؤيا طريق دمشق تغير كل شيء فيه، وصار الصليب هو نقطة الانطلاق في فكره اللاهوتي، فيعترف بأن في الصليب الحكمة الحقيقية ولا يريد أن يعرف إلّا يسوع مصلوبًا ويفتخر قائلاً «الذي به قد صُلِب العالم لي وأنا للعالم..» (غلاطية 6: 14)هذا هو الصليب الذي نحتفل به ثلاث مرات سنويًا: في 10 برمهات (19 مارس)، وفي 17 توت (27 سبتمبر)، والمرة الثالثة بينهما يوم الجمعة العظيمة، جمعة الصلبوت، حيث أطول أيام السنة التي نقضيها في الكنيسة في صلوات وألحان وقراءات وميطانيات، متأملين في صليب خلاصنا وقد رُسِم أمام عيوننا يسوع المسيح مصلوبًا بيننا ولأجلنا (غلاطية 3: 1). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
01 فبراير 2020

أتيت بنا إلى هذه الساعة

في كل مرة نصلي نشكر الله لأجل أشياء كثيرة أغلاها وأهمها هو الخلاص الثمين الذي قدمه لنا، ثمّ أنه أتى بنا إلى هذه الساعة.لعل أعظم عطية لنا من الله الآن، هي أننا مازلنا أحياء حتى هذه اللحظة، فبعض الذين نعرفهم، وآخرين ممن لا نعرفهم،كانوا بيننا العام الماضي والآن ليسو موجودين، والبعض كان موجوداً منذ شهور والآن في عداد المنتقلين، والبعض الثالث كان موجوداً منذ ساعات، ولكنه ليس معنا هذه الساعة، أما نحن : فقد أتى بنا (الله) إلى هذه الساعة، أعطانا فرصة جديدة لنعوّض ما فاتنا.. إن سكان الجحيم يتمنّون الآن يوماً من هذه الأيام التي نقضيها، وهم يتعجبون كيف نضيّع السنين والشهور والأيام من بين أيدينا هكذا.. هذا أدركه الغني (في مثل الغنى ولعازر) وطلب من أبينا إبراهيم القيام بأي عمل لأجل إنقاذ أسرته.. تخيلوا لوأنه أتيحت الفرصة لواحد من أولئك - الذين في الجحيم الآن - أن يعود إلى الحياة لمدة أيام، ترى ماذا عساه أن يفعل وكيف يسلك فيها.. أفما تكفيه أياماً قليلة لكي يقدم توبة نقية ذكرني ذلك براهب قديس، اجتمع حوله الرهبان - عند نياحته - فوجدوه يبكى، فلما سألوه عن سبب ذلك، قال أنه يتمنى لويطيل الله أناته عليه ويمنحه بعض الوقت، فتعجبوا لعلمهم بأنه مجاهد وقديس، فسألوه: كم من الوقت تود أن يمنحك الله أيضا قبل النياحة، أجاب أريد ولو يوم واحد، قالوا: فماذا تصنع فيه، أجاب بأنه وان لم يستطع تقديم جهادات كثيرة، فيكفيه أن يبكى فقط طوال ذلك اليوم !!.. وهكذا يمكن لشخص ما في ساعة واحدة أن يحقق الكثير، ويتقدم على كثيرين ممن سبقوه، إذا كان نشيطاًحاراُ بالروح.. وأتخيل أن الله في كل صباح يهب كل إنسان أربع وعشرون ساعة ! كرصيد يتاجر به ويعوض ما فاته.. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
16 مايو 2020

علاقة الكنيسة بالمقدس السماوي

إن الكنيسة على الأرض لا يمكنها أن تحيا بدون حضور المسيح بذبيحته الخلاصية في سر الافخارستيا وليست الافخارستيا تكرارًا لذبيحة الصليب التي قدمت مرة واحدة، ولكنها امتدادًا لها على طقس ملكي صادق الذي قدّم قربانه من الخبز والخمر وبالإفخارستيا ترتبط الكنيسة برأسها ورئيس كهنتها الأعظم الرب يسوع الجالس عن يمين عرش الآب في السماء، خادمًا للأقداس السمائية (انظر عب 8: 1، 2). وتلقب الكنيسة الإفخارستيا بأنها الذبيحة الناطقة السمائية فالكنيسة والحال هكذا هي سلم يعقوب المنصوب على الأرض ورأسه في السماءوالملائكة صاعدة ونازلة عليه والرب واقف على قمته بمجد عظيم أي أن الكنيسة تحيا في غربة على الأرض ورأسها في السماء. وفي مسيرتها علىالأرض تسير متطلعة دائمًا نحو السماء حيث المسيح جالس عن يمين العظمة. وقد أقام الرب في الكنيسة وكلاء أسرار الله للاحتفال بالأسرار المقدسة على الأرض. فالأسقف كوكيل الله (انظر تى1: 7) يحتفل بسر الإفخارستيا بكهنوت على طقس ملكي صادق يخدم به الأسرار المقدسة،ويقدّم مفاعيل الخلاص لشعب المسيح بسلطان الروح القدس، الذي به منح السيد المسيح الكهنوت لرسله القديسين بعد قيامته من الأموات، وذلك ليغفروا الخطايا على الأرض ما أجمل هذا الارتباط بين السيد المسيح الرأس وبين الكنيسة التي هي جسده (هي جسده ليس بالمعنى الحرفي ولكن بالمعنى الاعتباري).. هي العروس، والمسيح الإله الكلمة المتجسد هو عريسها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 يناير 2021

القديس أنطونيوس ومحبة الوحدة والسكون

أننا لا نستطيع أن نتأمل حياة الأنبا أنطونيوس فى يوم عيده ، دون أن نتذكر حياة الوحدة والسكون التي عاشها ، وثمار هذه الحياة فى حياته وفى تعاليمه لقد ذكر عنه القديس أثناسيوس الرسولى أنه قضى ثلاثين سنة، وقد أغلق على نفسه فى وحدة كاملة، لا يرى فيها وجه إنسان وفى هذه الوحدة اختبر ثمار السكون ، فى خلوة كاملة مع الله . وأمكنه أن يفرغ ذهنه من تذكارات العالم وأخباره وتفاهاته، لكي يملأ هذا الذهن بالله وحده ، فلا يفكر إلا فيه وفى مذاقته لحلاوة السكون نصح أولاده فيما بعد ، خوفا عليهم من أن يتبدد سكونهم خارج البرية، فقال[ الراهب فى الدير كالسمكة فى البحر ، لا تحيا خارج مياهه] وحتى حينما عاش معه القديس الأنبا بولس البسيط بضع سنوات ، يتتلمذ عليه ، ويحيا تحت ظل صلواته، طلب إليه أن يدخل إلى البرية ويحيا وحده [ ليجرب حروب الشياطين ]إنه الدرس الأول الذى أخذه الأنبا أنطونيوس [ أن كنت راهبا ، فأدخل إلى البرية الجوانية]… وكان هذا هو الدرس الذى يقال لكل راهب ، فى أن يتعلم الهدوء[ اجلس فى قلايتك ، والقلاية ستعلمك كل شئ] إن القديس الأنبا أنطونيوس هو الذى وضع أساس الرهبنة الأصيل. والنظام الذى وضعه هو الذى بقى أكثر من غيره… أكثر من حياة الشركة التي كانت تعتمد على رئيس حازم قوى كالقديس باخوميوس مثلا ، يديرها بدقة وجدية ، ويعاقب من يكسر قوانينها … فإذا لم توجد هذه الرئاسة انتهى قيام الرهبنة تبعا لذلك … وهكذا انتهت كثير من أديرة القديس باخوميوس.أما القديس أنطونيوس فكان يبنى الراهب من الداخل ، بمحبة الوحدة والسكون ، أكثر مما يبنيه بقوانين صارمة تحفظ طاعته كان يبنى قلب الراهب ، لا مجرد إرادته … وتصرفه كان يميت العالم داخل قلبه، ولا يقتصر على إماتة التصرفات العالمية فى سلوكه وهذه الإماتة كانت تأتى أولا بالوحدة ، بالبعد عن الكل ، لحفظ العقل فى السكون وتأتى ثانيا بانشغال الفكر والقلب بالله فى حياة السكون . ما أجمل قول مار أسحق [ إن مجرد نظر القفر ، يميت من القلب الحركات العالمية]. فى البرية تربى موسى قبل عمله الرعوي أكثر مما " تهذب بكل حكمة المصريين". وإلى البرية نقل الله أبانا إبرآم ، حيث تدرب على حياة الخيمة والمذبح ، أي الغربة والشركة مع الله . وفى البرية تدرب إيليا ، على جبل الكرمل . وفى البرية تدرب أيضا يوحنا المعمدان ، أعظم من ولدته النساء . وربنا يسوع المسيح أيضا أحب البرية والجبال ، وترك لنا فى ذلك مثالا ، حتى كما كان يختلي فى جبل الزيتون ( يو 8: 1) ويقضى الليل فى الصلاة ، نفعل نحن أيضًا وهكذا عاش الأنبا أنطونيوس ، ليس أياما ، وإنما الحياة كلها عاش بعيدا عن المدن ، وما فيها من صخب وضجيج وضوضاء ، وأيضا بعيدا عما فيها من دوامة المشغوليات ، التي لا تعطى فرصة لجلوس الإنسان مع نفسه أو جلوسه مع الله حقا ، لقد سألت نفسي مرة : لماذا خلق الله كل هذه الصحراوات؟ هذه الصحراوات الواسعة، وهذه الجبال والتلال ، فى كل قارة من القارات ، تمثل الهدوء والوحدة ، بعيدا عن صخب المدن أليس فى كل هذا إيحاء ، يشير إلى الناس بحياة الهدوء ؟! وكان السيد المسيح يأخذ تلاميذه إلى موضع قفر ، حتى تتركز حواسهم فى كلامه، ولا تنشغل بالمناظر والأفكار إن كل إنسان فى الدنيا ، مهما تعمق فى الحياة الروحية … هو محتاج إلى فترات هدوء ، يجلس فيها إلى الله، وإلى نفسه يهدأ بعيدا عن المشغوليات ، وبعيدا عما تجلبه الحواس من أفكار … وفى هدوء يأخذ من الله ، وأيضا يفحص ذاته ، ويأخذ من أعماق أعماقه ، حيث يسكن الله أيضا . هذا هو أول ما يجذبنا ، فى الحياة العميقة التي عاشها قديسنا وحياة السكون هذه، لها دلالتها الروحية الكثيرة فليس كل إنسان يستطيع أن يحيا حياة السكون فى البرية. وإن استطاع ذلك بضعة أيام أو أسابيع ، فلا يستطيع أن يحيا فى البرية العمر كله ، إلا إن كانت له دوافع روحية راسخة ، كما كان للقديس أنطونيوس . فما هي هذه الدوافع؟ أول صفة تلتزمها حياة البرية ، هي الزهد أن الذي يحب العالم ، تجذبه أمور العالم ، فلا يستطيع أن يبقى فى البرية إذ يشتاق إلى ما تركه فى العالم من أمور محببة إلى نفسه . وكما قال الكتاب : " حيثما يكون كنزك ، فهناك يكون قلبك "( مت 6: 21) . إنما يحيا فى البرية ، الإنسان الذى مات قلبه عن العالم موتا حقيقيا . بمقدار ما يكون قلبه مائتا عن العالم ، هكذا يكون ثباته فى البرية أيضا إذن الموت عن العالم ، يسبق بالضرورة الحياة فى البرية والقديس الأنبا أنطونيوس كان قلبه قد مات عن العالم وكل رغباته : ترك الأهل والبلد والمال والجاه والعلم وكل شئ . ولم يعد يشتهى شيئا عالميا ، لذا استطاع أن يسكن فى مقبرة ، وأن يسكن فى القفر وأن يحتمل الجوع والعطش والوحدة كذلك السكنى فى البرية تحتاج إلى شجاعة قلب يصلح لها قلب لا يخاف … لا يخاف الوحدة ، ولا الظلام ، ولا الوحوش والدبيب ، ولا الشياطين … وهكذا كان الأنبا أنطونيوس ، لقد تعرض لحروب مخيفة جدا . وكان الشياطين يظهرون له فى هيئة وحوش مفترسة ، تصيح بأصوات مرعبة، وتهجم عليه. ومع ذلك لم يخف ، بل وقف صامدا أمامهم … كذلك هاجموه لما كان فى المقبرة ، وضربوه ضربا مبرحا جدا ، ولم يهتز إطلاقا . وفيما بعد أصبحت الشياطين هي التي تخاف الأنبا أنطونيوس ، وأخذ قوة من الله على طرد الشياطين هذا هو الأنبا أنطونيوس رجل البرية ، وأبن الجبال ، صاحب القلب القوى الذى لا يخاف ، الذى عاش فى الجبال وحده عشرات السنوات ، لا يؤنسه سوى الله السكنى فى البرية أيضا يلزمها إنسان يعرف كيف يقضى وقته حسنا ، بحيث لا يمل من فراغ يحيط به فالوحدة ليست مجرد عمل سلبي ، هو البعد عن العالم ، أو الموت عن العالم ، إنما هي عمل إيجابي فى الحياة مع الله والالتصاق به ، ومذاقه حلاوته والعشرة معه. وهذا هو الهدف الأساسي من الوحدة ، التي تعتبر مجر وسيلة للالتصاق بالله . وأن كانت الوحدة هي الإنحلال من الكل ، فإن مار أسحق يقول [ الإنحلال من الكل ، للارتباط بالواحد] والأنبا أنطونيوس عاش حياة الصلاة وحياة التأمل ، منشغلا بالله كل وقته ، فكرا وقلبا ، فلم يمل ، ولم يعد محتاجا إلى عزاء بشرى يسليه. وصارت الوحدة بالنسبة إليه متعة روحية ، بسبب العشرة الإلهية التي شغلت حياته ولم يعش وحده فى البرية ، وانما كان الله معه عرف أن " الحاجة إلى واحد "، ونجح فى الارتباط بهذا الواحد ولما عاش فى حياة السكون ، دخل السكون إلى قلبه أيضاوكما قال مار أسحق :[ بسكون الجسد ، نقتنى سكون النفس ] هدأت حواسه ، وهدأت أفكاره، وهدأ قلبه من الداخل ، وهدأت ملامحه أيضا ، وصار مصدرا للسلام لكل من يتصل به . وفيه أحب الناس هذه الحياة الهادئة الساكنة المملوءة بالسلام بمرور الوقت زالت من فكره كل التذكارات القديمة التي عاشها فى العالم ، وأخذت نقاوة فكره تنمو شيئا فشيئا، حتى لم يعد فى فكره سوى الله وحده. أو محيت من ذهنه كل العالميات ، إذ لا استعمال ، ولا جديد يضاف إليها ، بل لا جديد سوى الأمور الإلهية التي رسخت فى ذهنه ، وملكته كله وفيما بعد، حينما سمح أن يكون له تلاميذ ، وزوار ، لم يكن يكلمهم إلا عن الله وحياة الروح. فصارت حياته كلها مركزة فى الله، فكرا، وشعورا وكلاما ومات العالم من حوله استطاع أن يحول الأرض التي عاش فيها إلى سماء ، وأن يحول أبناءه الرهبان إلى ملائكة أرضيين أو بشر سمائيين أما أنتم يا أخوتي ، فإن كنتم لا تستطيعون أن تسكنوا الجبال فعلى الأقل لا تحرموا أنفسكم من الخلوة والسكون على قدر طاقتكم ولو بضعة أيام كل سنة ، أو يوما كل أسبوع ، أو ساعة كل يوم ، أو بضعة دقائق كل ساعة انفضوا ضجيج العالم من آذانكم ، وغوصوا داخل أنفسكم ، واكتشفوا فى أية الطرق أنتم سائرون ، وماذا على كل منكم أن يفعل وأجلسوا مع الله ، وخذوا منه معونة ولا تجعلوا الفترة تطول بكم وسط ضجيج العالم ، حيثما استطعتم أن تنسحبوا من هذا الضجيج، انسحبوا بسرعة وإن لم تستطيعوا أن تنسحبوا منه موضعيا، فعلى الأقل انسحبوا منه موضوعيا فلا تشتركوا فى أعماله وأحاديثه كونوا كغرباء فى الموضع الذى لا يناسبكم حديثه. لا تشتركوا فى الكلام ، أن لم يمكنكم تغيير دفته. وفيما أنتم صامتون ، اسرحوا بأفكاركم فى الله وملكوته ، دون أن يشعر أحد وهكذا تحتفظوا بقلوبكم مع الله ، سواء كنتم فى خلوة أو مع الناس ، كما قال عن ذلك (الشاعر): كنت فى مجتمع أو خلوة أنا وحدي ، يستوي الأمران عندي لي طريق مفــرد أحببتـه عشـت فيه طـول هـذا العمر وحدي المهم أن محبة السكون تكون فى القلب ، وكإحدى نتائجها تتكون الرغبة فى الاختلاء بالله ، حتى وسط مشغوليات المجتمع ونصيحتي أنكم لا تأخذون أمور العالم بعمق لا تجعلوا أمور العالم تستقر فى عمق اهتمامكم ، بحيث تستولي على ذهنكم ، ويطيش فيها فكركم وقت الصلاة…!وفى محبتكم للوحدة ، لا تنفروا من الناس ومحبتهم، بل انفروا من الأخطاء … لأن هناك فرقا بين الوحدة والانطواء والقديس الأنبا أنطونيوس كانت حياته حبا للوحدة، حبا فى الله ، ولم تكن انطواء ولا كراهية للناس أو عجزا فى معاملتهم فكلما سمحت الفرصة ، كان يفيض حبا على الناس ، وكانت معاملاته تتميز بالطيبة والوداعة واللطف… مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد
22 سبتمبر 2020

عيد رفع الصليب

برقُ رعدِ النعمة الإلهيّة “إشارة الصليب” لماذا نرسم إشارة الصليب؟ وماذا نفهم من رسمها؟ سمعنا في قراءات غروب عيد رفع الصليب، وفي تراتيل السحر، إشاراتٍ إلى حوادث في العهد القديم مثَّلت رمزاً للصليب المقدَّس. أوّلها الكلام عن يونان النبيّ حين بسط يديه في جوف الحوت البحري بشكل صليب فرسم الآلام الخلاصيّة بوضوح، ولمَّا خرج من جوفه في اليوم الثالث مثَّل القيامة بعد ثلاثة الأيّام. كما أشارت التراتيل إلى موسى لمَّا ضرب بالعصا مستوية ثمَّ مخالفةً فرسم بها الصليب وشقَّ البحر الأحمر وأجاز فيه إسرائيل ماشياً. وأيضاً إلى تلك العصا التي ضرب بها الماء المرّ في مارة فحوَّله إلى ماءٍ عذبٍ للشعب العطشان. لكن أوضح وأجمل صورة هي تلك، عندما رفع موسى الحية النحاسية في البرية ليُشفى بها كلّ من ينظر إليها من لدغ الأفاعي آنذاك. وهذه الحيّة ترمز للمسيح المصلوب الذي حمل شكل بشرتنا لكنّه كان خالياً من الخطيئة كما الحيّة النحاسيّة كانت خالية من السمّ. وصار وهو إنسان علَّة حياةٍ وشفاءً لكلّ إنسانٍ. تتكرّر الصور والحوادث في العهد القديم التي تمثّل حدث الصليب. فيشوع بن نون حين طارد أعداءه رفع يديه إلى الربّ بشكل صليب ولم تغب الشمس حتّى قضى عليهم برمّتهم. كمثل يسوع حين بسط يديه على الصليب فقُضي على شوكة الخطيئة و سبي الجحيم وتمّ كلّ شيء.هكذا إذاً، كان رسم إشارة الصليب في العهد القديم يسبق حدثاً خلاصيّاً يتدخّل بعده الله بشكل جذريّ في حياة الناس. وخير دليل على ذلك ما تمَّ بعد صلب المسيح.لذلك نرسم إشارة الصليب عندما نشكر، على عبارة المجد للآب والابن والروح القدس. نرسم إشارة الصليب عندما نأكل وعندما نشبع، بعد الاستيقاظ وقبل النوم، عند الخروج من المنـزل وعند الدخول إليه. قبل الدرس وبعده… وقد تترافق إشارة الصليب في حياتنا اليوميّة مع أغلب التصرّفات، والحركات، والكلمات، وليتها ترافقها كلّها، فتباركها وتنقيها وتصفيها. ونرسم إشارة الصليب في الخِدَم الليتورجية، في الزواج، عند الإكليل، فنرسم بالأكاليل الصليب، وتُعطَى البركة في كلّ خدمة بإشارة الصليب، فيُبارك الماء وكلّ عنصر ليتورجيّ من نبيذٍ وخبزٍ وغيره بإشارة الصليب… إشارة الصليب باختصار هي نداء لاستدرار النعمة الإلهيّة.ما نستنتجه إذن، من كلّ الحوادث في العهد القديم التي رسمت بها إشارة الصليب، كما ورد سابقاً، ومن رسم إشارة الصليب في حياتنا اليوميّة وحياتنا الليتورجيّة المسيحيّة، هو أنَّ إشارة الصليب هي أولاً برقٌ يسبق رعدَ النعمة الإلهيّة وحضور قوّتها. وثانياً أنَّ رسم إشارة الصليب يتوسّط واقعَين: الأوّل هو الواقع القديم، والذي هو كما رأيناه في كلّ تلك الأمثلة، واقعَ خوفٍ أو حاجة، أو عطش، أو تعب، أو خطيئة أو إلخ… أي واقعَ الإنسان القديم. أمَّا الواقعُ الثاني يأتي بعد رسم إشارة الصليب فهو واقعُ الإنسان الجديد المرتوي بدل العطشان، والقوي بدل الضعيف، إنّه واقع النعمة التي تكمُلُ في ضعفنا.إشارة الصليب حدث يستدر النعمة الإلهيّة نستخدمها لقلب واقع قديم إلى حدث جديد. إشارة الصليب طعنة موجهة إلى إنساننا القديم، ونفخةُ حياة لقيامة إنساننا الجديد بالمسيح. إشارة الصليب انقلاب تحقّقه النعمة الإلهيّة التي طلبناها حين نرسم إشارة الظفر إنباءً بها.“فلصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدَّسة نسبّح ونمجّد”.آميــن من كتاب سفر الكلمة (الجزء الثاني) مدونة المطران بولس يازجي للروم الارثوذكس
المزيد
20 فبراير 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْقُضَاة

1- وبين اصحاح 3 : 8، اصحاح 11 : 36 فالذى يحسب من قسمه الارضالىنهايه تسلط العمونيين يجدها 329 سنه فمن قسمه الارضالىتسلط كوشان رشعتايم (ص 3 : 8) 10 سنين. ومن نهايه هذا التسلطالىتسلط العمونيين 300 سنه وسنه يضاف اليها مده تسلط العمونيين 18 سنه (ص 10: 8) مجموعها 329 سنه. ولكن فى سفر القضاه قيل انها 300 سنه، فنجيب ان يفتاح قال 300 سنه والمراد بقوله انها اكثرمن ذلك لانه من اصطلاحات اللغه العبريه استعمال اعداد تقريبيه عوضا عن الاعداد المضبوطه فاذا كان الفرق بين العدد الصحيح والكسور المضافه اليه بسيطا اكتفوا بذكر الصحيح. مثال ذلك ما جاء فى (عد 14 : 33) حيث ذكر 40 سنه والعدد الصحيح اقل من ذلك بقليل وفى (عد 3 : 39 و 26 : 22) احصى بنى اسرائيل والعدد يقسم على 10 بدون باق فنقول لمن اعترضوا على عدم وجود احاد واعتباره من المستحيلات ان الاحاد تركت اعتمادا على التقريب والايجاز، وامثال هذ كثير فى الكتاب المقدس وغيره. 2- بين اصحاح 8 : 27، عب 11 : 32 ففى الاول ان جدعون عبد الاوثان وفى الثانى يحسب مع الخالصين فنجيب : لا ريب ان جدعون تاب عن ضلاله ورجعالىعباده الهه كما يؤخذ من قول الكتاب (ومات جدعون بن يواش بشيبه صالحه) (قض 8 : 32). 3- بين اصحاح 13، اصحاح 14 – 16 ففى الاول ان شمشون ارسل من الله لخلاص اسرائيل من اعدائهم وفى الثانى ان شمشون سلك سلوكا مغايرا لشريعه الله. فنجيب ان ما اتاه شمشون من الشر كان من قبيل النقص البشرى، والله يستطيع ان يستخدم كل الوسائط لاتمام اغراضه. ويظهر ان الشعب حينئذ ضل للدرجه التى لم يكن فيها بينه من هو اليق من شمشون للقيام بهذا العمل. هذا على ان الله انعم على شمشون بالمواهب لا مكافاه لفضائله بل صيانه لشعبه من ظلم اعدجائهم، الا ان الله لم يترك شمشون بل ادبه تاديبا صارما (قض 16). 4- بين اصحاح 16 : 30، عب 11 : 32 ففى الاول ان شمشون امات نفسه وفى الثانى انه حسب من المؤمنين. فنجيب ان من يراجع خبر موت شوشون يجد انه مات تائباالىالله نادما عن معاصيه وجهله، وانه لم يقصد الانتحار انما قصد الانتقام من اعداء الله على قلعهم عينيه حتى منعوه من الانتصار لربه وشعبه ولكن الحال اقتضت ان يقتل مع الاعداء. فمثله مثل من استبسل فى الحرب العاديه فقتل فيها وهو يعلم انه لابد من ان يقتل. 5- بين اصحاح 17 : 7، اى 1 : 9 ففى الاول (كان غلام من بيت لحم يهوذا من عشيره يهوذا وهو لاوى) وفى الثانى يقرر ان كل سبط كان منفردا بذاته. فنجيب : ان الرجل لاوى بحكم الآيه واما سكنه فكان فى يهوذا، فذلك لان امه منها واما زواج ابيه اللاوى بامه من يهوذا فامر جائز فقد كان هرون اللاوى متزوجا بابنه عميناداب من يهوذا، وزكريا اللاوى باليصابات من يهوذا. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
27 يونيو 2022

فاعلية التوبة في حياة الخادم

1. توبة الخادم المستمرة تنقية متجددة لإناء حياته : الخادم هو حامل لشخص المسيح واسمه المبارك ؛ وإنجيله المقدس ، وهو شاهد حق لعمل النعمة الإلهية في الإنسان . ولا يمكن أن تصدر الشهادة عن الله من إنسان كسول روحياً غارق في خطاياه ، لأنهم « لا يجتنون من الشوك عنباً ولا من الحسك تينا » ( مت 7 : 16 ) . لذلك يلزمنا باستمرار تنقية الإناء ليحمل ـ عن نقاوة واستحقاق ـ اسم المسيح ونعمته في الداخل . أيها الخادم : « نق أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيا » ( مت ٢٣ : ٢٦ ) حتى تعيش في هذا الاختبار المفرح الذي يصفه القديس بولس الرسول بقوله : « إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه » ( کو ۳ : ۹۔۱۰ ) . أيضاً « أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق » ( أف 4 : ٢٣-٢٤ ) . ۲۔ توبة الخادم واعترافه حفاظ على روح التلمذة : * التوبة والاعتراف يحفظان الإنسان في روح التلمذة التي لا غنى عنها مهما كثرت معلوماتنا ومعارفنا في الخدمة . ( سيأتى الحديث عن حياة التلمذة تفصيلاً ) ، والفخ الخطير الذي يقع فيه بعض الخدام أنه يظن عن نفسه أنه شئ وأنه قد وصل إلى قامة روحية كبيرة ؛ وبالتالي أصبح أعلى من مستوى الجلوس كتلميذ ومنسحق بين يدى الكاهن وكيل أسرار الله . * وعلى فرض أن الخادم له مكانة عالية في العلم والمعرفة ؛ لكن لا ينبغي أن ينسى أنه . إنسان معرض للضعف والسقوط ؛ ولنتذكر الجبابرة الذين سقطوا من ثباتهم لابتعادهم عن روح التوبة وإصابتهم بروح الغرور والبر الذاتي . یا خادم : أذكر أنك إنسان وأنه ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران . وإذا تذكرت ذلك داوم على التوبة بدموع والاعتراف بانسحاق وانتظام . 3- توبة الخادم واعترافه لهما مقاييس دقيقة : ربما تمر الخطايا أمام معظم الناس دون أدنى اعتبار للخطأ وكسر الوصية والتعدى وقد يستهين الناس بما يسمونه بالخطايا الصغيرة أو البسيطة فإذا بهم يتدرجون من ذلك إلى ارتكاب ما هو أفظع دون تدقيق أو تأثر .أما الخادم فلأنه إنسان يسعى للقداسة والكمال لذا فهو لا يحيا في المفاهيم الضعيفة ولا يرضى لنفسه مهادنة الخطية وقبول العثرة وتفويت الخطأ والتساهل مع النفس ، ولكنه يمسك الخطايا الصغيرة ويدفنهم عند صخرة التوبة والاعتراف « يا بنت بابل الشقية ... طوبى لمن يمسك أطفالك ويدفنهم عند الصخرة » ( مز 136 ـ صلاة النوم ) . والخادم الروحاني العميق يخاف الله ويهاب الإنجيل ويقدس الوصية ويعلم أن كل كلمة بطالة سوف يعطى عنها حساباً . يوم الدين ( مت ۱۲ : ٣٦ ) . لذلك يدقق في اعترافاته ويتوب عن الهفوات والسهوات وينشد الكمال إذ يريد أن يتطهر من كل نجاسة مشتاقاً إلى حياة البر والفضيلة . ومن هذا المنطلق فإن اعتراف الخادم ينبغي أن يشمل السلبيات التي اقترفها . وكذا التوبة عن تقصيره في اقتناء الفضائل والعيشة بالإيجابيات ، والكتاب المقدس يعلمنا أن من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له ( يع 4 : ١٧ ) وكل خطية موجبة للتوبة والاعتراف . 4. توبة الخادم واعترافه إنتماء حي للكنيسة والأبوة : كيف يمكن أن نصدق أرثوذكسية الخادم وكنسيته وهو لا يتوب ولا يعترف ولا .يتتلمذ على يدى الكاهن ؟ !! هل يكفى بالنسبة له أن يلقى عشرات الدروس عن الكنيسة وأسرارها المقدسة وهو لا يمارسها كحياة معاشة تثبت انتمائه لجسد المسيح السرى وهو الكنيسة ؟ هل يكفى للبعض أن ينادوا الكهنوت بعبارة « يا أبانا » وهم عملياً ليس لهم أب يرشدهم ويعينهم ويأخذ بيدهم إذ سقطوا ؟ كما تشير حكمة ابن سيراخ « الويل لمن ليس له ثان لأنه إذا سقط فمن يقيمه » . هل يتجاسر خادم أن يقترب إلى سر الافخارستيا المقدس وهو غير قائم في حياة التوبة وغير معترف بخطاياه أو غير نادم على فعلها ؟ ليت هذه الأسئلة كلها تكون محركاً لنا لنكون أكثر أمانة وتدقيقاً في حياتنا من جهة كل وسائط النعمة اللازمة لخلاص نفوسنا وبالأخص حياة التوبة والاعتراف . ٥- توبة الخادم واعترافه قدوة رائعة للمخدومين : قد يبذل الخادم جهداً كبيراً لإقناع مخدوميه بأهمية سر التوبة والاعتراف في حياتهم ، وفي سبيل ذلك يحضر درساً مستوفياً ويستعين بشواهد وأدلة كتابية ؛ وقصصاً من تاريخ الكنيسة .. إلخ ولكن إذا تم هذا كله بدون أن تكون له حياته الدائمة في ممارسة هذا السر مع اقتناعه الداخلي بذلك وتمتعه بالبركة في حياته ، فلن تؤثر في مخدومیه كثرة الكلمات وتعدد الدروس ومهارة الالقاء . إن درس التوبة والاعتراف المثمر في حياة المخدوم هو رؤيته لخادمه وهو يجلس في انسحاق مع أب الاعتراف يعطى توبة عن خطاياه بل ويود أن يحمل خطايا الآخرين أيضاً فوق رأسه ويعترف بها نيابة عنهم . وهذا يقودنا للنقطة التالية في فاعلية توبة الخادم . 6.توبة الخادم واعترافه شفاعةعن المخدومين : الخادم عموماً هو شفيع عمن يخدمهم ، وبصفة خاصة هو شفيع عن الخطاة من خلال أنه يتقدمهم كتائب ومعترف أمام عرش النعمة ـ هذه الملحمة الرائعة يصفها الوحي الإلهي في ( سفر يوئيل ٢ : ۱۲-۱۷ ) « ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يارب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار » .. الخادم عندما يتوب ويبكى ويعترف إنما يوقظ ضمائر الخطاة ويشفع عن المذنبين ، وبسبب توبته يضم الرب إلى الكنيسة كل يوم الذين يخلصون ( أع ٢ : ٤٧ ) . نعم نحتاج كخدام أن نتوب لنتوب الآخرين معنا ، وهكذا نخلص ونخلص على كل حال قوما . وأخطر إحساس ينتاب الخادم ويستسلم له هو الاستغناء التدريجي عن حياة التوبة ومشاعر الانسحاق إلى أن يتحول في النهاية إلى مجرد إنسان يبذل ويتعب ويتحرك دون أن تكون له الفرصة لينسكب في محضر الله وأب الإعتراف ؛ يبكت نفسه ويوبخ ضميره ويقرع صدره بشدة : « اللهم ارحمني أنا الخاطئ » ( لو ۱۸ : ۱۳ ) ؛ ويقيم كيرنيليوس المخدوم قائلاً : « قم أنا أيضا إنسان » ( أع 10 : ٢٦ ) . إذن يليق بنا أن نمارس التوبة دوما وأن نستقى اللبن العقلى العديم الغش لكي ننمو به ( ۱ بط ۲ : ۲ ) ؛ ومهما وصلت قاماتنا الروحية بلوغاً ونضجاً فنحن أول الخطاة ولازلنا مبتدئين في طريق الروح . * والحقيقة أنه كلما تقدم الإنسان في مجالات الروح وميادين الخدمة تصبح توبته شيئاً يحتاج لجهاد أصعب . فقد يحارب بمعطلات وعوائق كثيرة تتطلب منه مزيداً من الجهاد للتغلب عليها . القمص بيشوى وديع كاهن كاتدارئية كنيسة الشهيد مارجرجس وشهداء طنطا الأطهار عن كتاب الخادم الأرثوذكسى كنيسة وحياة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل