المقالات
23 مايو 2025
“القيامة والحواس المضيئة”
القيامة المجيدة هى أروع حدث فى تاريخ حياتنا ومسيحيتنا، فضلا عن كونها أساس إيماننا وعقيدتنا, وبالتالى فهى مصدر أفراحنا وسلامنا. والقيامة ليست تاريخا أو حدثا ومضى، بل هى حياة معاشة كل يوم ونورها يتخلل كل أنشطة حياتنا لأنها فعل مستمر وممتد عبر السنين والقرون، وهى تدشين بُعد جديد للوجود الانسانى.
ولذا نحتفل بها على أربعة مستويات: كل يوم «فى صلاة باكر بالاجبية», كل اسبوع «فى يوم الاحد الذى هو يوم النور «Sunday», كل شهر قبطى فى يوم 29 من الشهر تذكار للبشارة والميلاد والقيامة», وكل سنة «فى الخماسين المقدسة التى تلى يوم عيد القيامة». والمثير للدهشة اننا فى صلاة باكر كل يوم نردد هذه القطعة الثانية حيث نقول: «عندما دخل إلينا وقت الصباح أيها المسيح إلهنا» النور الحقيقى.. فلتشرق فينا.. الحواس المضيئة ..والأفكار النورانية .. ولاتغطينا ظلمة الآلام…
وأود أن أتوقف معكم عند عبارة «الحواس المضيئة» والتى نسبقها بمخاطبة السيد المسيح بكونه «النور الحقيقى» حيث نطلب منه أن يشرق فينا وذلك من خلال قيامته المجيدة حتى تصير لنا الحواس المضيئة. والمعروف أن الحواس نعمة من الله لجميع الكائنات الحية خاصة الانسان الذى منحه الله هذه الحواس الخمس التى هى المصدر الرئيسى للإدراك والاكتشاف والتعليم والمعرفة والفهم والشعور والاحساس وترتبط هذه الحواس الخمس مع بعضها فى عملية التواصل مع الاشياء والافراد والحياة الانسانية بمجملها. وبالطبع فهذه الحواس تقوم بعملها على المستوى المادى الأرضى وعندما تضعف أى حاسة يحتاج الانسان الى مساعدات مثل النظارة للعين أو السماعة للاذن وهكذا. ولكن نورقيامة السيد المسيح يمنح هذه الحواس امكانات أكثر لتصير مضيئة تتعدى الجانب المادى الى آفاق اكثر اتساعا وفهما لحكمة الخالق، والتعامل الايجابى مع مواقف الحياة المتعددة، وهذا ما نسميه نور العقل أو العقل المستنير بعيدا عما نسميه عمى القلب أو بلادة الاحساس وهكذا. فالحواس المضيئة مرهفة… حساسة… واعية.. تحيا عمق الانسانية وسموها كما قصده الله فيها.ونستطيع أن نرى هذه الحواس المضيئة فى مشاهد القيامة المجيدة ممثلة فى أفراد وشخصيات قدمت لنا كيف تكون حواسنا مضيئة وافكارنا نورانية كشهادات فرح حقيقية.
أولا: حاسة البصر والتلاميذ: فى مساء يوم القيامة اجتمع التلاميذ بسبب الخوف من اليهود فى غرفة «عُلية» مغلقة الابواب وذلك بعد احداث الصليب المؤلمة، ولكن فجأة ظهر المسيح فى وسطهم وقال لهم: سلام لكم، ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب …» (يوحنا 20 :19 ، 20). كان تلاميذ المسيح مرافقين له فى معجزاته وتعاليمه ومقابلاته وكل أحداث خدمته على الأرض والتى استغرقت ثلاث سنين وعدة أشهر.. كانوا يرونه كل يوم وعرفوه جيدا ولكن موت الصليب أصابهم بألم وهلع ورعب واحتموا ببعضهم داخل غرفة صغيرة خوفا من انتقام اليهود.. وكانت هذه «الرؤية المفرحة» عندما ظهر فى وسطهم عشية يوم القيامة ومنحهم السلام ونفخ فى وجوههم وقال لهم «اقبلوا الروح القدس» (يوحنا 20: 22). فرأت عيونهم مسيحهم القائم والمنتصر. ومن وقتها صارت لهم حاسة البصر المفرحة أى أن رؤية المسيح قلبيا هى سبب أساسى للفرح. وما الصلاة وقراءة الكتاب المقدس إلا ممارسات تعبدية نقوم بها لنرى المسيح فى قلوبنا كل يوم فتصير أبصارنا مضيئة ترى الفرح وتعيشه تشعر به دوما.
ثانيا: حاسة السمع ومريم المجدلية: كانت مريم المجدلية انسانة ذات ثروة وصيت حسن ولكن ابتليت بسبعة شياطين أخرجهم منها السيد المسيح فتبعته (لوقا 8 : 2، 3) وثبتت فى تبعيتها الى المنتهى حيث كانت معه وقت الصليب (يوحنا 19 : 25) والدفن (مرقس 15 : 47) وقد شرفها المسيح القائم بحديثه معها عندما ذهبت فجر الأحد الى القبر لتواصل البكاء على مسيحها الذى تشعر بالوفاء نحوه…. ومن كثرة دموعها واحساسها الأليم لم تبصر جيدا من يحدثها وظنته البستانى الذى يعتنى بالمكان ، ولكن عندما سمعت اسمها ينطقه المسيح، انتبهت بأذن مضيئة وعرفته على الفور وقالت له :«ربونى» الذى تفسيره يامعلم (يوحنا 20 : 11ــ 18). هذه هى الأذن الجديدة التى اشرق عليها نور المسيح فصارت أكثر استجابة وحضورا وفهما صارت اذن مستنيرة تطيع الوصية فنشعر بالفرح وتنتهى الدموع مثلما كان صموئيل النبى طفلا عندما تلقى نصيحة معلمه الكاهن ليصلى قائلا: «تكلم يارب لأن عبدك سامع» (صموئيل 3: 9). وفى المقابل يشتهى الله أن يسمع أصواتنا فهى جميلة ولطيفة عنده مثلما قال لعروس النشيد: «أرينى وجهك، أسمعينى صوتك، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل» (نشيد الانشاد 2: 14).
ثالثا: حاسة الشم والمريمات: جاءت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومه إلى القبر فى فجر يوم الأحد أول الاسبوع حاملات الطيب والحنوط ليقدمن رمز الوفاء على حبيبهن المسيح الذى مات على عود الصليب (مرقس 16: 102)والحنوط مواد نباتية ذات روائح عطرية محببة للنفس تقدم كأسمى المشاعر الانسانية تذكارا وامتنانا لمن انتقل من هذه الحياة وكأنها تقول ـ الحنوط ـ إن سيرتكم كانت سامية وطاهرة ونقية ومقدسة وهذه الحنوط ترمز لذلك. وهذه عادات قديمة جدا ومازالت موجودة حيث نضع الزهور على قبور الأحباء كتعبير عن الوفاء. كانت هذه الحنوط برائحتها الجميلة فى يد المريمات رمزا لحاسة الشم الرقيقة والتى تقدم أفضل ما عندها كما فعلت مريم أخت لعازر التى قدمت «طيب ناردين خالص «نقى» كثير الثمن ودهنت قدمى يسوع ومسحت قدميه بشعرها فامتلأ البيت من رائحة الطيب» (يوحنا 12: 3). ونحن نستخدم البخور أيضا فى صلواتنا الكنسية تعبيرا عن استنارة حياتنا ورقة مشاعرنا نحو مسيحنا القدوس والتى نشتم بها رائحة القداسة والسيرة الحسنة. «لأننا رائحة المسيح الذكية» (2 كونثوس 2: 15) بعيدا عن روائح الشر والدنس والنجاسة بصفة عامة.
رابعا: حاسة التذوق وبطرس الرسول: وقع بطرس الرسول فى خطية الانكار (يوحنا 18: 15- 27) أثناء أحداث الصليب، وقد نبهه السيد المسيح قبلا، ولذا «بكى بكاء مرا» (لوقا 22: 62) ويبدو أنه سقط فى صغر النفس وهو الذى كان تلميذا مقربا للمسيح عاين الكثير من معجزاته واعماله، فابتعد عن دائرة التلاميذ مفضلا العودة الى صيد السمك (مهنته الأولى) إحراجا وخجلا (لوقا 5: 1- 11) فذهب مع عدد من التلاميذ إلى بحر طبرية للصيد وهناك اصطادوا مائة وثلاثا وخمسين سمكة بعدما ظهر لهم المسيح ثم دعاهم «هلموا تغدوا» (يوحنا 21: 12)، وبعدما تغدوا وذاقوا من السمك الذى اصطاده، وكان بينهم بطرس، حيث ناداه المسيح » «يا سمعان بن يونا، اتحبنى أكثر من هؤلاء»؟ «قال له: نعم يارب أنت تعلم أنى احبك». وتكرر هذا الحوار مرتين (يوحنا 21: 15 – 18) لذا نسميه حوار الحب الذى تذوقه بطرس بعد خطيته فى ضوء القيامة المجيدة والتى اضفت نورها على حياة بطرس الرسول. فلم يكن هذا اللقاء مجرد معجزة صيد أو تناول طعام بل تذوق حب غامر ومتدفق من المسيح نحونا فى شخص التلاميذ وبطرس الرسول معهم.. وهكذا يوصينا المزمور «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب!» (مزمور 34: 8). حاسة التذوق ليس للماديات فقط وإنما أيضا تذوق الروحيات والمعانى السامية والحياة الطاهرة والسيرة الحسنة… وهكذا تكون حاسة مضيئة.
خامسا: حاسة اللمس وتوما الرسول:لم يكن توما الرسول حاضرا وقت قيامة المسيح وعند ظهوره للتلاميذ مساء يوم القيامة، وحين أخبروه أنهم رأوا الرب «قال لهم: إن لم أبصر فى يديه أثر المسامير وأضع أصبعى فى أثر المسامير وأضع يدى فى جنبه لا أؤمن» (يوحنا 20: 25). ومنذ هذه الحادثة أطلق عليه «توما الشكاك»… ولكن بعد ثمانية أيام ظهر السيد المسيح القائم للتلاميذ وبينهم توما وقال له «هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدى وهات يدك وضعها فى جنبى ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا»، أجاب توما: « ربى وإلهى» (يوحنا 20: 27، 28) وهكذا من خلال حاسة اللمس استنار وعيه واستعاد إيمانه وصرخ صرخته المدويه «ربى وإلهى» وهو الاعتراف الايمانى واللاهوتى القوى. وحسب التقليد الكنسى يمسك الكاهن والأسقف صليبا على الدوام فى الصوات والخدمات الكنسية ليتلامس مع صليب المسيح فتكون له الحواس المضيئة التى تمتد أيضا إلى تقليد قبله السلامة التى نمارسها أثناء القداس الإلهى كتعبير عن المصالحة والسلام وهكذا تجعل قيامة رب المجد حواسنا مضيئة وأفكارنا نورانية لنواجه عالمنا بالحب والرحمة والحواس الحية والعقول المستنيرة فيصير عالما أفضل وحسب قلب الله وكل عيد قيامة وجميعكم بخير.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
22 مايو 2025
مشكلة الإخوة الطوال
الأخوة الطوال ويوحنا ذهبى الفم
تعليق: قبل أن نتكلم عن مشكلة الإخوة الطوال مع البابا ثاوفيلس لوحظ أن بابا الإسكندرية كانت من طباعه أن يسير بخطه محاولة وضع أتباعه فى مراكز الأسقفية بالعالم القديم فكان فى قبرص أسقف مصرى وفى أورشليم وفى خلقيدونية وكان يريد وضع القديس إيسيذوروس كبطريرك للقسطنطينية ولكنه أخفق فقد إختير ذهبى الفم، وقد تردد أنه خصاله أنه عنيف فى مقاومة خصومه يكيل لهم بمكيالين ولم يكن يهتم كثير بالعقيدة الإيمانية المسيحية فمثلاً إنحاز مع الرهبان أصحاب هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism وقال لهم عندما رأيتكم كمن رأيت وجه الإله، ولم ينسحب الرهبان الهراطقة إلا بعد أن وعدهم بحرمان أوريجانوس وكتابات أوريجانوس بل وكل من يقرأ كتابات أوريجانوس (وهذا ما تم فعلاً فى عيد الفصح التالى)، فهل فعل هذا لأنهم كثيرى العدد، كما أنه لم يتضح هل إنحيازه لهم نتيجة خوفه منهم؟ أم لأنه إعتنق هذه الهرطقة؟ أم لأنه يريد إنتقاماً من خصومه فركب الموجة العالية حتى يصل إلى مرماه أم ماذا؟ أم كما يقول المؤرخين الغربيين أنه كان رجلاً عنيفاً غضوباً لا يرحم معارضيه وأطلقوا عليه أسم فرعون؟ أم أنه كان محباً للسلطة والشهرة هدم الهياكل الوثنية ليكون اسمه على كل لسان وهاجم الأوريجانية وكأنه هاجم هرطقة تهدد الكنيسة ليكون اسمه على كل لسان؟ لقد حاول الأغلبية من مؤرخى الكنيسة القبطية تجميل صورة هذا البطريرك ودفع الإتهامات عنه بإخفاء بعض الحقائق أو ذكر بعضها والرد على الإتهامات ولكنهم أخفقوا جميعا والبعض أظهرها غير واضحة وعندما سرد أحد الاباء الموقرين ما قالة المؤرخين وسئل عن هذا قال: لقد ذكرت الحقيقة إحقاقاً للحق!!
من هم الأخوة الطوال؟
نشأ الأخوة الطوال فى الفرما وأصبحوا من بين رهبان هناك، وكانوا أربعة أخوة إشتهروا بطول القامه وعرفوا فى التاريخ بأسم " الأخوة الطوال " وكان أكبرهم فى العمر أسمه الآباء أمونيوس (آمون) وأطلقوا عليه أسم باروتيس (أطلق عليه المؤرخين لقب باروتيس ومعنى هذا الإسم: صاحب الأذن الواحدة) أرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة لرسامته أسقفاً. فلما رأى الجنود قادمين، أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف، وقال إذا أصر البابا تيموثاوس على رسامته فسيضطر إلى قطع لسانه فتركوه، وقد سافر أمونيوس مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى رومية عام 341م والأخ الثانى أسمه ديسقوروس أقامه البابا ثاؤغيلس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أما الأخ الثالث وأسمه يوساب والرابع وأسمه أنتيموس أقامهما البابا قسيسين فى كنيسة الإسكندرية هؤلاء الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، وقاموا بالنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا أثناسيوس. وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس والبابا ثاوفيلس حتى سنة 400م، فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة، فرسم ديسقورس أسقفًا على هرموبوليس كما سام اثنين منهم يوساب و أنتيموس كاهنين بعد اعتذارهم عن السيامة كأساقفة. لقد أراد البابا أن يستبقيهم معه في الإسكندرية لمساندته في الرعاية لكنهم فضلوا سكنى البرية وكان من أكبر مناطق تجمع الرهبان المصريين فى عصر البابا ثائوفيلس 23 الأولى: منطقة نتريا ، الثانية: منطقة الإسقيط وتشمل أديرة وادى النطرون وبدأت أتعاب البابا ثائوفيلس 23 مرة اخرى
وفي البداية كان البابا محبًا لكتابات أوريجينوس، حتى أنه في سنة 399م إذ رأى الخلاف محتدمًا بين يوحنا أسقف أورشليم وهو من رهبان وادى النطرون وجيروم بسبب العلامة أوريجينوس حاول مصالحتهما، فشعر جيروم (القديس إيرونيموس) أن البابا ينحاز لأوريجينوس، فكتب إليه بعنف يقول: "إنك لا تعرف كيف يكون الجدل والمناقشة، لأنك تعيش مع رهبان يجلون قدرك ويرفعون مقامك ويجلون قدرك عند مقابلتهم إياك بل يحبونك ويظهروا لك إخلاصهم بولاء لأنك لم تظلمهم أو بالحرى لم تقسو عليهم فى شئ " ولكن فى الحقيقة لم ينقضى وقت حتى ظهر الخلاف بين رهبان مصر وإنحاز البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لرهبان الإسقيط وعامل رهبان نتريا قسوة .
العلاقة المميزة بين رهبان الإسقيط والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23
تقول مسز بتشر : " أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 كان على وفاق ووئام تام مع جماعة الرهبان العديدين فى مصر خصوصاً مع رهبان وادى النطرون الذى هو أكبر الأديرة وأقرب لمدينة الإسكندرية وكانوا قد ساعدوه فى هدم الهياكل وتدميرها فمدح غيرة إيمانهم وكافأهم على ذلك بأن كان يختار من بينهم ليرسمهم لرتبة الأسقفية كلما كانت تسنح له الفرصة وكان من بين الذين أصبحوا أساقفة ديسقوروس أحد الإخوة طويلى القامة، وكان أسقفاً على هرموبوليس (المنيا)، أما شقيقاه يوساب وبوثيموس كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 طلب منهم أن يتركا دير وادى النطرون ورسمهما كاهنين فى كنيسة الإسكندرية "
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم): بسبب بدعة انتشرت بين بعض رهبان الإسقيط كان رأسها أفوديوس من بين النهرين مؤداها أن الإله ذو صورة بشرية وذو أعضاء جسمية ، وفي نفس السنة نشر البطريرك رسالة عيد الفصح السنوية، فاغتاظ أولئك الرهبان من عبارة وردت فيها وهى قوله: "إن الله روح لا يدركه الفهم، وليس هو مجرد إنسان يقع تحت الحد والحصر"، فهاجوا على البطريرك لما رأوه يخالفهم في الاعتقاد وترك وتصف المؤرخة مسز بتشر هياج رهبان الإسقيط فتقول: " وكان أساس هذا الفكر هو الراهب سيرابيون
رهبان الإسقيط يريدون الفتك بالبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فلما قرأ هؤلاء العميان هذه الرسالة حنقوا وهاجوا هياجاً لم يكن منتظراً من رهبان تركوا العالم وقاموا بجيش جرار، وتركوا وادى النطرون وساروا بعرض الصحراء إلى أن وصلوا القصر الذى كان يقيم فيه البابا فإحتشدوا حوله كالنمل وأخذوا يصيحون ويتوعدون ويتهددون البابا بالموت العاجل إن لم يسحب كلامه ويعدل عن رأيه فى رسالته الفصحية . أكثرهم قلاليلهم وجاءوا كجيشٍ جرارٍ إلى الإسكندرية وعزموا على الفتك بالبطريرك حالما يقع بصرهم عليه واحتشدوا حول داره وهم يتهددونه ويتوعدونه.
وإذ رأى أن قلوبهم مملوءة بالغيظ ولم يجد له عضدًا أسرع على مرتفع وصعد عليه وخاطبهم بعبارات رقيقة تهدئ الخواطر الهائجة ومن ذلك قوله لهم: "إنني إذا رأيت وجوهكم أشعر كأني أشاهد الله لأنكم على صورته ومثاله"، فسكن ثورتهم قليلاً، وفهم من عبارته أنه لا يخالفهم فى الإعتقاد وتستطرد مسز بتشر قائلة: " ولكن هذا هذا التملق لم يكن ليسكتهم أو يوقفهم عند حدهم بل صاح بعض زعمائهم طالبين من البطريرك أن يحرم أوريجانوس ويشجبه إنهم إعتبروا ان البدعة التى ذكرها البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فى رسالته الفصحية حسب زعمهم وتفكيرهم قد إقتبسها البابا من آراء أوريجانوس وكتاباته أو أفكاره .. فلم ينصرفوا من أمام الدارالبطريركية إلا بعد أن وعدهم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بتنفيذ طلبهم بحرمان أوريجانوس " أما الأخوة الطوال فلم يرضهم تصرف البابا وإزدروا بتملقه، وعادوا راجعين إلى وادى النطرون دون أن يقابلوه ويفصحوا عن وجهة نظرهم ولكن الخلاف لم بنتهى فإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يصالح هؤلاء الرهبان المتحفزين للثورة والفتك به وكان يخشاهم لأنه إستخدم بعضهم كأساقفة وفى المصالح الكنسية، وإستمر فى إختيار زعمائهم للمناصب الكنسية خوفاً من بطشهم وعنفهم حتى يبعدهم عن إثارة الرهبان ضده وعن مركز الثورة .
البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 يحرم أوريجانوس وكل من يقرأ كتبه
وكان رهبان الإسقيط يظنون أن العبارة التي أوردها عن الإله في رسالة عيد الفصح اقتبسها من مؤلفات أوريجينوس. لذلك طلبوا إليه بشدة أن يحرم أوريجينوس وكل من يطالع كتبه فوعدهم بذلك ثم انعكف حسب قول المؤرخين على مطالعة كتب أوريجينوس إذ لم يكن طالعها قبلاً فتبين من بعض ألفاظها ما يشعر بضلاله وفي أوائل السنة التالية شكل مجمعًا حرم أوريجينوس وندد بتعليمه في رسالة عيد الفصح بل وحرم كل من يقرأ كتاباته.
مشكلة الإخوة الطوال القامة
(تعليق: أمامنا فى كتب التاريخ مجموعتين من الرهبان رهبان الأسقيط الذى عرفنا عنهم أنهم يعتنقون فكر تجسيم الله، والمجموعة الثانية هم رهبان نتريا الذين إعتنقوا فكر أورجينوس وهو الفكر المجازى، وكان رهبان الإسقيط أكثر عدداً وقوة من رهبان نتريا، وكان من الواضح أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23مال لفكر رهبان الإسقيط بعد أن كان ميالاً للفكر الأوريجانى وكانت مشكلة الإخوة الطوال القامة الأوريجينيين هى المشكلة الرئيسية التي شوهت صورة هذا البابا فى التاريخ) إذ درس البابا ثاوفيلس كتابات العلامة أوريجينوس واكتشف بعض الأخطاء اللاهوتية صار مقاومًا لكل ما هو أوريجيني ويقول الأنبا أيسذورس: " وظهر شقاق بين رهبان مصر بسبب مؤلفات أوريجانوس العلامة فكان: بعضهم يحرم القراءة فيها وهم رهبان الإسقيط .. والبعض الاخر يحل ذلك وهم رهبان جبل نتريا (الفرم) فذهبت سفارة (أى مجموعة منتدبة من رهبان الإسقيط) وألحت على البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يحرم من يقرأ تلك المؤلفات ففعل برأيهم أى أنه حرم كل من يقرأ كتابات أوريجينوس
إيسودورس (إيزودورس - إيسيذورس) أمين الصندوق
يقول القس منسى: " أما ما ألهب الموقف بينهما (البابا والأخوة الطوال) فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا . أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً. "
تقول مسز بتشر: " وكان إيسودورس (إيزودورس) أمين صندوق كنائس الإسكندرية صديقاً حميماً البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ودامت هذه الصداقة بينهما مدة من السنين، ولكن لأسباب ما تغير الحال وأصبحت الصداقة عداوة، وإستحكم الخلاف بين الإثنين، ولما كان إيسودورس يعتقد أن الإله روح، إتخذ البابا ثاؤفيلس إعتقاده لإيقاع به، بأن إنضم لأولئك الرهبان الهراطقة الذين كان ينفر منهم وحرضهم ضد إيسودورس . وقد ذكر البعض أسباب كثيرة قالوا أنها منشأ هذا الخلاف ولكن الذى يقرب إلى العقل (من المنطق) أن سبب الخلاف بينهما هو خلاف مالى يختص بالصندوق لأن الدراهم علة كل البلايا وسبب للخلاف والإنشقاقات فى هذا العالم، وكما قال الكتاب المال أصل لكل الشرور ويقول الأروام الملكيين" وأراد ثيوفيلوس أن يغتصب ثروة أرملة. ولكن كيف يبرر هذا الاغتصاب؟. فلجأ إلى مدير أبرشيته: الايكونومس ايزيدوروس. إلا أنه كان تقياً صالحاً فرفض أن يشاركه في هذه السرقة. فغضب وأصدر أمره بإلقاء القبض عليه وتعذيبه وتسليمه للقضاء. إذا كان الأسقف الإسكندري يتمتع بصلاحيات زمنية. ولإثبات التهمة كان الفرعون بحاجة إلى شهود. ولمّا كان مدير الأبرشية يتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن، وجب إذن أن يكون الشهود أوفر فضيلة منه. ولا يتمتع بهذه الفضيلة إلا الأخوة الطوال. فاستدعاهم ثيوفيلوس وطلب منهم الشهادة. ولكنهم رفضوا بحزم. فأصدر أمره للجنود، فعذبوا الأخوة الطوال ثم قيدوهم بالحديد. وتولى ثيوفيلوس بنفسه ضربهم، بيديه. ثم راح يدوسهم برجليه. ثم اقتيدوا للسجن في سلاسل الحديد. وهزّ هذا المنظر الإسكندرية بأسرها. فلم يكن أمام ثيوفيلوس إلا أن يذيع خبر بأن الأخوة الطول أصحاب هرطقة. ولم تنجح الحيلة فأطلق سراحهم."وإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن ينحاز لمجموعة رهبان السقيط الذين ضد مبدأ أوريجانوس الصحيح وهؤلاء الرهبان الذين كانوا يعتقون بإنسانية الإله وحسب ما ذكرنا سابقاً أنه فى أوائل السنة التالية شكل هذا البطريرك مجمعاً حرم أوريجانوس وتعاليمه ومن يقرأ كتاباته وقد كان هذا الحرم لوعد وعده مسبقاً لرهبان الأسقيط قبل قراءة أو فحص كتبه .
نفى الرهبان ومقابلة البابا لوفد رهبانى يرأسة احد الإخوة الطوال
لم يكتف البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك بل أنه فى رسالة الفصح سنة 401 م كتب ضد أوريجانوس كلاماً مؤلماً وذكر منه غلطات وهفوات لم يكن لها وجود فى هذا الرجل النابغة ولكنها خرجت من مخيلة البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وأخيراً حكم عليه بأنه هرطوقى مبتدع وبدأ الخلاف بين إيسودورس والبابا يتسع فإستعمل البابا القوة ضده وضد مؤيديه فإضطر إيسودورس فى نفس السنة أن يهرب من الإسكندرية ويقيم فى وادى النطرون مع جماعة الرهبان الموجودين فيه، فلم يكن أمام البابا إلا ان يصدر أمره إلى أساقفة الإبروشيات ورؤساء الديرة بنفى وطرد جميع الرهبان الذين يبجلون أوريجانوس ويتبنون أسلوبه المجازى فى تفسير الكتب المقدسة، او يرددون أقوال أوريجانوس وعندما وصل هذا الأمر الباباوى إلأسقف أمونيوس وهو أحد الأخوة الطوال القامة لم يسكت بل ذهب إلى الإسكندرية يرأس وفداً من الرهبان ليحتج ضد أعمال وأوامر البابا ويعترض على إتهامه لهم بأنهم مبتدعين لأنهم رفضوا قبول تفسير وفهم الكتاب المقدس بطريقة حرفية ناقصة كالرهبان الغبياء الذين كانوا يفسرون الكلمات التى تقال عن افله تفسيراً حرفياً وجعلوا الإله فى الشكل إنساناً وكان لما إنتشرت هذه الهرطقة وإعتنقها كثير من الرهبان الأغبياء الجهلة أن البابا ثاؤفيلس هابهم ومال لمذهبهم ولم يذكر المؤرخون أنه مال لمذهبهم إقتناعاً أم خوفاً أم لأن لهؤلاء الهراطقة من القوة بحيث إستغلها كمطرقة لضرب من لا يميل إليهم من الأساقفة والرهبان، ولكن فى كلا هذه الحالات كان يخالف ضميرة وإيمانه المسيحى، وقد جامل هؤلاء الهراطقة ضد الوفد الرهبانى المعتدل برئاسة الأنبا أمونيوس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أحد الأخوة الطوال الذى حاول غقناع البابا عن العدول عن حرمان أوريجانوس وكتاباته وكل من يقرأها وأن حعل الإله إنساناً مخالف للعقيدة المسيحية، وبالغم من أن أدلتهم وبراهينهم وحجتهم كانت أقوى من جهل هؤلاء الهراطقة، ولكن كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ثائراً لا يريد أن يسمع لصوت العقل والإيمان فعامل الأنبا أمونيوس والوفد المرافق له معاملة غير كريمة وتقول مسز بتشر: حتى قيل أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لطم الأنبا أمونيوس على فمع وإتهمه بأنه مبتدع لأنه رفض أن يحرم أوريجانوس ويحط من قدره، ومن الغريب أن خمسة من رهبان دير وادى النطرون الذين ليس لهم ذكر ولا شهره لجهلهم وغباوتهم أرادوا أن يصطلحوا مع البطريرك فطلبوا منه أن يصرح لهم بتلفيق تهم كاذبة ضد ثلاثة من مشاهير الرهبان وعظمائهم فوافق على طلبهم، وكانت النتيجة أن حكم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 على هؤلاء العظماء بالحرمان ورجع وفد رهبان إلى وادى النطرون وهو فى يأس وقنوط وقلب حزين ومكسور ورضى أعضاؤه بالرجوع فقط حتى بدون إحراز نتيجة، ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يرضى بوجود رهبان لهم فكر مختلف بل كان يسعى لإقلاق بالهم وراحتهم، وعندما سمع البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك أرسل منشوراً إلى رهبان الإسقيط يأمرهم أن يتجنبوا أولئك الرهبان وقطع (حرم) ديسقوروس أسقف (أرموبوليس) من شركته لأنه قبلهم وكان البابا قد تأكد من إزدياد سطوة الرهبان وتكاثر عددهم وقوتهم أن هذا من شأنه يقلص من سلطانه على الكنيسة، فإنحاز إلى الأغلبية ضد الأقلية، وجعل الخلاف ينمو بينهما ولم يقف بجانب الحق حتى أن جميع المؤرخين الأقباط المصريين قد أهملوا هذا الجانب من تصرف هذا البطريرك وكتبوه مبهما وكتبت مسز بتشر عن هذا البابا فقالت: " ولكن هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يتخذ طريقاً لقطع شآفة هذا الداء (الهرطقة) ولم يأت عملاً يبرره (أى ما فعله) فى أعين الناقدين بل صار سيراً (أى تصرف بما) يستحق الأسف كل مدة رئاسته المشؤمة "
هجوم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بقوة مسلحة على الدير
عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية حرم فيه آمون وأخويه الراهبين، وإنقضى زمن الخلاف والشقاق وعاد الرهبان إلى أديرتهم فى وادى النطرون ليمارسوا اعمالهم المعتادة مثل الأعمال اليدوية فكان بينهم الحائك والنساج وصانع الحلويات والطبيب وطالب العلم وكل أرباب الحرف والصنائع، وظلوا ساكتين فى صلواتهم التى يرفعونها يصلون فى كنيسة كبرى تحيط بها ثلاث نخلات ولم يحاولوا أن يتكلموا فيما حدث فخلاصهم هو أساس رهبنتهم أما ما ألهب الموقف بينهما فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا وأقامه مسئولاً عن مستشفى بالإسكندرية. أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض القديس ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يروق له هذا السكون وجالت فى فكره الظنون فطلب من الوالى الرومانى أن يمده بقوة عسكرية يهاجم بها جماعة الرهبان الآمنين فتحركت القوة فى سرية تامة وتحت جنح الليل فأقلق هدوء الصحراء والبرية وسمع الرهبان بسنابك الخيول التى يمتطيها أفراد القوة العسكرية الرومانية ترنويسمع دويها فى الفضاء فوقع الرعب فى القلوب ويقول الملكيون (ألروم): " وثيوفيلوس البطريرك كان يقود بنفسه فرقاً من الجنود. فكان هذا الفرعون (يقصدون ثيوفيلوس) لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس."فهاج الرهبان وزعروا لما بلغهم من أن البطريرك جاء ومعه قوة عسكرية مسلحة لكى يقبض على أتباع الفكر ألأوريجانى وساد القلق والخوف فى أنحاء الدير، وهرب ثلاثة من الأخوة الطوال إلى الإختباء فى بئر عميقة ولجأ رابعهم الأنبا ديسقوروس أسقف هرموليس " الأشمونين" وكمن فى ركن خفى من أركان الكنيسة ولكنه لم يلبث حتى عرف مكانه مجموعة من الأحباش المرافقين للبطريرك فأخرجوه من ملجأه بالكنيسة بقوة وعنف أما القوة العسكرية فظنوا أن هذا الدير إنما هو مدينة محصنة يجب الإستيلاء عليها قسراً وعنوة وكان قد طلب البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 منهم ألا يفعلوا ذلك لم يذعنوا لقوله بل هاجموا صوامع الرهبان ونهبوها وأضرموا فيها النيران ومات أحد الرهبان حرقاً كان فى إحداها كما أثبت ذلك شهود عدول وعندما لاح الفجر وبدأت تباشير الصباح فى الظهور تعب الجنود من هجومهم فكفوا وخاصة بعد إلحاح البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 عليهم بذلك فردوا السيوف إلى أغمادها ووقفوا جانباً لتنفيذ آوامره ثم دعى بعض من رهبانهم ليطرح عليهم ما وصل إليه ويعرض عليهم أفكاره بسلام ووئام بدلاً من الحرب والخصام، ثم قرأ على مسامعهم بعض نبذات من كتب أوريجاننوس وفلسفته الغامضة (نحن لا نعرف إعتقاد البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وهل هى توافق النفسير المجازى الذى كان تسير عليه أفكار أوريجانوس أم مال للتفسير الحرفى وإعتنق هرطقة أن الإله فى الشكل والشعور إنساناً، وهل إذا كان يؤمن إيماناً صحيحا ما الذى يؤكد أن هذه كتابات أوريجانوس حيث قد مر سنين عديدة تخللتها الهرطقة الأريوسية فربما أدخلها الريوسيين ضمن كتابات أوريجانوس) ثم إستنتج البابا مما توهمه من بدع فى هذه القراءات والتى ود لو إقتنع الرهبان بصحة نسبتها إلى أوريجانوس، وحينئذ قال لهم: " فلهذا السبب حكم على حلفاء أوريجانوس وأتباعه (الذين إعتنقوا أفكاره) بالحرمان "، فلم يرضخ الرهبان لهذا الحكم بل جروا وأسرعوا إلى كنيستهم فى وادى النطرون وقفلوا أبوابها فى وجه الأساقفة ورؤساء الأديرة وأمسكوا فى ايديهم عصى من سعف النخل المغطى بالأشواك لكى يدافعوا عن أنفسهم ض أى إعتداء عليهم وننقل هنا ما كتبه الملكيين (الروم) حول هذا الموضوع " وفي يوم ذهب ثيوفيلوس إلى برية مصر مصطحباً جنود معه. وراح يحرقون المناسك. وخرج الرهبان مرعوبين. ولحق بهم الجند وباشروا بتقتيلهم. واستمرت المجزرة طيلة الليل. ونجا الأخوة الطول ومعهم ثلاثمائة راهب. هؤلاء فقط الذين نجوا من مذبحة ثيوفيلوس. والذين يقول فيهم الذهبي الفم: إن المناسك في برية مصر تلمع بفضيلة الرهبان أكثر من نجوم السماء وإن سكان هذه القلالي هم ملائكة في صورة بشر. فاتفقوا على أن يقطعوا الصحراء متفرقين على أن يلتقوا على الحدود الفلسطينية. وعاد ثيوفيلوس إلى الإسكندرية وأصدر حرم عليهم جميعاً، على كل الذين نجوا من رجاله القتلة."
هروب الإخوة الطوال والرهبان إلى الآراضى المقدسة
هرب أو نفى بالمعنى الصحيح أكثر من 300 راهب إتفقوا أن يتقابلوا فى أورشليم وكان قد رقد منهم الكثير في مجاهل الصحراء. جوع وعطش ومرضاً... فصلوا على أرواحهم ودخلوا الأراضى المقدسة أما الثلاثة الأخوة الطوال الذين إختباوا فى الدير وبعد هروب أخيهم الرابع أتفقوا مع الرهبان إلى الهروب إلى الأرض المقدسة بجانب أورشليم وكان في صحبتهم الأب إيسيذورس وجماعة من الرهبان بلغوا حوالي الثمانين، فوجدوا في قلب الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى المُعجب بأوريجينوس ملجأ لهم. وقضوا وقتا من الزمن فى سفح جبل جلبوع (جبل جلبوع الصورة المقابلة صورة حديثة: وهو جبل مكسوا بالأشجار) وكانوا يمارسون عملهم فى صناعة الأقفاص والأسبته من جريد النخل وهى الصناعة التى كان أغلب رهبان مصر يمارسونها، وما لبث أن تبعهم كثيراً من الرهبان الفارين من وطنهم، وكان لزيادة عددهم زيادة كبيرة فى هذه المنطقة أن أهل المنطقة من المسيحيين كانوا يرمقونهم بعين الإحتقار لعلمهم أن باباهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 قد حرمهم ونفاهم ولكن بعض أساقفة الشام أظهر نحوهم حناناً وإشفاقاً، فأرسل البابا ثاؤفيلس لهم رسائل ووبخهم ورجاهم ألا يجلسوا مع هؤلاء الرهبان لئلا يعد عملهم سيئه، وكان ثاؤفيلس البطريرك قد بعث رسالة مجمعية إلى 17 أسقفًا بفلسطين و15 أسقفًا بقبرص يعلن فيه أخطاء أتباع أوريجينوس اللاهوتية، هذه الرسالة أثارت أتباع أوريجينوس بينما رطبت قلب القديس جيروم وأيضًا القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلا أن أسقف أورشليم لم يستطع أن يبقيهم في أورشليم. فلم يبقَ لهم إلا القديس الذهبي الفم فالتجأوا إلى القسطنطينية. وكان عدد الذين دخلوا القسطنطينية 50 فقط من هؤلاء الثلمائة راهب الذين نفاهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 .
تعليق: إستند البابا فى الخلاف مع الإخوة الطوال إلى علاقاته السياسية مع الأمبراطور والحاشية كما إستند إلى علاقاته الوثيقة بالأساقفة وإستخدم مركزة كاسقف المدينة العظمى الأسكندرية فى ترجيح كفته، كما إستند إلى وجود العديد من الأساقفة المصريين فى أبروشيات بالعالم القديم منهم: الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى، القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، سيرينوس أسقف مكدونية المصرى وقام البابا ثاؤفيلس بإرسال رسائل مجمعية إلى اساقفة العالم القديم فى ذلك الوقت وأوعز إلى القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن يعقد مجمعاً على غرار مجمع المصرى وبحرم أوريجانوس ويرفق رسالته بقرارات المجمع أى أن قرار حرمان أوريجانوس كان مقرراً قبل عقد المجمع فى قبرص
الإخوة الطوال وخمسين راهباً يرفعون شكواهم لذهبى الفم
ومن الواضح أن يوحنا أسقف أورشليم قبل الأخوة الطوال وباقى الرهبان الذين هربوا من بطش البابا ثاؤفيلس البطريرك، وعندما وصلته الرسالة من البابا كان موقفه حرجاً، فتحرك حوالى خمسين (تذكر كتب بعض المؤرخين أن الذى وصل إلى أورشليم 80 راهباً من حوالى 300 راهباً كانوا فى نتريا) من هؤلاء الرهبان عندما ضاق بهم الحال ورفعوا دعواهم إلى يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية والذى يعد بحسب المجمع الكنسى الأخير أعلى فى المنزلة من البابا المصرى وفى أواخر سنة 401 م مثل أولئك الرهبان السياح امام يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية بعد أن أضناهم التعب من طول السفر ومراره موقفهم وعظم بلائهم، فلما رآهم يوحنا ذهبى الفم فاضت عيناه بالدموع الغزيرة رثاء لحالهم وتوجع لآلامهم وما لاقوه من باباهم، وقال لهم: " ماذا أفعل لكم وبأى طريقة يمكن بها أن أخفف ما حدث لكم، فطلبوا منه أن ينصفهم من بطريركهم الذى قسى عليهم وإعتدى عليهم ومات منهم فى الحريق الذى أشعله الجنود ومات منهم فى الطريق كثيرين ووقف من هؤلاء الرهبان وخاطب ذهبى الفم قائلاً: " إذا كنت تراعى خاطره ولا تعمل على مساندتنا فسنضطر حينئذ أن نرفع دعوانا إلى الإمبراطور نفسه وكل الذى نطلبه منك أن تسترضى البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 حتى يسمح لنا بالعودة إلى أوطاننا (يفهم من هذه العبارة أن البابا نفاهم) فإننا لن نفعل أى شئ ضده ولم نرتكب معصية حتى يستمطر غضب الإله علينا) وكان الذهبي الفم متتبع لأخبار الأخوة الطوال منذ زمن بعيد ومعجباً بهم، فوعدهم البطريرك يوحنا ذهبى الفم أن سيبذل كل جهده فى مساعدتهم وكانت شروطه: ألا يقدموا شكواهم إلى الإمبراطور (السلطة المدنية)، ولا أن يحدثوا هياجاً وإضطراباً فى المدينة ثم ختم كلامه بقوله: " حيث أننى كتبت لأخى ثاؤفيلس البطريرك فى هذا الأمر فعليكم الصبر حتى يحضر يرد بالجواب" وكان الذهبي الفم يعلم بأمر حرم ثيوفيلوس لهم. فناقشهم في اللاهوت والعقيدة ليتأكد إذا كانوا في الهرطقة أم لا. ولم يلاحظ أي أثر للهرطقة في روحانيتهم. فقال للأخوة الطوال: "أنا أخذ قضيتكم على عاتقي. فإما أن يحلكم مجمع آخر ينعقد لهذه الغاية، وإما أن يرفع أسقفكم بتلقاء إرادته الحرم عنكم. اعتمدوا علي". فسمح لهم أن ينزلوا في بيت قريب من إحدى الكنائس وسمح لهم بالصلاة مع سائر المؤمنين ولكنه منعهم عن الإشتراك في ممارسة الأسرار المقدسة، حتى يحل الحرم عنهم.
وقد اظهر يوحنا ذهبى الفم لهم العطف واللطف أسكنهم فى مخادع كنيسة القيامة، وكان فى ذلك الوقت يبحث الأمر ويستشير مع مجموعة من الإكليروس الإسكندريين كانوا قد أرسلوا إلى ديوان الإمبراطور لطلبات خاصة بوظائفهم، وأدلى هؤلاء القسوس برأيهم: أن رفع هذه الدعوى إلى بطريرك القسطنطينية لا ينتج عنه نتائج حسنة ولا يأتى بالفائدة المرجوة، ثم طلبوا من البطريرك ألا يتسرع ويقبل هؤلاء الرهبان على مائدة العشاء الربان (قبولهم فى الشركة) لئلا يغضب هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23، ولكنه إذا أراد أن يظهر الشفقة والعطف فليظهرها بطرق أخرى مختلفه ولكن ليست بطريقة المناولة " فكتب إلى ثيوفيلوس يناشده برابط "المحبة الأخوية الجامعة" أن يصفح عن الأخوة الطوال، وقال له أنه تأكد من عقيدتهم ولا يوجد فيها ما يخالف الإيمان القويم. وقال له بشجاعة أن الحرم الذي أنزله ظالم. وأنه سيدعو مجمعاً مقدساً يعيد الحق لنصابه. إذا رفض ثيوفيلوس أن يفك الحرم.
السحر تهمة جديدة ضد الرهبان المنفيين
وقبل يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية نصيحة كهنة الإسكندرية وكتب إلى ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 خطاباً يرجوه أن يجد السلام والهدوء طريقة لكنيسة الأسكندرية، وعندما وصل الخطاب إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وعرف أن الإخوة الطوال والرهبان المنفيين ذهبوا إلى القسطنطينية فعل نالفعل الذى فعله مع أساقفة الشام حيث أرسل رسالة لوم وتوبيخ شديدة اللهجة إلى ذهبى الفم وطلب منه عمد الإختلاط مع هؤلاء الرهبان، ولكنه لم يكتفى بذلك هذه المرة بل إتهمهم بتهمة جديدة هى أنهم ليسوا فقط أهل بدعة وهرطقة وخلاف بل أنهم سحرة يخاطبون الجن ويستخدمون الشياطين بأعمالهم، وأثرت هذه التهمة الفضيعة على أهل القسطنطينية ضد هؤلاء الرهبان المساكين الذين لم يجدوا لهم نصيراً ولم يقبلهم احد فكانوا يزجرونهم ويستهزأون بهم عندما يسيرون فى طرق مدينة القسطنطينية، وحزن أكثر الرهبان هناك لإتهامهم بهذه التهمة التى يعرفون أنها سيئة النتائج فلذلك ترجوا بعض الوسطاء لكى يترجوا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 للصفح والمغفرة، ولكن الأربعة الطوال لم يهمهم هذه التهمة الملفقة وإزدروا بها وإحتقروا من قال بإتهامهم بها وأعدوا تهمة قانونية ضد بطريركهم ورفعوها لبطريرك القسطنطينية فكتب يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية مرة أخرى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية، وأظهر أسفه الشديد من أن خصومه إتبعوا نفس أسلوبه الذى إتبعه معهم، وقال: "أنه طلب منهم مراراً مغادرة القسطنطينية ولكنهم لم يقبلوا طلبه" فأجابه ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بخطاب مملوءاً من الغضب والحنق قال فيه: " إذا لم تعرف الدستور (القوانين) الذى وضعه المجمع النيقاوى بعدم تداخل أسقف أو بطريرك فى المسائل التى لا تنحصر ضمن دائرة سلطته فأرجوك أن تطلع على هذه القوانين وتدرسها حتى لا تتعب نفسك من التعرض لى، وتكف عن الوقوف ضدى والجدال معى، أما إذا قضى على الزمان بالمحاكمة فسوف يحاكمنى أساقفة مصر، فلا أنت ولا غيرك ممن هم بعيدون عنا يقتضى لوصولنا إليهم أو لوصولهم إلينا سفر 75 يوماً كاملة يحاكموننا "فقرأ يوحنا ذهبى الفم هذا الخطاب ورضى بما فيه ووافق عليه، وذهب ليقنع الإخوة الطوال والرهبان الذين معهم على فض هذه المشكلة بالتراضى، وعدم رفع الدعاوى التى لا يأتى من ورائها إلا زيادة الحقد والبغضاء فى النفوس ولكن هؤلاء الرهبان المنفيين وومعهم الإخوة الطوال لم يرضخوا لطلب ذهبى الفم وإستأنفوا قضيتهم إلى الأمبراطورة إيدوكسيا وتوسلوا إليها أن تأمر بسماع دعواهم فمازالت تتحايل على زوجها أركاديوس إمبراطور الشرق حتى جعلته يصدر أمراً بإستدعاء ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى القسطنطينية حتى يمكن لبطريرك القسطنطينية يوحنا ذهبى الفم أن يفحص مشكلة الإخوة الطوال والإتهامات المتبادلة بينهما بنفسه ويبت فيها ويحكم حكماً فاصلاً فى هذه المشكلة ولكن يقول المؤرخون الملكيين (الروم) أن الإمبراطورة هى التى تدخلت فى موضوع الإخوة الطوال كما يلى أن: " افدوكسيا أظهرت نوعاً من الشفقة عليهم وأجبرتهم على إمضاء عريضة يطلبون فيها حمايتها. فوافقوا بعد أن تعهدت الأمبراطورة التي تعهدت لهم بدعوة مجمع إلى الانعقاد ليمنحهم العفو ويرفع الحرم عنهم. وهنا انسحب الذهبي الفم، لأن القضايا الكنسية ليس من حق أحد خارج الكنيسة أن يعالجها. وليس من حق افدوكسيا أن تدعو إلى مجمع وأن تقرر إذا كان الحرم عادلاً أم لا. إلا أن الامبراطورة أرادت بهذه العملية أن تظهر أن الذهبي الفم مقصراً في حمايتهم. إذ أن الشعب دائماً إلى جانب المظلومين." وبالنسبة للوضع القانونى لمسألة مناقشة يوحنا ذهبى الفم مشكلة الإخوة الطوال والحكم فيها تقول المؤرخة مسز بتشر: ومعروف أن هذا العمل يعد تعدى على حقوق ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وإستعلاء على مكانته وسحب لسلطته لأنه بصفته بابا الإسكندرية كان مساويا فى الدرجة والمكانة ليوحنا ذهبى الفم، كما أن الأمة المصرية يعتبرون بطريركهم ملكاً متوجاً يعادل مكانة الإمبراطور أركاديوس ولما صدر الأمر إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بالذهاب إلى القسطنطينية لم يرفض الطلب رفضاً باتاً ولكنه لم يذهب بل تأخر فترة من الزمن إلى أن رفعت الدعوى ضده غيابياً ونوقشت الإتهامات فى مجمع وفتحت الجلسة بفحص الإتهامات الموجهة ضد رهبان وادى النطرون، فإتضح عدم صحتها ثم انتهى المجمع بسجن الخمسة رهبان الذين أرسلهم ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ليشتكوا ضد رهبان وادى النطرون، وظلوا فى السجن إلى أن توفى بعضهم،وكان ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية قد ارسل خطاباً إلى أبيفانيوس أسقف سلاميس يرجوه فيه الذهاب إلى القسطنطينية وعرض قرار المجمع الإقليمى الخاص بحرم أوريجانوس والحكم عليه كهرطوقى على يوحنا ذهبى الفم ليصدق عليه (أى يوافق على حرم أوريجانوس ويوقع على الحرم الذى أصدرة المجمع المحلى / الإقليمى لمصر) ولكن بطريرط القسطنطينية رفض ذلك قائلاً: " هذه المسألة يجب أن تعرض على مجمع عام فهو يحكم فيها حسب القانون " وكان القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس فى بساطته الزائدة متحمسا لكل ما يقوله البابا المصرى وسافر إلى القسطنطينية بناء على طلبه وكان قد ناهز 85 من عمره ليفند الاراء الأوريجانية ويقاوم رهبان نتريا الذين حملوا فى رأية الهرطقة الأوريجانية، ويقاومون البابا المصرى
تعليق: بدأ هذا الخلاف المصرى المصرى بين رهبان نتريا بزعامة الأخوة الطوال بسبب تحيز البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية للرهبان هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم) ووعوده لهم التى نفذها حرفياً وزج بذهبى الفم فى هذا الخلاف المصرى المصرى وكان البابا المصرى أداه فى يد الإمبراطورة كما سيقرأ القارئ فيما بعد.
وللحديث بقية
المزيد
21 مايو 2025
مِنَ الأعوَاز
مبدأ أهمية العطاء من الأعواز يتضح بصورة عميقة في قصة الأرملة التي وضعت فلسين في الصندوق (حوالي مليمين) فامتدحها الرب وقال«الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا في قرابين الله وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها» (لو21: 2-4) إن الرب يعلمنا أن أعظم عطاء هو العطاء من الأعواز فالذي يعطي من أعوازه (من احتياجاته) يدل على أن عطاءه فيه الكثير من الحب والبذل، ومن تفضيل غيره على نفسه بعكس الذي يعطي مما فاض عنه من سعة، دون أن يشعر باحتياج وفي هذا الموضوع أود أن أتأمل معكم فيمن يعطي من أعوازه سواء من جهة المال، أو أعوازه من جهة الوقت، أو من جهة الراحة والصحة كذلك من يعطي من أعوازه، من جهة الأولاد والأقارب أول مثل لذلك أبونا إبراهيم أبو الآباء في تقديمه إسحق لقد أنجب أبونا إبراهيم ابنًا بعد طول انتظار، وبعد وعود إلهية وعقم من زوجته، وكان قد شاخ وفرح بهذا الابن جدًا، وإذا بالأمر الإلهي يصل إليه «خذ ابنك، وحيدك، الذي تحبه وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال » (تك22: 2) وذهب إبراهيم ليقدم للرب هذا الابن من أعوازه وكانت هذه التقدمة عزيزة جدًا في عيني الرب، فمنعه عنها بعد أن جهّز المذبح والحبل والسكين وقال له «من أجل أنك لم تمسك ابنك وحيدك عني، أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطيء البحر» (تك22: 16، 17) مثال آخر هو حنة أم صموئيل كانت عاقرًا، وكانت ضُرّتها تعايرها وتغيظها حتي أبكتها فصامت، وصلت صلاة في الهيكل، وبكت بكاءً ونذرت نذرًا إن أعطاها الرب نسلاً أن تقدمه لخدمة الرب (1صم1) وقد كان فلما أعطاها الرب صموئيل، ما أن شبّ عن الأرض، حتى أخذته وقدمته ليخدم الرب في الهيكل في شيلوه أعطته للرب من أعوازها، فباركه الرب، وجعله نبيًا له، وأعطاها أن يمسح شاول ملكًا (1صم10) ويمسح داود ملكًا (1صم16) كما أعطى الرب حنة أم صموئيل ثلاثة بنين وبنتين (1صم2: 22) إنها أعطت للرب ابنًا من أعوازها، فلم يدعها معوزة للبنين للأسف بعض النساء حاليًا يبخلن بأزواجهن في سيامة الكهنوت! وأيضًا يبخلن بأبنائهن أو بناتهن في التقدم للرهبنة وقد حدث هذا معنا أكثر من مرة الشعب وافق بالإجماع علي ترشيح أحد الخدام للكهنوت ولكن الزوجة رفضت، فلم تتم الرسامة!! لأن الكتاب يقول «المعطي بسرور يحبه الرب» (2كو 9: 7) إعطاء الزوج للكهنوت قد يكون عطاء من الأعواز، قد ترى فيه الزوجة أنه سيتحول إلى (قطاع عام) بعد أن كان خاصًا بها !مثال آخر ممن يعطي من أعوازه وهو من يعطي نفسه للرب أقصد من يكرس ذاته للرب، ويعطيه هذه الذات التي لا يملك غيرها، ويترك الكل من أجله أحباء ومقتنيات ننتقل إلى نقطة أخرى، وهي عطاء المال من الأعواز.قد يوجد إنسان له مال كثير ويعطي منه للرب. ولكن هذا العطاء لا يكون له العمق مثل من يعطي وهو محتاج إلي ما يعطيه كإنسان يقول مرتبي كله لا يكفيني فكيف أدفع عشوره؟ حقًا، إنك ستعطي من أعوازك لذلك سيبارك الله الباقي فيكون أكثر من المرتب كاملاً مثال آخر، قول الرب «قدِّس لي كل بكر، كل فاتح رحم» (خر 13: 2) وهذه هي وصية البكور وكانت قديمًا من الإنتاج النباتي أو الحيواني إنسان مثلاً يزرع شجرة، وينتظر أن تعطي ثمرًا فتعطي ثمرها بعد ثلاث أو أربع سنوات فيأخذ هذا الثمر كله (باكورة طرحها) ويقدمه للرب إنه أيضًا عطاء من الأعواز كان ينتظره ولم يأخذ منه لنفسه وهكذا إن كانت عنده بهيمة أو شاة وينتظر أن تلد، فأول مولود لها يقدمه للرب ولكن ماذا عن الوضع الآن؟ غالبية الخريجين يشكون من البطالة فإن حدث أن أحدهم نال وظيفة معينة، طالما كان ينتظرها ويأخذ منها أول مرتب، فيقدمه لله لأنه باكورة إيراده هذا أيضًا عطاء من الأعواز وبالمثل أول عملية جراحية يجريها طبيب، أو أول كشف أو علاج، يقدمها أيضًا للرب وبالمثل يفعل كل مهندس، أو مدرس، أو محاسب، أو محام، أو صاحب أيّة مهنة، يقدم أول مكسب له لله فهل تحاسبون أنفسكم على البكور القديمة التي لم تقدموها للرب؟لا أقصد بمقدارها القديم الذي كان منذ عشر سنوات أو أكثر، وإنما بما يوازي ذلك القدر حاليًا لأنك إذا دفعت حاليًا بنفس القيمة القديمة لا تكون قد أعطيت من أعوازك !إن الأمر يدل باختصار على مدى محبة الإنسان للمال أم ارتفاعه عن مستوى ذلك لذلك مال الفقير المقدم لله أكثر قيمة من مال الغني الموسر إنه يمثل لونًا من العملة الصعبة إنه يذكرني بقصة أولوجيوس قاطع الأحجار، الذي كان يكسب في اليوم درهمًا واحدًا فيجلس في الغروب على مدخل بلدته، ليرى أي غريب فيستضيفه من درهمه الوحيد وقد روى القديس الأنبا دانيال قمص شيهيت قصة هذا الرجل يذكرني هذا أيضًا بقصة القمص يوسف مجلي، وكان أقدم كهنة الإسكندرية قابله في الطريق إنسان محتاج يطلب منه صدقة. ولم يكن في جيبه شيء من المال، فاقترض من (بقّال) قرب البطريركية، وأعطي ذلك المحتال منفّذًا وصية «من سألك فأعطه»، حتى لو كنت لا تملك شيئًا من الأمثلة الأخرى، ذلك الأب الفقير الذي يعلم أولاده من أعوازه أو ذلك الأب المريض الذي يفضل عدم شراء الدواء اللازم له، ويقدم ثمن الدواء ليغطي احتياجات أولاده هل يذكر الأبناء عطاء آبائهم – من فقرهم – حتى أمكن تربيتهم؟!هنا وأتذكر الكنائس التي تقصر في إعطاء الفقراء احتياجاتهم معتذرة بأنها تحتاج المال لمشروعات بناء أو أنشطة أخرى!!هذه أيضًا كان يجب أن تعطي من أعوازها لتنفذ وصية الرب، ولكي تكون عنايتها بالفقراء عملية مهما كان الاحتياج أعطوا الفقراء ولو من مال المشروعات المعتازة إننا جربنا هذا العطاء في بعض كنائس مصر الجديدة، فكانت النتيجة أن الإيرادات زادت جدًا عن ذي قبل مع أن الكنيسة عندها مشروعات، ولكنها تعطي مع أن المشروعات محتاجة أنتقل إلى نقطة أخرى، وهي العطاء من أعواز الوقت من جهة وقت العمل، أو وقت الراحة والصحة ترجع البيت وأنت في غاية التعب،ولسان حالك يقول "ثِقَل النهار وحرّه لم احتمل لضعف بشريتي" وتريد أن تنام وتستريح. ولكن ماذا عن الصلاة؟! تقول: ليس لديّ لها وقت الآن بكل صراحة أنا في غاية التعب، والنوم ضاغط علىّ إذًا أنت لا تريد أن تعطي من أعوازك!فلو أنت قاومت التعب، وأعطيت من أعوازك إلى الراحة، وصلّيت، حينئذ صلاتك تقتدر كثيرًا في فعلها والرب يعطيك نعمة لتكمل أو أحيانًا تتقدم للصلاة، وفي ذهنك موضوعات كثيرة تشغلك وتريد أن تفكر فيها ومعني ذلك أن تحلّ نفسك من كل تلك الموضوعات المهمة لكي تعرف كيف تصلي فإن فعلت هذا تكون قد أعطيت من أعوازك لا تقل أنتهي من هذا الفكر أولاً ثم أصلي أو انتهي من الحديث مع هذا الضيف الذي عندي ثم أصلي أو أتعشى أولاً وبعد ذلك أصلي وهكذا تجعل الله في آخر القائمة ثم تذهب أخيرًا إلى الصلاة وأنت في غاية الإرهاق فتقول أنام الآن،وعندما يأتي الصباح سوف أصلي!!وكأنك تقول لله – كما قيل لبولس الرسول – «أذهب الآن ومتي حصل لي وقت استدعيك» (أع24: 25) لا يصحّ أن تكون الأمور هكذا أعطِ إذًا من أعواز وقتك سواء لعمل الصلاة أو التأمل أو القراءة الروحية وأعطِ قلبك لذلك والله سوف لا ينسى لك تعبك، وبَذلك لراحتك نفس الوضع بالنسبة إلى الوقت اللازم للخدمة، الذي تقدمه لله على الرغم من كثرة مشغولياتك وعبء المسئوليات الأخرى لا تحاول أن تعتذر عن الخدمة، مبرِّرًا بأنه ليس لديك وقت بل أعطِ للخدمة من أعوازك إلى الوقت أقول ذلك لخدام اجتماعات الشباب والأسرات الجامعية والوعظ. كما أقول نفس الكلام للآباء الكهنة ولزوم تخصيصهم وقتًا للافتقاد، وتلقّي الاعترافات، وزيارة المرضى، وحلّ مشاكل العلائلات لا تعتذروا عن أداء هذه الخدمات، مبرّرين ذلك بأعذار، بل تذكروا تلك العبارة "إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والتبريرات"حاول أن تنتصر على مشغولياتك، وأعطِ لله وقتًا من أعوازك عندما تعطي الله وقتًا في تعبك، هو يعوضك ويرفع عنك التعب كمان قيل إنه «يعطي المعيي قدرة، ولعديم القدرة يكثر شدة» (إش40: 29) أعرف أن عبارة "ليس عندي وقت" ربما يكون تفسيرها "ليس عندي اهتمام"فالأمر الذي تعطيه أهمية سوف تجد له وقتًا أتكلم أيضًا من جهة واجبات التربية المنزلية الأب والأم مسئولان عن تربية ابنهما روحيًا، وليس فقط من جهة الصحة والتغذية والملبس والتعليم.فهل يعتذر كل منهما بأنه ليس لديه وقت يقضيه في جلسة روحية مع أولاده؟ هوذا الله يقول «لتكن الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك» (تث6:6) في حضوري العيد الألفي لمعمودية روسيا، شكرت الكنيسة لحفظها الإيمان خلال 70 سنة من الشيوعية وشكرت أيضًا الأمهات والجدات اللاتي كن يهتممن بالأطفال ويقمن بتقلينهم الإيمان وأعدادهم للمعمودية.أعطو إذًا وقتًا – ولو من أعوازكم – لتعليم أولادكم دينهم.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
20 مايو 2025
كان لابد ان يقوم (2)
1- كان لابد ان يقوم لأن موته كان مجرد وضع مؤقت لأداء رسالة مزدوجة حينما مات لم يكن بخطية لأنه لم تكن له خطية ولكنه قبل أن يموت عوضا عنا، لكي يفدينا بموته «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ»(رو3: 25،24) كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت الفداء وماذا أيضا؟ كان لابد بعد الفداء أن يذهب ويبشّر الراقدين على الرجاء، ويفتح باب الفردوس، وينقلهم من الجحيم إلى الفردوس (1بط3؛ أف4).
2- لكي يتمم النبوات يقول الكتاب«مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ»(مت16) وبعد معجزة التجلي«وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا "لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ"»(مت17)«ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ»(مت17)«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (مت20، لو9) وهكذا قال الملاك للمرأتين «فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ»(مت28: 6،5) راجع أيضًا ما قاله الرب لتلميذي عمواس (لو24) وكما نقول عن ذلك في قانون الإيمان"وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب"ومن الرموز للقيامة في العهد القديم قصة ذبح إسحق وقصة يونان.
3- كان لابد ان يقوم لكي ما يؤكد الحياة التي بعد الموت«وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ»(1كو15).
4- كان لابد ان يقوم لكي يعزي التلاميذ ويقويهم ويؤسس المسيحية كان لابد ان يقوم لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه، حيث خاف التلاميذ واختفوا في العلية، وتشتت باقي المؤمنين خائفين من اليهود، وأنكر البعض وشك البعض فكان لابد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان المؤمنين، ويشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم، ويصمدوا أمام اضطهادات اليهود وهكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم على الكرازة، إذ مكث معهم أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، يضع لهم قواعد الإيمان ويسلمهم الأسرار والطقوس «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ»(مت28) «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا»(مر16) لو لم يقم المسيح، لكان المسيح واحدًا من الذين نُفِّذ فيهم حكم الموت بالصليب لو لم يقم المسيح لكان مجرمًا مستحقًا الصلب (أمثال الخمسة ملوك الذين حاربهم يشوع (6:5)، أو مثل هامان وأولاده العشرة) إن الصليب والقيامة أمران متلازمان غير منفصلين عن بعضهما ففي الصليب لم تفارقه قوة القيامة، وفي القيامة احتفظ بآثار الصلب.
نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا مطران دشنا وتوابعها
المزيد
19 مايو 2025
قام لنقوم
«بقوَّة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الربِّ يسوع» (أع 4: 33)
هكذا دوَّن لنا سفر الأعمال فحوى الرسالة الكرازيّة التي انطلقت من أروقة أورشليم اليهوديّة لتزلزل المسكونة كلّها القيامة هي لُغة إيماننا المسيحي بل ومنطقه، فهي معنيّة بحياتنا وكرازتنا فالعالم لم يكن ليؤمن بإله مصلوب دونما قيامة، إنّها برهان فاعليّة الصليب من جهةٍ أخرى، بدون القيامة نفقد قيامتنا الذاتيّة من انطراح الموت وسقطة الفناء والفساد الذي ألمّ بنا جرَّاء الخطيئة نحن لا نؤمن بقيامة المسيح كإعجاب وانبهار بحدثٍ بطولي أشبه بمشاهد الدراما الأسطوريّة التي ينتصر في نهايتها البطل؛ كما حدث مع رومولوس الذي أسَّس مدينة روما وملك عليها (مدينة الله للقديس أغسطينوس مجلّد3، كتاب 22، 6) فضُمَّ إلى مجمع الآلهة الرومانيّة، ولا كديونيسيوس بن زفس الذي قيل إنّه صعد إلى السماء بعد أنْ قُطِّع إربًا إربًا (الدفاع الأوّل عن المسيحيين للقديس يوستينوس، 54) إيماننا بالقيامة هو تلامسنا مع القيامة فنحن لسنا مشاهدو الحدث ولكننا أطرافه؛ فجسد المسيح القائم من القبر حُمِلَت فيه الطبيعة البشريّة جُملةً، ليقوم بها، بقوة لاهوته، مُقدِّمًا إياها للآب، كطبيعة قائمة لذا، فإنّ احتفالنا بالقيامة هو في واقعه احتفال بنجاتنا من الفخ الذي نُصب ليتصيَّدنا للهاوية المسيح قام، هذه نصف الحقيقة؛ إنه قام، لنقوم فيه، هذا هو النصف الآخر وانطلاقًا من قيامة المسيح تستمد توبتنا شعلتها على الدوام دونما توقُّف إنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة توبتنا وباطل سعينا للتحرُّر هنا يلتقي اللاّهوت بالحياة فالرجاء المسيحي والممارسة النسكيّة والسرائريّة تُبنى على وعي لاهوتي بحدث القيامة، الذي لولاه لما أمكننا معاودة التواصل مع الآب بعد خطايانا وآثامنا المسيح قائمٌ كقوَّة تدفع الخائر على طريق الحياة الجديدة وتهب الرجاء لطرحَى الخطيئة المسيح قائمٌ بنورٍ لا يخبو، كما هو منذ دحرجة القبر، ليُشجِّعنا على دحرجة حجارة قبورنا الذاتيّة إنْ كان الموت هو الفعل المُحرِّر فإنّ القيامة هي الحركة الأولى نحو العالم الجديد، إنّها الانتقال من المعرفة الإيمانيّة إلى المشاهدة والمعاينة وانطلاقًا من المشاهدة التي رصدها لنا الإنجيليون بُني الإيمان المسيحي وكأننا أمام ثلاث مراحل؛ بدأَت بالمعرفة الإيمانيّة الاستباقيّة (النبويّة)، حتّى كانت القيامة، والتي منها انطلق الإيمان، لا كرؤية استباقيّة، ولكن كرؤية مُحقَّقة في الزمان الحاضر، كعربون لملكوت الله ولكن، الإيمان المُستنِد على ضوء القيامة كان ولا يزال مُضطَّهدًا مُتألِّمًا مرفوضًا ممّن تمركزوا حول الجسد الفاسد والفاني ويكتب القديس أغسطينوس في مؤلَّفه “مدينة الله” (مجلّد3، كتاب 22، 7) حول العَلاقة بين الإيمان القيامي واضطهاده وبين انتشاره وقبوله، فيقول “وهكذا، وبالرغم من الاضطهادات العنيفة والرهيبة، فقد أصبحت قيامة المسيح بالجسد ودخوله المجد الأبدي موضوعَ إيمانٍ عميق ورسالةً جريئةً وبذارًا كُتب له أنْ يُخصب ويُكثِّر، في كلّ الأرضِ، دم الشهداء؛ لأنّ ما حكَى عنه الأنبياء، في العهد القديم، شهدت له المعجزات، حتّى ظهرت الحقيقة عينها، مناقضة للعادة، أكثر ممّا هي مناقضة للعقل، فاعتنق الكون، بإيمانٍ، ما كان يضطهده، بغضبٍ”.
أبونا الراهب سارافيم البرموسي
المزيد
18 مايو 2025
سيروا في النور لئلا يدرككم الظلام
حينما يوصف الله بالنور؛ فلا يظن أحد أنه نور مرئي بالنظر أو الفكر، بل هو طبيعة الله غير المدركة بالعقل، ولكنه مدرك بالروح، فالله مُدرك كامل يُدرك، ولكن لا يُدرك كماله. والمسيح بصفته شعاع أو بــــاء مــــد الله؛ فهو النور الذي جاء إلى العالم ليستعلن طبيعة الله غير المدركة والمسيح حينما يقول: "أنا هو نور العالم " فهو يقصد أن يقول إنه جاء إلى العالم ليستعلن طبيعة الله كآب وابن فطبيعة الله كانت سراً مختوماً لم يُعرف به أحد قط سابقاً المسيح هو بالحقيقة نور العالم، لأنه سلم للعالم سر استعلان بنوته الله، وسر حب الله الآب للعالم، هذا الحب الذي كلفه ذبح ابنه على الصليب، كذلك سلم العالم سر الأبوة والبنوة في الله، وهو السر الذي انتهى بالإنسان إلى قبول الحياة الأبدية وإلى التبني أي الدخول في بنوة الله مع المسيح والمسيح عندما قال: سيروا في النور ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام كان يقصد أن نسير في جدة الحياة أو الحياة الجديدة في المسيح، أي القيامة، أي الخليقة الأخرى التي من فوق، لئلا يدركنا الظلام، أي لئلا يطغى علينا مرة أخرى ظلام الإنسان العتيق والحياة القديمة المستعبدة لظلام الخطية وسلطان الظلمة.هناك مقارنة ومقابلة مستمرة في الكتاب المقدس ما بين النور والظلام النوم واليقظة: «قم أيها النائم واستيقظ من بين الأموات فيضئ لك المسيح»، أي أن هناك ربط بين الموت والظلام. فكما أن الحياة تنبعث من النور؛ كذلك الموت من الظلمة. لذلك يقول ق. يوحنا في رسالته: «الله نور وليس فيه ظلمة البتة»، ومن هنا يستخرج لنا منهجاً عملياً كعلاقة حتمية مع النور، اسمعه يقول: إن قلنا أن لنا شركة معه (أي النور وسلكنا في الظلمة (أي الخطية) نكذب ولسنا نعمل الحق» أسألكم كم مرة جلست مع نفسك تفحص هذا الأمر؟ النوم كظلمة، والخطية كظلمة، والمسيح كنور ؟!
أول صفة قريبة للنور هي الحياة، نور الله حياة. فما أن تتذوق الإحساس بالحياة الأبدية يبتدئ النور يأخذ كيانه داخلك، لذلك فإن أول صفة نفهم بها النور هي الحياة الأبدية المسيح جاء لكي يُظهر لنا الحياة الأبدية. العالم لم يكن متصلاً بالحياة الأبدية، فجاء المسيح إلى العالم وعمل طريقاً للحياة الأبدية: «أنا هو الطريق، أنا هو النور». فعندما أمسك بوصية المسيح أجد نفسي سائراً في طريق الحياة الأبدية. هذا هو مفهوم النور. وعندما تنجح في التنفيذ يكون هذا هو المسير المسير في النور هو في الواقع عمل انتقال من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة، وهذا لا يُمكن أن يكون إلا بالمسيح لأنه اتصل بالموت وهو الحياة، لذلك عندما نتصل به ننتقل من الموت إلى الحياة. النور هو كلمة المسيح والروح القدس في الإنجيل، عندما أمسك بالمسيح طول النهار بكل قوتي أجد ذاتي قريباً من الحق يوجد مفهومان للنور: مفهوم للنور بالنسبة للعقل، ومفهوم للنور بالنسبة للمسير. المسيح تجنب النور العقلي، قال: «سيروا في النور»، ولم يقل: افهموا النور" مفهوم النور العقلي لذيذ، وأما الآخر للمسير فهو صعب المسيح قال:«احمل صليبك واتبعني»، فقرأها واحد وقال إن هذه الآية عميقة وفسرها في ثلاث مجلدات، وآخر أخذها وسكت ثُمَّ وضع الصليب على كتفه وسار! تفسير النور العقلي مضلّل، أما التفسير العملي ففي كل خطوة يخطوها الإنسان يظهر له النور أكثر. كل خطوة تخطوها في الوصية تتحول أنت بجملتك إلى نور !" سيروا في النور لتصيروا أبناء النور" السير في النور الإلهي هو شركة الطبيعة الإلهية، السير في الوصية هو شركة، تصبح شريكاً مع الذي قال الوصية، كل جزء في الآية يُحولك من الصورة الآدمية إلى الصورة الإلهية. لو أنت فهمت الإنجيل كله ولم تنفذ الوصية بدقة لن ترى النور. ربما تكتب مجلدات عن النور ولكن لن ترى النور! إنسان ساذج أُمّي ينفذ الوصية بالحرف يصير ابناً للنور! هنا المشقة منتهى المشقة والسهولة منتهى السهولة هناك أجيال تاهت وماتت و تلاشت ولم تأخذ نصيبها في الحياة الأبدية. ملكوت السموات انفتح للسذج والأميين بصورة سهلة جداً. تقول لي: أنا لست أفهم أقول لك: نفذ. إذا حسبت الخطورة في التنفيذ فأنت تدخل في المفهوم الذهني والعقلي، وبذلك تكون رفعت الموضوع من التنفيذ بالإيمان إلى التنفيذ بالمعرفة، فلن ترى الملكوت أحياناً تريد أن تفهم المسيح فيبعد عنك، أما أن تأخذه، فستجده في قلبك مباركة هي الخطوة الأولى في كل مسير نحو يسوع المسيح. كل خطوة عملية تخطوها في حياتنا متكلين على الوصية متمسكين بها هي المسير في النور كل خطوة تخطوها تُحدث فينا تحولاً داخلياً فنصير أبناء للنور والوصية ما أسهل الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية والمسيح حين يقول: «النور معكم زماناً قليلاً بعد فسيروا في النور» كان آنذاك محصوراً في زمان قليل بالفعل، حتى إنه بعد أن قال ذلك، أكمل القديس يوحنا كلامه موضحاً مدى السرية فيه قائلاً: « تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم». ولكن لا يزال المسيح حتى اليوم يعرض نفسه لكل من يفتح قلبه. ولكن حذار ! فالعرض لن يدوم. فإذا توانى الإنسان في الاستجابة، ثم عاد يبحث عن الصوت فربما لن يجده. فوجود المسيح كنور العالم، أو كنور الإنسان رهن باستجابة الإنسان. وكأن كل إنسان في العالم مسئول عن وجود المسيح ودوامه؛ فإما أن نقبل النور، فنصير أبناء
له، أو لا نقبله فيتم قول الإنجيل: فمضى واختفى عنهم». وبهذا تتحدد الدعوة لنكون إما أصحاب النور، وإما أعداء وفي الظلمة نعيش.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
17 مايو 2025
من ظهورات السيد المسيح بعد القيامة
سفر الاعمال " واراهم نفسه حياً براهين كثيرة " ظهر السيد المسيح لفرد ( بطرس ، يعقوب ، يوحنا ) ولفردين ( تلميذى عمواس ، المريمتان ) وظهر لعشر تلاميذ من غير توما وظهر 3 مرات ( فى الجليل – فى العلية – قبل الصعود على جبل الزيتون ) ل 11 . ومره آخرى ظهر ل7 فى بحر طبرية ومره ظهر لاكثر من 500 أخ فظهورات المسيح لها دروس كثيره
اولاً اثبات حقيقة قيامته :-
فكان الناس يشكون فى حقيقة القيامة اذ يقول تلميذى عمواس ان النسوه حيرونا اذ قالوا انه قام " بيقولوا انه قام " فيفتكروا انه خيال انه معجزة ، انه نور فلذلك كان يجب على السيد المسيح ان يظهر ليؤكد حقيقة القيامة فينزع الشك من التلاميذ .
ثانياً قبوله للتوبة وضعف التلاميذ :-
لان شعور التلاميذ بأن كان المسيح قام فيخجلوا منه فماذا يقولوا له ، نحن الذين سلمناك لليهود ، نحن الذين هربنا منك فبظهور المسيح يؤكد انكم ماذلتم اولادى وانتم الكنيسة وانتم الرجاء وانتم الكرازة وانتم تصيرون كارزين بالملكوت فمثلاً بطرس خجول من انكاره للمسيح ولكن قال المسيح اذهبوا للجليل هناك ترونى ويقول لبطرس حتى لا يشعر بطرس بانه مرفوض من انكاره ولكن المسيح له دعوة خاصه له فجميل من ظهورات السيد المسيح فكان محب ومتأنى ومترفق ، لم يوبخ ولم ينتهر فعندما ظهر السيد المسيح لبطرس قال له عندى كلمة اقولها لك : يا سمعان ابن يونا هل تحبنى ؟ فقال له انت تعلم انى احبك فقال له ارعى غنمى وكرر المسيح نفس السؤال مرتين آخريتين ولكن فى الثالثة حزن بطرس وكأن المسيح يريد ان يعوض الانكار بالحب ان اقابل النكران بالمحبة حيث قال بطرس انت تعلم كل شئ ، انت تعلم انى احبك وكأن المسيح يقول لنا على الرغم من خارجكم خطايا ولكن اعلم من ان اعماقكم تحبنى وان كانت اعماقكم تحبنى فراعوا خرافى فانا متأكد ان اعماقكم تباركنى على الرغم من بعض التصرفات التى تهيننى وانا اهتم بما فى الاعماق فانا اقبل التلاميذ بضعفاتهم .
ثالثاً يريد ان يعلم حقيقة جسد القيامة :-
فسابقاً حينما اقام لعازر من الموت بجسده العارى يأكل ويشرب وهكذا ابن ارمله نايين ، ولكن المسيح قام بجسد نورانى سماوى ممجد فكان يريد ان يقول لهم ان قيامتى فريده من نوعها لم تروها من قبل حيث ان ميت مات من قبل وقام تأتى فتره ثم يموت مثل العازر عاش ثم مات ، ولكن المسيح مات وعاش الى الابد فحقيقة جسد القيامة انه جسد نورانى لا يخضع لسلطان الجسد وغير خاضع لسلطان الموت فيدخل على التلاميذ والابواب مغلقة ويخرج من القبر والحجر موضوع ويقول هذا ما يحدث عندما تموتون ولكن ممكن ان يقول التلاميذ انك لست المسيح انك نور لانك دخلت علينا والابواب مغلقة ! فيقول لهم هل عندكم أكل او مثلاً شخص مثل توما يقول له ضع يدك فى جنبى وآراه اماكن الجراحات وكأن السيد المسيح يريد ان يؤكد انه عنده جسد ولكن جسده ممجد سماوى غير قابل للموت عندما ظهر السيد المسيح ل7 تلاميذ فى بحر طبرية قال يوحنا هوذا الرب فالقلوب التى لها محبة ربنا تراه بسهولة فأستغرب التلاميذ لان المسيح كان بعيداً وللصدفه كانت رحلة الصيد فاشلة ولكن ظهر المسيح ليقول لهم ان النجاح منى انا والبركة منى انا واوعى تفتكر انك تستطيع العيش من غيرى فالسيد المسيح أخذ التلاميذ فى بداية كرازته وهم فى ملل وفى فشل ولكن رجع ثانيا بعد القيامة اذا رجعوا ثانياً الى نفس المستوى فاذا لاحظنا ان رحلة الصيد بعد القيامة عدوا السمك وكانوا 153 سمكه فمن الغريب ان يعدوا السمك فلماذا لم يوزنوه فالصيد الذى بعد القيامة له معنى أبدى فرحله الصيد فى المره الاولى حيث كانت الشباك تتخرم من كثره السمك له معنى زمنى ذلك ان فى ناس الان عايشه مع ربنا كثير هؤلاء الذين كانوا فى السفينة الاولى التى كانت تغرق من كثره العدد ولكن بعد ذلك الابدى هذا سيكون الصاعدين للسما سوف يكون عددهم محدود الذين سيشتركون فى مجد القيامة هؤلاء قليلين ففى السماء سيكون الواحد بكرامه لانه ارضى الله بأعماله الصالحه .
رابعاً اهتمامه بالفرد :-
فاهتم ببطرس بمفرده وكذلك مريم المجدلية وغيرهم فالمسيح لا يريد ان الذى يبشر بالقيامة يقول ان اصحابى قالوا لى انه قام بل يقول انا شفت فلا يوجد واحد يلتمس ايمانه بالاخر ونحن يجب علينا ان نقول قمنا وعندما يقول الناس كيف نقول عند تعمدنا 3 مرات دفنا وعندما خرجنا من المعمودية قمنا اشارة ان المسيح فى القبر ثلاثة ايام ثم قام فلذلك نقول انا اتعمدت وانا اتوب وانا اتناول جسد المسيح فيدخل فيا وينقلنى من الموت واحيا معه وبذلك اكون عاينت قيامته . فالكنيسة جعلتنا نتلامس ونعيش القيامة عندما ظهر المسيح ل500 أخ تخيل ماذا سيحدث بعد ذلك يخرج هؤلاء ويبشرون اخوتهم واصحابهم واقربائهم فتخيل سيبلغون كم واحد ! ولذلك فكره القيامة انتقلت لمجموعة كبيرة جداً فى وقت بسيط جدا ولذلك فان كلمه المسيح قام تعلن عن ايمان كل شخص لان المسيح بالحقيقة قام فهذا ايماننا وايمان كنيستنا يقول معلمنا بولس الرسول انه عندما ظهر المسيح لبطرس وليعقوب ول500 اخ ظهر لى ايضاَ انا اصغر جميع الرسل ونحن الان كل يوم نتناول فيه او نتوب فيه او نرتقى فيه لاعلى نحن نقوم لان هذه هى القيامة فظهورات المسيح ليست مجرد استعراض ولكن لها هدف عميق فهى اهداف للتوبة والخلاص وفى النهاية يريد الجميع يكرزوا بقيامة المسيح ونحن نقول فى الكنيسة "آمين آمين بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك الى السماء نعترف " ونلاحظ ان اوقات ظهور المسيح فى اوقات مختلفة مره عند الفجر ومره عند الغروب ووقت فى المساء والليل فلماذا؟ وكأن المسيح يقول انا معكم فى كل الايام انا معكم فى كل الاوقات وحتى كل احوالك فى وقت الخوف وضعف الايمان والشك ولكن نتسائل عندما كان يظهر السيد المسيح ماذا كان يقول للتلاميذ ؟ كان يكلمهم عن الامور المختصه بملكوت الله فالتلاميذ رأوا معجزاته وقيامته وموته وكل الاشياء الاخرى ولا ينقصهم شئ الا الامور المختصه عن ملكوت الله لانهم يبشرون فكانوا التلاميذ يسمعون وهم منتبهين وبعد ذلك شهدوا للمسيح فى كل العالم وكانوا شجعان ولم يرجعوا مثلا لحرفه الصيد لان اهم شئ ان يكونوا مع المسيح تقول مثلا هل التلاميذ لا يخافون من الموت او من السجن من التعذيب يقول لا طبعاً لانى مع المسيح فتحول التلاميذ الى جماعة شهداء تحولوا الى جماعه فتنت المسكونة وتغيرت طبيعه الجبن وطبائعهم لانهم التمسوا القيامة نجد عندما تقارن بطرس عندما انكر امام الجارية ،هذا وقف امام ملوك وولاه واعترف بالمسيح وقال يسوع المسيح هذا الذى صلبتموه انتم من اين هذه الجرأه ؟! انها من القيامة وعندما يكونوا فى السجن ويُجلدوا قالوا لهم سوف نخرجكم بشرط ان لا تحكوا عن المسيح ثانياً فيقولوا لهم مش ممكن فلذلك ان فتره الخماسين ليست مجرد فتره تهريج بل انها جنى لفتره الصوم الكبير نريد ان نتخيل حديث قاله المسيح قبل صلبه وموته وحديث آخر بعد صلبه وموته وقيامته فما الاقوى ؟ بالطبع الذى بعد قيامته حيث انه فى مجده فبعد القيامه نجد الكنيسة مبتهجه ونجد اعلام بيضاء والحان فرايحي وما أجمل زفه القيامة وكأن المسيح يظهر فى الكنيسة فما اجمل فتره القيامة والخماسين " واراهم نفسه حياً ببراهين كثيره " ولالهنا المجد الدائم الى الابد آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
16 مايو 2025
“القيامة إنسانيًا”
المسيح قام بالحقيقة قام إنها تهنئة القيامة المجيدة والتى تعيد بها جميع كنائس العالم لقد خلق الله العالم فى كل نوع من النباتات والحيوانات والطيور اعدادًا كثيرة، وكذلك من الاسماك ومن الزواحف من كل شىء، اما عندما خلق آدم فقد خلقه منفرداً متفرداً متميزاً، خلقه على صورته ومثاله، ذو ضمير صالح قلب طاهرعقل متميز وهذه الثلاثة تميز الانسان عن باقى المخلوقات، وكان آدم يتمتع بالعيش فى الجنة مع حواء متمتعاً بالحضور الإلهى الدائم، ولكن بدخول الخطية عن طريق الحية حُكم على الانسان بالموت، وصار هناك احتياج انسانى للقيامة، وبتجسد السيد المسيح وموته وقيامته وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِى السَّمَاوِيَّاتِ (أفسس 2: 6) وصرنا بقيامته نتذوق السماء ونحن مازلنا على الارض وقامت فينا ما تميزت به انسانيتنا:
أولاً : قيامة الضمير أى الإحساس بالآخر:-
منذ بدء الخليقة والانسان يعيش الانا، يحب نفسه فوق الجميع، آدم الانسان الاول برر خطيته وقال لله الْمَرْأَةُ الَّتِى جَعَلْتَهَا مَعِى هِيَ أَعْطَتْنِى (تكوين 3: 12)، قايين قال أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِى (تكوين 4 :9)،و يعقوب سرق بكوريه اخيه، و ابشالوم اراد ان يسرق المُلك من ابيه داود، وعندما ارسل الله يونان لشعب نينوى خاف ان يتوبوا فلم يرض ان يذهب اليهم وعاند نداء الله له الى ان ولد المسيح، فاراد هيرودس الملك قتله لئلا يأخذ كرسيه وهاجمه اليهود معتقدين انه ملك ارضى، لكنه اعلن قائلا مملكتى ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36)، وبدأ يضع تعليماً جديداً للإنسانية، ثم اراد الفريسيون والصدوقيون التخلص منه، واخيراً قام اليهود بالشكاية عليه، لانه يظهر ضعفهم وارادوا صلبه، وعندما خيروهم بين باراباس والسيد المسيح اختاروا اطلاق باراباس القاتل؟ بعد القيامة استيقظ ضمير البشرية فصارت تبحث عن المساعدة، عن العطاء، عن الخدمة، عن الفرح الحقيقى، ضمير يعلى الاخلاق، السلوك، العمل، الاجتهاد، وكما شرح بولس الرسول فى (اعمال الرسل 24 : 16 ) لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُنَفْسِى لِيَكُونَ لِى دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ وقد كتب لأهل كورونثوس قائلاً لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِيبَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِى حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِى نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَافِى الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ (2 كورنثوس 1: 12) لقد كان السيد المسيح محاطاً بأشخاص يخافون فقط على مراكزهم امثال بيلاطس البنطى ورؤساء الكهنة، والشعب الصارخ اصلبه اصلبه، والتلاميذ الهاربين، والتلميذ الذى انكره وغيرهم اما بعد القيامة اختفت الأنا وظهر الاحساس بالآخر فصارت المجدلية تبشر وبطرس الرسول يُعلم وتلميذ آخر يستضيف السيدة العذراء فى بيته وشعب يضع كل امواله عند اقدام الرسل والمثال العملى هو مريم المجدلية وسُميت بالمجدلية نسبة الى موطنها الاصلى فى المجدل على الساحل الغربى لبحر الجليل، على بعد ثلاثة أميال الى الشمال من طبرية ومجدل معناها فى اليونانية برج مراقبة كانت بعيدة، مُتعبة مما أصابها، اخرج الرب منها سبعة شياطين وشفاها، ومن تلك اللحظة تبعته من الجليل وشاهدت حادثة الصلب، وكانت واقفة عند الصليب حتى النهاية، الى ان رأت مكان القبر، كل هذا من بعيد! أما بعد القيامة تغير الوضع، كل التلاميذ كانوا خائفين أما هى وفى فجر الاحد باكراً جداً ذهبت إليه حاملة حنوطاً، لذا استحقت ان تكون أول من رأى الرب القائم، وقد صارت أول كارزة بالقيامة ونقلت الخبر الى التلاميذ والرسل مريم المجدلية كانت تحتاج الله فى حياتها، كانت تعيش الظلمة وبعد القيامة لم تصبح فقط تعيش فى النور بل ايضاً تكرز به، لقد استيقظ ضميرها بعد ان كان غائباً أو نائماً إن قيامة الضمير تعنى الاحساس بالآخر فى صور متنوعة منها ضمير العمل الضمير الذى لايتأثر بالمصالح، الذى يُعلى العام على الخاص،وهو الضمير الذى يجعل الشعوب تتقدم وتحترم الانسان كيفما يكون ضمير السلوك الضمير الذى لا يتأثر بالشهوة بل انسان لديه سلوك مستقيم، يميز بين الابيض والاسود – واضح و لايسير فى الرمادى – يسلك بخوف الله مع كل أحد يتعامل معه ضمير الخير الرحمة والشفقة هى احد اصوات قيامة الضمير، ان تشعر بأخيك، بجارك، بزميلك فى العمل، حتى بالآخر الذى لاتعرفه، وبقيامة المسيح صرنا نرفع شعار «مَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يعقوب4: 17).
ثانياً قيامة القلب اتساع القلب بالحب للكل:-
كل انسان لا يحمل الله فى قلبه، يكون قلبه ميتا، ليس فيه حياة لأن الله قال عن نفسه «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 14 : 6)، وكل قلب بداخله الله يعيش السماء على الارض الانسانية بقيامة الرب يسوع اصبح لديها مفهوم تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ (متى22: 39) تبعاً لوصية السيد المسيح. وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا (يو 13: 34) لانه مكتوب، هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ (يوحنا 3: 16)هكذا صار مفهوم المحبة هو البذل والعطاء والغفران مفهوم جديد على البشرية، لان الخطية كانت قد اخفت هذا المفهوم اذ دخلت الخطية الى العالم ودنست خليقة الله وصار الانسان فى حاجة لمن يقيمه، جاء الله متجسداً ليقيمنا من موت الخطية ليثبت لك يومياً ان حياتك ثمينة جداً عنده عَالِمِينَ هذَا: «أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ» (رومية 6: 6) والمثال العملى هو بطرس الرسول قبل الصلب كان سمعان بطرس من بيت صيدا عاش فى كفر ناحوم متزوج ويعيش من مهنة الصيد، عاش لمدة 3 سنوات تلميذ السيد المسيح،شخصية مندفعة، احياناً يرى نفسه الافضل وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ”(متى26: 33)، قال لا يمكن ان انكرك، لكنه قبل ان يصيح الديك مرتين انكر الرب يسوع ثلاث مرات وقت الصليب (متى 26: 75) أما بعد القيامة خجل من السيد المسيح خاصة حين سأله اتحبنى؟ فكانت إجابته أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّى أُحِبُّكَ (يوحنا 21: 17) (عرف حجم نفسه، عرف احتياجه الحقيقى ) ثم وفى عظة واحدة كسب ثلاثة آلاف نفس (اعمال الرسل 2) وعملياً حين دخل الهيكل ورأى على باب الهيكل رجل اعرج من بطن امه جلس يستعطى، فنظر إليه وقال له لَيْسَ لِى فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِى لِى فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ! فقام ومشى (أعمال الرسل 3: 6) العطاء الحقيقى هو محبة ومساعدة وقبول الآخر مهما يكن ونحن سفراء القيامة مطلوب منا أن نحيا باتساع القلب والذى يعنى الغفران نقول فى صلواتنا اليومية وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا (مت 6: 12) وتصير طبيعة فينا اننا نغفر للمذنبين الينا القبول نقبل الآخر مهما يكن مختلفا، يونان النبى لم يقبل ان اهل نينوى يتوبون ويعودون الى الله ولكن الله قبل الجميع المحبة الأب فى مثل الابن الضال (لوقا 15 ) مثال رائع على تقديم المحبة، كماوصفها الكتاب المقدس “اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا (1 كورونثوس 13: 8) الله حينما اراد ان يصف نفسه كان وصفه اَللهُ مَحَبَّةٌ (1 يوحنا 4: 16).
ثالثاً قيامة العقل الرؤية الايجابية للأمور:-
خلق الله الانسان بعقل مستنير مميز لما حوله، ادم باكورة الخليقة استطاع ان يعطى اسماء لجميع الحيوانات وهذا ابداع، لأنه يبتكر اسماء غير موجودة فى اللغة، لكن حواء دخلت فى حوار مع الحية لتقنعها ان الله اعطاها كل شىء، وفى لحظه فكرت واقتنعت ان تصير مساوية هى وآدم لله، وفى هذه اللحظة اظلم عقلهم بكلمات الحية وسقطوا فى الخطية وفقدوا الاستنارة وخلال رحلة البشرية نجد كثيرين ابتعدوا عن الله بسبب عقولهم المظلمة، ففكر البشر فى بناء برج بابل ليتحدوا الله ظناً منهم انهم يقدرون ثم جاء السيد المسيح ونادى مَنْ يَتْبَعْنِى فَلاَ يَمْشِى فِى الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (يوحنا8: 12) وبقيامته اعطانا الله رؤية جديدة للحياة، رؤية ايجابية للاحداث ، لقد اوصانا بولس الرسول: وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ (رومية 12: 2) وقصة تلميذى عمواس شاهدة على قيامة العقل لقد سار تلميذان الى قرية عمواس التى تبعد قليلاً عن أورشليم وكانوا يتناقشوا فيما بينهم حول ما حدث فى اورشليم يوم القيامة، وظهر لهم السيد المسيح وقصوا عليه ما سمعوه عن هذا الانسان النبى المقتدر فى الفعل والقول امام الله وجميع الناس وكيف صلب ومات وكيف شهد تلاميذه والمريمات انه قام وان القبر فارغ فَقَالَ لَهُمَا «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِى الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!أَمَا كَانَ يَنْبَغِى أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِن ْجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِى جَمِيعِ الْكُتُبِ” ( لوقا 24 : 25-27) كان اليهود لهم النظرة الضيقة للخلاص، يعتبرون ان الخلاص لليهود فقط ينتظرون مخلصا ارضيا من الاستعمار الرومانى، وبصلب المسيح وقيامته تغيرت كل المفاهيم، فى هذا الحوار ظهر لهم مفهوم جديد لكلام التوراة، مفهوم مختلف عن الخلاص، استنارت عيونهم بالقيامة انه بقيامته حول عقولنا من السلبية المظلمة الى الايجابية المستنيرة محول للمواقف كسب المرأة السامرية عندما اعترفت بالحقيقة وقال لها «بالصدق اجبتي» (يوحنا 4)، وفى موقف معجزة اشباع الجموع “فَابْتَدَأَ النَّهَارُيَمِيلُ فَتَقَدَّمَ الاثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: «اصْرِفِ الْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالضِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَامًا، لأَنَّنَا ههُنَا فِى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ» (لوقا 9: 12) لكن الرب يسوع حول هذا الموقف العصيب الى بركة من خمس خبزات وسمكتين لإشباع الآلاف يمكنك ان تستخدم المواقف الصعبة وتحولها لنجاح، تستطيع ان تكون اقوى من خلال كل ضيقة، عندما يكون لك فكر المسيح الايجابى مبادر للعمل بدلاً من ان تلعن الظلام اضىء شمعة نحن لا نشابه العالم فى التفكير بل نبحث عن ماذا نستطيع ان نقدم للانسانية، قد رأيت انُاساً انشغلوا بالسلبيات فلم يحققوا تقدماً بل انهم حاولوا ان يُعيقوا المتقدمين، وانت اين من هؤلاء واولئك؟، هل ننشغل بما حولنا ام نتقدم للعمل؟ يبنى ولا يهدم تفكيرك الكثير فى الضيقة والمتاعب يفقدك حياتك، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ (رومية 8: 28) لذلك ابنى ثقة مع الآخرين ابنى جسور محبة ابنى اعمال للوطن هكذا يكون انسان القيامة الجديد صاحب ضمير صالح وقلب طاهر وعقل مستنير وهكذا تكون قيامة الانسان لقد قام ليمنحنا هذه القوة الجديدة لحياتنا الانسانية.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
15 مايو 2025
بدعة مرقيون - مركيون
كانت الغنوسية قد أصبحت أكثر الحركات الفلسفية الدينية انتشاراً وأوسعها ميداناً. وكانت تعاليم مدرستها السامرية قد تسرّبت إلى مصر وعشَّشت فيها. يذكر كلسوس أن هذا النوع من الغنوسية شاع في مصر في بعض ما كتب فيه. واوريجنس نفسه درس هذه الفلسفة في الاسكندرية على أحد رجالها السوريين بولس الأنطاكي وأثر الغنوسية ما يزال ملموساً إلى اليوم عن طريق ما وصلنا من صفحات الأدب القبطي وفي بعض أوراق البردي والأناجيل الأبوكريفية. على أعظم ما جاءت به قرائح رجال هذه المدرسة مربوط بأسماء اسكندريين ثلاثة صنفوا فيما يظهر في القرن الثاني في عصر أدريانوس الامبراطور وبعده بقليل. وهؤلاء الثلاثة هم: فالنتينوس وفاسيليذس وكربوكراتس. وقد فصّل ايريناوس القديس مذهب فالنتينوس من باب الرد عليه كما تكلم عن فاسيليذس وآرائه وعن كربوكراتس وملائكته. ومما نقله عن كربوكراتس وعن رأيه في المسيح المخلص أنه قال: أن يسوع كان ابن يوسف من صلبه وأنه تمكن بواسطة التقمص وبما اختبره في "دوره" الأول وبما أوتي من مقدرة من فوق أن يسيطر على حكام هذا العالم وأن يعود إلى الله الآب. وأضاف أنه بمقدور جميع الناس أن يفعلوا ما فعله المسيح إن هم سلكوا سلوكه وتذرعوا بأساليبه ولم يقتصر نشاط هذه القوة الدينية الفلسفية على سورية ومصر ولكنه انساب نحو الشمال حتى شاطئ البحر الأسود. فقام في سينوب ابن اسقف يعظ ويبشر بمسيحية غنوسية ويعمل لها بكل ما أوتي من مقدرة ونشاط. وهذا الشخص هو مركيون الذي نزع إلى الدين والفلسفة بعد أن أثرى في التجارة البحرية. وقال مركيون بعنوسية مسيحية فغضب عليه والده وقطعه من شركة الكنيسة. فخرج من سينوب وطاف آسية الصغرى مبشراً باستحالة التوفيق بين التوراة والإنجيل موجباً التخير بين محبة المسيح التي لا نهاية لها وصلاحه السامي وبين عدالة إله اسرائيل القاسية. مبيناً ان إله اليهود إله الخليقة والناموس لا يمكن أن يكون هو نفسه غله الرحمة بل دونه مرتبة. "والمخلص" في نظره كان مظهراً من مظاهر الإله الحقيقي الصالح وقد خلّص البشر بإظهاره حقيقة الإله الصالح الذي جاء من عنده وبالصليب. ولما لم يكن له أي صلة بإله الخليقة فإنه لم يكن بشراً ولم يولد ولم ينم ولكن شبه لهم في كنيس كفرناحوم أولاً في السنة الخامسة عشرة لحكم طيباريوس قيصر، ثم في سائر الجليل واليهودية والسامرة وقال مركيون بخلاص البعض لا الكل وأوجب الزهد الشديد في المأكل والمشرب ونهى عن الزواج وسمح بمعمودية المتزوجين بعد موافقتهم على الافتراق ولم يلجأ مركيون إلى النبوءات ليؤيد صحة مذهبة ولم يحاول أن يربط عقيدته بنصوص التوراة ولم يعتمد سوى عشر رسائل لبولس الرسول وإنجيل لوقا بعد أن اقتطع منه ما لا يوافق عقيدته. وقال بأن الرسل الأطهار لم يفموا الإنجيل فهماً تاماً لأنهم اعتبروا المسيح رسول الإله الخالق فاصطفى يسوع بولس ليصحح التعاليم. وقال عما جاء في رسائل بولس من إشارات إلى الإله الخالق أنها دست دساً. ومن هنا قول ترتيليانوس أن مركيون قرض الأناجيل فاستحق اللقب "جرذ البونط". وأضاف أتباعه فيما بعد إلى إنجيل لوقا ورسائل بولس رسالة مركيون في التناقض بين التوراة والإنجيل Antitheses فكان لهم كتاب مقدس خاص شاع استعماله في جميع كنائسهم واحتدم الجدل بين مركيون والقديس بوليكاريوس فاعتبره هذا "أول خلق الشيطان". وذهب مركيون إلى رومة حوالي سنة 140 وكتم غنوسيته ونفح كنيسة رومة بهبة جليلة وعكف على "قرض" إنجيل لوقا ورسائل بولس وعلى تصنيف كتابه في التوراة والإنجيل. ولما تم له ذلك كشف عن وجهه الحقيقي ودعا إلى آرائه فالتف حوله عدد من المسيحيين فطردته الكنيسة واطرحت هبته. واغتنم القديس بوليكاريوس فرصة وجوده في ورمة سنة 154 فأنقذ من الضلال عدداً من الذين اتبعوا مركيون ويقال أن مركيون ندم وارتضى بما اشترطته الكنيسة عليه ولكنه توفي قبل أن يفعل. ومن المرجح أن يكون قد مات قبل سنة 160 كما يرى العلامة الألماني هرنك إن تحدي مركيون أجبر الكنيسة، وفقاً لرأي بعض البحاثة، على وضع لائحة بالكتب المقدسة المقبولة لديها والتي يمكن اعتبارها مرجعاً لحياتها وتعاليمها. و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كان وضع قانون العهد الجديد لولا الضغط الخارجي؟ سؤال مثيل يمكن أيضاً طرحه حول عقيدة الثالوث التي جاءت كرد على الأريوسيين. من المؤكد أنه لم يكن هناك دور للتأثير الخارجي في تحديد قانونية سفر من الأسفار. والتزمت الكنيسة بكتبها التي كانت قد قبلتها دائماً. وبعملها هذا حددت الكنيسة الأساس الذي بموجبه تحدد قانونية أسفار الكتاب المقدس. وكما أجابت الكنيسة عن السؤال حول هوية يسوع، كذلك عبرت عن إيمانها في عقيدة الثالوث. وأنها لم تبتدع إيماناً جديداً بل أعطت صيغة وتعبيراً ذاتياً عما كانت تعتقد به نتيجة الإعلان الإلهي.
إن السلطة الرسولية المنوطة بالأناجيل سبقت قانونيته، إذ أن الكنيسة لم تعط الأناجيل سلطة بل اعترفت فقط بسلطتها الذاتية. عوامل عدة ساهمت في تكوين العهد الجديد، ولكن العامل الأكثر أهمية هو إلهام الروح القدس. والروح الذي ألهم الإنجيليين في كتابة أناجيلهم هو نفسه الذي ألهم الكنيسة في قبول هذه الأسفار. لم يستطع مركيون، وهو يعارض تقليد الكنيسة، أن يميز بين الأسفار الملهمة والأسفار غير الملهمة. والملهم (theopneustos) هو "الموصى به من الله" (2تيمو3: 16) الذي لا يرتكز على إدراك بشري بل على عمل الله. فسلطة الأناجيل وأي جزء من العهد الجديد، ليست في الكتب نفسه، ولا ترتكز على سلطة الكنيسة التي فيها وجدت، بل تأتي من المسيح الذي تشهد له الأناجيل الملهمة من الروح وتعلنه في حياة الكنيسة.
لم تقبل الكنيسة قانون مركيون ليس فقط لأنه ناقص بل لأن جامعه هو غنوسي سعى إلى تحوير النص لكي يعكس الصورة التي يرغبها هو عن يسوع. واعتمدت الكنيسة في حربها ضد مركيون الأناجيل الأربعة كي تظل صورة يسوع غير مشوهة.
مرقيون
من فلاسفة الغنوسية الفليسوف مرقيون
مرقيون
كان مرقيون السينوبي 140 – 160م، هو ابن أسقف سينوب في إقليم البنطس (على شاطئ البحر الأسود) تأثر بالأفكار الغنوصية بعد أن أصبح غنياً فحرمه والده من الكنيسة، فخرج من سينوب وطاف آسيا الصغرى حتى روما التي منح كنيستها هدية مادية قيمة، ونشر تعاليمه وتجمع حوله الكثير من الأتباع فكانت كنيسته الغنوصية أكثر عدداً من جميع الكنائس الغنوصية السورية، وكان معاصرًا لباسيليدس. وبحسب طرطليانوس فقد بدأ مرقيون مسيرته كمسيحي أرثوذكسي – أيًّا ما كان معنى ذلك في تلك المرحلة الأولى من بَسْط العقيدة المسيحية – لكنه سرعان ما صاغ مذهبًا مميزًا وجذريًّا أدَّى إلى إلقاء الحرمان عليه من قبل كنيسة روما في تموز 144 م، وهو التاريخ التقليدي لتأسيس الكنيسة المرقيونية (طرطليانوس، ضد مرقيون، 1.1؛ راجع: كورت رودلف، الغنوص، 1984، ص 314) جاء إلى رومة حوالي السنة 140 معلّم غنوصي أصلة من البنطس واسمه مرقيون. فعلّم نظامًا ثنائيًّا يعارض فيه العهدان الواحدُ الآخر. رذل مرقيون كلَّ أسفار العهد القديم واعتبرها من عمل العقل الخلاّق الشرّير ولم يحتفظ من العهد الجديد إلاّ بإنجيل لوقا بعد أن شوّهه، وبقسم من رسائل القدّيس بولس. حُرم سنة 144 وناقضه يوستينوس، ولكنّه ربح تبّاعًا كثيرين سيحاربهم ترتليانس بعد نصف قرن في كتابه "ضد مرقيون" (دوِّن في نسخة أولى سنة 200، وثانية سنة 207، وثالثة سنة 211). هذا الكتاب هو المرجع الأساسيّ للتعرّف إلى "النقائض" التي نشرها المعلّم الهرطوقي . أمّا ردّة الفعل على هذه المحاولة فكانت إجبار الأساقفة والمعلّمين المسيحيّين على وضع لائحة كاملة بكتبهم المقدّسة وإبعاد الأسفار المنحولة والمشبوهة وتعليم مرقيون أنيق البساطة: "الإله الذي تعلنه الشريعة والأنبياء ليس أبا سيدنا يسوع المسيح. فإله [العهد القديم] معروف، ولكن الثاني [أبا يسوع المسيح] مجهول. الأول عَدْل، بينما الثاني خيِّر." (إيريناوس، 1.27.1) لقد اعتقد مرقيون بأن هذا الكوسموس الذي نعيش فيه يشهد على وجود إله قاسٍ ومشرِّع، بل وحاقد ومنتقم أحيانًا. إن هذا الرأي ناتج عن قراءة محض حرفية للعهد القديم، الذي يحوي فعلاً العديد من المقاطع التي تصف الإله بعبارات لا تفضي إلى الألوهية – أو على الأقل لا تفضي إلى فكرة الإله التي كانت شائعة في العصر الهلينستي. بناءً عليه، فقد أعلن مرقيون، على غرار بولس (في الرسالة إلى الرومانيين 1: 20)، أن الإله يُعرَف عِبْرَ خلقه. غير أن مرقيون، على خلاف بولس، لم يعتبر أن هذا "الوحي الطبيعي" دليل على فرادة الله وخيره، بل على العكس تمامًا، اعتقد أنه عَرَفَ إله هذا العالم حقَّ معرفته، وأن هذا الإله ليس جديرًا بما يطلبه من إخلاص وطاعة. ولذا فقد رفض مرقيون تعاليم الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية في عصره القائلة بأن يهوه هو أبو الكنيسة؛ ومن خلال استئصال جريء لما سمَّاه "المدسوسات اليهودية" في إنجيل لوقا وعَشر رسائل بولسية، طرح مفهومه عن "الإله الغريب" وفعله الخلاصي، ورسَّخ أول دستور للأسفار المعتمَدة في الكنيسة "المسيحية" (جوناس، ص 145-146) لم يكن مرقيون فيلسوفًا بالمعنى الذي قُيِّضَ لهذا المصطلح أن يؤدِّيه فيما بعد. فهو لم يبسط قط، على حدِّ ما نستطيع أن نستخلص من الآثار الباقية، نظرية منهجية ميتافيزيقية أو كوسمولوجية أو أنثروبولوجية، على غرار ما ذهب إليه باسيليدس أو فالنتينوس (الذي سنناقشه لاحقًا)، ولم يُبرِزه التاريخُ كشاهد على معتقداته (وهذه هي النقطة الأهم). فعلى خلاف غالبية الغنوصيين، الذين صاغوا نوعًا من السلالة الإلهية (أسطورة صوفيا، على سبيل المثال) لتعليل وجود الفساد والنزاع في العالم، طرح مرقيون في بساطة وجود إلهين متناقضين لا يقبلان الاختزال: الإله التوراتي، والإله المجهول أو "الغريب"، الذي هو أبو المسيح. وبحسب مرقيون، فإن الإله الذي يحكم هذا العالم هو كائن حريص على الحفاظ على استقلاليته وقدرته، حتى على حساب الكائنات (البشرية) التي خلقها. الإله "الغريب"، الذي هو الخير الأسمى، هو "إله الانبثاث": إذ إنه ينبث في هذا العالم من الخارج لكي يتبنَّى مجَّانًا أولئك البشر المرثيَّ لحالهم، الباقين تحت نفوذ الإله الأدنى بوصفهم أبناءه. وهذا الفعل هو، بحسب مرقيون، أصل تجسُّد المسيح وعلَّته وعلى الرغم من غياب قاعدة فلسفية أو ثيولوجية لهذه الصياغة البسيطة نوعًا ما، فإن فكرة مرقيون تعبِّر، على كلِّ حال، في شكل خام ومباشر نوعًا ما، عن حقيقة أساسية للوجود الإنساني: أنَّ رغبات العقل لا مقايسة بينها وبين طبيعة الوجود المادي (راجع: إيريناوس، 27.1: 2-3). مع ذلك، إذا تابعنا حجَّة مرقيون حتى نتيجتها المنطقية (وربما "ضد المنطقية")، لاكتشفنا تعبيرًا وجوديًّا (وليس فلسفة) عن الشعور الأوليِّ ب"الهَجْر" Geworfenheit. وهذا التعبير يقوم على التعارض الحاذق – لكن الممض – بين "محبة الحكمة" philosophia وبين "الحكمة التامَّة" pl?rosophia. نحن وحدنا في عالم لا يُسلِس ذاتَه لبحثِنا عن حقيقة لا تتبدَّل، ولذلك فإننا نُصادِق الحكمة، باعتبار أن ذلك الطريق أو الأسلوب هو الذي يمكِّننا من بلوغ هذه الحقيقة المحدوسة. وبحسب مرقيون، لن يتمَّ العثورُ على هذه الحقيقة في هذا العالم: فكل ما يمكن العثور عليه هو الرغبة في تلك الحقيقة، التي تنشأ بين البشر. غير أن هذه الرغبة، بما أنها، من جانب البشر، لا تنتج سوى فلسفات متنوعة ما من واحدة منها قادرة على ادِّعاء الحقيقة المطلقة، خَلُصَ مرقيون إلى أن الكائنات (البشرية) العارفة في هذا العالم لا تطيق أكثر من ظلٍّ من ظلال الحكمة. إذ إنه عن طريق إرشاد إله غريب ومحض خيِّر ونعمته يمكن للإنسانية أن ترتقي إلى مستوى الحكمة التامة pl?rosophia (راجع: الرسالة إلى القولوسيين 2: 2 وما بعدها). وعلاوة على ذلك، فقد قام مرقيون، عوضًا عن محاولة اكتشاف الارتباط التاريخي بين وحي المسيح وتعاليم العهد القديم، بمجرَّد رفض الثاني لصالح الأول، اعتقادًا منه بأن الإنجيل وحده (وقد تدبَّر مرقيون تحريره بنفسه) يدلنا على الحكمة التامة (إيريناوس، 27.1: 2-3؛ طرطليانوس، ضد مرقيون، 3.4).
وفي حين أن مفكرين مسيحيين آخرين من ذلك العصر قد اشتغلوا على التفسير المجازي للعهد القديم بغية التوفيق بينه وبين تعاليم العهد الجديد، أجاز مرقيون للعهد الجديد – وإنْ في نسخته الشخصية منه – مخاطبتَه كصوت مرجعيٍّ فريد، فصاغ مذهبه وفقًا لذلك. وهذا المذهب لم يشدد على غربة البشر الجذرية عن هذا العالم الذي اتَّفق لهم أن يولدوا فيه وحسب، بل كذلك على افتقارهم إلى أية علاقة نَسَبية مع الإله الذي ضحَّى بابنه لافتدائهم – بعبارة أخرى، صوَّر مرقيون البشريةَ كسلالة مُشرَّدة، من دون أيِّ وطن حقيقي أصلاً (راجع: جيوفاني فيلورامو، تاريخ الغنوصية، 1992، ص 164). والأمل في البحث عن وطن مفقود، أو أمل العودة إلى وطن طُرِدْنا منه، كان غائبًا عن مذهب مرقيون. فمثله كمثل بيكو ديلاميراندولا، أعلن مرقيون أن طبيعة البشرية هي طبيعة وسيط أبدًا، واقف وقوفًا غير مستقر بين السماء والأرض (قارن: بيكو ديلاميراندولا، خطبة في كرامة الإنسان، 3). غير أن مرقيون، خلافًا لبيكو، دعا إلى عَزْل جذري للبشرية – "قطيعة" – تصحو فيها الإنسانيةُ على ممكناتها التامة (إن لم نقل الفطرية) استمر وجود أتباع مرقيون حتى القرن الرابع وهناك من يقول حتى القرن السادس.
بدعة مرقس (مرقيون)
4 - ويذكر أيضاً أنه علاوة على هؤلاء الأشخاص الهراطقة فى ذلك العصر كان يوجد شخص آخر أسمه مرقس برع فى السحر، وقد وصف يوسابيوس تصرفاتهم الدنسة وأسرارهم الكريهه فى الكلمات التالية:
5 - " والبعض منهم يعدون أريكة للزواج، ويمارسون بعض الطقوس الرمزية، ويستعملون بعش التعبيرات الموجهة إلى المبتدأين فى ممارستهم، ويقولون ان الزواج الذى يجرونه روحى على مثال الزيجات العلوية، والبعض يأخذونهم إلى المياة، ويرددون الكلمات التالية عند تعميدهم: إلى أسم أب المجهول إلى الحق أم كل الأشياء، إلى من أستقر على يسوع.. ويكرر غيرهم أسماء عبرانية لكى يزيدوا فى بلبلة المبتدئين "
6 - وحدث أن مات هيجينوس فى نهاية السنة الرابعة من أسقفيته خلفه بيوس فى إدارة كنيسة روما، وفى السكندرية عين مرقس راعياً بعد أن ظل أومانيوس فى مركزه 13 سنة، ومات مرقس بعد أن ظل على كرسى ألسكندرية 10 سنوات، خلفه كالاوتيانوس فى كنيسة الإسكندرية.
7 - وفى روما مات بيوس فى السنة الخامسة عشرة من أسقفيته ، فتولى أنيسيتوس قيادة المسيحين هناك، ويقرر هيجيسبوس أنه هو نفسه كان فى روما فى ذلك الوقت، وانه ظل هناك حتى أسقفية اليوثيروس.
8 - وفى تلك الأيام أشتهر يوستينوس بصفة خاصة، وإذ أنه أتخذ صورة فيلسوف بشر بالكلمة الإلهية وناضل عن الإيمان بكتاباته، وكتب أيضاً كتاباً مؤلفاً ضد مركيون ذكر فيه أن هذا الأخير كان حياً وقت أن كتب مؤلفة.
9 - وفيه قال الاتى:
" وهناك شخص يدعى مركيون البنطى لا يزال إلى الان يعلم أتباعه أن هنالك إلهاً آخر أعظم من الخالق، وبمساعة الشياطين أقنع الكثيرين من كل جنس البشر لينطقوا بالتجاديف، وينكروا أن الخالق هذا الكون هو أب المسيح ويعترفوا أن هنالك آخر أعظم منه وهو الخالق، وكل اللذين تبعوهم يطلقون على أنفسهم مسيحيين كما قلنا، كما يدعى أسم الفلسفة على الفلاسفة ولو لم تكن لديهم تعاليم مشتركة "
10 - ويضيف إلى ما سبق ما يأتى: " وقد كتبنا أيضاً مؤلفاً ضد كل الهرطقات التى وجدت، ونحن مستعدين أن نقدمه إليك إن أردت الإطلاع عليه "
11 - وقد نجح جداً يوستينوس هذا فى نضالة ضد اليونانيين، ووجه أحاديث متضمنة إحتجاجاً ودفاعاً عن إيماننا إلى الإمبراطور أنطونيوس الملقب بيوس، وإلى مجلس الأعيان الرومانى، لأنه كان يعيش فى روما، وفى دفاعة بين فى الكلمات التالية شخصيته ومن أين كان:
الكتاب الخامس ليوسابيوس القيصرى الفصل الثالث عشر
رودو يصف بدعة مركيون
1 - فى ذلك الوقت كتب رودو، وهو من أهل آسيا، وتعلم كما يقول على يد تاتيان الذى سبق أن ذكرناه عدة كتب أحدهما ضد هرطقة مركيون . ويقول أن هذه البدعة كانت تنقسم فى عصره إلى أربعة آراء مختلفة، ولدى التحدث عمن سببوا الإنقسام وفند بكل دقة الأباطيل التى أخترعها كل منهم.
2 - وأسمع ما يقول:
ولذلك أيضاً أختلفوا فيما بين أنفسهم، معتنقين آراء متناقضة، لأن أبلس، وهو واحد من الشيعة (طائفة مركيون) إفتخر بنفسه بسبب طريقة حياته وسنة، ونادى بمبدأ واحد ولكنه قال أن النبوات هى من روح مضاد، وقد دفعه إلى هذا الإعتقاد فتاة تدعى فيلومينا كان بها روح نجس.
3 - " ولكن غيره، ومن بينهم بوتينوس وباسيليكوس، أعتقدوا بمبدأين كما أعتقد مركيون نفسه ربان السفينة.
4 - وهؤلاء تبعوا ذئب بنطس، وسلكوا مثله بطياشة غير قادرين على تفهم حقيقة الأمور، ونادوا بمبدأين بدون تقديم أىة دليل، وإنحدر غيرهم إلى هوة ضلالة أشر، فلم يكتفوا بطبيعتين بل نادوا بثلاث، من بين هؤلاء سينيروس، وهو قائدهم ورئيسهم، كما يقول المدافعون عن تعليمه "
5 - ويقول نفس المؤلف أنه دخل فى مناقشة مع أبلس و ويروى ما يأتى:
" لأنه لما دخل ابلس، الطاعن فى السن، فى مناقشة معنا دحر فى أمور كبيرة تحدث عنها باطلاً، ومن ثم قال أيضاً أنه ليس ضرورياً على الإطلاق مناقضة المرء فى عقيدته، بل لكل واحد أن يتمسك بما يعتقده، وأكد بأن الذين يثقون فى المصلوب ينالون الخلاص إن عملوا أعمالاً صالحة، ولكنه كما قدمنا كانت عقيدته نحو الإله غامضة جداً، لأنه تحدث عن مبدأ واحد حسب تعليمنا "
6 - وبعد أن تحدث بالتفصيل عن رأيه هو أضاف قائلاً: " لما قلت له: أخبرنى كيف تعرف هذا؟ أو كيف تؤكد أنه يوجد مبدأ واحد؟ أجاب النبوات ناقضت نفسها بنفسها لأنها لم تذكر الحق، فهى غير متفقة وكاذبة، وتناقض نفسها، ولكنه قال أنه لا يعرف كيف يوجد مبدأ واحد، وإنما هو مقتنع بهذا.
7 - ولما ناشدته بأن يقول الحق حلف بأن هذا ما هو فعله لما قال: بأنه لا يعرف كيف يوجد إله واحد غير مولود، وإنما هذا هو ما يعتقده، عندئذ ضحكت ووبخته، لأنه بالرغم من إدعائه أنه معلم لم يعرف كيف يثبت ما يعلمه!!! "
8 - وفى نفس الكتاب يعترف الكاتب، موجهاً حديثه إلى كالستيو، أنه تعلم فى روما على يد تلتيان ويقول أن تاتيان أعد كتاباً عن " المعضلات " ووعد أن يفسر فيها الأجزاء الغامضة فى الأسفار الإلهية، وقد وعد رودو نفسه بأن يقدم هو فى كتاب حلوله لمعضلات تاتيان، ولا يزال يوجد له أيضاً تفسير عن أيام الخلقة الستة.
9 - على أن أبلس هذا كتب أشياء كثيرة، بطريقة سافلة، عن ناموس موسى، مجدفاً على الأقوال الإلهية فى كثير من مؤلفاته، ويبدو أنه كان غيور جداً على هدمها ودحضها. هذا ما يتعلق بهؤلاء
المزيد