المقالات

23 أكتوبر 2022

التغيير مع بطرس

تقرأ اليوم الكنيسة علينا فصل من إنجيل معلمنا مار لوقا البشير الإصحاح الخامس جزء دعوة معلمنا بطرس ليكون صياداً للناس معلمنا بطرس ويعقوب ويوحنا كانوا شركاء في الصيد فكل فرد منهم كان يصطاد ولهم مركب فكان من عادة الصيادين يقوموا ليلاً ليصطادوا ولكن هذا اليوم كان يوم غريب كان يوم عجيب لم يصطادوا شيئاً فهم رجعوا من الصيد شاعرين بإحباط وبفشل فوقفوا عند الشط ليغسلوا الشباك من الزفارة وبقايا الصيد ولكن كان في داخلهم تساؤلات كثيرة وهي لماذا هذا اليوم ؟ فكانوا متضايقين فوجدوا يسوع جاء إلى الشط فازدحم المكان – حينما يكون المسيح تكون الزحمة – فاجتمع عليه الجموع ليسمعوا كلام الله فضغطوا عليه من كثرتهم وهو كان لم يراهم فدخل السفينة لكي تكون هناك مسافة بينه وبينهم فيراهم كلهم وهم يروه فطلب سفينة بطرس ولكن بطرس في داخله كان يقول * لا تطول أنا تعبان أنا متضايق لن أسمعك كثيراً أنا حاكون سرحان * وربما يكون قال له إتفضل خجلاً فالسيد المسيح أخذ السفينة كمنبر ليعظ الناس ويكلمهم من عليه أما بطرس الرسول ربما يكون سمع أو ربما لم ينتبه لكلمة من الوعظ فكان معلمنا بطرس يفكر في الفشل الذي أصابه من سهره وعدم إصطياده لشئ فجميل إن ربنا يسوع إنه يعلم والناس تسمع بانجذاب عجيب فربنا يعلم بنفسه الكلمة بنفسه يتكلم كم تكون الإستجابة ؟ كم يكون الإنصات ؟ فقديماً كان يتكلم الأنبياء أما الآن بنفسه يتكلم فأي حاجات من الطبيعة تنجذب إلى أصلها فأصل الوجود نفسه الذي هو السيد المسيح هو الذي يتكلم فهو عرف كيف يخاطب الإنسان فيكون مسحوب ومنجذب ناحية الكلام الذي يُقال قال لسمعان ﴿ ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ ( لو 5 : 4 – 5 ) فإنَّ النهار ظهر والسيد الرب يقول له أُدخل إلى العمق !! في عُرف الصيادين وعادتهم لا يكون هناك صيد في النهار أو حتى في العمق بل يكون الصيد في الليل ليل في العمق فما قاله السيد الرب هو عكس المنطق الطبيعي لخبرة الصياد فقال له بطرس ﴿ تعبنا الليل كله ﴾ أحياناً الإنسان يعتمد على الخبرة السابقة في غياب الله في غياب من النعمة تجاهد كثير ولكن ليس على سند قوي في غياب روح الإتضاع في غياب روح المحبة الحقيقية فتتعب ولم تصطاد شيئاً مثل الكتبة والفريسيين فهم يتعبوا في تدقيق الناموس ولكن متكلين على ذواتهم فالنعمة لم تمكث عندهم جهاد بدون نعمة يجعلنا نعيش بدون اصطياد ﴿ الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم ﴾ ( مت 6 : 2 ) فهم صنعوا أشياء كثيرة بحسب الشكل من أجل إرضاء الضمير فيمكن إن إنسان يتعب كثيراً من أجل بيته ولم يصطاد شيئاً فهو يضيعه وذلك بسبب الأنانية العصبية فهناك أفراد تتعب ولم تصطاد شيء فيقول أنا بتعب ولكن لم أصطاد شيء فهو لايعرف ويسأل لماذا نحن غير مترابطين ؟ لماذا نحن بعيدين عن ربنا ؟ وذلك لأنَّ الهدف ليس واضح فأحياناً الإنسان يجب أن يسأل نفسه هل هذا التعب من أجل الله ومع الله ؟ في سفر حجي يقول الرب ﴿ زرعتم كثيراً ودخلتم قليلاً تأكلون وليس إلى الشبع تشربون ولا تروون تكتسون ولا تدفأون والآخذ أُجرةً يأخذ أُجرةً لكيسٍ منقوبٍ ﴾ ( حج 1 : 6 ) فيقول ﴿ تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ﴾ فمحبة الخطية جذورها في الأعماق من الداخل فالجهاد يكون في غياب المسيح فالجهاد يتم بشكل روتيني فهناك تعب من أجل الذات وليس من أجل الله فهناك تعب باطل وهناك تعب بناء سليمان الحكيم يقول ﴿ باطل الأباطيل الكل باطل ولا منفعة تحت الشمس ﴾ ( جا 1 : 2 ؛ 2 : 11) تعبنا ولم نصطاد شيء ولكن معلمنا بطرس لم يستمر في النقاش كثيراً مع ربنا ولم يركز على النقطة السلبية ولكنه قال ﴿ على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ فكان هناك مركبتين ولكن لأنه ليس واثق في أنه يمكن أن يصطاد شئ فدخلت مركب واحدة من أجل الطاعة دخلت * كلمتك * هي الوصية الوصية حينما تأتي في فكرنا فنكون عاجزين عن طاعتها الوصية ضد المنطق ضد الجسد ضد الذات فهل أضيف إلى فشلي فشل جديد ؟ فأنا تعبت وقت الصيد ولم أصطاد شئ فهل سأصطاد في وقت الراحة ووقت ليس فيه صيد ؟ فربنا يوصلنا لدرجة إنه يجعلنا غير نافعين غير قادرين فيجعلنا نقول * أنا مش قادر فأنت تقود ؛ أنا غير نافع فاستخدمني أنت ؛أنا لا أستطيع فأنت تصنع بي * فالوصية تتخطى العقل الوصية تتخطى المنطق الوصية تتخطى القدرة فيجب أن أُعد ذهني البشري لا لعمل المنطق أن أقول ليس بقدرتي وأن أقول حاضر فهنا تعمل النعمة فأطاوع الإنجيل بطرس دخل مسنود على كلمته – كلمة ربنا – الجهاد المسنود على الإنجيل غير الجهاد المسنود على عقلي أنا فالوصية أطيعها ليس من أجل لذاتي بل أطيعها لأن بها روح بها سند فهي تحمل في داخلها قوة استجابتها فنقول حنحب حنبذل حنخدم ولا أشعر في كل ذلك إنه إهدار لكرامتي أو لوقتي فمعلمنا داود يقول ﴿ كلامك أحيني ﴾ ( مز 119 : 154)﴿ سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي ﴾ ( مز 119 : 105) فحياته مقادة بالروح حسب كلمة الإنجيل الآباء القديسين يقولوا ﴿ لا تعمل عملاً إلا ويكون لك شاهد من الإنجيل ﴾ هناك الكثير من الأفراد يقول * أنا لو صنعت ذلك فإني لن أبيع أو أشتري * ولكن كلمة ربنا هي التي تعينك فيمكن أنَّ كثيراً تتعب وتجمع قليلاً فلا تصطاد شئ فيُقال مثلاً * أنا بكسب كتير ولكن ليس في بيتنا سلام ليس في قلوبنا محبة * ﴿ تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ فربنا يعطيك مع القليل حب يعطيك مع القليل سلام يعطيك مع القليل نعمة يعطيك مع القليل قناعة ﴿ فعلى كلمتك ﴾ جميل أن يعيش الإنسان حسب الكلمة إفعل ذلك فتحيا فكلمة الإنجيل تجعلك تتخطى نفسك حاضر حنطرح الشباك فقال لهم بطرس ريحوا واستريحوا أنتم وسأذهب أنا لكي أرى وأجرب فدخل إلى العمق بسفينة واحدة ﴿ ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم ﴾ ( لو 5 : 6 – 7 )فأحياناً الإنسان يكون واقف مشاهد على وصية ربنا فالذي يطاوع يمسك كثيراً فيقول له تعال ويدعو الآخرين ويقول تعال لن تخسر لن تندم فكلما ذوقت أنت تدعو الآخرين لكي يذوقوا ويجربوا فيلتهب قلبه على كل من حوله ويدعوه ويقول هذا خير ربنا هذه نعمة ربنا فتبدأ النعمة التي بداخلي تزيد فربنا يريد يفرحنا كلنا به فالخلاص لا ينتهي الفضيلة لا تنتهي النعمة لا تنتهي فالنعمة ليس لها حدود بل حدودها أنت وليس هي فهي تملأك على قدر سعيك على قدر خضوعك على قدر اشتياقك فهي تملأ كل كيانك حتى تقول كفانا كفانا حتى تقول تكاد السفينة أن تتخرق ﴿ فصارت شبكتهم تتخرق ﴾ فالنعمة ليس لها أي حدود ليس لها نهاية فهم رفضوا حتى أنفسهم رفضوا الثوب المدنس رفضوا السلطة الجاه المال فتركوا العالم كله فهناك نعمة إمتلأت﴿ فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق ﴾ ( لو 5 : 7 ) فهذا هو سخاء ربنا يسوع فهناك يكون بعد فشل كبير يكون هناك نجاح ليس متوقع ما أجمل هذا الإختبار فهناك نعمة كبيرة تملأ حياتك فأعيش بكلمتك فأحياناً نقول * أنا فشلت كتير وأصبح الفشل ملازم ليَّ * ولكن ﴿ على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾ أنا يارب ضعيف جداً وعاجز جداً ولكن أنت يارب قُل كلمة لتبرأ نفسي فربنا يريد أن يُدخلنا في هذا الإختبار إختبار كلمته إختبار محبته إختبار الخضوع له فيملأ حياتك بكل بهجة وخير ﴿ فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ ﴾ ( لو 5 : 8 ) ما علاقة الصيد بأن يقول بطرس أنا خاطئ ؟ فهذه نصيحة غالية أنا متشكر شكراً جداً فنحن لا نسمي هذه المعجزة معجزة اصطياد السمك بل إنها مهمة أكبر فهي معجزة تغيير بطرس فالرب يسوع أتى ليأخذ ممتلكات بطرس فهو يغيرك إنت عن طريق السمك فهل ستتلهي في الصيد وتتركني أنا ؟ فليس هناك معجزة يصنعها ربنا يسوع إلا ويكون هدفها هو خلاصي فمعجزة التجلي هدفها خلاصي الأمور العقيدية هدفها خلاصي قيامة لعازر هدفها قيامة الخاطئ فإنك تتجاوز هذه المرحلة وتتقابل مع هذه القدرة التي لا نهائية فتخر وتسجد له فلم ينسب النجاح لنفسه أو لأنه طاوع بل مركز ذهنه على المسيح فتكون في سجود في حياتك فعيش مشاعره فهو كان محبط فهو كان فاشل ولكن ربنا أعطاني نعمة وملأ قلبي ونفسي سلام فالسجود هو انفعال هو حركة إنفعال قلبية حركة إنفعال لا إرادية فهي إعلان عن فرح إعلان عن شكر هذا هو السجود بالروح فلذلك حاول أن تجرب هذا الإحساس أن تخضع لعمل نعمته أن تدرك أمام من أنت واقف ؟ فعندما الإنسان يحس بعظمة الله يتضاءل هو ويصغر جداً فعندما يتفاعل هو يخر ساجداً فالإنسان عندما يشعر أنَّ الذي أمامه كبير جداً فهو يصغر جداً أمام نفسه فيسجد إلى ربنا الذي هو كله عظمة وقدرة وأنا الخاطئ فالسجود هو إنفعال من الداخل أشعياء النبي يقول ﴿ رأيت السيد جالساً على كرسيٍ عالٍ ومرتفعٍ وأذياله تملأ الهيكل فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين ﴾( أش 6 : 1 ؛ 5 ) فلم يسعه أن يفعل شئ إلا السجود السجود هو شعور بضعفي الشرير وبر الله الذي أنا واقف أمامه كذلك أيضاً يعقوب ويوحنا إبني زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس ﴿ ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيءٍ وتبعوه ﴾ ( لو 5 : 11) فالحكاية تحولت عن السمك فهم لم يفرزوا السمك و يبيعوه فالهدف الأول كان السمك ولكن في النهاية تركوا كل شئ وباعوه فهم وجدوه هو الأجمل هو الأحلى ولكن أنت ماذا تفعل في عمرك ؟ فإن كنت محبط مضايق فقل يكفيني أن أكون معه يكفيني أن أحيا معه هو فرحي هو كفايتي هو بهجتي فهو إذا كان عمل معي كل ذلك الآن فهو يدبر كل أمور حياتي فأدركت أنه يقدر أنه يستطيع فمعلمنا بطرس يقول لنا لا تجعل شغلك يأخذ كثير فأنا جربت ذلك لذلك ضع قلبك في كلمته ضع قلبك في المسيح فهو الغني وليس شغلك فأصبح صياد للناس فيرمي مثلاً الشبكة في يوم الخمسين فيصطاد حوالي ثلاثة آلاف نفس فاختبر قدرة ربنا في حياته الشخصية وبذلك استطاع أن يجذب النفوس بلا كلل بلا تعب فكان يقول ﴿ ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ﴾ ( مز 34 : 8 )فمعلمنا بولس يقول لتلميذه ﴿ اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقتٍ مناسبٍ وغير مناسبٍ وبخ انتهر عظ بكل أناةٍ وتعليمٍ ﴾ ( 2تي 4 : 2 ) فاحضر كل إنسان إرمي الشبكة إحضر كل إنسان في المسيح يسوع فإحكي عن يسوع إحكي عن خبرتك معاه فأن تُخبر بما رأيت وبما سمعت فربنا حول هذه المعجزة من موضوع اصطياد السمك إلى اصطياد أربعة أعمدة فهو قام باصطياد بطرس ويوحنا وأندراوس ويعقوب يا لجلالك يارب فهو يختارنا بنفسه يستخدمنا لإسمه يغير حياتنا لنفوز بملكوته فهو يريد أن نسجد أن نسبح أن نخدم أن نعيش بهدف أبدي ربنا يغيرنا ويجعلنا نعيش له ومن أجل إسمه ويجعلنا نتعب من أجله وأن نعرف أنَّ بدونه نتعب ولا نصطاد شيء ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
22 أكتوبر 2022

إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر بابه

تتضمن ذو السكر والتنعم . مرتبة على فصل حضور الجباة إلى بطرس لطلب المغرم ( مت ۱۷ : ٢٤-٢٧ ) إن سيدنا له المجد قد أدى ما لا يجب عليه بسهولة وبدون مانع ليعلمنا بمثـلى ذلك . وإن كان قد قبل تكليفا " جسمانيا ليعمل مثله المؤمنون . فلم لا نسـارع نحـن إلى العمل مسرورين ؟ فنصوم كما صام ونصلي بعقولنا ونرحم بضمائرنا ونسـالم ظالمينا . ونقوم بأداء ما يجب علينا غير متقنطيـن ولا نـادبين بـل فـرحيـن مسرورين لتيقننا بجميل المجازاة . وإن قلت ياهذا إني لا استطيع أن أصوم لضعـف الكبر أو لكثرة تعاقب الأمراض والعلل . قلت نعم . ولكن هذه وأن منعتـك مـن الصوم دائما فلا تمنعك من أن تكون غير متلذذ ولا متنعم ولا متبذخ " ولا كـاذب المغرم هو الغرامة التي تفرض عادة على احدى المتقاضين لخصمه عند سقوط دعـواه وهي خطأ من الناسخ طبعا . وصحتها الجزبة وهي التي فرضت من الله في العهد القديم علـى كل يهودي يبلغ عمره ٢٠ سنة ( خر 30 : ١٣-١٥ ) وقد أدرجها اليهود عادة سنوية للنفقـه على الهيكل حتى أن المسببين منهم في بابل كانوا يجبونها هناك ويرسلونها إلى أورشليم على ذمة نفقة الهيكل ( يوسيفوس ف ١٢ ك 18 في القدميات ) .ولا شره ولا حاسد ولا نمام ولا سكير ولا غير ذلك . لأن هذه وأن كـانت ليسـت صوم عن الطعام فأنها غير بعيدة من معناه . لأنه لا شئ يطرب الشياطين أكثر مـن التنعم والسكر إذا منهم تنبعث سائر الشـرور وتشـدد صرامـة العـاصين المسترسلين معهما " والمائلين إليهم يسقطون من مراتب البشر ويشـابهون غـير الناطقين . فأن قلت وكيف يشبه الأنسان الناطق بالحيونات غير الناطقة ؟ أجبتك أنـهم وان كانوا يختلفون بالصورة فقد يتشابهون بالفعال . لأن السكر والشبع يجعلان أناسـاً يتمرغون في نجاسات الأرض كالخنازير . وأخرين ينبشون الأموات مثـل الكـلاب وأخرون يهمهمون غضباً كالسباع . وأخرون يصـهلون علـى النسـاء والصبيـان كالخيول وأخرون يخطفون كالذئاب . وأخرين يمكرون كالثعالب وأخرون ينكشـفون ويمزقون ثيابهم ويشجون رؤوسهم ويلقون زواتهم في الأبار والمـهالك كالمجــانين وإني أخجل أن أذكر لكم واحدة فواحدة من أصناف تلك الرذائل الناجمة عن السـكر وذلك فضلاً عما يجرى للرجال والنساء بجرائره الردية من القبائح . ومثـل هـؤلاء يهينون المسيحية وينجسون طهارتهم الحاصلة لهم بالمعموديـة . ويطفـون حـرارة الروح المطهر لذواتهم ويحركون قوماً أخرين على الاستهزاء بالمؤمنين . ويلجئـون أخرون لسب خلائق الله التي صنعها للمنفعة . لأنهم عندما يرون أنه تصـدر عـن السكر قبائح ردية بهذه الكيفية فأنهم يلعنون النبيذ تارة . ويلعنـون البطـن أخـرى . ويقولون ولا كانت الخمر ولا كان الذين يشربونها أرأيت كيف بسبب أفعالك الرديـة أيها الأنسان قد جذبت اللعنة وأدخلت الهوان على ما خلقة الله لمنفعـة البشـر فـي المواد اللازمة الضرورية ؟ ولعلك تقول أن جميع ما خلقه الله إذ استعمله المجرمـون يسب ويعلن بسبب شرهم . كالحديد مثلا فأنه يلعن بســب أسـتعماله مـن القتلـة والمفسدين في البشر وكذلك الليل حيث يتم فيه فعلهم . وتلعن النساء والرجال لأجـل علة الزنا والفجور . لا لعمرى لا أؤثر صدور مثل هذا النقائص من تلـك الخلائـق لأن الله ما خلق الخمر إلا ليفرح لب الإنسان كما قال النبي أما السكيرون فيضيعـون بهجته مز١٥:١٠٤ لأن أي فرح يكون لك وأنت غائب العقل ناقص الحظ مائل عن مسـالك الصيانـة والعـدل . قـد اسـتولى عليـك الـدوار واحتجـت الى من يسعطك بالادهان كالمجانين . والى من يشد رأسك بالعصائب كالمحمومين وإلـى من يقودك إلى الطريق المستقيم كالعميان . وإلى مـن يحرصـك مـن المخـاوف كالأطفال . أفرأيت كم رذئله يستحبها السكير قد يأنف العقل من ســـــــــماعها ؟ ولسـت أقول هذا مخاطباً لكم ( معاذا الله ) لأن جميعكم تشربون وتسكرون . بل أوجه كلامـى إلى الذين لا يسكرون لكي ينبهوا الذين يسكرون . وذلك لأن مـن عـادة الطبيـب الحاذق أن لا يوجه الكلام إلى المريض ، بل يخاطب المحيطين به لا لأنهم مشـاركوه في المرض بل ليذكروه بأقوال الطبيب في الأوقات المحتاج إليه . وأنا أخاطبكم إيـها الأصحاء هكذا لتذكروا السكيرين بأقوال بولس الرسـول حيـث تحجـب ملكـوت السموات عن نظر السكيرين لأنه يقول : " لا تضلوا . لا زناة ولا عبــدة أوثـان ولا فاسقون .. يرثون ملكوت السموات " ١كو٩:٦-١٠ فسبيلنا أذن أن ننهض فكرتنا . ونبتعد عما يهلك ذواتنا . ونسـارع إلـى مـا يقربنا من ملكوت ربنا الذي له المجد إلى أبد الأبدين آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
21 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ3

تحدثنا عن جوانب المسئولية الأسقفية وهي عديدة، وذكرنا ستة جوانب هي: الشخصية – الروحية – الأبوية – الرعوية – المالية – التعليمية. ونستكمل الحديث هذه المرة في أربعة جوانب أخرى. سابعًا: المسئولية المجتمعية: كل أسقف في إيبارشيته مسئول مسئولية اجتماعية تجاه الآخرين الذين ليسوا من المسيحيين، في أي مجتمع داخل وخارج مصرالكنيسة تعيش في المجتمع وتتعامل معه وتقدم له المحبة والمساعدة والسند في كل الظروف.. لذا ينبغي أن يدرك الأسقف تلك المسئولية ويتذكر أنها مسئولية عمل لا مجرد كلام: «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!» (1يو3: 18). مثال: نضع دائمًا مثل السامري الصالح الذي قدّم للآخر الذي لا يعرفه محبة غير مشروطة فقط لأنه أخوه في الإنسانية.. وهنا نعيد تعريف "القريب".. مَنْ هو قريبي؟ حسب تعليم الرب: هو كل إنسان.. 1- «وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ» (ننظر للمجتمع ونشعر بآلامه). 2- «فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ» (الشعور بداية للعمل وتقديم المساعدة العملية). 3- «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا» (كما صنع السامري نصنع نحن أيضًا فهذا أمر الرب لنا)(لو10: 29-37) المشاركة الإيجابية في جميع قضايا المجتمع مثل التعليم والصحة والبيئة وتقديم الخدمات المتنوعة... ثامنًا: المسئولية التكريسية: كيفية الاختيار ومعاييره ونوعيته. كل شخص تكرّسه أنت، بهذا تضع طوبة في مستقبل الكنيسة من أصعب المسئوليات مسئولية الاختيار.. كل شخص تقوم بتكريسه لا بد أن تختاره بعناية وبأناة وبصوت الروح القدس.. وأضع أمامك النص الآتي: «أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا (1) بِدُونِ غَرَضٍ، (2) وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ. (3) لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ بِالْعَجَلَةِ» (1تي5: 21-22). 1- بدون غرض: أي لا يكون اختيارك مبني على هوى خاص بك إلّا إذا كان الغرض هو الخدمة وصلاحية هذا الشخص للخدمة والتكريس الذي سيقوم بها. 2- إياك والمحاباة.. من أي جانب إلّا مخافة الله. 3- أعط لاختيارك فرصة وقت كاف.. الوقت مع الصلاة يسمح بإرشاد الروح القدس. مثال: «فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (1صم16: 7) أحيانًا ننخدع بالمظاهر.. شكل التقوى.. CV ضخم وفخم.. صوت ملائكي.. لباقة في الكلام.. كاريزما.. وقد يكون كل هذا مرفوضًا من الرب لأنه ينظر إلى لقلب لا إلى العينين.. لذا نحتاج أن نسمع صوت الروح القدس بوضوح قبل الاختيار إن مسئولية التكريس خطيرة للغاية لأنه ينبغي أن نقدم أفضل العناصر في مجالات الخدمة، سواء الكاهن أو الراهب أو المُكرَّس أو المُكرَّسة. ولا تنسَ أن التكريس والتعليم هما قَدَما الكنيسة، وبهما تتقدم وتخدم وتنجح في كل زمان. تاسعًا: المسئولية الوطنية: تجاه الوطن كله.. الحفاظ على سلام الوطن بكل حكمة وبكل روية وبكل فكر متعقّل مسئوليتنا الوطنية هي مسئولية تجاه الوطن والعالم كله.. نتذكر دائمًا أننا ملح الأرض، ولو لم نقم بدورنا نُداس من الناس.. ونور العالم الذي به نمجّد اسم الله الآب «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 13-16) بكل حكمة وتعقّل احفظ السلام.. وابدأ بالمحبة.. وانشر كلمة الحق الهادئة دون الإثارة.. مثال: أكبر مثل للوطنية كان نحميا الذي لم يحزن لهدم الهيكل فقط بل ولأن أورشليم وطنه قد انهدم.. قال: «هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا» (نح12: 17).. وشجع الشعب على البناء.. وقاوم المقاومين بشجاعة وبوطنية، وصار قول نحميا المثل الشهير "يدٌ تعمل، ويدٌ تحمل السلاح": «الْبَانُونَ عَلَى السُّورِ بَنَوْا وَحَامِلُو الأَحْمَالِ حَمَلُوا. بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ، وَبِالأُخْرَى يَمْسِكُونَ السِّلاَحَ» (نح4: 17).المقصود هنا بالبناء هو البناء الروحي داخل الكنيسة، والسلاح هو اليقظة لمحاربات المقاومين الذين يريدون نزع السلام الوطني.. مسئوليتنا أن ننتبه للجانبين لأنهما يتكاملان.. الجانب الروحي والمؤسسي للكنيسة والجانب الوطني لاستقرار وسلام الوطن. عاشرًا: المسئولية الصحية: صحته وصحة شعبه وهي مهمة «الْعَافِيَةُ وَصِحَّةُ الْبِنْيَةِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ الذَّهَبِ، وَقُوَّةُ الْجِسْمِ أَفْضَلُ مِنْ نَشَبٍ لاَ يُحْصَى. لاَ غِنَى خَيْرٌ مِنْ عَافِيَةِ الْجِسْمِ، وَلاَ سُرُورَ يَفُوقُ فَرَحَ الْقَلْبِ» (سيراخ 30: 15-16) الجسد وصحته وزنة ضرورية للخدمة، والطاقة الجسدية تقلّ بمرور الأعوام والسنين، ولذا الاحتفاظ باللياقة الجسدية أمر هام على المستوى النفسي والعقلي والبدني. والمتابعة الطبية ضرورية لسلامة الأداء والتدبير كذلك الاهتمام بصحة الرعية سواء الجسدية أو النفسية لكل القطاعات: الأطفال أو المرأة أو الرجل أو المسنين أو ذوي القدرات الخاصة، من خلال وجود مستشفيات أو عيادات أو بيوت رعاية، أو من خلال تشجيع الناس على الالتحاق بالمبادرات الصحية التي تقدمها الدولة في مواقع عديدة. قداسة البابا تواضروس الثانى (للحديث بقية)
المزيد
20 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يهوشافاط

يهوشافاط "تشددوا وافعلوا وليكن الرب مع الصالح" 2أى 19: 11 مقدمة قال أحدهم: لا تعد عصور الجبابرة الأقدمين شيئاً إلى جانب عصرنا الحاضر، فالتلسكوب، والميكرسكوب والتليفزيون، قد زادت من قوة إبصارنا،.. والتليفون، والراديو، قد ملأ أسماعنا، وزاد من ارتفاع أصواتنا،.. والسيارات والقطارات، والطائرات، أشبه ببساط الريح في الخيالات القديمة،.. لقد استطاع العصر أن يفعل أشياء كثيرة لأجسادنا!!... ولكن هناك ميداناً واحداً هو موطن الفشل أمام كل الاختراعات والاكتشافات، ألا وهو ميدان النفس البشرية.. وكل ما صنع الإنسان لم يستطيع إلى اليوم أن يغير من طبائع هذه النفس وشرها وحقدها وإثمها وفسادها.. ومن ثم فالكارثة تواجه على الدوام البشر، لقد أضحى الإنسان بمجرد اختراعاته واكتشافاته، عملاقاً في الجسد، وقزماً في النفس، ولا سبيل إلى سعادة الإنسان وأمنه ورفاهيته، بالانتباه إلى النفس قبل الجسد، وبالاهتمام بها قبل أي وضع بشري.. وهذه هي الرسالة العظمى للدين، وهذا هو ميدانه الأعظم والأمجد. كان يهوشافاط بن آسا واحداً من أعظم الملوك القدامي، الذين يؤمنون بهذه الحقيقة، ومن ثم كانت قيادته لأمته تبدأ بالنفس، قبل الجسد، وتهتم بالشركة مع الله، قبل الشركة مع الناس،.. ولو أنك سألت الرجل: ما سر الحياة عندك؟ لكان جوابه الوحيد: الدين أولاً، والدين دائماً، والدين أخيراً!!.. ونجح يهوشافاط على قدر ما أعطى الحياة الدينية فرحتها الكاملة في حياته وتعرض للفشل عندما أدخل الذكاء البشري إلى جانب الدين، ولكن رحمة الله تابعته لتعطينا جميعاً أن نركز الاهتمام في حياتنا الدينية إن رمنا وبيوتاً وأولادنا ومجتمعنا أن نحيا أعظم حياة على هذه الأرض ومن ثم يصح أن نرى قصته فيما يلي: يهوشافاط من هو؟؟ اسمه يهوشافاط ومعناه "الرب قضى" أو "الرب حكم"، وهو الاسم الذي أطلقه عليه أبوه الطيب الملك آسا، وأغلب الظن أن الملك -وهو يتمنى أن يحكم الله حياة الابن والأمة معاً- لم يرد بخلده أن هذا الولد يتجاوز أقصى الأحلام والأماني، ويبلغ من السمو والشهرة، ما جعلهم يعدونه في العصور المتأخرة -كما يقول دين فرار- مع حزقيا ويوشيا من أعظم وأنقى وأتقى الملوك الذين عرفهم عرش داود،.. ولا يمكن -ونحن نحييه على هذه الحياة- إلا أن نعود قليلاً إلى الوراء، إلى الميراث الطيب الذي أخذه من أبويه، أباه آسا، وأمه عزوبة، اللذين درجاه على خوف الله، والسير بقوة وأمن وشجاعة مع إله أبيه... ونحن نعجز هنا، إذا ما التفتنا إلى عزوبة، وهي في نظرنا نوع آخر من يوكابد أم موسى، وحنة أم صموئيل، وأفنيكي فيما بعد أم تيموثاوس -نعجز كما يقول أوستن فيلبس عن الشكر لله، لأجل الأمهات المسيحيات سر الحياة والبركة في الآلاف المتعددة من الأولاد المسيحيين- وفي الحقيقة أنه دين ما بعده دين للآباء والأمهات، الذين يدرجون أولادهم في الحياة المسيحية، ويصلون من أجلهم حتى لا يخضعوا للتجارب القاسية التي تحاصرهم في ربيع الحياة وشباب العمر،... ومن البادي أن يهوشافاط كان سريع الاستجابة، عميق الإحساس بنداء أبيه وأمه، إلى الدرجة التي تفرق فيها على الأب إذ لم يسر كما سار أبوه فحسب بل ارتقى إلى حياة أعلى وأجل إذ: "سار في طرق داود أبيه الأولى، ولم يطلب البعليم" وهي كلمات عميقة التعبير قوية المغزى، ولعلها تذكرنا بقصة ذلك الطيار الذي كان يسير بطائرته في الجو، وروع عندما أبصر فأراً يسير بين الآلات، ويمكن أن يحدث عطباً بها، فتسقط من العلو الشاهق،.. وسأل نفسه: ماذا يفعل وكيف يتصرف؟، ورأى أن أفضل طريق هو أن يصعد إلى أعلى طبقات الجو التي يمكن الوصول إليها، والتي يقل الهواء حتى يختنق الفأر، وقد صح توقعه، فإن الفأر خرج من بين الآلات يترنح وقد سقط ميتاً، وسواء صحت هذه القصة أم لم تصح، فإنها تعطينا الصورة فيما فعل يهوشافاط، إذ أنه أدرك فأر الخطية في حياة داود، وسار في طريق حياة داود الأولى، دون أن يتردى في السقوط الذي لحقه فيما بعد،.. لقد أصر الملك الشاب على أن يسير في صحبة الله، ويرفض البعليم،.. لقد خط طريقه من أول الحياة على أن يكون صديقاً لله، ويرفض صداقة البعليم – والبعليم ومفردها “البعل” هي مجموعة الآلهة التي كانت تتعبد لها الممالك الأخرى، وتسربت عدواها البشعة إلى شعب الله… أما هو فقد وقف بصلابة ضد تيارها العنيد، وقاد الأمة كلها في مواجهة هذا التيار!!.. يهوشافاط وحياته الروحية كان يهوشافاط شديد الإدراك بالحاجة إلى الحياة الروحية المتعمقة مع الله، وقد كانت الحياة الروحية في مفهومنا عنده، ظاهرة في ثلاث صور واضحة، أولها -حب الشريعة الإلهية والتعلق بها،.. كان الرجل يؤمن بسلطان الكلمة الإلهية على الحياة، ومن ثم كان شديد التعلق بها، وإذ أدرك ضرورتها البالغة، أرسل الكهنة واللاويين إلى الشعب ليعلموه الشريعة، ولا يمكن أن يفعل هذا دون أن يكون هو محباً لها، متعلقاً بها، وسنراه فيما بعد وقد وصل به التعلق إلى أن يخرج هو بدوره ليكون واعظاً متجولاً في البلاد بها!!... لم يكن الوحي قد كمل أيام يهوشافاط، ولم يكن العالم قد أدرك الكتاب والطباعة التي بلغها فيما بعد،.. ومع ذلك فإن يهوشافاط، ومن كانوا على قراره من القدامى- كانوا أروع صورة للتعلق بالكلمة الإلهية، ونحن يمكن أن نتخيل صورهم، ونطوبهم مع صاحب المزمور الأول: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح".. لم يكن يهوشافاط يعرف الكلمة الإلهية مجرد كلمة بل هي طعام الحياة له، أو كما كانت لإرميا عندما قال: "وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود"... والصورة الثانية في الحياة الروحية عند يهوشافاط -وقد كان أبعد وأعمق في التعلق بالله هي: الاسترشاد الدائم بالمشورة الإلهية، إذ لم يكن يقدم على أمر صغر أو كبر، دون أن يسترشد بالله، وكان لا يقدم على حرب دون التأكد من صوت الله، ومن ثم نراه يلجأ إلى الأنبياء كأليشع، وميخا، ليعرف رأى الرب!!... وهل لنا هنا أن نتوقف قليلاً لنقول إن التاريخ البشري كان يمكن أن يتغير بأكمله، لو أن الإنسان أنصت بعمق إلى صوت الله في شتى الاتجاهات والمجالات؟ وهل لنا أن نقول على وجه التخصيص: ما أكثر ما يعذب المؤمنون من أولاد الله أفراداً وجماعات لأنهم لم ينصتوا إلى صوت الله، أو لم يتعودوا سماع صوته، أو لم يكن لهم الوقت الكافي لطلب مشيئة الله وإرادته؟؟! ومنذ ذلك الوقت الذي سقط فيه يشوع في فخ الجبعونيين الذين تظاهروا بالمجيء من بلاد بعيدة ومدينتهم واحدة من كبرى المدن القريبة من شعب الله، "فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا".. وإلى اليوم ما يزال الكثيرون من أبناء الله يعانون أشد المعاناة، لأنهم لم يشركوا الرب معهم، وهم واقفون على مفترق الطرق، في العمل، والزواج، والهجرة، وتقرير الأمور المختلفة في حياتهم!!.. وقد يحدث عندما يسقطون في شر النتائج لما فعلوا، إنهم يعودون إلى الله قائلين: لماذا يارب فعلت بنا هكذا!، وكان أولى بهم أن يلوموا أنفسهم لأنهم لم يطلبوا مشيئة الله، أو عرفوها ولم يسيروا حسب إرادته الصالحة المرضية الكاملة!! لكن يهوشافاط كان حريصاً وواعياً ليعرف أمر الرب، وقد امتلأت حياته بطلب الإرشاد الإلهي!!.. فيما خلا بعض المواقف الأساسية التي فاته فيها هذا الإرشاد، وكاد يضيعه، ويضيع مملكته معاً، ولعل أبرز أمرين فيها مصاهرته لآخاب، والاشتراك في التجارة مع ابنه!!.. لكنه على أي حال، كان واحد ممن يضعون الاسترشاد الإلهي في مقدمة تصورهم الروحي للعلاقة بأبيهم السماوي العظيم!!. وكانت الصورة الثالثة للحياة الروحية عند يهوشافاط أكثر عمقاً، فهو لا يقرأ كلمة الله، أو يستزيد منها، فقط، ولا يسرع إلى الله ليسترشد به فحسب، بل هو أكثر من ذلك هو المستند إليه في الأزمات والشدائد،... فعندما هاجمه بنو عمون وموآب وساعير خاف يهوشافاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادى بصوم في كل يهوذا وصلى صلاته العظيمة: "يا إلهنا أما تقضي عليهم لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكثير الآتي علينا ونحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا".. ودخل الحليف العظيم معه المعركة، وتحول الجيش إلى أغرب ما يعرف في تاريخ الجيوش على الأرض، إذ لم يحارب، بل وقف يرنم ترنيمة الخلاص، وتحول الأعداء بعضهم ضد بعض "ساعد بعضهم على إهلاك بعض"... واستعاد يهوشافاط صورة موسى وهو يغني على ضفاف البحر الأحمر: "الفرس وراكبه طرحهما في البحر"... كانت الصلاة عند يهوشافاط أفعل من كل أدوات الحرب والقتال،... وهل نسى عندما دخل في المأزق في راموت جلعاد، وتحولت عليه السهام بأكملها وهو يحارب إلى جانب آخاب المتنكر في المعركة؟، وكما قال هنا لم يكن يعلم ماذا يعمل سوى أنه حول عينيه بالصراخ إلى الله، فأنجده الرب حين لم تكن هناك قوة على الأرض تستطيع أن تعينه وتنجده!!... مات يهوشافاط وتغيرت عصور وقرون وأجيال،.. ولكن الله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، لا يتغير، وهو على استعداد أن يفعل في حياتي وحياتك، وفي أشد المآزق والأزمات ما فعل مع الملك القديم، متى صرخنا إليه في ضراعة ورجاء، وأمل: "ونحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا"... شكراً لله الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، أو يجازنا حسب آثامنا.. لكنه يقبل صرختنا في الليل العميق الدجى الممتلئ بالمأساة والتعاسات والشر، ويحول الليل إلى اختبار عميق، كما حوله مع يهوشافاط، حتى إنه أطلق على المكان "وادي بركة" لأنهم هناك باركوا الذي لم يدعهم يشتركون في القتال، بل ليروه يقاتل عنهم وهم صامتون!!... أية حماقة تتملكنا جميعاً أمام المآسي والمآزق؟ ولماذا نتعب والله يريدنا أن نستريح؟ ولماذا القلق والله يريدنا أن نمتليء سلاماً؟.. وكل ما في الأمر، أن نقرأ كلمة الله، ونتفهمها، ونأخذ مشورة الله ونقبلها، ونستند إلى ذراع القدير: "وطوبى لجميع المتكلين عليه"... يهوشافاط وقيادته الرشيدة يعتقد اليابانيون أن إمبراطورهم سليل الآلهة،.. وعندما يتولى العرش، لابد أن يتسلم -حسب تقاليدهم- ثلاثة أشياء: مرآة ومنشوراً بلورياً، وسيفاً... أما المرآة فترمز إلى ضميره الذي عليه أن يدرك أنه يتحمل مسئولية مائة مليون من رعاياه، أما المنشور البلوري فيمثل الطهارة التي ينبغي أن يكون عليها كملك جدير بشعبه، أما السيف فيرمز إلى القوة التي وضعت في يده لحماية الحق والقضاء على الظلم،.. ومن المعتقد أن يهوشافاط، كان كل هذه وأعمق منها، وهو يقود بلاده في مختلف الأنواء والعواصف، وهو يصلح أن يكون مثلاً يحتذي!!.. كان يهوشافاط الرجل الذي بدأ إصلاحه بالهدم، والمصلحون في العادة، هم أولئك الذين يظهرون في أوقات الفساد والشر، ولا يستطيعون أن يضربوا عميقاً في الإصلاح، إلا إذا نسفوا القلاع التي بناها الشيطان، وأحاطها بالأسوار العالية، وقد جاء يهوشافاط هنا مكملاً لعمل أبيه، إذ أتى على البقة الباقية من المرتفعات الوثنية، والسواري التي كانت في أرض يهوذا، ولا يمكن للقيادة الموفقة أن تبدأ عملها على أساس سليم صحيح، ما لم تنزع كل مظاهر الفساد، وقد يبدو هذا لأول وهلة أمراً يسيراً ممكناً، ولكنه في الواقع من أدق وأصعب الأمور على الإطلاق، ولأجل هذا قيل عن يهوشافاط: "وتقوى قلبه في طرق الرب ونزع أيضاً المرتفعات والسواري في يهوذا".. إن أشجع الناس وأقواهم، هم الذين يقفون ليحاربوا العادات والنظم والتقاليد والعبادات الفاسدة التي درج عليها الناس،.. وقد وصف بولس وسيلا في فيلبي بأنهما: "يناديان بعوائد لا يجوز لنا أن نقبلها أو نعمل بها إذ نحن رومانيون".. وكم من عادة دينية واجتماعية يؤمن الناس ببطلانها وسخفها، ومع ذلك يمارسونها على نحو مؤسف مؤلم!!.. وفي مصر عندما دخلت المسيحية إلى البلاد، كانت هناك عوائد وثنية تتصل بالموتى فيما يعرف بالثالث، والسابع، والأربعين، وغيرها، ولم يسهل اقتلاعها، فصبغت بصبغة دينية، ما تزال قائمة إلى اليوم، والدين منها براء،.. إن المصلح الصحيح عليه أن يضرب -أولاً وقبل كل شيء- هادماً أو كما قال الله لإرميا: أنظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب والممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس"على أن الإصلاح ليس مجرد هدم يترك وراءه أنقاضاً وفراغاً، بل هو أكثر من ذلك، بناء متعب شاق،.. وقد بنى يهوشافاط المدن والقلاع،.. وأنت أيها القارئ: هل تدرك أن التاريخ لا يرحم، وأن الأبدية أكثر دقة وصدقاً من التاريخ نفسه؟ والسؤال الذي يواجه الإنسان مهما كان حظه أو شخصه: هل هو بناء أم مجرد هادم يهدم؟... ومن المؤسف أن ملايين الناس لا تكتب قصتها سوى قصة الهادم، وليته يهدم قلاع الخطية والشر،.. بل إنه على العكس، يتسلم أعظم مباني الحق الشامخة، ليحولها أنقاضاً ضائعة، تبكي عزها القديم ومجدها التليد،.. ولكن الإنسان العظيم حقاً أمام الله والناس، هو الذي يأتي إلى موضع الخراب، ليقيم مكانه الرواسي المجيدة التي تعلن اسم الله وعظمته ومجده!!... وقد كان يهوشافاط من هذا الصنف من الناس، وهو يترك وراءه العمار في كل مكان!!... على أن التعليم الديني كان بالإضافة إلى هذا كله، ركناً من أركان الإصلاح عند يهوشافاط، ويمكن أن نقول إن الرجل كان شديد الحماس لهذا التعليم، فلم يرسل الكهنة واللاويين لينيروا الشعب في شريعة الله، بل أكثر من ذلك لقد أحس أن هذا واجبه الشخصي، ولذلك نجده بعد نجاته في راموت جلعاد قد أخذ يطوف بين الناس ليبشرهم ويعظهم، وما أعظم أن يرى الناس ملكاً يعتلي منبراً،.. إن عظة الملك، ملكة المواعظ، وإذا صح القول إن الناس على دين ملوكهم، فكم يتعمق إحساس الناس بالدين، عندما يرون الملك واعظاً جوالاً، يعلم ويبني أمته على القاعدة الصحيحة من الدين؟؟.. إن الملوك في العادة تهتم بمحاربة الفقر، والجهل والمرض، وتعتبرها أعدى أعداء الوطن، لكننا نرى هنا ملكاً يهتم إلى جانب هذه أو بالأحرى قبلها، يجذب الناس إلى الله، وتعليمهم الحياة الدينية والشركة الإلهية،.. قال أحدهم: إن كل أب يهتم بأن يتعلم ابنه ويحصل على أعلى الدرجات العلمية، ونحن نبذل في سبيل تعليم أولادنا كل جهد ومال وصحة،.. ولكن ما أكثر ما نفعل، أن تكون المادة الأولى في تعليمهم معرفة الله والشركة معه،.. والنتيجة المحزنة هي التي جاءت على لسان أب محزون: "إن ابني قل عنده احترام الله، وقلت عنده قابلية العمل الجدي الصعب، ويخيل إلى أن درجة تفكيره تقل عن تفكير زملائه"... أيها الأولاد: إن أعظم درس تأخذونه في الحياة ليس هو الجغرافيا، أو التاريخ، أو الهندسة، أو الطب، بل هو الدرس الذي تتعلمونه في الصلاة العائلية، أو في مدرسة الأحد، أو الكنيسة!!... ونحن لا نملك هنا إلا أن نقف آسفين للإلحاد الواقعي، أو الروحي، الذي تتهاوى فيه المدنية الغربية والتي تزعم أن تعليم الدين في المدارس، وتربية الأولاد تربية روحية يتنافى مع الحرية أو يجافيها، وقد طرح الأمر في كثير من الأحايين أمام المحاكم، للفصل فيما إذا كان تعليم الدين في المدارس يخالف الحرية الواجب الأخذ بها أم لا يخالفها!! ناهيك بما هو محزن وأليم في البلاد الشيوعية التي رفضت الدين رسمياً، ولا تسمح به كمادة من مواد التعليم. أين هذا من فكر يهوشافاط القديم الذي سعى في الأمة بأكملها يطلب الله، وينادي به في كل بيت، وفي المجتمع، وفي أحشاء الأمة بأكملها؟!! أيها الأولاد ستفقدون كل شيء. ويضحى جوكم خانقاً مسموماً إذا نسيتم أن درس الإنسان الأول والأخير هو الله،.. كان بيفرلي نقولس الصحفي الإنجليزي الكبير، قد أعد مرة في حديقة داره، مأدبة عظيمة لعدد من أصدقائه، وإذ انصرف الضيوف، ولم يبق في المكان غيره جمع باقة من الزهور، وإذ راقه منظرها، وأثار كوامن نفسه، كتب يقول: "لقد كان من المحتم علي -حسبما أعتقد- وأنا جالس في الحديقة أن أسأل نفسي عما يكون وراء هذا الجمال... عندما بارح الضيوف، أخذت الزهور بين يدي، وأنا أتعجب: كيف يمكن أن يستولي علي، في الوقت نفسه الإحساس بالفراغ!!.. كان يخيل إلى كأنما أنا في حاجة إلى أن أشكر شخصاً ما.. غير أنه لم يكن هناك شخص أمامي،.. أو يمكن القول في معنى آخر، شعرت بالحاجة إلى العبادة،.. وربما تكون هذه هي الطريق المشوقة التي يأتي بها الإنسان إلى إلهه.. هناك أبحاث لا تنتهي عن أساس النازع الديني في الإنسان.. ولكن الأمر عندي أكثر بساطة من ذلك... إذ تخلص في ذلك الخيال الذي ألم بالإنسان ساعة الأصيل، وهو يرى أصباغ الجو القرمزية، ويريد أن يقول لشخص ما أشكرك!!.." كان يهوشافاط بن آسا يريد أن يصبغ وجدان أمته بالتعليم الديني!!.. قال دكتور توري: هناك ثلاثة أشياء ضرورية للصحة الروحية والقوة والنمو،.. وهي دراسة الكتاب المقدس، والصلاة المستمرة، والسعي الدائم لخلاص الآخرين، وعندما توجد هذه فستكون هناك الصحة الروحية، والقوة الروحية، والنمو الروحي،.. وعندما نفتقر إلى واحد منها فسيكون هناك التدهور الروحي، والمرض الروحي، والضعف الروحي، والموت الروحي!! وكان الأمر الأخير في قيادة يهوشافاط: تحقيق العدالة، إذ أن هناك دائماً الصلة الكبيرة بين الدين والعدالة، فإذا فسدت العدالة تعرض الدين للانهزام، وإذا وجدت الرشوة والإعوجاج والظلم والمحاباة، ضعف أثر الدين في النفوس وبهتت معالم الحق،.. لذلك جعل الملك قضاة في كل مدن يهوذا كما جعل محكمة استئناف في أورشليم، وطبع القضاء بالطابع الديني، إذ جعل القضاة يدركون أنهم يعملون مع الله ولله: "وقال للقضاة انظروا ما أنتم فاعلون لأنكم لا تقضون للإنسان، بل للرب وهو معكم في أمر القضاء والآن لتكن هيبة الرب عليكم احذروا وافعلوا لأنه ليس عند إلهنا ظلم ولا محاباة ولا ارتشاء"... لم تكن العدالة عند الرجل صفة أدبية يتحلى بها الإنسان أو الأمة، بل هي الضرورة الدينية، التي ينبغي أن يدركها القاضي، في حكمه بين الناس،.. هل يعلم القضاة وهم ينطقون بأحكامهم، إنهم لا ينطقون بها أو يكتبونها باسم رئيس الدولة أو باسم الأمة، بل في الواقع باسم الله، القاضي العادل الذي يحكم بين الناس بالعدل؟؟ وويل لأي قاضي أو حاكم يضع الاسم الجيل على رأس حكمه، وهو يحكم ظلماً أو غدراً أو ضلالاً!!.. على هذا القاضي أن يعلم أن هناك محكمة أعلى، ليست في أورشليم الأرضية بل أورشليم السماوية التي هي أمنا جميعاً، وستصحح كل حكم ضاع بسبب ظلم الناس أو كذبهم، أو حماقتهم أو ضلالهم، ولن ينجو من عقوبتها ظالم أو فاسد أو شرير!!. يهوشافط وخطأه القاسي سقط الرجل العظيم في الخطأ الفادح القاسي،.. وإذا تأملنا الأمر بعمق نجد شيئاً ذهنياً عميقاً حدث في فكره، لقد بدأ بسياسة، ثم لم يلبث أن تحول عنها إلى السياسة الأخرى النقيضة لها،.. لقد بدأ سياسته أولاً في التشدد تجاه مملكة إسرائيل، أي أنه بدأ سياسة التحصن والانفصال والمواجهة،.. لكنه لم يلبث أن تحول إلى النقيض من ذلك إذ "صاهر آخاب"... أو تحول من سياسة المجابهة إلى سياسة المحالفة، فوقع في الفخ القاتل الذي يقع فيه الكثيرون من أبناء الله، وهم يدرون أو لا يدرون، ولست أعلم ما الذي دفعه إلى مثل هذا التحول، هل أغري بجمال بنت آخاب وإيزابل، والحسن غش والجمال باطل وأما المرأة المتقية الرب فهي تمدح؟!.. وما أكثر ما ضاع الكثيرون بسبب جمال المرأة الشريرة التي حولت حياتهم إلى الجحيم المستعر،.. أم هل طرأ عنده حلم الاحتواء -كما يتصور البعض- إذ يحتوي إسرائيل ويهوذا معاً، ومن يدري؟ فقد يعيدها مرة أخرى إلى الوحدة التي ضاعت منهما،.. قد يكون.. ولكن ألم يكن يعلم أن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة؟... وأن الاحتمال العكسي لمن يندفع في الأمر على أمل إصلاح الشرير، قد يكون خطأ فادحاً قاسياً؟!! أم أنه آثر الأمان بالمصاهرة، حتى يجنب نفسه المشاكل والمتاعب والحروب، وهو لا يعلم أنه على العكس قد أدخل إلى نفسه وبيته ومملكته هذه جميعا، إذ أنه اضطر إلى أن يدخل الحرب مع آخاب في معارك إسرائيل الخاصة، وكادت أن تضيع حياته في راموت جلعاد ثمناً لهذه المشاركة التعسة، وضاعت سفنه مع ابن آخاب في التجارة المشتركة!!... إن سياسة التحالف مع الشيطان هي أقبح السياسات وأشرها في كل العصور، وإذا كان "تشرشل" قد قال في الحرب العالمية الأخيرة دفاعاً عن تحالفه مع الروس هذا القول، فإن العالم اليوم يعاني الأمرين من نتائج هذا التحالف في الشيوعية الدولية وتنينها الذي يريد أن يبتلع كل شيء!!... كاد يهوشافاط أن يضيع، ويضيع كل شيء، بهذه السياسة التي حاولت أن تجمع العالم والدين معاً، ولولا رحمة الله التي أمسكت به ورفعته فوق حماقته وخطيته، لأنه لا يصنع معنا حسب خطايانا أو يجازينا حسب آثامنا، وهو أدباً يؤدبنا وإلى الموت لا يسلمنا،.. لولا هذه الرحمة لضاع الرجل ساعة الغروب، ولانكسفت أنواره العظيمة عند مغيب الشمس.. إن الدرس الذي يلقيه لنا من وراء العصور هو الحذر البالغ: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم وأية شركة للنور مع الظلمة وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان، فإنكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء"..
المزيد
19 أكتوبر 2022

القلب الحنون

تحدثنا في مقالين آخرين: عن القلب الكبير المملوء بالتسامح والعفو وعن القلب الهادئ المملوء بالسلام والطمأنينة ونريد اليوم أن نعرض للقلب الحنون، المملوء بالشفقة والحب القلب القاسي، باستمرار يحطم ويهدم. وقسوته لا تشفق، ولا ترحم. إنه نار تأكل كل شيء، حتى نفسهاأما القلب الحنون العطوف، فإنه يفيض رقة وإشفاقًا على كل أحد، حتى الذين لا يستحقون، وحتى على أعدائه وحنو الإنسان على غيره، قد يشمل الكائنات جميعًا فيحنو على العصفور المسكين، وعلى الفراشة الهائمة، وعلى الزهرة الذابلة بل قد يحنو على الوحش المفترس، مثل القديس الذي رأى أسدًا يئن من شوكة في قدمه، فانحني وأراحه منها وقد يكون الحنو في نواح مادية أو جسدية، وقد يكون في نواح نفسية أو روحية وخلاصة الأمر أن القلب المملوء حنانًا، يفيض بهذا الحنان في كل المجالات، وعلى الكل. فيشفق على الفقير المحتاج، وعلى المريض المتألم، كما يشفق على البائس والمتعب نفسيًا، وعلى الساقط في الخطية المحتاج إلى من يأخذ بيده ليقيمه والحنان ليس مجرد عاطفة في القلب، وإنما تتحول فيه العاطفة إلى عمل جاد من أجل إراحة الغير إن الحنان النظري هو حنان قاصر، حنان ناقص، يحتاج إلى إثبات وجوده بالعمل. ولهذا قال القديس يوحنا الحبيب: "يا أخوتي، لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق"إن القلب الحنون يمكنه أن يكسب الناس. أما القلب القاسي فينفرهم الناس يحتاجون إلى من يعطف عليهم، إلى من يأخذ بيدهم، إلى من يشجع الضعيف، ويقيم الساقط، ويفهم ظروف الناس واحتياجاتهم. وتكون له روح الخدمة فيخدم الكل، ويساعد الكل، ويعين الكل، ولا يحتقر ضعفات أحد.. كما قال الكتاب: "شددوا الركب المخلعة، وقوموا الأيدي المسترخية" وقيل عن السيد المسيح إنه كان: "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".. هذه الفتيلة المدخنة ربما تهب ريح فتشعلها، فتضئ مرة أخرى و كان حنوه يشمل الروح والجسد معًا. وهكذا قيل عنه في الإنجيل المقدس إنه: "كان يجول يصنع خيرًا".. كان يشفق على الأرواح الساقطة فيقيمها بالتوبة، ويشفق على الأجساد المريضة فيشفيها.. "يطوف المدن والقرى: يكرز ببشارة الملكوت، ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب".أحضروا إليه مرة امرأة خاطئة قد ضبطت في ذات الفعل، وانتظروا منه أن يحكم برجمها حسبما تقضى الشريعة أما هو فقال لهم: من منكم بلا خطية، فليرمها بأول حجر". وانصرف المطالبون برجمها لأنهم أيضًا خطاة. واطمأنت المرأة. فنظر إليها السيد المسيح وقال لها: وأنا أيضًا لا أدينك.. أذهبي بسلام. ولا تعودي تخطئي أيضًا".. هذا هو الحنو الذي يكسب القلب، ويقوده إلى التوبة.. فليتنا نحنو على الخطاة، لكي نكسبهم إلى الله.إن الله يحنو علينا، حتى ونحن في عمق خطايانا. ومن دلائل حنوه أنه يستر ولا يكشف كم من أناس قد غطسوا في الشر حتى غطاهم، وما يزال الله يستر.. لم يكشفهم، ولم يفضحهم، ولم يعلن خطاياهم للناس.. لأنهم ربما لو انكشفوا لضاعوا، وانسد أمامهم الطريق إلى التوبة بعد فقدهم لثقة الناس.إن القلب الحنون يستر خطايا الناس. لا يتحدث عنها، ولا يشهر بها، ولا يقسو في الحكم عليها.. بل قد يجد لهم عذرًا، أو يخفف من المسئولية الواقعة عليهم.. وأن قابلهم لا يفقد توقيره لهم، معطيًا إياهم فرصة للرجوع.. بل قد يضحى بنفسه من أجلهم، ويتحمل المسئولية عوضًا عنهم إن استطاع قال القديس يوحنا ذهبي الفم: "إن لم تستطع أن تمنع من يتكلم على أخيه بالسوء، فعلى الأقل لا تتكلم أنت""وأن لم تستطع أن تحمل خطايا الناس، وتنسبها إلى نفسك لكي تبررهم، فعلى الأقل لا تستذنبهم وتنشر خطاياهم"أن القلب الحنون يعيش في مشاعر الناس. يتصور نفسه في مكانهم، ولا يجرح أحدًا ويبرهن على نقاوة قلبه بعطفه على الكل وهو يعرف أن الطبيعة البشرية حافلة بالضعفات وإن أقوى الناس ربما تكون في حياته ثغرات وقد يسقط، إن اشتدت الحرب عليه، وأن تخلت عنه النعمة الحافظة لذلك ينظر إلى الناس في حنو، في قيامهم وفي سقوطهم أيضًا.كان القديس يوحنا القصير إن سمع عن أحد أنه سقط، يبكى. فإن سئل في ذلك يقول: (معنى هذا أن الشيطان نشيط. وإن كان قد أسقط أخي اليوم، فقد يسقطني أنا غدًا..). وهكذا -في أتضاع- لم يضع هذا القديس نفسه في مرتبة أسمى من غيره. وبكل حنو نظر إلى سقطة غيره، ونسبها إلى عمل الشيطان، لا إلى فساد طبع ذلك الأخ.وبهذا كان أقوى المرشدين الروحيين هم الذين يفهمون النفس البشرية، ولا يقسون عليها في ضعفاتها إن القلب الحنون لا يعامل الناس بالعدل المطلق مجردًا، إنما يخلط بعدله كثيرًا من الرحمة. ولا يجعل عدله عدلًا جافًا حرفيًا يطبق فيه النصوص، بل أيضًا يقدر الظروف المحيطة، سواء كانت عوامل نفسية أو تربوية أو عوامل اجتماعية.أما الذي يصب اللعنات على كل مخطئ، دون أن يقدر ظروفه أو يفحص حاله، فإنه قلب لا يرحم القلب الحنون لا يحكم على أحد بسرعة.. بل يعطى كل أحد فرصة للدفاع عن نفسه، ولتوضيح موقفه و هو أيضًا لا يكثر اللوم والتوبيخ، وإن وبخ، فإنما يكون ذلك بعطف وليس بقسوة. وقد يقدم لتوبيخه بكلمة تقدير أو كلمة حب، حتى يكون التوبيخ مقبولًا. وأن احتاج الأمر منه إلى حزم وشدة وعنف، فقد يفعل ذلك مضطرًا. ولكنه في مناسبة أخرى يصلح الموقف، ويعالج بالحنو نفسية ذلك المخطئ والقلب الحنون لا يخجل أحدًا، ولا يحرج أحدًا. وقد يشير إلى الخطأ من بعيد، بألفاظ هادئة. وربما بطريق غير مباشر، وربما في السر وليس في أسماع الناس أما الذي يرجم الناس بالحجارة، فعليه أن يتروى، لئلا يكون بيته من زجاج. وليعلم أن كل الفضائل بدون المحبة ليست شيئًا. والمحبة تتأنى وتترفق. والحكمة هي أن نكسب الناس بالحنو، وأن لا نخسر الناس بالقسوة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
18 أكتوبر 2022

الحنجرة

استخدم الآباء في حديثهم عن ضبط النفس في الصوم من جهة الطعام تعبير "حنجرة " فيصفوا المحب للأكل بـ (الحنجراني) ويقول القديس مكسيموس "غلب الحنجرة فقد غلب كل الأوجاع " والسبب في ذلك هو أن الطعام بما فيه من شهوة وشهية ولذّة وتذوق ينتهي تأثيره عند الحنجرة, إذ أن جميع الأنواع تتساوى بمجرد اجتيازها الحنجرة فإذا استطاع الانسان ضبط نفسه خلال هذه الرحلة القصيرة من "حلمات التذوق في اللسان" حتى يبتلع الطعام, فإنه يستطيع اجتياز تجربة شهوة الطعام يقول أحد الآباء للشر" يا حنجراني خير لك أن تضع في جوفك جمر نار من أن تضع فيها أطعمة الرؤساء " أما إذا قال البعض أن المهم في القيمة الغذائية بغض النظر عن مذاقة الطعام، فإن ذلك يجعلنا نؤكد أن العديد من الأطعمة غير الدسمة مفيدة وبها قيمة غذائية كبيرة، وأن الكثير من القديسين كانوا يعيشون على البسيط من الطعام طوال العام وليس في مواسم الأصوام فقط وكان الطعام ألذ من الشهد في أفواههم بل كان اسم يسوع بالنسبة لهم طعام حياة تقتات به نفوسهم وأجسادهم معاً هو يكون لهم ينبوع ماء حياة حلواً (أبصالية الثلاثاء) ولاشك أن الصائم عندما يحين موعد طعامه, فإنه يستلذ بأى طعام ويتناوله بشكر أما غير الصائمم فهو يتنقل بين أطعمة كثيرة دون شبع حقيقي, فكل من يأكل من طعام العالم لا يشبع وكل من يشرب أيضا يعطش " كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً " (يوحنا6:4) ونقرأ عن القديس مرقس الترمقي أنه عندما أعيي بسبب الجوع والعطش أعطاه الملاك بعض من مزروعات الأرض يقتات بها فكانت لذيذة ومشبعة, كما كتب عن القديس يوحنا ذهبي الفم أن مدة إقامته في البطريركية كان طعامه ماء الشعير والدشيشة، وكان طعامه بمقدار، فنسى الشهوة ويقول أحد القديسين "ما ألذ وأطيب خبز الصوم لأنه معتوق من خمير الشهوات". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
17 أكتوبر 2022

الكمال المسيحي

أوصانا الرب يسوع بمحبة الأعداء بقوله «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، ‏لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ‏فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (مت5: 43-48).وهو بذلك يَعتبر الكمال المسيحي الحقيقي هو محبة الأعداء.وإذا استصعبت يا أخي الحبيب هذه الوصية الهامة والجوهرية، أشير عليك بطريقة تجعلها سهلة وميسورة أمامك اِبدأ من الآخر للأول:- أولًا:- صلِّ في مخدعك من أجل عدوك الذي يسيء إليك ويضطهدك. اطلب له الهداية من الله وأن يعطيك نعمة في عينيه. وأعتقد أن هذا سهل وبسيط. ثانيًا:- أحسن إلى عدوك الذي يبغضك، استثمر أيّة فرصة واصنع معه عمل محبة، إذا مرض زُره في مرضه واطلب له الشفاء، إذا زوّج ابنه هنّئه وافرح معه. إذا حصلت عنده حالة وفاة عزِّه وشاطره الأحزان حسب وصية الرسول «فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ» (رو12: 15) وهذا أسهل. ثالثًا:- باركوا لاعنيكم: كرّرها معلمنا بولس بقوله: «بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا» (رو12: 14)، نفِّذ هذه الوصية.عدوك يقول عليك كل ما هو رديء، ويُظهر عيوبك وأخطاءك. وأنت في المقابل تعمل العكس. إذا جاءت سيرته أمامك تُظهر فضائله وتذكر النقاط البيضاء التي فيه وتمتدحها، مثلًا تمدح ذكاءه، تعظّم التزامه، تثمّن أمانته وهكذا... واعلم أنه إن آجلًا أو عاجلًا سيصل إليه كلامك الطيب «لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ الصَّوْتَ، وَذُو الْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِالأَمْرِ» (جا10: 20). وكما يقول المثل "الحيطان لها ودان". فإذا سمع كلامك الطيب يخفّف من حدّة حقده عليك ويقترب من محبتك. رابعًا:- أحبوا أعداءكم: بعد أن صليت لأجل عدوك، وبعد أن قدّمت له عمل محبة وعمل خير ومجاملة ومشاركة في كل ظروف حياته، ولم تُسئ إليه لا بكلام ولا بعمل بل مدحته وكرّمته في غيابه كما في حضوره، بعد هذا كله قطعًا –وبعمل إلهي خفي–سيراجع موقفه ويعيد حساباته تجاهك. فيحبك كما أحببته، ويحسن إليك كما أحسنت إليه، أو على الأقل يخفّف من عداوته ويقلّل من اضطهاده لك. وتكون أنت قد نفّذت وصية المسيح العظيمة وأخذت بحكمة الحكماء التي تقول: إذا لم تستطع أن تكسب الآخر صديقًا فعلى الأقل لا تجعله عدوًا. «وطُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (مت5: 9). نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر
المزيد
16 أكتوبر 2022

معجزة شفاء المفلوج

إنجيل هذا الصباح المبارك يحكي معجزة ربما نكون كلنا نعرفها وهي عن المفلوج الذي حمله أربعة رجال أصدقائه ربنا يسوع في مدينة كفرناحوم إجتمع في منزل ومن المعروف عن شخصية ربنا يسوع المحبوبة الجذابة أنه حيثما وُجِد تجمع زحام حوله ربنا يسوع لو تأملنا في شخصيته نجد أنه كم كانت الجموع شغوفة لسماع تعاليمه مرة يقول الكتاب ﴿ اجتمع ربوات الشعب حتى كان بعضهم يدوس بعضاً ﴾ ( لو 12 : 1) يصعد على الجبل لكي يتكلم لم يقل الكتاب لنا في كل مرة إجتمع فيها ربنا يسوع مع الجموع كم كان عددهم ؟ وجدنا أنه في المرة التي كان فيها على الجبل كان عددهم خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال تخيل هذا العدد في عظة يقولها ربنا يسوع على جبل وبالطبع كانت المدينة كلها في ذلك الوقت لا تتعدى إثنين مليون نسمة تقريباً بذلك نجد هذه النسبة تعلن أن ربنا يسوع شخصية جذابة جداً وكل من يسمعه يحرص على أن يعود ليسمعه مرة أخرى ﴿ ثم دخل كفرناحوم أيضاً بعد أيام فسُمع أنه في بيت وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب ﴾ ( مر 2 : 1 – 2 ) مجرد أن عرفت الجموع أنه في بيت تجمعوا حوله في البيت لذلك كان ربنا يسوع يُعلم في أي مكان قد يكون على جبل أو مكان عام في مجمع على شاطئ البحر لأنه حيثما تواجد ربنا يسوع تواجد زحام حوله لم يسع البيت الجموع من كثرتها حتى أمام الباب ﴿ فكان يخاطبهم بالكلمة وجاءوا إليه مقدمين مفلوجاً يحمله أربعة وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع كشفوا السقف حيث كان ﴾ ( مر 2 : 2 – 4 ) هنا نتكلم عن نقطتين هما :- 1. روح الخدمة في الرجال الأربعة :- ذهب الرجال الأربعة ليسمعوا ربنا يسوع مثل غيرهم ومثل من في البيت لكن كان لديهم روح خدمة وكانوا حريصين على أن يأخذوا معهم شخص لا يستطيع أن يذهب ويريدونه أن يتقابل مع ربنا يسوع أرادوا أن يأخذوا معهم إنسان مفلوج ومرض الفلج هو الشلل الكلي الإنسان المقعد الذي كل أعضاؤه ضامرة عضلات الجسد كله ضامرة وغير عاملة هذا هو الإنسان المشلول أخذوه وحملوه معاً على سريره ليقدموه للمسيح هذه هي روح الخدمة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسيحي الذي لا يريد أن يذهب وحده بل يذهب ومعه أصحابه وعندما يذهب ومعه أصحابه لا يفكر في أصحابه الذين إعتادوا الذهاب بل يفكر في أصحابه الذين لا يستطيعون الذهاب هذه هي روح الخدمة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسيحي بنعمة الله أن يكون له غيرة وله حب وأمانة نحو سائر إخوته خاصةً الذين لا يستطيعون ولا يعرفون أن يأتوا خدمة يطلق عليها الآباء إسم خدمة المفلوجين وبالطبع مفلوج بالمعنى الجسدي أن جسده لا يتحرك أما المفلوج بالمعنى الروحي فهو كل نفس لها قيود داخلها تمنعها من الحياة مع الله المفلوج بالمعنى الروحي هو شخص لم تتعود رجليه أن تقف للصلاة وليس له يدين إعتادتا أن ترتفعا للصلاة وليس له لسان تعود مباركة الله وتسبيحه وذِكر إسمه – هذا مفلوج روحياً – وعندما تسأل نفسك كم مفلوج تعرفهم تجد أنهم كثيرون نفوس كثيرة لا تعرف طريق الله وليس بها مخافة الله .. نفوس كثيرة أرجلها لا تعرف طريق الله وليس في قلبها مخافة الله نفوس كثيرة مفلوجة لا تستطيع أن تتقدم في طريق الله ولا خطوة واحدة لابد أن أشعر في قلبي أن عليَّ مسئولية نحو هذه النفوس لا يكفي أن أذهب بمفردي لا يكفي أن أهتم بخلاص نفسي وحدي كلما ذاقت النفس عذوبة وحلاوة الحياة مع الله كلما شعرت أنها لا تستطيع أن تعيش وحدها معه بل تشتاق أن تقدم له كل يوم نفوس جديدة بل تقول مع داود النبي ﴿ ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ﴾ ( مز 34 : 8 ) لا تريد أن تترك شخص لم يعرف الله لا تترك شخص مازال مُقيد مفلوج ليس بداخله حركة الإشتياق لله معلمنا بولس الرسول كان يقول ﴿ من يضعف وأنا لا أضعف من يعثر وأنا لا ألتهب ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) من أسمع عنه أنه مازال لا يعرف الله ويعيش في عثرة وأنا لا أعثر من أجله ؟! من الذي أشعر أنه يعيش في ضعف وأنا لا أضعف من أجله ؟! لذلك قال ﴿ صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حالٍ قوماً ﴾( 1كو 9 : 20 – 22 ) معلمنا بولس الرسول مملوء غيرة حتى أنه قال لنا كلمة صعب جداً فهمها﴿ كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد ﴾ ( رو 9 : 3 ) نستطيع أن نقول أنَّ نفس الكلمة تنطبق على الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج كان يمكن لكل واحد منهم أن يقول أنا أريد أن أسمع وحدي أو أن أسمع براحتي وحدي أستطيع أن أدخل بسهولة لكن لأننا أربعة ونحمل معنا مفلوج فهذا سيحرمنا من أن نسمع لا هم قبلوا أن يُحرموا من أن يسمعوا ولكن من أجل عمل أفضل من أن يسمعوا يجب أن نهتم بخلاص غيرنا وكما قال بولس الرسول ﴿ لكي نُحضر كل إنسانٍ كاملاً في المسيح يسوع ﴾ ( كو 1 : 28 ) نحضر نحن المفروض أن نخرج خارج أنفسنا ونسأل عن إخوتنا ونهتم بأن نُحضر للمسيح نفوس جديدة ونهتم بخدمة المفلوجين ونهتم بخدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم إهتم بإفتقاد الإخوة إهتم بإفتقاد الناس التي أخذها العالم وابتلعها إن لم يحمل الإنسان المسيحي في قلبه روح غيرة ومحبة لإخوته يكون هناك خطأ في حياته المسيحية الذي عايش المسيح بالفعل لا يستطيع أن يهدأ حتى يأتي بنفوس كثيرة للمسيح القديس يوحنا فم الذهب يقول لو قلت أنَّ الشمس لا تضئ أصدقك لكن لو قلت أنَّ المسيحي لا يخدم لن أصدقك يريد أن يقول كون الشمس لا تنير فهذا شئ لا يصدقه عقل لكن قد أصدقك لكن أن تقول لي مسيحي لا يخدم فلن أصدقك أبداً لماذا ؟ لأنَّ نور المسيحي أقوى من نور الشمس لأنَّ نوره من نور خالقه الله قال الله ﴿ لا يمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبلٍ ﴾ ( مت 5 : 14) كيف تُغطى مدينة كائنة على جبل ؟ هل تغطيها بيدك أو بسِتر ؟ لا يمكن أن تُغطى ﴿ ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال ﴾( مت 5 : 15) يريد أن يقول لك أنت مثل مدينة كائنة على جبل تضئ للآخرين بحياتك وسيرتك وسلوكك الإنسان المسيحي لابد أن يعيش الخدمة وروح الخدمة هؤلاء الرجال الأربعة لم يريدوا أن يذهبوا وحدهم لم يشعروا أنهم مسئولين عن أنفسهم وحدهم فقط بل عن الاخرين أيضاً هذه هي الروح التي يجب أن نتحلى بها ونلتزم بها ربنا يسوع قال عن نفسه ﴿ كما أنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ﴾ ( مت 20 : 28 ) رأينا ربنا يسوع بشخصه المبارك يجول يصنع خير ويشفي كل مرض تسلط عليهم يقول الكتاب أنه ﴿ ولما رأى الجموع تحنن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كعنمٍ لا راعي لها ﴾ ( مت 9 : 36 ) الإنسان الذي تذوق حلاوة الحياة مع الله يكون حنون على إخوته وينظر لهم بنظرة حب وحنان وشفقة ويكون غيور على خلاصهم بل وساعي لخلاصهم هذه هي الروح المسيحية التي لابد أن تكون فينا إتجاه كل نفس إن كنت لا تستطيع أن تُحضر نفوس لله إن كنت عاجز عن أن تُعلم فعلى الأقل صلي من أجلهم على الأقل قدم لهم نموذج جيد قدوة لهم يجعل قلوبهم تتحرك نحو الله مسئولية نحن غير مدركين لها وسُندان عليها إن كان ليس لدينا روح خدمة الله خلق الإنسان بطاقة حب وطاقة فكر جبارة إن حصر نفسه في نفسه فهو بذلك أول الخاسرين وأول المُتعبين أكثر شئ يتعب الإنسان أن لا يهتم سوى بنفسه فقط لكن عندما يكون له روح خدمة إتجاه الآخرين تجده يقول ﴿ أحيا لا أنا بل المسيح فيَّ ﴾ ( غل 2 : 20 ) يقول القديس يوحنا ذهبي الفم تشبيه رائع عن الكنيسة فيقول أنها جسد المسيح ويأتي بتشبيه من العهد القديم وهو عندما سكر أبونا نوح في أحد المرات وتعرى فدخل عليه إبنه كنعان ورآه فتهكم على أبيه وخرج دون أن يستره لكن عندما دخل إبنيه سام وحام ورأيا عُري أبيهما أحضرا ملآه ورجعا بظهرهما وسترا أبيهما لكي لا ينظرا عُريه وعندما أيقن نوح هذا الموقف لعن كنعان وبارك سام وحام يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أنَّ الكنيسة هي جسد المسيح وكل جزء في الكنيسة فارغ من المؤمنين هو جزء مُعرى وإن رأيت هذا الجزء المُعرى لابد أن تغطيه ليس بستر بل بمؤمنين تُحضرهم للكنيسة لأنَّ حضورهم هو الذي يستر الكنيسة إذاً عليك أمرين مهمين أولهما إنك لابد أن تأتي أنت بنفسك لئلا تكون متسبب في العُري وهذا أصعب لأنك المُتسبب وثانيهما أنه إن وجدت جزء مُعرى فكَّر في إخوتك لكي تأتي بهم لتستر الكنيسة جسد المسيح وتنال بركة لذلك لابد أن تتعامل مع الكنيسة على أنها جسد المسيح التي هي حريصة على أن تكون ممتلئة وفرحة ومتهللة بجماعة المُصليين والمُسبحين لأنَّ الله يحب جمهور المُعيدين لذلك لابد أن تشعر بروح المسئولية ليس نحو نفسك فقط بل ونحو الآخرين أيضاً اليوم نتعلم روح الخدمة من الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج وإن كانوا قد حُرموا من سماع كلمة الله نتعلم روح الخدمة والبذل وتقديم الآخرين عن أنفسنا الإنسان الذي يحب أن يقدم غيره عن نفسه يريد أن يتمتع الآخرين بالله مثله ولا يكون هناك شخص محروم من عِشرة الله الحلوة هؤلاء الرجال الأربعة عندما ذهبوا إلى المسيح وجدوا أنه من الصعب الوصول إليه لم يرجعوا بل فكروا كيف يتغلبوا على هذه العقبة الذي له روح الخدمة يغلب العوائق وليس الزحام هو الذي يجعله يتراجع عن روح الخدمة الإنسان الذي به روح الخدمة لا يعطلها أي عوائق مادام القلب مملوء بحب الله والنفس مملوءة بالغيرة إذاً لن توجد عوائق لهذه الخدمة . 2. هدف المعجزة :- كل الناس تتخيل أنَّ هدف المعجزة أن يتلامس هذا المفلوج مع المسيح ويُشفى من مرضه وربما هذا الهدف هو الذي كان في هؤلاء الرجال الأربعة أيضاً ﴿ وبعدما نقبوه دلوا السرير الذي كان المفلوج مُضجعاً عليه فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج يا بُني مغفورة لك خطاياك ﴾ ( مر 2 : 4 – 5 ) لم يتوقعوا من يسوع أن يقول له تلك العبارة بل توقعوا أن يقول له قم إحمل سريرك وامشِ توقعوا أن يقول له أنت برئت قم مُعافى لكن لم يتوقعوا أن يقول له مغفورة لك خطاياك بالطبع كان هناك قوم من الكتبة وقالوا ﴿ لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف ﴾ ( مر 2 : 7 ) ؟أي ما معنى إنسان يقول مغفورة لك خطاياك ما سلطانه على غفران الخطايا ؟ ﴿ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم فقال لهم لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم أيُّما أيسر أن يُقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم واحمل سريرك وامشِ ﴾( مر 2 : 7 – 9 )أنتم في أذهانكم أيهما أيسر أن أُقيمه من سريره أم أن أغفر له خطاياه ؟ أراد أن يقول لهم إقامته من سريره أمر سهل جداً لكن الأصعب هو مغفرة الخطايا﴿ ولكن لكي تعلموا أنَّ لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ﴾( مر 2 : 10) أريد أن أُعلمكم أمر مهم جداً وهو أنَّ مغفرة الخطايا أهم جداً من أنه يكون مفلوج كون أنه يكون مفلوج ويظل بمرضه أو لا يظل بمرضه فهذا أمر لا يشغل ربنا يسوع بقدر ما يشغله غفران الخطايا لذلك قال له ﴿ لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك حتى بُهت الجميع ومجدوا الله ﴾ ( مر 2 : 11 – 12) هدف المعجزة هنا هو خلاص النفس لو نظرنا إلى كل المعجزات التي صنعها ربنا يسوع نجد أنَّ هدفه ليس أن يجمع الجموع ويصنع المعجزة لكي يفتخر بصنعها ويظهر أنه رجل عجائب لا لم يكن هذا هدفه لم يكن هدفه أن يأخذ الجموع إلى الجبل ويعلمهم لكي يمضي الوقت ويجوعوا فيطعمهم ويُقال عنه أنه أشبعهم لا ما من معجزة عملها إلاَّ وهدفها إعلان لاهوته إلاَّ وهدفها خلاص النفس وهذا أروع وأجمل من مجرد أكل وشرب وشفاء مرض أروع معجزة يصنعها فينا ربنا يسوع أن نتلامس معها هي توبتنا إختبارنا الشخصي كل يوم بغفرانه لنا غفران ربنا يسوع أجمل من شفاء مفلوج لذلك كوننا نقف عند هذا الحد نكون قد أخلينا ربنا يسوع من جوهره الإلهي عندما يأتي إنسان ليتعامل مع ربنا يسوع لمجرد أنه يشفيه أو يحل له مشكلة فهذا الأمر يجعل نظرته ضعيفة جداً وقليلة عن ربنا يسوع لكن يجب أن نتخطى ذلك بكثير لكي نتلامس معه كإله ونتذوق منه غفران خطايانا وأن نعرف كيف نمجده لأنه صنع معنا أمر عظيم في حياتنا أجمل وأعظم معجزة يصنعها فينا أن نتغير إلى تلك الصورة عينها أعظم معجزة يصنعها فينا الله أنه يعطينا نفسه على المذبح مأكل ومشرب حقيقي لكي يثبتنا فيه ويثبت هو فينا أعظم معجزة يعملها الله فينا هي التوبة ونعمة مغفرة الخطايا أحياناً الناس وخاصةً في جيلنا يتعلقون بالمعجزات كثيرون يقرأون معجزات البابا كيرلس وأبوناعبد المسيح المناهري وأبونا يسى ويتركون الكتاب المقدس كثيرون فكرهم نحو المسيح أنه يحل فقط المشاكل في حين أنَّ هدف ربنا يسوع نحونا غير ذلك هدفه توبتنا وخلاص أنفسنا لذلك ما من معجزة صنعها ربنا يسوع إلا وكشف لنا هذا الجانب الجموع التي أكلت من الخبز وشبعت وأشبعها فرحت وقالوا لقد أشبعنا لنظل سائرين معه حتى لا نجوع لكنه قال لهم أنتم مخطئون أنا لست ساحر أطعمكم وأشبعكم لا ﴿ اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية ﴾ ( يو 6 : 27 ) أعطاهم فكر إلهي فكر عن خلاص أنفسهم عندما ننظر لمعجزة صيد السمك التي عملها مع بطرس الرسول قال له ﴿ ابعد إلى العمق ﴾( لو 5 : 4 ) قال له بطرس ﴿ قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة ﴾( لو 5 : 5 ) هل الذي تعب الليل كله ولم يصطاد شىء الآن يقول له ربنا يسوع أدخل للعمق ؟ ودخل بطرس للعمق واصطاد سمك كثير جداً حتى كادت السفينة أن تغرق فإستعان بسفينة يعقوب ويوحنا التي هي أيضاً كادت أن تغرق من غزارة الصيد والشباك كانت تتخرق من كثرة الصيدهل إنتهت المعجزة إلى هذا الهدف أنَّ المسيح جعلهم يصطادون سمك كثير ؟ لا ليس هذا هدف المعجزة بل هدفها أعظم بكثير وهو أنَّ بطرس سجد لربنا يسوع وقال له ﴿ اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ ﴾ ( لو 5 : 8 ) .. إذاً المعجزة هدفها خلاص النفس وتبرير الإنسان ومن هنا تحول من سمعان إلى بطرس ومن صياد سمك إلى صياد الناس وهنا مجد المعجزة صعب أن نرغب في السير وراء المعجزة لأجل المعجزة مثل اليهود الذين قالوا له نريد أن نرى آية نريد معجزة كثيراً ما يطلب الإنسان معجزة من أجل أطماع شخصية أو أهداف أرضية أو من أجل تأمين حياة في حين أنَّ هذا ليس هدف ربنا يسوع مع النفس والعجيب أنه عندما نرى عمل المسيح المعجزة مع بطرس نجد الكتاب بعدها يقول ﴿ تركوا كل شيءٍ وتبعوه ﴾ ( لو 5 : 11) إذاً ماذا عن السمك يا معلمنا بطرس ولمن تتركه ؟ يقول الأمر الآن أصبح ليس صيد سمك كثير الأمر أكبر من ذلك بكثير الأمر في الذي أعطاني السمك هل يليق أن أتمسك بالسمك وأترك الذي أعطاني إياه ؟ هكذا اليوم مع المفلوج ربنا يسوع قال له ﴿ قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك ﴾ هل أفكر في الذي قال هذه العبارة ومن هو وما هي قدرته ؟ إذاً يجب أن أكون قد تلامست مع الله وعندما أتلامس معه أتبعه أينما يمضي ربنا يسوع لا يحب أن يظهر معنا في حياتنا في شكل أمر يعطي إندهاش للنفس أو يصنع عمل عجائبي أي مثلاً يصعد أعلى الجبل ويُلقي نفسه فتأتي الملائكة وتحمله لا هذا فكر شيطان لذلك هو لم يسمح لهذا الفكر وقال له ﴿ لا تجرب الرب إلهك ﴾ ( لو 4 : 12) في حين أنه قادر أن يصعد إلى جناح الهيكل ويُلقي نفسه ولا يُؤذى هو قادر لكن يقول لماذا وما هدف ذلك ؟ أي معجزة أصنعها لابد أن يكون هدفها توبة النفس وخلاصها وإعلان مجد لاهوتي في النفس وفي أولادي ووسط الكنيسة لذلك يجب أن لا نطلب أمور تحقق إيماننا لأن إيماننا أكبر من كل الأمور المرئية أنا لست منتظر معجزة لأعرف أنَّ إلهي هو الإله الحقيقي لا أنا إيماني أقوى بكثير من كل ما هو مرئي أنا أؤمن به داخل قلبي ونفسي وعقلي أنه قادر ومقتدر وأكبر دليل يعلن لي أنَّ إلهي قادر ومُقتدر أنه يغفر لي خطاياي وأنه يعدني بالحياة الأبدية وأنه يعطيني مجد ألوهيته في داخلي وأنه خلقني على صورته ومثاله – هذا أكبر مجد – لكن كون أنَّ هناك أمور أخرى أتعلق بها أقول لك أنت بذلك لم تفهم هدف المسيح من صنع أي معجزة إن كان المفلوج أول كلمة قالها له هي مغفورة لك خطاياك ثم بعد ذلك قال له قم إحمل سريرك وامشِ إذاً الأهم من شفاء الجسد هو شفاء مرض النفس قد يسمح الله كثيراً بأمراض للجسد لكيما تكون شفاء للنفس قد يسمح الله للإنسان أن يُحرم من بعض الأمور الأرضية من أجل اقتناء ما هو أهم وهو الأمور السماوية فنجد أنه قد يسمح لأبرار وقديسين أن يتألموا في الجسد ويُصابوا بأمراض ومع ذلك يقول أنَّ هدف الله من الإنسان هو خلاص نفسه أهم بكثير من بعض آلام في الجسد بل قد تكون آلام الجسد سبب بركة للنفس والروح لذلك هدف المعجزة في فكر المسيح وفي فكر الإنجيل هو تغيير الإنسان وتوبة الإنسان وليس مجرد فعل ظاهري الله الذي تحنن على المفلوج يتحنن علينا ويقول كلمة الخلاص لكل نفس أنَّ مغفورة لك خطاياك لنقوم ونحمل سريرنا ولا يعود سلطان المرض يغلب علينا بل نقوم ونمجد ذاك الذي أعطانا السلطان والمجد وشفانا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
15 أكتوبر 2022

إنجيل عشية الأحد الأول من شهر بابه

تتضمن وجوب الرجاء بالله دون سواه مرتبة علـى فصل اشباع الخمسة آلاف رجل من الخمسة ارغفـة ( مت 14 : ١٤-٢١ ) والسمكتين إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطـع رأس يوحنـا المعمـدان تـرك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفـراد . فتبعتـه جموع كثيرة . فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك . ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين : " الموضع خلاء والوقت قد مضـى . اصـرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما . فقال لهم يسوع لا حاجة لـه ان يمضوا ... أعطوهم أنتم ليأكلوا .. وصنع لهم هذه الآية العظيمة التـى سـمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل مـاعدا النسـاء والاولاد وشبعوا . ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة . وذلك مـن خمسـة أرغفـة وسمكتين مت ١٤ : ١٤-١٢. وهي أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا . وبـاعث قـوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سـواء . فالرجـاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعي في قلوب البشر . الرجاء هو تعزيـة المريـض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل . تجد الرجاء في القلب النوتي عنـد مصادفـة أهوال البحار . فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق . فلولا الرجـاء لمـا زرع زارع ارض ولا صنع صانع شيئا . لان كل الاشياء إنما تعمل على يقين فالرجاء هو الذي جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد . لانـهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمرضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا . الرجـاء هو تعزية الانسان في عالم الاتعاب والاحزان . وقد خلقه الله فينا ليكون هـو جلـت قدرته موضوع رجائنا . غير أن فريقا من الناس يلقـــون رجـاءهم علـى النـاس والاموال وما اشبه ذلك . فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال : " ماذا يصنع أيضـل لكرمي وأنا لم أصنعه له " أش ٤:٥ " وقال : " یا اورشلیم یا اورشلیم یا قاتلة الانبياء وراجمـة المرسلين اليها . كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخـهـا تحـت جناحيها ولم تريدوا " مت٢٧:٢٣ وقال أيضا : " ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على " أش٢:١ وقال أيضا : " بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صـالح وراء أفكاره " أش٢:٦٥ . وقال أيضا : " ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشـر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه " ار٥:١٧ هذا بعض من أقواله تعالى . فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونــــذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلســـان نبيـه داود : " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للرجل المتوكل عليه "مز٨:٣٤ وإلا فقولوا لي بحقكم أي شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليـه . وهـا هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة . أحيانـا كمبشـر يبشـر المساكين في كل مدينة . ويلقى الصلح والسلام . وأحيانا كسامرى يعـزى الحزانـى ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف . وتارة كراع إذا وجـد خروفـا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال لو٥:١٥-٦وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قـائلا : " دعـوا الأولاد يـأتون إلـى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " مت ١٤:١٦ فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين . مـع علمنا اننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنـا . وربمـا يصيبنـا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم . وما الذي يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلـى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا . ونتكل عليه دون سواه . عمـلا بقولـه تعـالى : " لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده " مز٣:١٤٦ و " طوبى لمن إلـه يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه " مز٥:١٤٦ ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلـهنا رؤوف ورحيـم بعباده المتكلين عليه . وفي كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم . قال الكتــاب المقـدس : " مرض حزقيا ملك أورشليم للموت . فجاء اليه اشعياء النبي وقال لـه . هكـذا قـال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش . فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الـرب قائلا : آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسـن فـي عينيك . وبكى حزقيا بكاء عظيما . ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كـان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبي هكذا قال الرب إله داود أبيـك . قد سمعت صلاتك . قد رأيت دموعك . هأنذا أشفيك . في اليوم الثالث تصعد إلى بيـت الرب . وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينـة وأحامي عن هذه المدينة من أجل نفسي ومن أجل داود عبدی " ٢مل١:٢٠-٦ فها قد أثبتنا اليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجـوب القاء الرجاء على الله دون سواه . فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكي يرفعنا في حينه . ملقيـن كـل همنا عليه لأنه هو يعتني بنا لأننا بدونه لا نقدر أن نفعـل شـيئا يو٥:١٥ ولنتمسـك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلـى مـا دخـل الحجاب عب١٩:٦ . غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذي وعد هـو أميـن عب٢٣:١٠ . له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين . القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل