المقالات

19 يونيو 2022

عظة تأسيس الروح القدس للكنيسة

إنجيل اليوم هو الأحد الأول من صوم الرسل، ويتحدث عن تأسيس الروح القدس للكنيسة علي مستوي العالم كله، فالكنيسة هي وحدة الخلاص وهي عمل ربنا يسوع المسيح علي الأرض، ولم يؤسس ربنا عمل عام فقط ولكنه كان يؤسس ملكوته الخاص داخل كل منا، فالكنيسة هي ملكوت الله الذي به يخلص العالم كله إذ وضع فيها أسراره وتعاليمه ووضع فيها ذاته شخصياً، ولكنه أيضاَ كان يؤسس الملكوت الداخلي شخصياً في كل واحد فينا. "كل مملكة إذا أنقسمت علي ذاتها تخرب أو كل بيت إذا أنقسم علي ذاته لا يثبت " هو يتكلم عن وحدة العمل، الشيطان لا يمكن أبداً أن ينقسم لأن له هدف محدد سواء علي مستوي الحرب الكنسية أو الحرب الشخصية لكل منا.وهذا مبدأ مهم، لكي ندرك أن كل من يسعي لأهداف، لأبد أن يكون له هدف ثابت وواحد، هدف الكنيسة هو الملكوت، وإن كان القلب الذي يحمل ملكوت الله له أهداف أخري غير الملكوت يسقط.الوحدة هي صورة دائمه لكل ما هو عميق، فالأنقسام يؤدي إلي التشتيت وإلي السقوط، حتي أن علماء النفس يصفون النضج أنه وحدة الشخصية، الأنسان الناضج هو الذي كيانة ليس به صراعات، والمرض يبدأ حين تستمر الصراعات داخل النفس، لذلك التوبة هي وحدة الهدف، فحينما يسقط الأنسان في خطايا متعددة يسقط أيضاً في داخله احترامه لنفسه، وكرامته، فيأتي المسيح ويعيد مرة أخري كرامة الأنسان ويصالحه علي نفسه، ليعيش الأنسان مرة أخري في وحدة داخلية مستقيمة الحياة بالمسيح.وكذلك البيوت والأسر المنقسمه تؤدي إلي حياة غير سوية، فالأب والأم الذين في حالة صراع دائم علي الذات، ومنقسمين لأجل أمور مادية أو نفسية يحيوا دائماً في حالة ضيق وتعب، في علم التربية لأبد أن يصدر قرار تربوي واحد في الأسرة، فوحدة الأسرة تؤدي إلي بناء الكل.ولكن الأخطر والأهم هو وحدة الكنيسة، ونحن في هذة الأيام نسمع دعوات تصل إلي حد التراشق بفكر الوحدة، والبعض ينظر إلي الوحدة أنها قبول الأختلاف ودخول في شركة المختلفين ..لن تكون بذلك كنيسة. وحدة الكنيسة هي التقليد المقدس، هي الأيمان المسلم، وكل من ينشق من هذا الأيمان المسلم لا يمكن أن يعتبر كنسياً بل يخرج للخارج، لتظل الكنيسة وحدتها هي إيمانها هي تقليدها، هي الصورة الثابته التي رسمها السيد المسيح، يقول بولس الرسول: "كنيسة واحدة..إيمان واحد ..معمودية واحدة"، لا يمكن أن تكون هناك عقائد مختلفه ونقبل لأجل الوحدة، لن تكون وحدة، لأن الوحدة معناها الأيمان الثابت.هناك من يتشدق بكلمات الوحدة السطحية، وقبول مناسبات وأعياد التي تظهر أمام الجميع أننا نقبل بعض. قبول الأختلافات الإيمانية تعني الأنقسام وليس العكس. الوحدة هي الحفاظ علي الكنيسة وعلي الإيمان. الوحدة هي رفض كل ما هو غير مسلم. لذلك كان الأباء يدافعون عن الإيمان بدمائهم، لأن دخول إيمان آخر داخل الكنيسة يعني أنشقاقها من الداخل، ولم يعد المسيح جسد واحد.خارج الكنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية لا يوجد مسمي يُدعي كنيسة.فالكنيسة الوحيدة هي ما تسلمناه، هي مارمرقس والرسل، هي كل ما هو مسلم إيماني، وكل ما بنُي علي الإيمان الرسولي.لذلك حينما اجتمع الأباء في المجامع المسكونية لم يقبلوا آريوس ونسطور، وكان القرار طرد هؤلاء الذين يدخلون إيمان آخر، كان قرار الكنيسة كلها، من لا يريد أن يخضع للإيمان الرسولي يخرج خارجاً، أما الكنيسة فهي وحدة واحدة.يقول القديس كيرلس الأورشليمي: "يامن تحملون مشاعل الأيمان احتفظوا بها في أيديكم غير مُطفئة"كل إهتمام الشيطان أن يكسر الوحدة، تحت مسمي قبول الآخر، نقبل بعض علي مستوي شخصي، ولكن علي مستوي كنسي لا قبول أبداً لآي صورة من صور الأنشقاقات، حينما ارسل السيد المسيح تلاميذه قال لهم: "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزا بالأنجيل وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" لم يقل هناك مناهج كثيرة وكلها تؤدي إلي الخلاص.أحد الآباء يدعي روفينوس الأكلاوي في القرن الثالث يقول: "يروي لنا أجدانا أن الروح القدس بعد صعود السيد المسيح لما استقر علي كل واحد من الرسل مثل ألسنة نار لكي يفهمهم بكل اللغات، تلقوا أمراً من السيد المسيح أن يذهبوا إلي جميع الأمم لكي يبشروا بكلمة الله، وقبل أن يغادروا وضعوا معاً قاعدة للبشارة التي ينبغي أن يعلنوها حتي إذ ما تفرقوا لا يكون هناك خطر من يعلم تعليماً مختلفاً للذين يجذبونهم إلي الأيمان المسيحي، إذ كانواجميعاً ممتلئين من الروح القدس كتبوا هذا المختصر الوجيز لبشارتهم المستقبله بما لكل واحد منهم مقرين بعقيدة واحدة وقاعدة واحدة يسلمونها للمؤمنين، وكانت هذة تسمي قانوناً، من يخالف الأيمان الرسولي فليخالف، ولكن لا يدخل الكنيسة، فالكنيسة لها إيمان واحد ثابت مسلم لا يمكن التنازل عنه".يقول ماربولس لتلميذه تيموثاوس: "ما تسلمته مني بشهود كثيرين اودعه أناس أمناء ليكونوا أكفاء ليعلموا أخرين".فأن كانت الكنيسة تقبل أختلاف الآراء والأفكار والعقائد فما الداعي لهذة الوصية "احفظ الوديعة".يقول القديس جيروم: "أن قانون إيماننا ورجائنا نُقل لنا من الرسل" يقول مار أغناطيوس: " أن المسيحيون حاملوا الإله وحاملوا المسيح وحاملوا الهيكل، وأن المسيح لا يوجد فردياً بل في أتحاد مع جمهور المؤمنين وممارسة الكنيسة، الحياة المسيحية ليست كتاباً أوراقاً وكلمات وحبر بل حياة متفقة داخل الكنيسة، كل أعضائها يحملون سمات المسيح وقوة الروح القدس بالأسرار الكنسية"من يقول أن الخلاص ليس بالأسرار، أو أن المسيح طبيعتين منفصلتين، أو يخلص المؤمن دون الحفاظ علي الأيمان الرسولي.. لا نعتبره مسيحي أصلاً.فالمسيحية هي الأيمان الرسولي المسلم مرة للقديسين، وقرار المجامع المقدسة كل من يخالف الأيمان الرسولي فليفرز ويخرج خارجاً.إذاً الوحدة هي وحدة الخلاص كنسياً ووحدة الملكوت داخلياً التي بها نستطيع أن نخلص.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
18 يونيو 2022

الخادم والدافع

الخدمة هي حركة سماء وليست حركة بشر .. هي عمل إلهي قبل أن تكون تنظيم بشرى ... لذا يلزمنا إدراك هذه الحقيقة لنتأكد أن من يقومون بهذا العمل قد أخـذوا دعوتهم من الله وتأكدوا أن دوافعهـم الحقيقية إلى الخدمة هي الله وليس من أحد ... وحينمـا تغيب عن وعينـا هـذه الحقيقة نجد نوعيـات من الخدام لا تعمل بحسب قلب أو فكر الله ... فمنهم من يأت إلى الخدمة وهم في حالة من التراخي والكسل ودون رغبة حقيقية للبذل أو العطاء .. ويتهربون من حمل أي مسؤلية ... وتجد فئـة أخرى على العكس تماماً مستعدون للعطاء والتعب ولكن للأسف بدوافـع خاطئـة منهـا التنافس وحـب الظـهـور أو الإختلاط أو الإرتباط ... وهناك من يأت إلى الخدمة لعمل نشاط خال من الهدف أو المحتوى وبمضمون مغمور ... دون أن يسأل نفسه لماذا أخدم ؟ ومن أخدم ؟ لذلك قد نجـد أن أعداد الخـدام في كنائسنـا قد يعطـى إنطباعاً بالكفايـة بل وبالكثرة العددية ... ولكن في الحقيقة أن المسافة كبيرة جداً بين الموجود والفعـال ... بين الخدمة والتأثير ... وبين الخدمة والمرجو منها ... لذا وجب علينا أن نقف إلى لحظة ونسأل أنفسنا : لماذا أخدم ؟ من أخدم ؟ كيف أخدم ؟ إنها اسئلة تحتاج إلى إجابات أمينة ..لئلا نجد أنفسنا مع اللذين يخدمون أنفسهم أو اللذين يخدمون سيد آخر ... هنـاك مـن يعمل خوفاً من سيـده وهناك من يعمل من أجل الأجرة وهناك من يعمل من أجل حب العمل وهناك من يعمل من أجل حب العمل وصاحب العمل فإلى أي المجموعات ننتمى ؟ وينصح الآباء أنك لوتحيرت في تقييم أمر ... إسأل دوافعك ؟ وابحث عن الغرض المستقيم بإستمرار . لنـا أن نؤمن أن الخدمة تبدأ من الداخل ... بحركة حب صادق أمين لله ... بشعور النفس المديونة لله بكل شيء فتخرج تبحث في إجتهاد ماذا أقدم لمـن وهبني كل شيء وبماذا أكافئ الرب عـن جميع - ما أعطانيه ... ومهما قدم يشعر أن هذا قليل أمام ما أخذ ... فـالـذي يخدم ليس هو أفضل من الذي لا يخدم ... ولكنه مديون أكثر مـن الذي لا يخدم ... وهولا يعط بقدر ما يأخذ وهو ليس بصاحب فضل بـل الفضل لصاحب الخدمة الذي مـن كثرة صلاحه إحتمل أن يقيم من الخطاة الضعفاء خداما لمجده وصلاحه ... فـإن كان بين الناس من يتفاخر بوظيفة في مكان مشهور ... ويضحى بالكثير من أجل شرف البقاء فيهـا ... ماذا نقول عن الإنضمام للخدمة وقد صرنا عاملين الله ... والـذي يجـب أن نسـأل أنفسنـا فيه بإستمرار كيف ينظـر الله إلى خدمتی ؟؟؟؟ ماذا يقول عنى ؟؟؟ ليتني أسمع : هو أمين في كل بيتى . القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد
17 يونيو 2022

الخدمة وكيفية ممارستها

أولا : قيم ومفاهيم الخدمة مفهوم الخادم والخدمة : الخادم بالمعنى المفهوم للكلمة ، هو الإنسان الذي يربط وسطه ليعمل في المنزل ، ينظف ويطبخ . ويقـدم لـرب البيت ولربـة البيـت ولأفراد المنـزل مـا هـم في حاجة إليـه مــن طعام وشراب و ... ، هذا هو المفهوم الموجود في أذهاننا ، وربما لهذا السبب ومن أجله سيدنا له المجد عندما أراد أن يغسل أرجل التلاميذ ائتذر بمئذرة ، أي ربط وسطه بمنديل لكى يقـوم بـدور الخادم ، وانحنى على الأرض وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ، والبطريرك والأسقف والكهنة يفعلوا كما فعل المسيح ، ولهذا في تقليد الكنيسة أن رجال الدين يربطوا وسطهم بحزام ، وكذلك الرهبان يلبسوا المنطقة ، القصد من هذا أن الراهب قائم على خدمة الله وعبادته ، فيعبر عن هذه الخدمة بأن يربط وسطه ، رمز على أنه خادم الله ، لأن ربط الوسط يمكن الإنسان من أن يجمع ملابسه الواسعة لكـى يـكـون عنـده إستعداد بـأن يـقـوم بنشاط حركي كبير ، وحتى السيدات كن يلبسن الزنار ، والسيدة العذراء كانت تلبس زنار لكي تتمكن من العمل ، وأن تنحنى وأن تقـف بـدون عائق ، فهذا هو الأساس في أن سيدنا لـه المجد ربط وسطه بمئذرة ، وكذلك الكاهن يربط وسطه بالمنطقة لأنه يقوم بدور الخادم . المفهوم الخاص للخدمة : في المجال الكنسي عندما نقول خادم أو خدمة ، عادة ينصرف تفكير الإنسان بأن الخدمة هي العمل التعليمي في الكنيسة سواء كان للكبار أو للصغار ، ومفهوم الخدام هنا هو المعنى المحدود في خدمة التعليم المناسب للكبار وللصغار أيضا. المفهوم العام للخدمة : أما الخدمة في مفهومها المسيحي العام ، هي كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى شخص يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون دائما مفهوم الخدمة في نظرنا هي عملية تعليم للصغار أو الكبار ، إنما الإنسان يكون عنده أريحية وإستعداد لأن يؤدى ويشترك في خدمات كثيرة أخرى ، ولذلك حاليا في فروع مدارس التربية الكنسية عندما يعمد الأطفال الصغار الفقراء ، نجد البنات يصنعوا ملابس للأطفال الصغار ، وأيضا نجد في مناسبات الأعياد ، الخدام والخادمات يطبخوا في بعض الفروع بعض المأكولات وتوزع هذه المأكولات ، من اللحوم والخضار والفاكهة إلى البيوت الفقيرة ، ويشترك الخدام والخادمات في هذه الخدمة وهكذا . هذا بلا شك أن هذا مجال متسع جداً أن الإنسان يشغل الطاقات الموهوبـة لـه مـن الله في هذه الخدمات ، ولا تـكـون المسألة قاصرة على درس يلقيـه ، ولـكـن مـهـم جـدا الخدمات الأخـرى العملية ، فمثلا نجد البنات يقوموا بعمل لفائف للكنيسة وللمذبح وبعض الستائر ، والأولاد يعملوا صور وإيقونات ، ومن هنا جاءت فكرة المعارض التي تقدمها فصول مدارس التربية الكنسية ، في مناسبة عيد من الأعياد أو في الأجازة الصيفية أو في أي مناسبة أخرى ، هذا النشاط الذي يتقـدم بـه الأولاد والبنات والخدام والخادمات لإسداء خدمات معينة ، وأيضا حصيلة هذه الخدمات العملية تستغل في نشاط في قرى ، أو في الإنفاق على بعض المحتاجين هو المفهـوم العام للخدمة ، فالخدمة ليست هي فقط خدمة التعليم للصغارأو للكبار ، وبإضافة الخدمات الأخرى العملية ، مـن جهـة نجد بعض الخدام والخادمات ليس لهم موهبـة الشرح والدرس والتعليم ، لكن نجد أن لهم مواهب أخرى ممكن أن تستغلها ، فلا نحتقر أمثال هذه الخدمات ، لأن الكنيسة في حاجة إليها وهي تكمـل خدمة التعليم ، ومن الجهة الأخرى أن المسيح له المجد أعطانا ككنيسة أن لا نعلم الناس فقط ، بل ننظر إلى إحتياجات الناس الأخرى المادية والجسدية أو ما إلى ذلك .. ولهذا السبب قال المسيح لتلاميذه " اشفوا مرضى " ، لذلك دخل سر مسحة المرضى من ضمن الأسرار الكنسية ، الذي فيه الكنيسة تهتم بالمرضى المصابين بالأمراض الجسدية المتسببة عن علل نفسية وروحية ، إنما الأمراض الجسدية البحتة أو العضوية البحتة تدخل في إختصاص الطبيب . السيد المسيح لم يكن يعلم الجماهير فقط ، إنما كان ينظر إلى إحتياجات الإنسان كله باعتباره روح وجسد ، فنحن ككنيسة لابد أن نقوم بهذا العمل ، ولابد أن نوزع على الجميع الإختصاصات ، لأنه ليس كل واحد يقدر أن يقـوم بـكـل شيء ، الطبيب عندما يزور مريض ويفحصه ويشخص المرض ويصف الدواء ، وعن هذا الطريق يشفى المريض وتتحسن حالته ، أكيد أن هذه خدمة ، وهكذا قل عن الصيدلي والمعلم والتاجر والمحاسب ورجل الأعمال ، أعمال مختلفة وأنواع متعددة من الخدمات يمكن أن يسديها الإنسان إلى الآخر ، وهذا معنى خادم وخدام ، وهذا تعبير يجب أن لا نخجل منه ، لأن الشخص الذي يؤدى خدمة لآخر هذا شرف له ، هی كلمة كريمة ومحترمة ويجب أن نحيطها بما يليق بها من التقدير ، لأن الإنسان بهذه الخدمة يخرج عن أنانيته ويخرج عن الإثرة إلى الإيثار ، يبذل الجهد العصبي والجهد الجسماني والجهد المادي أو المالي ، أي نوع من البذل يحقـق خيراً ونفعاً إلى إنسان آخرفي حاجة ماسة إلى هذه الخدمة . عظمة هذه الخدمة لاتقاس بالكم بل بحاجة الشخص المخدوم إليها ، وأيضا بمقدار الجهد الذي بذله الخادم ، كلما كان الجهد أكثر وكلما كانت الحاجة أكثر تكون الخدمة أعظم . وأيضا كلما كانت الوسيلة والكيفية التي تؤدى بها هذه الخدمة ، فروح الخادم واسلوبه وهو يخدم غيره . هنا يظهر باطن هذا الخادم ، ولذلك السيد المسيح مدح المرأة التي أعطت فلسين ، فمـن جهة الكم كانت أقل من أعطى ، لكن السيد المسيح مدحها وقال أنها دفعت أكثر من الأغنياء ، نسبة ما أعطت مما تملك ، وكما قال المسيح أنها أعطت كـل معيشتها وكل ما عندها ، هذا إلى جانب ما انطوت عليه نفسيتها من روح إيمانية غير عادية ومحبتها الشديدة لعمل الخير ، وللكنيسة والهيكل وحب الناس الآخرين ، الذي دفعها أن تفضلهم على نفسها ولذلك هناك خدام لا يجيدون الكلام ، وليس لديهم القدرة على أن يعلموا آخرين ، ومع ذلك يعتبرون أمام الله خداماً من أعلى طراز ، لا يتكلمون وإنما يبذلون خدمات عملية قيمتها أمام الله عظيمة جدا . نقول هذا لا تحقيراً لخدمة الكلمة أو خدمة التعليم ، إنما حتى يتواضع الذين يعتبرون أنفسهم خـداماً ولا ينتفخـوا ، ويحترمـوا الخدمات العملية الصامتة الأخرى ويشعروا أن هذه الخدمات تبنى الكنيسة . وهناك خدمات أخرى خفية غير الخدمات العملية مثل خدمة الصلاة التي يسديها إنسان إليك وأنت لا تعلم ، سواء كانوا من الذين على الأرض أو الذين انتقلوا إلى العالم الآخر ، نحن نؤمن أن للصلاة فاعلية وأن للصلاة أثر كبير في مقاومة الشر وفي هزيمة الشيطان ومساعدة الإنسان . وأيضا موجود في الكنيسة خدمة الموائد ، التي تسمى الآن الخدمة الإجتماعية ، والآباء الرسل وجدوا أن هذه الخدمة ستعطلهم عن التبشير ، فأقاموا الشمامسة ليقوموا بهذه الخدمة وهي خدمة التوزيع على الفقراء والمحتاجين ، وتوجد أيضا خدمة الملاجىء ودور الإيواء وخدمة المسنين والعجزة والمستشفيات والأرامل والأيتام وخدمة اللقطاء ، كذلك حل مشاكل الناس المادية والمعنوية والإجتماعية ، كل هذه الخدمات وغيرها الكنيسة مكلفة بالقيام بها ، هذا إلى جانب خدمة إحتياجات الكنيسة من مبانى وتأثيث وقرابين وشمع وبخور ، وأيضا من خدمات الكنيسة المدارس والتعليم ، والأقباط أول من اهتم بالتعليم في مصر ، فهم أول من بنوا المدارس في مصر . وأول من أقام مدرسة للبنات هو البابا كيرلس الرابع ، فخدمة العقل أيضا من ضمن إهتمامات الكنيسة ، وقبـل المدارس اهتمت الكنيسة بإنشاء الكتاتيب الملحقة بالكنائس ، وكان يدرس فيها المعلم أو العريف ، ويسمى الآن المرتل ، وكل هذه الأعمال لها جزاءها الذي لا يقـل عـن خدمـة الـوعظ والتعليم الديني . كـل هـذه خدمات ومنها جميعهـا تـكـون الخدمة المتكاملة ، الكنيسة فعلا أعضاء في جسد واحد ، العين لها عمل ، والأذن لها عمـل ، والظفر له .عمل ، والشعر لـه عمـل ، كل شيء في جسم الإنسان له عمل . كما قال بولس الرسول " بـل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية ، وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل ، والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل ... " ( ۱ کو ۲۲ : ۱۲ - ۳ ) . وجميع من يخدمون ينالوا من الله أجرأ ، جزاء كل فعل أو خدمة أدوها بنية صالحة ، من أجل الله ومن أجل الخير لأخيه الإنسان قيمة الخدمة : تختلف قيمة الخدمة من واحد إلى آخر بحسب نوع الخدمة ، وبحسب الهدف الباطني من الخدمة ، وبحسب ما تؤديه هذه الخدمة من نفع حقيقي ، لشخص أو أشخاص أو مجموعة من البشر ، لنفرض أن موظف في عمل من الأعمال ، فهو في عمله يؤدي خدمة ، لكن هذا الموظف لو أدى عمله ليس بروح الخادم المؤمن بطبيعة العمل وبقيمته ، تكون خدمته مجرد أداء واجب مفروض عليه ، فتصير خدمته خدمة سطحية شكلية ، حقا أنها تسد خانة في المجتمع الإنساني ، لكنها خالية من الجوهر ومن الحياة ، ولو امتد هذا الوضع لأصبح كل إنسان يخدم المجموع البشرى بلا روح وبلا إيمان وبلا مبدأ وبلا قيم ، ولإرتد المجتمع البشرى وسقط من أساسه تستطيع وأنت مكانك أن تؤدى خدمة ، وتبلغ رسالة صارخة عن المسيحية يتمجد فيها الله ، بدون كلام أو وعظ أو تعليم ـ ولكن برسالة صامته ، قد لا يستطيع الكاهن بزيه أن يدخل هذه الأماكن ويؤدى خدمات بها ، فالذي لا يستطيعه الكاهن تستطيعه أنت كعلماني وكمـدنی الرسالة الصامته هي الرسالة التي تتكلم عن نفسها دون ألفاظ ، تعبر عنها بالروح التي تنبعث وتنطلق منك ، كأنها نور أو كهرباء أو مغناطسية تؤثر في المحيط الذي يحيط بك ، ما أضيق نطاق خدمة الكلام ، لكن هناك أبواب أوسع من ذلك ، يستطيع الإنسان أن يعبر بها عما في قلبه ونفسه ، وينقل روح المسيح التي في داخله إلى الآخرين ، نقلا أفضل بالعلامات وبالحركات والسكنات وبالصمت وبالخدمات ، يقدم رسالة المسيح أفضل مما يقدمها بالكلمات ، صارت الكلمات ثقلاً على الأذهان ، ما أبرع بعض الناس في قدرتهم على الكلام ، حتى تحولت ديانتنا إلى لباقة في الألفاظ وإلى خطابة ، ولكـن أيـن هـو الكسب الروحي للآخرين ، إن طريق الخدمة الخاصة هو أقرب الطرق لتوصيل رسالة المسيح . إذا لم يكـن لـك موهبة الخدمة الخاصة فهناك خدمات كثيرة أخرى ، المواهب متعددة ومختلفة كما يقول الرسول بولس ، فكـل عضو في الإنسان له وظيفة لا يستغنى عنها الجسم ، مهما كنت تـرى فـيـه أنـه عضو حقير ، فظفر الإنسان له وظيفة كبيرة وقيمة لا يستغنى عنه الجسم .. تستطيع أن تكتشف موهبتك الأولية وهنا تضع نفسك في الوضع الصحيح ، وتخدم الخدمة المثمرة حسب موهبتك . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
16 يونيو 2022

شخصيات الكتاب المقدس شمجر بن عناة

شمجر بن عناة وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين ست مائة رجل بمنساس البقر "قض 3: 31 مقدمة هل سمعت أو قرأت عن المشاجرة الخيالية الطريفة بين أصابع اليد الواحدة، والتي تخيلها أحد الكتاب وتقول، إنها بدأت بالإبهام، عندما ادعى أنه الأعظم، وأن الله لهذا السبب خلقه منفصلاً عن بقية الأصابع، حتى لا تجسر على الاقتراب منه، إذ هو السيد، وهي العبيد؟؟ وثارت السبابة على هذا المنطق، وقالت: لو أن الرآسة بالحجم لتسلط الثور أو الفيل على ابن آدم، إنما الرآسة بمن له القدرة على الأمر والنهي،.. والناس عندما تأمر أو تنهي، تجدني أنا في مواجهة الغير، أنا الآمر الناهي بين الناس، أنا الرئيس، وضحكت الإصبع الوسطى وهي تقول: إن السيادة متوفرة لي، فأنا أطول الكل، والكل إلى جواري أقزام،.. وصاحت البنصر، ولوحت بالخاتم الذهبي فيها التي تعود الناس أن يضعوها في اليد اليسرى، وقالت: إنه لا يضعون خاتم الزواج إلا فيَّ!!.. وقالت الخنصر مهلاً أيها الصحاب، فقد أكون أصغر الكل، لكنني كما تلاحظون أحمل الجميع فوقي!!.. ربما كانت الخنصر أقرب الجميع إلى الصدق والصواب،.. لكن العبرة الحقيقية ليست في واحدة من الأصابع، بل في صاحب اليد الذي يحملها ويحمل أصابعها معاً!!.. كان شمجر بن عناة واحداً من أكثر المغمورين في الكتاب، لكن هذا الرجل المغمور المجهول، استخدمه الله كالأصبع الصغير في إنقاذ شعبه، والله على استعداد أن يستخدم أضعف الناس أو أقلهم حظاً من ظروف الحياة، حتى ولو لم يملك من الأسلحة في يده إلا منساس البقر، أو ذلك المنخص الذي يخز به الحيوان عندما يتوقف عن السير ويرفض التقدم بعناء!!.. إنها قصة إنسان تبعث الرجاء في أضعف الناس عندما يدفعهم الله إلى الأمام،.. ولو لم يكن يزيد في حياته العادية عن راعٍ من رعاة الأبقار. هلم معاً نر قصة شمجر بن عناة، ولماذا اختارته العناية ليكون من أوائل القضاة في إسرائيل: شمجر راعي البقر ليس هناك ما يخلب لب الصغار أو الشباب، قدر رؤياهم على الشاشة أو في صفحات الكتب رعاة الأبقار الأمريكيين، ولا أنسى صبياً صغيراً طريفاً التقيت به ذات يوم، وهو يلبس زيهم، بالحزام العريض، وإذ سألته ماذا تود أن تكون في الحياة؟، وظننت أنه سيختار مهنة من مهن الناس التي يراها حوله، كأن يكون طبيباً أو مهندساً أو صانعاً أو تاجراً، وجاء في الجواب: أريد أن أكون واحداً من رعاة الأبقار.. إنه يريد أن يمتطي صهوة جواد يسابق الريح، ويصعد به فوق الجبال أو السهوب، ويدفع أمامه الأبقار إلى المراعي، وهو يدخل في عراك مع من يعتدي عليها أو عليه، وهو لا يبالي بالجروح التي تصيبه أو تأتيه من الآخرين، إنه يريد أن يكون ابن الطبيعة الطليق وهو لا يرغب في قيود الحضارة أو المتحضرين!!.. إنه مفتون بما أطلق عليه توماس كارليل "عبادة البطولة" أو تمجيد البطولة كما يقول علماء النفس، أو هو ذلك النوع من الحياة الذي يضيق بالمنطق القائل نأكل ونشرب لأننا غداً نموت، أو نقضي أيامنا بهدوء وسكينة، حتى يطوح بنا من بعدنا في حفرة يسوونها بالتراب، لأننا تراب وإلى تراب نعود،.كان شمجر بن عناة راعياً من رعاة الأبقار، ظهر منذ آلاف السنين، قبل رعاة الأبقار الأمريكية، وكان لا يملك عندما داهمه في مزرعته وبين أبقاره ستمائة من الغزاة، وتلفت حوله، فلم يجد سلاحاً يواجههم به، ولم يجد بين يديه سوى منساس البقر، فأمسك به، وأبى أن يتراجع وقتل ستمائة بمنساس البقر، ويبدو أنه كان يملك في ذاته وداخله شيئاً أعظم وأكمل بما لا يقاس من هذا المنساس. شمجر والإيمان الخارق في أعماق كل واحد منا كمؤمنين قوة خارقة، لو نملك الإفصاح عنها تصبح آية للعالمين هل قرأت عن ذلك الرجل الذي وجد فرخاً صغيراً من أفراخ النسر فحمله إلى بيته، ووضعه بين أفراخ الدجاج، وأطعمه من طعامها، وكان ينظر إلى الفراخ، والفراخ تنظر إليه، كان وضعه غريباً في وسطها، وكان وضعها معه لا يقل غرابة، وابتدأ ينمو في حجمه، وابتدأ جناحاه يطولان، على أنه لم يلبث أن أصابه الضمور، وقلت حركته، فأخذه صاحبه إلى أعلى البيت وتركه على السطوح، ولكنه لم يلبث أن عاد من هناك إلى وسط الفراخ،.. ماذا يفعل معه الرجل؟، أخذه ذات صباح، إلى جبل عال، وأعطى وجهه للشمس وظهر النور العظيم، وهب النسيم، وإذا بشيء عجيب لا يدري النسر كنهه، فقد رفع عينيه نحو السماء، ومد جناحيه في الفضاء وارتعش بكامله، وصعد إلى أسمى علو، وعندئذ أدرك أنه لم يخلق للأرض، ولكنه خلق للسماء!! هذا هو شمجر بن عناة، وهذا هو أنا وأنت حينما ندرك الحقيقة التي تغيب عن حياتنا سنوات طويلة، نعيش فيها أسرى الهزيمة، والضياع، واليأس كفرخ النسر في عشش الدجاج، كان شمجر بن عناة يعلم أن أمة ولدت إبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وموسى ويشوع أمة أبطال، لم يكن لهم من قوة في ذاتهم ولكنهم استمدوا قوتهم من الله القادر على كل شيء.. وما من شك بأن شمجر بن عناة كان يسأل نفسه على الدوام لماذا نعيش في ظل الطغيان والضيق والهزيمة واليأس والله لم يتغير، وآباؤنا كشفوا عن أعظم الانتصارات التي جاءتهم من الاستناد إلى الله،.. وقد أدرك الرجل بأنه ليس في حاجة إلا إلى الإيمان،.. وليس الإيمان ببعيد عنه أو من أي إنسان يرغب في الاتصال بالله،.. إن الإيمان لا يزيد عن تغيير حالة قلب، وارتقاء بالنفس لتفرد جناحيها بلا حدود أو قيود في سماء الله،.. وليس الإيمان إلا أن ينتظر الله: "ومنتظرو الرب يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور".. وما الذي يمنعه من الأجنحة المرتفعة!!.. لم يطلب الله من الإنسان شروطاً معينة حتى تكون له هذه الأجنحة. فهي للعالم ولمحدود العلم، وهي للفقير وللغني، وهي للصغير وللكبير، وهي للرجل والمرأة، وهي لمن يقف في أول الصف، أو من يكون في الصف الأخير!!.. وإذا كان شمجر بن عناة قد أدرك هذه الحقيقة في عودته إلى التاريخ القديم، فلعلنا أكثر قدرة منه نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، وما أكثر ما يحفل التاريخ المقدس بآلاف الأبطال الذين جاءوا من الصف الأخير ليأخذوا الصف الأول، ولم يكن لهم ما يميزهم سوى الإيمان بالله!!.. ألم يكن غلاماً صغيراً ذاك الذي لم يدع إلى المعركة بل ذهب إليها ليرى إخوته الكبار؟؟ أو في لغة أخرى لم يكن حتى في الصف الأخير، بل كان خلف الصفوف جميعاً، ومع ذلك برز لا يضحى في الصف الأول مع الملك، وقائد الجيش، بل ليبرز الجميع، ويصبح هو وحده بطل المعركة، وذلك لأنه كان يملك إيماناً أكثر من الجميع.. ألم تكن "جان دارك" الفتاة الفلاحة الفرنسية في الثامنة عشرة من عمرها، عندما قادت الجيش الفرنسي المهزوم، لتحول الهزيمة إلى نصر، وتتوج الملك، وهي لا تعرف شيئاً عن فنون الحرب، وتعرف كل شيء عن قدرة الإيمان في حياة أبسط الناس على الأرض؟؟ أمن فقط، قد يكون هو النداء الأول والأخير لأبسط إنسان على الأرض ليتحول مثل راعي البقر القديم ليصنع المعجزات!!.. شمجر والغضب المقدس تقول دبور في أغنيتها العظيمة: "في أيام شمجر بن عناة في أيام ياعيل استراحت الطرق، وعابرو السبيل ساروا في مسالك معوجة".. وهي تعطي الصورة التي تلت عصر يشوع، والتي عاث الفساد فيها في البلاد، وضاع الأمن، وانقلبت الأوضاع حتى أضحى المسافرون لا يجرؤون على السير في الطرق التي امتلأت باللصوص، إلى الدرجة أن عابري السبيل كانوا يبحثون عن المسالك الجانبية المعوجة، لعلهم يفلتون من قطاع الطرق، كان النهب هو الشائع، والأمان هو الاستثناء، وكان السر واضحاً في ذلك أن الشعب ترك إلهه، فتركه إلهه للفزع والرعب والضياع، وكان راعي الأبقار ينظر إلى الأوضاع فيلتهب قلبه بالثورة المكبوتة، إنه يعلم أن سر البلوى هو انصراف الناس عن الإله العظيم الذي أخرجهم من مصر وأعطاهم الأرض، ومع ذلك رفضوه واختاروا: "آلهة حديثة حينئذ حرب الأبواب".. وستبقى الحرب دائماً على الأبواب، عندما نقفل الباب في وجه إلهنا، ورأى شمجر الظلم والطغيان والنهب، في الحقول الضائعة، والجموع الجائعة، والشعب المستعبد المسكين،.. وامتلأ الرجل بالغضب المقدس،. هناك نوعان من الغضب يختلفان تمام الاختلاف، ويتباينان تمام التباين،.. هناك الغضب الآثم الذي يصنع بر الله، كغضب نبوخذنصر عندما امتلأ غيظاً وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو، وأمر بأن يحمي الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتاداً أن يحمي، وذلك لأن هؤلاء تعمدوا ألا يعبدوا آلهته أو يسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه،.. ومثل هذا الغضب أناني حقود قاس مستبد متغطرس يكرهه الله كل الكراهية، ويعاقب -إن آجلاً أو عاجلاً- صاحبه والداعي إليه،.. لكن هناك نوعاً من الغضب الآخر، كغضب فنيحاس الذي طعن الزاني والزانية، ودان القباحة المتسهترة التي تفعل الشر في المكان المقدس، وهناك غضب موسى عندما رأى العجل الذي عبدوه الإسرائيليون، وطحنه وسحقه وذراه على وجه المياه، وهناك غضب المسيح عندما حمل سوطه وطرد من حولوا بيت الله إلى مغارة لصوص،.. رؤى أحد رجال الله، وهو يتميز غيظاً وغضباً في الطريق، لأنه رأى لونا ًمن ألوان الظلم لا يستطيع أن يسكت عليه ويهادنه، ورؤى آخر يمسك فرشاته، ويحمل سلماً، إلى مكان كتبت فيه كلمات قبيحة، لابد له أن يمحوها محواً، لأنها آذت عينيه، ويمكن أن تفسد حياة الكثيرون من الشباب الذين يقرأونها كان شمجر بن عناة يملك هذا النوع من الغضب المقدس!!.. شمجر والدفاع المشروع إن المدقق في قراءة قصة شمجر بن عناة، يرى أن شمجر لم يكن مهاجماً، إذ لا يتصور قط أن رجلاً يحمل معه منساس البقر ليأخذه سلاحاً يهاجم به ستمائة رجل من الأعداء الأشداء المسلحين، بل المتصور أن الرجل كان في حقله أو كان يرعى أبقاره في مكان ما، وتعرض له الغزاة على أسلوب وحشي مثير،.. فهل كان له أن يهرب، ويترك أرضه، أو أبقاره، ويعتبر النجاة نوعاً من الفوز، يغبطه عليه أهله وصحبه عند عودته إلى البيت؟؟ لا أعتقد أن الرجل أصيب بحالة من الجنون، كذلك الجندي الذي دخل في وسط الأعداء وأخذ يمعن تقتيلاً، وعندما نظره معسكره على هذه الحال، ورجع إليهم، قالوا له ماذا فعلت وكيف جرؤت على الدخول في وسط الأعداء على هذه الصورة؟.. أجاب: لست أعلم، لأني وجدت نفسي في حالة من الجنون لا أدريها، هي التي فعلت كل هذا،.. لا أظن أن شمجر بن عناة كان له هذا النوع من الجنون، إنما أعلم أن الرجل أدرك ما قاله كرومويل فيما بعد، عندما سألته أمه: ألا يحسب حساب المعارك التي يدخلها.. أجاب: يا أمي توجد لحظات في الحياة لا يستطيع الإنسان فيها أن يقيم أي وزن لما يمكن أن يحدث،.. أليس هذا ما وصل إليه الثلاثة فتية الذين رحبوا بالنار سواء خرجوا منها أحياء أو لم يخرجوا، وهذا نسمعه من جوابهم الحاسم للملك القديم!: "يا نبوخذنصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من آتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلتهك، ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته".. لو أن حادث شمجر مع الغزاة كان حادثاً شخصياً لا يتكرر، لربما أمكن التصرف فيها بصورة مخالفة،.. لكن هذا الاعتداء كان أكثر من اعتداء شخصي إذ هو اعتداء على أمة وشعب، وأكثر من ذلك هو تحد وإهانة واستهتار باله هذا العشب، والعقيدة الدينية التي يتمسك بها، هو صراع بين تابوت الله وداجون، وبين الإله الحق والآلهة الباطلة،.. وأدرك شمجر بن عناة أنه أفضل له أن يعود إلى بيته حياً أو ميتاً من أن يسلم للظلم والفساد والشر أن يفعله فعله!!.. إن السؤال عن الدفاع المشروع، ما يزال من أهم الأسئلة التي تطرح على الذهن البشري -ما هي فلسفته ووسائله وحدوده؟!! وباديء ذي بدء نحن لا نعرف جماعة إنسانية ترفض في الأرض كلها فكرة الدفاع المشروع، إلا طائفة الكويرز أو الأصحاب، وهذه الطائفة لا تقبل العنف بأي صورة، وقد حدث أن سيدة من "الأصحاب" دخلت ذات يوم إلى بيتها، فرأت لصاً يعبث بأموالها ومجوهراتها، ولما رآها وجه غدارته نحوها، فقالت له: لا تفزع ولا داعي لأن توجه غدارتك إلى، إن عندي الكثير، وخذ ما تريد، وأنت قبل وبعد الكل إنسان وأخ لي،.. وأسقط في يد الرجل،.. وقال لها: يا سيدتي لقد قاومني الناس كثيراً، وحولوا بهذه المقاومة مني مجرماً عتيداً، ولم أسمع لغة كهذه قط من بين الناس، ولم أسمع أن واحداً دعاني أخاً، بل أنا في نظرهم مجرم حثالة الناس، لن آخذ شيئاً منك يا سيدتي،.. وخرج، ولعله خرج إنساناً آخر.. هذه هي فلسفة الأصحاب، إنهم يرفضون مقاومة الشر استناداً إلى قول المسيح: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين"، على أن المسيح -فيما أعتقد- لم يكن يقصد المعنى الحرفي بالدليل أنه لم يطبقه هو، وقال للخادم الذي لطمه أمام رئيس الكهنة: "إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي وإن حسناً فلماذا تضربني".. كما أن بولس فسر المقاومة المقصودة هنا مقاومة الشر بالشر إذ قال: لا تجازوا أحداً عن شر بشر معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب فإن جاع عدوك فاطعمه وإن عطش فاسقه لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير".. على أن بولس نفسه، وهو خير مفسر للمسيح ولكلامه، لم يفسر الأمر بالتخلي عن الحق المشروع للإنسان الذي يمكنه أن يتمسك به في لحظات الدفاع عن النفس، فعندما اعتدى عليه دون حق في فيلبي، وأرسل الولاة الجلادين إلى حافظ السجن ليطلقه وسيلا أجاب: "ضربونا جهراً غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن أما الآن يطردوننا سراً كلا بل ليتأتوا هم أنفسهم ويخرجونا".. ولم يكن له لطف المسيح عندما أمر حنانيا رئيس الكهنة أن يضربوه على فمه: "حينئذ قال له بولس سيضربك الله أيها الحائط المبيض أفأنت جالس تحكم على حسب الناموس وأنت تأمر بضربي مخالفاً الناموس".. إن فلسفة الدفاع المشروع تدور وجوداً وعدماً حول كسب المعتدي، والوصول إلى السلام، ورفعه إلى مستوى العدالة والحق الإلهي،.. وفي سبيل ذلك يمكن التخلي عن الحق الشخصي، في سبيل غرض أعلى وأسمى، على أن هذا لا يعني بحال ما طرح جميع الوسائل الأخرى التي قد تكون في إمكانية الإنسان، كالحق الذي كان لبولس بصفته مواطناً رومانياً يحق له التمسك بتطبيق القوانين الرومانية العادلة، إذا ما شط المعتدي، وحاول أن يتجاوز هذه القوانين والحقوق!!.. على أن الالتجاء إلى القضاء ليس مطلقاً، فقد يكون الأفضل مرات متعددة معالجة الأمور بعيداً عن هذا السبيل، ولا سيما إذا كان المتنازعون من الإخوة أو المؤمنين، وقد عاب الرسول على الكورنثيين الالتجاء إلى المحاكم الخارجية، وطلب دعوى التحكيم الكنسي دون هذه المحاكم: "أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم. فإن كل العالم يدان بكم فأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغري".. إن الحق في الدفاع المشروع أمر ينبغي أن يقدره الإنسان بكل كلمة وفطنة، ولسنا نعلم مدى فلسفة ذلك المرسل الذي كان يسير في ليلة من الليالي وهو يركب في إحدى البلاد الشرقية، فخرج إليه جماعة من قطاع الطرق، فرفع سلاحه في وجههم، وكانوا يعرفونه، فقالوا له: هل يجوز لمرسل أن يقتل الآخرين، وهو أول من ينادي بالوصية القائلة: لا تقتل؟.. وكان جوابه: إني وأنا أرفع السلاح أنفذ الوصية، لأني إذا سلمت بسهولة في نفسي، فأنا أشارككم في قتلها، وترك القاتل ليقتل دون الوقوف في طريقه دون حماية النفس، إنما هو تشجيع مباشر له على العدوان وحماية غير مباشرة للنفس التي حرم الله قتلها!!.. هل كانت هذه الحكمة هي حكمة شمجر بن عناة؟.. أم أن شمجر كان يرى نفسه قاضياً لإسرائيل، وأن مهمته أن يدفع الظلم والاعتداء، وأن أنوار العهد الجديد لم تصل إليه أو تصل إلى ياعيل التي ضربت رجلاً نائماً لا يملك الدفاع عن نفسه، وقد استأمنها على نفسه في هذا البيت؟؟.. مهما يكن الأمر فإن عصر الرجل، كان يختلف ولا شك عن عصرنا من نوع الحياة والهدف والغاية، وكانت قضية الرجل قضية دينية، لم يدفع فيها عن نفسه شراً فحسب، بل كان أكثر من ذلك رجلاً يدفع الشر على البؤساء والمعذبين والمظلومين من شعب الله في أيامه!!.. فإذا جئنا إلى العصر المسيحي، فليكن موقفناً دائماً من الاعتداء نسيان الصالح الشخصي، أو الرغبة الشخصية في الانتقام، والسعي ما أمكن إلى كسب المعتدى لله، والحق والسلام، والتسليم في كافة الأمور لمن يقضي بعدل!!. غير أن هناك شيئاً واحداً لا يجوز التزحزح عنه قيد أنمله، وهو أن لا يكون السلام على حساب الحق ومجد الله،.. وهنا لننصت بكل خشوع إلى قول السيد: "لم آت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً".. ولقد بلغ المؤمنون أروع صور الشهادة، عندما أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله!!.. لقد أبى الشهداء في روما أن يقبلوا السلام على حساب يسوع المسيح، ومع أن هناك أمثلة لا تنتهي، لكننا سنذكر قصة غلام صغير ارتبطت قصته باستشهاد مارسيلوس، وكان الغلام اسمه ماركوس بولو سيرفيللي، وكان في الثالثة عشرة من عمره وكان ينتسب إلى عائلة سيرفيللي النبيلة التي أدت أروع ما تستطيعه عائلة لبلادها،.. وعندما وجه القاضي التهمة للغلام بأنه مسيحي، أجاب على الفور: هذا الاتهام يعد شرفاً لي. أنا مسيحي، وأعتبر نفسي سعيداً لأني أستطيع أن أعترف بذلك أمام هذا الجمع الغفير، وعندما قال له القاضي: أيها الولد الشقي: هل تعرف نوع التهمة الموجهة ضدك؟؟ أجاب: أنا متهم بغير جريمة، وإيماني يعلمني أن أخاف الله، وأخدم الامبراطور، وأطيع كل القوانين العادلة، وقد نفذت كل هذا بضمير صالح،.. قال له القاضي: إن جريمتك أنك مسيحي خائن للوطن، فأجاب: أنا مسيحي، ولكني لست خائناً للوطن، وإذ قال له القاضي: إن القانون يحرم الإيمان بالمسيح ومن يكسر هذا القانون عقابه الموت.. أجاب: أنا مسيحي.. قال القاضي: إذاً فعقابك الموت.. وقال الغلام: فليكن. حاولوا أن يثنوه بكافة الطرق، بالتهديد، والإغراء، ولكنه ثبت كالطود الراسخ ووضع الغلام أمام نمر جائع.. وتحول كتلة من العظام والدم!!.. ومات شجاعاً كأفضل ما يكون الإنسان في الشهادة المسيحية ولو غرق في بحر من دم!!.. شمجر والوسيلة الضعيفة هوجم شمجر بن عناة، ولم يكن يملك سلاحاً، فإن الفلسطينيين جردوا الشعب من كل سلاح، كان يرعى أبقاره، وكان يمسك بمنساس البقر، وكان المساس هو السلاح الوحيد الذي يحمله، ويمكن أن يستخدمه، ولم يتوان الرجل عن استخدام الوسيلة الهزيلة الضعيفة، التي قادته إلى النصر وإلى قيادة الأمة بأكملها،.. من الناس من هو على استعداد أن يحارب، ولكن بشرط أن يكون في يده السلاح المناسب، ولو أدرك الحقيقة أن السلاح المناسب، هو الذي بين يديه، مهما كان ضعيفاً أو ضئيلاً أو صغيراً،.عند الأمريكيين قصة صبي صغير اسمه لوقا فارنوم، وكان ولداً فقيراً أعرج، صبي حداد، وحدث ذات يوم أثنآء حرب الاستقلال، والصبي يقف أمام الدكان، وهو حزين لأنه لا يستطيع أن يذهب إلى المعركة لعجزه وضعفه، وإذا بجماعة من الفرسان تمر به، ويسألونه وقد تبينوا أن معلمه غير موجود، عما إذا كان يستطيع أن يضع حدوة للحصان، فأجاب بالإيجاب لأنه ساعد معلمه كثيراً في صنع الحدوات، وتركيبها،.. وقام بالعمل خير قيام، وقال له القائد: اعلم أيها الصغير أنك قمت بعمل في خدمة بلدك يساوي عمل عشرة جنود، وكان المتكلم هو الكولونيل وارنر الذي أرسل لنجدة معركة من أهم المعارك التي قلبت ميزان الحرب، ولم يكن يعلم الولد الصغير الأغنية القائلة: لما سقط المسمار ضاعت الحدوة لما ضاعت الحدوة ضاع الحصان لما ضاع الحصان ضاع الراكب لما ضاع الراكب ضاعت المعركة لما ضاعت المعركة ضاعت الدولة كل هذا حدث لما ضاع المسمار ليس الأمر أمر راعي البقر أو المنساس في يده، إذ أن الأمر أعظم من ذلك بما لا يقاس، إذ هو أمر الله الذي يمسك بالراعي والمنساس معاً، والله لابد أن يكون الأول والأخير في المعركة، وكرامته لا يعطيها لآخر، لو كان هناك شيء آخر مع موسى غير العصا، لربما التفت الناس إلى هذا الشيء، ولم يروا الله السيد المنتصر،.. ولو كان هناك شيء بيد داود غير المقلاع وحجارة الوادي الملس، في مواجهة جليات، لما ظهر الله، ولما استطاع الشاب القديم أن يقول للجبار: "أنت تأتي إليَّ بسيف ورمح وترس وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتم اليوم، هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك وأقطع رأسك..".. لم ير شمشون على مقربة منه -وهو يواجه الفلسطينيين- سوى لحي حمار كان سلاحه في قتل ألف منهم!!.. وهكذا يعمل الله في الآنية الضعيفة في كل العصور والأجيال أو كما قال أحدهم: "لا بالقدرة ولا بالقوة استطلع لوثر أن يواجه ثورة روما وقوتها ومقامها ويحقق الإصلاح،.. ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم بوث أن يقابل الفقر والسخرية والهزء وينشيء جيش الخلاص العظيم.. ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم لويد جارسون أن يهاجم -وهو أعزل- نظام الرق، ويطلق من عقالها القوة التي حررت آخر الأمر أربعة ملايين من العبيد"..لقد أدهشت شجاعة وليم أورنج في تسليح الفلاحين في هولندا والفلاندرز ضد طغيان الملك فيليب وألفا الدموية، وإذ تساءل الملك الأسباني عمن يكون وراء هذه الحركة من حلفاء أو ملوك: أجاب وليم الشجاع: "إنك تسألني عما إذا كانت قد دخلت في حلف رسمي مع قوة أجنبية ألا فاعلم أني قبل أن أحمل على عاتقي قضية هذه الولايات المنكوبة قد دخلت في الحلف والعهد مع ملك الملوك ورب الأرباب".. ولقد فعل هذا من قبل شمجر بن عناة وهو يمسك منساس البقر، وتستطيع أنت وأنا أن نفعل، في مواجهة معارك الخطية والإثم والفساد والشر، ذات الشيء ونحن نغني أغنية بولس العظيمة: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"..!!..
المزيد
15 يونيو 2022

إنه خادم

حسنٌ هذا اللقب أنَّه خادم وليس سيدًا! ولم نُعطه لقب كارز، أو مُعلِّم، أو مُدرِّس.. وظيفته أنْ يَخدم لا أنْ يُسيطر أو يتكبر فالكبرياء ليست من صفات الخادم والعجيب أنْ السيد المسيح نفسه لقَّب نفسه بلقب خادم. وعلى الرغم من أنَّه ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16:19) إِلاَّ أنَّه انحنى وغسل أرجل التلاميذ لكي يُعطيهم مثالًا (يو15، 5:13) بل قال أيضًا "أَنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت28:20).ولقب خادم قد تُلقَّب به الملائكة أيضًا فقيل عنهم في رسالة العبرانيين "أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أنْ يرثوا الخلاص" (عب14:1) وقيل في المزمور "الذي خلق ملائكته أرواحًا وخُدَّامه نارًا تلتهب" (مز4:104).وكما لَقَّبَ الملائكة بأنَّهم خُدَّام، كذلك الرسل أيضًا يقول القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبلوس "من هو بولس ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما" (1كو5:3) ويقول عن مساعده تِيخِيكُس "يُعرِّفكُم بكل شيء تِيخِيكُس الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب" (أف21:6) ويقول عن أَبَفْرَاسَ "الذي هو خادم أمين للمسيح لأجلكم" (كو7:1) وقال عن القديس مرقس الرسول "إنَّه نافع لي للخدمة" (2تى11:4). وقال بصفة عامة "كفايتنا من الله، الذي جعلنا كُفَاةً لأَنْ نكون خدَّام عهد جديد" (2كو6، 5:3). وقال أنَّ الله أعطانا خدمة المصالحة.. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو20، 18:5) والآباء الرسل عند اختيار الشمامسة السبعة، قالوا "أَمَّا نحن فنعكف على الصلاة وخدمة الكلمة" (أع4:6). آباؤنا الرسل كانت لهم خدمة الكلمة، وخدمة المصالحة والآباء الكهنة عمومًا هم خدام المذبح وكلمة شماس معناها خادم.والكاهن الذي يستلم الذبيحة يُسمَّى في الطقس (الكاهن الخديم) حتى الأرملة التي كانت تخدم في الكنيسة اشترط فيها الرسول أن تكون "مشهودًا لها في أعمال صالحة.. أضافت الغرباء غسلت أرجل القديسين" (1تى10:5) والعناية بالفقراء نسميها الخدمة الاجتماعية وحتى اجتماع مُدرِّسي التربية الكنسية نُسمِّيه اجتماع الخدام فمادمت يا أخي خادمًا اسلك في اتضاع كخادم ولا يرتفع قلبك من الداخل. افهم الكلمة في جوهر معناها، ولا تجعلها تفقد حقيقتها ومدلولها وكان القديس أوغسطينوس يُصلِّى من أجل رعيته قائلًا "أَطلب إليك يا رب من أجل سادتي عبيدك..". إنْ كُنت خادمًا فيجب أنْ تتصف بالطاعة طاعة لله وطاعة لرؤسائك في الخدمة ومديريك بعض خدام التربية الكنسية يَتحَدُّون الأب الكاهن فلا يحترمونه ولا يُطيعونه ومع ذلك يقولون أنَّهم خُدَّام! ونفس الوضع نقوله عن الكاهن الذي لا يطيع أُسْقُفُه!! ونقوله عن أعضاء الكنيسة الذين ينفردون بالعمل دون مشورة رئاستهم الكنسية!! لا تظن أنَّك أحد قادة العمل الرعوي أو التعليمي في الكنيسة بل تذَكَّر باستمرار أنَّك خادم واسلك كما يليق بخادم واحذر أنْ تفقد تواضعك لأنَّه كما يقول الكتاب "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16). 2- من الأمور الأخرى التي تجلب التواضع في الخدمة: التلمذة. التلمذة يظن بعض الخُدَّام أنَّهم لمَّا أصبحوا خُدامًا انتهى بالنسبة إليهم عصر التلمذة وهذا فهم خاطئ.إنما لكي تحتفظ بتواضعك احتفظ باستمرار بتلمذتك.كل المسيحيين في العصر الرسولى كانوا يُدْعَون تلاميذًا والسيد الرب لمَّا أرسل الأحد عشر للكرازة قال لهم "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (مت19:28) وفي انتشار الكرازة قيل "وكانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا" (أع7:6)إذن اسْتَمِرْ تلميذًا للرب وتلميذًا للكنيسة ولا يكبر قلبك.وإن شعرت أنَّك صرت مُعَلِّمًا وأصبحت فوق مستوى التلمذة اعرف جيدًا أنَّك بدأت تسقط في الكبرياء.أَتَذَكَرْ أنَّنا حينما كنا خُدَّامًا في مدارس الأحد في كنيسة الأنبا أنطونيوس منذ حوالي 45 سنة كان كل خادم يجلس كمستمع أو كتلميذ في أربعة اجتماعات كل أسبوع، في اجتماع الأسرة وفى اجتماع الخُدَّام واجتماع الشبان وفي الفصل الكبير الذي كان يبدأ في السابعة والربع مساء، بعد انتهاء التدريس في باقي الفصول.وباستمرار كان الخُدَّام يتعلمون من غيرهم فيستمرون في تواضعهم.قل لنفسك أنا باستمرار مازلت أتعلم ومحتاج أنْ أعرف.وإنْ عشت في حياة التلمذة ستتخلص من مشاكل كثيرة ستتخلص أولًا من روح الجدل وكثرة المناقشات (المقاوحة) وتكون مستعدًا أنْ تتقبل الرأي الآخر بروح طيبة.لأنَّ الذين يدخل فيهم روح الجدل يُسْلِمَهم إلى روح العناد وتصلب الرأي ويظنون أنَّهم يفهمون أكثر من الكبار. بل وقد يظنون أنَّهم هم الكبار.احتفظ إذن بطفولتك الروحية حسب قول الرب"إنْ لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت3:18) وما أكثر الأمثلة لقديسين عاشوا تلاميذ يشوع ظلَّ تلميذًا لموسى طول حياته إلى أنْ رقد موسى في الرب وأليشع ظلَّ تلميذًا لإيليا إلى أنْ صعد إلى السماء، فوَدَّعَهُ بعبارة يا أبى يا أبى يا مركبة إسرائيل وفرسانها (2مل12:2) والقديس أثناسيوس الرسولي مع أنَّه كان بابا الإسكندرية احتفظ بتلمذته للقديس أنطونيوس الكبير ولما كتب سيرته قال "وأنا نفسي صببت ماء على يديه" أي كان يخدمه كان التلاميذ قديمًا يجلسون عند أقدام مُعَلِّميهم.فلا يجلسون إلى جوارهم وأمامهم بل كان المُعَلِّم يجلس على كرسي وتلاميذه جلوس على الأرض عند قدميه وعن هذا قال القديس بولس الرسول "وُلِدْتُ في طَرْسُوسَ كيليكيَّة ولكن رَبَيْتُ في هذه المدينة مُؤَدَّبًا عند رِجْلَيّ غَمَالائيل" (أع3:22) هذا هو اتضاع التلميذ أمام مُعَلِّمُه ويَعتبر أيضًا أنَّه ليس فقط يُعلِّمُه بل يُربيه أيضًا ويؤدبه.ما أصعب أنَّ خادمًا يقرأ كتابًا أو كتابيْن فيتكبر على مُعلِّميه.ويتكبر أيضًا على آبائه الكهنة ويفرض مشيئته على أب اعترافه فإما أنْ يوافق الأب على رأيه أو يعصاه!! وهكذا يصير حكيمًا في عينيّ نفسه الأمر الذي نهانا عنه الكتاب فقال "لا تكن حكيمًا في عينيّ نفسك وعلى فهمك لا تعتمد" (أم7، 5:3) عش إذن تلميذًا متواضعًا. والْتَمِسْ المعرفة من كل مصادرها تتلمذ على أب اعترافك وعلى آباء الكنيسة وعلى الاجتماعات الروحية وتتلمذ على الطبيعة على زنابق الحقل وطيور السماء وتتلمذ على الكتب الموثوق بها ولا تظن مهما كبرت أنَّك قد ارتفعت عن مستوى التعليم.إنَّ تاريخ الكنيسة يُسجل لنا قصصًا عجيبة عن اتضاع القديسين في التلمذة تصوروا واحدًا من الآباء الكبار مثل القديس موسى الأسود يطلب كلمة منفعة من الصبي زكريا فلما يستحى الفتى منه قائلًا: "أنت عمود البرية وتطلب منِّى كلمة؟!" يجيبه القديس "صدقني يا ابني لقد عرفت من الروح الذي عليك أنَّ عندك كلمة أنا محتاج أنْ أعرفها"..! والقديس مكاريوس الكبير أخذ كلمة منفعة من راعى بقر.. وكان الآباء يلتمسون كلمة منفعة بينما كانت لهم سيرة ملائكية يشتهى الكثيرون أنْ يتعلموا منها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
14 يونيو 2022

بولس الرسول رجل الصلاة

قبل أن أتكلم عن بولس رجل الصلاة أود أن أقول إن الإنسان الذي يطلق عليه رجل الصلاة لابد وأن يتوفر فيه ثلاثة فضائل على الأقل : الإيمان - والمحبة الله والناس - والإتضاع . فما لم يتوفر لديه الإيمان ، فلمن يصلي ؟ وفي نفس الوقت تكـون صلاته ضعيفة . فإن كان الإيمان هو الثقة بما لا يرى فكيف ينال ما يصلي لأجله . ولابد وأن يتوفر فيه المحبة بشقيها الله وللناس . فالصلاة الحقيقيـة هي خلجات قلب إمتلأ بمحبة الله يناجيه دائماً ، وإمتلأ بمحبة الآخرين ، ولذا فهو يصلى من أجلهم . ولابد وأن يتوفر فيه الإتضاع والإنسحاق وهمـا مـن دعـائم الصلاة المستجابة . والسيد المسيح له المجد فـي مثـل الفريسـى . والعشار أشار إلى ذلك وقال إن العشار بإنسحاقه رجع إلـى بيتـه مبرراً دون الفريسي الذي أخذ يعدد فضائله " اقـول لـكـم إن هـذا ( العشار ) نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك . لأن كل من يرفع نفسـه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع " ( لو ١٨ : ١٤ ) ولابد لنا أن نعطى لمحات عن هذه النواحي الثلاثة في شخصية هذا الرسول العظيم قبل أن نتكلم عنه كرجل الصلاة ١- بولس رسول الإيمان من الألقاب التي يلقب بها القديس بولس الرسول " رسول الإيمان " فهو الذي ملأ الدنيا كرازة وتبشيراً داعياً الخليقة كلها للإيمان بالرب يسوع .. قال لسجان فیلبی " آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهـل بيتك " ( أع 16 : 31 ) .. " لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وأمنـت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت . لأن القلب يؤمن به للـبر والفم يعترف به للخلاص . لأن الكتاب يقول كل من يؤمن بـه لا يخزى .. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلـص ( رو ۱۰ : ۹- ۱۳ ) . وحينما كان قاب قوسين أو أدنى من الموت نجده يقول " فلا تخجـل بشهادة ربنا ولا بي أنا أسيره بل إشترك في احتمال المشقات لأجـل الإنجيل بحسب قوة الله الذي خلصنـا ودعانـا دعـوة مقدسـة لا . مخلصنا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنـا فـي المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية . وإنمـا أظـهرت الآن بظـهور يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنـار الحيـاة والخلـود بواسطة الإنجيل . الذي جعلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم . لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكنني لست أخجل لأننى عـالم بمن آمنت وموقن إنه قادر أن يحفظ وديعتي إلـى ذلـك اليـوم ( ۲ تی ۱ : ۸- ۱۲ ) ٢- بولس رجل المحبة أما عن محبته الله فقد أظهرها في رسالته إلى أهل رومية " مـن سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جـوع أم عرى أم خطر أم سيف . كما هو مكتوب إننا من أجلك نمـات كـل النهار . قد حسبنا مثل غنم للذبح . ولكننا في هذه جميعـها يعظـم إنتصارنا بالذي أحبنا . فإني متيقن إنه لا موت ولا حياة ولا ملائكـة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علـو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبـة الله التـي فـي المسيح يسوع ربنا " ( رو 8 : 35- 39 ) . وفي موضع آخـر يقـول " لأن محبة المسيح تحصرنا " ( ٢ کوه : ١٤ ). أما عن محبته للناس فلعله قد أوضحها بأبلغ الكلمات حينما كتب إصحاحاً بأكمله هو الثالث عشر من رسـالته الأولـى إلـى أهـل كورنثوس التي يتكلم فيها عن المحبة الأخوية ، محبة الناس بعضـهم لبعض والذي يستفتحه بعبارة " إن كنـت أتكلـم بألسـنة النـاس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجـاً يرن " ( اکو ۱۳ : ۱ ) . ٣- بولس رجل الإتضاع أما عن إتضاعه وإنسحاقه فيكتب إلى أهل كورنثـ وس نحـن جهال من أجل المسيح وأما أنتم فحكماء في المسيح . نحن ضعفـاء وأما أنتم فأقوياء أنتم مكرمون وأما نحن فبـلا كرامـة .. نشـتم فنبارك نضطهد فنحتمل . يفترى علينا فنعظ . صرنا كأقذار العــالم ووسخ كل شئ إلى الآن ( اکو ٤ : ۱۰- ۱۳ ) . وفي حديثه الوداعي لكهنة كنيسة أفسس قال لهم " أنتم تعلمـون من أول يوم دخلت آسيا كيف كنت معكم كل الزمان أخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة وبتجارب أصابتني بمكايد اليــهود " ( أع ٢٠ : ١٨- ١٩). نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس اسقف الغربية عن كتاب القديس بولس الرسول الخادم الغيور
المزيد
13 يونيو 2022

السيد المسيح مثلنا الأعلى في الخدمة

يلزمنا باستمرار في حياة الخدمة أن نرجع لمصادر ثابتة ومقاييس إلهية نستمد منها مفاهيم الخدمة المثالية الكاملة . ولن نجد لتحقيق هذا الغرض أكثر من حياة الرب يسوع المسيح شخصياً كخادم بل راعي الخراف الناطقة ومثلنا الأعلى في الخدمة . * ترى ما هو مفهوم الرب عن خدمة النفوس ؟ وكيف خدم ؟ وما هي غايته وهدفه في خدمة البشرية ؟ وما هي ملامح وخصائص خدمة الرب ؟ يلزمنا بكل تأكيد أن نراجع بروح التأمل العميق ما ورد في البشائر الأربعة عن حياة الرب يسوع في فترة تجسده وخدمته بين الناس . فهي بمثابة موسوعة شاملة متكاملة عن حياة المسيح كخادم بل ومثلنا الأعلى في الخدمة . أولا : الرب يسوع مثلنا الأعلى الحب والاتضاع الحب والاتضاع هما أهم ركيزتين في الخدمة ؛ وبدونهما تتحول خدماتنا إلى مجرد كلام أو توصيل حقائق ومعلومات ـ فالسيد المسيح قصد أن يتعامل مع نوعيات كثيرة ومختلفة من البشر متنازلا إلى ضعف العبيد وذلهم ليرفعهم إلى قوة نعمته وكمال محبته . وقد ظهر هذا بوضوح شديد في معاملات المسيح الفردية الخطاة والضعفاء والمنبوذين والمعوزين ومن ضمنها نرى الأمثلة الآتية : مع ۱ـ المرأة السامرية ( يو 4 ) . ۲ـ زكا العشار ( لو ١٩ ) . ۳- بارتيماوس الأعمى ( مر 10 ) . 4ـ اللص اليمين ( لو ٢٣ ) . ٥ ـ الشاب الغني ( مت ۱۹ ) . 6 ـ المرأة الزانية ( يو ٨ ) . ٧ـ المرأة الكنعانية ( مر 7 ) . ٨ـ مفلوج البركة ( مر ٢ ) . 9- المرأة الكنعانية ( مر 7 ) . ۱۰ـ المولود الأعمى ( يو 9 ) . وهذه بعض الأمثلة فقط على سبيل المثال لا الحصر للقاءات الرب العديدة مع عينات البشر ، والخادم المدقق في دراسة الأناجيل يجد لذة خاصة لمتابعة العديد من ، هذه اللقاءات . ثانياً : هو مثلنا الأعلى في البذل والتضحية وخدمة غسل الأرجل الخدمة المتكاملة التي تهدف إلى كسب النفوس لا تقوم فقط على مجرد التعليم وتسليم معلومات لعقول من نخدمهم . ولكن الإنسان المخدوم محتاج لمن يعايشه ويحس بآلامه ومشاكله ويتعايش مع آلامه ومعاناته بروح العطف والمحبة . وهذا سيتطلب بالضرورة تنازلات وتضحيات كثيرة من جانب الخدام . هذا ما فعله الرب يسوع كراع صالح بذل نفسه عن الخراف « أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف » ( يو ۱۱:۱۰ ) ؛ ولم يأت ليخدم بل ليخدم ويبذل نفسه عن كثيرين ( مت ۲۰ : ۲۸ ) ، ( مر ١٠ : ٤٥ ) ، ولم يكن له أين يسند رأسه ( مت ۸ : ۲۰ ) ، ( لو ٩ : ٥٨ ) ، ونزل من على المائدة وائتزر بمنديل وغسل أرجل تلاميذه ( يو ١٣ : ٣-٥ ) ، ورضى أن يدخل في بيت زكا ( لو ١٩ : ٥ ) ، ولم يستكنف أن يجلس على مائدة الفريسي ويأكل ( لول : 36 ) . معه * والمسيح إلهنا في قبوله للآلام ـ علاوة على تحقيق قصد الخلاص والفداء من خلال الصليب والألم ـ إلا أن هذه الآلام كانت تعبيراً عن ديناميكية خدمته المملوءة حباً وبذلا من نحو الناس والعالم . هكذا ينبغي أن نتشبه به كخدام ـ لأنه إن كان هو السيد والمعلم قد فعل هكذا فكم ينبغى أن نفعل نحن بعضنا ببعض وبمن نخدمهم . هكذا نصلي في قسمة القداس قائلين عنه : « عنصر المراحم الذي شاء بإرادته أن يتألم عوض الخطاة الذين أولهم أنا » . ثالثاً : مثلنا الأعلى وضوح الهدف من الخدمة لعل الأصحاح 17 من إنجيل يوحنا يوضح من خلال صلاة المسيح الشفاعية للآب ما هو قصده المبارك الواضح تجاه هذه النفوس : * « أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم » ( ع 6 ) . * « وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني » ( ع ۲۲ ) * « ليكون الجميع واحداً » ( ع ۲۱ ) * « أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك » ( ع ٢٥ ) . هذا نستنتج أن المسيح له المجد يعلمنا عدم قبول فكر العالم أو روحه في داخلنا لأنه هو نفسه رفض ملك العالم واستهان بالخزى فجلس في يمين عرش الله « الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله ، فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم » ( عب ۱۲ : ۲-۳ ) . رابعاً : تقديس أنفسنا من أجل المخدومين يقول الرب يسوع : « لأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق » ( يوحنا ۱۷ : ۱۹ ) . ولو أن الرب يسوع نفسه هو قدوس القديسين ورب القداسة والكمال لكنه بهذه العبارة يقدم لنا ذاته كنائب عن البشرية وكخادم في ضرورة الاهتمام بتقديس أنفسنا كأساس للوصول بالمخدومين إلى القداسة التي نبغيها لهم والتي بدونها لن يرى أحد الرب . فهل نحن كخدام وخادمات نقدم أنفسنا قدوة لأولادنا وبناتنا في « كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما هو صيته حسن » ( في ٨ : ٤ ) . * الرسول بولس يوصـى تلميذه الأسـقـف تيموثاوس فيقول له : « كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة » ( ۱ تيموثاوس ٤ : ١٢ ) . خامساً : السيد المسيحي خدمته كمعلم ومتلمذ * السيد المسيح في كلامه وتعليمه لم يملأ عقول سامعيه بكثرة المعلومات بل أكد لهم الكلام الذي يكلمهم به هو روح وحياة . ( يو 6 : 63 ) . وهكذا ينبغي أن تكون خدمتنا : نسلم الناس سر التقوى .. سر المسيح ؛ لنحضر كل إنسان كاملاً في المسيح أن يسوع ( کو ۱ : ٢۸ ) ؛ ونخلص على كل حال قوما . ( ۱ کو ۹ : ۲۲ ) * والسيد المسيح في تلمذته لرسله وتلاميذه كان يأخذهم معه في مناسبات تجليه ومعجزاته ـ وكان يعلمهم على انفراد ويختلى بهم ويظهر لهم ذاته المقدسة أربعين يوماً بعد القيامة .. وهكذا . وعملية التسليم والتلمذة من أهم أركان الخدمة ، من أجل خلق جيل قوى محب الله والكنيسة . لذلك لا ينبغي أن تقتصر خدماتنا على مجرد إلقاء الدروس والمحاضرات بل نعيش مع أولادنا حياتهم ونتلمذهم على الإنجيل الذي نعيشه نحن فعلاً وننادى لهم قائلين : « فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح » ( في ۱ : ۲۷ ) * والخادم الذي يتلمذ مخدوميه من خلال حياته وانجيله المعاش يحق له أن يقول : « إذ لكم الجهاد عينه الذي رأيتموه في والآن تسمعون في » ( في ۱ : ۳۰ ) . سادساً : السيد المسيح مثلنا الأعلى فتتويب الناس * كان هدف الرب يسوع دائماً في خدمته هو بنيان النفس من الداخل من خلال تتويبها وتطهيرها وغفران خطاياها وتعرفها عليه كمخلص . ولم يكن يقف حائلاً أمامه لتحقيق هذا الهدف حالة الخراب أو الفساد التي تعيش فيها النفس ، وفي هذا المجال كان أسلوب الرب يسوع في الخدمة يتميز بالآتي : . كان يكشف ذاته وشخصه المبارك بالمحبة ، ويوضح جمال النعمة والعطية الإلهية التي تنتظر الإنسان . وهكذا الخادم الأصيل الهادف في خدمته يحرص أن يبرز الجمال الإلهي وحب الله الفائق للإنسان . ب . أعطى كل إنسان تشجيعاً وتدرج معه بهدوء وأحيا فيه روح الرجاء وأعاد الثقة . المفقودة والأمل الضائع . وهذا أمر له أهميته العظمي في التعامل مع الخطاة والساقطين والمنبوذين . حالة الخراب جـ . كان هدف الرب يسوع دائماً هو بناء النفس بغض النظر عن . والهلاك التي تعيش فيها . د . كان المحور الأساسي لخدمة الرب هو تتويب النفس وتثبيت الإيمان وتعرفها على المخلص الحقيقي وتسديد احتياجاتها العميقة . هـ . كان الرب يسوع حريصاً أن يعطى استماعاً وطول أناة بحوار لطيف وحنون لكل إنسان مترفقاً في هذا بالضعف البشرى إذ ليس مولود امرأة يتزكى أمامه . و . ومن أجل توضيح هذا الأسلوب الغنى بالحب والعطاء دخل الرب يسوع في لقاءات متنوعة كثيرة مع عينات مختلفة من البشر ليكشف لنا اتساع ميدان الخدمة وربح النفوس حتى نسعى كخدام أن نخلص على كل حال قوما وهذا نفعله لنكون شركاء في الإنجيل ( ١ كو ۹ : ۲۲ـ۲۳ ) هكذا على يدى الرب : * تابت السامرية عن زناها . * تاب زكا عن الطمع ومحبة المال . * ثابت الزانية عن فسادها . * تاب ديماس اللص عن إجرامه . فلنقتد بالرب يسوع إذن في هذا الأمر ونحن نخدم الناس : نجدد عزيمتهم ونشجعهم وتبث فيهم روح الرجاء ونوضح لهم محبة الصليب وقوة المصلوب وفاعلية دمه في تطهير نفوسهم وغفران خطاياهم وهكذا نربحهم عالمين أن « ثمر الصديق شجرة حياة ورابح النفوس . حكيم » ( أم 11 : 30 ) . أيها المسيح إلهنا ومثلنا الأعلى في الخدمة : علمنا كيف نخدم وكيف نبدأ الطريق. القمص بيشوى وديع كاهن كاتدارئية كنيسة الشهيد مارجرجس وشهداء طنطا الأطهار عن كتاب الخادم الأرثوذكسى كنيسة وحياة
المزيد
12 يونيو 2022

عيد العنصرة أو عيد حلول الروح القدس

بسم الأب والابن والروح القدس اله واحد آمين نحتفل اليوم يا أحبائي بعيد من الأعياد السيدية الكبرى هو عيد العنصرة أو عيد الخمسين الذي هو عيد حلول الروح القدس ، وهذا العيد هو عيد تأسيس الكنيسة المسيحية ، ويسمى عيد الخمسين لأنه يأتي بعد القيامة بخمسين يوماً ، أما كلمة ( عنصرة ) فهي كلمة عبرية معناها ( إجتماع ) ، وفيها أيضاً معنى ( الإمتناع ) ، لأنهم كانوا يمتنعون عن العمل في هذا اليوم لهذا العيد أصل يهودي يوم الخمسين في الأصل كان عيداً يهودياً ، وأريد هنا أن أشير إلى نقطة هامة أؤكد عليها دائماً أنه لا يوجد فصل بين اليهودية والمسيحية ، فاليهودية كانت ممهدة للمسيحية أو بحسب تعبير معلمنا بولس الرسول ، إذ قد كان الناموس مؤدينا إلى المسيح » ( غل ٢٤ : ٣ ) أي أن شريعة العهد القديم كانت مهمتها أن تهيئنا وتجهزنا لاقتبال السيد المسيح . فالمسيحية ليست شيئاً جديداً كل الجدة ، ولكنها هي ا اليهودية في مفهوم جديد ، وبالطبع فهناك ممارسات وطقوس يهودية ألغيت في المسيحية مثل موضوع الذبائح التي كانت رمزاً للسيد المسيح له المجد ، فحينما أتي المرموز إليه بطل الرمز . وأنا أكرر هذا الكلام كثيراً لأنه يوضح نقطة في غاية الأهمية في يقيني ، هي أن الديانة ديانة واحدة ، فلا ينبغي أن توجد ديانات كثيرة ، لأن الديانة هي الشيء الذي ينظم العلاقة بين الله والبشر ، وحيث أن الله واحد فينبغي ألا تكون هناك إلا صلة واحدة أو طريقة واحدة للإرتباط بالله الواحد ولذلك فكتابنا المقدس يضم العهد القديم - الذي هو كتاب اليهود المقدس - إلى جوار العهد الجديد ، والسيد المسيح نفسه في عظته على الجبل يقول في غاية الوضوح * لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل » ( مت ۱۷ : ۵ ) ، وليس معنى التكميل هنا أن شريعة العهد القديم كانت ناقصة ، لأنه حاشا أن يصدر عن الله الكامل شيء ناقص ، ولكن التكميل هنا له مفهوم مزدوج ، المفهوم الأول أن المسيح أتى ليتمم ما كان يرمز إليه من نبوات وطقوس في العهد القديم ، والمفهوم الثاني أن السيد المسيح أتى ليكمل فهمنا للشريعة ، فعندما كان يعلم كان دائما يردد ، قد سمعتم أنه قد قيل للقدماء ... وأما أنا فأقول لكم فشريعة العهد القديم كانت كاملة في حد ذاتها ولكنها كانت كما قلنا تهيئنا لكي نتقبل المسيحية في فهمها الجديد ، كما يقول بولس الرسول ، لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل ، ( 1 کو ۱۳ : ۱۱ ) ۔ سیاتی وقت – وهو قريب - سيفهم فيه اليهود أنفسهم هذا الأمر ويقتبلون الإيمان بالمسيح ولكن بعد حدوث أمور كثيرة أهمها حدوث ضيقة عظيمة في هذه المنطقة ومن ضمنها إسرائيل. نعود يا أحبائي فنقول أن يوم الخمسين هذا كان عيداً يهودياً ، وقد سمى هكذا لأنه كان يقع في اليوم الخمسين بعد عيد الفصح ، وكان هذا العيد أحد الأعياد اليهودية الثلاثة الكبرى التي هي ( عيد الفصح و عيد الفطير – وعيد الحصاد أو الخمسين – وعيد المظال الذي كان يأتي في نهاية السنة العبرية ) وعيد الخمسين اليهودي كانت له ثلاثة تسميات عيد الحصاد ( خر ١٦:٢٣ ) وعيد أوائل الثمار ( عد ٢٦:٢٨ ) وعيد الأسابيع ( تث 9:16 ١٠ ) ، وكان اليهود يحتفلون بهذا العيد لمدة يوم واحد ، وهو أحد الأعياد التي كان يتحتم فيها على جميع الذكور من اليهود أن يتراؤا أمام الرب الإله في أورشليم . وكان هذا العيد عيد فرح وبهجة حيث كان يقع في الطف فصول السنة جوا وهو الربيع ، وكان اليهود المشتتون في بلاد كثيرة في أنحاء العالم يحضرون إلى أورشليم ليحضروا عيد الفصح ويستمروا إلى يوم الخمسين ليحضروا هذا العيد أيضاً .وطبقاً للتقليد اليهودي الشفهي أو تقليد الربانيين ( معلمي اليهودي ) كان هذا العيد أيضاً هو عيد الاحتفال بتذكار تسلم الشريعة في جبل سيناء ، لأنهم قالوا أن موسى تسلم الشريعة فوق جبل سيناء في اليوم الخمسين من خروج بني إسرائيل من أرض مصر ، ومن هنا جاءت تسميته باللغة العبرية ( عيد البهجه بالناموس ) وكانت هناك عادة يهودية قديمة أنهم كانوا يقضون ليلة عيد الخمسين كلها في الصلاة وتقديم الشكر لله لأجل عطية الناموس. نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس اسقف الغربية عن كتاب تأملات فى عيد حلول الروح القدس
المزيد
11 يونيو 2022

الخادم والتلمذة

الحياة المسيحية ليست فلسفة نظرية أو مجرد معلومات تدرس ... بل حياة وسلوك وإيمان ينقل ويورث ويستمر عبر الأجيال .. والسيد المسيـح بدأ خدمته بإختيار أشخاص دعاهم تلاميذ وكانوا يرافقونـه كل الأوقـات ليسمعوا ويـروا ويستلموا منهج حيـاة وليس فقط مجرد معلومات . كما ذكر معلمنا لوقا البشير : ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه ( لوه : ۱۱ ) وامتد الأمر عبر العصور الأولى للمسيحية إذ لقبت كل من يدخل إلى الإيمان بـ ( تلميذ ) . وكلمـة تلميذ تطلق فقط على المراحل الأولية في التعليم ... لأنها تعبر عن البساطة والإتضاع والخضوع . لذلك نعتبر مبدأ تلميذا في الكنيسة والخدمة من أهم المبادىء التي تؤمن سلامة الخدمة ... فلا تجد في الكنيسة معلم إلا ويحسب تلميذا لمعلم آخر ... لأن التلمـذة تحفظ الإنسان من الكبرياء ومن السلوك بحسب المنهج الشخصي ... وهـي تضمن سلامة الطريق ... وتؤمـن الهدف ... وتحقق الوحدة ، وحينما يفقد الخادم محبته للتلمذة يصاب بالجمود ... ويتراجع عن سمـاع التعاليـم .. ويستكبر أن يصير تلميـذا يجلس ويستمـع ويتعلم .. ويستثقل أن يحضر قداس أو عشية بها عظة ... وأخطر ما يصيب الخادم أن يشعر بالإكتفاء عن التلمذة أو التعلم ويردد إنى غنى وقد إستغنيت ... ولا يعلم أنه شقى وفقير .رأينـا تلمذة يشوع لموسي ... وأليشع لإيليا ... وكيف وضع الله من روح ورسالة وقلب المعلم للتلميذ ... فكان إمتداداً وإستكمالاً لنفس الرسالة . وكأن الله يريد أن يعلمنا أن خطته لا تحتاج إلى جيل ولا إلى فرد .. بل إلى أجيال تسير في نفس الإتجاه وهذا يؤكد ضرورة التلمذة عبر الأجيال المتلاحقة ... فالتلمـذة تضمن تواصل الأجيال وتحفظ مـن الإنفرادية وتنجي من الشعور بالإكتفاء . وتضيف الخبرات العملية . طلـب أليشـع أن يكون لـه روحين مـن معلمـه إيليا .. ولقبـه بمركبة إسرائيل وفرسانها ... وهذا ما يجب أن يشعر بـه التلميذ تجاه معلمه ... لأن الثقـة في المعلم تأت بالتلمذة الناجحة ... وحينما يرى الله أن التلميذ يثق في معلمه يهبه الله لا بسبب بر معلمه بل بسبب إتضاعه كتلميذ . عرفنـا آبـاء البرية أن مـن الكرامات التي لا توصـف في السماء هي كرامة تلميذ خاضع مطيع ... أخـى الخـادم ... أحبب التلمذة فهـى تحميك من هـم التفتيش عن الطريق أخى الخـادم ... أحبب التلمذة لأب إعترافـك لأن بقدر أمانتك معه بقدر ما تلقي بهم خلاصك عليه . أخى الخادم ... أحبب التلمذة فهي خلصت كثيرين بلا تعب ... وتعب كثير بدونها لا ينفع شيء . أخي الخادم ... أحبـب التلمذة وأسعى ورائها لأنها تجلب الرحمة في الدينونة لأنه ليس من العدل أن يطالب التلميذ كالمعلم ... ليتك تدخـل إلى الكنيسة وأنت تحسب نفسك أنك أصغر تلاميذها لتنهال عليك البركات والمراحم . القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل