المقالات

31 مارس 2020

محبة الله

مع بداية الصوم المقدس أحب أن أحدثكم عن محبة الله لنا، التي هي من جهة الله محبة غير محدودة وغير مشروطة، وأمّا من جهتنا فنحن فكثيرًا ما نجاوب بأننا نحب الله، وقد نظن أن تواجدنا المستمر في الكنيسة هو علامة هذه المحبة، وربما تريح هذه الفكرة ضمائرنا أمّا محبة الله الحقيقية فلها علامات تظهرها وتؤكدها لنختبر أنفسنا بها وهذه بعض العلامات:- 1- حفظ الوصية فيسوع نفسه علم تلاميذه «من يحبني يحفظ وصاياي» (يو14: 15)، فنحن عندما نقرأ الكتاب المقدس لا نقرأه من أجل المعرفة أو البركة فقط، ولكننا نقرأه لكي نعرف الوصية ونسلك فيها، فكل وصايا الكتاب هي منهج للحياة المسيحية، وحفظها عمليًا في حياتنا هو علامة محبتنا الحقيقية لله. ومن أجمل المزامير التي تتحدث عن حفظ الوصية هو مزمور 119 الذي نرتله يوميًا في صلاة نصف الليل. 2- العشرة مع الله: فمن يحب الله يحب أن يجلس دائمًا معه ويتحدث إليه، فالصلاة الدائمة ومحبة التسبيح ومحبة محال القديسين، والفكر المرتبط دائمًا بالله حتى وسط الانشغالات اليومية، ومحبة الأنشطة التي لها طابع روحي كلها أمور تعكس محبتنا لله أمّا الإنسان المتثقّل من عشرته مع الله، فغالبًا ما يهرب من التواجد معه. 3- حضور الرب الدائم في الحياة: محبة الله تجعلنا نستشعر دائمًا حضور الرب في كل مكان نذهب إليه، ومع كل شخص نقابله تجعلنا نحرص ألّا نصنع شيئًا يحزنه أو يغضبه. فمحبتنا لله تجعلنا نرفض الذهاب إلى الأماكن المعثرة، ونحرص ألّا ننطق بكلمة شريرة، لأننا نشعر أن الله حاضر معنا في كل وقت «جعلت الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني فلا أتزعزع» (مز16: 18). 4- شركة الروح القدس: والتمتع بشركة الروح القدس هو أحد علامات محبتنا لله، فالإنسان المحب لله يطلب معونة الروح القدس وإرشاده في كل خطوات حياته، في بيته وفي أعماله وفي معاملاته مع الآخرين وفي قراراته وخدماته وضيقاته وأفراحه الخ. وعلامة شركة الروح القدس هو شعور الإنسان بالسلام الدائم، أمّا الاضطراب فهو علامة غياب الروح القدس فينا، لذلك تصرفنا الكنيسة من كل خدماتها بالبركة المفرحة "محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وشركة وموهبة وعطية الروح القدس، تكون مع جميعكم امضوا بسلام" لذلك لنسأل دائمًا معونة الروح القدس فيعطينا سلامًا وإرشادًا، ولنطلب دائمًا ألّا نسلك بحسب فكرنا الشخصي بل بحسب مشورة الله. 5- الخدمة: هي إحدى علامات محبة الله، فالرب يسوع تكلم مع معلمنا بطرس علي بحيرة طبرية قائلًا له: «يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ ارعَ غنمي». فخدمة الآخرين هي علامة محبتنا لله. والخدمة بهذا المعني ليست نشاطًا لفئة معينة من المسيحيين لكنها صفة ترتبط بحياة كل المؤمنين. والخدمة ليست نوعًا واحدًا كما يرتبط بذهن البعض أن الخادم هو من يشارك في التعليم في الكنيسة، لكن الرب يسوع قد لخّص معنى الخدمة الواسع عندما تكلم عن نهاية العالم «كل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم» (مت25: 40)، فكسرة الخبز خدمة، وكوب الماء خدمة، والثوب البسيط للعريان خدمة، ورد إخوتنا عن طرق العالم ودعوتهم للكنيسة خدمة، وتشجيعك لإنسان بائس أو مؤازرتك لشخص متضايق خدمة لذلك فليست الخدمة التي نقصدها هي الخدمات ذات البريق التي يسعي لها الكثيرون، بل لنقدم أبسط الخدمات دون أن نطلب مجدًا أو شهوة ظهور، ونحن نحتفظ في داخل قلوبنا بفكرة أننا تقدم خدمتنا لله شخصيًا.لتكن فترة الصوم المقدس فترة لنفحص فيها ذواتنا من الداخل، هل نحب الله بالحقيقة كما أحبنا؟ ولنراجع طرقنا. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
30 مارس 2020

المحبة الغافرة

المغفرة التي نطلبها من الله مشروطة بغفراننا لمن يسيء إلينا «واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا» (مت6: 12)، وهذا ما قاله السيد المسيح: «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم» (مت6: 15)، وكذلك «اغفروا يُغفَر لكم» (لو6: 37).. ولكن لابد من المحبة حتى يمكن المغفرة، لأن المحبة هي دليل الكمال المسيحي الذي يقول عنه القديس مار إسحق "حينما تمتلئ النفس من ثمار الروح تتقوى، فلا تُهزَم أمام حرب العدو، بل ينفتح القلب بالحب لسائر البشر". والسيد المسيح أعطى مثلًا أن عبدًا طلب مسامحة سيده لِما عليه من دين مالي، ولكن سمع هذا السيد أن هذا العبد رفض مسامحة عبدًا آخر مديونًا له بدين مالي أقل كثيرًا فرفض مسامحته.. فطلب السيد أن يوضع ذلك العبد في السجن إلى أن يوفي الفلس الأخير (مت5: 26). ومن هذا المثل يتضح أن المغفرة هي لمن يغفر لغيره، وإلا لن ينال غفرانًا.. لذلك لابد أن نقتنع بضرورة: 1- أن نتنازل عن كرامتنا الشخصية وحقوقنا مهما كانت الإساءة، فنغفر أولًا حتى ننال الغفران من الله. 2- شرط أن يكون الغفران من القلب وليس بطريقة شكلية مظهرية. 3- نلتمس عذرًا لمن أخطأ في حقنا مثل السيد المسيح الذي التمس عذرًا لصالبيه وقال: «اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو23: 34). 4- احرص أن تقف أمام الله بريئًا من الحقد، حتى لا تُحزن الروح القدس. 5- واشعر أنك مديون أكثر من غيرك، مثلما قال الرب يسوع لسمعان الفريسي عن الدائن الذي كان له مديونان، الأول 500 دينار والآخر 50 دينارًا وسامحهما كليهما، ثم تساءل الرب: «تُرى مَنْ أحبه أكثر؟»، وكان يقصد أن يكشف لسمعان الفريسي أنه مديون بخطايا مثل المرأة الخاطئة ولو بقدر أقل، والسيد المسيح سامحهما كليهما، فأحبته المرأة الخاطئة أكثر من سمعان الفريسي لأنه سامحها بالأكثر. لذلك يقول البابا شنوده: "سلف المغفرة لكي تجدها في اليوم الأخير، ولا تكن بارًا في عيني نفسك لئلا تقسو على أخيك ولا تغفر له، لأنك لست محتاجًا للمغفرة لأنك بار". 6- اغفر لأخيك المخطئ إليك لأنه ضحية الشيطان الذي ملأ قلبه بمشاعر سلبية تجاهك. وحين تغفر له تملأ قلبه بالمحبة الغافرة فيتعلم أن يغفر. 7- كما أن غفرانك علامة تواضعك ومحبتك للقريب كنفسك التي تغفر لها كثيرًا. ولكن ما بالك إن كنت أنت المسيء ؟! هنا يطلب الوحي الإلهي أن تذهب وتصطلح مع أخيك وتعتذر له وتُصحّح أخطاءك.. ويُحكى عن القديس موسى الأسود أنه حين سمع أمر مسئول الدير بطرد راهب أخطأ، فقام بحمل قفة مملوءة رملًا ومثقوبة وحملها على كتفه، وذهب للآباء الذين جلسوا يحكمون على المخطئ وقال لهم: "هذه خطاياي تجري وراء ظهري ولا أراها، وجئت لكي أحكم على مخطئ غيري"، وكانت النتيجة أن قام الآباء بنصح المخطئ وأعطوا له فرصة أخرى. والتدريب الرائع الذي يعلمنا أن نغفر بنكران الذات ليظهر مسيحنا القدوس فينا كغافر للجميع ونردد «أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غل2: 20). نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
29 مارس 2020

شرح إنجيل أحد المخلّع (يوحنا ٥:١- ١٥)

يدور موضوع هذا الأحد حول الماء المتحرّك في بركة الضأن ومعجزة شفاء المخلّع لقد صعد يسوع إلى أورشليم، كما ذهب إلى السامرة ليقابل السامريّة لقد صعد إلى أورشليم وفي أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية «بيت حسدا» أي الرحمة الإلهيّة ولها خمسة أروقة. باب الضأن هو باب في سور أورشليم بجانبه الحظيرة التي كانوا يأتون منها بالخراف لتقديمها ذبائح في الهيكل تكفيرًا عن الخطايا وعلى الأرجح أن الكهنة كانوا يغسلون هذه الخراف هناك وحينما بقيت ذبائح الناموس ناقصة في شفائنا أتى الرّب يسوع المسيح ليشفينا أتى ليشفي المريض المقعد، فهو الذي يأخذ المبادرة ليشفي أمراضنا ويلاقينا يقول القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم إنّ النصّ الإنجيليّ هذا تصوير مسبق للمعمودية. وتحريك الماء إشارة إلى ما سيعمله الروح القدس في كلّ من يقبله هنا نرى تدخّلاً سماويًّا عجائبيًّا في العهد القديم لشفاء أمراض ميؤوس من شفائها وفكرة الماء الذي فيه قوّة الشفاء والحياة موجودة في العهد القديم ما هي إلّا استباق لمجيء الطبيب الشافي نفسًا وجسدًا المسيح في العهد الجديد شفى الأعمى بأن صنع له مقلتين من طين ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام إشارة لما يعمله الروح القدس عندما يغتسل الإنسان تائبًا وطالبًا رحمة الله. يقول القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو(+٣٩٧):- كانت للناس علامةٌ، أمّا أنتم فلكم الإيمان عليهم كان ينزل ملاكٌ، وعليكم ينزل الروح القدس لأجلهم كانت الخليقة تتحرّك، ولأجلكم يعمل المسيح نفسه، ربّ الخليقة آنذاك واحدٌ فقط كان ينال الشفاء، والآن يصبح الجميع أصحّاء تلك البركة كانت رمزًا لتؤمنوا بأنّ قوّة الله تنزل على هذا الجرن(جرن المعموديّة) ويرى القدّيس امبروسيوس أيضًا "أنّ نزول الملاك يرمز إلى نزول الروح القدس الذي ينزل في أيّامنا ويقدّس المياه التي تحرّكها صلاة الكاهن في ذلك الوقت كان الملاك خادمًا للروح القدس، والآن نعمة الروح أمست دواءً لأمراض نفوسنا وأذهاننا" نزول الملاك وتحريكه للماء يرمزان إذًا إلى نزول الروح القدس على مياه جرن المعموديّة وتحريك الماء والشفاء كانا تحريكًا لأذهان اليهود ونبوءة لهم أنّ شيئًا ما سيحدث قريبًا كانا إشارة للماء الحيّ الذي يعطيه المسيح كما قال للسامريّة، وللماء الذي يَلِدْ من فوق كما قال لنيقوديموس، وإشارة للروح القدس الذي يرسله المسيح. 1- مياه بركة الضأن مياه بيت حسدا كانت تتحرّك أحيانًا. أمّا مياه المعموديّة فيمكنها أن تتحرّك دومًا. 2- مياه بركة الضأن كانت تلك المياه تتحرّك في مكان واحد فقط. أمّا مياه المعموديّة فتتحرّك في كلّ مكان من العالم. 3- مياه بركة الضأن هناك كان ملاك ينزل. مياه المعموديّة وهنا ينزل الروح القدس. 4- مياه بركة الضأن هناك كانت نعمة الملاك، مياه المعموديّة والآن يتجلّى سرّ الثالوث القدّوس. 5- مياه بركة الضأن تلك المياه كانت تشفي الجسد، مياه المعموديّة فتشفي الجسد والنفس معًا. 6- مياه بركة الضأن تلك المياه كانت تعيد الصحة. مياه المعموديّة فتشفي من الخطيئة. وكما أنّ الماء المتجدّد والمتحرّك هو ماء جارٍ يزيل الأوساخ من مجرى النهر، أمّا الماء الراكد فتتراكم فيه القاذورات، هكذا حين نشير إلى الروح القدس بماء جارٍ متحرّك فهذا لأن عمله إزالة الخطايا من قلوبنا، لذلك نصلّي "روحك القدّوس جدّده في أحشائنا" مع النبيّ داود الذي قال "قلبًا نقيًا أُخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي"ومن له القلب النقي فهو الخليقة الجديدة (٢كو١٧:٥). هكذا إذًا، الماء الحيّ المتحرّك هو إشارة إلى الروح القدس الذي سيحلّ على كنيسة المسيح ليشفي طبيعتنا (واليهود يسمّون الماء المتحرك ماءً حيًّا). بركة بيت حسدا اسم بركة بيت حسدا أي بركة بيت الرحمة يعود للأشفية التي كانت تجري فيها ولطالما هاجم نقّاد الكتاب المقدّس هذا النص إذ لم يستدلوا على بركة بهذا الإسم، إلى أن تم اكتشاف البركة فعلًا ووجدوا لها ٥ أروقة ووجدوا أنّها إنطمست أثناء غزو الرومان والأروقة هي دهاليز مسقوفة تستعمل كأماكن انتظار للمرضى والبركة طولها ١٠٠متر وعرضها يتراوح بين ٥٠ و٧٠مترًا وحولها أعمدة قسمت المساحة لخمس صالات للانتظاروكان اليهود يستخدمون هذه البركة للتطهير الناموسي ويتركون ملابسهم في الأروقة، إلى أن حدثت ظاهرة تحريك الماء فتحوّلت البركة إلى مكان إستشفاء وكان المرضى يضّطجعون في هذه الأروقة وكانت هذه الظاهرة علامة على قرب مجيء المسيح الشافي الذي كان اليهود ينتظرونه. مريض منذ ثمان وثلاثين سنة:- مريض بركة بيت حسدا يشير إلى من ليس له أحد وهو في حالة ضعف. والفترة التي قضاها في المرض هي فترة ثمان وثلاثين سنة، الزمان الذي قضاه بنو إسرائيل في برّيّة سيناء قبل أن يستطيعوا الوصول إلى أرض الميعاد. أي أنّ هذا الإنسان كان يشبه الشعب التائه في البرّيّة قبل أن يدخل إلى أرض الميعاد. وكأنّ الإنجيلي أراد أن يقول لنا بذلك إنّ الرّب يسوع المسيح هو أرض الميعاد، وأنّ الإنسان يتيه ويبقى في الحيرة وفي طلبات كثيرة إلى أن يأتيه السيّد. فالمسيح قد أتى إلى البشر المتروكين التائهين ليشفيهم كما أتى إلى هذا المريض. هذه المعجزة إذًا إشارة إلى أنّ هناك تدخّلاً سماويًّا سيحدث ليشفي أمراض الطبيعة البشريّة. أتريد أن تبرأ؟:- نعم، هناك من لا يريد أن يبرأ، فمرضه صار مصدر رزق يكتسب منه والمسيح يحترم الإرادة الإنسانية، وهو لا يقتحم الإنسان، فنحن مخلوقين على صورته في حريّة الإرادة قال المسيح لليهود "كم مرّة أردت أن أجمع أبناءك... ولم تريدوا" (مت٣٧:٢٣) فالمسيح يريد أن يظهر أن خلاص الإنسان هو بيد الإنسان، والأهمّ هو شفاء الإنسان من الخطيئة ويكون سؤال المسيح معناه هل عندك إرادة أن تترك خطيتك، لذا قال له المسيح لا تعود تخطئ أيضًا(آية ١٤) الخطيئة لها نتائج وخيمة على الإنسان المسيح أتى ليقدّم للمخلّع وللعالم كلّه الشفاء المجّاني، الخليقة كلّها مريضة، فاقدة لبهائها والربّ أتى ليشفيها، ولكن عليها أوّلاً أن تريد أن تشفى. ليس لي إنسان:- المسيح يسأل المخلّع عمّا إذا كان يريد أن يشفى فيجيبه بأن ليس له إنسان هو أسقط الموضوع على الآخرين، كأنّه يقول إنّ المشكلة ليست فيَّ بل في الآخرين الخاطئ دائمًا يبرّر نفسه كم مرة ألقينا همّنا على الناس وفشلنا؟، لكن إذا ألقينا همّنا على الله فلن نفشل (١بط٧:٥). قم احمل سريرك وامش:- هذا حال كلّ من يصدّق المسيح، فكلمة منه تحيّي العاجز وتنتهر الخطيئة فتلاشيها (يو٢٥:٥ ٦٣:٦- ) الله يعطي القوّة والحياة لأن يسوع هو الحياة، وله سلطان عجيب قم/ إحمل/ إمش عجيب أن يقوم المخلّع دون أن يسنده أحد، وبدون علاجٍ طبيعي بعد كلّ هذه المدة من الشلل المسيح أعطاه حياةً جديدة قم من القيامة، واحمل من قوّة الحياة، وامش ترمز إلى السلوك في هذه الحياة الجديدة فسألوه من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامش آه، كم غلظت قلوب الكتبة والفرّيسيين ينظرون ولا يرون، يسمعون ولا يصغون أليست هذه صورة لحالتنا؟ كم من مرّةٍ ومرّة ننال لبركات والعطايا ونتنكّر؟ من هو؟ ويحمل هذا السؤال السخرية؟ فليس أعظم من ناموسنا الحجري الذي نحن خلقناه لنعبد أنفسنا من خلاله!!! لماذا صنع المسيح المعجزة في يوم السبت؟ ليس هذه المعجزة فقط، بل المسيح غالبًا ما كان يشفي يوم السبت والله منع شعبه من العمل يوم السبت حتى يتفرّغوا للعبادة ويذكروا إنتماءهم إليه، فهو نفسه قد ارتاح يوم السبت فما معنى راحة الله؟ وهل الله يتعب؟! الله لا يتعب حتّى يستريح. ولكن راحة الله هي في خلاص الإنسان. فحين يقول إستراح الله في اليوم السابع فهذا معناه أن الله إستراح حينما تمّم خلاص البشر. فراحة الله في كمال عمله، والراحة هي راحة الله في الإنسان، وراحة الإنسان في الله. " الله يستريح في قدّيسيه والقدّيسون يستريحون في الله"، من هنا الإنسان المخلوق على صورة الله أهمّ من حرفيّة السبت وجموده. فكيف إذاً يكون الشفاء في السبت ممنوعًا؟ أليست الشريعة وُضعت من أجل الإنسان؟ فالله في (خر٢٠) نجده يقول إنّه أعطى شعبه الشريعة والسبت ليدل على محبّته له. أعطاهم الشريعة ليحيوا سعداء على الأرض، كما أعطاهم السبت ليذكروا انتمائهم إلى لسماء فيكون لهم نصيب في ملكوت الله. ونصّ وصيّة السبت كان "أذكر يوم السبت لتقدّسه" (خر٨:٢٠) أي لتخصّصه، لتفرزه للرّب، فيكون للصلاة والتسبيح. فهل شفاء مريض وخدمته يتعارضان مع هذا المفهوم؟ اليهود خرجوا عن المعنى الروحي، وفهموا الوصيّة وطبّقوها بمعنى حرفيٍّ فقط، فمنعوا أن يحمل إنسان حتى إبرة خياطة يوم السبت. والمسيح أتى ليصحّح هذه المفاهيم، ليعيد للسبت المعنى الروحيّ الحقيقيّ والخلاصيّ. وهو حينما يشفي إنّما يشفي الإنسان كلّه، روحًا وجسدًا (يو٢٣:٧). وطالما أنّه شفى روحه بأن غفر خطاياه، استراح هذا الإنسان في الله، والله استراح فيه، فتحقّق مفهوم السبت. فالمسيح هو رّب السبت (مر٢٨:٢+ لو٥:٦) وهو جاء ليعطي سبتًا أيّ راحةً من نوع جديد عوض الراحة الجسديّة القديمة (عب١٠:٤). كما وأنّه إذا تصادف، عند اليهود، اليوم الثامن لطفلٍ أن كان يوم سبت، كان يختنون الطفل، إذ الختان في نظرهم عمل مقدّس (يو٢٢:٧-٢٣)، وهذا الختان يجعل الطفل من شعب الله أي ابنًا لله. والختان هو قطع كلّ رباط للشر، ومريض بيت حسدا هذا كان مختونًا ولكنه أخطأ، والمسيح شفاه وغفر خطاياه، فأعاده إلى العهد مع الله، أعاده كابن لله. بهذا يتحقّق فرح الرّب كما أشار إليه أشعياء النبي(١٣:٥٨-١٤): "هو لذّة الرّب". كيف يشفي المسيح موتى الخطيئة؟ الابن له حياة في ذاته، وهو يحيي من يشاء(يو٢١:٥+٢٦)، ومن يسمع له يقوم من موت الخطيئة الآن (آية ٢٥) ويقوم إلى قيامة الحياة في الأبدية (آية ٢٩). المسيح الذي ظهر أمامنا كإنسان له قوّة الحياة، فيه حياة في ذاته وقد تجسّد ليعطيها لكلّ واحدٍ فيحيا. ولكن الذي يحصل على هذه الحياة هو من يسمع للمسيح، ويؤمن به ويعتمد فيتّحد به ويطيع وصاياه ويتناول من جسده ودمه، وإن أخطأ يتوب، فيظل عضوًا حيًا في جسده. وفي مجيئه الثاني المجيد يكون إتّحاده بالمسيح بلا إنفصال فلا خطيئة في السماء. وفي السماء سيكون لنا أجساد ممجّدة. هذا هو الشفاء الكامل والحقيقي. يسوع اعتزل إذ كان في الموضع جمع: الرّب لا يطلب المجد من أحد، ولم يكن من المسيح أن يلفت الأنظار إليه كملوك وعظماء هذه الأرض. نحن اذا أحببناه نبحث عنه. بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل: هل أتى ليشكر الله على هذه العطيّة؟ هلى أتى ليمجّد الخالق على شفائه؟ هل أخبر اليهود أن يسوع شفاه ليبشّر به أم ليرفع المسؤولية عنه؟ لنمجّد الله ونشكره ونعترف به مخلّصًا وشافيًا، له المجد إلى الأبد. آمين.
المزيد
28 مارس 2020

الإنسان يخطئ عفوا أو جهلاً أو ضعفاً

أمّاً عفوا فإن هذا يعني أنه لم يكن منتبهاً ولذلك فقد ينزلق في الكثير من الخطايا، وحالما يسقط ينتبه فيندم ويتأسف في قلبه ويقدم توبة وأما جهلاً فلأنه قد يخطئ دون أن يعرف مسبقاً أنه قادم على خطية، مثل سلوك ما أو كلمة جارحة أو عادة رديئة، وأمّا أن يسقط ضعفاً فيعني أنه كان منتبهاً وواعياً ومدركاً أنه أمام خطية أو مخالفة، وقد حاول ولكنه ضعف فسقط أمّاالأصعب من ذلك فهو أن يسعى الإنسان إلى الخطية ويخطط لها ! ومع ذلك فالمشكلة ليست في السقوط ولكنها في عدم التوبة فإن " الله لن يديننا لأننا أخطأنا ولكنه سيديننا إن لم نتب بعدما أخطأنا" كما قال القديس أنطونيوس، ولندرك جيداً أن الشيطان الذي يسهّل لنا السقوط هو نفسه الذي يحول أن يسقطنا في اليأس عقب السقوط لذلك تسعى للخطية، فإذا واجهتك الخطية فجاهد كي لا تسقط، فإذا سقطت فجاهد ألاّ تيأس بل قم سريعاً وجاهد من جديد. (لا تشمتي ني يا غدوتي إذا سقطت أقوم إذا جلست في الظلمة فالرب نورلي (ميخا 8:7) ويقول الآباء أن ثلاثة تسبق كل خطية (الغفلة والنسيان والشهوة). نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
27 مارس 2020

القُمُّص بِيشُوي بُطْرُس

(من رواد مدارس احد اسكندرية) وُلد ثروت بطرس فى ٦ ديسمبر ۱٩٤۲ بمدينة نقادة محافظة قنا ، من أسرة كهنوتية ؛ فكان جده القمص متياس ، لذلك تربىَ في وسط تقوى أصيل ، جعله يذهب في شبابه ليتتلمذ في خدمة الدياكونية الريفية على يد المتنيح الطيب الذكر أنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة ؛ حيث أخذ يجُوب البلاد والنجوع واعظاً ؛ إلى أن أتى إلى القرى المحيطة بغرب الإسكندرية في طريقها الصحراوى بإرشاد القمص بولس بولس رائد الدياكونية ومدارس الأحد الشهير . أسس الشماس ثروت فروع مدارس الأحد واجتماعات الوعظ للكبار كخادم مكرس في كتيبة الدياكونية الريفية، فبدأ أول خدمة في منطقة الصحراوى (مصر - إسكندرية) على جانبي الطريق لأطراف متباعدة منها (منطقة كينج مريوط -المستعمرة - عبد القادر - العرجى - العامرية - الناصرية - قرى النهضة - العشرة آلاف - النوبارية - بهيج - برج العرب - الغربنيات - الحمام - الضبعة..) حيث كان الأخ ثروت بطرس يجمع الناس في خدمة كرازية بدأها في البيوت والحقول وبذرها من لا شيء؛ بلا إمكانيات ولا زاد ولا زواد ؛ حتى دعته النعمة ليكون كاهناً للمذبح المتنقل في الصحاري والبراري ؛ يفتقد ويزور كل بيت وموضع ؛ بداية من ضواحي الإسكندرية إلى مشارف محافظة مطروح ؛ قبل أن تُبنىَ كنيسة هناك آنذاك ؛ لكنه تشرَّب فكر الإنجيل وكرازة بشارته التي تأسَّست عليها منهجية مدارس الأحد ؛ فأسس الكنيسة كمعنىً وكحياةٍ أولاً؛ حتى أفاض الله عليه بالعطايا عندما بنى الكنيسة كمبنىً ؛ بل وكنائس وقباب ومنارات أعدها العَليُّ لسُكناه ومواضع لرضاه ؛ لأجل استصلاح الصحاري والجُدُوب ؛ لزراعة فلاحة الله ببذار الكلمة .سيم كاهناً في ٤ / ٧ / ١٩٧٥ بيد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ؛ بإسم القس بيشوي ؛ وصار باكورة كهنة المذبح المتنقل في القطر المصري لقطاع الصحراء الغربية ..بداية من بوابات الاسكندرية ومحيطها الصحراوي والساحلي .ليكون المذبح المتنقل والقداسات اليومية زاده الوحيد ، حاملاً الأوانى المقدسة للقرى المجاورة (في شنطته المتهرئة الشهيرة)، رافعاً الصعائد والقرابين ومفسراً لكلمة الحياة ، محباً للتكريس وللصلاة والكتاب المقدس ولخدمة الأطفال والكبار، ولخدمة الفقراء والأعضاء المتألمة، وأيضاً اهتم بأعمال التنمية والترقية الريفية؛ محولاً الطريق الصحراوي إلى طريق عامر بالبيع والكنائس المقدسة ؛ وَفِيًّا للروح والطريقة التي تسلمها من رُوَّاد التربية الكنسية والدياكونية الريفية على يد الخدام الكبار أنبا صموئيل أسقف الخدمات الأول وأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وم. يوحنا الراهب وم. يسي حنا ود. طلعت عبدة حنين وجيل الأولين الذين رفعوا عيونهم إلى السماء؛ وثبتوا أرجلهم على أرض واقع الإنسان المعذب ؛ كي يعبُروا إليه بالمعونة؛ من أجل الخلاص والإشباع والنجاة والحرية التي صنعها ابن الإنسان الكلمة المتجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا... حقيقة صارت مدارس الأحد هي ثمرة الكنيسة ؛ وأيضاً الكنيسة صارت ثمرتها ؛ فهناك كنائس بدأتها مدارس الأحد؛ وكانت المباني الكنسية تالية لها .. وقد لمستُ ذلك في عشرات الفروع التي أنشأها أبونا القمص بيشوي بطرس ؛ عندما كان يبدأ خدمة قرية بإنشاء فرع لمدارس الأحد واجتماعاً للكبار يتحول إلى كنيسة ومذبح وذبيحة وليتورجيا ما بعد الليتورجيا ، في خدمة العطاء والتوزيع التي أجاد فُنُونها؛ وتطوَّر معها كخادم مُبدع في بساطته ؛ غنياً في افتقاره ؛ بناءاً حكيماً في أرض مَذَلَّته .ترقىَّ إلى رتبة القمصية في ۲٨ فبراير ۱٩٩۲ وقد أعطاه الله من فيض نعمته ، فمن كنيسة في كُوخ صغير؛ صارت كنيسة وكاتدرائية ضخمة؛ ومقراً لأسقفية جديدة وحديثة . رُسم لخدمتها عشرات وعشرات من الآباء الكهنة والمكرسين.. هذا وقد بنى مقودا بذراع الله الرفيعة ؛ أكثر من ٢٠ كنيسة لتكون منائر ومذابح لله وخدمات وملاجئ وبيوت لخدمة الحالات الخاصة ومستشفى لعلاج وخدمة الفقراء ؛ وأعمال مجيدة صار فضل القوة فيها لله الذي استخدم هذا الخادم البسيط والنقي ليكون آلة عمله ؛ حتي يتكامل ويزداد العمل بجهاد وأتعاب آباء جُدُد يستكملوا التسليم حسبما تسير كنيستنا على مر الأزمان . إن الخادم الغلبان ثروت بطرس (القمص بيشوي) رمزٌ وعلامة لخدام مدارس الأحد والدياكونية والقرى المجاورة؛ يجُول ويصلي ويبني ويعطي في خدمة نارية ؛ مهموماً بمحيط رعيته نارياً في خدمته ؛ محباً للفقراء وللتعمير ، يجول في الخلاء وقيظ الشمس حتى أخرجه الرب إلى الرَّحْب والسعة . وستبقى الخفيات في أعماله أكثر من المُعلَنَات ، وسيكافئه الرب عنها جميعاً . وعن روحة البسيطة والوثَّابة الطموحة التي استقاها من تلمذته للمتنيح أنبا صموئيل ومن قيادة القمص بولس بولس لخدمته ، ومن إرشادات أبيه الروحي القمص بيشوي كامل ؛ لذلك تمنطق وغسل الأرجل وأكمل الطاعة وصار قربانةً مطحونة وصعيدة مسحوقة مُقدَّمة كصعيدة حُب؛ ناطقة على المذبح وكشمعة أضاءت الأرجاء ، حاملاً على كتفه صليب الأتعاب والمسافات والظروف والصعاب، عندما مات مِيتات كثيرة في بناء وتأسيس النفوس والمباني بمشورات الله .تنيح بسلام فى ٥ مارس ۲٠۱۳ الموافق ٢٦ أمشير ١٧٢٩ وستبقى سيرته مثالاً للوُعاظ المتجولين ولخدام القرى المجاورة والمذبح المتنقل إلى يوم مجيء السيد الرب . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
27 مارس 2020

الصليب... خلاصنا

لقد مات الرب يسوع مصلوبًا، فأصبح الصليب هو أساس خلاصنا، ولم يعد فقط أداة الألم والدم والموت، ولم يعد عارًا، بل صار عنوانًا للمجد وسبيلاً للفداء وافتخارًا لكل إنسان مسيحي. ويقول يوحنا كاسيان: إن في رشم الصليب ملخص لأهم عقائدنا وإيماننا القويم، لأننا بالصليب نعترف: 1- بالثالوث الأقدس. 2- بوحدانية الله. 3- بتجسد المسيح. 4- بفداء المسيح. 5- بخطايانا لأننا كنا أبناء الشمال والظلمة. 6- بخلاصنا لأننا صرنا أبناء اليمين والنور. وبالجملة صار الصليب عنوان مجد للمسيحي حيث يقول القديس يوحنا فم الذهب: "إن إشارة الصليب التي كانت قبلاً فزعًا لكل الناس، الآن يعشقها ويتبارى في اقتنائها كل واحد، حتى صارت في كل مكان بين الحكام والناس، بين الرجال والنساء، المتزوجين والبتوليين. لا يكف الناس عن رسمها ونفشها واستخدامها وقت الطعام، ووقت السفر، في الكنائس، وفي المنازل، في الليل والنهار، في الأفراح وفي الأحزان.. إنها عطية لا يُعبَّر عنها". وإن كنا نرى الصليب في كل الأسفار المقدسة، وفي كتابات الآباء، وفي حياتهم وملابسهم، فإن واحدًا من الأنبياء –هو داود النبي– وقبل المسيح بألف عام، قد سجل مزامير كثيرة عن الصليب والآلام، ولكنه أيضًا رسم مفاعيل الصليب بالكلمات التي كتبها في (المزمور 103: 10-12) حيث قال: (1) لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (ع 10)، وهذه هي فلسفة عمل الصليب وخلاص المسيح لنا. (2) لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه (ع 11)، وهذه هي العارضة الرأسية في الصليب: الرحمة. (3) كبعد المشرق من المغرب، أبعد عنا معاصينا (ع 12)، وهذه هي العارضة الأفقية في الصليب: الغفران. وهذا المزمور -103- يمثل تمجيدًا لعمل الصليب والخلاص في حياة الإنسان ولذلك يبدأ بالشكر والحمد «باركي يا نفسي الرب. وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته: 1- الذي يغفر جميع ذنوبك. 2- الذي يشفي كل أمراضك. 3- الذي يفدي من الحفرة حياتك. 4- الذي يكللك بالرحمة والرأفة. 5- الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك.» ويعبّر عن ذلك القديس غريغوريوس اللاهوتي في ليتورجيا القداس حيث يقول: "المسيح يخلصنا أي يغفر خطايانا، وينقذ حياتنا من الفساد، ويكلِّلنا بالمراحم والرأفات.. فالمسيح هو الذي سعى في طلب الضال، وتعب مع الذي سقط، وكنور حقيقي أشرق للضالين وغير العارفين، ووضع ذاته آخذًا شكل العبد، وبارك طبيعتنا فيه، وأكمل الناموس عنّا، وأزال لعنته، وهو الذي أبطل الخطية بجسده.. وأظهر لنا تدبير تعطفه..." والقديس بولس الرسول الفيلسوف واللاهوتي الأول في فهم المسيحية، بعد أن عاش زمانًا بعيدًا عن المسيح بل ومضطهدًا له، وفي رؤيا طريق دمشق تغير كل شيء فيه، وصار الصليب هو نقطة الانطلاق في فكره اللاهوتي، فيعترف بأن في الصليب الحكمة الحقيقية ولا يريد أن يعرف إلّا يسوع مصلوبًا ويفتخر قائلاً «الذي به قد صُلِب العالم لي وأنا للعالم..» (غلاطية 6: 14)هذا هو الصليب الذي نحتفل به ثلاث مرات سنويًا: في 10 برمهات (19 مارس)، وفي 17 توت (27 سبتمبر)، والمرة الثالثة بينهما يوم الجمعة العظيمة، جمعة الصلبوت، حيث أطول أيام السنة التي نقضيها في الكنيسة في صلوات وألحان وقراءات وميطانيات، متأملين في صليب خلاصنا وقد رُسِم أمام عيوننا يسوع المسيح مصلوبًا بيننا ولأجلنا (غلاطية 3: 1). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
26 مارس 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ أَخْبَار الأَيَّامِ الأَوَّلُ

1- بين اصحاح 3 : 19 وبين عز 3 : 2 و5 : 2 ونح 12 : 1 وحج 1 : 1 ومت 1 : 12 ففى الاول ان زربابل بن فدايا وفى الثانى انه ابن شالتيئيل. فنجيب ان اليهود ينسبون الابن لجده احيانا كما مر بنا فيقولون انه ابنه، فلابان قيل عنه انه ابن ناحور (تك 29 : 5) وهو ابن بتوئيل بن ناحور (تك 24 : 47) راجع (را 4 : 17 واس 2 : 15 و2 اى 22 : 1 و9) بين اصحاح 7 : 6، اصحاح 8 : 1 ففى الاول ان بنى بنيامين 3 والثانى 5- فنجيب : ان الاول اقتصر على الذين تناسلوا وكثرت ذريتهم واشتهروا فى الحروب. 2- 8 : 29 – 38، اصحاح 9 : 35 -44 فبين الاول والثانى اختلاف فى الاسماء. فنجيب : ان من يراجع تلك الاسماء يجد ان الاختلاف لفظى وهو لا يكاد يظهر، فان تاريخ كتحريع، وبنعه كينعا، ويهو عده كيعره. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
25 مارس 2020

فائدة الصوم للجسد

للصوم فوائد عديدة للجسد ، نذكر بعضاً منها فيما يلي :- - الصوم فترة راحة لبعض أجهزة الجسد إنها فترة تستريح فيها كل الأجهزة الخاصة بالهضم و التمثيل ، كالمعدة والأمعاء و الكبد والمرارة ، هذه التي يرهقها الأكل الكثير ، والطعام المعقد في تركيبه و بخاصة الأكل المتواصل أ, الذي في غير مواعيد منتظمة ، كمن يأكل ويشرب بين الوجبات ، في الضيفات وفي تنازل المسليات و الترفيهات وما أشبه فترتبك أجهزته إذ يدخل طعام جديد يحتاج إلي هضم ، علي طعام نصف مهضوم ،علي طعام أوشك أن ينتهي هضمة! أما في الصوم ففي خلال فترة الانقطاع تستريح أجهزة الجسم هذه وفي تناول الطعام تصلها أطعمة خفيفة لا تتعبها وكذلك يريحنا في الصوم تدريب ( عدم الأكل بين الوجبات ) وما أجمل ان يتعود الصائم هذه التدريب ، ويتخذه كمنهج دائم حتى في غير أوقات الصوم ، إلا في الحالات الاستثنائية . من فوائد الصوم أيضا للجسد أن : - الطعام النباتي يريح من مشكلة الكوليسترول ما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها في أزادة نسبة الكوليستيرول في الدم ، وخطر ذلك في تكوين الجلطات ، حتى ان الأطباء يشددون جداً في هذا المر ، ويقدمون النصائح في البعد عن دسم اللحم و البيض والسمن وما إلي ذلك ، حرصاً علي صحة الجسد ، وبخاصة بعد سن معينة وفي حالات خاصة ، وينصحون أيضاً بالطعام النباتي ، ويحاولون علي قدر الطاقة إرجاع الإنسان إلي طبيعته الأولي وإلي طعام جنه عدن ومن فوائد الصوم أيضاً للجسد أنه : - بالصوم يتخلص الصائم من السمنة و البدانه و الترهل هذه البدانه التي يحمل فيها الإنسان كمية من الشحوم و الدهون ، ترهقه وتتعب قلبه الذي يضطر أيضاً أن يوصل الدم إلي كتل من الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله بالإضافة إلي ما تسببه السمنة من أمراض عديدة للجسد ويصر الأطباء من أجل صحة الجسد علي إنقاص وزنه ويضعون له حكماً لابد أن يسير عليه يسمونه الريجيم . Regime ، ويأمرون الإنسان البدين - الذي يعتبرونه مريضاً - بان يضبط نفسه في الأكل ، بعد أن كان يأكل بلا ضابط . - إن الصائم الذي يضبط نفسه ، لا يحتاج إلي ريجيم والصوم كعلاج روحي ، أسمي من العلاج الجسدي ، لنه في نفس الوقت يعالج الروح و الجسد و النفس معاً ليت الإنسان يصوم بهدف روحي ، من اجل محبته لله ، وسنصلح جسده تلقائياً أثناء صومه فهذا افضل من ان يصوم بأمر الطبيب لكي ينقص وزنه حقاً إنها لماساه ، أن الإنسان يقضي جزاءاً كبيراً من عمره ، يربي أنسجة لجسمة ، ويكدس في هذا الجسم دهوناً وشحوماً ثم يقضي جزواءاً آخر من عمره في التخلص من هذه الكتل التي تعب كثيراً في تكوينها واقتنائها ! ولو كان معتدلاً ، ولو عرف من البدء قيمة الصوم و نفعه ، ما أحتاج إلي كل هذا الجهد في البناء و الهدم لعل هذا يذكرني بالتي تظل تأكل إلي أن يفقد جسدها رونقه ثم ينصحها الأطباء ان تصوم وتقلل الكل وتتبع الريجيم وهكذا تقلل الأكل ، ليس من اجل الله ، وإنما من أجل جمال الجسد فهي لا تآكل ، وفي نفس الوقت لا تأخذ بركة الصوم ، لأنها ليست محبة في الله تفعل هذا! أما كان الجدار بكل هؤلاء أن يصوموا ، فتستفيد أجسادهم صحياً ، ولا تفقد رونقها ، وفي نفس الوقت تسمو الروح وتقترب غلي الله صوموا إذن لأجل الله ، قبل أن يرغمكم العالم علي الصوم بدون نفع روحي ولعلمن فوائد الصوم أيضاً ، وبخاصة فترات الانقطاع و الجوع ، أن : - الصوم يساعد علي علاج كثير من الأمراض من أهم الكتب التي قرأتها في هذا المجال ، كتاب ترجم إلي العربية سنة 1930 باسم ( التطبيب بالصوم ) للعالم الروسي ألكسي سوفورين وقد ذكر هذا العالم أن الصوم يساعد علي طرد السموم من الجسم بعمليات الأخراج المختلفة، إلا أن جزءاً قد يتبقي الصوم لطرده ويقول هذا العالم أيضاً إن الجسم في صومه ، إذ لا يجد ما يكفيه من غذاء ، تتحلل بعض أنسجته ، وأولها الدهون و الشحوم والأنسجة المصابة و المتقيحة ، وهكذا يتخلص منها الجسد وقد جاء هذا العالم أن الصوم الإنقطاعي الطويل المدي ، بنظام خاص ، يعالج كثيراً من الأمراض وغني اعرض بحثه للدراسة كرأي لعالم إختبر ما ورد في كتابه هل هناك فوائد أخري يقدمها الصوم للجسد ؟ نعم : - الصوم يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً آباؤنا الذين أتقنوا الصوم ، كانت أجسادهم خفيفة ، وأرواحهم منطلقة . كانت حركاتهم نشطة وقلوبهم قوية ، كانوا يقدرون علي المشي في اليوم عشرات الكيلومترات دون تعب يتحركون في البرية كالأياثل . ولم تثقل أذهانهم بل كانت صافيه جداً وهكذا منحهم الصوم نشاطاً للجسد و للروح وللذهن وقد وجدوا في الصوم راحتهم ، وودجدوا فيه لذتهم ، فصارت حياتهم كلها صوماً لا يقل أحد إذن إن الصوم أو الطعام النباتي يضعف الصحة ، لنه في الواقع يقويها أليس الصوم مجرد علاج للروح ، إنما هو علاج للجسد أيضاً ولم نسمع ابداً ان الطعام النباتي قد أضعف أحدا إن دانيال و الثلاثة فتية لم يأكلوا لحماً من مائدة الملك ، واكتفوا بأكل البقول فصارت صحتهم أفضل من غيرهم ( دا 1: 15) والآباء السواح ، وآباء الرهبنة الكبار ، كانوا متشددين جداً في صومهم ، ولم نسمع أبداً أن الصوم أضعف صحتهم ، بل كانت قوية حتى في سن الشيخوخة وأبونا آدم لم يقل أحد إنه مرض وضعف بسبب الطعام النباتي ، وكذلك أمنا حواء ، وكل الآباء قبل فلك نوح فاطمئنوا إذن علي صحتكم الجسدية - الذي يتعب الجسد ليس هو الصوم ، بل الأكل تتعب الجسد كثرة الأكل ، والتخمة ، وعدم الضوابط في الطعام ، وكثرة الخلاط غير المتجانسة في الطعام ، ودخول أكل جديد علي أكل لم يهضم داخل الجسد كما يتعب الجسد أيضا الطاقات الحرارية الزائدة التي تأتي من أغذية فوق حاجة الإنسان وما اكثر الأمراض التي سببها الأكل لذلك يجب أن تتحرروا من فكرة أن الصوم يتعب الصحة إنها فكرة خاطئة ، ربما نبتت أولاً من حنو الأمهات الزائد علي صحة أبنائهن حينما كانت الأم تفرح إذ تري إبنها سميناً وممتلئ الجسم ، وتظن أن هذه هي الصحة ! بينما قد يكون السمين أضعف صحة من الرفيع حنو الأمهات الخاطئ كان يمنع الأبناء من الصوم ، أو كان يخيفهم من الصوم ونقول إنه حنو خاطئ ، لأنه لا يهتم بروح الإبن كما يهتم بجسده ، كما لو كانت أولئك الأمهات أمهات لأجساد أبنائهن فقط وفي إشفاق الأم علي جسد إبنها كانت تهتم بغذاء هذا الجسد ، دون أن تلتفت إلي غذاء روحه !ومع ذلك سمعنا عن أطفال قديسين كانوا يصومون ولعل من أمثله هؤلاء القديس مرقس المتوحد بجبل أنطونيوس الذي بدأ صومه منذ طفولته المبكرة ، واستمر معه كمنهج حياة . وكذلك القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين الذي كان في طفولته يعطي طعامه للرعاه ويظل منتصباً في الصلاة وهو صائم حتي الغروب وهو بعد التاسعة من عمره كان الصوم للكل كباراً وصغاراً منحهم صحة وقوة وقد خلص أجسادهم من الدهن و الماء الزائدين وهكذا حفظت لنا كثير من اجساد القديسين دون أن تتعفن بسبب البركة التي حفظ بها الرب هذه الأجساد مكافأة علي قداستها ، هذا من جهة ومن جهة أخري لأن الأجساد كانت بعيدة عن أسباب التعفن ، بسبب التعفن قلة ما فيها من رطوبة ومن دهن قد تحفظ اللحوم فترة طويلة بلا تعفن ، إذا شوحوها ( قدوها) أي عرضوها للحرارة التي تطرد ما فيها من ماء وتذيب ما فيها من دهن ، فتصبح في جفاف يساعد علي حفظها إلي حد ما هكذا كانت أجساد القديسين بالصوم ، بلا دهن بلا ماء زائد ، فلم يجد التلف طريقاً إليها ولكن لماذا نركز علي الجسد ؟ هل الصوم فضيلة للجسد فقط ؟ الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد:- الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيداً عن الروح فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق فما هو عمل الجسد في الصوم ؟ وما هو عمل الروح ؟ الصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولاً وعمل الجسد في الصوم ، هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح الروح تسمو فوق مستوي المادة و الطعام ، وفوق مستوي الجسد معها في موكب نصرتها ، وفي رغباتها الروحية ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم إن قصرنا تعريفنا للصوم علي إنه إذلال للجسد بالجوع و الأمتناع عما يشتهي ، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته ، وتركنا عمله الإيجابي الروحي الصوم ليس جوعاً للجسد ، بل هو غذاء للروح ليس الصوم تعذيباً للجسد ، او استشهاداً للجسد ، أو صليباً له ، كما يظن البعض ، إنما الصوم هو تسامي الجسد ليصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح ونحن في الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد ، إنما نقصد ألا نسلك حسبي الجسد ، فيكون الصائم إنساناً روحياً وليس إنساناً جسدانياً الصوم هو روح زاهده ، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع ، بل الجسد الزاهد وليس الصوم هو جوع الجسد ، إنما بالأكثر هو تسامي الجسد وطهارة الجسد ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل ، بل الذي يتخلص من شهوة الكل ويفقد الأكل قيمته في نظره الصوم فترة ترفع فيها الروح ، وتجذب الجسد معها تخلصه من أعماله واثقاله ، وتجذبه معها إلي فوق ، لكي يعمل معها الرب بلا عائق والجسد الروحي يكون سعيداً بهذا الصوم هو فترة روحية ، يقضيها الجسد و الروح معاً في عمل روحي يشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح يشترك معها في الصلاة و التأمل و التسبيح و العشرة الإلهية . نصلي ليس فقط بجسد صائم ، أنما أيضا بنفس صائمة بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات ، وبروح صائمه عن محبة العالم ، فهي ميته عنه ، وكلها حياة مع الله ، تتغذي به وبمحبته الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه ، بقلبه وروحه وفكره وحواسة وعواطفه الصوم هو تعبير الجسد عن زهده في المادة و الماديات ، واشتياقه إلي الحياة مع الله وهذا الزهد دليل علي اشتراك الجسد في عمل الروح ، وفي صفاتها الروحية وبه يصبح الجسد روحياً في منهجه ، وتكون له صورة الروح في الصوم لا يهتم الإنسان بما للجسد به أيضاً في حالته الروحية . لا تهتموا بما للجسد:- في حديث الرب عن الغذاء الروحي ، نسمعه يقول إعملوا لا للطعام البائد ، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية ( يو 6: 27 ) وبعد هذا يحدثهم عن الخبز النازل من السماء ، الخبز الحقيقي ، خبز الله ، خبز الحياة ( يو 6: 32 - 35) إنه هنا يوجه إلي الروح وغذائها ويقود تفكيرنا في اتجاه روحي ، حتي لا ننشغل بالجسد وطعامه وحينما ذكر عبارة " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت 4: 4) إنما أراد بهذا أنه ينبغي للإنسان ألا يحيا جسدانياً يعتمد علي الخبز كطعام له ، ناسياً الروح وطعامها . وعن طعام الروح هذا قال لتلاميذه " لي طعام لآكل لستم تعرفونه " ( يو 4: 32 ) . وهنا يخطر علي فكرنا سؤال هو هل كان المسيح علي الجبل صائماً أو يتغذي والجواب هو كان صائماً من جهة الجسد . وكان يتغذي من جهة الروح كان له طعام آخر لا يعرفه الناس وبهذا الطعام استطاعت الروح أن تحمل الجسد الصائم طوال الأربعين يوماً ، التي لم يهتم فيها الرب بطعام الجسد ، أو ترك الجسد يتغذي بطعام الروح إنه يعطينا درساً أن نهتم بما للروح ، وليس بما للجسد وفي هذا المجال نضع أمامنا كلام الوحي الإلهي علي فم معلمنا القديس بولس الرسول إذ بشرح موضوع الاهتمام بما للجسد وما للروح فيقول " أذن لا شي من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع ، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح " وهذا ما نريد أن نسلك فيه في الصوم وفي كل حياتنا ويتابع الرسول شرحه فيقول ( فإن الذين هم حسب الجسد ، فبما للجسد يهتمون ولكن الذين هم حسب الروح ، فبما للروح يهتمون " ( رو 8: 5 ) . فهل أنت يهتم بما للروح أم بما للجسد ؟ هل يهمك نموك الروحي ، أم رفاهية بصحة الروح ، فسيمنحك الرب صحة الجسد أيضاً في فترة الصوم كما شرحنا قبلاً ولكن الخطورة في الاهتمام بالجسد هي تلك العبارات الصعبة لأن اهتمام الجسد هو موت ، لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله ( رو 8: 6، 7) من يستطيع |أن يحتمل هذا الكلام ، ويظل سالكاً حسب الجسد ؟! هوذا الرسول يقول أيضاً " فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله " ( رو 8: ) " فإذن أيها الأخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد " لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون " " أما إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فسستحيون "( رو 8: 12 ، 13) حسن قول الرسول هذا فنحن في الصوم لا نميت الجسد ، إنما نميت أعمال الجسد ، نميتها بالروح لنحيا نحن لا نعذب الجسد ، أنما لا نسلك حسب الجسدلا نعطي للجسد نعطي للجسد شهوات ورغبات ، إنما نعطيه تسمياً ، وأرتفاعاً عن المادة ، وتسليم ذاته لروح لن الرسول يقول " ولكن إهتماماً الجسد هو حياة وسلام "( رو 8: 6) هذا هو الصوم . لذلك أمام عبارات الرسول نسأل هل أنت في الصوم تهتم بما للروح ؟ هذا ما نود إن نخصص له الفصول المقبلة ، لكي يكون صومنا روحانياً ومقبولاً أمام الله . ولكي لا نركز إهتماماً في الجانب الجسدي من الصوم ، ونغفل العمل الروحي ، ولكي نفهم الصوم بطريقة روحية ، ويكون لنا فيه منهج روحي لنفعنا وإن كان الصوم ليس هو مجرد جوع للجسد ، إنما هو بالأحرى غذاء للروح فلنبحث عن أغذية الروح خما هي ؟ وهل تنالها الصوم أم لا ؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
24 مارس 2020

اليقظة الروحية

ونحن على أبواب الصوم الأربعيني المقدس، تحضرنا كلمات معلمنا بولس الرسول في الأصحاح الثالث عشر من رسالته إلى أهل رومية مخاطبًا أبناءه المؤمنين «إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، لأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا، قد تناهى الليل وتقارب النهار...». ومن كلمات الرسالة نستطيع أن نعلم أن معلمنا بولس كان يكلم أناسًا مؤمنين قد قبلوا الإيمان سابقًا، لأنه يقول: «خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا».. وبهذا نعلم أن الغفلة الروحية أمر قد يصيب الكثير من المؤمنين، وربما الخدام المرتبطين بالكنيسة ارتباطًا دائمًا.. لذلك مع بداية هذا الصوم نحتاج أن نراجع يقظتنا الروحية التي ربما تتراجع، فتفقدنا اهتمامنا بأبديتنا.. وهناك أسباب عدة تجعلنا نفقد يقظتنا الروحية، وهذه بعض منها..1) الانشغال الدائم.. سواء بالعمل، أو متابعة وسائل الإعلام، أو الانشغال بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة الذي قد يصل إلى حد الإدمان!! أو الانشغال الدائم بالاصدقاء، أو حتى الانشغال بعمل الخدمة دون إعطاء فرصة للنفس للهدوء والسكون أمام الله لنعرف أين نحن من الطريق؟ فالوقت الذي نمضيه أمام الرب في سكون ومراجعة للنفس. يساعدنا كثيرا علي اليقظة الروحية. «بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ» (إش30: 15).2) وجود خطايا محبوبة أو شهوات شخصية تجعلنا ننسى الله وننجرف في تيار الخطية، فنفقد يقظتنا الروحية، لذلك فكأولاد لله ينبغي ألا يتسلّط علينا شيء من الخطايا.3) العادات والهوايات: فالبعض ينشغل بمتابعة الكرة أو مشاهدة الدراما.. ورغم أن الهوايات في أحيان كثيرة لا تشكّل خطية في حد ذاتها، إلّا أن كونها بلا حدود ثابتة تجعلنا نفقد الاهتمام بروحياتنا، لذلك حسن أن يهتم الإنسان بهوايات تدفعه في الطريق الروحي كقراءة سير القديسين وسماع قصص جهادهم.4) البيئة المحيطة: فالإنسان الذي يرتبط بأصدقاء غير روحيين تجعل الإنسان يفقد شهوته في الوصول إلى السماء، ومع الوقت يفقد يقظته الروحية.5) عدم الاهتمام بضبط الحواس.. فالحواس هي مداخل الإنسان، والإنسان الذي يهمل السيطرة على حواسه تدخل إليه الخطية ويفقد يقظته الروحية.وكما أن هناك أسبابًا تفقدنا اليقظة، هناك أمور تساعدنا أن نبقى في حالة يقظة مستمرة..أ) التامل في محبة الله.. فالإنسان الذي يعرف كم أحبه الرب يراجع نفسه باستمرار، وهذه المحبة تدفعه أن يبقى يقظًا وحريصًا ألّا يحزن قلب الرب.ب) تذكر ما تصنعه الخطية فينا، فالخطية تغرّبنا عن الآب السماوي، كما فعلت بالابن الضال.جـ) الحزم الروحي يحفظ لنا يقظتنا.. فتأديبات ونظام الكنيسة الروحي يشجع أبناءها على اليقظة الدائمة.. فمثلًا منع الكنيسة الموعوظين من حضور قداس المؤمنين والاشتراك في التناول، كان حافزًا قويًا للموعوظين لكي يتوبوا ويعتمدوا ليشتركوا في مائدة الرب.د) الاستفادة من فترات الضيق.. لاكتشاف النفس، والحرص على النقاوة الروحية، فهزيمة الشعب أمام قرية عاي كانت سببًا في فحص الشعب واكتشاف خطية عخان بن كرمي (يش7).ه) الطاعة للمرشدين الروحيين: وتاريخ الكنيسة مليء بسير قديسين وقديسات تابوا بسبب كلمات الآباء الروحيين المهتمين بخلاصهم كالقديس أغسطينوس.. فالنصيحة الروحية تحفظنا يقظين على الدوام.و) وسائط النعمة تجعلنا دائمًا في حالة يقظة روحية.ز) تذكّر الرحيل ولحظات وداع الأحباء الراحلين تجعلنا نهتم بأبديتنا ونستعد لها.حـ) الحرص من الأخطاء المصيرية.. فهناك خطايا نفقدنا كل المستقبل كخطية حنانيا وسفيرة (أع5: 1-11).ط) زيارات النعمة: تحفظنا في حالة يقظة دائمة، فهكذا كانت توبة أغسطينوس وموسى الأسود، بسبب عمل نعمة الله فيهم.. لذلك لنكن يقظين ونقبل زيارات النعمة لحياتنا لكي نحتفظ بيقظتنا الروحية دائمًا. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل