المقالات

29 أبريل 2020

ضرورة القيامة وإمكانياتها

قيامة الجسد:- و حينما نتحدث عن القيامة ، إنما نقصد قيامة الأجساد من الموت ، لأن الأرواح حية بطبيعتها ، لا يلحقها موت ، و بالتالي ليست في حاجة إلي قيامة . هذه الأجساد التي تعود إلي التراب الذي خلقها الله منه ، ستعود مرة أخري إلي الوجود ، و تحل فيها الأرواح و تتحد بها ، و يقف الجميع أمام الله في يوم القيامة العامة ، يوم البعث ، لكي يقدموا حساباً أمام الله عن كل ما فعلوه في الحياة الدنيا ن إن خيراً و إن شراً . إنه يوم الدينونة الرهيبة ، يتلوه المصير الأبدي لكل البشر ، إما في النعيم أو العذاب ، حسبما يستحق كل إنسان حسب إيمانه و أعماله . القيامة ممكنة:- و إمكانية القيامة تعتمد و لاشك علي قدرة الله غير المحدودة . فكلنا نؤمن أن الله قادر علي كل شئ ، لا حدود لقدرته الإلهية . و مهما كان الأمر يبدو صعباً أمام الملحدين أو غير المؤمنين ، أمام الذين يعتمدون علي الفكر أو العلم وحدهما ، فإن الله قادر علي إقامة الأجساد من الموت بلا شك ... إن عملية قيامة الأجساد ، اسهل بكثير جداً من عملية خلقها من قبل ... الله الذي أعطاها نعمة الوجود ، هو قادر بلا شك علي إعادة وجودها ... هو الذي خلقها من تراب الأرض ، و هو قادر أن تعيدها من تراب الرض مرة أخري ... بل ما هو أعمق من هذا أن الله خلق الكل من العدم . خلق الأرض و ترابها من العدم ، و من تراب الأرض خلق الإنسان . أيهما أصعب إذن : الخلق من عدم ، أم إقامة الجسد من التراب ؟! فالذي يقدر علي العمل الأصعب ، من البديهي أنه يقدر علي العمل الأسهل ... و الذي منح الوجود ، يقدر بالحري أن يحفظ هذا الوجود . نقول هذا ، مهما وضع الملحدون و أنصاف العلماء من عراقيل أمام إمكانية القيامة . و عندما أقول أنصاف العلماء ، إنما ابرئ العلماء الكاملين في معرفتهم . فتصف العالم يعرف صعوبة الأمر من الناحية المادية ، و في نفس الأمر يجهل أو يتجاهل النصف الثاني للحقيقة و هو قدرة الله ... نصف الحقيقة أن الجسد قد يمتص الأرض بعض عناصره ، و يتحلل جزء منه ، و قد يتداخل في أجساد أخري . و النصف الثاني أن المادة لا تفني ، فأينما ذهب الجسد ، فمكوناته موجودة ، و مصيرها إلي الأرض أيضاً ... و الله غير المحدود يعرف تماماً اين توجد عناصر الجسد ، و يقدر علي إعادتها مرة أخري ، بقدرته اللانهايئة ، و بخاصة لأنه يريد هذا ، و لأنه قد وعد به البشرية علي لسان الأنبياء و في كتبه المقدسة . و إذن القيامة في جوهرها تعتمد علي الله تبارك إسمه . تعتمد علي إرادته ، و معرفته و قدرته ... فمن جهة الإرادة ، هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت . و قد وعده بحياة الخلود . و تحدث عن القيامة العامة بصراحة كاملة و بكل وضوح . و مادام الله قد وعد ، إذن لا بد أنه ينفذ ما قد وعد به . و من جهة المعرفة و القدرة . فالله يعرف أين توجد عناصر الأجساد التي تحللت و أين توجد عظامها . و يعرف كيفية إعادة تشكيلها و تركيبها . و هو يقدر علي هذا كله ، جل إسمه العظيم ، و تعالت قدرته الإلهية . و بكل إيمان نصدق هذا . إن الذي ينكر إمكانية القيامة ، هو بالضرورة أيضاً ينكر الخلق من العدم ، و ينكر قدرة الله أو ينكر وجوده . أما المؤمنون ، الذين يؤمنون بالله ن و يؤمنون بالمعجزة ن و يؤمنون بعملية الخلق ، و يؤمنون بالقدرة غير المحدودة للخالق العظيم ، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلي أبعد الحدود . ضرورة القيامة:- و هناك نقطة أساسية في ضرورة القيامة ، و في فهم معني الخلود : إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية و وعده هو للإنسان كله ، و ليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان . فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود و النعيم الأبدي ، إذن لا يمكن أن نقول إن افنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ، و إنما جزء واحد منه فقط ، و هو الروح ، إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت ، و تتحد به الروح ، لتكون إنساناً كاملاً تصير له الحياة الدائمة . و لولا القيامة لكان مصير الجسد البشري كمصير أجساد الحيوانات !! ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشري العاقل الناطق ، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير و الاختراع و القدرة علي أن يصنع مركبات الفضاء التي توصله غلي القمر ، و تدور به حول الأرض ، و ترجعه إليها سالماً ،و قد جمع معلومات عن أكوان أخري ... ! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب ، الذي سلطه الله نواح من الطبيعة ، يؤول جسده إلي مصيره كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام ؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا ... إذن قيامة الجسد تتمشي عقلياً مع كرامة الإنسان . الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات ذوات الأجساد ، و الذي يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً ،و أن يقوم لها بواجب الرعاية و الاهتمام ، إذا أراد . فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لا بد أن تتميز عن مصير باقي أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة . كذلك فإن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله . الإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة ، و بالتالي هو مخلوق مسئول عن أعماله ، وسيقف أمام الله ، لينال ثواباً أو عقاباً عما فعل خلال حياته علي هذه الأرض إن خيراً و إن شراً . و هذا الجزاء عن عمل الإنسان ، هل يعقل أن يقع علي الروح فقط ، أم علي الإنسان كله بروحه و جسده ؟ إن الروح والجسد اللذين اشتركا في العمل معاً ، تقتضي العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معاً أو يتنعما بالمكافأة معاً . الروح والجسد:- إن الجسد هو الجهاز التنفيذي للروح أو للنفس أو للعقل . الروح تميل إلي عمل الخير ، و الجسد هو الذي يقوم بعمل الخير . يجري و يتعب و يشقي و يسهر و يحتمل . أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح ؟! أم تتنعم الروح وحدها ، و كل تعب الجسد يضيع هباء ؟! و هل يتفق هذا مع عدالة الله الكلي العدالة ؟! و لنأخذ الجندي في الميدان مثالاً لنا : الجندي تدفعه روحه إلي أعمال البسالة و البذل و الفداء ، و تشتعل روحه بمحبة وطنه و مواطنيه . و لكن الجسد هو اتلذي يتحمل العبء كله ، و يدفع الثمن كله . الجسد هو الذي يتعب و يسهر و يحارب ، و هو الذي يجرح و يتمزق و تسيل دماؤه . فهل يعد كل هذا تتمتع الروح وحدها ن و الجسد لا يشترك معها في المكافأة ؟! و كأنه لم ينل أرضاً و لا سماء ؟! إن العدل الإلهي لا يوافق إطلاقاً علي هذا . إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت ، ليشترك مع الروح في أفراحها . و نفس الوضع نذكره أيضاً في عمل الشر الذي يشترك فيه الجسد مع الروح ، بل قد يكون نصيب الجسد أوفر ... الجسد هو الذي ينهمك في الملاذ المادية ، من أكل و شرب و سكر و مخدرات و زني و رقص و عبث و مجون ، و يلذذ حواسه باللهو . و هل بعد هذا كله ، تدفع الروح الثمن وحدها في الأبدية ، و لا يلحق بالجسد شئ من العذاب أو من المجازاة ؟! كلا ، فهذا لا يتفق مطلقاً مع العدل الإلهي ، الذي لا بد أن يجازي الإنسان كله روحاً و جسداً . إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت ليشترك في المجازاة . و يكون الحساب لكليهما معاً ، لأنهما اشتركا في العمل معاً ، سواء بدأت الروح ، و أكمل الجسد . أو اشتهي الجسد ، و استسلمت الروح له و اشتركت معه في شهواته ...و لنضرب مثلاً واحداً للشركة بين الروح و الجسد ، و هو العين : الروح تحب أو تشفق ، و يظهر الحب و الاشفاق في نظرة العين . و الروح تغضب أو تميل إلي الانتقام . و تري في العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام . الروح تتجه إلي الله بالصلاة ، و تري في العين نظرة الابتهال ، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح ... و الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة . و الروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية ن يشترك معها الجسد ايضاً بنظرات التكبر و الغطرس و التعالي . و كما تشترك العين ، تشترك ايضاً كل ملامح الوجه ، كما تشترك دقات القلب ، و مراكز المخ ، و أعضاء أخري من الجسد ... هذه أمثلة من الشركة بين الروح و الجسد .و في مجال الجد و الاجتهاد ، نري هذا أيضاً . و يوضح هذا قول الشاعر: و إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد إذن تكون المكافأة في الأبدية للروح الكبيرة التي أرادت الخير و صممت علي عمله ، و أيضاً للجسد الذي حمل عبئ التنفيذ ، و تعب و جاهد و احتمل و صبر ، حتي يحقق للروح رغبتها . و هكذا كما اشترك معها في العمل ، ينبغي ان يقوم ليشترك معها في الجزاء و في حمل المسئولية . فالمجازاة هي للإنسان كله ...و نحن علي الأرض أيضاً نكافئ الجسد ، و نعتبر هذا أيضاً مكافأة للروح في نفس الوقت . ألسنا نمجد أجساد الشهداء و الأبرار ، و نجعل مقابرهم مزاراً ، و نضع عليها الورود ، و نصلي هناك من أجلهم ...؟ و لا نعتبر هذا كله مجرد اكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو التراب ، و إنما للإنسان كله . لأننا فيما نفعل هذا ، إنما نحيي روحه أيضاً . فالإنسان عندنا هو الإنسان كله ، غير متجزئ ... إن كان يستحق الإكرام ، نكرم جسده و نحيي روحه أيضاً . و إن كان لا يستحق ، ينسحب الإهمال علي جسده وروحه معاً . فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن ، تنال أجسادهم جزاءها . وفي نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة . و تتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم .. فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا ، فكم بالحري عدالة الله .. عدالة الله تشمل الإنسان كله ، روحاً و جسداً ، لذلك لا بد أن يقوم الجسد الذي عاش علي الأرض مشتركاً مع الروح في أعمالها . ينفعل بحالة الروح ، بفكرها و مشاعرها و نباتها ن الروح تقدم المهابة أو الخشوع ن فينحني الجسد تلقائياً . الروح تحزن فتبكي العين ن و يظهر الحزن علي ملامح الوجه و في حركات الجسد . الروح تفرح ، فتظهر الابتسامة علي الوجه . الروح تخاف فيرتعش الجسد ، و يظهر الخوف في ملامحه ز الروح تخجل ، فيعرق الإنسان ، أو يبدو الخجل في ملامحه ... إنها شركة في كل شئ ، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده . إنما يتحملها الإثنان معاً ، و هذا يحدث في القيامة . إن بعض الذين ينكرون القيامة ، يبدو في أسلوبهم احتقار الجسد . علي اعتبار أن الجسد هو من المادة ، بينما الروح لها جوهر يسمو بما لا يقاس عن طبيعة الجسد . و لكننا نقول إنه علي الرغم من ا، الإنسان من طبيعتين احدهما روحية و الأخري مادية ، إلا أنهما اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية . و الجسد ليس شراً ، و إلا ما كان قد خلقه الله ... إنما الشر هو أن يخضع الجسد للمادة و ما يتعلق بها من شهوات . و في هذا الخضوع تشترك معه الروح . لا ننسي أن الجسد له فضائله . فهو الذي يسجد في الصلاة و يركع و يرفع يديه و نظره إلي الله . و هو الذي يصوم ، و هو الذي يتعب في عمل الخير ، وهو الذي يبذلذاته من أجل وطنه ، وهو الذي يمد يده ليعطي للفقير و للمسكين . فلماذا ننظر إليه في إقلال لشأنه ؟! أليست اصابع الفنان هي التي تتحرك علي الَة موسيقية ، فتتحرك معها القلوب ، و يمكنها أن تحركها نحو الخير . أليست أصابع الفنان تتحرك بالرسم أو النحت أو التصوير ، فتقدم فناً - إن أرادت - تحرك به القلوب نحو الخير ... الجسد إذن ليس شراً في ذاته ، إنما يمكن أن يعمل في مجالات الخير و الشر ، و الروح كذلك تعمل في كليهما . و يشتركان معه . كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضاً عما ينقصها . فالعميان مثلاً ، و المعوقون ، و اصحاب العاهات ، و المشوهون ، و كل الذين لم تنل أجسادهم حظاً من الجمال أو الصحة أو القوة ، من العدالة أن تقوم أجسادهم في اليوم الآخير ، و تقوم بلا عيب ، حتي يعوضها الله عما قاسته علي الرض من نقص . كذلك الذين عاشوا علي الأرض في فقر و عوز و جوع ومرض ، كان له تأثيره علي أجسادهم ، يحتاجون أن يقوموا بأجساد سليمة تعويضهم عما نالوه علي الأرض ، و يتفق هذا الأمر مع عدالة الله ... إننا نفرح بالقيامة ، و نراها لازمة و ضرورية و ممكنة . و نهنئ الكل بعيد القيامة ، الذي كانت فيه قيامة المسيح باكورة لقيامة البشر جميعاً . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
28 أبريل 2020

الخمسين المقدسة

في احتفالنا بالخمسين المقدسة، وهي تذكار الفترة التي قضاها الرب على الأرض بعد قيامته وقبل صعوده إلى السماء، نرى أن الرب قد سُرَّ أن يقضي فترة بين تلاميذه قبل أن يتركهم صاعدًا إلى السماء، وكان هذا جزءًا من تدبيره للخلاص. لماذا؟ ذلك لأن الرب في هذه الفترة كان يعلن لتلاميذه ولكنيسته من بعدهم حقيقة قيامته، ويوضّح كثيرًا من الحقائق في إيماننا المسيحي.وقد حرص الرب في هذه الفترة أن يظهر لتلاميذه مرات عديدة، يظهر بجسده المُمجَّد الذي قام به من الموت، فهو قد ظهر لتلاميذه إحدى عشرة مرة في مواقف مختلفة... وأخيرًا ظهر لشاول الطرسوسي المعاند لكنيسة الرب ليدعوه دعوة خاصة، ويصيّره بولس رسول الأمم (أع9).وفي ظهورات الرب العديدة لتلاميذه كان له قصد منها، فهو كان يوضّح مفاهيم هامة تخصّ الإيمان، منها حقيقة جسد القيامة ومجد هذا الجسد، فالرب في كل ظهوراته بعد القيامة كان يظهر بجسده المُمجَّد، الجسد الذي سنناله بعد الموت. والجسد المُمجَّد للسيد المسيح يعلن حقيقة قيامته ومجد لاهوته، فبهذا الجسد استطاع الرب أن يخرج من القبر والحجر موضوع ومختوم، واستطاع أن يدخل إلى العلّية والأبواب مُغلَّقة في مساء أحد القيامة. وبهذا الجسد صعد إلى السماء تاركًا الأرض يوم صعوده، فهو جسد ممجد يمكنه أن يبقى في المجد السماوي إلى وقت مجيئة الثاني. في هذا الجسد المُمجَّد احتفظ الرب بآثار آلامه، المسامير والحربة، لكي لا يدع هناك مجالًا للشك في قلب أيٍّ من تلاميذه ولا من المؤمنين فيما بعد. وبهذا الجسد الممجد شارك الرب تلاميذه الطعام بعد قيامته، لكي يؤكد لهم أنه هو هو، الإله المتجسد المصلوب القائم بجسده، ويؤكد لهم عربون القيامة الأخيرة.في قيامته وظهوره قصد الرب أيضًا أن يعلن غلبته على الموت، وبهذا يكون قد أكمل لنا الخلاص وأتمّ لنا الفداء الذي به حوّل لنا العقوبة إلى خلاص، لذلك نحن نسمّيه: "موته المحيي" ، فبقيامة الرب لم يعد للموت سلطان على كل المؤمنين باسمه، بل صارت لهم الحياة الجديدة.وبظهوراته أيضًا أراد الرب أن يمحو من ذاكرة تلاميذه كل الآلام والإحباطات، ويحوّلها إلى مشاعر فرح. وبظهوره كان يضمد جراحات تلاميذه، ويعلن تغاضيه عن كل ضعفاتهم التي أظهروها في فترة آلامه: فقد أعلن قبوله لبطرس الذي أنكره، ومسامحته للتلاميذ الذين هربوا خائفين تاركين الرب وحده. في ظهوره أيضًا كان يقصد أن يسند ويرد كل المتراجعين بضعف في الإيمان، فكان في الطريق مع تلميذي عمواس ليشدّد إيمانهم، وكان على شاطئ بحيرة طبرية ليجدّد دعوته للخدمة لتلاميذه الذين ظنّوا أنهم قد فقدوا دعوتهم الأولى.في ظهوره أيضًا كان الرب يوضح ويؤكد لتلاميذه على موضوع كرازتهم، فهو قد أرسلهم لا ليكرزوا بإله مصلوب من أجل خلاص العالم فقط، بل بإله مصلوب وقائم من بين الأموات، فالقيامة كانت هي موضوع الكرازة الذي نادي به التلاميذ لكل العالم.إنها فترة مجيدة.. أدعوك أن تلازم الكنيسة فيها.. ففيها كل الفرح والإيمان والحياة التي في الرب. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
27 أبريل 2020

حقيقة القيامة

عيد القيامة هو عيد الأعياد، أو غاية وهدف كل المناسبات التي تسبقه. وكل المناسبات التي تلي عيد القيامة نتيجة له. ومع هذه الحقيقة نتكلم عن شواهد ذلك: ولعل الدليل الأول هو مزمور قداس عيد القيامة «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونبتهج فيه. آه يارب خلِّص، آه يارب أنقذ. مبارك الآتي باِسم الرب» (مز118: 24-26). ولكن لماذا ذُكِر يوم القيامة على أنه اليوم الذي صنعه الرب؟! فالله هو صانع كل الأيام، بل كل شيء .. وللإجابة نوضّح الأمور التالية: 1- الله هو مصدر الحياة: لأنه هو مالك الحياة وواهب الحياة، لذلك هو الخالق لكل الكائنات إذ وهب الحياة للجميع، ولكن حين دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس نتيجة دخول الخطية إلى العالم بغواية الشيطان لحواء التي أكلت وأعطت رجلها فأكل، ومن خلال هذه المعصية فقد الإنسان الحياة الأبدية والحياة الروحية والعلاقة مع الله، لذلك طُرد من الفردوس وحضرة الله، وقيل في (تك6: 3) «لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه هو بشر».. لذلك بعد إتمام الفداء على الصليب وموت الفادي وقيامته في اليوم الثالث، أعلن الحياة الأبدية الغالبة للموت، ولم يَعُدْ للموت سلطان على الإنسان وحياته، لذلك صارت الصيحة «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟».. لم يعد للموت سلطان، لذلك نسمّي الموت الآن "انتقال"، وليس نهاية حياة بل استمرار للحياة بصورة مختلفة حتى يوم القيامة حيث تتحد الأرواح بالأجساد، ويقوم الجميع كما ورد في (يو5: 29) «تأتي ساعة يسمع فيها كل مَنْ في القبور صوت ابن الله، والذين يسمعون يُحْيَوْن، فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين صنعوا السيئات إلى قيامة الدينونة». 2- مفهوم الحياة: الحياة المقصود بها الوجود الباعث للحياة، فكل المخلوقات تساهم في الحياة الإنسانية واستمرارها على الأرض، بمعنى أن بعض المخلوقات يستخدمها الإنسان كغذاء كالخضروات والفواكه والخبز والمنتجات البروتينية سواء حيوانية أو نباتية يتغذّى عليها الإنسان لاستمرار الحياة، فوجود هذه المخلوقات يفيد في استمرار حياة الإنسان.. وأيضًا الشمس كطاقة ضوئية وحرارية تفيد في إعطاء حياة للمخلوقات، ويدخل كذلك المعادن بتفاوت أنواعها وقيمتها في اقتصاديات الحياة، إذ تساعد الإنسان كتجارة وصناعة في أن تستمر الحياة بالجسد والروح معًا، مما ينتج عن هذا الاتحاد النفس أي العقل البشري الخلّاق والعاطفة الحاضنة للصغار والضعفاء والحواس التي تتصل بالحياة.. حقًا إنها الحياة عطية الله.. 3- قيامة الجسد: وهذا ما نحتفل به من خلال عيد القيامة المجيد الذي أعطانا القيامة أيضًا، وصار الموت فترة مؤقته لراحة الروح في الفردوس وراحة الجسد في القبر «"طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن". "نعم" يقول الروح: "لكي يستريحوا من إتعابهم، وأعمالهم تتبعهم"» (رؤ14: 13). هذا هو الموقف الآن، لذلك طيلة فترة الخماسين المقدسة تكون التحية "خريستوس آنستي... آليثوس آنستي"، أي "المسيح قام... بالحقيقة قام"، وصارت القيامة في التوبة لأن أجرة الخطية موت ولكن التوبة حياة من موت فتكون قيامة.. هذا نعيشه ليترسّخ في الأذهان لنعرف أن القيامة حقيقة معاشة فلا نخاف الموت... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
26 أبريل 2020

الأحد الأول من الخماسين

تحتفل الكنيسة فى هذا اليوم بأخر عيد من الأعياد السيديـة الصغـرى السبعة، ألا وهو الأحد الجديد أو أحد توما ويسمى الأحد الجديد لأنه أول أحد حفظ لتقديس أيام الأحد بعد إلغاء للنظام القديم ويسمى أحد توما لأن السيد المسيح ظهر فيه للتلاميذ ومعهم تومـا فى اليوم الثامن من قيامته والإحتفال به هو تنفيذ للدسـقولية (قوانيـن الرسـل) التـى ورد فيها “وبعد ثمانية أيام فليكن لكم عيد، لأن فى هذا اليوم الثامن أرضانى الرب، أنا توما، إذ لم اؤمن بقيامته وأرانى أثار المسامير وأثر الحربة فى جنبه ” الإنجيل من معلمنا يوحنا (يو 19:20-31). أولاً: ظهوره للتلاميذ من غير توما:- ”ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبـواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف فى الوسط وقال لهم سلام لكم، ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم، كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا. ولما قـال هذا نفخ فى وجوههم وقال لهم اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له ومن امسكتم خطاياه أمسكت” (يو 19:20-23) فى موضوع السلام الذى أهداه السيد المسـيح إلـى تلاميـذه، عندما قال لهم ” سلام لكم “قال القديس أغسطينوس:السلام هو رزانة العقل، هدوء النفس، بسـاطة القلـب، ربـاط الحب، رفيق المحبة.السلام علامة القداسة.المسيح يترك معنا سلاما، لكى نحب بعضنا البعض.المسيح يترك لنا سلامه ونحن في هذا العالم، وسـيهبنا سلامه الخاص به فى العالم العتيد.السلام يعرف الإنسان كيف يعلو على ذاته ولا ينتفخ.المسيح فيه ومنه ننال السلام.من يعش فى سلام مقدس يحيا دوماً مع الله ويكون شريكا مـع القديسين فى الله.وفى نفس الموضوع قال القديس أغريغوريوس أسقف نزينزا فى أول لقاء للسيد القائم من الأموات بتلاميذه المجتمعين، ممثلـى الكنيسة، قدم لهم سلامه الفائق.. لا كعطية خارجية وإنما هبـة تمـس الأعماق فى الداخل، إذ قال لهم ” سلام لكم “.لقد حقق لهم ما وعدهم به فى ليلة آلامه قـائلا: ” سلاما أترك لكم. سلامى أعطيكم .ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا” (يو 27:14).وقال أيضا: لنكرم عطية السلام التى تركـها لنا المسيح عند رحيله، فالسلام على وجه الخصوص يخص الله الذى يوحد كل الأشياء معا فى واحد.قال القديس يوحنا ذهبى الفم (إنه يقدم ثمار الصليب أولا، وهو السلام) قال القديس أغسطينوس (هذا هوالسلام الحقيقى وتحية الخلاص.. إذ تأخذ التحية إسـمها من الخلاص). وعن موضوع “أراهم يديه ورجليه”: قال القديس أغسطينوس إن السيد المسيح ترك أثار جراحاته بعد القيامة ليشفى بها جراحـات التلاميذ، إذ لم يصدقوا قيامتـه عندمـا أظـهر لـهم ذاتـه و ظنـوه خيالا فأظهر لهم يديـه وجنبه.. كأنه يقول لهم: ( مع إن جراحاته شفيت فإن أثارها قد بقيت!.. إذ حكم هو بأن هذا نافع للتلاميذ، أن يسـتبقى آثار جراحاته لكى يشفى بها جروح أرواحهم .. جراحـات عـدم إيمانهم، فقد ظهر أمام عيونهم وأظهر لهم جسده الحقيقى ومع هـذا ظنوه روحا) وعن هذا الموضوع قال القديس كيرلس الكبير(إن السبب الرئيسى لإبقاء الجراحات هو الشـهادة لتلاميـذه أن الجسد الذى قام هو بعينه الذى تألم) وأما القديس أغريغوريوس الكبير فيقدم أربعـة مـبررات لـهذه الجراحات:- أولا: لكـى يبنى تلاميذه فى الإيمان بقيامته. ثانيا: تبقى هذه الجراحات لتعلن شفاعته الكفارية عنا لدى الآب. ثالثا: لكـى يتذكرالتلاميذ حبه لهم ورحمته تجاههم. رابعا: تبقى لإدانة الأشرار فى يوم الرب العظيم. وقال القديس أمبروسيوس ظن التلاميذ فى اضطرابهم أنهم يروا روحا، لهذا فلكـى يظهر لـهم الرب حقيقة القيامة قال لهم: ” جسونى وانظروا فإن الروح ليس لها لحم وعظام كما ترون لى”.كيف يمكن أن يكون ليس فى الجسد وقد ظـهرت فيـه علامـات الجروح وأثارالطعنة التى اظهرها الرب؟! لقد قبل الرب أن يرتفع إلى السماء بالجراحـات التى تحملها لأجلنـا ولم يشأ أن يمحوها حتى يظهر لله الآب ثمن تحررنا، بهذا يجلس عن يمين الآب وهو حامل لواء خلاصنا.” ولما قال هذا نفخ وقال لهم إقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ” (يو 23،22:20) قال القديس يوحنا ذهبي الفم (كما أن القائد لا يسمح لجنوده أن يواجهوا أعداء كثيرين ما لـم يتسلحوا أولا.. هكذا لم يسمح الرب لتلاميذه أن ينزلوا للخدمة ما لم يحل الروح أولا) عن الروح القدس قال القديس أغسطينوس (الروح القدس هو روح الآب وروح الإبـن، أى مـن عملـه الشركة بين الأقانيم).(الروح القدس ليس روح الآب وحده ولا روح الإبن وحده، بل روح الآب والإبن).(الروح القدس من عمله شركتنا مع الله، إذ به تنسكب محبـة الله فينا).(الروح القدس يسكن فى الأطفال الذين نالوا المعموديـة وإن كانوا لم يعرفوها).(إن التجديف على الروح القدس هو الإصرار على عدم التوبة).(إن مغفرة الخطايا لا تعطى إلا بـالروح القـدس ولا توهـب إلا داخل الكنيسة التى لها الروح القدس).(ليتنا نصنع كل ما فى وسعنا لكى يكون الروح القدس معنـا.. أى نتركه يعمل فينا).وعن الإعتراف بالخطية والغفران قال القديس انبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبنة إن تذكرنا خطايانا يمحوها الله لنا، وإن تناسينـاها يذكرها لنا وعن نفس الموضوع قال العلامه ترتليان(السموات والملائكة الذين فيها يفرحون بتوبة الإنسان.. آه أيـها الخاطئ- كن فى بهجة صالحة.. أنظر كيف يكون فرح فى الرجوع والتوبة).وعن الروح القدس والغفران قال القديس انبا انطونيوس الكبير الروح القدس الذى يعمل فينا للتوبة يفتح قلبنا بالرجاء فـى الله واهب القيامة من الأموات لكن بروح الإتضاع يهبنا أن نعـترف بخطايانا.إذا سلمت النفس ذاتها للرب بكل قوتها يطهر الله الصـالح لـها كل الأوجاع والعيوب واحدة فواحدة لكـى تحيد عنها.وقال القديس كيرلس الكبير(بأية طريقة وبأى معنى وهب للمخلص تلاميذه الكرامة التى تليق فقط بطبيعة الله وحده؟).لقد رأى الرب أنه من الموافق أن الذين وهبوا مرة روحه- وهـو الرب الإله- ينبغى أن يحوزوا قوة مغفرة أو مسك الخطايا، فكيفمـا صنعوا يكون الروح القدس الساكن فيهم هو الـذى يغفـر أو يمسـك هذه الخطايا حسب مشيئته.. علـى أن العمـل الـذى يعمـل يكـون بواسطة الإنسان.وحسب ما أرى يكون الذين نالوا روح الله يغفـرون أو يمسـكون الخطايا على مستويين:- الأول : فهم يدعون إلى المعمودية الذين هم أهل لهذا السر من واقع نقاوة حياتهم وإختبار مدى تمسكـهم بالإيمان، كذلك فإنـهم يؤخـرون ويستثنون الذين لم يبلغوا بعد إلى استحقاق هذه النعمة الإلهية. الثانى : وفى معنى آخر هم يغفرون ويمسكون الخطايا بأن يزجروا ويعزلوا أبناء الكنيسة ( أى المعمودية ) كما يمنحون العفو للذين تـابوا.. تماما كما قطع بولس ذلك للذى إقترف الزنا فـى كورنثـوس ” لهلاك الجسد حتى تخلص النفس ” (1كو 5:5)، ثم عاد وقبله فـى الشـركة ” حتى لا يبتلع من فرط الحزن ” (2 كو 7:2). 4-“أما توما واحد من الإثنى عشر الذى يقال له التوأم فلم يكن معهم حين جـاء يسوع. فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب. فقال لهم أن لم أبصر أثر المسامير وأضع يدى فى جنبه لا أؤمن” (يو24:20، 25).قال القديس اغريغوريوس الناطق بالإلهيات وإن كنت كتوما لم تكن بين التلاميذ حينما ظهر المسيح لهم فتـأكد أن المسيح سيعود ويظهر لك بنوع خاص. هلم المس جراحه ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا. صـدق كل ما كلموك عنه، وإذا لم تصدق فثـق فى الأيدى المثقوبة بالمسامير.. واسجد له.. وأعبده.وقال ايضا عن قصه توما مع المخلص (يا للتعزية العظيمة التى نلناها بسبب شك توما.. لذلك ظهر الـرب للتلاميذ فى اليوم الثامن- أى الأحد التالى لأحد القيامة- ليس فقـط ليؤكد قيامته ويزيل شكوك توما ولكن ليصير لنـا نحـن أيضـاً هذه التعزيات فنضع أصبعنا فى مكان المسامير ويدنا فـى مكـان الحربـة.. لا لكى نؤمن ولكن لكى نحيا بتلك الجراحات. إن أحد توما هو عيد لكـل نفس تتلامس مع جراحات الجسد الممجد الذى غلب المـوت قـاتلا العداوة بالصليب). ثانيا: ظهوره للتلاميذ ومعهم توما:- 1-“وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلا وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف فى الوسط وقال سلام لكم” (يو 20: 26).فى هذا يقول القديس كيرلس الكبيرإذن هو لسبب صالح لنا عادة أن يكون لنا إجتماعات مقدسـة فـى الكنائس فى لليوم الثامن ( الأحد )، ويستحب أن نستعير لغة التشبيه فـى الإنجيل، وكما يستلزمه الحاجة، فنقول: نحن نقفـل الأبـواب ولكـن بالرغم من ذلك يأتى المسيح ويظهر لنا جميعا منظورا وغير منظور فـى آن واحد.. غير منظور بصفته الإلهية، ومنظورا بالجسد ( فى الإفخارستيا )، ويجيز لنا أن نلمس جسده المقدس ويعطيه لنا أيضا.. لأننا بنعمـة الله ونحن نؤهل أن نشترك فى الإفخارستيا المقدسة- نستقبل المسـيح فى أيدينا بغرض أن نؤمن يقينا أنه حقا أقام هيكل جسده. 2-“ثم قال لتوما هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدى وهات يدك وضعها فى جنبى ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً. أجـاب توما وقال له ربى وإلهى. قال له يسوع لأنك رأيتنى يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يو 20: 27-29).أهم نقطة فى هذا الجزء هى موضوع الإيمـان.. لذلـك أحـب أن نعيش معاً فيما قاله القديس أغسطينوس عن الإيمان: الإيمان نعمة من الله تعطى مجانا وليس أجرا على عمل.الإيمان يدرك ما لا يدركه العقل البشرى.الإيمان الذى ينقى القلب هو الذى يعمل فى محبة.الإيمان يفيض صلاة، والصلاة المفاضة تقوى الإيمان.إيمانك هبة من الله وليس حقا لك.إن غاية الإيمان أن تؤمن، وغاية المحبة أن تعمل.إن لم يستقم إيمانك فلست باراً، لأن البار بالإيمان يحيا.إن الأعمال هى ثمر الإيمان وليس الإيمان ثمر الأعمال.بقدر ما يضعف فينا الإيمان تقوى علينا التجربة.ليكن لكم الإيمان مع المحبة لأنه مستحيل أن يكون لكم محبـة بدون إيمان. سوف يأتى زمن أرى فيه ما كنت أؤمن به ولا أراه.سأرى فى الأبدية ما أؤمن به هنا.. وما أرجـوه هنـا سـوف أحصل عليه هناك عظيم هو الإيمان إنما لا فائدة منه إن خلا من المحبة.على الإيمان أن يسبق الإدراك ليكون الإدراك جزءاً من الإيمان.إننا نستطيع أن نلمس ذاك الجـالس فى السماء بإيماننـا وليـس بأيدينا.ويقول القديس كيرلس الأورشليمى فى شرحه لقانون الإيمان من يتعلم أن يؤمن بإله واحد، الله الآب القديـر، يلتزم بالإيمـان بإبنـه الوحيد.. “لأن كل من ينكر الإبن ليس له الآب أيضا” (1يو2 :23).ويقول يسوع: “أنا هو الباب. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى” (يـو 14: 6. 10: 9)، “ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له” (مت11 :27).. فإن انكرت من يعلن لك الآب تبقى فى جـهل.لقد جاء فى الإنجيل العبارة التاليـة: “الذى لا يؤمن بالإبن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله” (يو 3: 36).فالآب يغضب عندما يستهان بالإبن الوحيد، فـإن الملـك يحـزن لمجرد إهانة أحد جنوده.. أما إن احتقر أحد إبنه الوحيد فمن يقـدر أن يطفئ غضب الآب من أجل إبنـه الوحيد؟!فإن رغب أحد فى إظهار ورعه لله فليعبد الإبن، عندئذ يتقبـل الله خدمته. لقد نادى الآب بصوت عال قائلا: ” هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت ” (مت 17:3).. لقد سر الآب به، فإن لم تكن أنـت موضـع سروره فى الإبن لا تكون لك حياة.
المزيد
25 أبريل 2020

التدبير الروحي في الخمسين المقدسة

يشكو الكثيرين أنفسهم في مثل هذه الأيام بأنهم يتراجعون روحياً وتبرد حميتهم الروحية، فالصوم قد توقّف والميطانيات ممنوعة ومسحة النسك التي كانت تغطي السلوك التدبيري قد بهتت ولكن فترة الخمسين المقدسة إن كانت تشير إلى شيء فهي إنما تشير إلى الأبدية، لا خطايا ولا توبة بالتالي، لا دموع و قرع صدر لأنه الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، فالطعام روحي "لان ليس ملكوت الله أكلاً و شربًا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (رومية 17:14) والسجود بفرح، وفي سفر الرؤيا جاء ذكر السجود للجالس على العرش اثنتي عشر مرة " وكانت الحيوانات الاربعة تقول امين والشيوخ الاربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى أبد الآبدين (رؤيا 14:5 ) إذا فالسجود ليس في كل مرة هو سجود التذلل، وانما يمكن أن يتم بمشاعر البهجة الممزوجة بالفرح، مثلما ينحني إنسان أمام أب كاهن أو حتى جده ليقبل يده بودّ وفرح وليس بتذلل. هكذا يوجد السجود في السماء، ويمكن بالأحرى أن يتم على الأرض وفي فترة الخمسين إذا هذه الفترة ليست للتسيب وإلاّ فإن ذلك يعني أننا صمنا على مضض مكرهين ! وما أن انتهى الصوم حتى تنفس البعض الصعداء !. لذلك ربما لاحظت أن البعض يتعجّل نهاية القداس ليلة العيد، ومثله من يتعمّد أن يأكل دسماً بشراهة يومي الأربعاءوالجمعة خلال الخمسين !!.أعرف بعض الآباء في البرية والذين اعتادوا الصوم حتى الثالثة كل يوم، فإذا حلت الخمسين حلوا صومهم صباحاً بكسرة خبزبسيطة على أن تكون الوجبة الأساسية في موعدها عند الثالثة، بل منهم من كان له تدبير - بالاتفاق مع الأب الروحي – على صوم يوم في الاسبوع بمستوى ما خلال هذه الفترة بل وعمل عدد من الميطانيات أيضاً. فإذا لم يحدث شيئا من هذا خلال الخمسين فإننا سنجد صعوبة شديدة في استئناف الجهاد الروحي في صوم الآباء الرسل.إن الإنسان الروحي يتساوى عنده الصوم مع الطعام فيختار الصوم، والمسوح مع الأرجوان، والتنعم مع الزهد، ففرحه داخلي وتعزيته في المسيح وغايته الأبدية، والقانون هو السمو فوق كل القوانين. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
24 أبريل 2020

معجزة صيد 153 سمكة معجزة الصيد العجائبي (يو21: 1-14)

تحليل المعجزة: 1- المكان:بحر الجليل / بحر طبرية / بحيرة جنسيارت (جنة السرور). وقد كانت "طبرية" عاصمة المنطقة وهي مدينة فخمة ولكنها خليعة بناها طيباريوس قيصر تخليدًا لذكراه.ومن المعروف أنه في نفس هذا المكان جرت عدة أحداث أخرى منها:1- عَلّم المسيح مَثل الزارع (مت 13).أشبع المسيح خمسة آلاف على ضفافها (مت 14) سار المسيح على الماء (مت14) أسكت المسيح العاصفة والرياح (مر4) دعا المسيح تلاميذه في بداية خدمته (لو5). 2- الزمان:خلال فترة الأربعين يومًا عقب القيامة المجيدة وقبل الصعود. وقد ظهر المسيح خلال هذه الفترة عشر مرات منها خمسة مرات في يوم القيامة، وخمسة بعدها، لذلك فظهور المسيح في هذه المعجزة هو الظهور السابع في عداد الظهورات العشرة، كما أنه الظهور الثالث (يو21: 14) لمجموعة من التلاميذ. 3- المناسبة:خروج سبعة من التلاميذ بدعوة من بطرس للصيد عقب القيامة. ليس هروبًا، ولكن كسبًا للرزق وكسرًا للملل الذي قد يتسرب إليهم من الانتظار. لقد استعادوا نشاطاتهم العادية والمعتادة.كان هؤلاء السبعة يشكلون فريقًا صغيرًا في مأمورية مخجلة على رأسهم بطرس الناكر، وتوما الشكاك، بالإضافة إلى نثنائيل + ابني زبدي (يعقوب ويوحنا) + اثنين آخرين.لا ننسى أن دعوة التلاميذ الأوائل كانت عند هذه البحيرة ذاتها وقت الصيد أيضًا وأثناء معجزة أخرى (لو5: 1-11).من أقوال القديس غريغوريوس الكبير: "بطرس عاد إلى مهنته للصيد، ولكن متّى لم يعد عشارًا يجبي الضرائب لأنه توجد أعمال لا يمكن مباشرتها بدون الخطية، وهي التي لا نستطيع العودة إليها بعد التجديد".لقد عادوا إلى مهنة الصيد الأولى خلوًا من خدمة أو كرازة صححها لهم المسيح أنه: باتباع الرب يمكن مباشرة العمل كالنموذج الذي أعطاه بولس الرسول بعد ذلك (أع20: 24). 4- الأحداث:أ- قضوا ليلة صيد فاشلة (ع3):ولكن أعقبها صباح ناجح:+ لقد حدث نفس الأمر في نفس البحيرة منذ ثلاث سنوات قبل ذلك (لو5:5).+ هذا رمز إلى ليل المعاناة، ليل الإيمان وظلمة النفس (إش49: 4).+ هنا نرى المسيح يتأنى ليس بمعنى أنه يهمل، بل بمعنى أن عنده توقيتًا مباركًا حكيمًا.ب- لم يعرفوا المسيح عندما جاءهم (ع4):لقد كان المسيح عقب القيامة له جسد المجد (في3: 21) ولذا لم يعرفوه وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ذلك مرتين كما يأتي:1- مريم المجدلية لم تعرفه في فجر يوم القيامة (يو20: 14). ظنته البستاني / ثم المعلم / ثم الرب (يو20: 18). وقد عرفته بعد ذلك من صوته.2- تلميذا عمواس لم يعرفاه في مساء يوم القيامة (لو24: 15، 16) ثم عرفاه عند كسر الخبز.3- كذلك التلاميذ السبعة وقت الصيد في هذه المعجزة. وهو سيعرفونه عند رمي الشبكة ع 12.لاحظ هذا التدرج:1- مريم المجدلية قد عرفته من خلال الصوت (من الكتاب المقدس).2- تلميذي عمواس قد عرفاه من خلال كسر الخبز (من سر التناول).3- التلاميذ السبعة عرفوه من خلال الطاعة عند رمي الشبكة (من مواقف العمل).ج- المسيح يفتح باب الكلام معهم كمحتاج (ع5).+ طلب منهم "إدام" = غموس = ما يؤكل مع الخبز. وهو في الحقيقة لا يطلب لكنه يمهد لما هو عازم أن يصنع تمامًا كما سبق وفعل مع المرأة السامرية. إنه شريك عوزهم.+ إنه يعرف نقطة ضعفنا. يعرف احتياجاتنا. ولذا عندما قالوا "لا" قدَّم لهم المشورة الحسنة والنصيحة القوية لسد هذا الاحتياج.إن يد الرب مازالت ممدودة برحمة غير محدودة: «إلى الآن لم تطلبوا شيئًا بأسمي أطلبوا (بالإيمان) تأخذوا (بالصبر) ليكون فرحكم كاملًا» (يو16: 24).د- على كلمته ألقوا الشبكة (ع6):+ دون جدال أو إعلان مهارتهم بالصيد وفنونه وهم أصحابه... أطاعوا رغم أنهم كانوا في وقت الصباح الباكر (الفجر)... وألقوا الشبكة فاصطادوا سمكًا وفيرًا. ربما كانت نفوسهم تردد المزمور: «في العشاء يحل البكاء وفي الصباح السرور» (مز30: 5).هـ- صادوا 153 سمكنة (ع11):أما عن دلالة هذا العدد فهناك عدة تفسيرات:+ يقول القديس جيروم: "إن هذا العدد يمثل كل أنواع السمك التي كانت معروفة آنذاك" وهذا يعني أن الشبكة الروحية لصيادي الناس (أي الرسل وخلفائهم) سوف تصطاد جميع أنواع الناس (مت28: 19).+ يرى القديس أغسطينوس: أن الأرقام 1+2+3+4+..........+17=153، وكأن هذا العدد هو 10+7: 10 تُمثل الوصايا: أي مختاري العهد القديم. 7 تُمثل النعمة: أي مختاري العهد الجديد. بمعنى أنه عدد رمزي إلى كل مختاري العهدين.+ يقول القديس كيرلس عمود الدين في تأملاته عن العدد: 100 رمز الأمم (مائة خروف، والثمار 30، 60، 100). 50 رمز لليهود (الذين انفتح أمامهم باب الإيمان يوم الخمسين). 3 رمز الثالوث الأقدس محور إيماننا وعقيدتنا.نلاحظ: أن الشبكة لم تتخرّق أو تتمزّق رغم وفرة السمك، فالشبكة تمثل الكنيسة الي ستبقى واحدة مهما كثر فيها المؤمنون، إنها تتسع لكل الأمم والشعوب والممالك.و- الآن... عرفوه!! (ع7).الآن تعرّف عليه كل من يوحنا وبطرس وكان لكل منهم رد فعل مختلف:يوحنا: أول من عرفه – أنه صاحب رؤية إيمانية – كان أسرع في الإدراك. وهذا نسميه = موهبة التعرف القلبي. وهذا يرمز = إلى حياة التأمل الرهباني. تمامًا كما حدث أمام القبر الفارغ (يو20: 8). فالمحبة هي طريقتنا لنعرف المسيح.بطرس: أول من ألقى بنفسه – إنه صاحب حركة وسرعة – كان أسرع في العمل. وهذا نسميه = موهبة السرعة في العمل. وهذا يرمز = إلى حياة الخدمة العاملة. وهذه هي عفوية الحب للمعلم. إذ كان عريانًا فألقى بنفسه سابحًا نحو المسيح.الخمسة الباقون: التزموا السفينة وقاموا بجر الشبكة والسفينة نحو الشاطئ وكان على بعد 200 ذراع = 100 ياردة = 96 متر تقريبًا. = إن الرب يعطي مواهب لكل واحد كما يشاء" (1كو12: 4).+ في جر الشبكة إلى الشاطئ رمز إلى السيد المسيح الذي يجذب النفوس من مياه الضياع إلى شاطئ الأمان في الحياة الجديدة معه (مثلما حدث يوم الخمسين). كما إن جر الشبكة يشبه اليوم الأخير عندما يجمعون السمك الجيد إلى أوعية، أما الأردياء فيطرحونها خارجًا (مت13: 47-50). فعلى شاطىء الأبدية كل واحد منا يعطي حسابًا عن نفسه. ز- لمسات الحب من المسيح الحنّان (ع9، 10). + كان التلاميذ متعبين طوال الليل، جائعين في الصباح، فارغين ويائسين فهم لم يصطاوا شيئًا في هذه الليلة، قابلهم المسيح وأعطاهم الصيد الوفير... ولكن عندما خرجوا إلى الشاطئ بعد المعجزة وجدوا لمسات الحب من المسيح الحنّان متمثلة في: جمرًا + سمكًا (مشويًا) + خبزًا. المسيح هنا نراه وقد دبر كل شيء بأفضل طريقة وأحسن مما كنا نطلب أو نتصور. لقد دبر الاحتياج العاجل (السمك المشوي والخبز)، والاحتياج على المدى البعيد (الرزق من وراء السمك الوفير) و(الفاعل مستحق أجرته) و(الله لا يفرض نفسه على أحد). + ولكن المسيح – له المجد – فوق كل ذلك احترم مقدرتهم فأشعرهم بالإنجاز إذ طلب منهم أن يُقدّموا من السمك الذي أمسكوه "هم" الآن (ع10). حقًا الله يعمل ونحن نعرق راجع (1أخ29: 14). المسيح: من خلال عمل السيد المسيح في هذه المعجزة نستطيع أن نرى بعض المبادئ الروحية الهامة: 1- المسيح يقترب إلينا في صمت (كما في حادثة تلميذي عمواس). وأثناء حياتنا اليومية... ويدخل في حياتنا كمحتاج ويتعامل معنا في لباقة. في البداية لم يعرفه التلاميذ ثم فجأة يكتشفونه فيفرحون بوجوده. إن قلوبنا تلتهب حُبًّا له كلما أدركنا محبته وعظمته. 2- بدون المسيح لا يمكن أن نجد شيئًا. بدونه يستحيل أن نصيد صيدًا أو نفوسًا (يو15: 5 + في 4: 13). فنجاح رسالتنا يتوقف على حضور الرب القائم من بين الأموات وعلى كلمته لنا وهذا هو القداس الإلهي (الافخارستيا). كلمة مسموعة ومقروءة (على المنجلية) + كلمة مأكولة (على المذبح)، وجدت كلامك (على المنجلية) فأكلته (على المذبح). فغياب المسيح (السمكة = إخثوس) هو غياب السمك جملة وفرادى. 3- المسيح في هذا الاصحاح يجري معجزة مع التلاميذ ثم حوارًا مع بطرس. ولذا نعتبر الأصحاح (21) خاتمة كنسية للإنجيل. إذ في المعجزة يتحدث عن عمل الكرازة وصيد بالنفوس. وفي الحوار يتحدث عن عمل الراعي ومحبة الله. معنى ذلك أننا كنا في اصحاح (20) نشهد للمسيح القائم من بين الأموات، فإننا في اصحاح (21) نرى مستقبل الكنيسة من خلال عمل التلاميذ. المعنى الرمزي: ها نحن نرى: الكنيسة المرسلة إلى العمق لتلقي الشبكة. وهي في ذات الوقت مجتمعة حول ربها يغذيها بيديه. إنها حاضرة في العالم، ولكنها سر علوي. هي كارزة وراعية في وسط العالم، وفي ذات الوقت مصلية ومتناولة بيد فاديها. وهذه هي حركتها المزدوجة من المسيح إلى العالم (بالخدمة والكرازة). ثم من العالم إلى المسيح (بالصلاة والافخارستيا) هذه الحركة المزدوجة تشبه حركة التنفس الضرورية لحياتها أو حركة بندول الساعة التي بلا توقف. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
23 أبريل 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ

1- بين مز 19 : 7 وبين غلاطيه 2 و3 وبين روميه 5 ففى الاول ان الشريعه الموسويه بلا عيب وفى الثانى والثالث ان العهد الاول ضعيف معيب غير نافع فنجيب ان الرسول يقصد بكلامه الاشياء التى كانت رمزا للمسيح لا شريعه الله الكامله. وغرضه ان يقنع المؤمنين من اليهود ان المرموز اليه متى جاء يبطل الرمز. وان الرمز ليست له قوه المرموز اليه بل هو ظل وبالتالى لا تبقى له فائده متى جاء من رمز اليه به. 2- وبين مز 51 : 11، يو 7 : 39 ففى الاول يقول (روحك القدوس لا تنزعه منى) وفى الثانى يقول (ان الروح القدس لم يكن قد اعطى بعد لان يسوع لم يكن قد مجد بعد) فكان الروح القدس لم يعط لاحد الا بعد يوم الخمسين فكيف يتكلم داود الروح القدس فيه فنجيب لا شك ان الروح القدس كان حاضرا على الدوام فى ازمنه العهد القديم فى الكنيسه الاسرائيليه وكان الاباء الاتقياء وغيرهم من الصالحين والانبياء يعلمهم الروح القدس ان يؤمنوا بالمسيح الاتى (1 اش 63 : 10 و2 بط 1 : 21) ولكن من يطالع الاصحاحات الاول ى من سفر الاعمال يفهم معنى القول فى انجيل يوحنا (لان الروح القدس لم يكن قد اعطى بعد) فهو يشير الى حلول الروح القدس بذلك المعنى الخصوصى. لان رجال العهد العهد القديم لم يشعروا بحضور الروح القدس بينهم وتاثيره كما يشعر الرسل والكنيسه التى اسسوها (1 ع 2 و10 : 44 و45) والفرق بين الكنيسه الموسويه والكنيسه المسيحيه فى ذلك ان الاول ى كانت كبئر مختوم مقصور نفع مائه عليه، وان الثانيه كانت جاريه لنفع العالم باسره. ثم فرق آخر هو ان الروح القدس كان لا يعطى فى العهد القديم الا لفئه خاصه كالانبياء وخدام الله، اما فى العهد الجديد فانه يعطى للجميع على السواء. للعبيد والاماء، للرجال والنساء (وكل بشر) وفقا لما تنبا به يوئيل النبى (1 ع 2 : 17 و18). 3- بيم مز 76 : 10، يع 1 : 20 ففى الاول يقول (لان غضب الانسان يحمد) وفى الثانى يقول (لان غضب الانسان لا يصنع بر الله) فنجيب ان الغضب فى الاول بمعنى يختلف عن معناه فى الثانى ف الاول يذكر نتيجه غضب الانسان من جهه الله والثانى يذكر نتيجته على الانسان الغضوب نفسه. و الاول قيل بمناسبه تعزيه الله لشعبه فطلب منهم ان لا يخافوا اذا غضب عليهم اعدائهم لان الله يستطيع ان يحول غضب اعدائهم لمجده. مثال ذلك لما غضب فرعون على اسرايل وهامان على مردخاى، وسنحاريب على اسرائيل فقد تمجد الرب بايقاف غضبهم عند حده بالانتقام منهم (خر 9 : 16 و17، رو 9 : 17).فهنا بحسب المعنى فى الاول تمجد الله بغضب الانسان لان الله يستطيع ان يحول كل شىء لمجده، وبحسب المعنى فى الثانى ان الانسان لم يصنع بر الله بغضبه لمخالفته اوامره الناهيه عن الغضب. 4- وبيم مز 78 : 65 و66، مز 121 : 3 ففى الاول قيل (فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر) وفى الثانى (لا ينعس حافظك). فنجيب قال صاحب كتاب الهدايه (ان كل صفه تستحيل حقيقتها على الله تفسر بلازمها فان جميع الاعراض النفسانيه اعنى الرحمه والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهواء لها اوائل ولها غايات. مثاله الغضب فان اوله غليان دم القلب وغايته اراده ايصال الضرر الى المغضوب عليه فلفظ الغضب فى حق الله لا يحمل على اوله الذى هو غليان دم القلب بل على غرضه الذى هو اراده الاضرار. وكذلك الحياء له اول وهو انكسار يحصل فى النفس وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء فى حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس. كذلك اسناد اليقظه الى الله فان اليقظه لها اول ولها آخر فاولها ابعاد الغشيه الثقيله التى تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفه بالاشياء وغايتها اجراء المقاصد والاعمال والنظر فى الامور ومعرفتها الى غير ذلك ولا تحمل اليقظه فى حق الله على اولها بلى على غرضها وغايتها وشبه ايضا امهال الله ولطفه للطاغين والمقاومين له وعدم ايصال الضرر اليهم بنائم فان النائم لا يضر ولا يغضب). 5- وبين مز 82 : 6، اش 45 : 5 و6 ففى الاول يقول مخاطبا بعض الناس ((انا قلت لكم انكم آلهه وبنو العلى كلكم)) وفى الثانى يقول (لا اله سواى) فنجيب ان المتكلم فى الآيه الاول ى هو الله قاضى القضاه. والمخاطبين هم القضاه، ودعاهم الله آلهه لانهم رؤساء الشعب، ومنزلتهم ارفع من منزله غيرهم من الناس وعليهم مسؤليه عظيمه فى سياسه الشعب والله نفسه عينهم لوظيفتهم وهم اخذوا سلطانهم منه وقضوا بالنيابه عنه بدليل قول يهوشافاط (وقال للقضاه انظروا ما انتم فاعلون لانكم لا تقضون للانسان بل للرب وهو معكم فى امر القضاه) (2 اى 19 : 6) وقول موسى (لا تنظروا الى الوجوه فى القضاه..لا تهابوا وجه انسان لان القضاء لله) (تث 1 : 17) وسمى الرئيس النائب عن الله الها فى خر 4 : 16 و7 : 1 وكان كل الذين سموا آلهه رموزا الى يسوع المسيح الاله المتانس (يو 10 : 33- 36) وفى سفر الخروج اصحاح 21 : 6 يفهم ان الالهه لفظه اصطلاحيه عند العبرانيين يراد بها القضاه والحكام الذين يحكمون عن الله باسمه. 6- بين مز 89 : 34، عد 39 ففى الاول قيل (لا انقض عهدى) وفى الثانى (نقضت عهد عبدك) فنجيب : ان منطوق الآيه الاول ى ان الله لا ينقض عهده مع الذين يطيعونه وانما ينقضه اذا عصى عليه الانسان. فالتغيير ليس من الله بل منا نحن اصحاب العواطف المتقلبه غير الثابته. 7- بين مز 102 : 24، اف 6: 1-3 ففى الاول ان العمر محدود لان المرتل يقول (يا الهى لا تقبضنى فى نصف ايامى وفى الثانى انه غير محدود لانه يعد من يكرمون الاباء والامهات بان يكونوا طوال الاعمار على الارض. فنجيب : ان الصواب بحسب تعاليم الكتاب المقدس ان العمر غير محدود وفى ذلك قال الشيخ التقى جرجس بن العميد : (ان النبى الذى نطق بالمزمور 102 بالروح القدس جعله مبنيا على قول موسى (مز 90 : 10) (ايام سنينا هى سبعون سنه. وان كانت مع القوه فثمانون سنه وافخرها تعب وبليه) فلما علم الناطق بالمزمور 120 ان اكبرالبشر لا يعمرون اكثر من هذا السن، وان السن الوسطى من هذه السنين انما هو الاربعون او الخمسه والثلاثون وهو النصف الذى تظهر فيه غلبه الشبق والجهل والتهور على الانسان لغلبه الماده الصفراء على مزاجه تقدم الناطق بهذا المزمور قبل بلوغه هذا السن او فى وقت حصوله فيه. فسال الله المهله عليه واللطف والرفق لبشريته الى حيث ينجو من وقت التطور والطيش اللازم لطبيعه هذا السن. ثم ان الناطق بهذا المزمور علم الاتين بعد التيقظ فى هذا السن والحذر من الغفله فيه وما يجب على المعلمين ترتيب المتعلمين فيه.وقد ظهر بهذا البرهان الواضح ان الناطق بهذا المزمور من قبل الروح القدس لم يرد بقوله ان للانسان عمرا مقدرا محتوما. ثم نقول فى قول موسى النبى (ايام سنينا هى سبعون سنه وان كانت مع القوه فثمانون سنه) ففى الكفايه فى اثبات القول بان الاعمار غير مقدره ولا محتومه. وهذا بعينه الذى اقتضى ارسال الله اشعياء النبى لحزقيال الملك لما زاد فى ايامه خمسه عسر سنه لانه تعالى فاعل بالاراده والمشيئه (2 مل 20 : 1 – 15).(... ولو كان النبى فى المزمور102 يرى العمر محدودا مقدرا لا يمكن الزياده فيه ولا النقص منه كان سؤاله هذا السؤال لا فائده فيه وكان نوعا من الهذر لان الذى قدره الله وقد امضاه، فلو سال السمائيون والارضيون فيه فلا سبيل الى تغييره ونقضه. وانما لما علم النبى بروح النبوه ان القول بالقضاء والقدر فى هذه القضيه محال سال الله المهلك عليه والرفق به وعلمنا حسن. واجب الاعتقاد فى هذه القضيه وان نسال الله اللطف بضعفنا واعانتنا على الاسباب الموصله الى سلوك اوامره الصالحه والذى شهد به اشعياء النبى (38 : 1 – 8) فى خبره مع حزقيا النبى وقول سليمان بن داود فيه الدلاله الواضحه على ذلك (يا ابنى لا تنس شريعتى بل ليحفظ قلبك وصاياى. فانها تزيدك طول ايام وسنى حيوه وسلامه) (ام 3 : 1 و2، 10 : 27). 8- بين مز 145 : 13، 1 كو 15 : 24 و28 ففى الاول فى شان ملكوت المسيح (ملكك ملك كل الدهور وسلطانك فى كل دور فدور) راجع ايضا (عب 1 : 8، 2 بط 1 : 11) وفى الثانى (متى سلم (المسيح) الملك لله الآب) وقيل (فحينئذ الابن نفسه ايضا سيخضع للذى اخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل). فنجيب : ان كلام الله يذكر ملك المسيح بثلاثه معان: الاول: ما يخصه طبعا بكونه الها. فهذا ملك عام على كل المخلوقات وهو باق له ابدا فلا يسلمه. الثانى: ما له باعتبار كونه ابن الله المتجسد راس شعبه المفتدى وربه. وهذا ايضا باق الى الابد كما جاء فى (و} 7 : 17 و 22 : 3). الثالث: الملك الذى اخذه بعد قيامته جزاء على اتضاعه الاختيارى وتوسلا الى الاتيان بعمل الفداء الى نهايته المجيد.وذكر فى (مت 28 : 18، اف 1،: 20- 23، فى 2 : 9 و10، كو 1 : 10 و15) وهذا هو الذى يسلمه لان عمل الفداء اقتضى ان يسلم المسيح باعتباره كونه وسيطا قوه كافيه على اجرائه فمتى كمل ذلك العمل لا يبقى من حاجه الى ان يكون له سلطان خاص فيليق حينئذ ان يسلمه.اما قوله (فحينئذ الابن نفسه ايضا سيخضع للذى اخضع له الكل) فمعناه كما نقدم تسليم الابن السلطان الذى وكل اليه وقتيا. وقوله (كى يكون الله الكل فى الكل) اى ان الواحد الاحد الازلى الابدى المثلث الاقانيم سيملك على الكل خلاقا لما كان منذ قيامه المسيح الى الآن وما سيكون الى يوم الدين لان الله فى تلك المده يسوس العالمين بواسطه المسيح كما سلف. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
22 أبريل 2020

القيامة وأعماقها الروحية

القيامة لقاء عجيب:- إنها أولاً لقاء صديقين متحدين هذان الصديقان عاشا معاً العمر كله ، منذ الولادة ، بل و قبلها أيضاً ، أثناء الحمل في بطن الأم ، لم يفترقا لحظة واحدة ، و أعني بهما الجسد و الروح كل منهما طبيعة متميزة تماماً الجسد طبيعة مادية ، و الروح طبيعة روحية ، اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية ، لا تستطيع أن تفصل بينهما فتقول هنا الجسد و هنا الروح ، عاشا بهذه الوحدة العجيبة ، التي يعبر فيها الجسد عن كل مشاعر الروح إن فرحت الروح ، يبتسم الجسد و يتهلل و إن حزنت الروح ، يظهر حزنها في عينيه و بعد عمر وحياة ، انفصل الاثنان بالموت و أخيراً يلتقيان في القيامة بعد غربة طويلة ، و يتحدان مرة أخري ! تري ما هي مشاعر الروح و هي تلقي بجسدها ، شريك العمر ، ربما بعد اَلاف أو مئات السنين ، مثلما تلتقي أرواح اَدم و نوح و ابراهيم بأجسادها!!تلتقي الروح بجسدها ، بعد أن رأته يتحول إلي حفنة تراب ، ثم يعود ، و في صورة أبهي من الأول ، بلا أي عيب ، و لا نقص ، حتي العيوب التي كانت فيه اثناء ذلك الزمان السحيق نعم ، يقوم بلا عيب ، لأن العيوب لا تتفق مع النعيم الأبدي و أيضاً يعود و هو أكثر صداقة ، فلا يختلف إطلاقاً في الحياة الأخري مع الروح ، إذ يقوم جسداً روحانياً . اللقاء العجيب الثاني في القيامة ، هو لقاء شعوب و أجناس التاريخ إنها قيامة عامة منذ اَدم ، تجتمع فيها كل الشعوب و الأجناس ، التي عاشت خلال أجيال و قرون ، بكل ملامحها و لغاتها ، بكل أبطالها و قادتها ألعلها تتعارف و تتفاهم ؟! نعم ، بلا شك لأنه ستكون للكل لغة واحدة هي لغة الروح ، أو لغة الملائكة حقاً ما أعجب هذا اللقاء ! إنه قصة القصص ، و حكاية دهور طويلة و أجمل ما فيه موكب المنتصرين ، الذين جاهدوا خلال حياتهم في العالم و غلبوا انتصروا للحق و القيم . يلقتون و وراء كل منهم رواية روتها الأجيال و يعود العالم شعباً واحداً كما كان ، قبل أن يفترق و يتشتت تري كيف سيكون لقاء الشعوب التي كانت متصارعة من قبل ؟ أتري تبدو أمامهم تافهة " جداً " ، تلك الأسباب التي دعتهم من قبل إلي الصراع ؟! اللقاء الثالث العجيب ، هو لقاء البشر و الملائكة و هم طبيعة أخري أسمي من طبيعتنا ، و لكن اللقاء بهم هو إحدي متع الأبدية و أسمي من هذا كله بما لا يقاس : لقاؤنا مع الله التقاؤنا به تبارك اسمه - هو النعيم الأبدي ، و لا نعيم بدون الله هنا و يقف قلمي في صمت خاشع ، لأني أمام أمر لا تستطيع الألفاظ أن تعبر عنه لأنه فوق مستوي اللغة في التعبير ، و فوق مستوي العقل في التفكير القيامة إذن هي لقاء عجيب و ماذا أيضاً ؟ القيامة هى انتقال عجيب:- هي انتقال من المحدود إلي اللا محدود انتقال من هذا العمر المحدود بأيام و سنين ، إلي حياة غير محدود ، بل إلي مجال هو فوق الزمن أتري هل توجد هناك أرض تدور حول نفسها و حول شمس ، و تترجم دوراتها إلي أيام و سنين ؟! أم أننا سنرتفع فوق الزمن بدخولنا في عالم اَخر جديد ! مقاييس الزمن ستنتهي لحظة واحدة في الأبدية ، هي أطول و أعمق من حياة الأرض كلها القيامة أيضاً هي انتقال من المرئيات إلي ما لا يري هي دخول فيما قال عنه الكتاب " ما لم تره عين ، و لم تسمع به أذن ، و لم يخطر علي قلب بشر ، ما أعده الله لمحبي إسمه القدوس " ( 1 كو 2 : 9 ) إنه دخول في عالم الأرواح ، و التقاء مع الملائكة ، و هم أرواح ، تري مع أفراح لم تعرف من قبل في هذا العالم المادي المرئي و هنا تكون القيامة سمواً فوق مرتبة ما تدركه الحواس ، بارتفاع إلي ما لا تدكه سوي الروح . هي إذن انتقال من ععالم الحواس إلي عالم الروح أو هي اقتناء حواس روحية غير الحواس المادية الحالية ، حواس تري الروح و الروحيات ، و تبهر بها و هنا أصمت مرة أخري هنا نوع من التجلي للطبيعة البشرية تدرك فيه ما لم تكن من قبل ، و تكتسب خواصاً روحية لم تكن تمارسها قبلاً ، و تصبح في القيامة في وضع تستطيع به أن تري ما لا يري ، أو بعضاً منه ، أو تتدرج في الرؤية ، منتقلة من شبع روحي ، إلي شبع أسمي و اسمي ، حياة التجلي و القيامة هي انتقال من عالم الباطل إلي عالم الحق . من عالم الفناء إلي عالم البقاء من عالم كل ما فيه يبطل بعد حين ، إلي عالم باق ليس فيه بطلان عالم كل ما فيه حق و ثابت انتهت منه الخطيئة ، و أصبح كل ما فيه براً و فيه أيضاً ينتقل الإنسان من عشرة إلي عشرة ، أنقي و أبقي و أصفي و ماذا عن القيامة أيضاً ؟ القيامة معجزة متعددة الجوانب:- 1- أنها معجزة ممكنة هنا قدرة الله العجيبة ! كيف يجمع الأجساد مرة أخري بعد أن تحولت إلي تراب ؟! أليس هو الذي خلقها من قبل من تراب ، بل من عدم ، فالتراب كان عدماً قبل أن يكون تراباً و الذي يتأمل القيامة من هذه الناحية ، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق ، الذي يكفي أن يريد ، فيكون كل ما يريد ، حتي بدون أن يلفظ كلمة واحدة إنها إرادته التي هي في جوهرها أمر فعال قادر علي كل شئ. 2- نسمي القيامة إذن معجزة ليس لأنها صعبة و إنما لأن عقلنا يعجز عن إدراكها كيف تكون و إن كان العقل يعجز عن الفهم ، فالأيمان يستطيع بسهولة أن يفهم لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين الذي يؤمن بالله و قدرته ، يستطيع أن يؤمن بالقيامة و الذي يؤمن بالله كخالق ، يؤمن به أيضاً مقيماً للموتي أما الملحدون ، فلا يصل إدراكهم إلي هذا المستوي إنهم لا يؤمنون بالقيامة ، كما لا يؤمنون بالروح و خلودها ، كما لا يؤمنون بالله نفسه . 3- القيامة معجزة ممكنة و أيضاً هي معجزة لازمة ، لأجل العدل و لأجل التوازن إنها لازمة من أجل العدل من أجل محاسبة كل إنسان عن أفعاله التي عملها خلال حياته علي الرض ، خيراً كانت أم شراً ، فيثاب علي الخير ، و يعاقب علي الشر و لو لم تكن قيامة ، لتهالك الناس علي الحياة الدنيا ، و عاشوا في ملاذها و فسادها ، غير عابئين بما يحدث فيما بعد أما الإيمان بالقيامة ، و ما يعقبها من دينونة و جزاء ، فإنه رادع للناس ، غذ يشعرون أن العدل ل بد أن ياخذ مجراه في العالم الآخر و هذا الجزاء لا بد أن يكون بعد القيامة و اتحاد الأرواح بالأجساد لأنه ليس من العدل أن تجازي الروح وحدها ، و يترك الجسد بلا جزاء علي كل ما فعله في عصيان الروح أو في طاعتها إذن لا بد أن يقوم الجسد ، و تتحد به الروح ، و يقف الإثنان معاً أمام الله لأن كل أعمالهما علي الأرض كانت معاً كشريكين ملتزمين و القيامة لزمة أيضاً من أجل التوازن ففي الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر ، ففيها الغني و الفقير ، السعيد و التعيس ، و المنعم و المعذب فإن لم تكن هناك مساواة علي الأرض ، فمن اللائق أن يوجد توازن في السماء و من لم ينل حقه علي الأرض ، يمكنه أن يناله بعد ذلك في السماء ،و يعوضه الرب ما قد فاته في هذه الدنيا ، إن كانت أعماله مرضية الرب . و قصة الغني و لعازر في الإنجيل المقدس ( لو 16 ) تقدم لنا الدليل الأكيد عن التوازن بين الحياة علي الأرض و الحياة في السماء . القيامة أيضاً هي معجزة جميلة رائعة لأنها تقدم للعالم الآخر الحياة التالية فالإنسان المثالي الذي تحدث عنه الفلاسفة ، و الذي بحث عنه ديوجين و لم يجده ، و الذي فكر العلماء كيف يكون هذا الإنسان المثالي تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر ، في عالم ليست فيه خطيئة علي الإطلاق ، و ليس فيه حزن و لا بكاء ، و لا فساد و لا ظلم ، و لا نقص و لا عيب إنها معجزة تقدمها القيامة ، أو هي شهوة في حياة البر تتحقق بالقيامة و لذلك فالقيامة معجزة مفرحة مفرحة لأن بها تكمل الحياة ، و ينتصر الإنسان علي الموت ، و يحيا إلي الأبد إن الحياة الأبدية هي حلم البشرية التي يهددها الموت بين لحظة و أخري ، و التي تحيا حياة قصيرة علي الأرض ، و علي قصرها مملوءة بالمتاعب و الضيقات ، لذلك يكون فرح عظيم للإنسان أن يتخلص من التعب و من الموت ، و يحيا سعيداً في النعيم البدي إنه حلم يتحقق بالقيامة من هنا نصل إلي حقيقة هامة و هي : القيامة هى باب الأبدية:- لولا القيامة لكان الموت حكماً بالفناء و الفناء هو أمر مخيف و هو نهاية مؤلمة تعتبر أقسي مأساة و لكن الله عندما خلق الإنسان ، لم يخلقه للفناء ، و إنما للحياة و إن كان الإنسان قد تعرض للموت بسبب خطيئته ، فإن الله رسم له طريق الخلاص و أقامه من هذا الموت بل إن الله عندما خلق الإنسان ، خلق له شيئاً خالداً هو الروح و الروح لا تموت بموت الإنسان ، بل تبقي حية بطبيعنها و بهذا يختلف الإنسان عن باقي المخلوقات الأخري علي الأرض ، التي تنتهي حياتها و تبيد أما الإنسان فإنه بالقيامة يبدأ من جديد حياة أخري لا تنتهي و هنا تبدو قيمة الإنسان و أفضليته علي غيره من المخلوقات الأرضية و لأن الروح وحدها ، لا تكون إنساناً كاملاً ، لذلك لا بد أن يقوم الجسد و يتحد بها و هكذا لا تكون الحياة الأبدية لجزء واحد من الإنسان هو الروح ، بل تكون للإنسان كله روحاً و جسداً فيعود الإنسان كله إلي الحياة و بهذا تكون القيامة يقظة للإنسان بعد نوم طويل و نقصد بها يقظة لهذا الجسد ، أو للإنسان بمعناه الكامل أما الروح فهي في قظة دائمة إن القيامة هي نهاية للموت فلا موت بعدها إنها نهاية لهذا العدو المخيف لقد انتصر الإنسان علي أعداء كثيرة للبشرية ، ما عدا هذا الذي غلب الجميع لأنه كان عقوبة من الله الذي لا راد لحكمه و لكن الله بالقيامة نجي البشرية من هذا العدو ، و قضي عليه إلي الأبد و اصبحنا أمام جسر يفصل بين حياتين علي أوله الموت ، و في نهايته القيامة فالموت هو نهاية الحياة الأولي ، و القيامة هي بداية الحياة الأخري و المسافة بينهما هي فترة انتظار ، تنتظرها أرواح الذين سبقوا ، حتي يكمل أخوتهم علي الرض جهادهم و اختبارهم علي أن الأبدية التي تقدمها القيامة لا بد تسبقها الدينونة بين القيامة و الأبدية يقف يوم الدينونة الرهيب ، حيث يقف الجميع أمام الله ، ليقدموا حساباً عن كل ما فعلوه بالجسد ، خيراً كان أم شراً يقدمون حساباً عن كل عمل ، و كل فكر ، و كل إحساس و شعور ، و كل نية نووها ، و كل كلمة لفظوها و يمضي الأبرار إلي النعيم الأبدي ، و يمضي الأشرار إلي العذاب الأبدي لذلك فكما أن القيامة فرح للأبرار ، هي ايضاً رعب للملحدين و للأشرار و حتي بالنسبة إلي الأبرار يعيد الله ترتيب مراكزهم ، بحسب أعمالهم فيعطي كل إنسان مركزاً جديداً بحسب ما كان له من نقاوة القلب و الفكر ، و بحسب ما كان له من دقة في تنفيذ وصايا الله ، و من جهاد في نشر الخير و محبة الإنسان ، و أيضاً بحسب ما كان في قلبه من حب لله و اشتياق إليه . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
21 أبريل 2020

بين آدم الأول... والمسيح المخلص (آدم الثاني)

دُوِّن الكتاب المقدس كله لكي يعلن عن محبة الله للبشرية وفدائه الذي أتمّه للإنسان. يتكلم العهد القديم عن السقوط وإعداد البشرية لمجيء الرب، بينما يتحدث العهد الجديد عن مجيء الرب يسوع وإتمام الخلاص بالصليب. ولذلك يظهر في العهد القديم خمسة أمور رئيسية كان الرب يعدّ البشرية من خلالها لاستقبال المخلص وهي: الوصايا، والنبوات (نسل المرآة يسحق رأس الحية)، والأحداث النبوية (كعبور البحر الأحمر والحيّة النحاسية)، والطقوس والذبائح (كذبيحة المحرقة وغيرها من الذبائح)، وأخيرًا الأشخاص الرمزيون وهي شخصيات كانت ترمز للرب يسوع في ناحية أو عدة نواحٍ، ومن أهم هذه الشخصيات كانت شخصية آدم.في قراءات عيد القيامة المجيد يُقرَأ فصل البولس من رسالة معلمنا بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح الخامس عشر، وفيه يقارن بولس الرسول بين أبينا الآول آدم وبين شخص الرب يسوع المخلص، وفي هذه المقارنة هناك عدة أوجه للشبه والخلاف نذكر منها:1) إن آدم والرب يسوع كلاهما قد جُرِّب من الشيطان، وكان مجال التجربة ينحصر في ثلاث نقاط هي: شهوة الطعام، وشهوة العيون، والكبرياء أو الرغبة أن يصير مثل الله. وهكذا جُرِّب الرب يسوع أيضًا بهذه الثلاث: شهوة الطعام (قل للحجارة أن تصير خبزًا)، وشهوة العيون (أعطيك ممالك العالم)، والكبرياء (اطرح نفسك لكي تصير مشهورًا). ولكن رغم أن كليهما جُرِّب، إلّا أن آدم الأول سقط بسبب عدم حفظه للوصية الإلهية، بينما انتصر الرب يسوع بذات السلاح، سلاح كلمة الله، أي الوصية.2) كان كلاهما حيًّا: كان آدم حيًّا بنفخة الله التي وضعها في أنفه، أمّا الرب يسوع فكان روحًا مُحيِيًا، لهذا كان قادرًا أن يهب الحياة من خلال روحه القدوس، لذلك تكلم مع السامرية قائلًا: «الماء الذي أنا أعطي يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو4: 14)، لذلك نصلي في الساعة الثالثة لكي يجدّد فينا الرب روحه المحيي.3) كلاهما صارت له عروس واحدة: آدم الاأول من جنبه خرجت حواء أم كل حي، ومن جنب الرب يسوع المخلص اقتنى لنفسه كنيسة مجيدة واحدة مقدسة رسولية إذ اشتراها بدمه الذي سال من جنبه، وصار هو رأسًا للكنيسة التي صارت جسدًا خاصًا به.4) آدم الأول أخطأ ولُعِنت الأرض بسبب خطيته بالشوك واللعنة، وأمّا يسوع فقد حمل في جسده آلام الشوك وآلام اللعنة (لأن المُعلَّق ملعون من الله).5) كلاهما حُكِم عليهما بالموت: بسقوط آدم الآول دخل حكم الموت إلى كل العالم، وحمل كل أبنائه نتائج الخطية. أمّا بموت الرب يسوع آدم الثاني، دخل الخلاص إلى كل العالم عندما قبل الابن الوحيد أن يحمل خطايانا في جسده على الصليب ليموت عنّا ويعفينا من نتائج خطية آدم الأول التي بسببها اجتاز الموت إلى الجميع.6) يسوع شارك آدم في حكم الموت، لكن آدم مات ولم يستطع أن يغلب، أمّا الرب يسوع فبسلطانه الشخصي استطاع أن يقيم ذاته بقوة لاهوته وحده، فقد بذل نفسه للموت باراداته «لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها»، ولم يستطيع الموت أن يمسكه «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية» (1كو15: 55).7) بخطية آدم الأول خرجت كل البشرية من جنة عدن، وبخلاص الرب يسوع على الصليب اجتازت الحياة إلى العالم كله لكل من يقبله مخلصًا وفاديًا.هكذا شابه آدم الثاني- الرب يسوع - آدم الأول في بعض النقاط، لكنه أيضًا خالفه في الكثير منها، لذلك اختارت الكنيسة لنا في قراءات عيد القيامة أن تضعهما في مقابله رائعة عندما تتلو لنا «صار آدم الأول نفسًا حيّة، وآدم الأخير روحًا مُحيِيًا... وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي» (1كو15: 45–49). نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل