المقالات

18 ديسمبر 2024

أخلى ذاته ج3

عاش يسوع مُضطهدًا في حياته إن السيد الرب لم يخل ذاته فقط من المجد اللائق أن يحيط بلاهوته، بل أخلى ذاته حتى من مجد البشرية أيضًا، فكان محتقرًا ومخذولًا من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن محتقرًا فلم يعتد به (إش53: 2، 3) أمسكوه مرة حجارة ليرجموه (يو10: 31) ومرة أخري "أخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل حتى يطرحوه إلى أسفل (لو4: 29) وطاردوه في كل مكان، محاولين أن يصطادوه بكلمة ولم تكن له كرامه في وطنه وتقبل كل هذه الإهانات الكثيرة وهو الذي لم يفارق لاهوته ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين قالوا له إنك سامري وبك شيطان! وقالوا عنه إنه أكول وشريب خمر، ومجدف، وضال، ومُضِلّ قالوا إنه ناقض للشريعة وكاسر للسبت، وإنه ببعلزبول يخرج الشياطين فبماذا أجاب المسيح؟ ما أجمل قول القداس الغريغوري "من أجلى احتملت ظلم الأشرار بذلت ظهرك للسياط وخديك أهملت للطم" كيف أن هذا الذي تجثوا أمامه كل ركبه مما في السماء وما على الأرض، الذي ليست السموات طاهرة قدامه، كيف أنه "لم يرد وجهه عن خزي البصاق "؟! الجواب الوحيد أنه أخلى ذاته وهكذا ضربوه ولطموه ما أعجبه في إخلائه لذاته! يصل الأمر بخالق السماء والأرض أن يسمح لإنسان من تراب أن يصفعه على وجهه، ويقبل ذلك ويسكت! " ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تساق إلى الذبح وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (إش53: 7) ووصلت الاستهانة بإله الكل الذي أخلي ذاته، إلى أنهم فضلوا عليه رجلًا قاتلًا ولصًا هو بَارَابَاس، طالبين أن يصلب المسيح بل وصلت المهانة بإله الكل إلى أن أصبح ثمنه ثلاثين من الفضة، ثمن عبد!! إنه لم يأخذ فقط شكل العبد، وإنما بيع أيضًا بثمن عبد استغل الناس إخلاءه لذاته فلم يمتنع عن إخلاء ذاته، من أجل الناس وكما عاش مضطهدا في حياته، عاش مضطهدًا بعد مماته أيضًا فحتى قبره كانت تحرسه الجنود المدججة بالسلاح، خائفين أن (ذلك المضل!!) يقوم "فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي" (مت27: 63، 64) وهكذا ختموا القبر بالأختام، وضبطوه بالحراس وهكذا لاحقوا بالشتائم بعد موته وادعوا أن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه ودفعوا في سبيل ذلك ما دفعوه من رشوة. جرأة الشيطان على المسيح! عبارة "أخلى ذاته" لم تنطبق عليه في فترة ميلاده فحسب، بل صاحبته طوال حياته على الأرض في الجسد ومن أجل أنه أخلى ذاته، تجرأ الشيطان ليجربه ووصل الرب في إخلائه لذاته، إلى حد أنه ترك الحرية للشيطان، يختار الزمان والمكان ونوع التجربة ما أشد على النفس قول الكتاب "ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل " وأيضًا " ثم أخذه إبليس إلى جبل عال جدًا" (مت4: 5، 8) إبليس "يأخذه"، "ويوقفه" حيثما يشاء!! يا للهول..! ما أشد هذا الإخلاء للذات من يحتمله؟! وإذا بهذا الإله الكامل في معرفته المخبأة فيه كل كنوز العلم والمعرفة، يقول عنه الكتاب أن الشيطان "أراه" جميع ممالك الأرض ومجدها!! "أراه"؟! وهو الذي يري الخفيات والمكنونات، ويعلم حتى أعماق الفكر وبواطن القلوب وهذه الممالك، التي كلها من صنعه، وكلها له، والتي بيده بقاؤها وانحلالها، يقول له الشيطان "لك أعطي هذه جميعها"وتصل الجرأة بالشيطان أن يقول له "إن خررت وسجدت لي "!! هل إلى هذه الدرجة تصل الجرأة؟! ما أعجبك يا رب! من يقدر على مثل هذا الإخلاء؟! وأخيرًا: يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل نواحي إخلاء الرب لذاته الأمثلة عديدة، لا تحصي وإخلاء الرب لذاته له جذور ممتدة في العهد القديم، أتركها حاليًا لتأملاتك الخاصة. أخلى ذاته ورفع شأن أولاده العجيب أن المسيح إلهنا بقدر ما كان يخلي ذاته، كان من الناحية الأخرى يرفع شأن أولاده أخذ شكل العبد، وأعطانا أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية! (2بط1: 4) حقًا كما تقول تسابيح الكنيسة " أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له". وهكذا صارت لنا شركة معه (1يو1: 6) وصرنا "شركاء الروح القدس" (عب6: 4)، (2كو13: 14)، وشركاء في الميراث (أف3: 6) وصرنا جسده، وأعضاءه، ثابتين فيه، كالأغصان في الكرمة وصار الرب يقربنا إليه باستمرار، ويرفعنا قدامه ومع أنه ابن الله الوحيد، الكائن في حضن الآب منذ الأزل، يمسي نفسه في غالبيه الأوقات "ابن الإنسان" ونحن بني الإنسان يدعونا أولاد الله، ويكررها مرات عديدة ويقول عنا أننا نور العالم، ويطلب إلينا أن يضئ نورنا قدام الناس (مت5: 14، 16) ويدعونا أصدقاء له، وأحباء، وخاصته التي يحبها حتى المنتهي ولكن الأكثر من هذا كله أن يسمح الرب بأن ندعي أخوته! ويقول الكتاب "ومن ثم كان ينبغي أن يشبه أخوته في كل شيء" (عب2: 17) ويقول أيضًا" ليكون هو بكرًا بين أخوة كثيرين" (رو8: 29) من هم أخوته هؤلاء؟! هم نحن التراب والرماد لو أن أحد الآباء الكهنة في أيامنا، أرسل خطابا إلى واحد من أولاده، يقول له فيه "أيها الأخ العزيز "، لصاح الناس ما هذا التواضع العجيب وإخلاء الذات؟! كيف يدعو ابنه أخًا له ؟! فماذا نقول إذن عن رب الأرباب عندما يدعونا إخوته؟! بل أكثر من هذا أن الرب كثيرًا ما يختفي لنظهر نحن فعندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي ودعاه، فاستجاب وقال "ماذا تريد يا رب أن أفعل" (أع9: 6) حوله الرب إلى القديس حنانيا في دمشق قائلًا له "قم وأدخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" (أع9: 6) وظهر الرب في رؤيا لحنانيا، وكلمة من جهة شاول، فشفاه وعَمَّده ونقل إليه رسالة الرب إن عمل الكهنوت كله، وكل أعمال الخدمة والرعاية، هي أعمال للرب، يعمل فيها الله في اختفاء، ويجعلنا نحن ظاهرين في الصورة هو يعمل فينا، وهو يعمل بنا، وهو يعمل معنا، ولكنه غير ظاهر، أما نحن فنبدو للناس، كأننا نعمل بينما " ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي" (1كو3: 7) ولكن الله كثيرًا ما يعطي السلطان لأولاده، دون أن يستخدمه مباشرة والمطلوب من الخدام الذين يعمل فيهم الله في اختفاء، أن يختفوا هم ليظهر الله فمجد الله لا يجوز أن يعطي لآخر أما الخدام فعليهم أن يصلوا قائلين"ليس لنا يا رب ليس لنا، ولكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز115: 1) وعمل المعجزات يعمله الله أيضًا في اختفاء عن طريق أولاده فيظهرون هم في الصورة، أما الرب فيقول لهم في حب "من يكرمكم يكرمني"الله يرسل السيدة العذراء، أو الملاك ميخائيل أو مارجرجس أو غيرهم من القديسين، فيعملون معجزات، ويمجدهم الناس، ويفرح الرب بأن أولاده يتمجدون بل كثيرًا ما يقع إنسان في ضيقة، فيصرخ مستغيثًا "يا مارجرجس"، ويسمع الرب، فيرسل مارجرجس، فينقذه أو ينذر إنسان نذرًا للعذراء ويفرح الرب ويستجيب بل أن الكنائس وهي كنائس الله سمح أن تبني على أسماء أولاده فنقول كنيسة العذراء، وكنيسة مارجرجس، وكنيسة الأنبا أنطونيوس، وكنيسة مارمرقس وكلها بيوت للرب ولكن الرب يفرح بأولاده بل حتى شريعة الرب ينسبها أيضًا لأولاده أحيانًا، فيقول:- "ناموس موسي" أو "شريعة موسى"، بينما هي شريعة الرب لا غيره ويقول الرب للأبرص "قدم القربان الذي أمر به موسي" (مت8: 4) ويقول أيضًا "موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِن لكم أن تطلقوا نساءكم" (مت19: 8)، بينما الذي أذن هو الله، والذي أمر هو الله ولكن الله يرفع من شأن موسي، ويضع اسمه بدلًا من نفسه..! تواضع الله في رفع قديسيه مَنْ هم هؤلاء يا رب الذين تريد أن تظهرهم؟ إنهم تراب ورماد، عدم وليس لهم وجود ولكنهم أحباؤك، قديسوك هناك عبارة عجيبة في العهد القديم، وقفت أمامها منذهلًا لحظات طويلة في قصة الله مع موسى النبي عندما ثقلت المسئولية على موسي، قال له الرب "اجمع إلى سبعين رجلًا فأنزل وأتكلم معك هناك. وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم، فيحملون معك ثقل الشعب" (عد11: 16، 17) تصوروا، الله يأخذ من الروح الذي على موسى ويضع عليهم! وما هو الروح الذي على موسى؟ أليس من عندك يا رب؟! كيف تأخذ منه؟ وكيف تأخذ منه أمام كل هؤلاء؟ أعطهم أنت من عندك مباشرة كما أعطيت لموسى، أنت يا مصدر كل عطية صالحة، أنت مصدر الحكمة والتدبير والفهم كلا، إنني آخذ أمامهم من الروح الذي على موسى، وأضع عليهم، وأرفع شأن موسى في أعينهم مبارك أنت يا رب في كل تدبيرك الصالح الله يحب أولاده، ويريد أن يكرمهم، في السر والجهر بل أن الله كثيرًا ما كان يسمي نفسه بأسماء أولاده فيقول "أنا إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب" (خر3: 6) ما هذا يا رب؟! إنهم هم الذين ينبغي أن ينتسبوا إليك الله يختفي ويظهر أولاده وهم بالمثل يختفون لكي يظهر هو أنها محبة متبادلة ومن المظاهر العجيبة في إخلاء الرب لذاته، ورفع شأن أولاده، قصة عماد الرب من عبده يوحنا بن زكريا يوحنا الذي لم يكن مستحقًا أن ينحني ويحل سيور حذائه، يوحنا الذي قال له في صراحة "أنا محتاج أن أعتمد منك"، يقف أمامه رب المجد قائلًا "اسمح الآن" فسمح له، واعتمد الرب منه يا للعجب رئيس الكهنة الأعظم، وراعي الرعاة، الكاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق يأتي ليعتمد من يوحنا، بينما تنفتح السماء، ويسمع صوت الآب قائلًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت3: 13-17) كانت معمودية يوحنا للتوبة ولم يكن السيد المسيح محتاجًا إلى التوبة مطلقًا لأنه قدوس بلا عيب فلماذا أعتمد؟! الذين جاءوا إلى يوحنا ليعتمدوا جاءوا معترفين بخطاياهم (مت3: 6) ولم تكن للرب خطايا يعترف بها، ويتوب عنها ويعتمد بسببها، حاشا فلماذا اعتمد إذن؟! إنه من أجلنا أخلي ذاته وأخذ شكل العبد وبنفس الوضع، من أجلنا اعتمد من أجلنا أخذ شكل الخطاة، إذ وضع عليه إثم جميعنا، ووقف يطلب عنا معمودية التوبة، كنائب عن البشرية الخاطئة. أخلى الرب ذاته لكي نستطيع أن نتمتَّع به ونوجد معه:- كثيرة هي الأسباب التي لأجلها أخلى ذاته، نذكر منها: 1- لكي نستطيع أن نتمتع به ونوجد معه: لو أنه احتفظ بجلال لاهوته، ما كان إنسان يستطيع أن يقترب إليه ما كان تلميذه يوحنا يجرؤ أن يتكئ على صدره، وما كان الأطفال يستطيعون أن يجروا نحوه ويحيطوا به ويهرعوا إلى حضنه، وما كانت المرأة الخاطئة تستطيع أن تتقدم نحوه وتمسح قدميه بشعرها. بل ما كانت العذراء تستطيع أن تحمله على كتفها أو ترضعه من ثديها لو كان قد نزل في قوة لاهوته، لكان الناس يرتعبون منه ويخافون إن الرب عندما نزل على الجبل ليعطي الوصايا العشر "أرتجف كل الجبل جدًا، وصار كل الجبل يدخن، وصعد دخانه كدخان الأتون" (خر19: 18) و"أرتعد الشعب ووقفوا من بعيد وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت" (خر 20: 18، 19) وهكذا رأي الرب أن يخلي ذاته، حتى يمكن للناس أن يختلطوا به دون أن ترعبهم هيبته، أو يصدهم جلاله إن موسى النبي، عبد الرب، عندما قضي معه أيامًا على الجبل لأخذ اللوحين نزل فإذا وجهه يلمع لم يستطيع الناس أن يحتملوه: "فخافوا أن يقتربوا إليه" (لذلك كان يضع على وجهه برقعًا حتى يحتمل الشعب أن ينظروا إليه (خر34: 29 ، 35) فإن كان هذا هو الجلال الذي أخذه موسى من عشرته للرب، فماذا يكون جلال الرب نفسه؟! وإن كان الناس لم يحتملوا النور الذي على وجه موسى وهو نازل من عند الرب، فكيف تراهم كانوا يحتملون نور مجد الرب الذي قال عنه القديس يوحنا الرسول في رؤياه أن: "وجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها" (رؤ1: 16)؟! إنه عندما ظهر لشاول الطرسوسي، عميت عيناه من قوة النور وظل فترة لا يبصر والقشور تغطي عينيه فمن كان يحتمل أن يرى الرب في مجده من يرى الرب ويعيش؟! وعندما أظهر الرب شيئًا من مجد لاهوته على جبل التجلي، كان التلاميذ مرتعبين، ولم يكن بطرس يعلم ما يتكلم به (مر9: 6) ولما سمعوا الصوت من السحابة "سقطوا على وجوههم، وخافوا جدًا" (مت17: 6) كيف كان ممكنًا إذن أن يحتمل الناس مجد الرب لو لم يخل ذاته؟ وهو أيضًا من أجل إنكاره لذاته، لم يأخذ معه كل تلاميذه إلى جبل التجلي، ولم يعلن هذا المجد للجميع وحتى الذين شاهدوا مجده "أوصاهم أن لا يحدثوا أحدًا بما أبصروا إلا متى قام" (مر9: 9) إن إخفاءه لأمجاده مظهر آخر من إخلاء الذات كان الرب يستطيع باستمرار أن يكون في مجد التجلي بين الناس، ولكنه لم يفعل كان يريد أن يتمتعوا به، ويختلطوا به، لا أن يرهبوه. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في الميلاد
المزيد
17 ديسمبر 2024

الأحد الأول ميمر بشارة الملاك لزكريا لماريعقوب السروجى

السموات تخبر بمجد الرب أقام العالم من لا شيء وحين أظلم العالم أرسل الكلمة ابن الله فاشرقت لتعلمه اختار أن يرسل الصوت أمامه واذ كان يوجد من اللاويين الكاهن زكريا وأيضا اليصابات ابنة اللاويين وكانا بارین ممتلئين ايمانا فأرسل لهما الملاك ليبشرهما بميلاد كارز عظيم كانت اليصابات عاقرا من أجل ميلاد ذلك البتول لكي يكثر الدهش انحفظت امرأة الكاهن ليجوز زمان شيخوختها فتلد الصوت للكلمة الآتي للعالم شاخ زكريا الكاهن و عبر زمان شبابه ،وطالت أيام اليصابات في العقر لكى بالعجب يصير مولودهما الذي يمهد الطريق قدام العجب الآتى للأرض ،ولما بلغ الزمان أن يظهر الكلمة ذاته أمر ذلك الصوت أن يأتى قبله فلما كان الكاهن الشيخ في قدس الأقداس يكهن قدام الله وقف به عظيم القوات واتى بالبشارة الممتلئة دهشا له ملاك نوراني يبشره بميلاد يوحنا قال له يا زكريا ان صلواتك سمعت أمام الله وها اليصابات امرأتك تلد لك ابنا في شيخوختها ستحبل العاقر وتلد صوت الكلمة الكارز بالحق الذي يهيء الطريق قدام الملك الآتي للارض كوكب نور ارسلته شمس البر قدام وجه الرب ويمضى امامه بروح وقوة ايليا النبي سمع زكريا الشيخ البشارة ومن عظمها تحير ،ولم يتفرس في قوة الله اختبط لشيخوخته و عقره فحقر البشارة الممتلئة دهشا وبدأ يرد على الملاك قائلا كيف يمكن هذا الذي سمعته وأنا شيخ وعتيق الأيام و امراتی شاخت و عبر زمانها كيف يكون الثمر من الشجرة اليابسة كيف يكون العنقود من الكرمة التي لا ثمار لها ،وليس للجسم الذي عتق أن يعطى حليبا قال له الملاك قل لى يا زكريا كيف تقول وتنسى الم تأخذ النذور من العاقرات وتعدهن ان الرب قادر أن يعطى ابنا لهؤلاء العاقرات وبعد كم من الوقت اتيت ببشارة امك سارة العجوز العاقر التي ولدت ابنا في شيخوختها ،وراحيل العاقر ،وحنة فاذا أراد مصور الأطفال لا تمنع الشيخوخة تلك الثمرة كنت تشجع بنات شعبك ولم تترك أحدا يقطع الرجاء فلماذا تحل الآن كلام تعليمك جميعه ،وان لم يسهل أن يكون لك أبناء كيف صليت وسألت ؟ ألم تعلم أن الرب يستجيب لدعائك ألا تعلم أن كل شيء سهلا لدى الخالق ،وليس شيء الا من قبله انت معلم وكاهن عظيم عارف بالكتب ووسيط الاسرار الالهية أنا هو جبرائيل الواقف قدام الله ولم تصدق كلامي فالان تكون ساكنا أخرسا لا تتكلم الى أن يكون ابنك يوحنا فينفتح فمك لأن السكوت أفضل من الكلام بدون افراز سكت الكاهن في قدس الأقداس فأدرك الشعب انه رأى منظرا ولو لم ينظر شيئا لم يسكت الكاهن بهی و مقدس وممتلىء حسنا ،والذي أتاه بالبشارة ملتهب بالنور مكان مقدس کاهن بار ملاك مخوف خبر حقیقی و استعلان مرتفع ممتلىء دهشا وكان الكاهن يدخل القدس دفعة واحدة في السنة في الشهر السابع ليكهن فكان ذلك له في عيد المظلة ولم يدخل عظيم الكهنة لقدس الأقداس الا من يمين مذبح البخور ،وصار لزكريا الكاهن استعلان في قدس الأقداس المكان البهى النوراني من ذلك الوقت شهر تشرين الشهر الذي حبلت فيه العجوز اليصابات زكريا الكاهن كان له مثال وقياس بالعواقر التي ذكرت کما صار اسحق لابراهيم وسارة فسال ولم يكن محتاجا للسؤال من أجل هذا سكت الكاهن العظيم الذي سؤاله هذا ام يشبه مريم البتول اذ سمعت من البشارة كلمة جديدة لم تسمعها انها تحبل وتلد وهى بتول انه عمل لم يكن ولا ينتظر قط ،وهذا يحتاج الى سؤال وتفسير،وكما كان زكريا ملاما عندما سال هكذا العذراء مريم كانت تلام ان سكتت اذ حسنا تكلمت لأنها اضطرت فان سكتت لا يتفسر خبر الابن وهكذا قبل الملاك سؤالها بمحبة ،واعطى الشيخ سكوتا لئلا يتجاسر فليكن الكلام بافراز زكريا تكلم وكان ينبغى الهدوء مريم العذراء تكلمت وحسنا تكلمت سكتت حواء ولم تتكلم فحزنت اذ غشتها الحية وأعطتها البشارة الممتلئة موتا ووعدتها باللاهوت فلم تفحص ذلك قالت لها حين تأكلان من الشجرة تصيران آلهة فصدقتها ،وكان يليق بها أن ترد على ذلك الكذاب فلو فحصت الأمر لهرب منها اذ يهرب الكذب عندما يظهر الحق ذاته فمن ثم وقت يضطر الانسان للكلام ثم موضع آخر ينبغى فيه السكوت بافراز فكان ينبغى السكوت لزكريا الکاهن في قدس الأقداس حين بشره الملاك بيوحنا ،واذ لم يسكت أسكته الملاك بغير ارادته اذ يحبه فزينه بالسكوت اللائق به لقد أحاط بالعاقر اليصابات حزنان قائله انا عاقر وغم الشيخ صار عاقرا وليس له كلمة يتعزى بها الامراة عاقر وهو ساكت حبلت العجوز بدهش عظيم ويالعجب ثبتت لذاتها انحبس فيها الصوت ليصير مفتاحا لحضن العاقر من بدء طريقه تربى بالدهش وبميلاده فتح رحم أمه وغم أبيه بيوحنا ولدت العاقر وتكلم الأخرس به اتصلح الرحم العاقر والفم الأخرس مبارك الهنا الذي اختاره وأكثر من حسنه له المجد الدائم الى الابد آمین. القمص سمعان السريانى عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
16 ديسمبر 2024

بمناسبة قدوم شهر كيهك صوفونيوس

عندما يأتي شهر كيهك كلّ عام، ونبدأ في الانشغال بتسابيحه الجميلة، يطفو على السّطح هذا السؤال: مَن هو "صوفونيوس" المذكور في بعض المدائح العربيّة التي نشدو بها في تسابيح كيهك؟ هل هو صَفَنيا النبي أم شخصٍ آخَر؟! سنحاول بنعمة المسيح في هذا المقال اكتشاف مَن هو صوفونيوس؟! في البداية مِنَ المهمّ أن نعرف أنّ المدائح العربيّة لشهر كيهك كلّها كُتِبَت حديثًا في القرن السابع عشر والثامن عشر بواسطة مجموعة من المرتّلين وبعض الآباء الكهنة وأحد البطاركة (البابا مرقس الثامن) يجيء ذِكر صوفونيوس في المدائح مصحوبًا بنبوءةٍ ملخّصها أنّ تجسُّد السيّد المسيح سيكون مثل نزول قطرات مياه من السماء على الأرض بدون وجود سحاب، إشارة إلى ولادة السيّد المسيح بدون زرع بشر.. ولنأخُذ بعض أمثلة من هذه المدائح: "صفونيوس قال قولاً موصوف، عن حَبَلِك بالملك القدوس، مثل مطر ينزل على الصوف، السلام لكِ يا أم بخريستوس" (مديح التوزيع الكيهكي للقمّص متّاؤس البهجوري). "صوفونيوس خَبّر، عن ميلاد بِخريستوس، أنّه ينزل كندى ومطر، ماريا تي بارثينوس" (مديح على ثيؤطوكيّة الإثنين للمعلّم غبريال). "صوفونيوس شرح بكلام، عن تدبير اللاهوتيّة، ينزل كالقَطْر بغير غمام، طوباكِ يا زين البشريّة" (مديح العُلَّيقة على ثيؤطوكيّة الخميس للمعلّم غبريال). فكرة نزول الندى على الأرض بدون وجود سحاب جاءت في حياة جدعون، كعلامة طلبها من الله فأعطاها له، عندما وضّع جزّة صوف في البيدر فنزل طَلٌّ على الجُزّة وحدها، بينما كان جفافٌ على الأرض كلّها.. (قضاة6: 36-40) وكان هذا إشارة أنّ الله سيأتي ويحلّ بقوّته المعجزيّة ويرافق جدعون في الحرب، ويخلِّص شعب إسرائيل على يده عندما نبحث عن هذا المعنى في سِفر صَفَنيا الذي هو أحد الأنبياء الصغار، فسوف لا نجده نهائيًّا من قريب أو بعيد.. ولكنّنا سنجد المعنى في موضع آخَر في سِفر المزامير، فقد جاء ما يلي في المزمور 72 الذي يتكلّم عن المسيح الملك الآتي لكي يخلّص البائسين ويقضي لمساكين الشعب ويسحق الظالم "ينزل مثل المطر على الجُزاز، ومِثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز72: 6) والعجيب أنّ هذا المزمور كتبه سليمان الحكيم، وليس داود أو أحد المرنمين الآخَرين فإذا كان معنى كلمة "الحكمة" باللغتين اليونانية والقبطيّة هو "صوفيا Sofia" فليس ببعيد أن يكون "صوفونيوس" المقصود هو "سليمان صاحب الحكمة" الذي تنبّأ عن مجيء المسيح متجسِّدًا بدون زرع بشر لكي يخلّص شعبه، وأَدْرَجَ هذا المعنى مع مجموعة أخرى من النبوءات الجميلة في مزموره البديع جدير بالذِّكر أن الكنيسة وضعت آية طويلة من هذا المزمور 72 قبل إنجيل باكر في قراءات عيد الميلاد المجيد من هنا يتّضح لنا بكلّ تأكيد أن "صوفونيوس" المذكور في مدائح شهر كيهك ليس هو صَفَنيا النبي، بل في الأغلب هو سليمان الحكيم (ذو الحكمة) وهو الذي قَصَدَتْهُ المدائح الكيهكيّة لتأكيد تحقيق نبوءته في المزمور 72 عن السيّدة العذراء التي حبلت بالسيّد المسيح المُخلِّص بدون زرع بشر، وقدّمته لنا محمولاً على ذراعيها لقد أتى السيّد المسيح إلينا متجسِّدًا كقطرات الندى، لكي يروي أرضنا القفرة بندى نعمته كلّ كيهك وحضراتكم بخير. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
15 ديسمبر 2024

انجيل قداس الأحد الأول من شهر كيهك

تتضمن ذم مجالس الاغانى والسكر والتسرع في الحلف مرتبة على فصل انباء الملاك بولادة يوحنا( لو ١ : ١-٢٥ ) اسمعوا قول الانجيل المقدس يا من تحضرون محافل السكر وتسهرون برؤية الراقصات المهيجات بأفعالهن الشريرة للطبيعة البشرية وافزعوا من حبائل الشيطان المحتال ومن حفائره العميقة لأنه استظهر سابقاً على هيرودس الشقى وأقتاده من الخطية الصغيرة إلى الكبيرة فلينه بالتنعم وألهبه بالتعظم وأوقعه في تحكيم الفتاة الشريرة بتهورة في القسم ليقتاده بواسطته إلى جريمة القتل قال البشير مرقس إن هيرودس أقسم للصبية : " أن مهما طلبت منى لاعطينك حتى نصف مملکتی" ولم يكن قصد الشيطان أن يذبح القديس بل إنما كان قصده إن يذبح هيرودس نفسه فحبائل هذا الخبيث دقيقة عميقة وحيلة طويلة وثيقة وإني عندما افتكر تلك الحادثة المهولة أستغرب مما جرى في ذلك الزمان ولكن يزول تعجبى بسرعة حينما أسمع بما يجرى في وقتنا هذا أى بعد حلول النعمة الالهية وانتشار شريعة الفضل بيننا والعمل بها من كثيرين أفاضل أتقياء وذلك أن جماعة من المسيحيين يجودون على الراقصات والمغنيات ليس بكل ما يمتلكونه فقط بل وبذواتهم أيضاً بدون أن يتقدم اليهم المحتال ويضبطهم بقسم كهيرودس لكنه يستأسرهم باللذة النجسة ويقهرهم بالشهوة فقط وهذه هى طاعة الآباء التي أنكرها المسيح بقوله " من أحب اباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني " فإن تلك الإبنة قد أطاعت أمها في مخازى كثيرة منها التهتك بحضرة كثيرين لا سيما حينما طلبت من الملك قتل القديس يوحنا المعمدان أجرة عن تهتكها وهو قتل محرم كانت نتيجته الحزن بدل الفرح قد تم هذا كله بتدبير المحتال ، لأنه حيث يكون رقص فهناك يكون الشيطان لأن الرقص مخالف لارادة الله تعالى الذى لم يعطنا الأرجل لنقفذ بها مثل الوحوش والبهائم بل لنمشى بها بنظام فتأمل ياهذا في تلك المسألة ما أقبحها !!! وانظر إلى إمهال الله تعالى وكيف أنه ما أنزل عليهم ناراً من السماء لتحرقهم ولا أمر الارض لتفتح فاها وتبتلعهم لانه لا يشاء موت الخاطئ بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا لكى يقبله ويكلله وليكن ما جرى في ذلك الزمان سلوة لمن يقاسي المكروه من حور الأشرار واسمعوا ايضاً يا معشر الذين يبتدئون بالقسم على ما يملكون أو ما لا يملكون وعلى ما يعلمون أو مالا يعلمون أليس انكم بذلك تجعلون أقواماً أخرين بل والشياطين أيضاً حكاما فيكم يتسلطون عليكم فذلك الشقى هيرودس ظن بجهله أن الشقية تطلب منه شيئاً ملائماً للوليمة ولخادماتها وللموسم أيضاً إلا أنه لما طلبت منه خلاف هذا كله لم يردها بل تمم لها مطلوبها وهذا وأمثاله من طباع الزناة لأن التهيئ لهذا الامر يستعد دائما لقتل كثيرين ظالمين ومظلومين فالأم الشقية لقنت ابنها ذلك الكلام المكروه وهيرودس التزم حينئذ أن يخفيه عن أهل بلد طالما أشاعوه في كل المسكونة وذلك لأن خبر يوحنا المعمدان قد نودی بي في كل مكان وصار يتلى بكل لسان ولا عجب لان هكذا شأن الجاهل الشرير الغادر أن ينظر فقط إلى وقته الحاضر كالجربان الذى يحك جربه أو المحموم الذي يبرد بالماء لهيبه وانظر كيف أن الانجيلي ذكر خبر هذه الحادثة عاذراً هيرودس بقوله اغتنم الملك ولكن من أجل الاقسام والمتكئين معه أمر أن يعطى فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن فأحضر رأسه على طبق ودفع إلى الصبية فجاءت به والصبية والأم الشقية كانوا أولى بالتوجع من المغبوط يوحنا فلنتشبه إذن يا اخوتى بالانجيلي في الاعتذار ولنتجب الالفاظ القبيحة في وصف الاشرار فإنه فى سرد هذه الواقعة لم يقل إن الابنة تلقنت من الدنسة القاتلة ولكنه قال من الام وكذلك لم يقل عن هيرودس انه الظالم الفاجر ابن القاتل بلى دعاه رئيس الربع واعتذر له من غير خروج عن الصدق فقد سماها بأفضل ما لهما أعنى بالأم وبالرئيس وكذلك لم يقل عن الفتاة المنتهكة في بكوريتها إنها ابنة الزانية القاتلة بل قال ابنة هيروديا والصبية كأنه بذلك يعذرها أيضاً بسبب صغر سنها أما نحن فنشتم القريب بل والأخ مواجهة ونذكره بأرد الأوصاف وأقبح الالفاظ كأنه غير انسان لكن القديسين يرحمون ويرقون للخطاة من غير أن يلعنوهم فلنماثلهم ايها الأحباء ولنبك على ذلك المجمع وبالأكثر على تلك المجامع التي تماثله في وقتنا هذا بعد ورود النعمة وظهور حكمة الشريعة المسيحية فإن مثل ذلك المجلس وأردأ منه بكثير تقوم مجالس وتنتظم في وقتنا هذا فهى وان لم تبح قتل يوحنا لكنها تولد هلاك أعضاء المسيح وذلك لأن الراقصات الأن لا يطلبن بعجبهن قطع راس لكن هلاك أنفس فقل لى الآن يا هذا كيف يمكن وأنت في حال سكرك أن تنظر إلى أمرأة متهتكة وبشكلها ولفظها ولا تقهرك الشهوة الحيوانية وتلهبك بسعيرها وتهبطك في حفرتها ؟ فتتم فيك حينئذ تلك الشقاوة التي ذكرها الرسول بقوله " الستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح أفأخذ أعضاء المسيح واجعلها أعضاء زانية حاشا " فتلك الابنة وأمها الملقنة لها الشر هما غير حاضرين الآن . إلا أن الشيطان الذى نظم ذلك المجلس هوحاضر وهو أبو هؤلاء الراقصات ويعلمهن كل حين طلب النفوس ولا يبقى حيلة مهلكة إلا ويستعملها نعم قد يمكن أن بعض الحاضرين يترفع عن السكر ولا يتأثر منه إلا انه قد يشترك مع الباقين فى شرور أخرى بكثير والمجامع الحاضرة لا تخلو من مثل ذلك قال الحكيم" لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن أزمهرار العينين للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج " فلهذا لا تخلو العزائم والولائم من دينونة حيث يعمل فيها كثير مما لا حاجة به وما لا تدفع اليه ضرورة الاحتياج فلماذا ننفق إذن مال المسيح هكذا بالباطل ونتركه جائعاً عطشاناً وعرياناً ؟ على أنى لست اخاطب الآن بهذه الأقوال أولئك الذين يحضرون إلى موائدهم ومجالسهم الزواني والمضحكين وغيرهم إذ لا كلام لي معهم كما أنه لا كلام لي مع الشياطين وإنى أيضاً لا أخاطب بهذه الاقوال أولئك الذين يظلمون ويشرهون ويملأون بطونهم وبطون غيرهم حاشا ثم حاشا لانه لا يليق بي أن أخاطب الذئاب والخنازير وغنما أقوالى هذه موجهة إلى الذين يتنعمون ويتلذذون ويعملون في الولائم بما يفضل عنهم مالا حاجة إليه وينعمون غير المحتاجين ولكنهم لا يشبعون مقلا ولا مضطراً ولا يجالسون عالماً نصوحاً خيراً فنديمك يا هذا المضحك لك هو خادمك ووكيلك وأغنياء جيرانك هؤلاء هم الذين يشبعون من طعامك وأما أخوك في بنوة إلهك وسيدك ورازقك فلا تفتح له بابك ولا تعطيه من خبزك فذاك لاجل الضحك يجالسك ويتنعم معك وهذا لا تعطيه عشر ما تمنح ذاك ز ذاك تكرمه لئلا يذمك وأما هذا فتهينه ولا تخشى العقوبة في جهنم المعدة لابليس ومن يطيعه فإن كنت يا هذا بحسب الطبع تقشعر سامعاً فأولى بك أن تقشعر عاملاً . وخير لك أن يتكئ معك المسيح لا المستهزئ المضحك لك وأن يجلس على مائدتك ذاك الذى أعطاها لك ويؤاكلك ليكرمك ويعينك ويثبتك فانه يكرم المائدة كما أكرم تلك التي كانت زانية وأنى بها ونصرها على الشيطان لما أكرمته وقت الأكل لا تنظر إلى حقارة المسكين ووسخ جسده ولباسه بل انظر يا هذا إلى عظمة المسيح وبهائه ولا تفكر في أن الفقير محتال وبطال أو شره وشرير بل فكر في المضحكين والحاكمين واللاعبين كيف يكذبون ويحلفون فإنهم وإن أفادوا الجاهل في الحاضر طرباً فقد أكسبوه في الآخرة عذاباً وخسراناً ولست مانعاً بهذا القول إطعام أولئك رحمة على سبيل الصدقة ولكنى أمنع فقط الامور غير اللائقة منهم وبهذا يكون منزلك كنيسة الله بدلاً من أن يكون مسكناً للأبالسة وبهذا يهرب منه الشيطان ويمتلئ من نعمة الرحمن وإن أردت يا هذا أن تستخدمهم فاقصد بذلك نفع المحتاجين واصطياد الفقراء واحضارهم إلى منزلك وبهذا لا يتوجعون من كونهم يأكلون عندك مجاناً ولا يذمون ذواتهم في بواطنهم على الاعمال المضحكة التي يعملونها تلك التي تولد الشرور وإن أردت أن تتعزى بهم أو تعزيهم فجالسهم في وقت فضائك بقراءة الكتب الالهية واستانس بهم حين الاجتماع في الصلوات وتكميل الوصايا الشرعية وسبيلهم هم أيضاً أن يبتعدوا من الخساسة النفسانية والبشاشة الشيطانية والاخلاق الصبيانية والتهم الردية حتى يكون كل ما تفعله عائدا لمجد الله تعالى وطبقا لمرضاته فسبيلنا أيها الأخوة أن نهرب من الزنا واسبابه ومن النظر إلى الراقصات ومن سماع الألفاظ القبيحة ونبتعد أيضا من الحلف جهدنا ونعرض عن معاشرة الانذال وأصحاب السير الردية بكل قدرتنا ونتعطف إلى طاعة ربنا الذي له الشكر والعظمة والوقار الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين آمين. القديس يوحنا ذهبي الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
14 ديسمبر 2024

ترقُّب المسيح

نبوة عن ملاخي النبي يقول عن يسوع أنه مُشتهى الأمم أي أن عيون الكل كانت تترقبه كل نبوات الكتاب المقدس وكل حديث في الكتاب المقدس تدور حول شخص يسوع المسيح من بداية سقوط آدم رأينا أن الله بيصنع ذبيحة لنفسه يريد أن يقول إن ذبيحته هي التي تستر وتُكفِّر عن خطايانا وأصبح لا يوجد أي علاج بشري يستر حتى أقمصة التين لم تسترهم لأنها تذبُل بمجرد حلول الشمس فيرجعوا إلى عُريهم ثانيةً أراد الرب الإله أن يقول لهم إن حلولهم كلها فاشلة وعاجزة عن سترهم والحل في ذبيحته سيعمل ذبيحة لأنها هي الحل الوحيد إنها ذبيحة آتية ستستر الجميع بعد ذلك تكلم عن نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية وبدأ الكتاب المقدس كله يحدثنا عن نبوات للسيد المسيح ومجيئه لذلك فإن أكثر الأشياء التي شغلت الأنبياء أن يتكلموا عن المسيا والروح تسوقهم حتى لو كانوا لا يُدركون ما يكتبون مثال على ذلك موسى النبي وهو يكتب الآية التي تقول أن نسل المرأة يسحق رأس الحية بالطبع لم يعرف معنى هذه الآية وعندما تحدث عن الذبيحة التي تغفر الخطايا فإنه لم يعرف معنى هذه الآية وما هي الذبيحة وأيضاً وهو يُدوِّن قصة فُلك نوح كان لا يعلم أنها ترمُز إلى شخص المخلص الذي سيُنجي العالم كله من طوفان الخطية لكنه كتب وهو لم يُدرك تتوالى النبوات عن مشتهى الأمم وكلما زاد العالم في شره زاد الترقب لقدوم المخلص ونرى الكتاب المقدس متدرج في روح النبوة ويكشف لنا عن من هو المسيا الذي سيأتي ما من صفة في شخص رب المجد يسوع إلا وتجد لها أكثر من نبوة والعجيب أن اليهود رغم إنهم أتقنوا أسرار الكتاب المقدس إلا إنهم لم يستطيعوا ربط هذا بالمسيا في حين أن كل الصفات مكتوبة كل صفات السيد المسيح وردت في نبوات الكتاب المقدس سيُولد من عذراء إسمه في أي مكان سيُولد ميعاد ميلاده صفاته ( نبي ، قاضي ، ملك ، مُخلص ) أدق تفاصيله لا بداية له ولا نهاية سيُعلِّم بأمثال يصنع معجزات إن تلميذه سيخونه سيُصلب يصير محتقر ومرذول سيُعرى يُسقى خل في عطشه إنه سيقوم من الأموات الصعود إنه سيأتي ثانيةً لهذه الدرجة أرادوا الأنبياء أن يُشيروا إلى ربنا يسوع المسيح ؟! كل هذا ولم يعرفه اليهود كل هذا إلا أنه عذرهم وفتح لهم الباب ثانياً وأراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة يوحنا المعمدان عندما أرسل للسيد المسيح تلاميذه ليسألوه هل أنت أم ننتظر آخر ؟ ( مت 11 : 3 ) رغم معرفة ويقين يوحنا المعمدان أنه هو لكنه أراد أن يسمع تلاميذه بآذانهم الكلام فقال الرب يسوع لهم قولوا له العُمي يُبصرون ( مت 11 : 5 ) بدأ كلامه عن العُمي لأن أشعياء النبي تنبأ عنه وقال أنه سيجعل العُمي يُبصرون فمن يُولد من عذراء ووُلِد في بيت لحم وإلخ وأيضاً يجعل العُمي يُبصرون فإنه يكون هو المسيا يأتي الرب يسوع ولكي يؤكد لم يفتح أعين أعمى واحد بل إحدى عشر شخص في أماكن مختلفة مشتهى الأمم الذي عيون الكل تترجاه عندما جاء لم يعرفه أحد رغم محاولته للتأكيد على هذا أشعياء النبي يقول له { ليتكَ تشق السموات وتنزل } ( أش 64 : 1) وأيوب يقول له { ليس بيننا مُصالح يضع يدهُ على كلينا } ( أي 9 : 33 ) الكل يترقب حقق كل النبوات حتى النهاية حتى يقول كل هذه القصة من أجلك إنت حذاري أن تقع في هذا الخطأ لأنه سيُضاعف عشرة مرات إن كان الناس في العهد القديم لم يُصدقوا ما حدث ربما لهم عذر لكن نحن إذا وقعنا في الخطأ أو لم نستفد مما حدث إذاً لمن هو أتى ؟ ماذا فعل ؟ ما دوره ؟ وما دورك ؟ إنه أتى وبارك طبيعتي فيه أتى وأكمل النبوات لم يستريح على الصليب إلا عندما قال " قد أُكمِل " ( يو 19 : 30 ) أي كمُلت كل النبوات أحد الأباء المُفسرين يقول { أن يسوع ظل ينتظر وينتظر حتى تكتمل النبوة ويسقوه خل }{ في عطشي يسقونني خلاً }( مز 69 : 21 ) { نكس رأسه وأسلم الروح } ( يو 19 : 30 ) تعطي دلالة على أنه له سلطان على الموت لذلك نكس رأسه أولاً أي استعد ثم أسلم الروح أي أكمل التدبير للنهاية مشتهى الأمم عليه أن يدخل حياتي نحن الذين قيل عنا " نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور "( 1كو 10 : 11 ) حصلنا على كل هذه البركات دون مشقة حتى الأنبياء الذين كتبوا كل هذا لم يعوا ولم يفهموا ما كتبوه لهذا نقول في الصلاة { أن أنبياء وأبرار كثيرين إشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا أما أنتم فطوبى لأعينكم لأنها تُبصر ولآذانكم لأنها تسمع } موسى النبي يرى عُليقة مُشتعلة بالنار ولكن لا يستوعب ولا يعرف أبونا يعقوب يرى سُلم طالع إلى السماء وملائكة صاعدة ونازلة إلا أن هذا المنظر بالنسبة له منظر مُفرح مُعزي ليس أكثر لكن الحقيقة هي أن بالتجسد إنفتحت السماء على الأرض والسُلم هو بطن الست العذراء الذي أعطانا كل البركات أما العُليقة المُشتعلة هي اتحاد اللاهوت بالناسوت فهل فهم ذلك موسى ؟ تخيل أنه قيل عن موسى النبي أنه " أمين في كل بيتي " ( عد 12 : 7 ) أيضاً " فماً إلى فمٍ وعياناً أتكلم معه " ( عد 12 : 8 ) كان يُكلم الله كما يُكلم صاحبه إلا أننا الأن فهمنا أكثر منه الشعب اليهودي وهو يذبح خروف الفصح كانوا يعلمون أنه هو المسيح ؟ بالطبع لم يعرفوا أن المسيح دخل أورشليم وهم يُدخلون الخرفان أيضاً لهذا يقول بولس الرسول { فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا } ( 1كو 5 : 7 ) هذا هو الفصح الحقيقي الذي أعطى كفارة هو الذي أعطى الفداء من هنا نقول أن هذه هي البركات التي آلت إلينا النِعم التي حصلنا عليها بالتجسد الإلهي الذي جعلنا نرى كل الأسرار كحقائق وجعلنا نتمتع بكل النبوات ليست مجرد نبوة بل بركة من هنا نحن نسعد ونحن نقرأ الكتاب المقدس بكل نبواته التي عرفناها بل عشناها ربنا يعطينا في هذه الأيام المقدسة أن نحيا حياة التجسد الإلهي ونشعر بقيمة العطية ويفتح لنا كنوز أسرار الكتاب لكي نتمتع بوجوده في حياتنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
13 ديسمبر 2024

مائة درس وعظة (٥٨)

الأنبا أنطونيوس والبرية" أيقونة البرية" "انت خرجت من هذا العالم بغير إرادتك أما أنا فسأخرج من هذا العالم بإرادتي" ( ق الانبا انطونيوس) .القديس الأنبا انطونيوس هو أحد القديسين الذين تفتخر بهم وبسيرتهم العطرة أعطاء الله العمر الطويل الذي تعدى ١٠٥ سنوات ولم تقع اسنانه، ومع تلك الشيخوخة تجده ينزل الإسكندرية ليساند البابا اثناسيوس الرسولي بالرغم من أن عمره كان أكثر من مائة عام . يطلق على الانبا انطونيوس "أيقونة البرية" ترى ما الذي جعل الأنبا انطونيوس يتجه إلى البرية إلى هذه الحياة البعيدة عن العمران وكيف تحمل تحديات الحياة في البرية؟ أولا الإنجيل ١- كلمة مغروسة محبة الانجيل كانت مغروسة في قلب ودم الأنبا أنطونيوس، وهذا واضح في إجابته عندما سئل وهو قديس ناسك و كبير "كيف يستطيع الإنسان التحكم في الأفكار السيئة التي تاتي في خاطره " فاجاب "اقرأ العتيقة ثم الجديدة، وانته من الجديدة ثم ارجع إلى العتيقة" كنيستنا بكل ما فيها مبنية على الإنجيل فالتسبحة التي تصليها مأخوذة من الانجيل وكذلك الأجبية مأخودة من الإنجيل، وذلك لكي تغرس الكلمة في نفوس شعبها. ٢- كلمة معزية حينما يشعر الإنسان أن طريق ربنا صعب أو لا يوجد به تعزية أو يشعر بالملل لا يجد أمامه حلا إلا محبته للكتاب المقدس وأن يلهج في ناموسة نهارا وليلا ٣- كلمة مشبعة اساس حياتنا الروحية في كل يوم هو علاقتنا بالكتاب المقدس "لكل كمال رايت حدا، أما وصيتك فواسعة جدا" ( مز٩٦:١١٩) في العالم توجد معاهد متخصصة لأجل الكلمة المقدسة، وتدرس في الإنجيل كل شيء. ٤- كلمة حياة وانت لكي تعرف وتعيش وتتعلم مسيحك فلا يكون هذا إلا من خلال الكلمة المقدسة. ثانيا: الكنيسة ١- محطة اللقاء: الأنبا أنطونيوس هو ثمرة نبتت من الكنيسة ومازالت هذه النبتة حية إلى هذا اليوم كان يعتبر أن الكنيسة محطة للقاء المسيح ومحطة الفرح اليومي له وصارت الكنيسة في كيانه ٢- هيكل الله محبة الانبا انطونيوس للكنيسة ليست محبة الجدران، وإنما أيضاً للكنيسة ككيان نكبر فيه حتى إن الكتاب يقول لنا" أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم (اكو ١٦:٣) ٣- حياة تسليم محبة الأنيا انطونيوس للكنيسة هي محبته للتراث القديم وإيمانها المستقيم وطقسها الجميل والممارسات الروحية، فنحن نحيا هذه الحياة ونسميها "حياة التسليم" مثل الألحان التي تسلمناها. ثالثا: الآباء ١- سير النساك في أيام الانبا انطونيوس كانت تلك السير تصل إلى الأسماع خارج نطاق مصر مثل المتوحدين الذين كانوا في منطقة البحر الميت في فلسطين وبعض مناطق أخرى أيضاً. ٢- قديسو الكتاب قديسو الكتاب المقدس وأشهرهم القديس يوحنا المعمدان والقديس ايليا النبي فمحبة الأباء وقراءة سيرهم أوجدت في قلبه محبة الاتجاه إلى البرية من السمات المميزة عندنا نحن كاقباط في وسط شعوب العالم كله الله عندما نريد أن نأخذ بركة أو نتنزه نقول تعالوا نذهب إلى الدير فالدير وسيلة لسمو وترقية الحياة الروحية في نفوس المؤمنين فعندما تنظر إلى خريطة مصر نجد ديرا هنا واخر هناك فوظيفة هذه الأديرة الكثيرة رفع الحياة الروحية للمؤمنين. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
12 ديسمبر 2024

بدعة برديصان

اشتهر في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث غنوسي آخر وهو برديصان الرهاوي. وبرديصان Bardesenes مشتقة من "بار" السريانية ومعناها ابن ومن ديصان وهو نهر فوق الرها. ولد برديصان على هذا النهر فسمي به. ثم نشأ في الرها في قصر أبجر التاسع واهتدى إلى المسيحية فانبرى ينتصر لها. ثم زاغ عندما تقبل الغنوسية على مذهب فالنتينوس، وانتمى إلى فرع هذه البدعة الشرقي فزامل أكسيونيكوس واشتغل بالتنجيم وأجاد السريانية ونظم الأناشيد وأحسن التلحين فافتتن بأناشيده شبان الرها وفتياتها ونقلوا أضاليله بها. وجاء في تاريخ افسابيوس أن برديصان كتب مقالات كثيرة في الفلك والقدر وغير ذلك، وأن بعضها نقل إلى اليونانية. وليس لدينا اليوم من مصنفاته هذه سوى كتابه في شرائع البلدان الذي أملاه على تلميذه فيليبوس. ويرجح العلامة الأستاذ بيفان أن برديصان هو صاحب "أنشودة النفس" ولكن أحداً من زملائه لا يشاركه هذا الرأي وحكى مار أفرام الملفان أنه قال بسبعة كائنات. ونقل ما ميخائيل الكبير وابن العبري أنه قال بثلاث طبائه كبار وأربعة كائنات صارت 366 عالماً وكائناً وأن الله لم يكلم موسى والأنبياء وإنما هو رئيس الملائكة وأن "السيدة مريم العذراء" لم تلد جسداً قابلاً للموت لكن نفساً نيرة اتخذت شكلاً جسدياً. وكذّب بالقيامة وخلط في أمر تكوين العالم.
المزيد
11 ديسمبر 2024

أَخْلَى ذَاته ج2

أخلى ذاته حتى في صنع المعجزات! أخلي الرب ذاته فلم يستخدم قوته على صنع المعجزات إلا في الضرورة القصوى لم يستخدم قوته من أجل ذاته، ولا من أجل منفعة خاصة لم يستخدم لاهوته ليمنع عن نفسه الجوع أو العطش أو التعب أو الألم رفض أن يحول الحجارة إلى خبز لسد جوعه الشخصي، بينما بارك الخمس خبزات من أجل إشفاقه على الناس لم يستخدم قوته ليهبر الناس بالمعجزات، ولا من أجل الإيمان وعندما كانوا يطلبون منه معجزة لأجل (الفرجة) لم يكن يقبل بل كان يبكتهم قائلًا "جيل فاسق وشرير يطلب آية ولا تعطي له" (مت12: 39) لم يبهر الناس بالمعجزات مثلما فعل سيمون الساحر، ومثلما فعلت عرافة فيلبي، ومثلما سيحدث في الأزمنة الأخيرة من المسيح الدجال والوحش والتنين رفض أن يلقي نفسه من على جناح الهيكل، لتحمله الملائكة ويري الناس المنظر فينذهلون ويؤمنون معجبين بعظمته ! رفض ذلك، لأنه أخلي ذاته من إعجاب الناس إن معلمنا الصالح لم يحط نفسه بالمجد، لأنه أراد أن يلتف الناس حول التواضع وليس حول المجد ومعجزة كحادثة التجلي التي كان يمكن أن تبهر الجماهير، لم يشأ أن يراها كل الشعب، ولا حتى كل تلاميذه الاثني عشر، بل رآها ثلاثة فقط، وأوصاهم ألا يظهروها كان زاهدًا في كل هذه الأمور التي يبحث عنها من يريدون أن يظهروا ذواتهم بل أكثر من هذا أنه بعد كل معجزة تبهر البصر كان يخفي تلك المعجزة بعمل من أعمال الضعف البشري أو بكلام عن آلامه أو يطلب ممن حدثت معه أن يخفيها وحتى من أجل الإيمان لم يشأ أن يبهر الناس بالمعجزات أراد أن يكون إيمانهم بدافع من الحب والاقتناع وليس بسبب المعجزات وما الدليل على هذا؟ دليلنا أنه كان يطلب الإيمان قبل المعجزة، وليس كنتيجة لها وكثيرًا ما كان يسأل الذي يجري معه المعجزة "أتؤمن؟"، أو يقول له "ليكن لك حسب إيمانك"وإن كان يؤمن قبلًا تحدث معه المعجزة ولذلك قيل عنه إنه في وطنه "لم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم" (مت13: 58) كان الإيمان يسبق المعجزة وكانت المعجزة نتيجة للإيمان وليست سببًا وكثير من معجزات السيد الرب كانت أعمال رحمة وحب وكانت لها أهداف روحية تتبعوا عنصر الحب والحنان في معجزات الرب يظهر لكم واضحًا وجليًا وهكذا نري في معجزة لإقامة ألعازر أنه بكي قبل أن يقيمه إن الحب الذي كان يعتصر قلبه، ظهر أولًا في عينيه الدامعتين، قبل أن تظهر قوته في عبارة "هلم خارجًا" وكثير من معجزات الشفاء كانت تسبقها عبارة "فتحنن يسوع" أو "أشفق" أو ما شابه ذلك ولم يستخدم معجزاته في الدفاع عن نفسه، أو في الانتقام من مضطهديه وشاتميه أهانوه بكل أنواع الإهانة، وأشبعوه شتمًا وتعييرًا وكان يستطيع أن يجعل الأرض تفتح فاها وتبتلعهم، أو تنزل نار من السماء وتفنيهم ولكنه لم يفعل كان قد أخلي ذاته من استخدام هذه القوة التي فيه. عاش المسيح بغير لقب وبغير وظيفة:- عاش السيد المسيح بغير لقب، وبغير وظيفة رسمية في المجتمع، وبغير اختصاصات في نظر الناس ماذا كانت وظيفة المسيح في نظر المجتمع اليهودي، أو في نظر الدولة؟! لا شيء كان أمامهم مجرد رجل يجول من مكان إلى آخر، يعمل ويعلم، دون أن يستند إلى وضع رسمي لم يكن من أصحاب الرتب الكهنوتية في نظر الناس، لأنه لم يكن من سبط لاوي ولا من أبناء هارون فقد كانت أمه ويوسف النجار من سبط يهوذا ووصل إخلاؤه لذاته في هذه الناحية، أنه عندما شفي الرجل الأبرص، قال له: "اذهب أر نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى" (مت 8: 4). يا لها من عبارة مؤثرة للغاية!! تصوروا رئيس الكهنة الأعظم، منشئ الكهنوت ومؤسسه، ومنع كل سلطة كهنوتية، يقول للأبرص: "اذهب أر نفسك للكاهن"!! وماذا عنك أنت يا رب؟ أنت الكاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق؟ لماذا ترسلني إلى كاهن، وأنت راعي الرعاة وكاهن الكهنة؟! ما أعجبك في إخلائك لذاتك! تتصرف كمن لا سلطة له، وأنت مصدر كل سلطة!! وعاش السيد المسيح بدون أي مركز اجتماعي، ولم تكن له أية صفة رسمية على الإطلاق حتى في وضعه كمعلم لم يكن من طوائف الكتبة والفريسيين المؤتمنين على التعليم في ذلك الحين، ولا من جماعة الكهنة الذين من أفواههم تطلب الشريعة (أر18: 18)، ولا من الشيوخ ولا من البارزين في المجتمع وعلى الرغم من كل ذلك، ملأ الدنيا تعليمًا، وكانوا يلقبونه بالمعلم، والمعلم الصالح، ودعي معلمًا حتى من أصحاب المكانة العلمية كالكتبة والفريسيين وهكذا أرانا كيف يمكن أن يعيش الشخص بلا لقب، ومع ذلك يعمل أكثر من أصحاب الألقاب..! وفي حياته كمعلم، عاش وقد أخلى ذاته من كل شيء. لم يكن للمسيح مكانًا يُعَلِّم فيه:- أحيانًا كان يعلم وهو جالس على الجبل، وأحيانًا يكلم الناس وهو واقف في سفينة وهم جلوس على الشاطئ وأحيانًا كان يعلم وهو في وسط الزروع والبساتين، يتأمل مع تلاميذه زنابق الحقل وطيور السماء وأحيانًا كان يعلم في الخلاء، في موضع قفر، في البرية وأحيانًا في الطريق وعلى العموم لم يكن له مكان خاص للتعليم، لا مركز ثابت ولا مكان ثابت بل لم يكن له أين يسند رأسه (لو9: 58) وإذ أخلى ذاته من الارتباط بمكان معين، أصبح له كل مكان عجيب أن الله الذي ملأ السموات والأرض، لم يكن له أين يسند رأسه عندما ولد يقول الكتاب "لم يكن له موضع في البيت" (لو2: 7) وطول فترة تجسده على الأرض لم يكن له مسكن معين يذهب أحيانًا إلى بيت مريم ومرثا، وأحيانا إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس، وأحيانا إلى إلى بيت سِمعان، وأحيانًا إلى بستان جثماني ما أعجب قول الكتاب "ومضي كل واحد إلى بيته، أما يسوع فمضي إلى جبل الزيتون" (يو8: 1) والذين كانوا يتبعونه، كانوا يسيرون وراء المجهول لا يعرفون لهم موضعًا ولا مركزًا، ولا مالية معينة، ولا عملًا محددًا عندما قال السيد لمتي اللاوى "اتبعني"، تبعه متى ولو سألته "إلى أين؟" لما عرف كيف يجيب ولو سألته ماذا ستعمل؟ لوقف أمام علامة استفهام لا جواب لها لقد أراد الرب لتلاميذه أن يخلوا ذواتهم أيضًا هم مجرد تلاميذ، لا يعرفون لهم عملًا سوي أن يتبعوا المسيح، الذي لا يعرفون له وظيفة ولا عملًا رسميًا ولا مكانًا ثابتًا. كان المسيح يحيط به جماعة من المساكين:- وكما أخلي المسيح ذاته، أحبه الذين أخلوا ذواتهم، أو الذين لا ذوات لهم فأحاطت به مجموعة من الفقراء والمساكين والمزدري وغير الموجود جماعة من جُهَّال العالم وضعفاء العالم وأدنياء العالم (1كو1: 27، 28) وهكذا اختار تلاميذه جماعة من الصيادين الجهلة، كما اختار واحدًا من العشارين المرذولين والذين أحاطوا به كانوا من عامة الشعب الأطفال الذين لا يعتد بهم أحد والخطاة والعشارين الذين يحتقرهم الناس، والنساء أيضًا اللائي لم تكن لهن مكانه في المتجمع اليهودي وهكذا كانت نسوة كثيرات يتبعنه (لو23: 27) وحول صليبه وقفت النسوة لا شيوخ الشعب وبكت عليه بنات أورشليم (لو22: 28) ولم يبك عليه أعضاء مجلس السنهدريم! عاش إنسانًا بسيطًا بلا مركز وبلا لقب، يحيط به أشخاص مجهولون بلا مركز وبلا لقب أيضًا وحتى لقبه الطبيعي "ابن الله"، لم يستخدمه كثيرًا وكان يستبدله في غالب الأحيان بلقب "إبن الإنسان"! عاش وسط الشعب، لا وسط الرؤساء، وكان قريبًا من الصغار، بعيدًا عن الكبار والمعتبرين، يحبه الشعب ويضطهده الرؤساء وحسنًا تنبأ عنه داود قائلًا: "الأعزاء قاموا على" (مز54: 3) "الرؤساء اضطهدوني بلا سبب" (مز119: 161) حتى الذين استضافوه كانوا من البسطاء أو من المحتقرين فدخل بيت متي، ولم يدخل بيت بيلاطس ولا بيت هيرودس ودخل بيت زَكَّا، ولم يدخل بيت حنان ولا بيت قَيافا. عاش المسيح فقيرًا ومرفوضًا:- أخلي ذاته من المال والجاه، فعاش فقيرًا لا يملك شيئًا وهو مغني الكل حتى أنهم لما طلبوا منه الجزية لم يجد ما يعطيه لهم، فطلب من بطرس أن يلقي الشبكة ويصطاد ويدفع لهم (مت17: 27) وعاش مرفوضًا إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله (يو1: 11) كنور أشرق في الظلمة، والظلمة لم تدركه (يو1: 5)،بل أحب الناس الظلمة أكثر من النور (يو3: 19) وأصبح الاتصال به تهمة، والتلمذة له عارًا حتى أن نيقوديموس عندما أراد مقابلته، قابله في الخفاء، سرًا وليلًا (يو3: 2) وحتى أن اليهود في إهانتهم للمولود أعمي إذ آمن بالمسيح بعد شفائه، شتموه قائلين له أنت تلميذ ذاك (يو9: 28) وهكذا أصبحت التلمذة لذاك الناصري من أنواع السب ووصمة عار وجاء الوقت الذي أصبح فيه تلاميذه مغلقين على أنفسهم في العلية لا يستطيعون الخروج منها، خوفًا من مسبة انتسابهم لذاك الناصري وهكذا وجدنا عملاقًا عظيمًا كبطرس تبرأ من المسيح ومن الانتساب إليه، وأخذ يلعن ويحلف قائلًا إنه لا يعرف الرجل (مز14: 71). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في الميلاد
المزيد
10 ديسمبر 2024

أباء الكنيسة وتعبير "صار جسدا"

منذ فجر المسيحية والكنيسة تؤكد عدم التحول أو التغير في ذات الله وأن الرب يسوع المسيح هو الإله المتجسد، الله الظاهر في الجسد، عمانوئيل، الإله القدير، الأزلي الأبدي، المولود من نسل إبراهيم وأسحق ويعقوب وداود بحسب الجسد مع أنه الكائن على الكل الله المبارك إلى الأبد (رو5: 9)، وأنه ظهر في الجسد باتخاذه جسداً من لحم ودم وعظام وروح ونفس في أحشاء القديسة مريم العذراء. وهذا ما سجله كل من القديس لوقا والقديس متى بالتفصيل بالروح القدس في الإنجيل (مت1،2؛لو1،2)، وما أكده، أيضا، كل من القديس مرقس والقديس يوحنا بإعلانهما بالروح القدس أمومة العذراء القديسة مريم له، سواء في تعاملها معه وتعامله معها (يو2؛ مر31: 3؛3: 6)، أو عند الصليب (يو25: 1927)، وهذا أيضا ما سجله بقية الرسل في رسائلهم بالروح القدس ؛ فالقديس يوحنا يقول بالروح القدس " والكلمة صار جسدا " (يو14: 1)، ويقول أيضا أنه " جاء في الجسد " (1يو2: 4) و" آتيا في الجسد " (2يو7). والقديس بولس الرسول أكد مرات عديدة حقيقة تجسد الرب باتخاذه جسدا كقوله " ومنهم المسيح حسب الجسد " (رو5: 9) و" الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3) وكذلك القديس بطرس بقوله بالروح: " فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد " (1بط1: 4) و " سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيمانا ثمينا مساويا لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح " (2بط1: 1)، فهو، هنا، يعلن أنه إلهنا ومخلصنا " وعند الحديث عن آلامه يبين أنه " تألم بالجسد " كما قال أيضا " مماتا في الجسد " (1بط18: 3) وقد تعلم أباء الكنيسة، من تلاميذ رسل الرب يسوع المسيح وخلفائهم، الذين تعلموا علي أيدي الرسل، بما استلموه من الرسل أنفسهم، سواء المدون في العهد الجديد مع شهادة العهد القديم أو ما تسلموه شفاهه ونادوا به في كل مكان. وهذه شهادتهم وتعليمهم في القرون الأولى للمسيحية: قال القديس أعناطيوس الإنطاكي تلميذ القديس بطرس الرسول: " المسيح يسوع الذي من نسل داود (بالجسد) (رو3: 1) والمولود من مريم: الذي ولد حقا وأكل حقا... " (ترالس: 9) ثم يقول أنه " يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه روح وجسد (إي إله وإنسان)، مولود وغير مولود. الله صار جسدا، حياة حقيقية في الموت (أي التجسد) من مريم ومن الله، كان قابلاً للألم وهو الآن غير قابل للألم. يسوع المسيح ربنا " (أفسس2: 7) وأيضا " إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود بحسب الجسد ؛ ابن الإنسان وابن الله " (أفسس 2: 20) ثم قال بأكثر وضوح: " نؤمن هكذا أنه اخذ إنسانا كاملا من مريم العذراء والده الإله ومن الروح القدس " ودعاه جسده " الجسد الذي بناه الله من جسم ودم العذراء " (لاهوت) " المسيح الذي هو حقيقة من نسل داود بالجسد (رو3: 1) وابن بمشيئة وقوة الله، وولد حقا من مريم العذراء وأعتمد من يوحنا المعمدان لتتم به كل عدالة. وقال القديس بوليكاريوس تلميذ القديس يوحنا الرسول " كل من لا يعترف بأن يسوع المسيح قد جاء في الجسد هو ضد المسيح " وهو هنا يستخدم نفس تعبير القديس (1يو2: 4) يوحنا لأنه تلميذه وقال ارستيدس الاثيني (حوالي 140م) " يرجع إيمان المسيحيين إلى الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء بالروح القدس لخلاص البشرية وهو ابن الله العلي وقد وولد من عذراء قديسة بدون زرع بشر وأتخذ جسدا بغير فساد " وقال ميليتو أسقف ساردس (حوالي 171م) " تبرهن أعمال المسيح بعد معموديته أن روحه وجسده، طبيعته الإنسانية، كانا مثل طبيعتنا ... وتوضح أعماله بعد معموديته، خاصة معجزاته، للعالم بكل تأكيد اللاهوت المحتجب في جسده، ولكونه الله ولكونه أيضا إنساناً تاماً (كامل في ناسوته) فقد قدم إيضاحاً إيجابياً لطبيعته (حرفيا طبيعتيه ؛ اللاهوت والناسوت): أوضح لاهوته عن طريق معجزاته التي صنعها في السنوات الثلاث التالية لمعموديته، التي أتممها لكونه في الجسد، فقد حجب لاهوته بالرغم من أنه الإله الحقيقي الموجود قبل كل الدهور " وقال ايريناؤس أسقف ليون وخليفة تلاميذ الرسل " لكي يجدد الإنسان في نفسه، صار غير المرئي مرئياً وغير المدرك صار مدركاً والغير المتألم صار خاضعاً للألم. الكلمة صار إنساناً ليجدد كل شيء في ذاته " " وعندما جاء المسيح إلى عالمنا لخلاصنا أخذ جسدا حقيقيا كأجسادنا لأن الرسول يقول الكلمة صار جسدا ". وقال اطيفوس تلميذ الرسل وبطريرك القسطنطينية علي الميلاد " كلمة الله أتضع وهو غير المتضع في جوهره، أتضع بإرادته ولبس صورة العبد، الذي بلا جسد لبس جسدا من أجلك أيها الإنسان. الكلمة الذي تجسد، غير الملموس بجوهر لاهوته لُمس من أجلك أيها الإنسان الذي ليس له ابتداء بلاهوته لبس جسدا. الغير متغير تجسد بالجسد المتغير " (اعتراف الآباء). وقال ترتليان (حوالي 155م) " نزل بهاء مجد الله (عب1: 3)، كما سبق أن تنبأ الأنبياء في القديم، إلى عذراء وكون جسدا في رحمها، وولد متحداً كإله وإنسان، تشكل الجسد بالروح القدس، تغذى ونما إلى الرجولة، تحدث وعلم وعمل، هذا هو المسيح " " دعي الكلمة ابنه (ابن الله) وظهر في أوقات مختلفة للبطاركة باسم الله، وكان الأنبياء يسمعونه دائما، وأخيرا نزل من الروح القدس وبقوة الله الآب إلى مريم العذراء وصار جسدا في أحشائها، وولد منها ". قال اكليمندس الإسكندري (150 215م) " بعملية التجسد اصبح الابن منظورا ومدركا في حيز الأشياء التي نراها وندركها بحواسنا ". قال يوستينوس الشهيد (ولد حوالي 100م) " الكلمة (logos λόγος)، هو نفسه أتخذ شكلا وصار إنسانا ودعي يسوع المسيح " " أنه كان موجودا سابقا كابن خالق كل شيء، لكونه الله، وأنه وُلد كإنسان بواسطة العذراء ... كان موجودا سابقا وخضع لمشيئة الآب ليولد كإنسان مثلنا " " لقد صار المسيح إنسانا بواسطة العذراء ليزهق العصيان الذي أنبثق عن الحية بالطريقة نفسها ". قال اوريجانوس (185 253م) " يسوع المسيح نفسه الذي جاء (إلى العالم) ... جرد نفسه (من مجده) وصار إنسانا وتجسد برغم من أنه الله وبينما صار إنسانا بقي كما هو إله، لقد اتخذ جسدا مثل أجسادنا ... ولد من العذراء ومن الروح القدس " وقال العلامة هيبوليتوس (استشهد عام 235م) في تفسير أمثال 9: 1 " الحكمة بنت بيتها " " أنه يقصد أن المسيح حكمه الله الأب وقوته (1كو24: 1) بني بيته أي طبيعته الجسدية التي اتخذها من العذراء كما قال (يوحنا) من قبل " والكلمة صار جسدا وحل بيننا " ثم قال في تفسير " مزجت خمرها " " أن المخلص وحد لاهوته، مثل الخمر النقي، مع الجسد في العذراء وولد منها إله وإنسان في أن واحد " وقال القديس اثناسيوس الرسولي (296 373م) " لكنه اخذ جسدا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل من عذراء طاهرة بلا لوم ... لأنه وهو القادر علي كل شئ وبارئ كل شئ أعد الجسد في العذراء كهيكل له، وجعله جسده بالذات، واتخذه أداة له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل "" صار" تخص الجسد، وفعلا " صار" الجسد خاصا بالكلمة وليس خاصا بإنسان، فالله تأنس، ولذلك قيل أنه " صار جسدا " حتى لا يخطئ أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم الجسد " ... هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسدا خاصا به وفيه حل " وقال أيضاً: " التعبير: " صار جسدا "، يبدو كأنه متوازي مع ما قيل عنه " جُعل خطية، ولعنة " (2كو21: 15)، ليس لأن الرب تحول إلى ذلك لأنه كيف هذا؟ بل لأنه قبل هذا عندما اخذ إثمنا وتحمل ضعفنا (اش4: 53) " وقال القديس كيرلس الإسكندري متسائلا " كيف تفسر " الكلمة صار جسدا؟ " ثم أجاب قائلا: " يبشرنا بولس الحكيم جدا ووكيل أسراره وكاهن الإنجيل " فليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع أيضا الذي إذ كان في صورة الله صار في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان تواضع وأطاع حتى الموت موت الصليب " (في5: 27) " فالكلمة الابن الوحيد الإله الذي ولد من الله الأب الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره (عب3: 1) هو الذي صار جسدا، دون أن يتحول إلى جسد، أي بلا امتزاج أو اختلاط أو أي شئ آخر من هذا القبيل بل " أخلي ذاته " وجاء إلى فقرنا، ومن اجل الفرح الموضوع أمامه، استهان بالعار (عب2: 12) دون أن يحتقر فقر الطبيعة الإنسانية لأنه أراد كإله أن يخلص الإنسان الخاضع للموت والخطية وأن يعيده إلى ما كان عليه في البدء، فجعل جسد البشر جسده ونفس إنسانية عاقلة ... فولد كإنسان بطريقة إعجازية من امرأة، لأنه لم يكن ممكنا بأمره أن نري الله علي الأرض في شكله غير المنظور لأن الله لا يري فهو غير مرئي، وطبيعته غير محسوسة، لكن حسن في عينيه أن يتجسد وأن يظهر في ذاته كيف يمكن أن تتمجد طبيعتنا بكل أمجاد اللاهوت، لأنه هو نفسه إله، وإنسان " في شبه الناس " ولأنه أصلا إله قيل عنه أنه " صار في شبه الناس ". فالله الذي ظهر في شكلنا وصار في صورة العبد، هو الرب وهذا ما نعنيه بأنه صار جسدا ولذلك نؤكد أن العذراء القديسة هي والدة الله " وقال في تفسيره ليوحنا 1: " والكلمة صار جسدا ": " الآن يعلن الإنجيلي التجسد بشكل علني، فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، ودعي ابن الإنسان. ولهذا السبب بالذات وليس لأجل أي شيء آخر يقول " الكلمة صار جسدا " ومعنى هذه الكلمات لا يزيد عن قوله " الكلمة صار إنسانا "، وتعبير الإنجيلي " الكلمة صار جسدا " ليس غريبا ولا بعيدا عن استعمال الأسفار الإلهية لأنها غالبا ما تسمي الإنسان كله " جسد " كما جاء في النبي يوئيل " سأسكب من روحي على كل جسد " (يوئيل28: 2) ... ولم يقل الإنجيلي أن الكلمة جاء إلى الجسد مثلما فعل في القديم عندما جاء إلى الأنبياء والقديسين، واشتركوا فيه وإنما ما يعنيه الإنجيلي، أنه صار جسدا، أي صار إنسانا ولكنه هو الله بالطبيعة وهو في الجسد، وجعله جسده دون أن يفقد لاهوته. فهذا هو اعتقادنا لأننا نعبده وهو في الجسد ...وحتى لا يتصور أحد بجهل أنه تخلى عن طبيعته، وتحول إلى جسد، وتألم، وبذلك صار قابلا لتغير (مع أن اللاهوت بعيد تماما عن التغيير أو التبديل)، أضاف الإنجيلي الإلهي على الفور " وسكن فينا "، لكي ندرك أنه يتكلم عن شيئين أولا الساكن، ثم المسكن، لكي لا يفترض أحد بعد ذلك أنه تحول إلى جسد، وإنما سكن في الجسد، واستخدم جسده، الهيكل الذي اتخذه من العذراء القديسة، أو كما يقول بولس " لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2) ثم يضيف " ورأينا مجده، مجد الابن الوحيد للآب، مملوء نعمة وحقا ": بعد أن قال أن الكلمة صار جسدا، أي صار إنسانا، وبعد أن جعله معنا في الأخوة الخاصة مع الخلائق والعبيد، يعود ويؤكد كرامته الإلهية التي لم تتغير، ويعلنه لنا إلها كاملا، له كل صفات وطبيعة الآب. فالطبيعة الإلهية لها ثباتها الخاص بها، ولا تقبل التغيير إلى ما ليس منها، بل تظل بلا تبديل محتفظة بما لها من صفات. ولأجل ذلك بعد أن قال الإنجيلي " الكلمة صار جسدا " عاد وأكد أنه لم يخضع لضعفات الجسد، ولم يفقد قوته ومجده الإلهي، عندما لبس جسد الضعف الذي بلا مجد. فقال " ورأينا مجده "، الذي يفوق كل مجد، والذي يجعل كل من يراه يعترف أنه مجد الآب الوحيد، ابن الله الآب، المملوء نعمة وحقا ". يقول اميروسيوس أسقف ميلان في عمله بخصوص الإيمان " لقد كتب أن الكلمة صار جسدا، ولا أنكر أن هذا كتب، ولكن أنظر إلى النصوص المستخدمة، إذ يتبع هذا قوله، وحل بيننا، وهذا يعني أنه سكن في جسد بشري ... أنه يتكلم عن اتخاذه جسدا ". ونختم هذه الأقوال بقول القديس اثناسيوس الرسولي إلى أبيكتيتوس " من أين خرجت هذه الأمور. وأي عالم سفلي تقيأ القول بأن الجسد الذي من مريم هو من نفس جوهر لاهوت الكلمة؟ أو بأن الكلمة تحول إلي لحم وعظام وشعر وكل الجسد وتغير عن طبيعته الخاصة؟ أو من كفر إلى مثل هذه الدرجة حتى يقول وهو في نفس الوقت يعتقد أيضا بأن اللاهوت ذاته الذي من نفس جوهر الأب، قد صار ناقصا خارجا من كامل، والذي سمر علي الخشبة لم يكن هو الجسد بل هو جوهر الحكمة الخالق ذاته؟ أو من سمع بأن الكلمة حول نفسه جسدا قابلا للتألم، ليس من مريم بل من جوهره الذاتي فهل يمكن أن يدعي مسيحيا من يقول هذا؟ " لقد صار الكلمة جسدا، صورة الله اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، اتخذ كل مالنا، شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية " لأنه جاء في شبه جسد الخطية " (رو3: 8)، " مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب15: 4)، " ظهر في الجسد " الذي اتخذه من مريم العذراء وحل فيه وبه وصار جسده، جسد الله الكلمة، الكلمة المتجسد، الإله المتجسد. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل