المقالات

15 يناير 2025

لماذا حل السيد المسيح بيننا ؟

ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء ، لعلنا نتساءل فيما بيننا : ما هي الأسباب التي دعت رب المجد أن يتخذ جسداً ويحل بينن ، ويصير في الهيئة كإنسان ، ويولد من إمراة كبني البشر ؟ لا شك أن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد . جاء الرب إلى العالم ليخلص الخطاة ، جاء ليفديهم ، جاء ليموت وليبذل نفسه عن كثيرين هذا هو السبب الرئيسي الذي لو إكتفى السيد المسيح به ولم يعمل غيره ، لكان كافياً لتبرير تجسده جاء السيد المسيح ليوفي العدل الإلهي ، وليصالح السماء والأرض ويمكننا أن نقول أيضاً ـ إلى جوار عمل الفداء والمصالحة ـ إن السيد المسيح قد جاء لينوب عن البشرية وكما ناب عنها في الموت ، ينوب عنها أيضاً في كل ما هو مطلوب منها أن تعمله إن الإنسان قد قصر في كل علاقاته مع الله ، فجاء " إبن الإنسان " لينوب عن الإنسان كله في إرضاء الله وفي فترة تجسده أمكن للرب أن يقدم للبشرية الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان كصورة الله ومثاله قدم القدوة ، والمثال العملي حتى أن القديس أثناسيوس الرسولي قال إنه لما فسدت هذه الصورة التي خلق الله بها الإنسان ، نزل الله ليقدم لهم الصورة الإلهية الأصلية وأيضاً لما أخطأ الناس في تفسير الشريعة الإلهية وقدموها للناس حسب مفهومهم الخاطئ ، ومزجوا بها تعاليمهم الخاصة وتقاليدهم ، جاء الرب ليقدم للبشرية الشريعة الإلهية كما أرادها الرب ، نقية من الأخطاء البشرية في الفهم والتفسير وسنحاول الآن أن نتناول هذه الأسباب جميعها ، نتحدث عنها بمزيد من التفصيل ، ونري ما يمكن أن نستفيده من دروس روحية لحياتنا خلال هذا الشرح . 1 ـ الفداء هو السبب الأساسي للتجسد : - لقد أخطأ الإنسان الأول ، وكانت خطيته ضد الله نفسه : فهو قد عصي الله وخالف وصيته وهو أيضاً أراد أن يكبر وأن يصير مثل الله عارفاً الخير والشر ( تك3 : 5 ) وفي غمرة هذا الإغراء نري أن الإنسان لم يصدق الذي قال له عن شجرة معرفة الخير والشر : " يوم تأكل منها موتاً تموت " ( تك2 : 17 ) وعلى العكس من هذا صدق الحية التي قال : " لن تموتا " وبعد الأكل من الشجرة نري أن الإنسان قد بدأ يفقد إيمانه في وجود الله في كل مكان وقدرته على رؤية كل مخفي ، وظن أنه إن إختبأ وسط الشجر يستطيع أن يهرب من رؤية الله له . وفي محاسبة الله للإنسان بعد الخطية ، نري أن الإنسان يتكلم بأسلوب لا يليق ، إذ يحمل الله جزاءاً من مسئولية خطيته فيقول له : " المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني " ( تك3 : 12 ) . إنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله : عصيان الله ، ومنافسة الله في معرفته ، وعدم تصديق الله في مواعيده ، وعدم الإيمان بقدرة الله ، وعدم التأدب في الحديث مع الله أخطأ الإنسان ضد الله ، والله غير محدود ، لذلك صارت خطيته غير محدودة والخطية غير المحدودة ، عقوبتها غير محدودة وإن قدمت عنها كفارة ، ينبغي أن تكون كفارة غير محدودة ، ولا يوجد غير محدود إلا الله لذلك كان ينبغي أن يقوم الله نفسه بعمل الكفارة هذا هو ملخص المشكلة كلها في إيجاز لقد أخطأ الإنسان ، وأجرة الخطية هي الموت ( رو6 : 23 ) وكان لابد أن يموت الإنسان ، وبخاصة لأن الله كان قد أنذره بهذا الموت من قبل أن يتعدي الوصية ، إذ قال له : " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " وهكذا استحق حكم الموت ، وكان لابد أن يموت كان موت الإنسان هو الوفاء الوحيد لعدل الله وإن لم يمت الإنسان ، لا يكون الله عادلا ، ولا يكون الله صادقاً في إنذاره السابق هذه النظرة يشرحها القديس أثناسيوس الرسولي باستفاضة في كتابه " تجسد الكلمة " وإذ يشرح لزوم موت الإنسان ، يشرح من الناحية المضادة المشاكل التي تقف ضد موت الإنسان فماذا كانت تلك المشاكل ؟ كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وبخاصة لأن الإنسان قد سقط ضحية الشيطان الذي كان أكثر منه حيلة ومكراً !! ( تك3 ) وكان موت الإنسان ضد كرامة الله ، إذ أنه خلق على صورة الله ومثالة ، فكيف تتمزق صورة الله هكذا ؟!وكان موت الإنسان ضد قوة الله ، كأن الله خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها من شر الشيطان ! وهكذا يكون الشيطان قد إنتصر في المعركة !! وكان موت الإنسان ضد حكمة الله في خلقه للبشر وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه كان خيراً للإنسان لو لم يخلق ، ن أن يخلق ليلقي هذا المصير !! وأخيراً كان موت الإنسان ضد ذكاء الله إذ كيف توجد المشكلة ولا يستطيع عقل الله أن يوجد لها حلاً !!إذن كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وضد كرامة الله ، وضد قوة الله ، وضد حكمته وذكائه . وكان لابد لحكمة الله أن تتدخل لحل هذا الإشكال وهكذا تدخل أقنوم الإبن لحل الإشكال والإبن كما يقول القديس بولس الرسول هو : " حكمة الله وقوة الله " ( 1كو1 : 24 ) ، ويسميه سفر الأمثال : " الحكمة " ( أم9 : 1 ) والآن نسأل : كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال ؟ كان الحل هو الكفارة والفداء ، لابد أن يموت أحد عن الإنسان ، فيفديه ، لإنقاذه . ولم يكن يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر ، غير الإنسان ذاته ، لا ملاك ، ولا حيوان ، ولا روح ، ولا أية خليقة أخري فلماذا ؟ كان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن الإنسان لسببين :- أولاً ـ لأن كل مخلوق محدود ، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة ، توفي العقوبة غير المحدودة ، للخطية غير المحدودة . ثانيا ـ لأن الحكم صدر ضد الإنسان ، فيجيب أن يموت الإنسان . وكان الحل الوحيد هو التجسد : أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من إمرأة ، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله ، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس ، في جميع الأجيال وهو من حيث ناسوته ، يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم علية في دفع ثمن الخطية من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمد أن يسمي نفسه : " إبن الإنسان " في كثير من المجالات هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة السيد المسيح مع العذراء جاء ليحمل خطيتنا ، ويموت عنها ، لينقذنا من عقوبتها إن عرفنا هذه الحقيقة ، فما هي الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها منها في حياتنا ؟ هذا ما نود الآن أن نتأمل فيه . تأمل أيها الأخ المبارك في أن كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله ذاته ، ولا تختلف في دينونتها عن خطية آدم وحواء هي مثل خطيئتهما غير محدودة ، لأنها موجهة ضد الله غير المحدود وهكذا فإن عقوبتها غير محدودة ، ولا تغفر إلا بكفارة غير محدودة كل خطية ترتكبها هي عصيان لله هي نوع من التحدي لله وعدم المبالآة بوصاياه ، بل هي ثورة عليه وإنضمام لخصمه الشيطان وهكذا فكل خطية ترتكبها تحمل معني عدم محبة لله ، لأنه يقول : من يحبني وصاياي ( يو14 : 15 ) لذلك عندما أخطأ داود وزني وقتل ، لم يقل أخطأت ضد أوريا الحثي وزوجته ، بل قال لله : " لك وحدك أخطأت ، والشر قدامك صنعت " ( مز50 : 4 ) حقاً إن الخطية خاطئة جداً كما يقول الكتاب ( رو7 : 13 ) وكل خطية ترتكبها يحملها المسيح ، لأنه هو : " حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله " ( يو1 : 29 ) " كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلى طريقة . والرب قد وضع عليه إثم جميعنا " ( إش53 : 6 ) إنك يا أخي ربما تستسهل الخطية ، وتستسهل غفرانها ، وتظن أنه بمجرد الإعتراف بها تنتهي . ولا يتناول تفكيرك كيف تغفر هذه الخطية بالاعتراف لذلك تجد الأمر سهلاً ولا تشعر بفداحة ما تفعله!!خطيتك أيها لا تغفر إلا بدم المسيح ، لأنه : " بدون سفك دم ، لا تحدث مغفرة " ( عب9 : 22 ) فما هو موقف الكاهن من الغفران إذن ؟ هل مجرد قراءة التحليل أو عبارة : " الله يحاللك " هي كل شئ ؟! كلا بلا شك . فمجرد هذه الكلمة وحدها لا تكفي عندما يعطيك الكاهن المغفرة ، إنما يقوم بعملية تحويل يحول الخطية من حسابك إلى حساب السيد المسيح ينقل الخطية من على رأسك إلى رأس الحمل الذي يحمل خطايا العالم كله وحينئذ يمحوها السيد المسيح بدمه بل أتجرأ وأقول إن السيد المسيح نفسه عندما كان يقول لإنسان : " مغفرة لك خطاياك " لم تكن هذه العبارة وحدها تكفي بدون دم الرب إنما قول السيد الرب لإنسان : " مغفورة لك خطاياك " معناها : " إنني قبلت أن أموت عن هذه الخطايا ، وقبلت أن أمحوها بدمي لذلك أعتبرها مغفورة ، لأنها مغموسة في دمي " لأنه لو كانت مجرد عبارة المغفرة تكفي لماذا إذن كان التجسد ، ولماذا إذن كان الصلب والفداء ؟ بسبب خطيتك أيها الخ ، أخلي الرب ذاته ، وأخذ شكل العبد ، وولد كإنسان ، وأحتمل كل ضعف البشرية من أجل خطيتك صار طفلاً ، ومن أجلها هرب من هيرودس إلى مصر ، ومن أجلها جرب من الشيطان ، ومن أجلها إضطهده اليهود وأهين وشتم وبصق عليه وضرب وصلب ومات إن عرفت كل هذا ، فكيف تحتمل مشاعرك أن تخطئ ؟!يجب أن تعلم جيداً أن كل خطية لابد أن تقف أمام عدل الله ، لكي تعطي حساباً أمامه " ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) لذلك في يوم ميلاد المسيح ، تأمل في محبته لك ، وفي سعيه لخلاصك وكيف أنه من أجلك جاء حقاً لقد جاء المسيح ليخلص العالم ( يو3 : 17 ) . جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك فهل كان هذا هو كل شئ ؟ كلا ، فإننا نلاحظ شيئاً آخر وهو أنه قد جاء لينوب عن البشرية . 2 ـ أتي المسيح لينوب عن البشرية :- إنه ناب عنا في دفع ثمن الخطية ، في الموت ، فمات عنا ولكن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي ناب عنا فيه بل أنه ناب عنا في كل عمل صالح ، في تكميل الناموس كله فاختتن وهو غير محتاج إلى الختان ، وصام وهو غير محتاج إلى الصوم ، وإعتمد وهو غير محتاج إلى عماد ، وهكذا داوليك ولعل نيابة الرب عن الإنسان هي التي جعلته يسمي نفسه في أحيان في أحيان كثيرة " إبن الإنسان " ، مشيراً إلى أنه جاء نائباً عن الإنسان أو نائباً عن البشرية فهو ليس إبن فلان من الناس ، وإنما هو إبن الإنسان عموماً وقد ناب عن الإنسان في موته وفي حياته وفي كل ما كان مطلوباً منه ولنبدأ أولاً بموضوع العماد ، كمثال ذهب السيد المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه ولكنه بلا شك لم يكن محتاجاً مطلقاً إلى العماد معمودية يوحنا كانت للتوبة ، والتوبة عمل يقوم به الخطاة وليس الأبرار ويسوع المسيح القدوس البار ، الذي هو وحده بلا خطية ، لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، وبالتالي لم يكن محتاجاً إلى معمودية يوحنا كان يوحنا صوتاً صارخاً في البرية ينادي : " توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات "( مت3 : 2 ) " إصنعوا ثماراً تليق بالتوبة " " كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقي في النار " وهذا الصوت لم يكن بأي حال موجهاً إلى السيد المسيح ، الذي إعترف له يوحنا قائلاً : " أنا محتاج إلى أن أعتمد منك " ( مت3 : 14 ) . ويوحنا كان يأتي إليه ليعتمدوا " معترفين بخطاياهم " ( مت3 : 6 ) والسيد المسيح لمتكن له خطية يعترف بها فمادام لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، ولا إلى المعمودية ، فلماذا ذهب إلى يوحنا ؟ ولماذا إعتمد ؟ لقد فعل ذلك " ليكمل كل بر " ، لينوب عنا في إطاعة الناموس إن البشرية فشلت في إرضاء الله الآب ، فجاء الإبن يرضيه .يريه : " إبن الإنسان ط وقد وقف كاملاً أمامه فناب عنا في تقديم هذه التوبة ... كما سينوب عنا في آخر الزمان في تقديم خضوع البشرية للآب وهكذا يقول الرسول : " ومتي أخضع له الكل ، حينئذ الإبن أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل " ( 1كو15 : 28 ) إن الخطية كانت لها نتيجتان : هلاك الإنسان ، واغتصاب قلب الله . وجاء السيد المسيح ليصلح الأمرين معاً : جاء ليخلص الإنسان الهالك ، إذ ناب عنا في الموت وفي دفع ثمن الخطية وجاء ليصالح لب الله الغاضب بأن يقدم له ناسوتاً كاملاً يرضيه ، وهكذا ناب عنا في تكميل الناموس وفي كل عمل صالح قام بالعملين معاً : أرضي قلب الله بحياته الطاهرة ، وأنقذ حياة الإنسان ، بموته الكفارى . وكما ناب السيد المسيح عن البشرية في التوبة والعماد وتكميل الناموس ، ناب عنها أيضاً في الصوم لم يستطيع الإنسان أن يكبح جماح جسده ، فأكل من طعام نهي الله عنه ، فسقط وجاء السيد المسيح ليصلح هذا الخطأ ، فبدأ خدمته بالصوم حتى عن الطعام المحلل للجميع نحن نصوم لنروض الجسد ونلجمه ونربيه أما جسد السيد المسيح فلم يكن جامحاً حتى يكبح جماحة ، فلماذا إذن صام ؟ ونحن نصوم لكي تصفو الروح وتسمو وروح السيد المسيح في صفائها وسموها ليست في حاجة إلى صوم يوصلها إلى العلو الذي توجد فيه بطبيعتها إذن لماذا صام ؟ لقد صام عنا ، أربعين يوماً وأربعين ليلة وفي ذلك الصوم قدم لله الآب ـ نيابة عنا ـ جسداً طاهراً لا يخضع لشهوة طعام ، إستطاع أن يبرهن عملياً على أنه : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت4 : 4 ) لقد ناب السيد المسيح عنا في تقديمه للآب صورة الإنسان الكامل المطيع لوصاياه ، وفي نفس الوقت قدم للبشرية الصورة الإلهية التي خلقوا على مثالها . 3 ـ آتي ليقدم لنا الصورة الإلهية :- لقد خلق الإنسان على صورة الله ومثالة ( تك1 : 27 ) في البر والقداسة والكمال ، ولكنه شوه تلك الصورة الإلهية بخطاياه . لسنا نقول هذا عن مجموعة خاطئة معينة من الناس ، وإنما عن الكل : " الجميع زاغوا وفسدوا معاً ، ليس من يعمل صلاحاً ، ليس لا واحد " ( مز14 : 3 ) وهكذا فقدت الصورة الإلهية من الكون لعل تلك الصورة هي التي كان يعينها ديوجين الفيلسوف : [عن أي شئ تبحث ] ؟ فأجاب : [ أبحث عن إنسان ] !! إن الإنسان في وضعه الأصلي ـ كصورة الله ـ لم يكن موجوداً فأتي السيد المسيح ليقدم للناس هذه الصورة الإلهية ، بمثال عملي أمامهم يرونه فيحاكونه وهكذا قال لهم فيما بعد : " لأني أعطيتكم مثالاً ، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً " ( يو13 : 15 ) بهذه الصورة رآه القديس بطرس الرسول : " تاركاً لنا مثالاً ، لكي تتبعوا خطواته " ( 1بط2 : 21 ) . وبنفس المعني يقول معلمنا يوحنا الرسول : " من قال إنه ثابت فيه ـ ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً " ( 1يو2 : 6 ) قدم لنا صورة للإنسان المنتصر على الشيطان ، ليعالج بها صورة آدم وحواء اللذين إنهزاماً أمام إغراء الحية وإيحائها وهكذا بدأ خدمته بأن سمح للشيطان أن يجربه ، ليس مرة واحدة كما فعل مع أبوينا الأولين ، وإنما ثلاث مرات ( مت4 ) أعقبتها فيما بعد تجارب لا تعد وإذ كانت كلمة الله ووصيته على لسان الإنسان الأول ، ولكنها ليست ثابته في قلبه ، ولا منفذه عملياً في حياته ، كانت وصية الله وكلمته قوية وفعالة في فم السيد المسي ، هزم بها الشيطان فلم يستطع أن يرد عليه وفي حياة السيد المسيح قدم لنا صورة الإنسان الكامل ، الذي إستطاع أن يتحدى جميع مقاوميه قائلاً : " من منكم يبكتني على خطية " ( يو8 : 46 ) . ويقول عنه بولس الرسول إنه : " مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب4 : 15 ) وقال عنه أيضاً إنه : " قدوس بلا شر ولا دنس قد إنفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 26 ) . لذلك عندما بشر الملاك العذراء بميلاده قال لها : " القدوس المولود منك " ( لو1 : 35 ) هذا القدوس ، إذ لم تكن في حياته خطية يموت بسببها ، مات عن خطايانا نحن وإستحق أن يكون فادي البشرية يمكننا أن نتأمل حياته المقدسة ، ونأخذ لأنفسنا درساً من كل عمل ومن كل قول كانت حياته نوراً يرشدنا إلى ما ينبغي أن نعمله لذلك يسميه القديس يوحنا " النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان " ( يو1 : 9 ) وإذ كانت خطية الإنسان الأولي هي الكبرياء ، لذلك جاء السيد المسيح يلقننا درساً في التواضع . 4 ـ درس عجيب في التواضع :- سقط أبوانا الأولان في الكبرياء عندما قبلاً إغراء الحية في قولها : " تصيران مثل الله " ( تك3 : 5 ) ومن قبلهما سقط الشيطان في هذه الخطية ذاتها إذ قال في قلبه : " أصعد إلى السموات أصير مثل العلي " ( إش14 : 13 ، 14 ) فجاء السيد المسيح يرد على هذه السقطة الإنسان الترابي أراد أن يرتفع ويصير مثل الله ، فإذا بالله ينزل ليصير شبه الناس !! الإنسان أراد أن يكبر ذاته ، فعالجة الرب بأن أخلي ذاته مقاييس العظمة كانت مرتكبة في حياة الإنسان فأصلحها له الرب كان يري العظمة في الكبرياء ، فشرح له الرب عملياً كيف أن العظمة في التواضع . ووضع ذلك المبدأ العجيب : " أكبركم يكون خادماً لكم فمن يرتفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع " ( مت123 : 11 ، 12 ) كان الناس يقيسون عظمة الشخص بمقدار انتفاخه وتوقير الناس له لذلك كان الكتبة والفريسيون : " يحبون المتكأ الأول في الولائم ، والمجالس في المجامع ، والتحيات في الأسواق ، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي " ( مت23 : 6 ، 7 ) فجاء السيد المسيح يعطي مثالاً آخر للعظمة ، العظمة الهادئة المتضعة غير المنتفخة البعيدة عن الكبرياء ومديح الناس ، عظمة القلب النقي المنتصر على المجد الباطل ، عظمة البساطة والوداعة . ولأول مرة بدأنا نسمع عن جمال الإتضاع قبل السيد المسيح كانوا يرون العظمة ، كعظمة الملوك ، في فخامتهم وحسن منظرهم ، مثل شاول الملك الذي : " من كتفه إلى فوق ، كان أطول من كل الشعب " ( 1صم9 : 2 ) كانوا يرون العظمة في المركبات والسيوف واحاطة الشخص نفسه بالجنود ورجال الحاشية والعبيد والخصيان !! فأتهاهم السيد المسيح بصورة أخري للعظمة ، عظمة مالك السموات والأرض الذي ليس له أين يسند رأسه ،عظمة الشخص الذي ليس له مكان إقامة ، وليس له منصب ولا وظيفة في المجتمع ، ومع ذلك يهز المجتمع كله بأصابعه !! لقد جاء السيد المسيح بصورة أخري للعظمة لم يرها الناس من قبل كانوا يفهمون الكرامة بأن يجلس العظيم فلا يستطيع أحد أن يقترب إليه ، أو أن يمشي في هيبه ووقار لا تقرب منه إمرأة ولا طفل لذلك عندما إقترب الأطفال من المسيح ، إنتهرهم التلاميذ !! ( لو18 : 15 ) فقال لهم الرب " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله " وتعجب التلاميذ ، وكانوا يفكرون في قلوبهم : " ما هذا الذي نراه منك يارب ؟! إنك كبير عن هذا المستوي ، نجلسك على عرش عظيم ، والناس يسجدون لك من بعيد !! لا يستطيع الكبار أن يقتربوا إليك ، فكم بالأولي الأطفال !! " وكأن السيد المسيح يجيبهم عن كل هذا : " دعكم من هذه الصورة الخاطئة التي أخذها الناس عن العظمة " نفس الأمر تكرر في بيت الفريسي عندما أتت إمرأة خاطئة وبللت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب ( لو7 : 38 ) فتأفف الفريس ، وتذمر في قلبه كيف يقبل السيد المسيح أن تلمسه إمرأة خاطئة وتقبل قدميه ! ولكن السيد المسيح دافع عن المرأة ، ورآها أعظم من الفريسي ، لأنها أحبت كثيراً ، فغفر لها الكثير لم تكن العظمة في نظر السيد المسيح هي الترفع عن الناس والتعالي على الضعفاء ، وإنما محبة الناس والعطف عليهم نفس الانتقاد وجهوده إلى الرب في جلوسه مع الخطاة والعشارين ، كما لو كان في جلوسه معهم أو اشتراكه في موائدهم ، انتقاض من قدرة وكرامته أما الرب فكان يرى الكرامة كل الكرامة في البحث عن هؤلاء الضالين وإنقاذهم مما هم فيه وهنا تبدو كرامته كراع ، ومعلم كل هذا يقنعنا بأن السيد المسيح ـ في مجيئه إلينا ـ كانت له إلى جوار الفداء اسباب أخري ، وإن كانت جانبية أسباب أخري لمجيئه : لقد جاء السيد المسيح لكي يصلح التعليم الفاسد الذي وقع فيه الناس ، ولكي يصحح المفاهيم الخاطئة للشريعة وللناموس وللمبادئ العامة في الحياة ذلك لأن الكتبة والفريسيين وزعماء اليهود وكهنتهم ورؤساءهم كانوا قد شوهوا كل شئ ، وفسروا الدين حسب مزاجهم الخاص ، وأبطلوا وصيه الله بسبب تقاليدهم ( مت15 : 6 ) ووضعوا على أكتاف الناس أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ، وأغلقوا ملكوت السموات قدام الناس ، فلا هم دخلوا ، ولا جعلوا الداخلين يدخلون ( مت23 ) من أجل ذلك وبخهم السيد المسيح ، وكشف رياءهم أمام الناس وقال عن أمثال هؤلاء المعلمين الكذبة : " جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص " ( يو10 : 8 ) ذلك لأنهم غرسوا في أذهان الناس وقلوبهم تعاليم خاطئة ومفاهيم منحرفة لهذا جاء السيد المسيح ليقدم مفاهيم جديدة جاء يقلب تلك الأوضاع ، ويقيم ثورة ف الحياة الدينية أو كما قال للناس جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو أضطرمت " ( لو 12 : 49 ) جاء يشعل ثورة ، ما قبلها ثورة ، ولا بعدها ثورة ثورة على الفهم الخاطئ للدين ، والفهم الخاطئ للمبادئ أقام السيد المسيح دولة جديدة من الفكر العالي السامي ، لا يمكن أن يصل إليه تفكير البوذيين ولا تفكير الكنفوشيوسيين ولا تفكي البراهمة ولا تفكير الفلاسفة جميعاً جميع فلاسفة العالم إنحنوا في خضوع وفي توقير أمام تعاليم المسيحية وإذ بالمسيحية قد ارتفعت فوق كل تلك الفلسفات ، وغلبتها جميعاً الفسلفة وغلبت القوانين ، وغلبت الأنظمة الموجودة الجهلة الذين لا فكر لهم ، ولكن لهم فكر المسيح وإستطاع هؤلاء أن ينشروا تعاليم الرب في كل مكان : " مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " ( 2كو10 : 5 ) حقاً لقد قدم السيد المسيح نوراً عجيباً للعالم نحن نفتخر ونفرح ونسر يمتلئ فمنا بركة وتسبيحاً ، لأن السيد المسيح أعطانا تعليماً عظيماً من هذا النوع يسمو على كل تعليم آخر صدقوني لو كانت المسيحية كلها ، ليست فيها سوي هذه الآية الواحدة التي تقول : " أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعينكم ، إحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ( مت5 : 44 ) لو كانت المسيحية لا تحمل سوي هذه الآية الواحدة ، لكانت هذه الآية الواحدة تكفي هاتوا كل تعليم الفلاسفة لا تجودنه يوازي هذه الآية في سموها وعلوها وعمقها لقد جاء السيد المسيح إلى العالم فبهر العالم بتعليمه يقول معلمنا القديس متي بعد تسجيله لعظة السيد المسيح على الجبل : " فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه ، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة " ( مت7 : 28 ، 29 ) كان تعليماً لا يدخل إلى الآذان والأذهان فقط ، وإنما يخترق القلب ويستقر فيه ، بسلطان ذلك لأن : " كلمة الله حية وفعالة ، وأمضي من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته " ( عب4 : 12 ) ان يعطي التعليم ويعطي معه نعمة لتنفيذه وربما عن هذا قال القديس يوحنا الرسول : " لأن الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صاراً " ( يو1 : 17 ) لم يكن تعليم السيد المسيح مبهراً للشعب مبهراً للشعب فقط ، وإنما للرؤساء أيضاً ، حتي في طفولته إنه وهو صبي في الثانية عشرة من عمره ، جلس في الهيكل في أورشليم ، في وسط المعلمين ، في وسط الكتبة والكهنة والشيوخ وأعضاء مجلس السنهدريم : " وكل الذين سمعوه ، بهتوا من فهمه وأجوبته " ( لو2 : 47 ) . ولما بدأ كرازاته ، نسمع عن نيقوديموس أحد رؤساء اليهود وعضو مجلس السنهدريم ، أنه جاء إلى السيد المسيح ليلاً ، يسأل ويتعلم 0 يو3 : 1 ، 2 ) وفي سلطان السيد المسيح في التعليم ، وفي ثورته التعليمية ، نجده يقول في سلطان : " سمعتم أنه قيل وما أنا فأقول لكم " ( مت5 ) . من ذا الذي يستطيع أن يتكلم هكذا عن شريعة الله ؟! ولكنه السيد المسيح ، الذي أنار عقولنا بذلك السمو العجيب في فهم الدين ، وإستطاع أن يحول فكر البشرية وفهمها الناس قبل مجيئه كانوا يفهمون أن القوة هي العنف ، فأعطاهم مثلاً للقوة هو قوة المحبة الباذلة ، التى تبذل ذاتها عن الآخرين ، ومثلاً آخر عن القوة ، هو قوة الروح في الداخل والناس كانوا يفهمون الحية بمعني أن يفعل الإنسان ما يشاء فوضح لهم أن الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من الخطية وتحرره من عبودية الشهوة ومن سلطان الجسد ، بل تحرره من الذات وفي تعليم السيد المسيح أعطي الناس فكرة جديدة عن الله ذاته كانوا ينظرون إلى الله كقوة جبارة لا يستطيعون الدنو منها حتى أنهم عند إعلان الوصايا العشر على الجبل ، كانوا مرتعدين ، " وقالوا لموسي : تكلم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت " ( خر20 : 19 ) أما في مجئ السيد المسيح ، فأراهم الله في صورة أخري وأخذوا فكرة عن الله المحب الشفوق ، الوديع المتواضع ، الذي : " لا يخاصم ولا يصيح ولا يمسع أحد في الشوارع صوته . قصبه مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنه لا يطفئ " ( مت12 : 20 ) الله الذي يجول بينهم كراع يسعي في طلب الضال . وكطبيب يضمد الجروح ، وكنور يضمد الجروح ، وكنور حقيقي يشرق للضالين وغير العارفين هذه هي الصورة الجديدة التي قدمها لهم عن الله فأخبوه : " والمحبة تطرح الخوف إلى خارج " ( 1يو4 : 18 ) لأجل هذا كله فرح العالم بمجئ الرب وقف الملاك يحمل البشري للرعاة قائلاً : " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب " ( لو2 : 11 ) أي أن الفرح لم يكن للرعاة فقط ، إنما لجميع الشعب وليس لليهود فقط ، إنما للعالم كله حقاً إنه فرح عظيم ، رأيناه وضحاً على وجه سمعان الشيخ الذي حل الطفل يسوع على ذراعية ، وبارك الله قائلاً : " الآن يارب تطلق عبدك بسلام لأني عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب " ( لو2 : 29 )إنه فرح بالخلاص المنتظر منذ زمان رأينا هذا الفرح على وجه حنة النبيه العابدة القديسة التي " وقفت تسبح الرب ، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم " ( لو2 : 28 ) وظهر هذا الفرح على وجه اليصابات لما زراتها العذراء ، فامتلأت اليصابات من الروح القدس وقالت للعذراء : " من أين لي هذا ، أن تأتي أم ربي إلى . فهوذا حين صار صوت سلامك في في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني " ( لو1 : 41 ـ 44 ) حتى الجنين ابتهج ن لأنه كان نبياً ، ويعرف من هو هذا المسيح الذي أتي ولكن هل فرح الكل وابتهجوا ، أم أن هناك من قد حزن ـ للأسف ـ بسبب مجئ المسيح ؟‍ هذا ما سوف نحدثك عنه إن شاء الله في المحاضرة المقبلة . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
14 يناير 2025

تأملات فى عيد الختان

الختان فى العهد القديم ... كانت عادة الختان وما زالت سائدة بين كثير من الأجناس في أجزاء مختلفة من العالم في أمريكا وأفريقيا كما كانت هذه العادة شائعة بين الساميين من مصريين كعادة صحية دون غياب البعد الديني عنها كما عرف العبرانيين والعرب والموآبيين والعمونيين الختان ولكنها لم تكن معروفة عند الأشوريين والبابليين. وكذلك لم يكن الختان معروف لدى الفلسطينيين فى كنعان. لذلك كان يطلق عليها دائما وصف "الغلف" أي غير المختونين. وكان الختان بصفة عامة شرطاً أساسياً للتمتع بامتيازات دينية وسياسية معينة (خر12: 48،حز44: 9). ولأن الدين يشكل عنصرا هاماً في الحياة، غير هناك نظريات كثيرة فى أصل الختان واسبابه ويمكن القول بأن الختان نشأ كطقس ديني. فى العهد القديم كعهد بين الله وابراهيم ابو الاباء منذ الف وتسعمائة سنه قبل الميلاد تقريبا وكان الختان كعلامة أو كعهد على مستوى العلاقة الشخصية الداخلية بين الانسان والله ودخول فى رعوية الله حيث قال له الرب { أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك . لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك . فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي}(تك17: 7 ـ 14). وهكذا مارس موسى الختان لابنه وقامت زوجته صفورة بختان ابنها فى مديان لتبيان أهمية الختان فى طريق موسى للنزول الى مصر لقيادة الشعب للخروج من عبودية فرعون { وحدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله. فاخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت انك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان.} (خر24:4-26). من يدل على أهمية الختان، لان ختان الابن كان فيه نجاة لموسى لأنها قالت له:{إنك عريس دم لي}. وكأن ميثاق وعهد زواجها قد تأيد بسفك الدم من ابنها في عملية الختان. هكذا توثق الختان فى شريعة موسى النبي بعد الخروج ايضا ولم يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا: {وإذا نزل عندك نزيل وصنع فصحاً للرب فليختن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه .. أما كل أغلف فلا يأكل منه}(خر12: 48). وقد صنع يشوع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل القلف . ودعي اسم المكان "الجلجال" (أي الدحرجة يش5: 1 ـ 9). فكان الختان علامة مميزة لنسل إبراهيم. واستخدامهم آلات عفا عليها الزمن كسكاكين الصوَّان، لدليل على مدى تمسكهم بهذا الأمر . كما اننا نجد في كثير من فصول الكتاب المقدس، أمثلة للاستخدام المجازي "للختان"، فحتى الاشجار المثمرة كانت تحسب غير طاهرة مدة الثلاث سنوات الاولى من عمرها وفى السنة الرابعة تقدم باكورتها الى بيت الرب وفى السنة الخامسة يأكل اصحابها ثمارها { ومتى دخلتم الارض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها. وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسا لتمجيد الرب. وفي السنة الخامسة تاكلون ثمرها لتزيد لكم غلتها انا الرب الهكم.} (لا23:19-25). وبهذا تصير ثمار الاشجار صالحه للأكل ومباركة للطعام . فالختان هو عهد بين الله والمؤمن ليكون من شعب الله وبالختان يتمتع الطفل المختتن بكامل الحقوق الرعوية لشعب الله وعليه ان يطيع وصايا الله عند بلوغه سن الادراك ويسمى ابن او بنت الشريعة اي صار ملتزما باحكامها. عيد الختان المجيد ... تحتفل الكنيسة بتذكار ختان السيد المسيح له المجد، فى اليوم الثامن من عيد الميلاد كما جاء فى الكتاب المقدس { ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن} (لو21:2). وهو من الأعياد السيدة الصغرى. وكان يسمى قديما بالاوكتافى اي " اليوم الثامن" توقيرا من المؤمنين واحتراما واجلالا لشخص الختن يسوع المسيح ربنا. لقد خضع السيد المسيح للناموس فى جسده اذ وجد فى الهيئة كانسان { واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب} (في 2 : 8 ) لقد أكمل الناموس كما قال { لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل }(مت 5 : 17). بخضوع المخلص لوصايا الناموس وباعطائه الكمال للوصايا فى بعدها الروحي واتمها عنا ليعتقنا من حرفيه الناموس الى روح الوصية وبعدها الروحي والاخلاقي وليعتقنا من ثقل هذه الوصية كما يقول القديس بولس { ان يسوع المسيح قد صار خادم الختان من اجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء } (رو 15 : 8). المعمودية من الماء والروح ... لقد أعتمد المخلص البار ووضع لنا طريق البنوة والدخول فى رعوية شعب الله والولادة الجديدة من الماء والروح لنكون له ابناء وبنات بالتبني كما قال الرب { من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن} (مر 16 : 16) لأنه لابد ان نولد من فوق بالماء والروح القدس لنصير ابناء الله بالتبني {اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله} (يو 3 : 5). ولهذا يقول الرسول بولس { وبه ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات. واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا} (كو11:2-13). لهذا يريد منا ان نحفظ الختان الروحي أي ختان القلب لنحيا له في والقداسة ولقد أكد الرب على أهمية الختان الروحي للإنسان المؤمن حتى فى العهد القديم. وعندما اثيرت مسألة دخول الامم الى الإيمان فى العصر الرسولي ونادا البعض من اليهودية فى الامم بضرورة الختان { وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة انه ان لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم ان تخلصوا} (اع 15 : 1). انعقد اول مجمع رسولي فى عام 49م فى اورشليم بحضور الاباء الرسل منقادين بالروح القدس فى قرارهم بقبول الامم فى الايمان دون ان يثقلوا عليهم بختان الجسد ولكن بالمعمودية والبعد عن نجاسات الاصنام والزنا وأكل المخنوق أو الدم كدخول فى عهد ورعوية شعب الله { فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الامر. فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا ايضا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالايمان قلوبهم. فالان لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن ان نحمله. لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما اولئك ايضا. فسكت الجمهور كله وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الايات والعجائب في الامم بواسطتهم. وبعدما سكتا اجاب يعقوب قائلا ايها الرجال الاخوة اسمعونى. سمعان قد اخبر كيف افتقد الله اولا الامم لياخذ منهم شعبا على اسمه. وهذا توافقه اقوال الانبياء كما هو مكتوب. سارجع بعد هذا و ابني ايضا خيمة داود الساقطة وابني ايضا ردمها واقيمها ثانية. لكي يطلب الباقون من الناس الرب و جميع الامم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا كله. معلومة عند الرب منذ الازل جميع اعماله. لذلك انا ارى ان لا يثقل على الراجعين الى الله من الامم. بل يرسل اليهم ان يمتنعوا عن نجاسات الاصنام والزنا والمخنوق والدم. لان موسى منذ اجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به اذ يقرا في المجامع كل سبت}( أع 6:15-21). لانه لا الختان الجسدي ولا الغرلة فى المسيحية هي حدود النجس أو الطاهر بل الايمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). الإيمان بمحبة الله المعلنة لنا فى المسيح يسوع بنعمة روحه القدوس { الذي فيه ايضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب راي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده} (أف11:1-14). وامتد الختان الروحي ليشمل تقديس الحواس والفكر والقلب والعمل ليصبح المؤمن هيكل روحي مقدس ومكرس لله كما قال الرب يسوع فى تجسده وهو القدوس { ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق }(يو 17 : 19). ان التقديس هنا بمعنى التخصيص وتكريس الحياة . ونحن اذا نقتدى برئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع نكرس حياتنا له فى خدمة باذلة ومحبة كاملة بكل الاعضاء الداخلية والخارجية والحياة لله سواء فى بتولية او زواج مقدس كما يشدد القديس بولس الرسول علينا { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح }(2كو 11 : 2). الختان الروحي وتقديس المؤمن لله... ختان الشفتين ... ان الشفاة الخاطئة والظالمة والمتكبرة والمتكلمة بالاكاذيب والتي لا تمجد الله وتسبحه هي شفاه غلفاء حتى ان موسى النبي عندما دعاه الله ليرسله الى فرعون ليخرج الشعب من العبودية فى تواضع قال للرب { فتكلم موسى امام الرب قائلا هوذا بنو اسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وانا اغلف الشفتين }(خر 6 : 12). وهكذا فعل اشعياء النبي عندما راى مجد الرب احس بنجاسته امام مجد الرب { فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود. فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} (أش 5:6-7). لهذا يقول الرب على لسان هوشع النبي ان التسبيح وطلب مراحم الرب كذبائح مقدسة { خذوا معكم كلاما وارجعوا الى الرب قولوا له ارفع كل اثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا} (هو 14 : 2). الاذان المختونة .. الاذان المختونة بالنعمة هي التي تسمع لصوت الله وتستطيع ان تميزه بين الاصوات الكثيرة والضجيج المحيط بنا لذلك كثيرا ما كان السيد المسيح يؤكد على سامعيه { من له اذنان للسمع فليسمع (مت 11 : 15). ويلوم على الشعب قديما لانهم رفضوا سماع كلمة الرب { فابوا ان يصغوا واعطوا كتفا معاندة وثقلوا اذانهم عن السمع }(زك 7 : 11). ولهذا لام السيد المسيح على سامعيه المعاندين { لان قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا باذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم} (مت 13 : 15).. ويدعونا لسماع صوته { اصغ يا شعبي الى شريعتي اميلوا اذانكم الى كلام فمي }(مز 78 : 1). ويمدح الرب المؤمنين الذين يبصروا ويسمعوا لصوت كلامه { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع} (مت 13 : 16). ويوصينا الكتب ان نسمع ونصغى لصوت الرب ونطيعه { اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم }(عب 4 : 7). القلب المختون ... القلب المختون بالنعمة هو القلب المقدس الذى يحب الله حبا يملك الحب ويحب الجميع محبة روحية طاهرة من محبته لله { ويختن الرب الهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا }(تث 30 : 6). لهذا يشدد القديس بولس الرسول على أهمية ختان القلب بالروح القدس { بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله} (رو 2 : 29). لقد لام القديس استفانوس رئيس الشمامسة مقاومي الحق { يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والاذان انتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان اباؤكم كذلك انتم }(اع 7 : 51). وقاوموا عليه ورجموه وهو ينظر الرب فى السماء ويقول فى قلب مختون بنعمة وقوة الروح القدس والحكمة محب حتى للاعداء { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد }(اع 7 : 60). الختان الروحي اذن هو تقديس للحواس والفكر والارادة والعمل وتقديس الاعضاء الداخلية والخارجية ليصير المؤمن كهيكل مقدس لله. ولهذا عندما يعمد الداخل للإيمان يجحد الشيطان وكل اعماله الرديئة وحيله وطرقه ويعلن ايمانه المسيحي ليموت عن الانسان العتيق ويقوم فى جده الحياة وتقدس اعضاءه بالميرون المقدس ليكون هيكلا للروح القدس { اما تعلمون انكم هيكل الله و روح الله يسكن فيكم }(1كو 3 : 16){ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم }(1كو 6 : 19). القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
13 يناير 2025

التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم

لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي. عطية الروح القدس هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح. الاتحاد بشخص المسيح ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8). نوال البنوة لله (التبنى) وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2). نتائج اجتماعية ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟ لأبشر المساكين. لأشفي المنكسرى القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر. لأرسل المنسحقين إلى الحرية. لأكرز بسنة الرب المقبولة.. " ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب. د. سعيد حكيم
المزيد
12 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الأول من شهر طوبة

تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ ) يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
11 يناير 2025

قتل أطفال بيت لحم والهروب إلى مصر

بسبب ميلادك يا واهب الحياة للكل ذبُح الأطفال! فلأنك أيها الملك ربنا رب الملوك ستذبح،من أجلك في غباوة ذبح الطاغية رهائن! الحمام في هديره صار يتأوه،لأن الحية (هيرودس) أهلكت صغارها! الصقر طار إلى مصر لينزل فيها،وتتحقق المواعيد! فرحت مصر به أنه جاء، فترد له دينها الذي سقطت فيه مع أبناء يوسف لقد عاد لعمل ويسٌد الدين لأبناء يوسف مبارك هذا الذي من مصر دُعي! كان الكتبة يقرأون يوميًا أن كوكبًا يشرق من يعقوب،فكان لهذا الشعب الصوت والقراءة،أما الأمم فكان لهم ظهور النجم وتفسير النبوة! كانت لهم الأسفار أما نحن فصارت لنا الوقائع! كانت لهم الأغصان، أما نحن فلنا الثمار! كان الكتبة يقرأون فيما هو مكتوب،والمجوس رأوا ما قد حدث استضاءة النجم المقروء عنه! مبارك هذا الذي سلمنا كتبهم! حملق الطاغية في المجوس عندما سألوا عن ابن الملك،وبينما كان قلبه متكدرًا تظاهر بالفرح! أرسل مع الحملان ذئابًا حتى يقتلوا "حمل الله" أجابه المجوس "عندما ترسل معنا خدامك، يخفي النجم عنا لمعانه، وتختفي عنا طرقه"،دون أن يعلم المباركون أن الملك يريد إرسال أعداء ألداء قتلة،لهم صورة المتعبدين،حتى يفسدوا الثمرة الحلوة التي يأكل منها المر فيصير حلوًا! عندما تسلم المجوس وصية منه أن يذهبوا ويبحثوا عن الطفل،كُتب عنهم أنهم رأوا النجم اللامع وابتهجوا! وهكذا عُرف أنه كان قد اختفي عنهم، لذلك ابتهجوا برؤيته لقد اختفى النجم ومنع القتلة،ثم ظهر ودعا العابدين لقد ألقى بجماعة (المجرمين) وجاء بأخرى! مبارك هذا الذي أنتصر في كلى الجماعتين! كيف أفلت "الطفل" من الرجل الفظ الذي قتل كل الأطفال؟! لقد عاقته العدالة عن تنفيذ أفكاره بأن يعود المجوس إليه وبينما بقى منتظرًا أن يلقي القبض على المعبود وعابديه،أفلت الكل من يديه! هرب العابدون بتقدماتهم من الطاغية إلى ابن الملك المجد لذلك الذي يعرف كل المشورات! إذ نام المجوس الذين بلا لوم، تأملوا في فراشهم،وصار النوم لهم كمرآة، وظهر لهم حلمًا كنورٍ؛رأوا فيه القاتل فارتعبوا، إذ لمع أمامهم غدره وسيفه لقد علم الناس الغدر، وسن سيفه للقطع، أما "الساهر" فعلم نائميه مبارك ذاك الذي يهب حكمة للبسطاء! البسطاء الذين يؤمنون يعرفون مجيئين للسيد المسيح،أما الكتبة الأغبياء فلم يدركوا حتى مجيئًا واحدًا الأمم ينالون حياة من مجيئه الأول، ويقومون في المجيء الثاني! الشعب الذي أعمى ذهنه، تشتتوا بمجيئه الأول، وينزع بالمجيء الثاني! مبارك الملك الذي جاء وسيجيء! أعلن الأنبياء عن ميلاده، لكنهم لم يوضحوا تمامًا وقت مجيئه! لقد أرسل المجوس، الذين وأظهروا وقته لكن المجوس الذين عرفوا الوقت لم يكونوا يعرفوا من هو هذا الطفل فإذا بنجم عظيم في نوره يظهر بمسيره، من هو هذا الطفل؟! وكم كان نسبه جليلًا؟! مبارك هذا الذي عُرف بواسطتهم جميعًا! لقد احتقر (اليهود الأشرار) بوق إشعياء الذي تغنى بكهنوته! لقد أسكتوا قيثارة الروح التي تغنت بملكوته! وفي صمت عميق أغلقوا على الميلاد العظيم،فإذا بالأصوات العلوية تصرخ مع الأصوات التي من أسفل مبارك هو هذا الذي ظهر في وسط صمت عميق! الكتبة صمتوا في حسدٍ،والفريسيون سكتوا في غيرة،ومتحجرو القلب (المجوس) صرخوا مقدمين تسبيحًا! أنشدوا في حضرة "حجر الزاوية"، الذي احتقره (اليهود)،وقد صار رأسًا (للزاوية) صارت القلوب الحجرية لحمية بواسطة "حجر الزاوية"وصارت لها أفواه تسبح،إذ جاءت الحجارة تنطق أمام "حجر الزاوية"مبارك هو ميلادك الذي جعل الحجارة تنطق! القمص تادرس يعقوب ملطي عن كتاب من تسابيح الميلاد للقديس مار أفرام السرياني
المزيد
10 يناير 2025

الميلاد واستجابة الإنسان

أهنئكم أيها الأحباء بالعام اﻟﻤيلادي اﻟﺠديد، وعيد ميلاد السيد اﻟﻤسيح اﻟﺬي أﺗﻰ متجسدًا من أجل خلاص ﻛﻞ البشر لقد كانت الشعوب في عصور العھد القدیم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجيء المخلص، وكان الله یستجیب بإرسال الأنبیاء والأبرار والصدیقین،لكي ما یقودوا الناس في تلك العصور القدیمة،وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان. وتعلَّم الإنسان أن یختم دائمًا صلواته بكلمة "آمین"، وھي الكلمة المشھورة في جمیع لغات العالم التي تعني "استجب یا رب" وعلى الجانب الآخر، كان الله یطلب من الإنسان أن یستمع وأن یستجیب لوصایاه، ولذلك نرى ھذه الكلمات تتكرر بین أسفار الكتاب المقدس: "مَنْ لَه أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْیَسْمَعْ" (مت ۱۱: 15, مر٤ :9, لو 8:8, رؤ ۳ : ٦) ، وتتحدث عن الأذن التي تُمثِّل جھاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبھا یستمع لكل ما یقال حوله، فھي بمثابة جھاز استقبال ولا نتحدث عن ھذا العضو الصغیر الموجود في رأس الإنسان فقط، إنما أیضًا الأذن الداخلیة للإنسان، وتتمثل في قلبه، فكل الأحادیث والآراء التي حولنا تدخل ھذا الجھاز وتُترجم قلبیًا، ولنا بعد ذلك الاختیار والحریة لقبول ما نسمع أو رفضه أوالاستجابة له حسب ما یقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا ھل لاحظت أن كلمة "قلب" بالإنجلیزیة وتعني heart تحوي داخلھا كلمة ear أي "الأذن"، لذا دائمًا ما نجد ارتباط بین الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما یسمعه بأذنه یترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب ھذه الترجمة وإذا انطلقنا في رحلة الإنسان على مدار أیام حیاته على الأرض، نجده یقابل الكثیر من المواقف التي تحتاج منه إلى قرارات، بدایة من أصدقاء الطفولة،نوع الألعاب، ما یفضله من أنواع الطعام، إلى اختیاراته للدراسة والعمل والارتباط وغیرھا من القرارات الكثیرة والیومیة، وبحسب استجابته للمواقف تسیر أیامه، وبحسب اختیاراته یرسم حیاته،وھكذا صار على مر الزمان نرى في الأیام الأولى للحیاة على الأرض كیف استجابت حواء لنداء الحیة، وبعد الحدیث معھا أذعنت لطلبھا، وھكذا أیضًا امتثل آدم لطلب حواء أن یأكل الثمرة، وبحسب خضوعھما للحیة واختیارھما لسماع كلماتھا، سارت حیاتھما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصیة الله كذلك نتذكر كیف كان نوح البار ینادي للجمیع أن یتوبوا وینضموا معه إلى الفلك، لكنھم رفضوا بسبب قساوة قلوبھم، بل تھكموا على من یبني مركبًا على سفوح الجبال، وھكذا ھلكوا بالطوفان، وھناك أحداث كثیرة على مرالعصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤیته للمواقف ونحن نؤمن أن الله یستجیب، فقد قال بوعد: "ادْعُنِي فِي یَوْمِ الضِّیقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي" (مز ٥۰ : ۱٥ )، فھو یرید الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغیر بحسب الزمان والمكان والطلب، وأیضًا بحسب قلب السائل، إن كان یطلب بإیمان، أو یطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراھیم من الله ابنًا له، ولم یمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشیخوخة، وقد قبل الله لصلاة یونان النبي بعد مكوثه في جوف الحوت ثلاثة أیام وثلاث لیالٍ، أیضًا استمع الله للقدیس سمعان الخراز في نقل جبل المقطم، وغیرھا الكثیر من الأمثلة. وفي احتفالنا بمیلاد السید المسیح له المجد، تظھر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشریة وھو ما أود أن أتأمله معكم الیوم: استجابة القلب المطیع: فتاة عذراء تجد ملاكًا یبشرھا بولادة ابن الله منھا ویقول لھا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ یَحِلُّ عَلَیْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَیْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ یُدْعَى ابْنَ للهِ" (لو ۱ : ۳٥ )، وبكل الطاعة تجیب: "ھُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِیَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو۱: ۳۸ )، وتستجیب لبشارة الملاك، وتستعد لاستقبال ابن الله داخلھا مع أن مریم فتاة صغیرة، لكنھا تعلمت كیف تطیع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما یطلبه منھا ومن اتضاعھا الجمیل عندما تعلم أن نسیبتھا ألیصابات العاقر حبلى تذھب مریم عبر الجبال لتخدم ألیصابات في حملھا بیوحنا المعمدان،وتقدِّم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبھا ونمجدھا لأنھا صاحبة استجابة قویة ونخصص لھا شھرًا كاملاً ھو شھر كیھك نقدِّم فیه الصلوات والتسبیحات ونطلب شفاعتھا أمام المسیح إلھنا. استجابة القلب النقي: رعاة ساھرین في جو بارد، وھواء الشتاء الرطب، یرعون خرافھم باجتھاد في السھول والودیان، وفجأة تنیر السماء بملاك الرب یبشرھم قائلاً: "أَنَّه وُلِدَ لَكُمُ الْیَوْمَ فِي مَدِینَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ ھُوَ الْمَسِیحُ الرَّبُّ" (لو ۲: ۱۱ )، ویدلھم على مكانه، ثم یظھر جمھور من الجند السماوي مسبحین الله قائلین: "الْمَجْدُ ﻟﻠﮫِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو ۲: ۱٤ )، "قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُھُمْ لِبَعْضٍ لِنَذْھَبِ الآنَ إِلَى بَیْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ ھذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِه الرَّبُّ فَجَاءُوا مُسْرِعِینَ، وَوَجَدُوا مَرْیَمَ وَیُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ" (لو ۲: 15 -۱٦ )، ففرحوا بالعطیة الإلھیة، واستجابوا لنداء الملائكة "ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَھُمْ یُمَجِّدُونَ اللهَ وَیُسَبِّحُونَه عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِیلَ لَھُمْ" (لو ۲: 20). استجابة القلب الواسع: بیت لحم، القریة الصغیرة، كانت تعاني من ازدحام شدید بسبب الاكتتاب خلال ھذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان میلاده لیكتب اسمه في السجلات، لیتم عد الشعب بأمر أوغسطس قیصر، فكان الازدحام شدیدًاولا یوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد في ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحیوانات،ولم یجد یوسف النجار مكانًا یذھب إلیه مع مریم العذراء خطیبته ویبیتوا فیه، حتى عرض علیھم صاحب بیت، لا نعرف اسمه، أن یستقبلھم، لكن ولضعف إمكانیاته، في مذود البقر، وھكذا استقبل أھل بیت لحم المولود في قریتھم، فتباركت ھذه البلدة من الله بسبب استقبالھا للطفل یسوع. استجابة القلب المتلھف أو المشتاق: أناس علماء یدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماءً ملیئة بالنجوم ولكن بینھم نجم خاص، فتركوا كل شئ وذھبوا وراء النجم، لم یعلموا إلى أین یقودھم، وقد تطول فترة سفرھم بالشھور، لكنھم لم یفكروا كیف یسیرون،لأنھم یثقوا أن ھناك حدث عظیم ویجب أن یسیروا وراءه، واختاروا المسیر، ووصلوا إلیه بعد تتبع النجم، وفي مقابلتھم للطفل یسوع قدَّموا أثمن الھدایا،واثقین أنه لیس طفلاً عادیًا حتى لو مولود في مذود متواضع بسیط، وبعد مقابلتھم له غیروا طریق عودتھم لأنھم آمنوا أنه ملك بقلوبھم لا بعیونھم. استجابة القلب الشریر: إنه مَلك خاف على مُلكه حین سمع من المجوس أن النجم الظاھر ھو لملك عظیم، قتل الآلاف من الأطفال حتى یستمر مُلك ھیرودس ولا یزعزعه أي قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتھم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم یفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته. وھكذا ومواقف كثیرة أخرى في حادثة المیلاد تظھر التباین بین الاستجابات بحسب القلوب، ومازالت الأصوات تعلو في العالم تنتظر استجابة: صوت الله یطرق على كل قلب، لیختار الإنسان أن یفتح لیدخل الله ویقیم في قلبه، أو یغلق ولا یسمح ﻟﻠﮫ بالدخول. صوت الوصیة الإلھیة، لیستجیب الإنسان لھا أو أن یكسرھا بإرادته ویفعل ما یحلو له في العالم،ویسیر في طریق الإلحاد وخطایا المثلیة والإدمان بكل أنواعه وغیرھا الكثیر. صوت الإنسانیة الصارخة، ونحن جمیعًا نسمعھا الآن، من خلال الحروب التي انتشرت حولنا، ورد فعل العالم لھا، وكیفیة استجابة الشعوب لھذا الصراخ، تسمع وتستجیب أم تصم أذنیھا عن الأنین الخارج من الشعوب المحطمة في الحروب. لقد كانت فترة الصوم المیلادي فرصة لإصلاح الأذن الداخلیة في قلب الإنسان، لیستطیع الاستماع والاستجابة،ومكتوب: "یستجیب لك الرب في یوم شدتك" (مز ۲۰: ۱)، فإذا كانت القلوب نقیة فإنھا تعرف كیف تسمع وتستجیب، ولأن العالم یضج بالحروب والنزاعات فھو لا یستطیع أن یستمع للصوت الإلھي الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحین والأنین الخارج من النفوس المحطمة. وقد خصصت الكنیسة شھر كیھك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام في العالم كله، لیحل السلام من ملك السلام المولود في النھایة ھذا الیوم ھو فرصة لكل إنسان أن یراجع استجاباته السید المسیح أتى لینیر الإنسانیة ویضيء قلوب البشریة، یطلب منا أن یحل السلام،فھل یستجیب العالم لندائه ؟ سؤال ینتظر إجابة من كل إنسان كل عام وأنتم بخیر. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
09 يناير 2025

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33). عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد
08 يناير 2025

تساؤلات فى التجسد

التجسد الإلهي هو جوهر الحياة المسيحية إن فهمناه فهمنا عقيدتنا المسيحية بعد ولادة ربنا يسوع المسيح اضطرب هيرودس الملك وأمر بقتل أطفال بيت لحم من سِن سنتين فما دون كان يجب أن يكون الطفل يسوع وسطهم لكن الملاك ظهر ليوسف البار وقال له قم وخُذ الصبي وأمه واهرب إلى أرض مصر .. لو كان ربنا يسوع أتى ليموت ويفدينا كان يمكنه أن يموت وسط أطفال بيت لحم وانتهى الأمر .. فهل كان يليق أن يموت وسط أطفال بيت لحم أم لا ؟ ولماذا ؟لا يليق أن يموت المسيح وسط أطفال بيت لحم .. لماذا ؟ أولاً لكي تتحقق فيه النبوات . ثانياً لكي يمر بمراحل حياة الإنسان المختلفة لأنه لما تجسد أخذ طبيعتنا وجسدنا فيمر بمراحل حياتنا ويُقدسها كلها . ثالثاً لابد أن يفدينا عن طريق الصليب وليس بسيف هيرودس أيضاً كان لابد أن يعيش ويكون له أصدقاء وأحباء وعائلة وأعداء ويُبارك حياتنا ويعيش حياتنا بحيث أنه يأكل ويشرب ويحزن ويتألم ويفرح ويتضايق ويجوع ويئِن ويتهلل ويتعامل مع كل الفئات ويُبارك الحياة بكل ظروفها ويُبارك الطبع البشري كله ويُعلِّمنا كيف نسلك ونُحارب عدو الخير ويُصلب ويغلب الموت لذلك صار إنسان كواحد منا . لماذا لم يمُت وسط أطفال بيت لحم وينتهي الأمر أليس هو موت ؟ لا لكن لكي يحمل خطايانا ويأخذ لعنتنا ﴿ ملعون كل من عُلِّقَ على خشبة ﴾ ( غل 3 : 13) لأن موت يسوع كان له شروط هي :- 1. أن يكون موت إرادي ﴿ أسلم ذاته بإرادته وحده ﴾ كان يمكنه أن يهرب من البستان لكن عندما سأله الجنود " نريد يسوع الناصري " أجابهم " أنا هو " . 2. لابد أن يموت موت به إشهار وإعلان أي فضيحة فإن مات وسط أطفال بيت لحم ألـ 144000طفل كيف سنعرف يسوع وسط كل هؤلاء ؟ لكن بالصليب كل الناس عرفت أن يسوع قد مات . 3. لكي يجتاز به عقوبات من مختلف الأنواع لكي يُبررنا من خطايانا الكثيرة التي فعلناها كل هذا تعبير عن طبيعة الفداء الذي فدانا به . يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته للعبرانيين ﴿ لأنه لاقَ بذاكَ الذي من أجلهِ الكل وبهِ الكل وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد ﴾ ( عب 2 : 10) فهل يليق بالله أن يصير إنسان ؟ الله هو جوهر إلهي لا يليق أن يكون إنسان لكن " لاقَ بذاكَ " هو لا يليق لكن لكي يُنقِذنا لاق به نعم قد نتعجب من الأمر لكن لأجل محبتهِ لاق به لأنه لا يليق أن ينظر الله الإنسان يموت وينتظر فداء الله ولا يتدخل الله لكن لكي يُكمِّل خلاصنا لاق به واشترك معنا في اللحم والدم هل يليق يا الله أن تأخذ شكل المحدود وأنت غير محدود تأخذ شكل الزمني وأنت غير زمني ؟ نعم من أجل الصلاح وحده﴿ لأنه صالح ومُحب البشر ﴾ عندما نتعجب من تصرفات يسوع وأفعاله قُل أنه صالح ومُحب البشر سواء جاع أو عطش أو نام أو بكى لأنه صالح ومُحب للبشر . إذا ذهب طفل مع والده إلى الكنيسة وأثناء مسيرة سقط الطفل في بِركِة ماء غير نظيف وكان يرتدي ملابس جديدة هل يتركه الأب ويسير أم ينادي من يُنقِذه أم ؟ بالطبع ينتشله بسرعة ولا يهتم بمظهره وملابسه لأنه إن لم ينتشله بسرعة يكون مُخطِئ في حق ابنه نعم لا يليق أن الله يتجسد لكن أيضاً لا يليق أن لا يفدينا . يقول الكتاب ﴿ لأجلهم أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ ( يو 17 : 19) هل يحتاج يسوع للتقديس ؟ توجد قاعدة مهمة وهي أن يسوع كنائب عنا أخذ جسد بشريتنا لكي يُقدسه الجسد الذي فسد وانحرف وجمحت تيارات الشر بمقاصده كان لابد أن يُصلَح ويُحوِّل تيارات الشر التي فيه إلى تيارات بر من يفعل ذلك ؟ أبونا إبراهيم ؟ نعم هو بار لكنه كِذِب وموسى النبي ؟ أخطأ داود الملك ؟ نعم قلبه حسب قلب الله لكنه زنا وأخطأ وإذاً الجميع زاغوا وفسدوا ليس من يفعل الصلاح ليس ولا واحد ( رو 3 : 12) كل الزرع البشري ورث الفساد كيف يُصلِح الأمر ؟ أن المسيح أصلح البذرة في نفسه يُقدس ذاته أي يُقدسنا نحن فيه نحن جسده أي يُقدسنا نحن أي طبعِنا يتجدد ويتغير الجسد الذي ازدادت فيه حدة الشهوة لابد أن تُحد بتقديس الجسد عندما يأخذ ربنا يسوع هذا الجسد يُقدسه لم يكن مُمكناً أن الشهوات الطبيعية تكُف عنا إلاَّ إذا صار جسد مذلتنا جسد خاص بالابن الكلمة ليُبيد الشر داخلي ويسحقه ويجعل جسدي البشري الخاضع للفساد لا يفسد ولن يُباد الموت إلاّ بالحياة فورثنا جسده بالمعمودية ميلاد الفداء والخلاص الميلاد الفوقاني فيتقدس بها جسدنا ﴿ أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ أي يُقدسنا فيه ويضبُط الحركات المغروسة في جسدنا لأن الخطية صارت في جسده مائتة ﴿ ليكونوا هم أيضاً مُقدسين في الحق ﴾ ( يو 17 : 19) لذلك يقول له ﴿ باركت طبيعتي فيك ﴾ هو نائب عنا وأعماله كلها تؤول إلينا . لذلك كل إيجابيات المسيح لم يعملها لنفسه بل لنا هو قادر أن يغلب عدو الخير على الجبل لكنه فَعَل ذلك لنا يغلِب الموت على الصليب ويصعد لنا كل أعماله الخلاصية لأجلنا لتنتقل لنا لذلك صرنا قائمين في المسيح ومن سكان السماء في المسيح فإن قال لك شخص أن معه في العمل زملاء مُتعبين ومُنحرفين وكارهين لنا أقول له اُنظر المسيح عاش كل هذا لأن حياته من أجلنا لذلك جسده نحن ورثناه في أمور كثيرة جداً نحن داخل جسده أعضاؤه لحم من لحمه وعظم من عِظامه ( تك 2 : 23 ) كيف نفهم أن يسوع يصوم أو يصلي ؟ ولمن يصلي ؟ ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ ( عب 5 : 7 ) كيف نفهم ذلك عن الله ؟ كيف يصرخ ويطلب ويتضرع ؟كان يصلي لنفسه كيف ؟ وكيف يصلي إلى درجة البُكاء ؟ هل هو محتاج لذلك ؟ هذه صفة ناسوتية لنتعلم منه نحن كنا فيه ومادُمنا داخله إذاً الذي يفعله يفعله لأجلنا إن صلى نُصلي معه وإن صام نصوم معه وكأنه يقول العلاقة التي فسدت بين آدم والله أنا أتيت لأُصلِحها وكأني الجسد بينكم وبين الله جعل جسد بشريتهِ وسيلة تصالُح مع الله ولأن صلاته مقبولة لدى الآب صارت صلاتنا مقبولة فيه لدى الآب كذلك الصوم ولذلك لما نصلي نصلي باسم يسوع المسيح ولما نصوم نصوم باسم يسوع المسيح الكنيسة وضعت الصلاة الربانية كما هي في الكتاب المقدس وأضافت لها " بالمسيح يسوع ربنا " كأننا نقول صلاتنا مقبولة في اسمه ونقول له أنت وقفت وصليت اجعل صلاتي الآن لا أظهر فيها أنا بل اظهر فيها أنت وقَّع على صلاتي لتُعطيها قوة لذلك لما صلى علَّمنا كيف تُقبل صلاتنا لدى الآب باسمه لأن صلواتنا ضعيفة ومملؤة طياشة لكنها محمولة في قوة صلاة يسوع لله عندما صلى جعل لنا صِلة بالآب التي كانت قد قُطِعت من قبل لأن الابن الوحيد هو القادر أن يُصلِحها لأنه لا يليق بشخص عادي أن يُعيد علاقتنا بالآب لأنه مُخطِئ مثلنا لكن الابن هو الوحيد الذي له هذا السلطان فصرنا مقبولين فيه لذلك صلى بلسان إنسان وبجسدنا من أجلنا بدليل أنه كان يِعرَق ويقضي الليل كله في الصلاة لذلك صلاة يسوع هي لتُقبل صلاتنا من خلالها وكأنها فتحت لنا الباب المُغلق وصارت صلاتنا مقبولة لدى الآب من خلاله لذلك يقول مُعلمنا بولس الرسول ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ كأنه يقول عندما نقدم صلاة من خلال حياة يسوع يسمع لها من أجل تقوى يسوع نفسه لأن أي تقوى خارجة عنه تقوى مُزيفة لذلك هو الذي جدد طبعنا فصار طبعِنا مقبول في صلاته ويسمع لها من أجل تقواه هو لذلك قال في صلاته الوداعية ﴿ أنا علمت أنك في كل حينٍ تسمع لي ﴾ ( يو 11 : 42 ) نحن أيضاً نقول له أنا علمت أنك تسمع لي كل حين في شخص يسوع أيضاً صام لأننا داخله فصُمنا معه وكأنه يقدم للآب صوم عنا ويقول له هذا الجسد البشري الذي فسد عن طريق الأكل يقدم لك صوم من جديد وأصلحته قال أنتم أولادي ترثوني ﴿ إن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ﴾ ( رو 8 : 17) صومه كان لينزع عار البشر لأن آدم غُلِب بالأكل فقدم به علاج لذِلِّة آدم أفعال يسوع كانت هامة لأنها تمس خلاصنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
07 يناير 2025

لسقوط وقيام كثيرين

كانت نبوءة من سمعان الشيخ عن السيد المسيح إنه : " لسقوط وقيام كثيرين ولعلامة تقاوم " ( لو2 : 34 ) فمتي تحققت هذه النبوءة ؟ وهل كانت عن مناسبة الميلاد فقط ، أم امتدت إلى نهاية هذا الدهر ؟ كون مجئ المسيح لقيام كثرين ، هذا أمر معقول يقبله لكل ولكن عجيبة حقاً هي عبارة " لسقوط كثيرين " فكيف ذلك ؟ سنشرح كيف تمت هذه العبارة ، ولنضرب المثل الأول : إن كان المجوس قد فرحوا فرحاً عظيماً لما رأوا النجم الذي أرشدهم إلى مكان الرب ( مت1 : 10 ) ، فذهبوا وقدموا له هداياهم فإنه في نفس الوقت قيل عن هيرودس الملك إنه لما سمع عن ميلاد المسيح " اضطرب وجميع أورشليم معه " ( مت2 : 3 ) كان ميلاد المسيح سبب فرح للمجوس ، وسبب اضطرب ! أهو ملك حقاً ؟ وهل يوجد ملك غيري ؟! وكيف أتركه يملك ؟! إن هذا مستحيل . لذلك اضطرب وفكر أن يقتل المسيح !مسكين أنت يا هيرودس ! هل ظننت في جهلك أن السيد المسيح قد جاء لينافسك في ملكك ! حقاً إنه ملك الملوك ، ولكن مملكته ليست من هذا العالم ( يو18 : 36 ) هل أنت خائف منه لئلا يهو عرشك ويسلبك تاجك ؟ اطمئن إن لعبة التيجان تليق بالصغار أمثالك يتلهون بها أما السيد المسيح فهو اسمي من التيجان واسمي من العروش السماء هي عرشه والأرض بما فيها عرشك ـ هي موطئ قدميه ( مت5 : 34 ) لقد جاء السيد المسيح من أجلك أيضاً ، ليحررك : يحررك من عبودية الذات ، ومن عبودية الشهوات، ويحررك من إغراء التيجان والعروش يجعل نفسك طليقة تعلو في السماء كالنسور تعلو مستوي التيجان والعروش والنياشين لو كان هيرودس يفكر في خلاص نفسه ، لفرح بمجئ المسيح وكان يمكنه أن يفرح أيضاً ، لو كان يهمه خلاص العالم ، أو على الأقل كان يفرح لأن النبوءات تحققت في عهده ولكنه كان أحد الذين سقطوا لأنه تمركز حول ذاته لذلك فكر أن يقتل المسيح أراد أن يقتل من بيده مفاتيح الحياة والموت ، الذي حياة هيرودس معلقة بمشيئته ولإرادة هيرودس لم تكن عن جهل ، بل عن معرفة ، بعد أن سأل الكهنة والكتبة وسمع النبوءة . وفي غضبه تحدى الله فهل أنت يأخى كهيرودس ـ تخاف أن يكون المسيح ملكاً ؟ فترفض أن يملك عليك ، لئلا يحطم اصناماً داخل ذاتك . وتري أن ملك المسيح هو صليب سوف تحمله ، يقف ضد رغباتك الخاطئة هل تخاف أن حريتك بدخول المسيح في حياتك . وتقول خير لي أن المسيح لا يوجد ، لكي أوجد أنا [ حسب منطق الوجوديين ] ؟! كان المسيح لقيام كثيرين كيوحنا المعمدان الذي قال : " ينبغي أن ذاك يزيذ وأني أنا أنقض " ( يو3 : 30 ) . وكان لسقوط كثيرين مثل هيرودس الذي انطبقت عليه عبارة : " من وجد نفسه يضيعها " ( مت10 : 39 ) كثيرون لا يفرحون بمجيء المسيح لأنهم غير مستعدين للقائه لو عرفوا أن المسيح قد جاء يخافون أن يكشفهم ، أو يضبطهم في خطية ، أو يحرمهم من مشغوليات تبهجهم ، وهم غير متفرغين له ! كذلك في المجيء الثاني سيكون المسيح لسقوط وقيام كثيرين ! سيفرح المؤمنين الحقيقيون بمجيء الرب ، إذ يأخذهم معه على السحاب في المجد ، ويكونون مع الرب كل حين بينا آخرون " يقولون للجبال غطينا ، وللتلال اسقطي علينا " ( رؤ6 : 16 ) لأنه " مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) إنها ساعة يتقرر فيها المصير ، مثل عبور البحر الأحمر ، كان سبب خلاص أولاد الله ، وسبب هلاك فرعون وجنوده . من الذين سقطوا بمجيء المسيح ؟ لاشك أولهم الشيطان قال الرب عنه : " أبصرت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء " ( لو10 : 18 ) نعم إن كل ما فعله الشيطان ـ وما سيفعله ـ ضيعه الرب كله حينما قال على الصليب قد أكمل فصار تعب الشيطان باطلاً بالنسبة إلى المفديين . وختم الرب على هذا السقوط بقوله : " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو16 : 11 ) . وعبارة سقوط كثيرين لا تعني الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً ، إذ قد طرح الذي كان يضل العالم " وطرحت معه ملائكته " ( رؤ12 : 7 ـ 9 ) من الأعداء الكثرين الذين يسقطون : الإنسان العتيق إن الرب بتجسده وفدائه ، منح نعمة للمؤمنين ينالونها في المعمودية ، إذ يسقط الإنسان العتيق ، يموت ويدفن ( رو6 ) ؟ ويقوم إنسان آخر في " جدة الحياة " قد لبس المسيح ( غل3 : 27 ) حقاً في المعمودية سقوط وقيام كثرين . ومن الأمثلة الجميلة للسقوط القيام ، شاول وبولس : سقط شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة ، يجر رجالاً ونساء إلى السجن ، وقام مكانه بولس الرسول الذي تعب في الكرازة أكثر من الجميع وصنع معجزات ، وأسس الكنائس ، وأرسل الرسائل ، ونال إكليل الشهادة . وسقط كهنة اليهود ، ليقوم كهنة على طقس ملكي صادق قال السيد المسيح في تغيير هؤلاء الوكلاء : " إن ملكوت الله ينزع منكم ، ويعطي لأمه تصنع ثماره " ( مت21 : 43 ) . وبالمثل فعل مع الناموسيين والصدوقيين ، وشهد العالم سقوط وقيام كثيرين . وقام كهنوت على طقس ملكي صادق . سقط المعلمون الكذبة وفي مقدمتهم الكتبة والفريسيون والشيوخ سقطت هيبتهم في أعين الناس ، وسقط تعليمهم ، وسقطت كبرياؤهم وافحمهم السيد المسيح في كل مناقشة ، وأثبت للكل فساد ما يفعلون به ورأي الناس أنه قد قام معلم عظيم " بهتوا من تعليمه " يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة . وأخيراً تحطم الكتبة والفريسيون بقول السيد لهم في ( مت23 ) : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون " حيث شرح في تفصيل شديد كل أخطائهم وانتهوا من تاريخ اليهود ، ليقوم مكانها معلمون آخرون اختارهم الرب . وفي سقوط كثرين نذكر أيضاً الوثنية بكل رجالها كل فلسفاتها قد سقطوا ، سواء مدرسة الإسكندرية الوثنينة التي سقطت بقيام مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أقامها مارمرقس . أو مثلما حدث في قصة أسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه إنه وقفت ضده مجامع الليبرتينيين ، والقيروانيين ، والإسكندريين ، مع الذين من كيليكيا وآسيا " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به " ( أع6 : 9 ، 10 ) وقامت المسيحية منتصرة في صراعها مع الأديان الأخري قال السيد المسيح : " ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً " أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضية أما الذي سقط في هذا الصراع فهو الأديان الأخري كلها : الأديان الرومانية بزعامة جوبتر ، والأديان اليونانية بزعامة زيوس ، والأديان المصرية بزعامة رع ، وأديان أخري كثيرة في الشرق ، مع عبادات الأرواح والنار والأجداد وسقطت الوثنية وكل فلسفتها وكل حكمتها وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد ، ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين وتحقق قول الرسول : " اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء . واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء . واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود " ( 1كو1 : 27 ، 28 ) . وإذا بالصبا الأمي يقف أمام اساطين مجمع السنهدريم ، ليقول لهم في شجاعة " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " . ويقف السيد المسيح ليقول : " أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء ، وأعلنتها للأطفال " ( مت11 : 25 ) وشهد التاريخ في إنتشار المسيحية سقوط وقيام كثيرين لذلك كان المتواضعين في مقدمة الذين قاموا لقد تحققت تسبحة العذراء التي قالت فيها : " انزل الأعزاء عن الكراسي ، ورفع المتواضعين " ( لو1 : 52 ) هنا انزال ورفع : سقوط وقيام هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار يرعاها ، أصبحت جميع الأجيال تطوبها . ومزود البقر مزاراً للعالم كله ، مكاناً مقدساً ، تنحني أمامه رؤوس الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه . والصيادون الفقراء صاروا قادة العالم وكهنته ورعاته ومعلميه " الأشياء العتيقة قد مضت . هوذا الكل قد صار جديداً " ( 2كو5 : 17 ) . ومن الكثرين الذين سقطوا ، مفاهيم كثيرة ... مفاهيم الناس السابقة عن العظمة والقوة والحرية وما أشبه ، تغيرت إلى العكس سقطت وأقام السيد مكانها مفاهيم جديدة . فلم يعد القوي هو الذي يضرب غيره على الخد والخد الآخر . إنما القوي هو الذي يحتمل ، كما قال الرسول : " يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتل ضعفات الضعفاء " ( رو15 : 1 ) و العظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء . ووضع الرب هذه المبادئ الجملية " من رفع نفسه يتضع . ومن وضع نفسه يرتفع " " من وجد نفسه يضيعها . ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها " إننا على أبوابها عام جديد . ونريد أن تنطبق علينا عبارة " قيام كثيرين " فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس ، وبعمله الدائم فينا . يقيمنا عن يمينه ويقول لنا : " تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت25 : 34 ) إنه أقام كثيرين لا نستطيع أن نحصي عددهم ، ربوات ربوات وألوف ، اولئك الذين ينشدون للرب أغنية جديدة في ملكوته . فلنكن من هؤلاء . بقي أن نقول إن السقوط والقيام على الأرض هو بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين ، لتعد لسقوط أو قيام أبديين . وليت الجمع يهتمون بأبيتهم من الآن وليتنا نتناول باستحقاق في بداية هذا العام ولنعرف : إن التناول هو أيضاً وسقوط كثيرين قيامهم في حالة الاستحقاق ، إذ يثبتون في الرب ( يو6 : 56 ) السقوط في حالة عدم الاستحقاق ، إذ يتناولون دينونة لأنفسهم ( 1كو11 : 29 ) . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل