المقالات
05 مارس 2019
اليوم الثاني من الاحد الاول من الصوم الكبير
إنجيل القداس : لوقا 12 : 41 – 50
فقال له بطرس يا رب النا تقول هذا المثل ام للجميع ايضا فقال الرب فمن هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيده يجده يفعل هكذا بالحق اقول لكم انه يقيمه على جميع امواله و لكن ان قال ذلك العبد في قلبه سيدي يبطئ قدومه فيبتدئ يضرب الغلمان و الجواري و ياكل و يشرب و يسكر ياتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره و في ساعة لا يعرفها فيقطعه و يجعل نصيبه مع الخائنين و اما ذلك العبد الذي يعلم ارادة سيده و لا يستعد و لا يفعل بحسب ارادته فيضرب كثيرا و لكن الذي لا يعلم و يفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلا فكل من اعطي كثيرا يطلب منه كثير و من يودعونه كثيرا يطالبونه باكثر جئت لالقي نارا على الارض فماذا اريد لو اضطرمت و لي صبغة اصطبغها و كيف انحصر حتى تكمل
القطيع الجديد والأمانة علي الوكالة
سحب السيِّد قلب قطيعه إليه ليترقب مجيئه الأخير، فيتمتع القطيع الجديد بملكوت الله. الآن يعلن السيِّد المسيح لقطيعه الإلتزام بالأمانة حتى يكون له نصيب في هذا الملكوت.
"فقال له بطرس: يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضًا؟ فقال الرب: فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيِّده علي خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها؟" [41-42].
إذ سمع القدِّيس بطرس المثل الخاص بيوم مجيء الرب والذي فيه يعلن السيِّد مجيئه فجأة، سائلاً إياهم السهر واليقظة والترقب لهذا المجيء، سأل القدِّيس بطرس سيِّده أن كان هذا المثل خاص بالتلاميذ وحدهم أم عام للكل؟
لعل القدِّيس بطرس تساءل في أعماق نفسه: ماذا يقصد السيِّد بقوله "أولئك العبيد"؟ ألعله يقصد التلاميذ الذين يؤتمنون علي "بيت الله" كخدام ورعاة حتى يأتي "رب البيت"، أم يقصد بهم كل مؤمن بكونه قد أؤتمن علي حياته كبيت الله كخادم وراعٍ للجسد والنفس والطاقات والمواهب وكل الإمكانيات لتعمل معًا لحساب رب البيت، السيِّد المسيح نفسه؟
جاءت إجابة السيِّد: "فمن هو الوكيل الأمين الحكيم، الذي يقيمه سيِّده علي خدمه، ليعطيهم العلوفة في حينها؟" [42]. وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم لم يقدَّم ربَّنا هذا السؤال لأنه يجهل من هم مؤمنين ووكلاء حكماء، إنما أراد أن يكشف عن ندرة وجودهم خاصة لكي يؤتمنوا علي خدمة الكنيسة.
+ من يُوجد أمينًا ووكيلاً حكيمًا فليتسلم تدبير بيت الرب ليعطي العلوفة (نصيبهم في الطعام) في حينها، الذي هو كلمة التعليم المغذي لنفوسهم، أو القدرة العملية التي تشكّل حياتهم.
( الأب ثيؤفلاكتيوس )
+ لقد سام المخلِّص الرسل كوكلاء علي خدمه، أي على أولئك الذين رُبحوا بالإيمان لمعرفة مجده - أناس أمناء وذو فهم عظيم، مثقفون حسنًا بالتعليم المقدَّس.
لقد سامهم، آمرًا إياهم أن يقدَّموا الطعام المسموح به، ليس بدون تمييز، وإنما في حينه. أقصد الطعام الروحي الذي يقدَّم بما يليق بكل فرد وما يشبعه. فإنه لا يليق تقديم التعليمات في كل النقاط بطريقة واحدة لكل الذين يؤمنون بالمسيح، إذ كُتب: "معرفة اعرف نفوس غنمك" (أم 27: 23). فعندما نقدَّم طرق الحق لإنسان صار تلميذًا حديثًا نستخدم معه التعليم البسيط الذي لا يحمل أمرًا يصعب فهمه أو إدراكه... الأمر الذي يختلف تمامًا عن الطريق الذي نستخدمه في تهذيب الذين ثبتوا بالأكثر في الفكر والقادرون علي إدراك العلو والعمق والطول والعرض لمفاهيم اللاهوت السامي، وكما سبق فقلنا: "الطعام القوي فللبالغين" (عب 5: 14).
( القدِّيس كيرلس الكبير )
مجىء السيِّد يفرز الوكلاء الأمناء والحكماء من الوكلاء المتهاونين العنفاء والعاملين لحساب بطولتهم لا لحساب موكلهم، إذ يقول:
"طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيِّده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم أنه يقيمه علي جميع أمواله.ولكن أن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يبطىء قدومه،فيبتدىء يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر.
يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره،وفي ساعة لا يعرفها، فيقطعه ويجعل نصيبه مع الخائنين" [43-46].
+ من يعطي الخدم رفقاءه نصيبهم من الطعام بحكمة في حينه حسب احتياجهم يكون مطوّبًا جدّا كقول المخلِّص، إذ يُحسب أهلاٍ لأمور أعظم، ويتقبل مكافأة تليق بأمانته... هذا ما علمنا إيَّاه المخلِّص في موضع آخر حين مدح العبد العامل والأمين، قائلاً: "نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل فأقيمك علي الكثير، أدخل إلي فرح سيدك" (مت 25: 21).
أما أن أهمل واجبه فلم يكن مجتهدًا ولا أمينًا، مستخفًا بالسهر علي هذه الأمور كأنها تافهة، يترك ذهنه يرتبك بالاهتمامات الأرضية، ويفسده بأمور غير لائقة، فيستخدم العنف والقسوة مع الخاضعين تحته، ولا يقدَّم لهم نصيبهم، فسيكون في بؤس مطبق. فإن هذا هو معنى أنه "يقطعه"، كما أظن، "ويجعل نصيبه مع الخائنين". فإن من يسيء إلي مجد المسيح أو يتجاسر فيستهين بالقطيع الموكل إليه لا يختلف عن الذين لا يعرفون المسيح، ويُحسب هؤلاء مع الذين لا يحبُّونه. فإن المسيح قال للطوباوي بطرس: "يا سمعان بن يونا أتحبني؟ ارع خرافي، ارع غنم" (يو 21: 15-16). فمن يرعى غنمه إنما يحبها، ومن يهملها ويترك رعاية الخراف الموكل بها إليه يبغضها. وإن كان يبغضها فسيُعاقب ويحسب مع غير المؤمنين.
( القدِّيس كيرلس الكبير )
"يقيمه علي جميع أمواله" [44]، ليس فقط علي بيته، وإنما علي الأمور الأرضية كما السماويَّة فتطيعه. وذلك كما حدث مع يشوع بن نون وإيليا، واحد أمر الشمس، والآخر أمر السحب؛ وكل القدِّيسين كأصدقاء لله استخدموا ما لله. من يعبر حياته بطريقة فاضلة ويخضع خدمه بطريقة لائقة مثل الغضب والشهوة، ويمدهم بالطعام في حينه؛ فبالنسبة للغضب يستخدمه ضد مبغضي الله (لتوبتهم)، وبالنسبة للشهوة يمارسها في حدود الضرورة اللازمة للجسد، مخضعًا إيَّاها لله؛ مثل هذا أقول يقيمه الله علي جميع أمواله إذ يُحسب أهلاً أن يتمتع بنظر كل الأمور (الإلهيَّة) خلال نور التأمَّل.
( الأب ثيؤفلاكتيوس )
ليتنا إذن نكون وكلاء أمناء ليس فقط كخدام نقدَّم الطعام الروحي اللائق بكل نفس في حينه، وإنما حتى بالنسبة لنا، فنكون أمناء علي الخدام الذين تحت أيدينا، كالجسد بكل أعضائه وأحاسيسه، والفكر بكل طاقاته، والقلب بكل عواطفه والغرائز. ليكن كل ما هو بين أيدينا أمانة تسلمناها من قبل الرب، يلزمنا أن نخدمها بالروح القدس، فنعطيها شبعًا لا بأمور هذه الحياة الباطلة، وإنما بطعام الروح، كلمة الله التي تُشبع كل كياننا. عندئذ يقيمنا الله علي جميع أمواله، إذ تخضع السماء والأرض لإشتياقاتنا في الرب، ويعمل الكل لبنياننا، ويصير كل منا أشبه بملكٍ صاحب سلطان في الرب، ملك الملوك ورب الأرباب.
إنه لا يليق بنا أن نضرب "الغلمان والجواري"، فإن كانت الغلمان تشير إلى طاقات النفس فإن الجواري تشير إلي طاقات الجسد، لأننا كما سبق في دراساتنا السابقة رأينا أن النفس يُرمز لها بالذكر والجسد بالأنثى، فالغلمان هم أبناء النفس، والجواري هن بنات الجسد؛ ونحن مطالبون ألا نحطم هؤلاء ولا أولئك، بل نقوَّتهم ونربيهم، ليكون الكل مقدَّسًا للرب، عاملاً بروحٍ منسجمٍ لحساب ملكوت الله.
يقدَّم لنا السد مبدأ هامًا في المكافأة أو الجزاء وهو أنه كلما زادت المعرفة صارت المسئولية أعظم وبالتالي تكون المكافأة أو يكون الجزاء أكثر، إذ يقول:
"وأما ذلك العبد الذي يعلم أرادة سيِّده ولا يستعد ولا يفعل بحسب أرادته فيضرب كثيرًا.ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يُضرب قليلاً،فكل من أُعطي كثيرًا يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" [47-48].
لا يُناقش في جريمة من يعرف إرادة سيِّده ويهملها ولا يعمل ما هو لائق بها كواجب ملتزم به، إذ يُحسب في عار واضح ويستحق ضربات كثيرة. لكن لماذا يتحمل ضربات ولو قليلة من لا يعلم إرادة سيِّده ولا يفعلها؟ لأنه لم يرد أن يعرفها مع أنه في قدرته أن يعرفها...
إنها لدينونة عنيفة يسقط تحتها من يعلمون. هذا ما يظهره تلميذ المسيح القائل: "لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). فإن عطيَّة المواهب الروحيَّة وفيرة للذين هم رؤساء الشعب، إذ يكتب الحكيم بولس إلي الطوباوي تيموثاوس: "فليعطك الرب فهمًا في كل شيء" (2 تى 2: 7)، "لا تهمل أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديّ" (راجع 2 تى 1: 6). من هذا يظهر أن مخلِّص الكل إذ يعطيهم أكثر يطالبهم أكثر. ما هي الفضائل التي يطالبهم بها؟ الثبات في الإيمان، التعليم الصحيح، التأسيس حسنًا في الرجاء، الصبر بلا زعزعة، القوَّة الروحيَّة التي لا تُغلب، الفرح والشجاعة في كل تقدَّم حسن، بهذا نصير قدوة للآخرين في الحياة الإنجيلية. فإن عشنا هكذا يمنحنا المسيح الإكليل، الذي به ومعه السبح والسلطان للآب والروح القدس إلي أبد الأبد آمين.
( القدِّيس كيرلس الكبير )
انظر كيف يكشف بوضوح أنه لأمر خطير أن يخطئ إنسان بمعرفةٍ عن أن يخطئ بجهلٍ. ومع هذا فليس لنا أن نحتمي تحت ظلال الجهل، لأنه يوجد فارق بين أن تكون جاهلاً، وأن تكون غير راغب في المعرفةٍ. فالإنسان الذي قيل عنه أنه "كف عن التعقل عن عمل الخير" (مز 36: 3) إرادته مخطئة وليس له حق الاعتذار بالجهل. ومع هذا فالجهل لا يبرر أحدًا أو يعفيه عن عقاب النار الأبديَّة... وإنما ربَّما يخفف عن العقوبة، إذ لم يقل عبثًا... "معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله" (2 تس 1: 8).
( القدِّيس أغسطينوس )
أي عذر لنا الذين دخلنا القصر وحُسبنا أهلاً أن ندخل الهيكل، وصرنا شركاء في التمتع بالأسرار غافرة الخطايا ومع هذا نسلك أشر من اليونانيين (الأمم) الذين لم يشتركوا في شيء من هذا القبيل؟
( القدِّيس يوحنا الذهبي الفم )
القطيع الجديد ونار الروح
إذ طالبنا السيِّد أن نحيا كوكلاء أمناء وحكماء، فمن أين نقتني الأمانة والحكمة؟ أنهما عطيَّة الروح القدس الناري، الذي بعثه السيِّد المسيح لكنيسته لكي يحول أعضاءها إلى أشبه "بعرش شاروبيمي ملتهب نارًا"، فنتأهل ليملك الرب علينا، جالسًا في داخلنا كما علي عرشه. هذه النار الإلهيَّة هي عطيَّة الرب لنا، إذ يقول: "جئت لألقي نارًا علي الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟" [49].
أراد بهذا أن يقدَّم لنا تلميذا مملوءًا حرارة ونارًا، مستعدًا لاحتمال كل خطر.
( القدِّيس يوحنا الذهبي الفم )
لهذا السبب ظهر الروح في نار، لكننا نحن نزداد برودة أكثر من الرماد، وعدم حيويَّة أكثر من الموتى، بينما نرى بولس يحلق في أعلى السماوات وسماء السماوات، أكثر غيرة من اللهيب، يغلب كل شاء، ويتخطى كل الأمور: السفلية والعلويَّة، الحاضرة والمستقبلية، والكائنة غير الكائنة...
لنترك بولس ونذكر المؤمنين الأولين الذين تركوا كل ممتلكاتهم ومكاسبهم وكل الاهتمامات الأرضية والراحة الزمنيَّة، مكرسين أنفسهم لله بالكلية، معطين كل اهتمامهم لتعليم الكلمة ليلاً ونهارًا. هذا هو نار الروح الذي لا يسمح لنا أن تكون فينا شهوة لأمرٍ من أمور هذه الحياة، بل ينقلنا إلي حب آخر.
+ قال هذا ليعلن عن التهاب الحب وحرارته الذي يطلبه فينا. فكما أحبَّنا كثيرًا جدّا هكذا يريدنا أن نحبه نحن أيضًا.
( القدِّيس يوحنا الذهبي الفم )
إله الكل هو "الصانع ملائكته رياحًا وخدامه نارًا ملتهبة" (مز 104: 4)... عندما رغب بولس الطوباوي ألا تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح، ذلك أن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لاتطفئوا" ليس لأن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدَّسة...
لقد أمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، إذ قال أنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)... وقد جاء سيدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار علي الأرض، قائلاً ماذا أريد لو اضطرمت؟"
( القدِّيس البابا أثناسيوس )
ليعيننا الفهم الصالح ملهبًا أذهاننا ومنقيها، ذاك الذي جاء ليرسل نارًا علي الأرض لتبدد العادات الشرِّيرة مسرعًا بإشعالها.
( القدِّيس غريغوريوس النزينزي )
عندما حلّ الروح القدس قيل: "وظهرت ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت علي كل واحد منهم" (أع 2: 3)... من ثم يقول الرسول أيضًا: "حارين في الروح" (رو 12: 11)، لأن منه تأتي غيرة الحب: "لأن محبَّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو 5: 5). وعلى نقيض هذه الغيرة ما قاله الرب: "تبرد محبَّة الكثيرين" (مت 24: 14)، لأن الحب الكامل هو عطيَّة الروح القدس الكاملة.
( القدِّيس أغسطينوس )
هذه هي النار التي اضطرمت في قلوب التلاميذ، فألزمتهم بالقول: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟" (لو 24: 32).
( القدِّيس جيروم )
لا يقصد النار المحرقة للخير، وإنما النار التي تحث علي الأعمال الصالحة، التي تجعل الأواني الذهبية التي في بيت الرب في حالٍ أفضل، بحرق العشب والقش (1 كو 3: 12) وحرق كل مخبأ زمني تكدست فيه الملذّات الجسديَّة الزمنيَّة التي مصيرها الفناء.
هذه النار الإلهيَّة أشعلت عظام الأنبياء، كما قال إرميا: "كان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع" (إر 20: 9).
توجد نار للرب قيل عنها: "النار تحرق قدامه" (مز 96: 3).
الرب نفسه نار، إذ يقول عن نفسه أنه نار آكلة (مز 3: 2؛ 24: 17؛ تث 42:4؛ عب 12: 29).
نار الرب هي النور الأبدي، بهذه النار تُشعل السرج التي سبق فقيل عنها: "لتكن أحقاءكم ممنطقة وسرجكم موقدة". يشهد كليوباس وزميله أن الرب وضع فيهما هذه النار بقولهما: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟" (لو 24: 32)، معلنين عن عمل هذه النار التي تنير أعماق القلب. ربَّما لأجل هذا سيأتي الرب في نار (إش 46: 15-16) ليحرق كل الرذائل في القيامة ويملأ بوجوده إشتياقات كل أحد (من مؤمنيه) ويشرق بنوره علي الأعمال والسرائر.
( القدِّيس أمبروسيوس )
إننا نؤكد أن هذه النار التي أرسلها المسيح هي لخلاص البشر ونفعهم، الله يهب كل قلوبنا أن تمتلئ بها. فإن النار هنا - كما أقول - هي رسالة الإنجيل الخلاصيَّة وقوَّة وصاياه، فإننا جميعًا نحن الذين علي الأرض باردون وأموات بسبب الخطيَّة وفي جهالة... نلتهب بالحياة التقويَّة ونصير "حارين في الروح" (رو 12: 11) كتعبير الطوباوي بولس. بجانب هذا نصير شركاء في الروح القدس الذي هو مثل نارٍ في داخلنا...
هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانا باسم "نار"، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح.
تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: "يأتي بغتة إلي هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل اشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة" (ملا 3: 1-3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: "الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك" (لو 1: 35). وقد حسبه "ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه: "لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو 15: 15)... وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار... هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح...
بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6-7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9).
إذًا نقول أن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، "أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب؟" (إر 23: 29).
( القدِّيس كيرلس الكبير )
القطيع الجديد والألم
إذ يهب الرب قطيعه الجديد روحه القدُّوس الناري، مقدَّما لهم كلماته أيضًا الناريَّة، وواهبًا إياهم الحب الناري، إنما لكي يعيش القطيع على مستوى سماوي ناري لا تستطيع أحداث هذا العالم أن تعوقه عن الانطلاق نحو الأبديات. حقًا إن مجيء السيِّد يلهب القلوب بالحب، لكنه أيضًا يثير غير المؤمنين حتى الأقرباء لمضايقتهم، فيحتمل المؤمنون كل ألم وضيق بقلب متسع كسيِّدهم. يقول السيِّد المسيح:
"ولي صبغة أصطبغها، وكيف أنحصر حتى تُكمل؟
أتظنون إني جئت لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلا، أقول لكم، بل انقسامًا. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب،
والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها" [50-53].
ما هي الصبغة التي اصطبغ بها السيِّد إلا احتماله الألم حتى الموت، باذلاً دمه من أجلنا، لذا يليق بنا أن نحمل سمته، فنقبل من أجله الجهاد الروحي حتى الدم، أي حتى الموت. وكما يقول الرسول: "من أجلك نمات كل النهار" (رو 8: 36).
لقد دُعيت المعموديَّة صبغة، إذ بها نحمل سمات السيِّد المسيح. بدفننا معه لنقوم أيضًا معه، حاملين قوَّة قيامته فينا. هذه الصبغة كما يقول العلامة ترتليان تكون في مياه المعموديَّة أو خلال الاستشهاد، هاتان المعموديتان- في رأيه- أخرجهما من جنبه المطعون، إذ خرج منه دم وماء (يو 19: 34).
يقصد بمعموديته (صبغته) موته بالجسد، وبانحصاره إذ حزن وتضايق حتى أكملها. ماذا حدث عندما أكملت؟ صارت رسالة الإنجيل الخلاصيَّة معلنة لا في اليهوديَّة وحدها، بل في كل العالم... فقّبل الصليب الثمين وقيامته من الأموات كانت وصاياه ومجد معجزاته الإلهيَّة في اليهوديَّة وحدها، لكن إذ أخطأ إسرائيل في حقه، وقتلوا رئيس الحياة... أعطى الوصيَّة لتلاميذه هكذا: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19-20). انظروا ها أنتم ترون النار الإلهيَّة المقدَّسة قد انتشرت بواسطة الكارزين القدِّيسين.
( القدِّيس كيرلس الكبير )
الآن إذ يرش الرب دمه كصبغة مقدَّسة نصطبغ بها، خلاله يلتهب قلبنا بنار روحه القدُّوس يلزمنا كما "انحصر" هو حتى أكمل عمل الفداء أن ننحصر نحن خلال الألم حتى نعلن كمال حبنا له، محتملين الضيق حتى ممن هم أقرب الناس إلينا، من أهل بيتنا.
هل تظن أنه يأمر بتفكك الرباطات بين أبنائه المحبوبين؟ كيف يكون هذا وهو نفسه سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا؟ (أف 2: 14)، والقائل: "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم" (يو 14: 27)؟ إن كان قد جاء ليفرق الآباء عن الأبناء والأبناء ضد الآباء فكيف يلعن من لا يكرم أباه (تث 27: 16)؟
يريد أن يكون الله في المرتبة الأولى وبعد هذا تأتي محبَّة الوالدين... ينبغي أن نفضل ما لله عما للبشر، لأنه أن كان للوالدين حقوق، يلزمنا أن نشكر من وهبنا الوالدين... أضف إلى هذا قوله في إنجيل آخر: "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37). الله لا يمنعك عن محبَّة والديك، إنما عن تفضيلهما عن الله، فالعلاقة الطبيعيَّة هي من بركات الرب، فلا يليق أن يحب الإنسان العطيَّة أكثر من واهب العطيَّة وحافظها.
( القدِّيس أمبروسيوس )
عندما تجحد أبًا أرضيًا من أجل تقواك نحو المسيح فستقتني ذاك الذي من السماء أبًا لك، وإن رفضت أخًا لأنه يهين الله ولا يخدمه فسيقبلك المسيح كأخٍ له... اترك أمك التي حسب الجسد واقتن الأم العلويَّة أي أورشليم السماويَّة التي هي "أمنا" (غل 4: 26). وهكذا تجد نسبًا مجيدا وقويًا في عائلة القدِّيسين، معهم تصير وارثًا هبات الله التي لا ُتدرك ولا يمكن للغة أن تعبر عنها.
( القدِّيس كيرلس الكبير )
المزيد
04 مارس 2019
اليوم الاول من الاحد الاول من الصوم الكبير
انجيل القداس : مرقس 9 : 33 – 50
33 و جاء الى كفرناحوم و اذ كان في البيت سالهم بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق
34 فسكتوا لانهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو اعظم
35 فجلس و نادى الاثني عشر و قال لهم اذا اراد احد ان يكون اولا فيكون اخر الكل و خادما للكل
36 فاخذ ولدا و اقامه في وسطهم ثم احتضنه و قال لهم
37 من قبل واحدا من اولاد مثل هذا باسمي يقبلني و من قبلني فليس يقبلني انا بل الذي ارسلني
38 فاجابه يوحنا قائلا يا معلم راينا واحدا يخرج شياطين باسمك و هو ليس يتبعنا فمنعناه لانه ليس يتبعنا
39 فقال يسوع لا تمنعوه لانه ليس احد يصنع قوة باسمي و يستطيع سريعا ان يقول علي شرا
40 لان من ليس علينا فهو معنا
41 لان من سقاكم كاس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره
42 و من اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى و طرح في البحر
43 و ان اعثرتك يدك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان و تمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفا
44 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
45 و ان اعثرتك رجلك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان و تطرح في جهنم في النار التي لا تطفا
46 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
47 و ان اعثرتك عينك فاقلعها خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان و تطرح في جهنم النار
48 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
49 لان كل واحد يملح بنار و كل ذبيحة تملح بملح
50 الملح جيد و لكن اذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه ليكن لكم في انفسكم ملح و سالموا بعضكم بعضا
الملكوت والتواضع
إن كان السيد قد رسم لنا طريق خلاصنا بصليبه الذي جاء مخالفًا تمامًا لما ظنه البشر، ففي محبته يشتاق أن يحملنا معه في طريقه الخلاصي خلال التواضع.
لقد ظن العالم أن الكرامة الزمنية والسلطة هما طريق الملكوت، لكن الصليب يعلن التواضع سمة ملكوت الله، لذلك إذ كان التلاميذ يتحاجون في الطريق في من هو الأعظم [34]، نادى السيد المسيح الإثني عشر وقال لهم: "إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادمًا للكل. فأخذ ولدًا وأقامه في وسطهم ثم احتضنه، وقال لهم: من قبل واحدًا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني" [35-37].
لقد وضع السيد المسيح يده على جرحنا البشري القديم، ألا وهو حب الإنسان للكرامة الزمنية والتسلط. فضح جرحنا مقدمًا لنا نفسه مثالاً ودواءً! فقد بدأ أولاً بإعلان الجرح عندما سألهم عما كانوا يتكلمون فيه ليعلن أنه كلمة الله العارف الخفايا والناظر الكل، فاحص القلوب والكِلى. إذ كشف الجرح أعطى الدواء بتعليمه عن مفهوم الرئاسة الروحية خلال التواضع الممتزج حبًا. ثم قدم لهم مثلاً عمليًا باحتضانه ولدًا ليقبلوا هم البشرية بروح الحب كطفلٍ يحتضنوه ويغسلوا قدميه، فيصيروا خدامًا لا أصحاب سلطة. أما المثل العملي للآخرين فقد وضح بقوله أنه من يقبله لا يقبله هو، بل الذي أرسله، مع أنه واحد مع الآب! في حب ممتزج بالطاعة يقدم الابن الآب وإن كان لا ينفصلان قط!
فيما يلي بعض مقتطفات للآباء بخصوص الخدمة الحقيقية وروح التواضع:
ناقش التلاميذ في الطريق من يكون رئيسًا، أما المسيح نفسه فنزل ليعلمنا التواضع. فإن الرئاسات تجلب التعب، أما التواضع فيهب راحة!
القديس جيروم
+ يريدنا ألا نغتصب الرئاسات لأنفسنا، بل نبلغ العلويات السامية بالتواضع... يا لعظمة التواضع، إذ تربح لنفسها سكنى الآب والابن والروح القدس.
( الأب ثيؤفلاكتيوس)
حثهم على التواضع والبساطة بنفس المنظر، لأن هذا الولد طاهر من الحسد والمجد الباطل ورغبة الترأس.
القديس يوحنا الذهبي الفم )
التواضع رفع موسى، أما المتكبرون فابتلعتهم الأرض.
التواضع هو أرض حاملة للفضائل، فإن نُزع التواضع هلكت كل الفضائل.
آباؤنا الجبابرة مهدوا لنا الطريق، إذ لبسوا التواضع الذي هو رداء المسيح، وبه رفضوا الشيطان وربطوه بقيود الظلمة.
البس التواضع كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله.
( القديس يوحنا سابا )
الملكوت واتساع القلب
إذ حدثنا عن الملكوت الإلهي كيف نخدمه بالتواضع خلال الصليب، خشي لئلا يفهم ذلك بطريقة سلبية لذلك كشف ربنا يسوع المسيح هنا عن التزام أبناء الملكوت للعمل بقلبٍ متسعٍ. فإن كان السيد المسيح نفسه جاء إلى الصليب في اتساع قلب للبشرية لاق بأبنائه أن يحملوا ذات سمته.
قال له يوحنا: "يا معلم رأينا واحدًا يخرج الشياطين باسمك، وهو ليس يتبعنا، فمنعناه، لأنه ليس يتبعنا" [38]. لعل القديس يوحنا لم يمنعه عن غيرة منه أو حسد، لكنه اشتاق أن تكون لهذا الإنسان تبعية للسيد المسيح ولقاء معه، ولا يكون مستغلاً لاسم السيد المسيح في إخراج الشياطين. لكن السيد قال له: "لا تمنعوه، لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعًا أن يقول عليّّ شرًا. لأن من ليس علينا فهو معنا، لأن من سقاكم كأس بارد باسمي لأنكم للمسيح فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره" [39-41].
هذا الحديث يكشف أن ذاك الذي كان يخرج الشياطين لم يكن ضد المسيح لا بفمه ولا بقلبه، بل كان يعمل لحساب المسيح بإيمان صادق، وإن لم تكن قد أُتيحت له الفرصة للتبعية الظاهرة. إيماننا لا يقوم على أساس تعصبي وتحكم في الآخرين، بل اتساع القلب للكل والوحدة مادام الكل يعمل خلال إيمان مستقيم. وحدتنا الكنسية المسكونية لا تقوم على تجمعات، وإنما على وحده الإيمان الحيّ.
هذا ونلاحظ أن السيد قد تحفظ في كلماته، إذ يوجد أيضًا من يصنع قوات باسم المسيح لكنه يضمر شرًا في قلبه كالهراطقة مسببي الانقسامات والأشرار في حياتهم العملية. يقول السيد نفسه "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: أني لا أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22-23).بهذا القلب المتواضع والمتسع بالحب يلزم أن نسلك دون أن نعثر الآخرين، وفي نفس الوقت دون أن نتعثر بسبب الآخرين، أي ليكن قلبنا متسعًا بالحب، لا على حساب خلاص إخوتنا الأصاغر، ولا على حساب خلاص نفوسنا.فمن جهة تحذيرنا من عثرة الصغار يقول: "من أعثر أحد الصغار المؤمنين بي، فخير له لو طوّق عنقه بحجر رحىَّ وطرح في البحر" [42]. بمعنى آخر يليق بنا أن تكون قلوبنا متسعة، فنحتمل ضعفات الآخرين كصغارٍ نترفق بهم ولا نعثرهم في الإيمان. ويقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا لهذه العبارات بقوله أن حجر الرحى يُشير إلى العلماني الذي يرتبك بأمور هذه الحياة فيدور حول نفسه كما حول حجر رحى في مللٍ وتعبٍ بلا هدف ولا راحة، أما الطرح في أعماق البحر فيعني أشر أنواع العقوبة، وكأنه خير لذلك الذي يرتدي ثوب العمل الكرازي أو الخدمة ويعثر الصغار أن يترك وظيفته ويصير علمانيًا، فإنه حتى وإن نال أشر أنواع العقوبة فسيكون له أفضل من إعثار الآخرين وهو خادم، لأنه بدون شك إن سقط بمفرده تكون آلامه في جهنم أكثر احتمالاً.بقدر ما يتسع قلبنا بالحب لا نُعثر صغار نفوس، ويلزمنا بحكمة أيضًا أن نهرب من النفوس المعثرة لنا، لكن دون إدانة لهم، إذ يقول: "وإن أعثرتك يدك فأقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أقطع، من أن تكون لك يدان وتمضي في جهنم إلى النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا يموت، والنار لا تُطفأ" [43-44]. وما يقوله عن اليد يكرره بخصوص الرجل والعين أيضًا. وقد سبق لنا تفسير مفهوم اليد والرجل والعين روحيًا، لذا نكتفي بعبارة القديس يوحنا الذهبي الفم [لا يتحدث هنا عن أعضائنا الجسدية بل عن أصدقائنا الملازمين لنا جدًا، والذين يحسبون ضروريين لنا كأعضاء لنا، فإنه ليس شيء يضرنا مثل الجماعة الفاسدة (الصداقات الشريرة).]أخيرًا يختم حديثه عن فاعلية المسيحي باتساع قلبه نحو الكل، مشبهًا إياه بالملح الذي يُصلح الآخرين من الفساد، قائلاً: "لأن كل واحد يُملح بنارٍ، وكل ذبيحة تُملح بملح. الملح الجيد، ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة، فبماذا تصلحونه، ليكن في أنفسكم ملح، وسالموا بعضكم بعضًا" [49-50]. كأنه يقول أن الملح يفقد كيانه إن فقد ملوحته التي بها يُصلح الطعام، هكذا المسيحي يفقد كيانه كمسيحي إن فقد حبه للغير ومسالمته للآخرين. الحب ليس سمة أساسية في حياتنا بل هو بعينه حياتنا، بدونه نفقد وجودنا المسيحي.ماذا يعني بقوله "كل واحد يُملح بنار"؟ في العهد القديم كانت الذبائح يلزم أن تُملح قبل تقديمها على المذبح لتحرق، هكذا إن كانت حياتنا ذبيحة حب، فالله لن يقبلها ما لم تكن مملحة بملح الحب الأخوي.
المزيد
03 مارس 2019
أحد الرفاع
تعلمنا الكنيسة المقدسة في أحد الرفاع المنهج المسيحى في الحياة، ويقوم على الصدقة (1-4) - والصلاة (5-15) - والصوم (16-18) وكأنها تهمس في أذن الموعوظ “صديقى.. ستكون معنا - بالمعمودية - وستسلك كما يليق بهذه المعمودية: الصدقة هى الزهد في المال والقنية والصلاة هى جحد الذات وكسر المشيئة والصوم هو ضبط الجسد”فالكنيسة تضع أمام الموعوظ علامات الطريق، وسر النصرة.. وتميز له ما بين ممارسة المسيحية، والممارسة التي كان يعيش فيها قبل المعمودية سواء كان وثنياً أم يهودياً فالمسيحية تعرف الخفاء في الممارسة والعلاقة الباطنية بين الآبن (بالمعمودية) والآب السماوى الذى يرى في الخفاء
الصوم الكبير عودة إلى الله
“أول وصية”“من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت” (تك 16:2-17) إنها أول وصية بل الوصية الوحيدة في الفردوس أن يصوم الإنسان عن نوع معين من الطعام ولا يتناول طعاماً إلا من يد الله أراد الله أن يقول لآدم:“ليست حياتك من الطعام، بل بى. إذا أكلت بدونى فستموت” وأراد الشيطان أن يثبت العكس لآدم: “إن الحياة، بل والألوهة تكمنان في الأكل فقط، حتى ولو كان مخالفاً لوصية الله الصالحة”وانطلت الخدعة على آدم فعاش ليأكل وكرّس الناس كل جهدهم وعمرهم من أجل “لقمة العيش”، وبات الناس لا يفكرون إلا في المال والأكل والمتع الحسية حاسبين أنها وحدها سبيل السعادة والحياة بمعزل عن الله مع أن الواقع نفسه يعلن فشل هذه الأفكار فليست سعادة الإنسان بالمادة بل “بالله الحى الذى يمنحنا كل شئ بغنى للتمتع” (1تى 17:6) أما المادة في حد ذاتها - وبعيداً عن الله؛ فتصير وثناً بغيضاً، وينبوع موت لكل من يتعلق بها “لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة” (1تى 10:6) وتمركز الحياة - هذا - حول الطعام، تتسرب دون أن ندرى حتى إلى الروحيين والمؤمنين؛ فصار الصوم في نظرهم هو امتناع عن الأكل إنه أيضاً تمركز سلبى.
ولكن الصوم كما تُعلّم الكنيسة وتشرحه هو العودة إلى الله.
العودة إلى الله كمركز للحياة
فليست الأموال بل الصدقة، وليست الإرادة بل الصلاة، وليست الأطعمة والشهوات بل الصوم والتعفف وهذا أول درس تلقنه لنا الكنيسة (في أحد الرفاع) قبل أن نجتاز معاً رحلة الصوم المقدسة.
أ- ففي الصدقة:-
يعلن الإنسان أن ما لديه من أموال هي نعمة استأمنه الله عليها أعطاها له كوكيل صالح ليخدم بها الآخرين بكل فرح “المعطى المسرور يحبه الرب” (2كو 7:9) وإن سعادته ليست في تخزين الأموال بل في إنفاقها في الخير “مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ” (أع 35:20) كذلك في الصدقة يعلن الإنسان أن حياته وتأمينها في يدى الله، وليس في خزائن البنوك، إن القضية ليست في كثرة المال أو قلّته، بل في نظرة الإنسان له ومحبته واتكاله هل على الله (حتى ولو كان غنياً) أم على الأموال (حتى ولو كان فقير)؟فهناك غنّى لا يتعلق بالمال وآخر يعبده وهناك فقير يشكر الله ويسعد وآخر ما زال يعبد المال ليست حياتنا من أموالنا بل من الله الذى يعطينا.
ب- والصلاة:
هي شركة حب يُسلم فيها الإنسان ذاته وإرادته وتدبير حياته ليدى ذاك الذى معه أمرنا الصلاة هي عودة إلى الله كمركز للحياة ومحرك لها قديماً قالوا: “الصلاة تحرك اليد التي تحرك العالم”، وربنا يسوع المسيح وعدنا أن “كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه” (مت 22:21) إن مأساة العالم اليوم أنه قد ترك الصلاة، وسعى وراء العقل والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بمعزل عن الله ولا يوجد من ينكر قيمة التفكير بالعقل، والمناداة بالحرية، وتحقيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغيرها من مبادئ سامية رفيعة ولكن دعنا نعترف - باتضاع - أن هذه المبادئ لم تحل مشكلة الإنسان في كل مكان.
آه لو اقترنت هذه، بروح التقوى والصلاة آه لو اعتنقناها في نور الإنجيل وليس بمعزل عن الله آه لو ارتقى الضمير وتنزه عن الأغراض لصار العقل بالحقيقة خلاقاً للخير وصارت الحرية سعادة بالمسيح “فإن حرركم الآبن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يو 36:8) وصارت حقوق الإنسان مُصانة بالحب وبالنعمة وبالعلاقات السليمة بين الناس وليس بالتحايل على القانون وبالغش وبالمحاباة
ليست الحياة بإمكانيات الناس بل الله الذى نطلبه في الصلاة.
جـ- والصوم:
الصوم عن الطعام هو إعلان عملى عن أنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله” (لو 4:4) لقد كانت هذه هي الخبرة التي تعلمها بنو إسرائيل في البرية وصاغها قائدهم العظيم موسى النبي في هذه العبارة بالروح القدس: “وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر، لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك: أتحفظ وصاياه أم لا؟ فأذلك وأجاعك وأطعمك المَنَّ الذى لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك، لكي يعلِّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان” (تث 2:8،3) والسيد المسيح في تجسده كان يقصد أن يُطعم تابعيه بالبركة في معجزتى إشباع الجموع، لكي يقول لهم: ليس السر في الخمسة أرغفة ولا السمكتين ولكن في اليد التي تقدم هذا القليل سيشبع الناس ويفضل عنهم بالبركة ليست حياتنا من الأكل بل من يد الله، التي تقدم لنا الأكل بشبع وبركة وفيض كثير فالصوم هو عودة إلى الله ينبوع كل الخيرات وكأننى حينما أصوم أتقدم لله بذبيحة جسدى مثلما فعل أبونا إبراهيم مع ابنه الحبيب الوحيد إسحق الذى بسببه قبل المواعيد. أتقدم رافعاً سكين الجوع على جسدى الضعيف المنهك مقدماً إياه ذبيحة حب وطاعة وإعلان إيمان إن الله أهم لدّي من جسدى ومن كل نفسى حينئذ يتكلم معى ملاك الرب: “لا تمد يدك إلى الغلام (جسدى) ولا تفعل به شيئاً، لأنى الآن علمت أنك خائف الله، فلم تـُمسك ابنك وحيدك عنى” (تك 12:22) ويرفع الصائم عينيه - كما فعل أبونا إبراهيم - وينظر “وإذا كبش وراءه مُمسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه” (تك 13:22) وكبشنا المذبوح عنا وعن جسدنا هو ربنا يسوع المسيح المذبوح على المذبح في سر الإفخارستيا التي لابد أن ينتهى الصوم بها ليحقق لنا هذا المعنى الجميل. لم تكن حياة أبونا إبراهيم مرهونة بحياة إسحق بل بالله وعندما قدم إبراهيم إسحق برهن على إيمانه هذ ونحن حياتنا ليست مرهونة بالجسد بل بالله والصوم يبرهن على ذلك وكما أن الله افتدى إسحق بكبش كذلك يفتدينا بدمه وجسده على المذبح وكما أن المذبح لم يميت اسحق بل عظمَّه وصار بالحقيقة بركة وجداً للسيد للمسيح بالجسد كذلك لا يميتنا الصوم بل يباركنا ويعظمنا ويجعلنا أهلاً لبيت الله ورعية مع القديسين
المزيد
02 مارس 2019
العبادة الكاملة
العبادة المقبولة في كنيستنا الأرثوذكسية لها أركان ثلاثة هامة ورئيسية وهى حسب الترتيب الذي رتبه مخلصنا الصالح في موعظته على الجبل الإصحاح السادس من إنجيل معلمنا متى الرسول - الصدقة، والصلاة والصوم ووَضْع الصلاة بينالصدقة والصوم يُشبِّهه بعض المفسرين بطائر لأنَّ الصلاة كما يقول يوحنا الدرجي هي طيران عقولنا إلى الله وهذا الطائر الذي هو الصلاة له جناحان كبيران هما الصدقة والصوم، بواسطتهما يُحلِّق في الأجواء العليا بلا مانع ولا عائق وكما أنَّ الطائر العادي إذا كان جناحاه قوييْن سليميْن يطير بهما بسهولة أمَّا إنْ ضعف أو انكسر أحدهما أو كلاهما فإنَّه يضعف ولا يستطيع الطيران وإنْ حاول الطيران يسقط ثانية ويظل هكذا يتخبط حتى يموت. هكذا الصلاة إنْ فقدت أحد جناحيْها اللذيْن هما الصدقة والصوم تضعف وتفتر. أمَّا إنْ ظلَّ جناحاها قوييْن تصبح صلواتنا قوية متكاملة تستطيع بنعمة الله أنْ تدخل إلى ما داخل الحجاب وتصل إلى عرش النعمة وبذلك نصلى ونعبد الله بأرواحنا وبالصدقة نعبد الله بأموالنا نقدمها له ذبيحة مقبولة على مذبح الرحمة والعطاء متذكرين نصيحة الرسول القائل "لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ" (عب 16:13) ونصيحته القائلة "مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِالْقِدِّيسِينَ عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ" (رو 13:12) وبالصوم نعبد الله بأجسادنا فنقدم أجسادنا ذبائح حية كاملة مرضية أمام الله على مذبح الصوم والتذلل وبذلك تكون عبادتنا كاملة لأنَّها عبادة مثلثة بالصدقة والصلاة والصوم وكما هو معروف أنَّ الثلاثة عدد كامل ومقدس، وكل شيء بالثالوث يكمُل وبهذه العبادة المثلثة المقبولة ننال رضى الله وننعم ببركاته فيكون لنا:
فى الصدقة تركة وفى الصلاة شركة وفى الصوم بركة من أجل هذا الارتباط العضوي بين هذه الأركان الثلاثة للعبادة المسيحية تُعلمنا الكنيسة أنَّ الإنسان المؤمن حينما يذهب إلى الكنيسة للصلاة والعبادة يجب أنْ يكون صائماً لا يتناول أيّ شيء قبل ذهابه إلى القداس، كما ذكرنا أيضاً هنا فيموقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. حتى لو كان في أيام الإفطار وحتى لو كان ليس في نيته التقدُّم للتناول من الأسرار المقدسة، يجب أنْ يحضر القداس وهو صائم في كافة الأحوال كذلك تُعلمنا الكنيسة أنْ لا نذهب إلى بيت الرب فارغين حسب قول الرب: لا تظهروا أمامي فارغين (خر 15:23) بل يجب أنْ نضع العطاء في صناديق الكنيسة المخصصة لذلك كما نحمل إلى الكنيسة بعض العطايا العينية مثل البخور والستور والأباركة aparxh والزيت والشموع وخلافه وبذلك نكون في القداس الواحد قد عبدنا الله العبادة المثلثة الكاملة. نصلى ونحن صائمين ثم نضع تقدماتنا ونذورنا النقدية أو العينية في الأماكن المخصصة لها بالكنيسة الرب يعطينا أنْ نعبده عبادة كاملة مرْضية بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا (لو 75:1) فيشْتَم الرب من عبادتنا رائحة الرضا والسرور ويكون نصيب عبادتنا الاستماع والقبول.
نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر
المزيد
01 مارس 2019
دعوة إلى التوبة
إن الله المحب للبشر ، بدافع من محبته لأولاده ، يدعوهم للتوبة ذلك لأنه " يريد أن الجميع يخلصون "( 1 تي 2: 4 ) هو لا يشاء أن يهلك أحد ، بل أن يقبل الجميع إلي التوبه ( 2 بط 3: 9 ) وهو من أجل خلاصهم مستعد أن يتغاضي عن أزمنه الجهل ( أع 17 : 30 ) بل إنه يقول في محبته العجيبة " هل مسرة أسر بموت الشرير إلا برجوعه فيحيا " ( حز 18 : 3 ) هو يحبنا ويريدنا بالتوبة أن نتمتع بمحبته يريد بالتوبة أن يشركنا في ملكوته ، ويمتعنا بمحبته إنها ليست مجرد أوامر يصدرها الله علي أفواه أنبيائه القديسين ، بل هي دعوة حب للخلاص " توبوا وارجعوا ، لتمحي خطاياكم "( أع 3: 19 ) " من رد خاطئاً عن طريق ضلاله يخلص نفساً من الموت ، ويستر كثرة من الخطايا "( يع 5: 20 ) إذن هذا الأمر من أجلنا نحن ومن خلاصنا ، الذي جعله يتجسد ويتألم لأجلنا ، والذي لا نستطيع أن نناله إلا بالتوبة لذلك نري في دعوته لنا للتوبة ، مشاعر الحب إذ يقول " إرجعوا إلي ، أرجع إليكم "( ملا 3: 7) ، " توبوا وارجعوا ( حز 14: 6) ، " إرجعوا إلي بكل قلوبكم إرجعوا إلي الرب إلهكم "( يوئيل 2: 12 ، 13) ويقول في محبته علي لسان أرمياء النبي " أجعل شريعتي في داخلهم ، واكتبها علي قلوبهم واكون لهم إلهاً ، وهم يكونون لي شعباً أصفح عن إثمهم ، ولا أذكر خطيتهم بعد "( أر 31 : 33 ، 34) وفي دعوته لنا للتوبة ، وعد بتطهيرنا وغسلنا إنه يقول " إغتسلوا ، تنقوا ، أعزلوا شر أفعالكم وهلم نتحاجج يقول الرب : إن كانت خطاياكم كالقرمز ، تبيض كالثلج " ( أش 1: 16، 18) ويقول" أرش عليكم ماء طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباً جديداً "( حز 36 : 25 ، 26)وهو يدعونا للتوبة ، لأننا نحن نحتاج إليها فهو يقول " ما جئت لأدين العالم ، بل لأخلص العالم "( يو 12 : 47) ، " لا يحتاج الأصحاح إلي طبيب بل المرضي لم آت لأدعو أبراراً بل خطاه إلي التوبة "( مر 2: 17) نعم إن إبن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك " ( متي 18 : 11) هذه التوبة إذن من صالحنا وليست أمراً مفروضاً علينا ولنا نحن كامل الإختيار الله يدعونا للتوبة ثم يقول " إن شئتم وسمعتم ، تأكلون خير الأرض وإن أبيتم وتمردتم ، تؤكلون بالسيف "( أش 1: 19 ،20) و الصالح لنا ان نسمع ونطيع ، من اجل نقاوتنا ومن أجل أبديتنا ، ومن أجل أبديتنا ، ومن أجل أن نتمتع بالله هوذا الرسول يمسي دعوته لنا للتوبة " خدمه المصالحة " وينادي " تصالحوا مع الله "( 2كو 5: 18 ، 20) فهل نحن نرفض أن نتصالح مع الله ؟! وهل من صالحنا رفض المصالحة ؟!التوبة نافعه ، مهما كان أسلوبها ، باللين أو بالشدة ولهذا يقول القديس يهوذا الرسول " إرحموا البعض مميزين وخلصوا البعض بالخوف ، مختطفين من النار مبغضين حتي الثوب المدنس من الجسد " ( يه 22، 23) . كان القديس يوحنا المعمدان شديداً في مناداته بالتوبة ( متي 3:8-10) ويقول القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس " الآن أنا أفرح ، لا لأنكم حزنتم ، بل لأنكم حزنتم للتوبة "( 2 كو 7: 9) ولذلك كان بعض القديسين في عظاتهم يجعلون الناس يبكون ، وكان ذلك نافعاً لهم كما كانت عقوبات الكنيسة نافعة للتوبه و للخلاص لذلك كانت الدعوة للتوبة ، أهم موضوع في الكتاب لكي يتنقي الناس ، ولكي يخلصوا ولما كانت التوبة لازمه للخلاص ، بذلك أرسل السيد المسيح قدامه يوحنا المعمدان ، يهيئ الطريق أمامه بالتوبة ، فنادي بالتوبة قائلاً " توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات "( متي 3: 2) هذا الملكوت الذي لا يمكن ان تنالوه إلا بالتوبة وقد للناس معمودية التوبة وهكذا عمل التوبه سبق عمل الفداء والمعمدان سبق المسيح و السيد المسيح نفسه نادي للناس بالتوبه " من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز قائلاً : توبا لأنه قد اقترب ملكوت السموات "( متي 4: 17) وكان يقول " قد كمل الزمان ، واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالإناجيل "( مر 1: 15) ولما أرسل الإثني عشر " خرجوا يكرزون ان يتوبوا " ( مر 6 : 12 ) وقبيل صعودة أمر أن يكرز باسمه للتوبه ومغفرة الخطايا لجميع المم مبتدأ من أورشليم "( لو 14 : 47) كان اول كارز بالتوبه هو نوح وتبعه أنبياء كثيرون مثل أشعياء ( أش 1 )، وحزقيال ( حز 18 ) ، ويونان ( يون 3) ، ويوئيل (يوء 2) ، وأرمياء أر 31 ) وهي أيضاً واضحه كل الوضوح في اسفار العهد الجديد و الدعوة إلي التوبه هي عمل جميع الرعاة و المعلمين و الوعاظ ورجال الكهنوت وكل المرشدين إلي التوبه هي عمل جميع الرعاة و المعلمين و الوعاظ ورجال الكهنوت وكل المرشدين الروحنيين وهي واضحة في أقوال الآباء . لقد اهتم الآباء جداً بالدعوة إلي التوبه :قال القديس الأنبا أنطونيوس : أطلب التوبة في كل لحظة وقال القديس باسيليوس الكبير :" جيد ألا تخطئ وإن اخطأت ، فيجد ألا تؤخر التوبه وإن تبت ، فيجد ألا تعود إلي الخطية وإن لم تعد ، فجيد أن تعرف أن هذا بمعونه من الله وغن عرفت فجيد ان تشكره علي ما أنت فيه " وقال مار اسحق :" في كل وقت من هذه الأربع و العشرين ساعه من اليوم ، نحن محتاجون إلي التوبة " وقال أيضاً " كل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك ، وتتفكر بأي الأشياء أخطأت ، وبأي أمر سقطت ، وتقوم ذاتك فيه لا تحسبه من عدد ايام حياتك "إن الدعوة إلي التوبه لازمه للكل ومما يستلفت النظر : إن الدعوة للتوبة ، وجهت حتي إلي ملائكة الكنائس السبع, فالرب يقول لملاك كنيسة أفسس " أذكر من أين سقطت وتب "( رؤ 2: 5) وكلمه " تب " يقولها أيضاً لملاك كنيسة برجامس ( رؤ 2: 16 ) وملاك كنيسة ساردس ( رؤ 3 : 3) ، ولملاك كنيسة لاودكية ( رؤ 3: 19 ) وقد أرسل الله ناثان النبي لينادي بالتوبة إلي داود النبي مسيح الرب أن دعوة الله بالتوبة تحمل شعور الإشفاق علي أولادة فهو يريد الذين ضلوا أن يرجعوا إليه ، ليكون لهم نصيب في الملكوت وفي ميراث القديسين ، وفي شركة الكنيسة لأن السلوك الخاطئ يمنع شركتنا بالله (1 يو 1: 6) ، ويمنع شركتنا مع بعضنا البعض " ولكن إن سلكنا في النور ، كما هو في النور ، فلنا شركة مع بعضنا البعض ودم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية "( 1 يو 1: 7) والله يقبل التائبين وأمثلة ذلك كثيرة في الكتاب :لقد قبل الإبن الضال في سوء حالته ( لو 15 ) وقبل المرأة السامرية التي كان لها أكثر من خمسة ازواج ( يو 4) وقبل اللص اليمين علي الصليب علي الصليب ( لو 23 : 43) وصلي من اجل صالبيه لتغفر لهم خطيتهم ( لو 23 : 34 ) وصلي من أجل صالبيه لتغفر لهم خطيتهم ( لو 23 : 34 ) وقيل زكا رئيس العشارين ( لو 19 : 9) ومنحه الخلاص صالبيه لتغفر لهم خطيتهم ( لو 23 : 34 ) وقبل متي العشار وجعله رسولاً من الأثني عشر ( متي 10 : 3) ويكفي قوله : من يقبل إلي ، لا أخرجه خارجاً ( يو 6: 37 ) بل أكثر من هذا ، ان الرب هو الذي يقف علي الباب ويقرع منتظرا من يفتح له ( رؤ 3: 20 ) فإن كان يفعل هذا ، فبالحري يفتح لمن يقرع أبواب رحمته الإلهية ومن جهة مراحم الرب علي الخطاة ، صدق من قال : إن مراحم الرب اقوي من كل دنس الخطية إن أبشع الخطايا واكثرها – بالنسبة إلي مراحم الله – كأنها قطعه طين قد ألقيتها في المحيط انها لا تعكر المحيط ، بل يأخذها ويفرشها في أعماقه ، ويقدم لك ماء رائقاً وقبول الله للتوبة ، إنما يكشف عن اعماق محبته الإلهية لذلك لا نستكثر خطيتنا علي فاعليه دمه ولا نستكثرها علي عظم محبته وعظم رحمته وقد قال احد الشيوخ القديسين : لا توجد خطية تغلب محبة الله للبشر إنه هو الذي يبرر الفاجر ( رو 4: 5 ) أقول هذا حتي لا ييأس الخطاه إذا نظروا إلي خطاياهم لا تيأس في هذه النقطة أتذكر خطاباً وصلني من أحد الشبان منذ 22 عاماً قرأته فتأثرت كثيراً ، لدرجة أنني بكيت ثم أرسلت له رداً ، أذكر أنني قلت له في مقدمته " وصلني خطاباك يا أخي المحبوب ، ويخيل إلي أنني قرأته مراراً قبل أن أراه إنه صورة حياة أعرفها ، وقصة قلوب كثيرة " نعم ، إنها حرب تتعب كثيرين . أفكارها معروفه ، تتكرر في اعترافات الناس وفي اسلئتهم الروحية وسنحاول أن نتناول هنا كل فكر منها ، لنرد عليه .
الشكوى الأولى : أنا يسئت . لا فائده منى
إعلم يا أخي أن كل أفكار اليأس هي محاربة من الشيطان إنه يريدك أن تيأس من التوبة ، سواء من إمكانيتها أو من قبولها ، حتي تشعر أنه لا فائده من الجهاد ، فتستلم للخطية ، وتستمر فيها وتهلك نفسك فلا تسمع للشيطان في شئ مما يقوله لك وكلما تحاربك فكرة من أفكار اليأس ، رد عليها بقول ميخاالنبي : لا تشمتي بي يا عدوتي ، فإن إن سقطت أقوم ( مي 7: 8) وأعلم إن اليأس يقود إلي الإندماج في الخطية بالأكثر ، فيتدرج الخاطئ من سئ إلي أسوأ وربما في اليأس يحاربة الشيطان بأن يبعد عن أب اعترافه ، وعن كل إرشاد روحي وعن الكنيسة كلها لكي ينفرد به بلا معونه !! إن حرب اليأس حورب بها الأنبياء و القديسون فقال داود النبي : كثيرون يقولون لنفسي : ليس له خلاص بإلهه ( مز 3) ولكنه يرد علي هذا فيقول " أنت يارب هو ناصري ، مجدي ورافع رأسي " إن داود لم ييأس من سقطته ، بل بكي عليها وتاب ورده الله إلي رتبته الأولي . بل كان الله يفعل خيرات كثيرة مع عديدين ، وهو يقول " من أجل داود عبدي "( 1مل 11: 32 ، 34 ، 36) .فلا تيأس إذن ، وتذكر الذين تابوا من قبل وإن كنت قد يئست من نفسك ، فإن الله لم ييأس من خلاصك لقد خلص كثيرين ، وليست انت اصعب منهم جميعاً وحيث تعمل النعمه فلا مجال لليأس تقدم إذن إلي التوبه بقلب شجاع ، ولا تصغر نفسك .
2- يقول : كيف اتوب ، وانا عاجز تماماً عن القيام من سقطتي ؟ لا تخف الله هو الذي سيحارب عنك والحرب للرب ( 1 صم 17 : 47 ) ولا تهتم مقاومتك ، ضعيفه أم قوية فالله قادر أن يخلص بالكثير أو بالقليل إن الله أقوي من الشيطان الذي يحاربك ، وسيطرده عنك فلا تنظر إذن إلي قوتك ، إنما إلي قوة الله واصرخ وقل : توبني يارب فأتوب ( أر 31 : 18) وإن كنت عاجزاً عن أن تقيم نفسك ، فالرب قادر أن يقيمك إنه هو الذي " يقيم الساقطين ، ويحل المقيدين " ( مز 145 ) ،" رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين " كن كالجريح الذي كان ملقي علي الطريق بين حي وميت عاجزاً عن ان يقوم ولكن السامري الصالح أتاه وأقامه ( لو 10 : 30 ) او كن كالموتي الذين أقامهم الرب ، ولا قدرة لهم ولا حياة .
3- تقول : حالتي رديئة جداً ، وفاقده الأمل أتراها فاقده الأمل ، أكثر من العاقر التي لها الرب " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد " ( أش 54: 1) وأعطاها اكثر من ذات البنين ؟! إن حالتك قد تكون فاقدة الأمل من وجهة نظرك أنت اما الله فله رجاء فيك لا تجعل أملك إذن في نوعية حالتك ، إنما في غني الله الذي يعطي بسخاء ، وفي حبه وفي قدرته .
4- تقول : ولكنني لا أريد التوبه ، ولا أسعي إليها طبعاً ، هذا أسوأ ما في حالتك ومع ذلك فلا تيأس ويكفي ان الله يسعي لخلاصك وهو يريد لك ان تخلص وصلوات قديسين كثيرين ترفع من أجلك مع تشفعات ملائكة والله قادر أن يجعلك تريد هذه التوبه وتذكر قول الرسول " لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة "( في 2: 13) صل وقل : أعطني يارب الرغبة في أن أتوب أن الخروف الضال لم يبحث كيف يرجع ، ولكن صاحبه بحث عنه وأرجعه إليه وكذلك كان الحال مع الدرهم المفقود ( لو 15 ) .
5- تقول : هل من المعقول ان أعيش طول عمري بعيداً عن الخطية ، بينما قلبي يحبها ؟! لو تبت عنها سأرجع إليها ! إن المغالطة التي يلقيك بها الشيطان في اليأس ، هي انك ستعيش في التوبه بنفس هذا القلب الذي يحب الخطية ! كلا ، فسيعطيك الرب قلباً جديداً ( حز 36 : 26 ) وسينزع منك محبة الخطية وحينئذ لن تفكر أن ترجع إليها بل علي العكس ، إن الله سيجعلك في توبتك تكره الخطية و تشمئز منها شعورك الحالي سيتغير .
6- تقول : حتي إن تبت ، ستبقي أفكاري ملوثه بصور قديمه لا تخف ففي التوبه سينقي الله فكرك وتصل إلي تجديد الذهن " الذي قال عنه الرسول ( رو 12 : 2) كم كانت الصورة الرديئة التي في ذاكره أوغسطينوس ، وفي ذاكره مريم القبطية ! ولكن الرب محاها ، ليتقدس الفكر بمحبته وثق أن الذين عادوا للتوبه ، كانوا في حالة أقوي بل كثير منهم منحهم الرب مواهب ومعجزات مثل يعقوب المجاهد ، ومريم إبنه أخي إبراهيم المتوحد ، ومريم القبطية و التائب محبته أكثر ، كالخاطئة التي أحبت كثيراً ، لأنه غفر لها الكثير ( لو 7: 47 ) وداود في توبته كان أعمق حباً واتضاعاً .
7- تقول : وهل يغفر الرب لي ؟ وهل يقبلني ؟ إطمئن ، فإنه يقول " من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً "( يو 6: 37 ) وقد قال داود النبي " لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد عنا معاصينا لأنه يعرف جبلتنا ،يذكرنا أننا تراب نحن "( مز 103 ) إنه لا يقبلنا فقط ، بل يغسلنا فنبيض أكثر من الثلج ( مز 50) ولا يعود يذكر لنا خطايانا ( أر 31 : 34 ، حز 33: 16 ، عب 8: 12 ) تذكر أن نفسك غالبيه عند الرب من اجلها تجسد وصلب .
8- تقول : ولكن خطاياي بشعه جداً أجيبك بقول الكتاب " كل خطية وكل تجديف بغفر للناس "( متي 12 : 31) حتي الذين تركوا الإيمان ورجعوا إليه ، غفر لهم وكذلك الذين وقعوا في بدع وهرطقات وتابوا ، غفرت لهم وبطرس الذي انكر المسيح وسب ولعن وقال لا اعرف الرجل ، غفر له وليس هذا فقط ، بل أعيد إلي درجه الرسولية و الرعاية حتي الذين كانوا في موضع القدوة ، مثل هرون رئيس الكهنة الذي اشترك مع بني اسرائيل في صنع العجل الذهبي ليعبدوه ( خر 32 : 2-5 )، لما تاب غفرت له وهوشع الكاهن العظيم ، انتهر الرب من أجله الشيطان ، وألبسه ثيباً جديدة (زك 3: 1-4) .
9- تقول : ولكني تاخرت كثيراً . فهل هناك فرصة ؟ هكذا قال أوغسطينوس في اعترافاته " تاخرت كثيراً في حبك " والرب قبله إنه قبل أصحاب الساعة الحادية عشرة وكافأهم بنفس المكافأة ( متي 20: 9 ) وقد قبل اللص اليمين علي الصليب ، في آخر ساعات حياته وطالما نحن في الجسد ، هناك فرصة للتوبه لذلك نقول في صلاة النوم " توبي يا نفسي مادمت في الأرض ساكنه .." لأن الرجاء في التوبة لا يتبدد إلا في الهاوية ، حيث قال أبونا إبراهيم للغني " بيننا وبينكم هوة عظيمة "( لو 16 : 26 ) فما دمت في الجسد ، امامك فرصة للتوبة ، فانتهزها .
10- تقول أخشي أن تكون خطيتي تجديفاً علي الروح القدس أقول لك إن التجديف علي الروح القد س، هو الرفض الكامل الدائم مدي الحياة لكل عمل للروح القدس في القلب ، فلا تكون توبة ، وبالتالي لا تكون مغفرة ولكن إذا تبت ، تكون قد استجبت لعمل الروح فيك ولا تكون قد استجبت لعمل الروح فيك ولا تكون خطيتك تجديفاً علي الروح
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
28 فبراير 2019
سفر التكوين
1- وبين تك 8 : 4 وعدد 5 ففى الاول يقول (واستقر الفلك فى الشهر السابع فى اليوم السابع من الشهر على جبال اراراط) وفى الثانى يقول (فى اول الشهر العاشر ظهرت رؤوس الجبال) فكيف استقر الفلك على جبال اراراط فى الشهر السابع ولم تظهر رؤوس الجبال الا فى الشهر العاشر؟ فنجيب ان ارتفاع جبل اراراط 17750 قدما عن سطح الارض فهو اعلى جبال تلك الجهه، فاذا استقر الفلك على هذا الجبل لا تظهر رؤوس الجبال التى هى اقل ارتفاعا فى مده اقل من ثلاثه اشهر.
2- وبين اصحاح 9: 25 وحز 18: 2 – 4 و 19و 20 ففى الاول ان نوحا لعن كنعان عوضا عن ابيه وفى الثانى يقال النفس التى تخطىء هى تموت. فنجيب لم يقل نوح ان كنعان يهلك بخطيئه حام الذى ينافى ما جاء فى الثانى، فقول نوح نبوءه عن بمصير الكنعانيين لا كنعان نفسه فاريد بكنعان الكنعانيون كما اريد بيعقوب واسرائيل الشعب كله.
3- وبين 15: 5 وص 14: 14 ففى الاول ان لوطا ابن اخى ابراهيم وفى الثانى انه اخوه. فنجيب ان كلمه اخ فى اللغه العبريه وفى كل لغه تحمل ان يراد بها كل قريب سواء كانت القرابه جسديه او روحيه (قابل ايضا بين 2 مل 24: 17 و2 اى 36: 10) ويعقوب دعى اخا الرب يسوع اى قريبه (غل 1: 19) وكذلك بوعز لابيمالك (را 4:13)
4- وبين اصحاح 12 : 1 – 5 واع 7 : 2 -4 ففى الاول دعا الله ابراهيم فى حاران وفى الثانى دعاه قبل مجيئه حاران فنجيب ان الرب دعا ابراهيم مرتين: الاول ى فى اور الكلدانيين والثانيه فى حاران، والمده بين الاثنين خمس سنوات.
5- وبين اصحاح 13: 18 ويش 14: 15 ففى الاول ذكرت مدينه حبرون فى ايام ابراهيم وفى الثانى انها غيرتالىهذا الاسم فى عصر يشوع. فنجيب انها كانت اولا تدعى حبرون ثم دعيت قريه اربع لكنى اربعه من العمالقه فيها وبعد ذلك اعيد لها اسمها القديم كنص الايه (اسم حبرون قبلا قريه اربع).
6- وبين تك 14:14 وقض 18: 19 ففى الاول ذكرت لفظه دان مع انها مدينه عمرت فى عهد القضاه كما فى الثانى. فنجيب ان الاول ى غير الثانيه.
7- وبين اصحاح 15: 13 وخر 12: 40 ففى الاول ورد ان بنى اسرائيل يتغربون ويذلون 400 سنه وفى الثانه 430 سنه. فنجيب ان الاول قيل وقت ولاده اسحق او فى وقت فطامه حين جدد اله العهد لابراهيم (تك 21: 8 – 21) ولا شك فى انه مرت من وقت فطام اسحقالىخروج بنى اسرائيل 400 سنه اما الثانى فنظر فيه النبىالىما قيل قبل ذلك اى الى وقت دعوه ابراهيم ليخرج من وطنه تابعا الرب. ومن وقت دعوه الله لابراهيم الىخروج بنى اسرائيل من مصر 430 سنه فلا اختلاف بين القولين.واليك البيان الذى يوضح ما نقول. فمن دعوه ابراهيم (1 ع 7 : 2)الىانتقاله من حاران (تك 12: 5) 5 سنين. ومده اقامته فى كنعان قبل مولد اسحق (تك 21 : 5) 25 سنه. ولغايه مولد يعقوب (تك 25: 26) 60 سنه ولغايه المهاجرهالىمصر (تك 47: 9) 130 سنه ومده اقامه بنى اسرائيل فى مصر 210 سنوات فمجموع هذه السنين 430 سنه. فاذا طرحنا منها مده الخمس سنين التى اقامها ابراهيم فى حاران والخمس والعشرين سنه لغايه مولد اسحق كان الباقى 400 سنه كما فى تك 15 : 13) والرسول بولس قال فى (غل 2: 17) : انه من الوعد الذى وعد به الله ابراهيم كما فى سفر التكوين (12 : 1- 8) الى اعطاء الشريعه 430، اما قول الثانى (ان اقامه بنى اسرائيل التى اقاموها فى مصر فكانت اربعمائه وثلاثين سنه) فيقصد به كل مده غربتهم اى من وقت دعوه ابراهيم لترك وطنه لغايه خروج بنى اسرائيل من مصر لان ابراهيم وذريته اقاموا فى ارض الموعد كانها غريبه (عب 11: 9) اى انهم كانوا متغربين لما كانوا فى ارض كنعان وان قيل لماذا اقتصر على ذكر مصر فنقول ان ذلك من قبيل الاكتفاء بالاشهر ففى مصر ذ1اقوا الالام الشديده وفيها جرت المعجزات الباهره، ففى الاكتفاء بذكرها بيان ان ما قاسوه فيها لا يعادله ما قاسوه فى مكان آخر. وسياق الكلام يقتضى ذلك لانه كان فى مقام التغنى بفضل الله ولم يظهر فضل الله بارزا كما ظهر فى اخراجه اياهم من ارض مصر
8- وبين اصحاح 17 : 8 و2 مل. ففى الاول قال الله لابراهيم (واعطى لك ولنسلك كل ارض كنعان ملكا ابديا) وورد فى الثانى ان ابراهيم لم يعطيها ولم لنسله ملكا ابديا. فنجيب ان قوله (لك) باعتبار ان اعطائها لنسله اعطائها له وقد تم وعد الله فعلا(عد 22 وتث 2 ويش 3) ولكن الله اشترط على اسرائيل ان دوام بركاته لهم معلق على دوام خضوعهم له فطردهم منها لانه ليس لان الله اخلف وعده بل لانهم هم اغضبوا الله فاخذ منهم ما اعطاهم (تث 28) ومثل هذا ما جاء فى (2 صم 7: 10 و11 و12 – 16).
9- وبين اصحاح 18: 17 وعب 13: 2 ففى الاول ورد ان الله ظهر لابراهيم وفى الثانى ان الذين ظهروا له ملائكه. فنجيب ان الاول ذكر ثلاثه رجال اضافهم ابراهيم ولا ريب انهم ملائكه كما قال الثانى ظهروا بشكل رجال. والذى يعتمد ان الاول كان ملاك الرب (يهوه) اتى ممثلا الاله لابراهيم والاثنين الآخرين صاحباه ارسلهماالىسدوم فلما كان يتكلم الملاك الاول قيل (قال الرب) (يهوه) فالملاك تكلم كانه هو الرب او نائب الرب. وفى عدد 14 من تك 17 يقول ذلك الملاك (هل يستحيل على الرب شىء) فدل ذلك على انه ملاك يتكلم بكلام الرب باعتبار انه نائب عنه وقد يكون الرب الملاك بمعنى واحد لظهور الرب بهيئه ملاك وكذلك مصارعه يعقوب لانسان(تك 32: 24) اى ملاك فى صوره انسان كما فى (هو 12: 4) وحكم يعقوبنفسه بانه شخص الهى (عد 30) فظهر الملاك ليعقوب كما ظهر لهاجرفى (ص 16: 17) وليس هنا من اشارهالىان ذلك الانسان كان الاله المتجسد فالظاهر انه لم يكن سوى ملاك ظهر فى هيئه انسان كما ظهر الملاك لمنوح (قض 13: 3 و9) ولكنه دل على حضور الله ومداخلته فى امر يعقوب وكان من الرموز الكثيرهالىحضور كلمه الله فى الجسد وامكان ذلك وقول الملاك ليعقوب (اطلقنى) ليس لانه لم يقدر ان يجعله يتركه بل قصد بها اعلان ايمانه وثباته. واما اطلاق لفظه الله على الذى ظهر لهاجر (تك 16: 13) وعلى الذى ظهر ليعقوب (تك 32: 29) وعلى الذى ظهر لمنوح (قض 13: 22) فمن قبيل اعتبار المرسل كشخص مرسله كما قيل فى (خر 13: 21) عن بنى اسرائيل (وكان الرب يسير امامهم) وقيل فى (ص 14: 19) (فانتقل ملاك الرب السائر امام عسكر اسرائيل) اما الذى ظهر لموسى فى العليقه الملتهبه وقيل عنه انه (ملاك يهوه) اى الرب وانه (الله) وانه (يهوه) انظر (خر 3: 2 و4 و7) فلا شك فى انه الاقنوم الثانى من الثالوث الاقدس ظهر لموسى فى هيئه ملاك. وقيل فى عدد 4 (فلما راى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقه) وفى العبرانيه (لما راى يهوه ناداه الوهيم) (اى الرب الذى سيظهر فى الجسد).
10- وبين اصحاح 25: 23 وص 27 ففى الاول ورد انه وعد يعقوب بالبركه وفى الثانى ان ذلك تم بواسطه غير شريفه اى بكذب رفقه ويعقوب على اسحق واختلاس البركه منه. فنجيب ان مواعيد الله لابد ان تتم ولكن اذا كان فى بعض وسائط اتمامها لا يليق فلا ينسب ذلكالىالله بلالىالانسان الناقص. فلو لم تتسرع رفقه لتم وعد الله بطريقه صالجه الا ان الله يستخدم كل الاحوال والحوادث فيها شىء من الريب فذلك لانها من عمل الانسان المملوء بالنقص. فرفقه ولئن كان اتمام وعد الرب نتيجه لسعيها الا انها لا تبرر امام الله لان الله لا يحاكم بموجب نتائج الاعمال بل يحاسب على النيه. فيهوذا وشعب اسرائيل فى سعيهمفى موت المسيح لا يصيرون بذلك مبررين لان موت المسيح كان لاجل خلاص العالم لان نيتهم لم تكن هكذا صالحه بل كانت نيه شريره فبحسب نيتهم يحاكمون. قال المرتل مخاطبا الله (غضب الانسان يحمدك) ومعناه ان يكون سببا لتمجيده. ومع ذلك لا يبرر الغضوب.
11- وبين اصحاح 36 : 31 و1 صم 12 ففى الاول قيل (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا فى ارض ادوم قبل ما ملك ملك لبنى اسرائيل) فكيف يتكلم موسى عن ملوك بنى اسرائيلمع ان اول ملك لهم اقيم فى ايام صموئيل النبى كما فى الثانى فنجيب ان موسى ذكر فى سفره اصحاح 17 : 6 و16 و35: مواعيد الله لابراهيم بانه سيثمره ويجعله امما وملوك يخرجون منه فموسى كتب ما كتب لايمانه الوطيد بالله بانه سينجز مواعيده.
12- وبين اصحاح 46 : 21 و1 اى 7 : 6 راجع ايضا (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 1 – 3) ف الاول قال ان اولا د بنيامين عشره والثانى انهم ثلاثه فنجيب:
ان الاول اعتبر حفده بنيامين اولاده لانه ورد فى (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 3 و4) ان ارد ونعمان بنو بالع ابن بنيامين وفى سفر التكوين انهما ابنا بنيامين.
وقد ذكر باكر فى تك 46 : 21 و1 اى 7 : 6 ولكنه لم يذكر فى عدد 26 : 38 – 41 و1 اى 8 : 1 وذلك لان فى عدد 26 : 35 ذكر فى سبط افرايم لانه تزوج من هذا السبط.
ان يديعيئيل المذكور فى 1 اى 7 : 6 و10 هو ذات اشبيل المذكور فى التكوين والعدد وسفر الايام الاول اصحاح 8 فان عشيرته عظمت فى عهد داود فسمى بهذا الاسم.
ان ولدى بالع اصبون وعيرى لم يدرجا فى مواضع من سبط بنيامين وادرجا فى (تك 46 : 16 وعدد 26 : 16) فى سبط جاد لداعى النسب والمصاهره.
ذكر فى 1 اى 7 : 12 ان شفيم وحفيم ابنا عير وهما ذات مفيم وحفيم (تك 46 : 21) وذات شفوفام وحوفام (ع 26 :39) وذات شفوفام وحورام (1 اى 8 :5) والمشابهه بين هذه الاسماء موجوده فى الخلاف الظاهرى نشا من اعتبار كاتب ابناء الابناء بانهم ابناء ومن انتقال شخصالىسبط اخر او موته بدون عقب او قتله فى الحروب كما فى (قض 20 :46) ومن مخاطبه كل كاتب اهل عصره باللغه المتداوله بينهم نظرا لما كان يطرا على اللغه من اصطلاحات جديده فى كل عصرواليك بعض اصطلاحات اللغه العبرانيه المتبعه فى الكتاب المقدس المكتوب بها والتى من هذا القبيل.
(ا) دلاله اسماء الاباء او الاسلاف على انفسهم.
(تك 9 : 25) ملعون كنعان اى نسله.
(خر 5 :2،1 مل 18 : 17و18،مز 14 : 7) دلاله
اسم يعقوب على الاسرائيليين.
(اش 7 : 5،8، 11: 13 هو 5 : 9و13،6 :4)
دلاله اسم افرايم على اسرائيل.
(ب) دلاله لفظ ابن على النسل ولو بعد.
مفيبوشيت دعى ابن شاول وهو ابن يوناثان (2 صم 19 : 24).
زكريا دعى ابن عدو (عز 5 : 1) وهو ابن ابنه (زك 1 : 1).
(ج) لفظه اب تدل على السلف (1 اى 1 : 17)
دعيت عثليا فى (2 مل 8 : 26) ابنه عمرى وفى (عدد 18) ابنه اخاب وهى كانت ابنه اخاب حقا وحفيده عمرى.
13- وبين اصحاح 46 : 27 واع 7 : 14، ففى الاول ذكر ان جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءت الى مصر سبعون نفسا وفى الثانى انهم خمسه وسبعون نفسا. فنجيب قيل فى عددى 26 و27 (جميع النفوس ليعقوب التى جاءتالىمصر الخارجه من صلبه ما عدا نساء بنى يعقوب. جميع النفوس سته وستون نفسا وابنا يوسف اللذان ولدا له فى مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون) فينبغى ان يلاحظ ان نساء بيت يعقوب استثنين من هذا العدد اما فى سفر اعمال الرسل فقيل (فارسل يوسف واستدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته خمسه وسبعين نفسا) فليس من هؤلاء يوسف ولا ابناه ولا زوجته لوجودهم فى مصر حينئذ فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفسا لم يحسب معهم يعقوب كصريح الايه (استدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته الخ) اما باقى العشيره فهم زوجات بنيه وعددهم تسع لان امراه يهوذا ذكر عنها ماتت (تك 38 : 12) وكذلك امراه شمعون (تك 46 : 10) فالجميع خمسه وسبعون.
المتنيح القس منسى يوحنا
من كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
27 فبراير 2019
فوائد النسيان
من النسيان ما هو ضار وما هو نافع. والنسيان الضار ليس هو موضوعنا في هذا المقال. ومن أمثلته: أن ينسى المرء واجباته الدينية أو مسئولياته العملية. أو أن ينسى وعوده أو عهوده أو بالأكثر أن ينسى إحسانات الله إليه. وما يشبه ذلك وهو كثير على أن النسيان ليس كله شرًا. فقد سمح به الله من أجل نفع الإنسان وفائدته، لو أنه أحسن استخدامه. فالإنسان الحكيم يعرف ما الذي ينبغي أن ينساه، وما الذي ينبغي أن يتذكره. وسنحاول في هذا المقال أن نشرح بعض المجالات التي يحسن فيها النسيان:
فمن فوائد النسيان مثلًا أن ننسى إساءات الناس إلينا ننساها لكي نستطيع أن نسامح وأن نغفر ونصفح. ولكي لا يملك الغضب على قلوبنا بسببها. وننساها لكي نهرب من شيطان الحقد ومن شيطان الكراهية إذا ثبتت في أذهاننا.
فالذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يقابل الكل ببشاشه، ويملك السلام قلبه، ولا يختزن فيه شرًا من جهة أحد. لذلك، إذا أساء إليك أحد، لا تحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته إليك، ولا تتحدث مع الناس عما فعله بك ذلك المسيء، ولا تفكر في أية إهانة لحقت بك. لئلا يرسخ كل ذلك في ذاكرتك ويتعبك ولا تنسَ فقط أخطاء الناس إليك، وإنما كل أخطائهم عمومًا لأنك لو تذكرت على الدوام أخطاء الناس، لاسودت صورتهم في نظرك، ولعجزت أن تجد لك من بينهم صديقًا! إنه يندر أن يوجد أحد ليست له أية أخطاء. فلو أننا تذكرنا لكل أحد أخطاءه، لما استطعنا أن نتعامل مع أحد. وربما يدخل الشك إلى قلوبنا من جهة الناس جميعًا. وربما لا نستطيع أن نتكلم باحترام مع كل أحد من هنا تبدو فائدة نسيان أخطاء الناس.. كما يجب أن ننسى لهم أخطائهم، لكي نطلب من الله نسيان خطايانا وفى نفس الوقت الذي ننسى فيه أخطاء الناس، علينا أن نذكر خطايانا الخاصة لكي نصل إلى التوبة وإلى الاتضاع. موقنين تمامًا أنه إن نسينا خطايانا، سيذكرها لنا الله. أما إن ذكرنا خطايانا فسوف يغفرها لنا الله. إذن فليذكر كل أحد خطاياه، وينسى خطايا غيره. بعكس المتكبر الخالي من الحب، الذي دائمًا ينسى نقائصه، ودائمًا يذكر نقائص غيره، أو يتحدث عنها من فوائد النسيان أيضًا أن ننسى فضائلنا، حتى لا نقع في الكبرياء والإعجاب بالنفس... فإن عملت خيرًا، أو إن شاءت نعمة الله أن تعمل خيرًا بواسطتك، فلا تذكر ذلك ولا تتذكره. لئلا يجلب لك التذكار مديحًا من الناس، تستوفى به أجرك على الأرض، دون أن يختزن لك الأجر في السماء فالذي يفعل خيرًا، عليه أن يخفى الأمر، ليس فقط عن الناس، إنما حتى عن نفسه هو، بالنسيان حقًا، إن الذي يذكر فضائله، أو يُظهر فضائله، إنما يقع في الغرور والخيلاء، ويفقد الكثير من ثوابه. لذلك إنسَ الخير الذي تعمله. وإن ألحّ عليك الفكر في تذكره، أنسب ذلك إلى عمل نعمة الله معك، وليس إلى إرادتك الخيرّة. واشكر الله الذي هيّأ لك الظروف التي ساعدتك. واذكر أيضًا أن ذلك العمل كان يمكن أداؤه بطريقة أفضل من التي عملته بها...
من فوائد النسيان أيضًا أن ننسى المتاعب والضيقات:
أحيانًا يكون التفكير في متاعب الضيقة أشد إيلامًا وضررًا من الضيقة ذاتها. لذلك من الخير لك أن تكون الضيقات خارجك وليست داخلك. أي لا تسمح لها بالدخول إلى فكرك، ولا الاختلاط بمشاعر قلبك لئلا تتعبك. أي حاول أن تنساها. وإن ألحّ عليك الفكر ولم تستطع أن تنسى، حاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس، لكي تبعد الفكر عنك وتنسى..
وعندما تنسى ضيقاتك ومتاعبك وآلامك، ستدرك أن النسيان نعمة وهبها الله. وستشكر الله الذي جعلك تنسى... أليس في معالجة المرضى المتعبين بأفكارهم ومشاكلهم النفسية، يقدم لهم الأطباء أدوية لكي تشتّت تركيز أفكارهم، فينسون! وبهذه الطريقة يحاول الإنسان أن يشترى النسيان بالطب والدواء والمال... إذن مبارك هو الله أن يهب النسيان مجانًا لمن يحتاجونه.. إذن إنسَ المتاعب والهموم، لأن تذكرها يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضًا أخرى. وهنا ندرك فوائد النسيان من فوائد النسيان أيضًا، أن ينسى الإنسان الأسباب المعثرة التي تجلب له الخطية... فقد يقرأ شاب قصة بذيئة، أو يرى منظرًا خليعًا، أو يسمع كلامًا مثيرًا... وإن لم ينسى كل هذه الأمور، تظل تشغل فكره وتحاربه روحيًا، فتضيّع نقاوة قلبه. ولذا من الخير له أن ينسى... وقد يقع شاب آخر في مشكلة عاطفية، ويحاول من أجل إراحة قلبه أن ينسى. وإذا استطاع ذلك، يعترف إن النسيان نعمة عظيمة لذلك حاول أن تنسى كل ما يعكر نقاوة قلبك. لا تجلس وتفكّر في أي شيء ينجس فكرك أو مشاعرك. وإن عبر أيّ من هذه الأمور على ذهنك، فلا تستبقه، بل اطرده بسرعة، ولا تعاود التفكير فيه، لكيما تنساه من فوائد النسيان أيضًا أن تنسى كل الأمور التافهة، لكي تُبقى في ذهنك الأمور النافعة لك ولغيرك تصوّروا مثلًا لو أن إنسانا تذكرّ كل ما يمر عليه طوال يومه، أو طوال أسبوع أو شهر، من كل الأمور التافهة التي تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق، وأيضًا كل القراءات وكل الأحداث هل مثل هذا الشخص تحتمل طاقة فكره وذاكرته أن تخزن فوق ذلك كله، المعلومات اللازمة له والأساسية؟! لا أظن ذلك... من أجل هذا يسمح الله -لفائدتنا- أن ننسى التافهات، لكي تتبقى في ذهننا الأمور الهامة فقط. أما الذين يتذكرون كل الأمور التافهة، أو يهتمون بها فلا ينسوها... هؤلاء ستكون أحاديثهم تافهة أيضًا كذلك تصوّروا مثلًا إن أراد أحد أن يصلى. ووردت في ذهنه وذاكرته كل الأخبار والأحاديث التي عبرت به في يومه... أتراه يستطيع أن يركز في فكره في الصلاة؟! أم يسرح فيما يتذكره!وأيضًا إن أراد أحد أن يذاكر درسًا، أو أن يكتب بحثًا، أو أن يناقش موضوعًا هامًا، أتراه يستطيع ذلك، بينما في ذهنه كل التافهات التي مرّت به طوال يومه؟ أليس من المفيد له أن ينساها، ولو إلى حين!إن النسيان إذن هو عملية غربلة حيوية، تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعلومات والمعارف والمناظر والسماعات، التي وردت إلى العقل، فتستبقى النافع منها، وتطرد ما لا يفيد، عن طريق النسيان لذلك فلنحاول جميعًا أن نتحكم في ميزان ذاكرتنا. فلا نستبقى فيها إلا كل ما يفيدنا. أما الباقي فننساه. من أجل هذا، سمح الله بوجود النسيان. على أنه يجب أن نكون حكماء في معرفة ما يفيدنا نسيانه. وما يجب علينا أن نتذكره.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 فبراير 2019
مفاعيل الإفخارستيا في حياتنا
أولاً: الإفخارستيا والخلاص:-
يقوم الفكر المسيحي على شرح قضية الخلاص.. والأسفار المُقدَّسة تشهد أن الله وحده هو المُخلِّص "أنا أنا الرَّبُّ، وليس غَيري مُخَلِّصٌ" (إش43: 11) "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلِّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ" (إش59: 1)"هوذا هذا إلهنا. انتَظَرناهُ فخَلَّصَنا. هذا هو الرَّبُّ انتَظَرناهُ. نَبتَهِجُ ونَفرَحُ بخَلاصِهِ" (إش25: 9) بل وتعتبر الأسفار المُقدَّسة أن علامة الإله الحقيقي أنه يستطيع أن يُخلِّص تمييزًا له عن الآلهة الكاذبة"اِجتَمِعوا وهَلُمّوا تقَدَّموا معًا أيُّها النّاجونَ مِنَ الأُمَمِ. لا يَعلَمُ الحامِلونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، والمُصَلّونَ إلَى إلهٍ لا يُخَلصُ" (إش45: 20).
والخلاص في الفكر المسيحي يكون بغفران الخطايا، وليس بالخلاص من الأزمات الزمانية.. كما هو في الفكر اليهودي. لذلك قيل ليوحنا المعمدان وهو طفل وليد: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ. لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو1: 76، 77) وغفران الخطايا لا بد أن يكون بسفك الدم "وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب9: 22). لأن الدم يساوي الحياة، وسفك الدم يساوي بذل الحياة.. فالرب يسوع المسيح إلهنا خلَّصنا بغفران خطايانا بسفك دمه الكريم على الصليب من أجلنا.. "لأنَّ أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23).. فتسديد دين الخطية يستلزم بذل الحياة هذا الدم المسفوك على الصليب أعطانا إياه مُخلِّصنا الصالح لنشربه في سر الإفخارستيا حسب قوله الطاهر: "اشرَبوا مِنها كُلُّكُمْ، لأنَّ هذا هو دَمي الذي للعَهدِ الجديدِ الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا" (مت26: 27، 28)، "لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ" (يو6: 55) فبالرغم من أن مُخلِّصنا الصالح قد سفك دمه عن الجميع "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا" (1يو2: 2) "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ" (يو3: 16)ولكن للأسف لن يستفيد من هذا الفداء العظيم إلاَّ مَنْ يُؤمن فقط بالقيمة الخلاصية لهذا الدم"لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16) "الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو3: 18)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47).
ولكن الإيمان النظري وحده لا يفيد، فالكتاب يقول: "والشَّياطينُ يؤمِنونَ ويَقشَعِرّونَ!" (يع2: 19). فالشيطان نفسه يعرف القيمة الخلاصية لدم المسيح، ولكن بكل قطع لا يستطيع أن يستفيد من هذا الخلاص الثمين، بل يقشعر ويرتعب من مجرد تذكار فِعله لذلك فلابد للإنسان المسيحي أن يتقدَّم ليأكل الجسد ويشرب الدم لينال هذا الخلاص الثمين.. "يُعطى عنَّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا" (القداس الإلهي).
ثانيًا: الإفخارستيا والحياة الأبدية:-
إننا ننال الحياة الأبدية بالإيمان بألوهية السيد المسيح"الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو3: 36)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (يو5: 24)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47).
ولكن أيضًا هذا الإيمان النظري لا يكفي، فلابد من الشركة في التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.. لننال الحياة الأبدية حسب قول السيد المسيح: "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ" (يو6: 54). بل لقد أعلن السيد المسيح أنه بدون التناول من جسد الرب ودمه لا يمكن أن ينال الإنسان الحياة.. "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم" (يو6: 53). أي أنه لا يوجد طريق آخر للحياة إلاَّ التناول من جسد الرب ودمه فالمسيح هو حياتنا.. راجع (كو3: 4)، وبدونه لا يكون لنا حياة. وهذا يفسر لنا لماذا "أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23). فالخطية هي انفصال عن الله، وهذا يؤدي حتمًا إلى الموت، كمثل انقطاع تيار الكهرباء عن المصباح الكهربائي، وكما أنه لا يمكن أن يعود الضوء إلى المصباح إن لم يتصل مرة أخرى بنفس التيار الكهربائي، بنفس الفولت والتردد.. وكذلك لا يمكن للإنسان أن يحيا إن لم يتصل مرة أخرى بالله ولذلك كان تدبير التجسد والفداء.. ففي التجسد اتحد اللاهوت بالناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح اتحادًا أقنوميًا فريدًا ليس له نظير. وهذا الاتحاد أدى إلى انسكاب الحياة من لاهوت السيد المسيح إلى ناسوته، فأصبح الناسوت حيًّا ومُحييًا بقوة اللاهوت الذي فيه ولذلك ما كان يمكن أن يستمر هذا الناسوت في الموت، بل كان لا بد أن يقوم.. "الذي أقامَهُ اللهُ ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ" (أع2: 24) حقًا لم يكن ممكنًا أن يُمسك من الموت إذ هو الحياة "أنا هو القيامَةُ والحياةُ" (يو11: 25) "أنا هو الطَّريقُ والحَقُّ والحياةُ" (يو14: 6) فالجسد الحاضر على الأرض ويمشي بين الناس هو جسد الله الكلمة الذي "فيهِ كانَتِ الحياةُ" (يو1: 4)، "لأنَّ عِندَكَ يَنبوعَ الحياةِ" (مز36: 9). نحن هنا نتكلَّم عن جسد المسيح الحي والمُحي، جسده الخاص الذي أخذه من القديسة العذراء مريم، وصار متحدًا اتحادًا أقنوميًا كاملاً بلاهوته الطاهر.. لكن كيف أنال أنا الحياة الأبدية؟!!لقد وضع لنا السيد المسيح طريقة سهلة جدًّا ننال بها الحياة به إذ قال"أنا هو خُبزُ الحياةِ" (يو6: 48) "أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو6: 51) "مَنْ يأكُلْ هذا الخُبزَ فإنَّهُ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 58) وقد أعطانا فعلاً الرب يسوع جسده لنأكله ودمه لنشربه حتى نحيا به، وعلَّمنا أن هذا الأكل وهذا الشرب هما وسيلة الحياة الأبدية"فقالَ لهُمْ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ، لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ. كما أرسَلَني الآبُ الحَيُّ، وأنا حَيٌّ بالآبِ، فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 53-57)وكأن السيد المسيح قد ذخر طاقة الحياة الأبدية في هذا الجسد المُقدَّس، وأعطانا أن نأكله كي نحيا به ونهتف مع مُعلِّمنا بولس الرسول: "لأنَّ ليَ الحياةَ هي المَسيحُ" (في1: 21)، "أحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ" (غل2: 20).
ثالثًا: الإفخارستيا ووحدة الكنيسة:-
إذا كانت أسرار الكنيسة كلها تؤول إلى وحدة شعب الله، وقد وضعها الله في الكنيسة لتحقيق هذه الوحدة.. فالسر الذي لا يمكن إدراك كنهه بعيدًا عن مفهوم الوحدة.. هو سر الإفخارستيا.. سر الجسد الواحد.. سر المُصالحة بين الله والإنسان.. بين السماء والأرض.. بين النفس والجسد.. بين الشخص وإخوته إنه سر الكنيسة.. السر المقدس الذي يحقق معنى كلمة كنيسة.. جماعة المؤمنين، وهذا هو أيضًا سر الاجتماع.. حيث تجتمع الكنيسة كلها من أجله وبه، ومن خلاله يحضر السيد المسيح لكي يُتمم وحدة شعبه المقدس إن السيد المسيح - في سر الإفخارستيا – يستحضر شعبه كله إلى واحد.. فبكسر الخبز الواحد، يشترك الكل فيه، فيصير الجميع واحدًا.. "فإنَّنا نَحنُ الكَثيرينَ خُبزٌ واحِدٌ، جَسَدٌ واحِدٌ، لأنَّنا جميعَنا نَشتَرِكُ في الخُبزِ الواحِدِ" (1كو10: 17)، نصير جسدًا واحدًا للرأس الواحد، ولنا آب واحد، ويصير الكل عائلة إلهية واحدة.
بهذا يجتذبنا المسيح يومًا فيومًا إلى اتحاد أعمق مع الآب والابن، ومع بعضنا بعضًا بالروح القدس، وهذا ما يُعبِّر عنه القديس "أغسطينوس" بقوله: "ينشأ سر سلامنا ووحدتنا فوق مذبحه".
الاجتماع الإفخارستي يُعبِّر عن طبيعة الكنيسة:-
يقول القديس "يوستينوس الشهيد" (القرن الثاني الميلادي): "في يوم الأحد يجرى عندنا في مكان واحد اجتماع جميع الساكنين في المدن والقرى، كانوا يجتمعون معًا برئاسة الأب الأسقف ليقيموا سر الإفخارستيا" ما كانوا – قديمًا – يقيمون في المدينة الواحدة إلا إفخارستيا واحدة بقيادة الأسقف الواحد للمدينة تعبيرًا عن وحدانية الكنيسة، وما كانوا يقيمون الإفخارستيا إلا إذا اجتمع كل شعب الله معًا يبدو أن الوضع تغيّر بسبب كثرة عدد المسيحيين، وعدم إمكانية اجتماعهم معًا في مكان واحد يضم الجميع.. فصار من حق الكهنة المحليين أن يقيموا إفخارستيا منفصلة عن إفخارستية الأب الأسقف، ولكنهم ملتزمون بنفس الإيمان والممارسة والتعليم، ولا يقيمونها إلا بإذنه وبحِّل من فمه. ولذلك يذكرون اسم الأسقف في كل قداس داخل إيبارشيته لإعلان وحدتهم معه كما أنهم في بداية خدمة القداس يتلون (تحليل الخدام)، ويذكرون فيه أسماء الآباء الأرثوذكس – الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي – ساويرس وديسقوروس وكيرلس وذهبي الفم وأثناسيوس وبطرس خاتم الشهداء, وآباء المجامع الثلاثة المسكونية ثم من فم البابا والأب الأسقف.. إعلانًا أن هذا القداس ليس منفصلاً عن ليتورجية الآباء الأرثوذكس وعن أسقف المدينة.
لذلك – فبالرغم من تعدّد القداسات في نفس الميعاد وفى نفس المدينة.. لكن ظل المعنى قائمًا أنه قداس واحد ممتد ومنتشر.. ممتد من مارمرقس إلى أثناسيوس وحتى اليوم، ومنتشر في كل مكان، ولكن المذبح واحد والجسد واحد والكنيسة جامعة، والكاهن واحد هو ربنا يسوع المسيح، وكهنة بشريون يمارسون كهنوت المسيح الواحد في هذا يقول القديس "أغناطيوس الأنطاكي": "كونوا غيورين, مواظبين على سر الشكر، لأن جسد ربنا يسوع المسيح واحد، الكأس واحدة في جسده الواحد، مائدة واحدة، وأسقف واحد مع الكهنة والشمامسة الخادمين معه. وعليه إذًا فكل ما تفعلونه, فافعلوه كأنه آت من الله"ومرة أخرى يقول القديس "أغناطيوس" موجهًا كلامه إلى الأفسسيين: "أما أنتم فلا تفعلوا شيئًا بدون الأسقف والكهنة، ولا تحاولوا أن تتمموا أي عمل منفردين، وإذا ظهر لكم أنه ضروري فافعلوه في الكنيسة، ولتكن صلاة واحدة، غفران واحد، فكر واحد، رجاء واحد في المحبة في الفرح الكامل. إن يسوع المسيح واحد، وليس شيء أفضل منه، وهكذا أنتم أسرعوا إلى هيكل الله الواحد، إلى مائدة واحدة وإلى يسوع المسيح الواحد"إن وحدة المذبح المقدس شرط، واجتماع الشعب معًا شرط، والأب الأسقف يتقدم إلى المائدة المقدسة الواحدة عندما تجتمع الكنيسة كلها معًا، ولا يستطيع أن يقيم الإفخارستيا بالاستقلال عن أعضاء الكنيسة المجتمعين حول هذه المائدة الواحدة. "حيث يكون الأسقف، فهنالك يجب أن يكون الشعب" (القديس أغناطيوس)فالمعنى الجميل لوحدانية الكنيسة، وعدم انقسامها يتحقق بأجلى وضوح في إقامة قداس الإفخارستيا. ولذلك نقول في القداس: "إجعلنا مستحقين – يا سيدنا – أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا، وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي).
صلوات الإفخارستيا تبرز معنى الوحدة الكنسية:
(1) جميع الصلوات تُقدّم بلسان الكاهن، وبصيغة الجمع: "نشكرك، نسأل ونطلب، نسجد..".
فالكاهن ينوب عن الشعب مُعبِّرًا عن وحدته واجتماعه.. "أنت الذي ينبغي لك التمجيد بصوت واحد من كل أحد..".
(2) تهتم الليتورجيا بالصلاة عن كل الغائبين بالجسد.. حتى يتم اكتمال حضور الجميع بالروح قبل بدء الأنافورا.
- ففي رفع بخور عشية نصلي من أجل إخوتنا وآبائنا الذين سبقوا ورقدوا في الإيمان المسيحي، وكذلك أيضًا نذكرهم في الترحيم بعد المجمع.
- وفي رفع بخور باكر نصلي من أجل المرضى ومن أجل المسافرين.
- وكذلك تصلي الكنيسة من أجل خلاص العالم وكل مدينة.
- وتصلي من أجل الفقراء، ومن أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف.
- وتصلي أيضًا من أجل الهراطقة أن يهدم الله آراءهم الهرطوقية، ويعودوا إلى حظيرة الإيمان الأرثوذكسي.
- وتصلي أيضًا عن المتضايقين والموعوظين.
- وعن الرئيس والمسئولين والجيران والمعارف.
هذه الصلوات التي تقدمها الكنيسة بروح التوسل إلى عريسها المسيح.. إنما تُعبِّر تعبيرًا جيدًا عن معنى الإفخارستيا الحقيقي وهو تجميع الكل في المسيح ليكون الجميع جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ويكون هناك الاهتمام الواحد.
(3) توزيع مزامير السواعي على جمهور المُصلين.. له أيضًا دلالة روحية جميلة، فما يُصليه الشخص بمفرده (12 مزمور في كل صلوة).. تُصليه الكنيسة معًا باعتبارها جسد واحد، ونحن أعضاؤه.. نتشارك معًا في الصلاة والطلبة.
(4) في الصلوات التي يعترف فيها الكاهن بخطاياه وضعفاته أمام الله يتكلَّم بصيغة المفرد "أنت يا سيد العارف أني غير مستحق وليس لي وجه أن أقترب.. اغفر لي أنا الخاطئ.."، وعندما يتكلَّم مع الله عن احتياج الشعب يتكلَّم بصيغة الجمع (في نفس الصلوة): "نعم يا سيدنا كن معنا، اشترك في العمل معنا، باركنا، لأنك أنت هو غفران خطايانا، ضياء أنفسنا، حياتنا، وقوتنا ودالتنا" (صلاة الاستعداد)وهنا تُميز الكنيسة بوضوح بين وحدتنا أمام الله، وبين مسئولية كل شخص عن خطاياه الخاصة وتعدياته. والكاهن بروح متضعة - كما تلقنه الليتورجيا - يقر بخطاياه الخاصة، ويطلب عن الشعب، وإذا تكلَّم عن تعديات شعبه أمام الله يذكر أنها (جهالات).
(5) في بداية ليتورجية القداس يعلن الكاهن ووجهه نحو الشعب ماسكًا القربانة فوق رأسه "مجدًا وإكرامًا للثالوث.. سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله..".
فالإفخارستيا هي بنيان الكنيسة بتجميع أعضائها، وتوحيدهم في جسد الله. وهنا كما في أوشية سلام الكنيسة تُذكر صفات الكنيسة التي هي واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية أرثوذكسية.
وهذا ما تؤكده صلوات الليتورجيا دائمًا أن الكنيسة واحدة غير منقسمة، وأنها وحيدة (أي فريدة في وحدتها) وارتباطها بالله، وأنها جامعة من كل مكان بدون تمييز أو تعصب.. فقط أن يكون الجميع واحدًا في الإيمان الأرثوذكسي. "هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، كل الشعوب وكل القطعان.." (أوشية السلام).
(6) تهتم الليتورجيا القبطية بذكر آباء الكنيسة لنضمن اجتماعهم معنا.. فنذكر اسم بابا الكنيسة وأسقف الإيبارشية، كما نصلي عن الآباء القمامصة والقسوس وكل الشمامسة وكل الخدام.
والأجمل من هذا أن الليتورجيا تهتم بأن نأخذ الحِّل من فم الآباء البطاركة والقديسين الأولين المدافعين عن الأرثوذكسية قبل أن نبدأ الأنافورا. فنحن نؤمن أنهم مازالوا أحياء ومازالوا يمارسون سلطانهم الكهنوتي في السماء، وأنهم حاضرون معنا في القداس، ولن يسمحوا لهرطوقي أن يشارك في الإفخارستيا، لذلك فالكنيسة تستأذنهم قبل البدء بالصلاة، ليكونوا معنا ويباركوا صلواتنا.. إنها شركة مقدسة رائعة.
(7) وتهتم الليتورجيا أيضًا بإبراز حضور القديسين من خلال الهيتنيات، وصلاة المجمع، وفي السنكسار وفي التمجيد.
إنهم مازالوا معنا في الجسد الواحد.. لم ينفصلوا بالموت بل تعمق انتماؤهم وهم الآن في السماء يجذبوننا بحبال الحب ليتعمق انتماؤنا نحن أيضًا لهذا الجسد المقدس العظيم.
(8) ووجود هؤلاء القديسين معنا يحفّز توبتنا وقداستنا "نسألك يا سيدنا إجعلنا مستحقين نصيبهم وميراثهم، وأنعم لنا كل حين أن نسلك في آثارهم، ونكون متشبهين بجهادهم، ونشترك في العرق الذي قبلوه من أجل التقوى.. حارسًا بيعتك المقدسة هذه التي أسستها بواسطتهم.. وبارك خراف قطيعك، واجعل هذه الكرمة تكثر.." (سر الكاثوليكون).
(9) صلاة الصلح جزء أساسي من ليتورجية القداس القبطي، ولا يمكن أن يبدأ الكاهن الأنافورا ويرفع الإبروسفارين من على المذبح إلا إذا نادى الشماس "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة..".
وتكون هذه القبلة المقدسة علامة الحب والمصافحة والمسامحة، ويكون جميع مَنْ بالكنيسة بروح واحد ومحبة كاملة.. حينئذ يمكن للكاهن أن يقول: "ارفعوا قلوبكم".
إن القبلة المقدسة هي شرط للتناول من جسد الرب ودمه.. "إجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي نتناول بغير طرحنا في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية".
(10) يحضر معنا في القداس أيضًا الطغمات الملائكية، وليس القديسون فقط "الملائكة ورؤساء الملائكة والرئاسات والسلطات والكراسي والربوبيات والقوات، والشاروبيم والسيرافيم"، بل بالأكثر أننا نشاركهم تسبحتهم الإلهية.. "قدوس قدوس قدوس".
(11) تؤكد الليتورجيا أيضًا على وصف الكنيسة بأنها (شعب مجتمع) "وجعلنا له شعبًا مجتمعًا".
وهذه صفة محبوبة جدًّا تُعبِّرعن طبيعة شعب الله وجوهر الكنيسة، وتُعبِّر عن فعل الإفخارستيا في البشر في تجميعهم معًا في جسد واحد.
(12) وبعد حلول الروح القدس في القداس الإلهي يصلي الكاهن معلنًا فعل الإفخارستيا فينا "إجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك (الجسد والدم) طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء".
(13) في ختام صلاة القسمة يصلي أبونا قائلاً: "طهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا وقلوبنا وعيوننا وأفهامنا ونياتنا.."، لاحظ أن هذه العبارات تُقال بصيغة الجمع، أي تُعبِّر عن كل الكنيسة.. تأمل بعد ذلك صيغة الصلاة.. "لكي بقلب (واحد) طاهر ونفس (واحدة) مستنيرة ووجه (واحد) غير مخزي..".. هذه الصيغة بالمفرد. لقد صارت الكنيسة قلبًا واحدًا طاهرًا، ونفسًا واحدة مستنيرة، ووجهًا واحدًا غير مخزي أمام الله.. وبمحبة كاملة.
(14) وقبل التناول يصلي الأب الكاهن التحليل لتُغفر خطايانا، ونتقدم باستحقاق لشركة التناول، وفي صلاته هذه يقول: "لكي إذا طهرتنا كلنا (بالروح القدس وبالقداس) تؤلفنا بك (أي تجعلنا واحدًا كلنا معك) من جهة (بواسطة) تناولنا من أسرارك الإلهية"، إن الروح القدس في القداس يطهرنا، "وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس". والتناول يوحدنا.. ووحدتنا مبنية على هذه الطهارة.
ويؤكد أبونا هذه الطلبة قبل التناول مباشرة "وليجعلنا تناولنا من أسرارك المقدسة واحدًا معك إلى الانقضاء، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا معك"إن ليتورجية القداس تعلن بكل وضوح فعل الإفخارستيا في تجميع شعب الله ووحدته.. وتشرح لنا كيف أن: "مَنْ يحرم نفسه من المذبح فهو محروم من الله، ويحسب ذئبًا مهما كان مظهره معتدلاً".
(15) وفي القداس الغريغورى: "وصرت لنا وسيطًا مع الآب والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها، وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد" (صلاة الصلح). "الذي بكثرة رحمته حل عداوة البشر" (مقدمة القسمة في القداس الغريغوري).
(16) وتعبَّر أيضًا ليتورجية "القديس غريغوريوس" عن كمال العلاقة التي تربط بين السمائيين والأرضيين بسبب الوحدة والصلح الذي أكمله السيد المسيح بالصليب: "الذي ثبَّت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) في (بين صفوف) البشر، الذي أعطى الذين على الأرض (البشر) تسبيح السيرافيم، اقبل منا نحن أيضًا أصواتنا مع غير المرئيين، احسبنا (معدودين ضمن) مع القوات السمائية".
(17) وتبرز أيضًا ليتورجية القديس غريغوريوس الحب الإلهي الذي يغمر الجنس البشري.. في الخلق والفداء والرعاية اليومية.. تبرز الحب الإلهي ليكون نموذجًا للسلوك الإنساني.. وكأن الليتورجيا تُفسِّر لنا الآية المقدسة.. "أيُّها الأحِبّاءُ، إنْ كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا، يَنبَغي لنا أيضًا أنْ يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا" (1يو4: 11)إن محبة الله لنا لا يمكن التعبير عنها: "ليس شيء من النُطق يستطيع أن يَحُد لُجة (كثرة) محبتك للبشر"المحبة هي سبب الخلق: "خلقتني إنسانًا كمحب البشر".. "من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن"المحبة تظهر بوضوح في خليقة الله الخادمة للإنسان واحتياجاته: "أقمت السماء لي سقفًا، ثبت ليَّ الأرض لأمشي عليها، من أجلي ألجمت (أغلقت – وضعت حدودًا) البحر، من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان، أخضعت كل شيء تحت قدمي، لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك"وكذلك تظهر المحبة في خلق الإنسان متميزًا عن كل الخليقة الأخرى: "أنت الذي جبلتني ووضعت يدك عليَّ، ورسمت فيَّ صورة سلطانك ووضعت فيَّ موهبة النطق، وفتحت ليَّ الفردوس لأتنعم، وأعطيتني عِلم معرفتك.."وتتجلى المحبة الإلهية بأكثر وضوح في فداء الإنسان: "أنت يا سيدي حولت ليَّ العقوبة خلاصًا، كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال، كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط.. أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك"ولم يكن الفداء مجرد موت من أجل الإنسان ونيابة عنه.. بل كان هناك أيضًا التجسد بكل تبعاته التي قبلها الله الكلمة، ورضى بها حبًا بنا.. "واضعت ذاتك وأخذت شكل العبد، باركت طبيعتي فيك، وأكملت ناموسك عني، عرفتني القيام من سقطتي.. أزلت لعنة الناموس.. احتملت ظلم الأشرار بذلت ظهرك للسياط، وخديك أهملتهما للطم، لأجلي يا سيدي لم ترد وجهك عن خزي البصاق" وكانت حياة السيد المسيح على الأرض تفيض حبًا وعطاءً لكل الناس: "وهبت النظر للعميان، أقمت الموتى من القبور، أقمت الطبيعة بالكلمة.. أعطيت إطلاقًا لمَنْ قُبض عليهم في الجحيم" وتستمر الليتورجية في شرح هذا الحب الإلهي: "أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب، أظهرت عظم اهتمامك بي، قتلت خطيتي بقبرك، أصعدت باكورتي إلى السماء" "نشكرك.. لأنك أحببتنا هكذا، وبذلت ذاتك للذبح من أجل خطايانا، شفيتنا بضرباتك وأبرأتنا بجراحاتك، وأنعمت علينا بالحياة من قبل جسدك المقدس ودمك الكريم" (صلاة الشكر بعد التناول)إن الحب الإلهي الرائع الذي تشرحه ليتورجية القديس غريغوريوس.. إنما هي نموذج تلح به الكنيسة على أذهان المؤمنين أثناء الصلاة، لينطبع فيهم ويصير موجِّهًا لسلوكهم اليومي.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 فبراير 2019
لماذا نصــــوم
هل كانت هناك اصوام ثابتة فى مواعيد محددة فى العهد القديم ؟
أن الصوم فى مواعيد محددة تعليم كتابى فقد حدد الرب اصوام ثابتة لشعبه فى العهد القديم فقد ذكر فى سفر زكريا النبى صوم الشهر الرابع و صوم الشهر الخامس وصوم السابع و صوم العاشر (زك 19:8) و الحكمة يا ابنى فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية .
هل في العهد الجديد اشارة إلى الصوم ؟
( أ ) صام الرب يسوع أربعين يوما و أربعين ليلة (مت 2:4) صام عنا و قدم لنا مثالا لتتبع اثر خطواته .
(ب) صام الرسل قبل القداسات (اع 2:13) .
(ج) صاموا أيضا عند اختيار الخدام ورسامتهم (أع3:13،27:14) .
( د) الصوم فى وقت الخطر خلال رحلة بولس الرسول لروما . (أع 21:27) .
هل جميع هذه الاصوام ذكرت فى العهد الجديد وان لم تذكر جميعها فلماذا نصومها ؟
الانجيل مسلم للرسل فما لفم و لم تدون كل تعاليم السيد المسيح ( يو 30:20-31 ،25:21) كما أن الانجيل قد تم تدوينه بعد فترة من صعود السيد المسيح ونحن نضع تعاليم آبائنا الرسل " كإنجيل شفاهى " يكمل ما حفظ لنا فى الانجيل الكتابى و نحترم و نطيع و نسمع ونقبل تلك التعاليم كاحترامنا و طاعتنا و قبولنا و سمعنا للرب نفسه (لو 16:10) . ويذكر الأنجيل يا أن المؤمنون قد تسلموا تعاليم الكنيسة من الرسل وخلفائهم . (1كو23:11،34،2تس15: 2،2تى2:2،فى9:4،2يو:12) . ومن ثم نتسلم قوانين الآباء البطاركة القديسين الذين رتبوا الاصوام الباقية للآن و نقول كما قال القديس اغسطينوس أن عادتنا لها قوة القانون لأننا تسلمناها من أناس قديسين .
ماذا يحدث للإنسان لو لم يصم مع الكنيسة ؟
المسيحى الحقيقى يا ابنى هو عضو فى جسد السيد المسيح الذى هو الكنيسة و هو لا يشذ عن الجماعة لأن العضو إذا خرج عن الجسد يفسد و يسبب للجسد آلاماً مبرحة…… المؤمن سيصوم لأن الكنيسة تصوم فهو منها ومعها وفيها. فالمفروض يا أن تطاع الكنيسة كما يطاع الله فقد قال الرب لتلاميذه "من يسمع منكم يسمع منى" (لو16:10) وان تصام الاصوام كاملة كما هى مقررة من قديم الزمان أما من تمنعه ظروفه الصحية فليعرض أمره على أب اعترافه ليأخذ منه حلا ولا يصح أن يختصر أيام الصوم من تلقاء نفسه يفطر ويصوم كما يشاء ، بل هناك تدبير روحي مع أب الاعتراف .
- يقول البعض أن السيد المسيح لم يحتم الصوم بل تركه للظروف بقوله " متى صمتم " فلماذا نصوم فى أوقات ثابتة "سنويا" ؟
أن كلمه متى يا تفيد التحقيق والتأكيد وليس الشك ، بحيث يكون فى حكم الواقع المحتم مثل قول الرب :
"متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25) . وقوله لبطرس " متى رجعت ثبت اخوتك " (لو23:22) .
فواضح من ذلك أن بعد كلمة "متى" حقائق مقررة ووقوعها محتم وقد حدد الرب أوقاتا معينه للصوم (لا29:16، زك19:8، لو12:18) .وحدد الرب يسوع له المجد موعد بدء صوم الرسل بعد صعوده عنهم إلى السماء (مت15:9) وهذا ما تم فعلا (اع13،14،27) .
أمر الرسول بولس المؤمنين بالصوم (1كو5:7). ويجب الخضوع للترتيب الكنسى الذى وضعه الرسل وخلفائهم.
الصوم يجب أن لا يتكرر سنويا ويجب أن يمارس فى وقت الضيقات فقط؟
الصوم كالصلاة و الصدقه يجب أن يتكرر فى موعده وكما سبق و قلت لك يا ابنى أن الرب حدد أوقاتا معينه للصوم وذلك لما للصوم من فوائد روحيه كثيرة. كما أن الصوم الجماعى يا ابنى هو تعليم كتابى ويدل على وحدانية الروح فى العبادة وفى التقرب إلى الله . كما أننا يا ابنى فى حرب دائمة مع الشياطين لذلك فنحن فى حاجة دائمة إلى الأسلحة الروحية المختلفة لمقاومتهم ومن هذه الأسلحة الصوم لذلك يجب التعود على أوقات الصوم فى أوقاته المعينة وعدم تركه للظروف أو قصره على أوقات الضيقات .
هناك بعض الأشخاص يرفض الصوم نهائيا بزعم أن القديس بولس الرسول قد رفض الامتناع عن أكل معين بقوله " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " (كو16:2)؟
إن قصد القديس بولس الرسول بهذه الآية هو عدم التمسك بالنظرة اليهودية بتقسيم الطعام إلى نجس و طاهر فهو لم يقل " لا يحكم أحد عليكم فى صوم " إنما عن هذه الاطعمه المعتبرة نجسة ودنسة قال الرسول بولس " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " وذلك لان فى بداية الإيمان بالمسيحية كان أول من دخل المسيحية هم اليهود فأرادوا تهويد المسيحية أى أن من يدخل فى المسيحية عليه ان يمارس كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير وحفظ السبت والاحتفال بالهلال وأوائل الشهور والأعياد اليهودية مثل الفصح والفطير والأبواق والمظال ويوم الكفارة فأراد بولس الرسول مقاومة تهويد المسيحية و لذلك قال " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم و إنما عن العادات اليهودية التى يريدون إدخالها إلى المسيحية ..
قال احدهم بنوع من الاستخفاف هل ربنا قال للناس عندما تصوموا كلوا عدس وفول وبصارة ؟
نعم حدد الرب أنواعا معينة من الطعام تؤكل فى الاصوام كما يلى :
(أ) أمر الرب حزقيال النبى بالصوم ثم الإفطار على القمح " البليلة" والشعير والفول والعدس والدجن " الذرة الرفيعة " والكرسنه " الكمون " . (حز9:4) .
(ب) صام دانيال عن أكل اللحوم وشرب الخمر (دا12:1) كما صام مع أصحابه الثلاثة وافطروا آخر النهارعلى القطانى "البقوليات" (دا8:1-16) .
(ج) صام داود النبى بالزيت وقال " ركبتاى ارتعشتا من الصوم ولحمى هزل عن سمن " (مز24:109) . عارف يا الصوم فى كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتى إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينه يعقبها أكل نباتى من اجل لذة محبة الله وحفظ وصاياه بحب وفرح دون ضغط أو إكراه.
لماذا تصوم الكنيسة الصوم الكبير؟
الصوم الكبير يا ابنى له المقام الأول والمنزلة الكبرى بين الاصوام الكنسية و الكنيسة تمارس هذا الصوم تذكارا لصوم المخلص الذى صامه وأيضا اقتداء بالسيد المسيح فى مسلكه هذا فالرب يسوع لم يكن محتاجا للصوم وإنما هو صام عنا لكي يعطي قوة لصومنا فيصبح (صومنا) صوماً مقبولاً أمام الأب السماوي لذلك يجب أن نتمثل به. وأيضا بهذا الصوم يستعد المؤمنون استعدادا روحيا كبيرا لأسبوع الآلام والاحتفال بقيامة الرب يسوع من بين الأموات
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد