المقالات

28 يناير 2019

الميلاد يجدد الإنسان

الميلاد يجدد الإنسان الإنسان : روح وعقل ونفس وجسد وعلاقات 1. روح تشبع بالله. 2. وعقل يستنير بنوره. 3. ونفس تنضبط بطاعة وصاياه. 4. وجسد يصح بالسلوك السليم. 5. وعلاقات تنجح بقيادة الروح القدس. وهذه الزوايا الخمس، فى الشخصية الإنسانية، هى نفس الزوايا الخمس، التى ذكر الكتاب المقدس، أن الرب يسوع، الكلمة المتجسد، كان ينجو فيها منذ طفولته المبكرة، إذ يقول معلمنا لوقا: "أما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة، والقامة، والنعمة، عند الله، والناس" (لو 52:2). • الحكمة = النمو العقلى. • القامة = النمو الجسدى. • النعمة = النمو النفسى. • أمام الله = النمو الروحى. • والناس = النمو الإجتماعى. ولاشك أن تجسد السيد المسيح، كان فيه شفاء للنفس البشرية، وإنماء لكل مكوناتها، وتقديس لكل زواياها الخمس فالميلاد :- يشبع الروح. ينير العقل. يضبط النفس. يصح الجسد. ينجح العلاقات. الميلاد يشبع الروح "من يقبل إلىّ فلا يجوع، ومن يؤمن بى فلا يعطش إلى الأبد" (يو 35:6) هى ذلك العنصر الإلهى فى الإنسان فالإنسان فى الأصل نفخة قدسية إلهية، استودعها الله فى الجسد الترابى لفترة، إلى أن يتجدد الجسد بالقيامة، ويصير جسداً روحانياً سمائياً نورانياً مقدساً، متحداً بالروح وقائماً إلى سماء المجد!!الروح هى العنصر الذى نختلف به عن كل الكائنات، فهو الذى يصل بنا إلى الإلهيات، والإيمانيات، والماورائيات: ما وراء المادة،وما وراء الزمن، وما وراء الطبيعة، وما وراء الكون، وما وراء الموت!!إنها العنصر الميتافيزيقى (الما وراء المادى والطبيعى)، الذى به يعيش الإنسان وفيه ضمير هو صوت الله فى الداخل، وبصمة القدير فى الأعماق الروح هى الجسر الذهبى بين الإنسان والله، فمن خلاله يعبر الإنسان إلى الإلهيات والأبديات والسمائيات، ويصل إلى الخلود، ليحيا مع الله فى أبدية سعيدة، بلا نهاية!! الميلاد.. والروح : لاشك أن ميلاد المسيح كان وما يزال، سيظل إلى الأبد المعبر الوحيد بين: الإلهى والإنسانى. الأبدى والزمنى. السمائى والأرضى. الروحى والمادى. لقد شابهنا الرب يسوع - فى ميلاده وتجسده - فى كل شئ، ما خلا الخطيئة وحدها فكان هو: اللاهوت الكامل = اللوغوس، الكلمة، الأقنوم الثانى. والناسوت الكامل = روح إنسانية + نفس إنسانية + جسد إنسانى، ولكن بلا خطية. لقد قدس الروح القدس، كل قطرة دم، أخذها جسد الرب من أمنا العذراء، لذلك جاء الجسد ناسوتاً كاملاً، ولكن بلا خطية، ليصلح للفداء، وليتناسب مع الإلوهة الحالة فيه!! الرب يسوع جمع فى نفسه الإلهى مع الإنسانى، "لأنه فيه سر أن يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو19:1) والسمائى مع الأرضى "فليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذى نزل من السماء، إبن الإنسان الذى هو فى السماء" (يو13:3) والروحى مع المادى، ففيه كل ملء اللاهوت، وفيه روح إنسانية مثلنا، بلا خطيئة، فاللاهوت لم يحل محل الروح الإنسانية،وإلا ما كان المسيح مشابهاً لنا فى كل شئ،ما خلا الخطيئة وحدها، واللاهوت هو فى اتحاد كامل مع الناسوت، المكون من روح إنسانية، وجسد إنسانى محسوس، وهكذا يكون الرب، قد جمع بتجسده بين الروح والمادة وهكذا اصطلحت كل هذه الثنائيات فى تجسد المسيح وصرنا نرى جوقة الميلاد مكونة من : الطفل الإلهى فى المزود أو فى البيت ترعاه أمه مريم وخادم سر الخلاص يوسف وحوله المجوس وقد قادهم نجم من السماء وقبلهم الرعاة وقد بشرتهم ملائكة العلى نعم السماء والأرض اتحدتا!! المحبة والعدل تلاثما!! كيف تشبع روحى؟ تشبع كلما رفعت أكفف الضراعة والصلاة، وأنين القلب، وأشواق الوجدان، ومناداة المسيح وكلما تناولت من جسده ودمه الأقدسين أو قرأت بالكتب الروحية أو تأملت بالكتب الروحية أو صمت، فانضبط الجسد، وانطلقت الروح أو خدمت، فتلامست مع أعضاء المسيح المجروحة والمتأملة... أو رنمت وسبحت، فجلست فى صفوف السمائيين!! إن ميلاد المسيح هو فرصة شبع روحى ممتازة، لمن جعل من عيد الميلاد فرصة تأمل ودراسة وتناول وخدمة... فنحن لا نكون فى الميلاد... إلا إذا كسونا عرياناً، أو زرنا مريضاً، أو خدمنا محتاجاً، أو رفعنا ظلماً، أو أنرنا طريقاً، أو أطعمنا جائعاً، أو أشبعنا روحاً... وطوبى لمن يعطى كما أعطى المسيح!! فالمسيح أعطانا تنازلاً إلهياً، من السماء إلى الأرض، وحباً لا نهائياً، حتى إلى سفك الدم، وروحاً قدوساً يقودنا نحو الملكوت. هذا ما أعطاه المسيح... فماذا أعطينا نحن؟! الميلاد ينير الذهن "الجالسون فى كورة الموت وظلاله، اشرق عليهم نور" (مت 16:4). الميلاد... والنور صاحب الميلاد باستمرار... فالنبوة قالت: "الشعب الجالس فى الظلمة، أبصر نوراً عظيماً والجالسون فى كورة الموت وظلاله، أشرق عليهم نور" (مت16:4)، (أش 2:9). وقالت أيضاً: "يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل" (عد 17:24). لهذا ظهر النجم للمجوس، الذين انتظروه مئات السنين حسب النبوة، وجاءوا قائلين: "رأينا نجمه فى المشرق، وأتينا لنسجد له" (مت 2:2). ولما غاب النجم عنهم إلى لحظات، بعد أن وصلوا إلى أورشليم، استعاضوا عنه بنور النبوة: "وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا، ولست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر، يرعى شعبى إسرائيل" (مت 6:4) وكان ذلك إلى حين، حتى يعرف اليهود أن المسيا قد ولد ثم عاد وظهر لهم من جديد، فى الطريق إلى بيت حم، "فلما رأوا النجم، فرحوا فرحاً عظيماً جداً" (مت 10:2)، "وإذا النجم ساطعاً، ووقف فوق حيث كان الصبى" (مت 9:2).. وكان النجم ساطعاً، وذو مسار مختلف، ومنخفضاً لدرجة الشارة إلى البيت الذى كان الرب فيه الرعاة أيضاً وقف بهم ملاك الرب، "ومجد الرب أضاء حولهم" أنه نور البشارة!! إنها أضواء السماء!! كيف نستنير؟ كلما قرأنا كلمة الله : "فالوصية مصباح، والشريعة نور" (أم 32:6). سراج لرجلى كلامك، ونور لسبيلى (مز 105:119). "فتح كلامك، ينير الجهال" (مز 130:119). كلما وقفنا أمامه فى الصلاة "لو وقفوا فى مجلسى، لأخبروا شعبى بكلامى، وردوهم عن طريقهم الردىء" (أر 22:23). "الرب هوالله، وقد أنار لنا" (مز 27:118). "أنر عينى، فأرى عجائب من شريعتك" (مز 18:119). "أضئ بوجهك على عبدك، وعلمنى فرائضك" (مز 135:119). وكلما قرأنا الكتب الروحية وأقوال وسير الآباء : "أتعب نفسك فى القراءة، فهى تخلصك من النجاسة" (القديس أنطونيوس). "كثرة القراءة، تقوم العقل الطواف" (القديس أنطونيوس). كلما حضرنا الإجتماعات الروحية : "متى اجتمعتم فكل واحد له مزمور، له تعليم... فليكن كل شئ للبنيان" (1كو 26:14) "كانوا يواظبون على تعليم الرسل،والشركة، وكسر الخبز، والصلوات" (أع 42:2). • كلما طلبنا الإرشاد الروحى : "أطيعوا مرشديكم، واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم. " (عب 17:13)" كأولادى الأحباء أنذركم، لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين، لكن ليس آباء كثيرون، لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل، فاطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بى" (1كو 15:4،16) وهكذا يكون الميلاد، استنارة لأذهاننا حيث يرشدنا نجم الكلمة إلى الصبى، والصبى إلى الخلاص، والخلاص إلى القداسة، والقداسة إلى الملكوت. نيافة الأنبا موسى
المزيد
27 يناير 2019

المسيحـى والتســـامح والغفران

حاجتنا الى التسامح والغفران + التسامح والغفران علاج للتعصب والكراهية وسط عالم يسوده الكراهية والعنف والحقد ومحاولات الايذاء أو السيطرة على الغير أو استغلالهم أو اذلالهم ، ومع ما نشاهده من انتشار الحروب والقلاقل وقتل الابرياء تحت مختلف الحجج ولما نراه من التمييز الدينى والطبقى والعرقى والجنسى فان مجتمعاتنا المعاصرة فى حاجة الى روح التسامح والمغفرة التى تنبع من حياة وتعاليم السيد المسيح الذى جال يصنع خيراً على الارض وسامح وغفر للذين اساؤا اليه وحتى الذين صلبوه والذين اخذوا يصيحون حوله مطالبين له بحكم الموت على الصليب، نجده ينظر اليهم فى شفقة طالبا من الاب السماوى لهم الغفران { فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34). + ان دائرة العنف والكراهية لن يوقفها الفعل العنيف ورده فالنار لا تطفأ بالزيت بل بالماء هكذا العنف والكراهية تحتاج الى المحبة والاخاء الانسانى والحكمة والايجابية وروح المساواة وسيادة القانون لكى ما يعود من أعمتهم الكراهية الى رشدهم وضميرهم ويتقدم المجتمع ويسير فى طريق السلام والمصالحة من أجل هذا علمنا السيد المسيح قائلا { سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده . سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين.(هذة العظة من منتدى أم السمائيين والأرضيين) لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 38:5-48. + أن التسامح والمغفرة من الانسان يجب ان لا يكونا مدعاة للاشرار فى التمادى فى ظلمهم بل لاعادتهم الى طريق الصواب ولهذا يجب ان يكفل القانون والنظام المحلى والدولى العدالة والمساواة حتى لا نجد أنفسنا نسير وفقاً لشريعة الغاب التى يأكل فيها القوى أخيه الضعيف وتنتشر الفوضى والمظالم فى المجتمع . + التسامح والغفران ثمرة المحبة ... التسامح هو الصفح والغفران مع ترك ونسيان الاساءة للمخطئين ومغفرة زلاتهم نحونا وذلك بدافع المحبة التى تصبر وتحتمل وتبذل من أجل خلاص القريب ومن اجل ربح النفس ومن أجل سلام الانسان الداخلى فالكراهية وباء ومرض يؤثر على من يحملها ويجعله قلقا لا يجد سلاماَ لا فى علاقته بالله ولا مع الغير ويحيا فى صراع داخلى . وليس معنى ذلك ان لا نعاتب أو نتغاضى عن حقوقنا فى أحساس بالظلم أو الضعف فالقوى هو الذى يصفح ويسامح، والعفو عند المقدرة هو من شيم الاقوياء { وان اخطا اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك. وان لم يسمع فخذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة. وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار} مت 15:18-17. وليس معنى ان يكون كالوثنى او العشار ان نكرهه بل ان نصلى من اجل اصلاحه وان تحاشيا العلاقة به من اجل سلام النفس وعدم اذدياد الخلاف او الخصام . + كما يجب علينا متى أخطائنا تجاه احد ان نسارع الى مصالحته لكى ما يقبل الله صلواتنا وتقدماتنا { فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير} مت 23:5-26. + التشبه بغفران الله غير المحدود ... سأل القديس بطرس السيد المسيح قائلاً هل الى سبع مرات يخطئ الىٌ اخى واسامحه فاجاب المخلص لا بل الى سبعين مرة فى سبعه مرات اى الى عدد غير محدود لان الله عالم بضعف البشر وان كان ذلك ليس فى مقدورنا لكنه مستطاع بالصلاة ومعونة الله ، ولنتذكر كم مرة فى حياتنا نخطئ الى الله ويسامحنا ويستر خطايانا ويغفرها عندما نرجع اليه ولهذا { ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس }(رو 12 : 18).(هذة العظه من منتدى أم السمائيين والأرضيين) وما ليس فى طاقتنا نصلى لله ان يجعله ممكن لدينا ويهبنا الطاقة والقوة والحكمة لصنعه { حينئذ تقدم اليه بطرس وقال يا رب كم مرة يخطئ الي اخي وانا اغفر له هل الى سبع مرات. قال له يسوع لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات. لذلك يشبه ملكوت السماوات انسانا ملكا اراد ان يحاسب عبيده. فلما ابتدا في المحاسبة قدم اليه واحد مديون بعشرة الاف وزنة. واذ لم يكن له ما يوفي امر سيده ان يباع هو وامراته واولاده وكل ما له ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل علي فاوفيك الجميع. فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه و ترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونا له بمئة دينار فامسكه واخذ بعنقه قائلا اوفني ما لي عليك. فخر العبد رفيقه على قدميه وطلب اليه قائلا تمهل علي فاوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى والقاه في سجن حتى يوفي الدين. فلما راى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جدا واتوا وقصوا على سيدهم كل ما جرى. فدعاه حينئذ سيده وقال له ايها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لانك طلبت الي. افما كان ينبغي انك انت ايضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا. وغضب سيده وسلمه الى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه. فهكذا ابي السماوي يفعل بكم ان لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته} مت 21:18-35 + الغفران والتسامح والسلام الداخلى ... هل أنت واحد من الذين تأذَّوْا في مشاعرهم واعمالهم وحياتهم على أيدي الآخرين؟ وهل دخلتْ الكراهية إلى قلبك وعقلك وفكرك أو تنتابك مشاعر الغضب، أو الغيظ ، أو العداوة، والمرارة، والرغبة في الانتقام؟ وهل امتلأت نفسك بروح عدم المغفرة؟ إن عدم المغفرة يمكن أن يتحوَّل داخلك إلى ذئب مختفي. إنه قادر أن يجعلك سجيناً داخل نفسك. ويؤذيك فحينما تُعشِّش روح عدم المغفرة داخلنا، فهو لن تؤذي الذي أخطأ في حقك الا حين تعمل على ايذائه ؛ أما أنت فستظل ممسوكاً ومُقيَّداً بما تملَّك على أفكارك وقلبك وتصرفاتك وكلامك. إن تلك المشاعر السلبية تنخر داخل الانسان مثل سرطان سام، وإذا بنا نكتشف أننا مربوطين بالعداوة، وقد فارقنا السلام القلبي الداخلي. ولكن حالما نعزم على المغفرة تشرق نعمة المسيح الغافرة داخل قلوبنا ونشعر بالسلام . لأن الروح القدس الوديع الهادئ يهبنا المحبة الغافرة والتعزية والرجاء والصبر والقوة { ليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو 5 :3- 5) . ولهذا نصلى من أجل المسيئين الينا ومن اجل ان ينزع الله عنا كل مرارة وغضب وتحزب ويحل سلام الله فينا { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع} (في 4 : 7). + التسامح الغفران وعدم الادانة ... اننا نحتاج الى الغفران ونطلبه من الله ولهذا يجب ان لا ندين ليكون لنا سلام مع الله والناس ولا ندان من الله ويغفر لنا خطايانا { لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم }(لو 6 : 37). اننا نتعلم من محبة الله الغافرة والمحررة كيف نحب ونغفر ويكون لنا العين البسيطة التى تستر ضعفات الغير لذلك يقول الرسول بطرس { ولكن قبل كل شئٍ لتكن محبَّتكم بعضكم لبعضٍ شديدةً لأن المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا} وراينا كيف غفر الله للمرأة الخاطئة لانها تابت وقدمت مشاعر محبة صادقة كما بكت السيد المسيح سمعان الفريسى لقلة محبته وادانته للغير { وسأَلهُ واحدٌ من الفريسيين ان يأكل معهُ فدخل بيت الفريسي واتكأَ. وإذا امرأَة في المدينة كانت خاطئَة إذ علمت أنه متكَّئٌ في بيت الفريسي جاءَت بقارورة طيبٍ ووقفت عند قدميهِ من ورائهِ باكيةٍ وابتدأَت تبلُّ قدميهِ بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبّل قدميهِ وتدهنهما بالطيب. فلَمَّا رأَى الفريسي الذي دعاهُ ذلك تكلَّم في نفسهِ قائلا لو كان هذا نبيَّاً لعلم مَنْ هذه المرأة التي لمستهُ وما حالها. إنها خاطئَة. فأجاب يسوع وقال لهُ يا سمعان عندي كلمة أقولها لك. فقال قُلْ يا معلّم. كان لمداينٍ مديونان. على الواحد خمسمائَة دينارٍ وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً. فقُلْ. أيُّهما يكون أكثر حبَّاً لهُ. فأجاب سمعان وقال أظنُّ الذي سامحهُ بالأكثر. فقال لهُ بالصواب حكمت. ثم التفتَ إلى المرأَة وقال لسمعان أَتنظر هذه المرأَة. إني دخلت بيتك وماءً لرجليَّ لم تُعطِ. وأمَّا هي فقد غسلت رجليَّ بالدموع ومَسَحتهما بشعر رأسها. قُبلةً لم تقبّلني. وأمَّا هي فمنذ دخلت لم تكفّ عن تقبيل رجليَّ. بزيتٍ لم تدهن رأْسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ. من أجل ذلك أقول لك قد غُفِرَت خطاياها الكثيرة لأنها أحبَّت كثيراً. والذي يُغفَر لهُ قليلٌ يحبُّ قليلاً. ثم قال لها مغفورة لكِ خطاياكِ… إيمانكِ قد خلَّصكِ. اذهبي بسلامٍ} لو 36:7-50 . هكذا وبخ الله الفريسى الذى ادان المرأة الخاطئة وغفر للمرأة لانها تابت وأحبت ولم تدين غيرها فمن منا يترك ميته لكى يبكى على ميت غيره . لهذا قال الأنبا يؤانس القصير مرة لقد رذلنا الحِمْل الخفيف، وهو أن ندين أنفسنا؛ واخترنا الحِمْل الثقيل الذي هو تبرير أنفسنا وإدانة الآخرين . السيد المسيح والتسامح والغفران + التسامح فى حياة وتعاليم المخلص.. التسامح هو عمل ايجابى لحلول السلام وتدريب الانسان على قمع الغرائز الحيوانية والتخلص من روح العدوانية وسيطرة على النفس. للارتقاء بالسلوك الانسانى الى مستوى الكمال الالهى الذي لا يجازى عن الشر بالشر بل يترك وينسى من اجل الاصلاح .ان التسامح قوة لضبط النفس وليس ضعف لان القوى هو من ينتصر على نفسه وليس على خصمه وبهذا يربح نفسه وخصمه وينتزع من الخصم الشر والحقد ويحوله الى صديق { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون (مت 5 : 9). + فى تعامل السيد المسيح مع الناس ضرب لنا اروع الامثلة فى التسامح معلما ايانا ان نقتفى أثره . اراد مرة ان يدخل قرية للسامريين وكان بينهم عداوة مع اليهود فرفضه أهلها {وحين تمت الايام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق الى اورشليم. وارسل امام وجهه رسلا فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لان وجهه كان متجها نحو اورشليم. فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من اي روح انتما.لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى} لو 51:9-56. لقد قاوم السيد روح الانتقام لدى تلاميذه وعلمهم انه لا يريد هلاك الناس بل خلاصهم .وعندما أساء اهل الناصرة الى السيد المسيح وارادو ايذائه وطرحه من أعلى الجبل رايناه يرد بقوله { ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وفي بيته} (مت 13 : 57).وتركهم فى هدوء ومضى . + وعندما جاءت جماعة الاشرار للقبض عليه لم ينتقم منهم بل حتى عندما تقدم بطرس وضرب بالسيف العبد وقطع اذنه قام السيد المسيح باعادتها سليمة مرة اخرى وامر بطرس برد السيف الى غمده قائلا { رد سيفك الى مكانه لان كل الذين ياخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن اني لا استطيع الان ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون. في تلك الساعة قال يسوع للجموع كانه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتاخذوني كل يوم كنت اجلس معكم اعلم في الهيكل ولم تمسكوني} مت 52:26-55. + لقد تعلم الرسل من المعلم الصالح واخذوا ينادوا بتعاليمه { ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح} أف 31:4-32. + غفران الله ورحمته .. ان الله اله غفور رحيم { حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطية }(خر 34 : 7). تغنى برحمته الانبياء {من هو اله مثلك غافر الاثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ الى الابد غضبه فانه يسر بالرافة} (مي 7 : 18). والانسان الخاطى الذى يتوب ويرجع الى الله يبرئه الله من دينه بالصفح عنه { اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك وكما غفرت لهذا الشعب من مصر الى ههنا} عدد19:14. (بالعبرية سالاح). وهذا الإبراء وهو فعال لدرجة أن الله لا يعود ينظر بعد إلى الخطيئة، وكأنه قد نبذها وراء ظهره (إشعيا 38: 17)، وكفر عنها وأزيلت { فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} أش 6:6-7. وإذ يستخدم المسيح هذه المصطلحات، يؤكد أن الإبراء مجاني، فالمديون عاجز عن الوفاء. وتنصبّ الكرازة المسيحية الأولى في الوقت نفسه على الايمان بالمسيح والتوبة وغفران الخطايا { وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو46:24-48 . وهكذا دعا الرسل الى الايمان كما اوصاهم السيد المسيح { لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين} (اع 26 : 18) . { فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس} (اع 2 : 38).وهناك مفردات أخرى، مثل طهر، غسلَ، برر، تظهر في كتابات الرسل التي تلحّ على الأوجه الإيجابية من الغفران القائمة على المصالحة مع الله .وانا كان الانسان بطبعه العتيق يخطئ {نحن شعب قساة الرقاب. لكن اغفر ذنبنا وخطيئتنا واتخذنا ملكاً لك} (خر: 6- 9). فان قلب الله ليس كقلب الإنسان، والقدوس لا يحب أن يهلك (هو 11: 8-9). إن الله أبعد من أن يشاء موت المنافق، لكنه يريد توبته (حز 18: 23)، لكى يغدق عليه غفرانه لأن {طرقه ليست كطرقنا، وأفكاره تعلو عن أفكارنا، كما تعلو السماوات عن الأرض} (إش 55: 7-9) . والله هو الآب الذي يرأف بجميع أبنائه (مز 103: 3 و8-14). ويتوسل إليه شعبه بصفته {الإله الغفور} (نح 9: 17)، وإله الرحمة (دانيال 9: 9)، المستعدّ دوماً أن يرجع عن الشر الذي هدًد به الخاطئ، اذ يرجع ويتوب (يؤ 2: 13). يونان النبى - الذي يمثّل النزعة القومية في إسرائيل- قد "كمد قلبه "، إذ رأى هذا الغفران مقدماً لجميع الناس (يون 3: 10، 4: 2). وبعكس ذلك، يشهد كتاب الحكمة بالله ويسبَحه لأنه يحب كل الذين خلقهم ويشفق على الجميع، ويتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا ويوبّخهم شيئاً فشيئاً مذكراً إياهم بما أخطأوا لكي يؤمنوا به فهو يبين هكذا أن القدير الذي يتميَز بالمغفرة .السيد المسيح والغفران ... دعا السيد المسيح الى التوبة والغفران لكل من هم في حاجة إليها { فاجاب يسوع وقال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة. } لو 31:5-32. وهو يحثنا على التوبة والرجوع { فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} (لو19: 9- 10) بإعلانه أن الله هو أب، تقوم مسرته في الصفح عن الزلات { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة و تسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15-7)، ومشيئته في أن لا يدع أحدا يهلك (متى 18: 12-14) . ولا يكتفي يسوع بإعلان هذا الغفران الذي يقبله المؤمن المتواضع بينما يرفضه الإنسان المتكبر (لو 7: 47- 50، 18: 9- 14) " بل هو يمارس منح الغفران ويستشهد بأعماله أنه يملك هذا السلطان الذى هو لله وحده (مر 2 : 5- 11 ). لقد توّج المسيح عمله بطلبه الغفران من الاب السماوى لصالبيه وبسفك دمه لغفران الخطايا (متى 26: 28). وهو يبرّر الجموع بحمله خطاياهم في جسده (1 بط2: 24 ، إش 53: 11- 12)، لأنه الحمل الذي يرفع خطايا العالم (يو 1 : 29) فبدمه نتطهَر، ونغتسل من خطايانا{ ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم} 1يو 9:1. + الصفح عن الإهانات.. منذ العهد القديم، لم تقتصر الشريعة فقط على وضع حدّ للانتقام بسنّة العين بالعين (خر 21: 23- 25)، ولكنها أيضاً تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما أنها تحرّم الانتقام والحقد نحو القريب (لا 19: 17- 18). ذكر الكتاب الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله { من انتقم يدركه الانتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه. اغفر لقريبك ظلمه لك فاذا تضرعت تمحى خطاياك. ايحقد انسان على انسان ثم يلتمس من الرب الشفاء. ام لا يرحم انسانا مثله ثم يستغفر عن خطاياه. ان امسك الحقد وهو بشر فمن يكفر خطاياه} سير1:28-5. ينبغي أن نغفر لأخينا. ويوضَح المثل الذي ضربه المسيح عن الغريم القاسي (متى 18: 23- 35) مشدداً على هذه الحقيقة { فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي. وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضا زلاتكم. (متى 6: 14- 15)، ولكي لا ننسى ذلك طلب منّا السيد أن نردّدها كل يوم في الصلاة الربانية، إذ ينبغي لنا أن نكون في حال تمكّننا من القول إننا نغفر. وبهذا الإقرار الذي ترتبط به طلبتنا، بكون صفحنا لأخوتنا شرطاً لطلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4)، ومرة أخرى، بلفظ "كما" الذي يحدد مقياس هذا الغفران (متى 6: 12). بل يذهب إلى ما هو أبعد من هذا اذ يقدم لنا مثلاً أعلى للرحمة { بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما وتكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار.فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} (لوقا 6: 35- 36) ان الذين صار الله أباً لهم عليهم أن يقتدوا به حتى يكونوا أبناءه حقاً (متى 5: 43- 45 و48).0هذة العظه من منتدى أم السمائيين والأرضيين) فالغفران ليس شرطاً سابقاً للحياة الجديدة فقط ، بل هو ركن من أركانها الأساسية. ولذلك يفرض يسوع على بطرس ألا يمل من الغفران، على عكس ما يفعل الخاطئ الذي يصل إلى تجاوز كلّ حد في انتقامه (مت 18: 21- 22،)، واقتداء بالرب (لو 3: 34).لقد أستشهد القديس استفانوس وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 60). وحتى يتمثل المسيحي بمعلمه في مقاومة الشر بالخير{ لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب لانه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب. فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير} (رو 19:12- 21)، ، يجب علينا أن نغفر دائماً، ونغفر بدافع المحبة أسوة بالمسيح { محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا} (كو 3: 13) . صفات التسامح والغفران + من كل القلب: يقول البعض أنا مستعد أن أصفح عن كل أخطاء خصمي، ولكن بعد فترة وجيزة أو بمجرد أن يخطىء إليه أخوه يتذكَّر كل الماضي و يبدأ بشنّ حرباً جديدة عليه. ليست هذه المسامحة المقصودة. ولكن كما قال السيد الرب بأنه لا يعود يذكر خطاياهم فيما بعد { انا انا هو الماحي ذنوبك لاجل نفسي وخطاياك لا اذكرها }(اش 43 : 25) .إذاً عليك أن تطرح كل خطايا أخيك في أعماق النسيان، وتنزعها من كل قلبك، و تذكر وصية المسيح الثمينة {لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من يخطا إلينا}(لو 11: 4). + عن كل الأخطاء.. ربما تقول انا أسامح أخي باستثناء خطية معينة لا أنساها ما حييت. اسمع قول المسيح الجميل {بل إلى سبعين مرة سبع مرات} فإن كنت لا تستطيع أن تسامح أخاك، كيف تطلب من الله أن يصفح لك عن كل آثامك وخطاياك. فلنتذكر قول الرسول بولس إلى اهل كولوسي 2: 13 مشيراً إلى عمل المسيح على الصليب {مسامحاً لكم بجميع الخطايا}. + الغفران يشمل الكل .. أننا اعتدتنا أن نسامح الذي يسيء إلينا بشرط أن يكون قريبنا أو صديقنا فقط. من لكن يجب ان لا نكون متعصبين، بل ان نتبع تعاليم السيد المسيح ونسمعه وهو يكلمنا {اغفروا يُغفر لكم} (لو 6: 37). و أيضاً {إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يَغفر لكم} (مت 6: 15). لم يخص الإنجيل فئة معينة الناس، ولكن كل الناس على سواء ـ ولو أنهم أعداء ـ كما فعل ذلك المسيح على الصليب. ويكتب الرسول بولس إلى أهل أفسس {متسامحين كما سامحكم المسيح} فإن كان الله يحب الكل ويشرق شمسه على الأبرار و الأشرار فكيف نفرّق نحن ونسامح البعض ونترك البعض الآخر؟ علامات التسامح والغفران + ترك الماضي: أولى علامات التسامح هي التعاون مع من أساء إليك في إنجاز العمل، ولا يمكنك ذلك إن لم تترك ما حدث و تبدأ من جديد حتي تكون الخميرة جيدة و البذرة نقية.المحبة.. لا شك عندما تهرب البغضاء تحلّ محلها المحبة الكاملة من القلب الطاهر، و كما يقول البعض: إن أعظم محبة هي تلك التي تكون بعد التسامح. فإن كنت تشعر بالمحبة الحقيقية نحو "خصمك السابق"، فتلك علامة أكيدة للمغفرة و التسامح. فالإنسان الذي لا يحب لا يغفر للآخرين فلا يظن ذلك الإنسان إنه ينال غفراناً من الله لأن الله محبة، أما المرأة الخاطئة التى اتت الي السيد المسيح فقد عبرت عن محبة قوية لله وأحبت كثيراً فغُفرَت خطاياها الكثيرة.الصلاة.. بمجرد أن تصفح عن أخطاء الغير تجد نفسك تذكرهم في صلواتك اليومية. ولكي تحبّهم أكثر عليك أن تصلي من أجلهم ليعطيهم الرب حكمة فتُظهر أمام الله نقاوة قلبك. ويقول الرب في سفر الخروج 35 :5 إن الذي يتقدَّم بتقدمة أمام الرب يكون سموح القلب أي قلبه نقياً طاهراً دون خصام. بركات التسامح + حياة الفرح... عندما يسيء إليّ إنسان و أذهب إليه و أعاتبه و أصلي من أجله، أجد نفسي ممتلئاً بفرح تام لأنني أطرح ثقلاً عن كاهلي قد ألقيته على ربي فأفرح. + حياة السلام.. كلنا يعلم أن العالم يتطاحن من أجل السلام.. و لكن هيهات. لا يحلّ السلام إلا إذا صفح كل واحد عن زلة أخيه. وإني أنصحك أن تجرب هذا و لو مرة فستجد عمق السلام الذي يملأ قلبك. + راحة الضمير... هل تعلم لماذا يعيش الكثيرين حياة القلق؟ ان كان ذلك لاسباب عده فان من اهمها لأنهم لم يتعلموا التسامح مع الآخرين، ان الله الساكن في قلوبنا يخاطبنا ويطلب منا أن نسامح فلانا عن الإساءة الموجهة منه، ولكن نرفض بشدَّة فنتحمَّل عدم راحة الضمير. ولكي نعيش براحة ضمير، وننعم بالبركات الجزيلة علينا الإصغاء إلى الصوت الذي يناجي ضميرنا ويقول " اغفر لكل من يذنب إليك"، فننال الفرح والسلام وراحة الضمير.ان نعمة المسيح هي وحدها القادرة أن تُدخِل في قلوبنا روح التسامح والمغفرة، لأن المسيح حينما أخلى نفسه ووضع ذاته، استطاع أن يهبنا عطية الخلاص ويُطهِّر قلوبنا. فبنعمة المسيح هذه سننال الحرية والنصرة على مشاعر عدم المغفرة {تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم} مت 11: 28. أفليست الراحة هي التي نشتاق إليها، حينما تتثقَّل قلوبنا بعذاب روح عدم المغفرة؟ {إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كل إثم} فلماذا لا نتجرَّأ وندعو المسيح ليدخل إلى ما داخل قلوبنا؟ لذلك ها هي أمامنا الدعوة أن نُلقي بكل أحمالنا عليه، ليُريحنا القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
24 يناير 2019

السيد المسيح المعلم (1)

من خلال قراءتنا للكتاب المقدس نكتشف أن من أهم القاب ربنا يسوع المسيح أنه هو المعلم الصالح، فقد كان الرب يسوع يعلّم دائمًا طوال فترة خدمته الجهارية. فقد بدأ خدمته الجهارية بالموعظة على الجبل كأول عمل له بين الجموع، ولا شك أن التعليم في الكنيسة هو أساس خلاص الإنسان لأننا من خلاله نتعرّف على عمق اللاهوت وسر الثالوث وسر التجسد ووسائط النعمة والاستعداد للابدية، وبه يتضح طريق خلاصنا ونتعرف على ملكوت السموات وكيفية تكوين العلاقة مع الرب يسوع الفادي والمخلص، وكل هذه العقائد والإيمانيات إن لم نعرفها لا يكون لنا بركات الخلاص. لذلك فإن التعليم في كنيستنا ضرورة، ولهذا نجد معلمنا بولس يوصي تلميذه تيموثاوس: «لاحظ نفسك والتعليم» (1تي4: 16). كما يسجّل الوحي الإلهي في العهد القديم كلمات النبي «هلك شعبي من عدم المعرفة» (هو4: 6). كما تخاطب الدسقولية الآباء في الكنيسة قائلة: "امحُ الذنب بالتعليم". ونحن نرى أن أسلوب التعليم الانفعالي الذي يعتمد على إثارة المشاعر فقط هو أسلوب تعليم غير نافع للإنسان لأنه يعتمد على التأثير النفسي فقط، ولا يهتم كثيرًا بالعمق الروحي السليم الذي يساعد الناس على خلاص نفوسهم، لذلك كان علينا أن نكتشف منهج الرب يسوع في التعليم، وعلى ملامح ووسائل التعليم التي استخدمها الرب يسوع... وهذه بعض الأفكار... أولًا: علاقة الرب يسوع بأولاده في التعليم: 1) كان يسوع كمعلم يحتفظ في قلبه بحب غير محدود لأولاده، فقوة المعلم تظهر في مدى محبته لمن يعلمهم، فكان يسوع دائمًا يعلن لتلاميذه عن محبته لهم قولًا وعملًا، فقد أحبهم حتى المنتهى وقبل الموت من أجلهم، وأعلمهم بهذا الحب مرات كثيرة. وكانت محبة الرب يسوع تظهر لكل من يتعامل معهم أو يعلمهم: لتلاميذه، وللخطاة، للقريبين، وللبعيدين، لبني جنسه من الشعب اليهودي، وللغرباء كالسامرية والكنعانية... فقد أحب الجميع، وقدم لهم كل الحب، فسار من أجل السامرية مسافات طويلة، وانتظر موعدًا مناسبا لها، وامتدحها رغم ضعفها وخطيتها! كان يسوع كمعلم يمتاز بمحبته لكل من يعلّمهم.. وحتى في المواقف التي كانت تحتاج إلى الحزم، كان حزمه لا يخلو من الحب، فعندما صنع سوطًا وطرد باعة الحمام من الهيكل، كان قلبه ممتلئًا غيرة وحبًا وحزنًا للمخالفين لوصايا الناموس، فلم يؤذهم بل خاطبهم «بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص» (مت21: 13). وهو بهذا يعلمنا أن المعلم النافع في الكنسية هو ذلك المعلم الذي يحمل قلبًا ملتهبًا بالحب تجاه قطيعه. 2) كان يسوع كمعلم يمتاز بطول الأناة: فكثيرًا ما كان يفسّر للتلاميذ تصرفاته التي يتساءلون عنها، ويفسر لهم أسباب تصرفه رغم أنه لم يكن مُطالَبًا أن يقدم لهم تفسيرًا لسلوكه. فعندما تساءلوا عن سبب جلوسه مع امرأة سامرية، بدأ يشرح لهم عن رؤيته لخلاص البشرية كلها. وحتي في المواقف التي تشكك فيها تلاميذه فيه، كان يقابلها بطول الأناة دون رفض أو عتاب، فهكذا فعل مع توما عندما تشكك في قيامته. كما كان يتعامل أيضًا بطول أناه مع الذين يعجزون عن تنفيذ وصيته، فنراه يتحدث إلى الشاب الغني الذي دعاه ليتبعه ولكن امواله كانت عائقًا له، ونجده يعامله بكل رفق (مت19: 13). 3) كان الرب يسوع كمعلم يقدم ذاته نموذجًا عمليًا وقدوة قبل أن يعلم. كان يصلي فيعلم تلاميذه الصلاة، وكان يعفو قبل أن يعلم التسامح، وكان يقبل الجميع قبل أن يعلمهم أن يذهبوا للعالم أجمع... فلم يكن يسوع معلمًا بالكلمات فقط، بل كان عاملًا ومعلمًا بكلمة الخلاص... نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
22 يناير 2019

خطورة الإدانة

من أكثر الحروب التي تجد مكانًا في الإنسان إدانة الآخرين، وهي خطية صعبة ومنتشرة بكثرة. والكتاب يوصينا قائلًا: «لا يئنّ بعضكم على بعض أيها الأخوة لئلا تُدانوا» (يع5: 9)، وهذا الوصف دقيق لأنه يصور هذه الحرب الشديدة التي تنبع من داخل الإنسان، ولكن «هوذا الديّان واقف على الباب» بمعنى أن الحُكم على الناس ليس هو دور البشر، لكن الديّان الحقيقي الذي يرى الخفيّات قبل الظاهرات وبلا خطية ويعرف الحقيقة كاملة وله هذا السلطان «فَمَنْ أنت يا من تدين غيرك؟» (رو14: 4). والسيد المسيح أوصانا «لا تدينوا لكي لا تُدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون» (مت7: 1).الإدانة خداع: بمعنى أن مَنْ يُدين غيره يخدع نفسه: «لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها» (مت7: 1، 3). وهذا يعني أن الإدانة غير حقيقية ويكون مًنْ يُدين هو الُمدان.. ويقول القديس برصنوفيوس: "يوم تدين أخاك تنقطع عنك نعمة الروح القدس، فتكون سبب عثرة له". وبما أن المؤمن هو مسكن للروح القدس لذلك ينال نعمة التمييز الروحي فيشفق على مَنْ يخطئ بسبب حرب الشيطان، فبدل أن يحكم عليه يأخذ بيده ويُعينه ليقيمه.الإدانة ضد نقاوة القلب: لأن مَنْ قلبه نقي يملك عينًا بسيطة لا ترى الشر ولكن تحب الخير للجميع، لذلك الإدانة لا تتفق مع النقاوة والبساطة الحكيمة التي ترى الحقيقة.. إن العين التي بها خشبة لا ترى القذى الذي في عين الآخر (وهو إفراز العين الطبيعي)، وهكذا كان القديسون... لهذا حين رأى القديس يوأنّس القصير أحدًا يخطئ بكى، فسأله الأخوة لماذا تبكي؟ فقال لهم: "لأن أخي أخطأ اليوم بحربٍ من الشيطان وقد يتوب وغدًا، قد أُخطئ أنا بحربه ولا أتوب". وقد قيل عن لوط إنه كان يُعذّب نفسه البارة بالسمع والبصر للخطايا التي حدثت أمامه.الإدانة تتعارض مع كل الفضائل: فهي ضد المحبة التي تستر كثرة من الخطايا، فمن يُدين لا يحب. وتتعارض مع الاتضاع، لأن المتضع لا يرى خطايا غيره بل يرى خطايا نفسه ويدين نفسه. والإدانة ضد الوداعة الحليمة على البشر التي تحترم الصغير والكبير، فلا تحكم على أحد ولا تحتد. وهي ضد الصدق، لأن مَنْ في عينه خشبة لن يستطيع رؤية شيء، بل هو في حكم الأعمى. وضد احترام الناس وتوقيرهم، لأن الإنسان صورة الله، وهذه كرامة لا تناظرها رفعة. وإذا كانت الإدانة ضد كل هذه الفضائل، إذًا فهي تجمع العديد من الرذائل السيئة.فالإدانة خطية مركبة: فيها الكراهية والكبرياء والخداع الكاذب واحتقار البشر ورفضهم، وحين يسقط في كل هذه الخطايا فسوف ينعكس حكمة على الآخرين ليقدم إدانة لنفسه.والنصيحة... إن مستعظم النار من مستصغر الشرر، فربما نقدٌ بسيط يعتاده الإنسان فيدخل إلى الإدانة، وحين يعتاد عليها يصير أعمى يقود أعمى فيسقط كلاهما في حفرة. ومَنْ يحكم يجب أن يكون بلا خطية كما قال السيد المسيح لمن أتوا إليه بالمرأة الخاطئة: «مَنْ منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر» (يو8: 7)، ومَنَعَ العمّال من نزع الزوان الذي وسط الحنطة قائلًا لهم: «دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى وقت الحصاد»، والقمح يُجمع إلى مخازن والزوان مصيره معروف... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
21 يناير 2019

التجسد و الاورثوذكسية

تتسم الأرثوذكسية – بالذات - بالتركيز على سرَ التجسد الإلهى، ويتضح ذلك فى أمور كثيرة مثل: 1- تهتم الكنيسة جداً بشرح هذا السّر لشعبها، ليعرفوا ما لهم فيه من: تعليم، وفداء، وسكنى إلهية فينا، وتأسيس للكنيسة المقدسة، جسد المسيح وعروسه. 2- تقدم الكنيسة حياة الرب يسوع كاملة، فى سّر الافخارستيا، منذ اختيار حمل بلا عيب، إلى مسحه بالماء، ثم تقميطه، ثم الدوران به حول المذبح إشارة للكرازة،ثم موته، ودفنه،وقيامته المجيدة!! 3- وتحرص الكنيسة أن تقدم لنا الافخارستيا يومياً، وذلك تنفيذاً لوصية الرب:"إصنعوا هذا لذكرى" (لو19:22).ومن غير المعقول أن نتذكر الرب كل بضعة أشهر، بل من المناسب أن نفعل ذلك يومياً. 4- والذكرى هنا ليست فكرية أو معنوية، بل من نفس نوع ما قدمه الرب بي ديه الطاهرتين، فى خميس العهد،جسداً هو "مأكل حق"، ودماً هو "مشرب حق" (يو55:6).تماماً كما وضع بنو اسرائيل بعض المن، فى قسط خاص،فى تابوت العهد، وذلك من نفس المن الذى كان ينزل من السماء لغذائهم، إشارة للمن السماوى، جسد الرب ودمه. 5- ولقبت الأرثوذكسية السيدة العذراء "بوالدة الإله"، إيماناً منها بأن المولود من أحشائها ليس مجرد إنسان، بل هو الإله المتجسد، أو الكلمة المتأنس. 6- واستمرت الكنيسة تطوَّب أم النور، تتميماً لما قالته بالروح القدس: "هوذا منذ الآن، جميع الأجيال تطوبنى" (لو 48:1)... وهذا ما نفعله كل يوم، وبخاصة فى التسبحة اليومية، وبالذات فى شهر كيهك. 7- إن تمجيدنا لسر التجسد، هو تمجيد لرب المجد يسوع الذى تجسَد لخلاصنا، كما أنه تمجيد لهذا السّر المقدس، سّر التقوى: "عظيم هو سرّ التقوى، الله ظهر فى الجسد" (1تى16:3)... فالتجسد من أمنا العذراء هو سر التقوى البشرية، وبدونه ليس لنا خلاص!! 8- الصورة الأساسية للسيدة العذراء فى الطقس القبطى، هى صورتها واقفة عين يمين الرب، تحمله طفلاً على ذراعها، وترتدى ثوباً أزرق به نجوم، رمز السماء... وبهذا نعبر عن النبوة القائلة: "جعلت الملكة عن يمينك" (مز 9:45). 9- والبشارة الموضوعة دائماً على المذبح، وكذلك الكرسى، يحملان صورة السيدة العذراء، حاملة الطفل الإلهى. 10- والأساقفة يحملون على صدورهم صورة "الثيؤطوكوس" (العذراء والدة الإله)، تأكيداً لإيمانهم بهذه الحقيقة، ورفضهم للنسطورية التى فصلت الطبيعتين ونادت بأن العذراء هى أم المسيح "كريستوطوكوس" أى أنها والدة "الإنسان"، الذى حلّ عليه بعد ذلك اللاهوت حيناً، وتركه حيناً آخر!! سر التجسد... فى الثيؤطوكيات: ما أجمل ما ترتله الكنيسة فى الثيؤطوكيات!! وكلمة "ثيؤطوكية" مكونة من مقطعين هما: "ثيؤ" = الله، طوكوس= والدة، أى "والدة الإله"، فالعذراء حينما ولدت رب المجد، لم تلد إنساناً عادياً، بل ولدت ابناً، دعى "عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إش 6:9)، لهذا دعته بروح النبوة: "عمانوئيل" أى "الله معنا" وليس مجرد إنسان، فهو الإله المتجسد. ونحن لا نقول عن السيد المسيح أنه "إنسان تأله"، بل نقول عنه أنه "الإله وقد تأنس"، أى إتخذ جسداً، وحلّ بيننا، وأثبت فى كل تصرفاته وكلماته ومعجزاته وقداسته المطلقة، أنه الإله المتجسد!! وكمثال موجز عن حب كنيستنا القبطية لسرّ التجسد، وتطويبها لأم النور، نورد هذه الأمثلة: فى ثيؤطوكية السبت: (أيتها الغير الدنسة، العفيفة القديسة فى كل شئ، التى قدمت لنا الله? محمولاً على ذراعيها. تفرح معك كل الخليقة، صارخة قائلة: السلام لك يا ممتلئة نعمة، الرب معك. السلام لك يا ممتلئة نعمة. السلام لك يا من وجدت نعمة. السلام لك يامن ولدت المسيح. الرب معك). (من قبل ثمرتك، أدرك الخلاص جنسنا، وأصلحنا الله معه? مرة أخرى، من قبل صلاحه). (كخدر بغير فساد، الروح القدس حلّ عليك، وقوة العلى? ظللتك يا مريم. لأنك ولدت الكلمة الحقيقى، ابن الآب، الدائم إلى الأبد، أتى وخلصنا من خطايانا). (صرت سماء ثانية على الأرض، يا والدة الإله، لأنه أشرق لنا منك? شمس البر). ثم تبدأ الثيؤطوكية فى تقديم رموز التجسد فى العهد القديم، مثل: سلم يعقوب، والقبة، والتابوت... والحمامة الحسنة.. إلخ فى ثيؤطوكية الأحد: * (مدعوة صديقة، أيتها المباركة فى النساء، القبة الثانية، التى تدعى قدس الأقداس، وفيها لوحا العهد... هذا الذى تجسد منك بغير تغيير، وصار وسيطاً لعهد جديد، من قبل رش دمه المقدس، طهر المؤمنين، شعباً مبرراً. من أجل هذا كل واحد يعظمك، يا سيدتى والدة الإله، القديسة كل حين. ونحن أيضاً نطلب أن نفوز برحمة بشفاعاتك، عند محب البشر). (واحد من اثنين: لاهوت قدوس، بغير فساد، مساوٍ للآب، وناسوت طاهر،? بغير مباضعة، مساوٍ لنا كالتدبير. هذا الذى أخذه منك، أيتها الغير الدنسة، واتحد به كأقنوم). (أنت هى القسط الذهب النقى، الذى المن مخفى فى وسطه، خبز الحياة الذى? نزل من السماء، وأعطى الحياة للعالم). (الإله الحق من الإله الحق، الذى تجسد? منك، بغير تغيير). (أنت هى المجمرة الذهب النقى، الحاملة جمر النار المباركة،? الذى يؤخذ من المذبح، يطهر الخطايا، ويرفع الآثام، أى الله الكلمة الذى تجسد منك، ورفع ذاته، بخوراً إلى أبيه). وتستمر الكنيسة فى ذكر رموز العذراء والتجسد فى العهد القديم، فهى القبة، والتابوت، والقسط الذهب، والمنارة الذهبية،والمجمرة الذهبية، وعصا هرون التى أفرخت، وزهرة البخور، والمائدة الذهبية... ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن أمثلة كثيرة أخرى فى ثيؤطوكيات بقية الأيام. لكن خلاصة القول: أن كنيستنا القبطية تهيم حباً بالعذراء البتول، والدة الإله، التى ولدت لنا المسيح، مخلصنا الصالح، لهذا فهى لا تكف عن تمجيد هذا السّر الإلهى العظيم، سرّ التجسد، سرّ التقوى، وسرّ الخلود!! فبعد أن تجسد الرب وعلمنا، ثم فدانا وخلصنا، قام وصعد إلى السماء جسدياً، ووعدنا بأننا سنقوم معه بأجساد نورانية، ونرث معه فى ملكوته. أليس مناسباً أن تتهلل السماء والأرض، بميلاد الرب يسوع، وترنم جوقات السماء قائلة: "المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لو 14:2). فها قد تمت بشارة الملاك: "قد ولد لكم اليوم فى مدينة داود، مخلص هو المسيح الرب" (لو 11:2) فلنذهب إليه مع الرعاة الساهرين، لنقدم له العبادة والسجود... ومع المجوس العابدين، نعطيه الذهب (أغلى ما نملك)، واللبان (صلواتنا وتسابيحنا)، والمرّ (آلامنا وأتعابنا)... وهكذا نسجد عند قدميه، تصحبنا شفاعة العذراء، أم الخلاص، ومثال يوسف البار، خادم سرّ الخلاص نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
20 يناير 2019

عرس قانا الجليل

" وفىِ اليوم الثالث كان عُرس فىِ قانا الجليل ، وكانت أُم يسوع هُناك 0 ودُعى أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العُرس 0 ولمّا فرغت الخمر قالت أُم يسوع لهُ ليس لهُم خمر 0قال لها يسوع مالىِ ولكِ يا إمرأة0 لم تأتِ ساعتىِ بعد 0 قالت أُمّهُ للخُدّام مهما قال لكُم فافعلوهُ0 وكانت ستّة أجرانٍ من حِجارةٍ موضوعةً هُناك حسب تطهير اليهود يسعُ كُلّ واحدٍ مطرين أو ثلاثة0 قال لهُم يسوع إملأوا الأجران ماء0 فملأوها إلى فوق0 ثُمّ قال لهُم إستقوا الآن وقدّموا إلى رئيس المُتّكإ 0 فقدّموا0 فلّما ذاق رئيس المُتّكإ الماء المُتحّول خمراً ولم يكُن يعلم من أين هى0 لكنّ الخُدّام الذين كانوا قد إستقوا الماء علِموا0 دعا رئيس المُتّكإ العريس0 وقال لهُ 0 كُلّ إنسانٍ إنّما يضعُ الخمر الجيّدة أولاً ومتى سكِروا فحينئذٍ الدّون0 أمّا أنت فقد أبقيت الخمر الجيّدة إلى الآن0 هذهِ بِداية الآيات فعلها يسوعُ فىِ قانا الجليل وأظهر مجدهُ فآمن بهِ تلاميذهُ " ( يو 2 : 1 – 11 ) 0 فلتحلّ علينا نعمتهُ وبركتهُ من الآن وكُلّ أوان وإلى دهر الدهور آمين 0 تحتفل الكنيسة يا أحبائىِ بعيد من أعيادها السيّديّة الصُغرى عيد " عُرس قانا الجليل " ، رُبّما يتساءل البعض لماذ مُعجزة عُرس قانا الجليل تتحّول لعيد ؟ فربنا يسوع المسيح عمل مُعجزات كثيرة ، رُبّما يكون عمل مُعجزات أكبر منها ، فإِذا كان اقام موتّى ، فإِذا كان أقام لِعازر ، فإِذا كان فتح للأعمى عينيهِ 0 أولاً أتكلّم مع حضراتكُم فىِ ثلاث نُقط :- أولاً : لماذا نحتفل بعُرس قانا الجليل كعيد :- لأنّها أول مُعجزة ربنا يسوع المسيح عملها 0 فهى أول شىء يُعلن بِها نفسهُ أمام الناس00فقبل المُعجزة إن كان معروف فهو معروف لأخصائهُ الأقربين جداً مثل الست العدرا وتلاميذهُ لكن عِند عامة الناس لا يعرفوهُ فالست العدرا تعرف جيداً إمكانيات إبنها كون إن هى قالت ليس لهُم خمر فذلك لأنّ هى تعرف إمكانيات إبنها فطلبت المُعجزة هى أول مُعجزة يُستعلن فيها مجد لاهوت ربنا يسوع المسيح ، فالكنيسة تحتفل بِها وتجعلها بداية لحياة ربنا يسوع المسيح فتوجد كلمة فىِ الإنجيل " الثالث "فلِماذا اليوم الثالث ؟فهو اليوم الثالث بالنسبة للعِماد 0 فهو إعتمد فىِ 11 طوبة 0 فاليوم هو اليوم الثالث للعِماد ، فنجد قِراءات 12 طوبة لا تُقال قِراءات 12 طوبة لأنّهُ ثالث يوم عيد الغِطاس00وتُعطىِ لنا تعاليم خاصة بالعِماد 00فمازالت الكنيسة بتحتفل بالعيد ولكن توّج إحتفالنا بالعِماد بمُعجزة فالثالث تُشير لقوة القيامة 00قوة الحياة الجديدة00قوة الخلاص0 العيد يحمل معانى كثيرة :- (1) إعلان إلوهيّة ربنا يسوع المسيح 0 (2) بداية كرازتةُ وخدمتةُ 0 فهو حب أن يتعرّف علينا فىِ عُرس لأنّ هو مصدر الفرح ، وبدأ خدمتهُ فىِ عُرس ، ربنا يسوع المسيح هو العريس الحقيقىِ فهو مُشتاق أن يخطُبنا لنفسهِ ويُقدّمنا لهُ كعذراء بلا عيب فإن كانت هذهِ المعرفة أولّها فىِ فرح فإنطبعت صورة مُفرحة مُعزّية قوية فىِ نفوسهُم ، لأنّهُ يُشركهُم فىِ حياتهُم ، فهو صديق لهُم ومُشاركاً لهُم فىِ حياتهُم ، فهو كان مُجامل وكان عاطفىِ وشاركهُم فىِ أحزانهُم وأفراحهُم والعُرس كان يأخُذ مُدّة من الزمن ، فكان يأخُذ على الأقل إن كانوا ناس بُسطاء يأخُذ إسبوع " وكانت أُم يسوع هُناك " فالسيد المسيح أتى ليُجامل والست العدرا كانت هُناك من قبلهُ بمُدّة ، وربنا يسوع ذهب فىِ نهاية العُرس ، فالعُرس فىِ التقليد اليهودىِ كان يُمثلّ أمر لهُ فرحة كبيرة جداً ، فبعض النساء تغيّرت أسمائهُم بعد عُرسهُم فهو يُمثلّ للشخص حياة جديدة وفىِ بعض تقليدات فىِ التقليد اليهودىِ إن هى بداية جديدة ، وغُفران للخطايا السابقة ، لذلك كانوا يحتفلوا بهِ بمراسيم طقسيّة وبِمُشاركة أهل أهل البلد ، لذلك ربنا يسوع هو أتى ليُعلن نفسهُ العريس والبشريّة هى العروس ، والعُرس معروف عنهُ البهجة والسرور وتجمّع الأقرباء والأحبّاء ، فهو جاء ليقول أنا أتيت فىِ وسط أحبائىِ لأصنع معهُم محبة ، وهو تنازُل رب المجد للبشريّة وإفتقادِهم0 الأعياد السيديّة هى الأعياد التى تمسّ الخلاص وفيها أحداث تمسّ الخلاص ، مثل الخِتان فهو مُناسبة خلاصيّة وهو إحتكاك للخلاص لذلك عُرس قانا الجليل الكنيسة بتعتبرهُ مُناسبة فيها رب المجد يسوع بيفتقد الجنس البشرىِ ، نحنُ نعرف أنّ من نتائج الخطية أنّ العقوبة التى وقعت على المرأة عامةً بأنّ بالوجع تلدين وأصبح الزواج مُرتبط بالوجع وبالأنين وبنتائج الخطية ، فهو جاء يحضر العُرس ليرفع العقوبة وليُزيل العداوة القديمة ، كما فىِ آدم يموت الجميع وكأنّ اليوم الكنيسة بتقول لنا عيشوا مع المسيح خدمتهُ ، فهو إتولد وإتختن وتعمدّ ، واليوم الكنيسة بتقول لكُم اليوم هو أول خطوة فىِ خدمة ربنا يسوع المسيح وربنا يسوع عارف أنّهُ عندما تبدأ المُعجزات تبدأ الحروب والضيقات والمكائد والصليب يظهر ، فقال لها لم يأتىِ الوقت بعد ، فالكنيسة بتعتبر أنّ المسيح أعلن مجد لاهوتهُ وسُلّطانهُ فىِ حياتنا ، وإفتقد حياتنا ويُحوّل حياتنا إلى خمر حقيقىِ0 ثانياً:التحّول:- نحنُ نعرف أنّ الخمر عندما فرغ كان موقف مُحرج ، والست العدرا كانت بتشتغل معهُم ، والست العدرا شعرت بالموقف المُحرج فقالت لربنا يسوع " ليس لهُم خمر " 00ثُمّ قالت لهُم " مهما قال لكُم فإفعلوهُ " ، ليتنا عندما نقرأ الكِتاب المُقدس لا أقول إنّ هذهِ الآية ليس لىِ شأن بِها ولكن الآية تحتاج لوقفة ثُمّ قال لهُم " إملأوا الأجران ماء " فهو حّول الماء إلى خمر ، إنّهُ تحّول جوهرىِ ، فالماء عناصرهُ غير عناصر الخمر ، فالماء H2o هيدروجين وأوكسجين ، والخمر فيهِ كحُولّ فهو فيهِ كربون ، فكون الماء يتحّول ويتغيّر طبيعتهُ تماماً فهى مُعجزة 00مُعجزة خلق 00مثل مُعجزة الخمس خُبزات والسمكتين 00فهى مُعجزة خلق لأنّ ربنا يسوع هو قادر أن يُغيّر 00فهو قادر أن يُغيّر البرودة والجفاف إلى حرارة ونشاط00وقادر أن يُحّول طبيعتىِ الفاسدة وحتى وإن لم توجد إمكانيات التغيير ، أُريد أن أكون شىء لهُ قيمة ولهُ طعم مثل الخمر فلنفرض إن أنا لا يوجد فىّ برّ فهو قادر أن يخلق فىّ برّ " قلباً نقياً إخلق فىّ يا الله " ربنا يسوع المسيح جاء ليُحّول النفس الضعيفة الفاسدة إلى نفس حارّة فربنا يسوع المسيح لا يُجيز شُرب الخمر ، ولكن الناس هى التى تُفسد إستخدامهُ ، فالناس فىِ المناطق الباردة تشربهُ للتدّفئة ، فالمادة فىِ حد ذاتها ليست شراً ولكن الإنسان هو الذى يصنع الشر ، فهو يُريد أن يقول أنّهُ قادر أن يخلق قلب جديد نقىِ ربنا يسوع إستخدم فىِ إنجيلهُ كلمة " خمر" عندما قالت عذراء النشيد" أدخلنىِ إلى بيت الخمر " فهو يُشير إلى الشبع الروحىِ بالله ، وفعلاً الإنسان يا أحبائىِ بيصل لدرجة أنّهُ يسكر بمحبة ربنا ويوصل لدرجة أنّهُ يرتفع عن الفِكر البشرىِ ربنا جاء ليجعل بهذهِ المُناسبة إفتقاد لجمود الإنسان ، لأنّ الإنسان إبتعد عن ربنا تماماً وعاش فىِ حياة كُلّها توانىِ وكسل ، فربنا يُريد أن يُغيرّهُ ومن عظمة قُدرة التحّول أنّ رئيس المُتّكإ إندهش وقال لهُم من أين أتيتُم بهِ والأجران كانت ثقيلة جداً فهو قد إعتقد إن الخمر كان عندهُم وأتوا بهِ فىِ الأخر ولم يعرف بالتحّول ، كأنّ ربنا يسوع المسيح جاء ليقول أنا سأبطُل الخمر القديم وسأعطيكُم خمر جديد يُدهش عقولكُم الخمر القديم هو الناموس والخمر الجديد هو البرّ فىِ عهد ربنا يسوع المسيح فيوجد فرق كبير بين الذبائح وبين النعمة التى نحنُ فيها الآن ، فنحنُ موجودين والمذبح مفتوح وبنأخُذ الجسد والدم ، نحنُ فىِ عِز الآن ، فهو يُدهش ، جميل جداً أن ندرس العهد القديم ، فتوجد أهمية لدراسة العهد القديم ، ومنها أعرف اهمية الخمر القديم وما يُشير إليهِ فىِ العهد الجديد فما أجمل أن أعرف أنّ الشعب عندما كانت تلدغهُ الحيّات كان موسى يُعلّق الحيّة وينظُر إليّها الإنسان فيُشفى ، فهى قوة الصليب التى تُشفىِ الإنسان من لدغة الحيّة موسى عبر البحر الأحمر ولكن فىِ الخمر الجديد هو المعموديّة فكما أنّهُ غرق فرعون فىِ البحر الأحمر كذلك يُسحق الشيطان فىِ المعموديّة0 ثالثاً: سخاء يسوع :- سألهُم وقال لهُم ماذا يوجد عندكُم ؟! فقالوا لهُ عندنا " ستّة أجران من حِجارة موضوعة هُناك 0حسب تطهير اليهود ، يسع كُلّ واحد مطرين أو ثلاثة " فىِ الحقيقة إنّ هذا الرقم وهو " ستّة أجران " فالجُرن الواحد يسع 100 لترأو أكثر ، وكُلّهُم يعملوا 600 لتر خمر ، فلو لتر فقط فإنّهُ يشربهُ خمسة أشخاص ، فالـ 600 لتر يكفوا لعدد كثير جداً 00فما الذى يحدُث ياأحبائىِ ؟! فهو سخاء يسوع يُحّول الخمس خُبزات والسمكتين لتُقدّم فىِ وليمة مُشبعة ويتبقّى إثنىِ عشر قُفّة " الذى يمنحكُم كُل شىء بغنى للتمتُّع "يوجد غنى ليس فقط على المستوى المادىِ ولكن على المستوى الروحىِ ، قدّم لهُ أجرانك وسترى ماذا سيفعل ، فيقول عن مُعجزة صيد السمك " أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهُم تتخرّق " غنى تعال أنت فقط قُل لهُ " إملأ الأجران خمر " الخمر هو الحرارة الروحيّة ، ليس عندنا خمر ليس عندنا حرارة فىِ حياتنا الروحيّة ، ربنا يسوع بيقول قدّم ماءك فأحّولهُ لخمر حتى تقولوا كفانا كفانا 0ألّم تُجرّب أنّك فتحت الإنجيل ووجدت الكلام قوى جداً ومؤثّر جداً ، فإن كان عندك أجران أكثر لكان ملأها بمُجرّد فقط أننا نُعطىِ لهُ وهو يملأ ويملأ ألّم تُجرّب مرّة أنّك بتصلّىِ وتشعُر إن إنت فرحان وسعيد وغير مهموم وإرتفعت للسماء وغير قادر أن تختم000فهذا هو الماء الذى تحّول إلى خمر0الخمر سر حياة القديسين فهُم قدّموا ماء فصار خمر فسكروا 00الشيخ الروحانىِ يقول " لدرجة أنّهُم نسوا كُل شىء 00نسوا الأب والأخ والصديق وسعوا خلف الغنى بحُبهِ "الكنيسة بتقول لكُم تعالوا لربنا يسوع المسيح لكى يُقدّس حياتكُم ويُقدّم لكُم خمراً روحانياً ويُقدّم لنفسهُ شعباً مُبرّراً ربنا يسوع المسيح يتحنّن علينا وينظُر إلى مائنا ويُحّولهُ إلى خمر يُلهب قلوبنا ونفوسناربنا يسند كُل ضعف فينا بنعمتهُ لهُ المجد دائماً أبدياً أمين0 القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك الأسكندرية
المزيد
19 يناير 2019

ثلاثية عيد الغطاس

أهنئكم أيها الأحباء بعيد الغطاس المجيد، أحد الأعياد السيدية الكبرى، وهو العيد الذي يتوسط خمسة أعياد تأتي في فترة أربعين يومًا منذ ميلاد وتجسد ربنا يسوع المسيح. هذا العيد يأتي قبله عيدان: عيد الميلاد وعيد الختان، ويأتي بعده عيدان: عيد عرس قانا الجليل وعيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل؛ وهذه الأعياد الخمسة في فترة أربعين يومًا تبدأ من عيد الميلاد. مشهد يوم عماد السيد المسيح مشهد هام جدًا في الكتاب المقدس وفي حياتنا. وأدعوك معي الآن أن تتجول بذهنك ونأتي لنقف للّحظة التي أتى فيها السيد المسيح وسط جموع أخرى أتت إلى يوحنا المعمدان عند نهر الأردن لكي ما تتجاوب هذا النداء الذي أطلقه يوحنا: «توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت الله». إننا أمام ثلاث مفردات مهمة: السيد المسيح ويوحنا المعمدان والماء. أريد أن أحدثكم عن هذه الثلاثة. السيد المسيح: عندما تجسد رأته لأمنا العذراء مريم ويوسف النجار. والرعاة والمجوس زاروه وهو طفل رضيع. وبعد ذلك قُدِّم للهيكل في اليوم الأربعين الذي هو عيد دخول المسيح الهيكل، ورآه بعض الكهنة. ثم جاء الهروب إلى مصر، وكثير من المصريين رأوه. وظهر في سن 12 سنة وسط المعلمين الكبار في الهيكل، وصار يجادلهم. وبقي في الناصرة من سن 12 إلى 30 سنة يعمل نجارًا، لأنه معروف عند اليهود أن من لم يتعلم حرفة يتعلم السرقة. وجاء العام الثلاثون في عمر الرب المتجسد، وهو سن النضج بحسب اليهود، وفيه هذه السن بدأ المسيح خدمته الجهارية بواقعة العماد المقدس. أتى السيد المسيح وسط الجموع، ولم يكن يوحنا يعرفه قبلًا. وحين وصل إليه المسيح انزعج يوحنا ورفض أن يعمّد الرب، فرد عليه السيد المسيح وقال له برقة بالغة: «اسمَحِ الآنَ، لأنَّهُ هكذا يَليقُ بنا أنْ نُكَمِّلَ كُلَّ برٍّ» (مت3: 15)، فقام يوحنا المعمدان بعماد السيد المسيح وحدثالظهور الإلهي "الثيئوفنيا". وهذا الظهور الإلهي حدث لكي يُعلّن لنا الله الواحد المثلث الأقانيم: الابن في الماء، وصوت الآب من السماء «هذا هو ابني الحَبيبُ الّذي بهِ سُرِرتُ»، والروح القدس في شكل حمامة يظهر ويستقر على الابن (مت3: 16، 17). ويظهر لنا إيماننا بوحدانية الثالوث حين نقول في بداية قانون الإيمان: "نؤمن بإله واحد..."، لكن هذا الواحد الذي نؤمن به هو «الله محبة»، محبته متدفقة لا تقف. وفي عيد الغطاس الآب المحب صار منه هذا الصوت «هذا هو ابني الحَبيبُ الّذي بهِ سُرِرتُ»، والابن المحبوب ربنا يسوع المسيح كان صاعدًا من الماء، والروح القدس في شكل حمامة. ونحن دومًا نمارس سر المعمودية في سن مبكرة جدًا، والطفل عمره أيام، نغطّسه في الماء ثلاث غطسات كما دُفِن المسيح ثلاثة أيام، ولذلك يقول الكتاب: «مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ، الّتي فيها أُقِمتُمْ أيضًا معهُ» (كو2: 12). المسيح دُفِن وقام بعد ثلاثة أيام، ونحن نجتاز هذه الخبرة من خلال المياه، مدفونين في مياه المعمودية. والمعمودية هي أول سر يناله الطفل بعد ميلاده، وهو بعد صغير جدًا، ويتعمد على إيمان والديه، ومثلما يرضعانه الغذاء واللبن، هكذا يغذونه بالإيمان، فيشبّ قويًا مكتوبًا اسمه في السموات، ويصير مولودًا من الماء ومن الروح. هذا هو الجزء الأول في المشهد. يوحنا المعمدان جاء ثمرة لصلوات كثيرة مرفوعة من زكريا الكاهن أبيه وأمه أليصابات، وفي الوقت المناسب جاءت إليه البشارة وأنجبت اليصابات ونزع الله عارها. ويوحنا المعمدان نسمّيه خاتم أنبياء العهد القديم. وُلِد قبل السيد المسيح بستة أشهر، وعاش في البرية ناسكًا متقشّفًا زاهدًا، ولذلك كانت هيئته مهيبة. وعندما نزل إلى ضواحي اليهودية لكي ما يكرز للناس بالتوبة وأن يعدّوا طريق الرب، كان يريد أن يوقظ ضمائر الناس، لأن الخطية تجعل الضمير نائمًا. وتعلمون أن نهاية يوحنا المعمدان أنه قُطِعت رأسه، وفضّل أن حياته تنتهي بلا رأس عن أن يحيا بلا ضمير، اختار أن ينال الاستشهاد لكن لا يبيع ضميره الحي. وكان في كرازته ينادي للبشر «توبوا، لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ» أو ملكوت الله في شخص المسيح، فالمسيح اقترب مجيئه، إلى أن جاء المسيح وتعمد منه. يوحنا المعمدان هو الذي قال بعين النبوة عن شخص المسيح: «هوذا حَمَلُ اللهِ الّذي يَرفَعُ خَطيَّةَ العالَمِ!» (يو1: 29). "حَمَل" يعني ذبيحة، "الذي يرفع" وذلك بالصليب، "خطية العالم كله": فالسيد المسيح لم يأتِ لجنسية أو لشعب معين، ولكن جاء لكل العالم: «هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ» (يو3: 16). يوحنا المعمدان نسميه أيضًا "السابق"، لأنه سبق المسيح بالزمن بستة أشهر. و"الصابغ" لأنه قام بعماد السيد المسيح. وأخيرًا "الشهيد" لأن حياته انتهت مستشهدًا ولم يرد أن يبيع ضميره وقبل الموت، وظل ضميره حيًا. وهكذا صار صوت يوحنا المعمدان هو صوت الحق. الماء الماء عنصر الحياة على الأرض، وأينما وُجِد الماء وُجِدت الحياة. كزكب الأرض 70% من مساحته هي ماء، وأنت أيها الإنسان 70% من وزنك هو مياه في الجسم، ولذلك الماء هو أغلى شيء لأن فيه حياة البشر. في بدء الخليقة فصل الله الماء عن الأرض، والماء له دور في تاريخ الخلاص في الطوفان وفي عبور بني إسرائيل البحر. والماء له تاريخ طويل جدا سواء في الهلاك أو في الشفاء. تذكروا معي أن السيد المسيح تقابل مع السامرية عند المياه، وشفى المريض الذي له 38 سنة عند بركة المياه، وانفتحت عينا المولود أعمى من خلال المياه. وفي الكنيسة توجد قداسات تقديس الماء، وفي كل القداسات نستخدم المياه سواء في تقديس الأسرار أو نرشه للبركة في ختام الصلوات. والماء علامة حياة فنحن نولد من الماء والروح. وهذه فرصة طيبة أن ألفت نظركم إلى قيمة الماء في حياتنا، نحن المصريين نعيش حول نهر النيل في حوالي 8% من مساحة البلاد لأننا نحيا حول النهر. وفي العهد القديم كان نهر النيل أحد آلهة قدماء المصريين وكانوا يعبدونه. ونهر النيل كما تعرفون ممتد لأكثر من أربعة آلاف كيلو متر، ويمر على عشر بلاد، مصر هي البلد الأخير في مجراه. ومع ازدياد عدد السكان بالنسبة لموارد المياه المتاحة، فلابد أن ننتبه إلى قيمة نقطة المياه. هناك حوالي مليار من البشر -كبار وصغار- لا يجدون مياهًا للشرب! ولذلك يا إخوتي الأحباء لابد أن نلتفت جدًا لقيمة المياه، ومَن يهدر المياه أو يسيء استخدامها فهذه تُعتبَر خطية. الأدوية التي تنقذ حياة الناس تُصنع من الماء، الماء للشرب، الماء للأكل، الماء للزرع، الماء للحياة... حينما تشرب ماءً ضع في الكوب على قدر ما تشرب فقط، وكذلك عندما تغسل أي شيء، فكّر كيف تقتصد في الماء. ونحن في عيد الغطاس نحتفل بتذكار ميلادنا في المعمودية، ويا ليت كل أسرة تذكر تاريخ معمودية أولادها وبناتها وتحتفل به كما تحتفل بعيد الميلاد الجسدي. لا نقول هذا لأن المعودية تذكار تاريخي، ولكن تذكار للتوبة ولنقاوة القلب، وأننا دُفِنّا مع المسيح وقمنا من بين الأموات. قديمًا في عيد الغطاس كانوا يخرجون من الكنيسة ويزورون نهر النيل، وكان البطريرك يأخذ من ماء اللقان وياقي منه في النيل لتقديس مائه، ونصلي طوال السنه: "اذكر يا رب مياه النهر باركها". نصلي لكي يحفظ مسيحنا بلادنا من كل شيء، كما نصلي من أجل كل المسئولين فيها، ومن أجل القيادة السياسية وكل من يحملون هم هذا الوطن، ونصلي أن يحفظ الله بلادنا من أي شر. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
18 يناير 2019

لقَّانُ عِيدِ الغِطَاسِ

في عيد الغطاس نصلي ليتورچيا اللقان لأننا أخذنا التجديد في المعمودية كعُربون حتى نصل بالجهاد والنعمة إلى التجديد التام بصناعة أعمال تليق بالتوبة... فعندما نقف أمام اللقان نتذكر مياه معموديتنا ونذرها في يوم معمودية الرب بنهر الأردن... إستنارةً وضياءً وحالة سوية وقدس أقداس وبهاءً للنفوس؛ فلا نعود لنحمل من جديد نير العبودية؛ بل نثبت في الحرية؛ حرية البنين بممارسة الوصايا. ننظر إلى ليتورچيا لقان عيد الأنوار ونعاين الظهور الإلهي؛ مُصلين لتقديس المياة وبركتها لمسيرة تجديدنا الروحي؛ الذي لن يتم فقط بالمعمودية؛ بل بالعكوف أيضًا على تكميل الوصايا التي يتعين علينا تتميمها بخوف ورعدة... لأن كمال المعمودية يحصل بواسطة الجهاد الروحي وأعمال الحرية التي تليق برتية البنين؛ باذلين كل اجتهاد لنجعل من غير المنظور منظورًا؛ فالذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة (٢بط ١ : ٩). وبالإمعان في نص قداس اللقان الليتورچي وتعابيره وقراءاته وألحانه وطقسه؛ نرى ذاك الذي بسط النعمة في ذلك اليوم وأظهر لاهوته بالتعميد؛ وهو يكمل كل بر لأجلنا ولأجل خلاصنا... كي يُهدينا إلى ملكوته حيث نهر الحياة الصافي كالبلور؛ المنبثق من عرش الله والحمَل من أجل شفائنا وشفاء الأمم (رؤ ٢٢ : ٢)، وكلما ندخل إلى عمق التقديس الليتورچي ننهل من اليُنبوع الممتد في جمال العبادة التي تربط ما هو إلهي بما هو بَشَري... من الشخص الأعمق إلى الجماعي المتحد بطاقة نهر الحياة؛ حيث تتحد الليتورچيا بالحياة وتتوحد في سينرچية Συνεργεία للروح والكنيسة عبر المناسبة الطقسية. نتمتع بالآنية الدائمة أو ما يسميه الدارسون (التأوين) بحيث نعيش الآن وهنا عند نهر الأردن أمام فسقية اللقان في لقاء وإلتقاء عميق؛ ويكون حضورنا القداس من أجل التقديس، وهو ما نعترف به كقانون لعضويتنا مع قديسي الكنيسة؛ عندما نردد في ختام القداس (واحد هو الآب القدوس؛ واحد هو الابن القدوس؛ واحد هو الروح القدس) لأن هذا الماء لا يُعطىَ إلا للقديسين (القُدُسات للقديسين)، ونحن بإتحادنا بالقدوس نصير قديسين فيه وبه... لأنه أعطانا نعمة وعطية ومسحة وإستنارة ووشاحًا للخلود ومغطس إعادة الولادة وختم الروح القدس الملوكي الفائق القيمة؛ والتي تأتينا نعمتها مجانية وواحدة للجميع. في النبوات وقراءات قطماروس اللقان نلمس الواقعية الروحية للحدث؛ خلال خدمة الكلمة والعبادة؛ بحيث يكون احتفالنا حيًا لا تفترق فيه الليتورچية عن الحياة. فقد وضع تقليد طقس القداس حَدَث معمودية الرب في بؤرة العبادة ليكون يُنبوعًا واحدًا لا يتغير، ماؤه حي دائم التجديد؛ نتذوق فيه حلاوة وعذوبة إنجيل الملكوت ورموز العبادة المُعاشة... حاضرة في ذاكرة الكنيسة حضورًا واقعيًا؛ في صورة كلية لأيقونة حدث الظهور الإلهي؛ والأعماق الخفية للتدبير... والتي بها فقط ندخل إلى اللاهوت الذي يظهر بديهيًا في الليتورچيا؛ وفيها فقط يمكن أن نحياه؛ لأنه يعبِّر عما لا يُعبَّر عنه، ويقدم الحدث بزَخَم كبير (صوت الآب بالسرور من السماء – الابن في نهر الأردن – الروح القدس بهيئة منظورة مجسَّمة كحمامة – ثم يوحنا المعمدان السابق الصابغ والشهيد). وهكذا بنزول المسيح في نهر الأردن وحلول الروح القدس وإعلان صوت الآب؛ المعبَّر عنه كنسيًا بعيد الإبيفانيا Επιφάνια أي ظهور الثالوث القدوس؛ تكون حقيقة تدشين أول معمودية على الأرض على اسم الثالوث... وهنا نقف نقدم عبادتنا وكأننا في برج إلهي نتحصن ونتذكر مرتبتنا كأحرار وكأبناء وكورثة؛ كي لا نحتقر العطايا السماوية؛ بل نصير ذبائح روحية مقدَّمة على المذبح المقدس الناطق السمائي... نتاجر بالوزنة ولا نطمُرها شاكرين الجَميل الإلهي؛ عاملين حسب معطيات ومقتضيات الموهبة التي تقبلناها؛ مكرِّمين نعمة خلود المعمودية التي وضعت وسكبت في باطننا أنهار الماء الحي... لم نعُد أرضًا قفرةً فيما بعد؛ لأن الرب بصليبه فجَّر فينا ينابيع روحه القدوس وروى أرضنا لتفيض بالشهادة له في كل موضع. مسيحنا هو النهر الأصلي الذي يصبّ في أرضنا أنهارًا هي ثمرة عمله فينا، وكل الأنهار تشهد للنهر الأصلي الحقيقي؛ تسبحه لا بالكلام وإنما بالأعمال وبتصفيق الأيادي؛ لأنه يطلب أفعالنا وأعمالنا وليس أصواتنا فقط... تتدفق فينا نعمته كمياة بلا حدود؛ فيعود ويتطلَّع لكنيسته؛ مُعلنًا أنه يمنحها إمكانيات جديدة على الدوام؛ يتعهدها بالخصب والنماء لتعود مراعيها دسمة مزروعة ومُثمرة؛ ومدنها عامرة مهيئة للسكنى لا كفردوس قديم مفقود بل فردوس حي وميراث إلهي ومياة جارية وأنهار حية وسواقي تُفرّح مدينة الله بالأعمال الصالحة والنافعة... التي تليق بالخراف الناطقة المقدسة المحفوظة في الحظيرة الإلهية - كنيسة الله؛ وبعمل المياة المقدسة التي تطهرنا من الخطايا وتجعلنا حاملين ثمر شركة الطبيعة الإلهية؛ لنحصد نصيب المؤمن (أي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن) "٢كو ٦ : ١٥). ونبدأ في قداس اللقان بعد صلاة الشكر والقراءات الكتابية؛ نذوق المعرفة الكاملة بالعبادة وعُربون كلمة الوعظ التي تصوِّرنا وتُشكِّلنا بحسب المثال الإلهي؛ بتجديد الذهن بالروح الذي يوسِم داخلنا الملامح الإلهية إلى أن تكمُل في نفوسنا بذور التشكُّل بالمسيح وصورة المخلص الذي ضبط الخليقة بعزته؛ ودبر العالم بعنايته؛ وأبدع الخليقة من العناصر الأربعة؛ وكلل دور السنة بالأربعة أزمنة؛ وأخرجنا من العدم إلى الوجود وأنهضنا من سقطاتنا ووهب لنا ملكوته وأحساناته وجعل الخليقة كلها تطيعه وتسبحه وتخافه وتتعبد له... بسط السماء وثبت الأرض وحصن البحر وأفاض الهواء وجدد طبيعتنا بالماء والروح؛ وأغرق الخطية أسفل الماء؛ وأعطانا موهبة المعمودية التي هي بالنسبة لنا (زرع الله فينا) زرعًا لا يفنىَ ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل؛ لكن بكلمة الله الحية الباقية. ويطلب الكاهن الرحمة (اللهم ارحمنا) رافعًا الصليب بالثلاثة شمعات؛ لأن خلاصنا ورحمتنا مقررة بفعل الثالوث القدوس... نصلي جميعًا طالبين المراحم؛ عشرة بل ومئة كيرياليسون من الله الذي خلقنا واعتمد لأجلنا؛ ليس مقابل ثمن ولا إيفاء لشيء؛ بل كهبة محبة خالصة منه... ممجدين أعماله التي تفوق الحصر ونقبل تجديدنا وتوبتنا وشفاءنا الذي يزودنا هو به بمحبته للبشر التي لا حدود لها؛ وببركة مياة اللقان التي تقدست بالصلاة والرشومات؛ عابرين الأردن الحقيقي بفرح الخلاص والمجد والنور المعطىَ لنا. شاكرين وحيد الجنس رئيس كهنتنا الذي رُسم في هذه الرتبة بقرار من الآب، وهو الابن الحبيب الذي سُر به أبوه؛ والذي اشترك في المشي مع الناس ووقف معهم ليعتمد؛ ونزل إلى حقارتنا ووضاعتنا وأخذ شكل العبد ووضع ذاته لأجلنا، فندرك مقاصده وتدبيره الذي بسطه علينا ونسلك حسب تدبير الحياة الجديدة؛ قلبًا لحميًا وروحًا جديدًا. إن كل مَن يتمعن في خدمة لقان عيد الغطاس يشعر بما هو أعمق من مجرد الطقس؛ ويلمس عطشه الدائم لمياة الحياة المُفاضة للنقاوة ولعمل روح الله الذي يرفّ على وجه غمر حياتنا؛ وكأننا في خلق جديد ويقظة للكون... نحيا عند النبع؛ نترك العتيق والأوحال ونقتني قطرات المياة التي تحمل الروح القدس لكل منا؛ والتي تنضح علينا بالبركة وبها ترتوي الخليقة؛ فلم يعُد هذا الماء ماءًا عاديًا (ساذجًا) لكنه أصبح حاملًا لنعمة القداسة... فليس طقسنا شكلاً أو مجرد ممارسة بلا مضمون؛ لكنه عمل تقديس لطبيعة المياة؛ يجعلها حاملة الحياة الجديدة؛ وهو توظيف للماء على نحو تقديسي. وروح الله منشئ الخليقة الذي رفّ على وجه الغمر في سفر التكوين يبارك ويقدس المياة؛ ويجعلها بركة ونعمة لتقديس البشر والحجَر؛ فهي أولاً لتقديسنا ثم لبركة بيوتنا؛ كي تصير ببركتها وبسيرتنا بيوت صلاة؛ بيوت طهارة؛ بيوت بركة، كنائس بيتية تشهد للمسيح في العالم إمتدادًا للكنيسة (ككنائس للسيد الرب) نحتفظ فيها بماء اللقان لمنفعتنا الروحية؛ ونأخذه معنا لبيوتنا كي ننقل ما يجري في خدمة اللقان إلى حياتنا وبيوتنا؛ إذ أن عبادتنا يكمل معناها في دوامها وفي عيشها باستمرار بلا إنفصام ولا إنفصال ولا إفتعال؛ حياتنا إمتدادًا لخِدَمنا الطقسية؛ وبيوتنا هياكل مقدسة للسيد تتجه نحو المسيح مشرقها وشمسها... ونحن الساكنون فيها مغروسون بإيمان الله على مجاري المياة؛ نعطي ثمرًا في أوانه وورقنا لا يذبل وكل ما نصنعه ننجح فيه. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
17 يناير 2019

” القديس يوحنا المعمدان صوت الحق “

أولاً: الأدوار التي قام بها يوحنا المعمدان في حياته: 1ـ إعداد الشعب لاستقبال السيد المسيح: ” ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك “، وهذه نبوة جاءت في سفر ملاخي … فأول دور قام به يوحنا هو تهيئة شعب لاستقبال السيد المسيح، وهذا يوضِّح أن أي شيء يحتاج لإعداد ، حتى مجيء المسيح يحتاج لإعداد يحتاج لمقدمة وتهيئة للعقول والنفوس. 2ـ الشاهد الأساسي على مجيء السيد المسيح: ” هوذا حمل اللَّه الذى يرفع خطية العالم “، فضلاً عن شهادته فى وقت عماد السيد المسيح: ” أنِّي قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقرَّ عليه، وأنا لم أكن أعرفه ولكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستقرَّاً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اللَّه “. 3ـ قدَّم مِثالاً قوياً فى التلميذ الأمين الزاهد للسُّلطة: يقول عن نفسه: ” أنا مُجرَّد صوت … أمَّا السيد المسيح هو اللَّه “، ويتضح لحضراتكم الفرق بين الصوت وبين الكلمة حتى في مفهومنا البشري. فظهر أمامنا أنه التلميذ الأمين الزاهد للسلطة رغم أنه كان إنساناً مهوباً فى المجتمع اليهودي ( شكله، لبسه، كلامه، أفعاله، … ) كانت تجعله شخصية مهوبة جداً في هذا المجتمع، لها كل الوقار، لها كل الاحترام لكن زاهد في السُّلطة، ولمَّا أشار على السيد المسيح قال العبارة الشهيرة: ” ينبغي أن هذا يزيد وأنِّي أنا أنقص “، لا تنسوا يا أخوتي الأحباء أنه في كل إنسان توجد ذات وهذه الذات قد تمنعه من أنه يعمل ( ممكن ذات الإنسان تمنعه أنه يعتذر وحتى إن كان الخطأ واضح … ). أحياناً نُسمِّي الذات بالكرامة، وأحياناً نُسمِّيها الكبرياء وأحياناً الحساسية ولها تسميات كثيرة. لكن هذا الرجل العظيم يوحنا المعمدان انتصرعلى ذاته فزهد في السُّلطة وكأن لسان حاله كان يقول: ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ “. كان ينظر لذاته بهذه الصورة. لذلك قال عبارته الجميلة: ” هوذا حمل اللَّه الذي يرفع خطية العالم، هذا الذي قلت فيه يأتي بعدي رجل قد تقدَّمني لأنه كان من قبلي “. ما هى هذه الروح الجميلة؟ فالناس كانت تعرفه قبل أن تعرف المسيح، لكن فى تكوينه الشخصي نجد أن البرية أعطته هذا المعنى معنى الزهد … ورُبَّما نسمع ونقرأ في التاريخ ماذا تصنع السُّلطة في الإنسان، ولكن يوحنا المعمدان كان يعرف دوره تماماً أو ما نسميه بالحدود، أحياناً يسمونها فضيلة الإلتزام، لكن هو إنسان في داخله ذاته لا تُحاربه وذاته ليست عدواً له، نحن في المفهوم المسيحي والآبائى لنا في الأعداء ( الشيطان وإغراءات العالم وذات الإنسان ) هذه هى أعداء الإنسان الثلاثة. الذات يمكن أن تتحكَّم فى الإنسان صغيراً أو كبيراً في منصب أو في غير منصب، حتى في الحياة الرهبانية عندما يترك الإنسان كل ماله بحسب الوصية الرهبانية ويعيش فى الفقر يترك كل ماله ولكنه قد لا يستطيع أن يترك ميوله، فتتحكَّم فيه ذاته وتضيع منه أكاليل ونِعَمْ كثيرة، أمَّا يوحنا فكان منتبهاً كثيراً. 4ـ يوحنا شهد له السيد المسيح أنه أعظم مواليد النساء: جاء بالصلاة وجاء بعد وقت طويل وكان إستجابة الصلاة، وعندما مارس حياته كان يعرف وظيفته بالتحديد ويقول: ” مَن له العروس فهو العريس، وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس إذاً فرحى قد كَمل “، وهذه فيها تخلية عن الذات تماماً. كان يعرف دوره ويقبله، وعلى الأقل ليس مُرغماً أو أن الظروف وضعته في هذا الدور ولكن يقول: فرحي قد كمل في شخصيته عندما رأى المسيح وعندما رأه في العماد، العريس هو المسيح والعروس الكنيسة ويوحنا المعمدان يفرح بالعروس وبالعريس وفرحه أعطاه أكاليل مجد كثيرة. 5ـ التوبة: كان يرى أن التوبة هى الأساس، أساس دخول الملكوت وكان يُنادي: ” توبوا فإنه اقترب ملكوت السموات “، فكان موضوع التوبة هو الذى يشغله … فتصوَّر عظمة هذا الرجل أنه يتخلَّى عن ذاته يزهد في أي سُلطة … يشغله شيء واحد فقط: التوبة، ولذلك تضع الكنيسة القديس يوحنا المعمدان كأول نموذج في السنة القبطية. ثانياً : مصادر القوة فى حياة يوحنا المعمدان: 1ـ أسرته: تربَّى على يد زكريا الكاهن وأليصابات زوجته، كان زكريا وأليصابات زوجته بارَيْن زكريا الكاهن إنسان يخاف اللَّه، وأليصابات إنسانة بارَة أمام اللَّه، وإذا كان الأب والأم هكذا يكون الابن مثلهما. بلا شك وجود هذا الأب المُصلِّي والذي يحمل طاقة إيمان في داخله والخائف الرب وكان مع زوجته يسلكان الاثنين بلا لوم ( ضميرهم مستيقظ يستطيع أن يزن نفسه في كل موقف ) فنشأ يوحنا المعمدان فى هذا الجو الجميل: بيت ترتفع فيه الصلوات وترتفع فيه قامة الإيمان وليس له إلاَّ أن يعيش لربنا ومع ربنا. ونتخيَّل أليصابات وهى تُربِّي يوحنا وتحكي له الدموع والصلوات والسهر والعار الذي تراه في عيون الناس وفي ألسنتهم لأنها كانت عاقرة، وتحكي عن ليالى الألم، وكم من ليالي قضتها وهى في بكاء شديد وكأن السماء صامته والصلوات التى ترتفع لا تجد من مجيب، وعندما أتت فرحة ميلاده وأسمته يوحنا ( اللَّه يتحنَّن ) تهيأ لي أن القديسة أليصابات والقديس زكريا الكاهن كانا لا يمَلّوا من أنهم يُقدِّموا لهذا الصبي وصايا اللَّه من صغره. أحيانا في التربية المُعاصرة نجد أن الأب والأم يتركا أبناءهم للتليفزيون وللإنترنت وللأصحاب يُربُّون أولادهم ويغيب دورالأب والأم المسئول عن هذه العطية. بقدر ما تهتموا بتعليم الأبناء فى صغرهم بقدر ما يكون لكم أكاليل في السماء. ويقول أحد الآباء: ” إن إكليل التربية يساوي إكليل نُسك راهب “، ما أجمل أن نُربِّي أبناءنا بالنعمة من الإنجيل والصلوات والكنيسة وسير القديسين. إن هذا القديس الذي عاش في البرية كان مصدر قوته الأول هو الأسرة لذلك يمكن أن نقول أن الأسرة أيقونة الكنيسة والأسرة صانعة قديسين. 2ـ نذيراً: كما قال الملاك: ” يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومُسكراً لا يشرب “، ” نذير: يعني: ” مخصص للَّه مُكرس للَّه “، وهل كُلنا سنُكرَّس؟ أريد أن ألفت نظرك لشيء مهم: في سر الميرون يُرشَم الطفل المُعمَّد في جسده 36 رشماً بتشمل الطفل كله، وهذه الرشومات هى بمثابة تكريس عام … وأن هذا الطفل صار مُكرَّساً ومُخصَّصاً أو إن شئتم الدقة مفروزاً للَّه، و هذا الطفل ينمو وقلبه مُكرَّساً ومُخصصاً للَّه، في يوم المعمودية يتخصَّص الإنسان ويتكرَّس للمسيح ويُدعى الطفل مسيحياً، أخذ سر المعمودية وأخذ سر الميرون ونال سر الإفخارستيا ويبدأ طريقه نحو الأبدية. يوحنا المعمدان كان نذيراً للرب … كان مخصصاً بحياته كلها وكل ما يُفكِّر فيه هو علاقته باللَّه، وهذا الفكر هام جداً، لذلك نسمع نداء السيد المسيح: ” يا ابني أعطني قلبك “، يُريد أن يكون قلبك مُخصَّص ومُكرَّس له لا يشغله شيء آخر وهذا مهم لنا … يجب أن نهرب من أمور تشغل قلوبنا وعقولنا وحياتنا ولا تفيدنا فى الأبدية. خليك واعي ونذير للرَّبّ ومُخصصاً لعمل المسيح وهذا ليس معناه أن تترك دراستك وعملك لكن قلبك هو للَّه يسكنه المسيح. 3ـ البرية: يقول لنا الكتاب: ” أمَّا الصَّبي فكان ينمو ويتقوَّى بالروح، وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل “، ولذلك نجد أديرتنا في الصحراء، وعندما نزور البَرِّيَّة ونزور آبائنا الرهبان ونتمتع بهم وبالحياة الديرية الجميلة تكون البَرِّيَّة أحد مصادر القوة في حياتك لأنَّ فيها انحلال من كل الرباطات الموجودة في العالم، وتدخل الكنيسة وتقضي وقت سواء في قداس أو تمجيد أو صلوات خاصة وتستشعر قوة صلوات الآباء الذين عاشوا عبر أجيال وأجيال في الدير والخشوع وتنال قوة وإن كانت زياراتك للبرية قليلة يمكنك أن تستعيض عن ذلك بأقوال الآباء وسيرهم وجهادهم الروحي الذي عاشوا به والفكر الروحي. 4ـ الإمتلاء من الروح القدس: من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، نعمة خاصة، ونوال الروح القدس أعطاه هذه القوة، وامتلائه من الروح القدس وهو فى بطن أمه من بداية تكوينه وهو عمره شهوراً قليلة صار ممتلئ بعمل اللَّه وبالروح القدس. هذه هى مصادر القوة في حياة يوحنا والتى جعلت يوحنا في آواخر أيامه وقبل السجن يشهد الشهادة الحية ويقول: ” لا يحل لك “، ويقولها بصوت حق وبقوة وكان يعلم أن هذه تُكلِّفه حياته، ولكن الحق كان أسمَى من الحياة، وكانت النتيجة أنه ينال إكليل الاستشهاد وتُقطع رأسه ولكن يظل صوته وتظل شخصيته ويظل النموذج الذي يُقدّمه القديس يوحنا نموذج رائع لنا كلنا في حياتنا وفي جهادنا. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل