المقالات
25 فبراير 2019
لماذا نصــــوم
هل كانت هناك اصوام ثابتة فى مواعيد محددة فى العهد القديم ؟
أن الصوم فى مواعيد محددة تعليم كتابى فقد حدد الرب اصوام ثابتة لشعبه فى العهد القديم فقد ذكر فى سفر زكريا النبى صوم الشهر الرابع و صوم الشهر الخامس وصوم السابع و صوم العاشر (زك 19:8) و الحكمة يا ابنى فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية .
هل في العهد الجديد اشارة إلى الصوم ؟
( أ ) صام الرب يسوع أربعين يوما و أربعين ليلة (مت 2:4) صام عنا و قدم لنا مثالا لتتبع اثر خطواته .
(ب) صام الرسل قبل القداسات (اع 2:13) .
(ج) صاموا أيضا عند اختيار الخدام ورسامتهم (أع3:13،27:14) .
( د) الصوم فى وقت الخطر خلال رحلة بولس الرسول لروما . (أع 21:27) .
هل جميع هذه الاصوام ذكرت فى العهد الجديد وان لم تذكر جميعها فلماذا نصومها ؟
الانجيل مسلم للرسل فما لفم و لم تدون كل تعاليم السيد المسيح ( يو 30:20-31 ،25:21) كما أن الانجيل قد تم تدوينه بعد فترة من صعود السيد المسيح ونحن نضع تعاليم آبائنا الرسل " كإنجيل شفاهى " يكمل ما حفظ لنا فى الانجيل الكتابى و نحترم و نطيع و نسمع ونقبل تلك التعاليم كاحترامنا و طاعتنا و قبولنا و سمعنا للرب نفسه (لو 16:10) . ويذكر الأنجيل يا أن المؤمنون قد تسلموا تعاليم الكنيسة من الرسل وخلفائهم . (1كو23:11،34،2تس15: 2،2تى2:2،فى9:4،2يو:12) . ومن ثم نتسلم قوانين الآباء البطاركة القديسين الذين رتبوا الاصوام الباقية للآن و نقول كما قال القديس اغسطينوس أن عادتنا لها قوة القانون لأننا تسلمناها من أناس قديسين .
ماذا يحدث للإنسان لو لم يصم مع الكنيسة ؟
المسيحى الحقيقى يا ابنى هو عضو فى جسد السيد المسيح الذى هو الكنيسة و هو لا يشذ عن الجماعة لأن العضو إذا خرج عن الجسد يفسد و يسبب للجسد آلاماً مبرحة…… المؤمن سيصوم لأن الكنيسة تصوم فهو منها ومعها وفيها. فالمفروض يا أن تطاع الكنيسة كما يطاع الله فقد قال الرب لتلاميذه "من يسمع منكم يسمع منى" (لو16:10) وان تصام الاصوام كاملة كما هى مقررة من قديم الزمان أما من تمنعه ظروفه الصحية فليعرض أمره على أب اعترافه ليأخذ منه حلا ولا يصح أن يختصر أيام الصوم من تلقاء نفسه يفطر ويصوم كما يشاء ، بل هناك تدبير روحي مع أب الاعتراف .
- يقول البعض أن السيد المسيح لم يحتم الصوم بل تركه للظروف بقوله " متى صمتم " فلماذا نصوم فى أوقات ثابتة "سنويا" ؟
أن كلمه متى يا تفيد التحقيق والتأكيد وليس الشك ، بحيث يكون فى حكم الواقع المحتم مثل قول الرب :
"متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25) . وقوله لبطرس " متى رجعت ثبت اخوتك " (لو23:22) .
فواضح من ذلك أن بعد كلمة "متى" حقائق مقررة ووقوعها محتم وقد حدد الرب أوقاتا معينه للصوم (لا29:16، زك19:8، لو12:18) .وحدد الرب يسوع له المجد موعد بدء صوم الرسل بعد صعوده عنهم إلى السماء (مت15:9) وهذا ما تم فعلا (اع13،14،27) .
أمر الرسول بولس المؤمنين بالصوم (1كو5:7). ويجب الخضوع للترتيب الكنسى الذى وضعه الرسل وخلفائهم.
الصوم يجب أن لا يتكرر سنويا ويجب أن يمارس فى وقت الضيقات فقط؟
الصوم كالصلاة و الصدقه يجب أن يتكرر فى موعده وكما سبق و قلت لك يا ابنى أن الرب حدد أوقاتا معينه للصوم وذلك لما للصوم من فوائد روحيه كثيرة. كما أن الصوم الجماعى يا ابنى هو تعليم كتابى ويدل على وحدانية الروح فى العبادة وفى التقرب إلى الله . كما أننا يا ابنى فى حرب دائمة مع الشياطين لذلك فنحن فى حاجة دائمة إلى الأسلحة الروحية المختلفة لمقاومتهم ومن هذه الأسلحة الصوم لذلك يجب التعود على أوقات الصوم فى أوقاته المعينة وعدم تركه للظروف أو قصره على أوقات الضيقات .
هناك بعض الأشخاص يرفض الصوم نهائيا بزعم أن القديس بولس الرسول قد رفض الامتناع عن أكل معين بقوله " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " (كو16:2)؟
إن قصد القديس بولس الرسول بهذه الآية هو عدم التمسك بالنظرة اليهودية بتقسيم الطعام إلى نجس و طاهر فهو لم يقل " لا يحكم أحد عليكم فى صوم " إنما عن هذه الاطعمه المعتبرة نجسة ودنسة قال الرسول بولس " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " وذلك لان فى بداية الإيمان بالمسيحية كان أول من دخل المسيحية هم اليهود فأرادوا تهويد المسيحية أى أن من يدخل فى المسيحية عليه ان يمارس كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير وحفظ السبت والاحتفال بالهلال وأوائل الشهور والأعياد اليهودية مثل الفصح والفطير والأبواق والمظال ويوم الكفارة فأراد بولس الرسول مقاومة تهويد المسيحية و لذلك قال " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم و إنما عن العادات اليهودية التى يريدون إدخالها إلى المسيحية ..
قال احدهم بنوع من الاستخفاف هل ربنا قال للناس عندما تصوموا كلوا عدس وفول وبصارة ؟
نعم حدد الرب أنواعا معينة من الطعام تؤكل فى الاصوام كما يلى :
(أ) أمر الرب حزقيال النبى بالصوم ثم الإفطار على القمح " البليلة" والشعير والفول والعدس والدجن " الذرة الرفيعة " والكرسنه " الكمون " . (حز9:4) .
(ب) صام دانيال عن أكل اللحوم وشرب الخمر (دا12:1) كما صام مع أصحابه الثلاثة وافطروا آخر النهارعلى القطانى "البقوليات" (دا8:1-16) .
(ج) صام داود النبى بالزيت وقال " ركبتاى ارتعشتا من الصوم ولحمى هزل عن سمن " (مز24:109) . عارف يا الصوم فى كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتى إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينه يعقبها أكل نباتى من اجل لذة محبة الله وحفظ وصاياه بحب وفرح دون ضغط أو إكراه.
لماذا تصوم الكنيسة الصوم الكبير؟
الصوم الكبير يا ابنى له المقام الأول والمنزلة الكبرى بين الاصوام الكنسية و الكنيسة تمارس هذا الصوم تذكارا لصوم المخلص الذى صامه وأيضا اقتداء بالسيد المسيح فى مسلكه هذا فالرب يسوع لم يكن محتاجا للصوم وإنما هو صام عنا لكي يعطي قوة لصومنا فيصبح (صومنا) صوماً مقبولاً أمام الأب السماوي لذلك يجب أن نتمثل به. وأيضا بهذا الصوم يستعد المؤمنون استعدادا روحيا كبيرا لأسبوع الآلام والاحتفال بقيامة الرب يسوع من بين الأموات
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
24 فبراير 2019
الله لم يفشل فيك أبدًا
يحكي لنا الكتاب عن شاب صغير السن، وهو يوحنا المُلقَّب مرقس. هذا الشاب مثال لقوة الله التي تفتقد الضعف وتصنع منه جبار بأس. كان يوحنا من أسرة ميسورة الحال، وكانوا يمتكلون بيتًا كبيرًا يجتمع فيه الرسل بعد صعود المسيح (أعمال 12: 12)، وخاله هو برنابا، فهو من عائلة مؤمنة تعرف الرب جيدًا. وفي رحلة الرسول بولس الأولى أخذ مرقس لكي يخدم معهم (أعمال 12: 25)، ولكن في منتصف الرحلة تعثّر مرقس، ولا يذكر لنا الكتاب سبب تعثُّره، فقرّر أن يتركهم ويرجع إلى بيته في أورشليم (أعمال 13: 13). ولما رجع الرسولان من رحلتهما التبشرية قرّرا أن يقوما برحلة أخرى، فقال برنابا لبولس إنه يريد أن يأخذ مرقس مجدّدًا لكي يشجّعه مرة أخرى، لكن الرسول بولس رفض! ويقول الكتاب أنه حدثت بينهما مشاجرة بسبب مرقس (أعمال 15: 39)، وقال بولس إن الذي فارقهما من الأول لا يمكن أن يذهب معهما مرة أخرى (أعمال 15: 38). تخيّل رسولًا مثل بولس يرفض شابًّا متعثّرًا مثل مرقس! ولكن هل تركته نعمة الله؟ بالطبع لا! فالرب أب عظيم، يظل وراء الضغيف إلى أن يصنع منه شخصًا رائعًا. ويقول الكتاب إن برنابا أخذ مرقس وسافر إلى قبرس ليخدما هناك (أعمال 15: 39)، والعجيب أنه بعد فترة قصيرة من الزمان نرى الروح القدس يقود مرقس الشاب المتعثِّر إلى كتابة أول انجيل كُتِب وهو إنجيل مرقس سنة 55م! والعجيب أن الرسول بولس نفسه في نهاية حياته احتاج لمرقس وطلب أن يخدم معه بعد أن شدّده الرب، وقال إنه نافع له للخدمة (تيموثاوس الثانية 4: 11)، ثم في نهاية حياة ذلك الشاب المتعثِّر ذهب إلى مصر ليقدّم يسوع في كل أرض مصر، ثم اُستُشهِد هناك بسبب التبشير، وأُطلِق عليه "كاروز الديار المصرية". تخيل: مِن شخص متعثِّر مرفوض من قائده الروحي، إلى كاتب لأول إنجيل ومبشّر في مصر!وأنت؛ ربما تعثّرت كثيرًا من ضعف معين، ربما رفضك شخص روحي، لكن اطمئن! الرب يقبلك، وسيظل بجانبك إلى أن يُخرِج منك شخصًا عظيمًا بحسب قلبه.فمن عرف رحمة الرب لابد أن يتكل عليه في أصعب أزمنة حياته، واثقًا أنه في أمان لأن الرب لا يمكن أن يترك طالبيه. لذلك لاتخف، الرب يستحيل أن يتركك لأنك ابن له، أنت داخل هذا الملجأ فأنت في أمان. مها طال زمن الضيق الرب ملجأك، إلى أن يعبر بك إلى أرض الراحة.وأنت، ربما تعاني من عيب في شخصيتك، لاتخف! الرب يقبلك، وسيصنع بك شيئًا عظيمًا رغم ضعفك وعيوبك، فهو يحبك، بل هو يحامي عنك.
القس أنطونيوس فهمى
كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس – محرم بك - الأسكندرية
المزيد
23 فبراير 2019
خِدْمَةُ الْمُحْتَاجِينَ
خدمة محبوبة ومتصلة اتصالاً وثيقًا بالإنجيل؛ ذلك أن المسيح اعتبر نفسه ضمن إخوته : الجوعى والعطاش والمحتاجين إلى الغذاء والشراب، إخوته العرايا المحتاجين إلى الكساء والدفء، إخوته الغرباء والمحتاجين إلى المأويَ والمساعدة، إخوته المرضى المحتاجين إلي العلاج والزيارة والمواساة والتغذية والتدعيم؛ خاصة ذوﻱ العلل المستعصية، إخوته السجناء المحتاجين إلى الحرية والتغذية والتقويم ... أكد المسيح أن خدمة المحتاجين هي خدمة مباشرة له هو، وان هذة الخدمة تقدم خفية وعلانية وستعلن لأصحابها في اليوم الاخير. ( مت ٢٥ : ٣١ ) ويمكن أن يضاف إلى قائمة (المحتاجين) الأيتام المحرومين من الأمومة والأبوة، والمحاصرين بالهموم والحزانى والمسنين الذين يعيشون في بيوت خاصة بعيدًا عن ذويهم، وذوﻱ الاحتياجات الخاصة، والمحرومين من بعض الحواس؛ كالمكفوفين والصُم والبُكم، والمرضى النفسيين، وبعض هذة الفئات تعمل الكنيسة على خدمتهم والعناية بهم بسخاء وسرور؛ كقديسين وككنوز فيها، أحباء للرب وإخوته وخاصته الخصوصيين ولا بُد أن نضم إلى هؤلاء فئة المضطهدين والمهمشين والمهجَّرين، الذين شُردوا وحُرقوا واستُبيحوا من أجل الإيمان بالمسيح، خلال العشرة سنوات الماضية تحديدًا، فما أعظم مكافأة المؤسسات والخدام الذين سيغمرهم العطاء الإلهي من أجل أتعابهم؛ ولو أدرك أﻱ خادم فيض البركات التي ينعم بها الله عليه إزاء خدمته مهما تضاءلت؛ لَمَا تردد أو تخلف عن خدمة أﻱ محتاج، وها هو الرب يؤكد أنه حتى أصغر الخدمات لن تُنسىَ قدامه، بل هي محفوظة عنده، ( ومن سقىَ أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط بإسمي، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره) ( مت ١٠ : ٤٢ ) ( مر ٩ : ٤١ )؛ لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه؛ إذ قد خدمتم القديسيين وتخدمونهم ( عب ٦ : ١٠ ) كل من يرحم يُرحم، وكل من يعطي بسرور يحبه الله؛ ويعطيه بسخاء كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا؛ لأن خدمة الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين والمرذول هي شهادة على صدق الإيمان بالمسيح ومحبته ( مت ٢٥ : ٣٤ )، كما جعل الرب إهمال هذه الخدمة بسبب الانحصار في الذات، إنكارًا للإيمان؛ والنتيجة هي السقوط من رحمه الله (فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدﻱ) ( مت ٢٥ : ٤٦ ) ولأن خدمه الآخر تنطلق من إنكار الذات؛ فهي تسهم بالتالي في تراجعها؛ والانشغال بتخفيف آلام الآخرين وسد احتياجاتهم ومشاركه همومهم. وبقدر ما نتجرد ونتسع؛ يحضر فينا المسيح بغناه ورضاه، (مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) ( أع ٢٠ : ٣٥ ) الملكوت الآن في طور التحقق عمليًا؛ حتي يوم وصول العريس السماوﻱ... ملكوت حاضر، ملكوت قريب، ملكوت على الأبواب، ملكوت حالي وواقع ومستقبلي؛ دشنه مسيحنا ليبشر المساكين ويشفي منكسرﻱ القلوب؛ ويطلق المأسورين وينعم بالبصر للعميان ويمنح المنسحقين حرية؛ ويكرز بسنته المقبولة، وها اليوم يتم المكتوب في مسامعنا عبر خدمة المحتاجين؛ حينما لا نقف بطّالين متفرجين؛ بل ساعين لخدمة بشارة الملكوت المكتشف بتطبيق عملي واستغناء عن قيم العالم الكاذبة المزيفة، فالذﻱ يعمل أعمال الملكوت : يدخله ويدركه ويُشفىَ ويتبع الملك؛ لا بالحصرية أو الدفاعية بل بإنفتاحه نحو الآخرين؛ الذﻱ يعكس إنفتاح الله نحو أولاده المشردين والمنبوذين والمبغضين التطبيق والممارسة في خدمة المحتاجين هما طريقتنا في المساهمة في بناء ملكوت الله، وهي إعلان يسوع لملكوت الله في ضوء التوقعات المعبر عنها في شخصية العبد المتألم (أش ٥٣)؛ الذﻱ يحرر المظلومين والمسحوقين؛ والذين يعانون من العمى والصمم الروحيين، فيعلن ملكوت رب الجنود... ملكوت إلهنا وتحقيق المأمورية والبوصلة العظمى بصناعة الرحمة وأحشاء الرأفة في خدمة كل محتاج.
القمص أثناسيوس چورچ
كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
22 فبراير 2019
المحبة الأخوية
نتكلم عن محبة القريب قدّم السيد المسيح مثل السامري الصالح بعد أن سأله ناموسي: «ماذا أعمَلُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّةَ؟» فأجابه السيد المسيح عن المحبة، محبة الله والقريب، ثم أضاف: «اِفعَلْ هذا فتحيا» (لوقا10: 25-28)، ثم أعطي لنا مثل السامري الصالح ويأتي سؤال أمامنا ونحن نتأمل في هذا المثل: ماذا ستفعل لو كنت مكان أحدهم؟ فقد مرّ عليه أولاً كاهن ولم يعطه اهتمامًا، ومر عليه لاوي من نفس جنسه وأيضًا لم يهتم، ثم مر عليه هذا السامري – الذي حسب العُرف في ذلك الزمان كان يُعتَبَر عدوًا – فإذ به يهتم جدًا بالجريح الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئًا، وهذا الاهتمام ليس وقتيًا ولكنه مستمر. وعندما سأل الرب في المثل «"فأيَّ هؤُلاءِ الثّلاثَةِ ترَى صارَ قريبًا للّذي وقَعَ بَينَ اللُّصوصِ؟" فقالَ: "الّذي صَنَعَ معهُ الرَّحمَةَ"» (لوقا10: 36،37) ويأتي هنا سؤال مهم جدًا من الأسئلة التي شغلت الآباء: أيهما أهم: محبة القريب أم محبة الصلاة؟
أجاب القديس يوحنا الدرجي عن هذا السؤال: "المحبة أعظم من الصلاة، فالصلاة واحدة من الفضائل بينما المحبة هي أمهم جميعًا". الصلاة فضيلة وتأخذ أشكالاً كثيرة (مثل قراءة مقاطع من الكتاب، والترانيم، والأحان)، ولكن محبة القريب – أو ما نسمّيه التضامن مع القريب – فتفوق الصلاة. القديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة عميقة جدًا تقول: "لا تنتظر أن يحبك الآخر بل اقفز نحوه بنفسك وقدّم له حبك"، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: "إن حياتنا وهلاكنا هما في يد القريب، فإذا كسبنا القريب فقد كسبنا الله"، وأيضًا العلاّمة اكلمينضس السكندري يقول: "عندما نرى أخانا فقد رأينا الله"، ونقرأ في الفيلوكاليا: "كما أن التفكير في لهيب النار لا يجلب لك دفئًا، كذلك الإيمان بدون محبة لا يحقّق نور المعرفة الروحية في النفس"، أي محبة القريب ربنا يسوع المسيح في تعليمه قدّم لنا مثل السامري الصالح كتعبير عن هذا التضامن الذي يصنع الرحمة (كلمة التضامن فيها نوع من المساندة للطرفين)، ونقرأ في صلواتنا الليلية ونقول: "ليس رحمة في الدينوية لمن لم يستعمل الرحمة"، كما يعملنا الكتاب في المزمور الأربعين: «طوبي لمن يتعطّف على المسكين، في يوم الشرّ ينجية الرب». لنقارن بين تصرفات الثلاثة (الكاهن واللاوي والسامري)، كنا نظنّ أن الكاهن هو الذي سيقدم رحمة، أو على الأقل اللاوي، ولكن جاءت الرحمة من الإنسان البعيد والذي بسبب الرحمة صار قريبًا جدًا وفي معجزات السيد المسيح وهي كثيرة نلمح نفس هذه الفضيلة؛ صنعها السيد المسيح مع المفلوج الذي كان له 38 سنة وليس له إنسان (يوحنا 5)! أيضًا نفس هذه الرباط (محبة القريب) هو ما صنعه السيد المسيح مع المرأة الخاطئة التي لم تجد أحدًا يقف بجوارها إلاّ شخص السيد المسيح (يوحنا 8) يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الإنسان المسيحي: "أيّ مصباح بلا نور؟ وأيّ مسيحى بلا حب؟!". أحد الأدباء قال عبارة جميلة: "بحتث عن الله كثيرًا ولم أجده! وبحثت عن نفسي كثيرًا ولم أجدها! ولكن عندما فتّشت عن أخي وجدت الثلاثة"، كما علمنا الكتاب أن «مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ» (يوحنا الأولى3: 14)، ويأمرنا القديس بطرس: «وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ – قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً»، هذه «المودة الأخوية» هي محبة القريب، ومن يهمل هذه الفضيلة – يقول الكتاب: «أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ» (بطرس الثانية1: 5-10) محبة القريب تعني أن يخرج الإنسان من ذاته، ولذلك عندما يبدأ الإنسان أيّ شكل من أشكال التكريس، يكون جهاده الأول من أجل قطع الهوى وإنكار الذات والتحوّل من الذات والأنا إلى الآخر، وهذا لا يحدث إلاّ عندما تسكن فيه روح الله، ويكون داخله كما خارجه.
ماذا تعني لنا محبة القريب؟
أولاً: محبة القريب دليل على أن لك علاقة قوية بالله، يقول القديس أغسطينوس: "المحبة هي العلامة الوحيدة المميِّزة بين أولاد الله وأولاد إبليس". لذلك تبدأ صلوات قداس المؤمنين بالقبلة المقدسة، فالقبلة أسمى تعبير عن الحب، وما تصنعة أيدينا يعبِّر عمّا في قلوبنا، وعندما تتقدّم بهذه القبلة المقدسة نحو الذي بجوارك فكأنك تصالح العالم كله ممثَّلاً في الشخص الذي بجانبك.
ثانيًا: محبة القريب هي مقياس لصدق عبادتنا، العبادة تعبير عن الحب لله، ولكن تندهش معي عندما يتكلم ربنا يسوع المسيح عن أساسيات العبادة (متى 6)، هل بدأ بالصلاة أم بالصوم أم بالصدقة؟ كنّا نظن أن الرب سيبدأ بالحديث عن الصلاة، ولكنه بدأ بالصدقة! فالصدقة هي تعبير عن شعورنا بالآخر، إحساسنا به، محبتنا التي تخرج من قلوبنا تجاه القريب، بعد ذلك يتكلم عن الصلاة التي هي شعور بالله، وأخيرًا الصوم وهو شعوري بذاتي ومذلتي وحقارتي.
الأمر الثالث: محبة القريب مقياس للدينونة، سيقف كلٌ منّا أمام الديان العادل، وسيسألك: كيف عاملت إخوتك في البشرية؟ ما هي المحبة التي قدمتها نحوهم؟ يعبِّر بعض الآباء عن محبة القريب بأنها "مَسْك المنشفة بيد، وغسل الأقدام باليد الأخرى"، وقد تأخذ صورة إطعام فقير أو زيارة مريض أو كساء العريان، ولكن محبة القريب تعلن في الأساس عن إخلاءالذات، والعالم يا إخوتي جائع لهذه المحبة؛ فما الحروب والنزاعات والصراعات في العالم كله إلاّ بسبب غياب هذه الفضيلة.
«لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ» (بطرس الثانية1: 11
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 فبراير 2019
عظة انجيل قداس يوم الخميس فطر صوم نينوى
" لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة "( يو 2 : 12 - 25 )
إن سيدنا له المجد بعد نهاية عرس قانا الجليل رجع مع أمه واخوته وتلاميذه إلى كفرناحوم . وكان فصح اليهود قريباً فصعد إلى أورشليم . فوجد فى الهيكل الذين كان يبيعون بقراً وغنما وحماماً والصيارف جلوساً ، فصنع سوطاً من حبال وطر الجميع من الهيكل .. وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم . وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا . " لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة " ( يو 2 : 16 ) إن السيد له المجد قد طرد الباعة من الهيكل مرتين . الأولى فى بدء كرازته ( يو 2 : 11 – 17 ) والثانية قبل آلامه ( مت 21 : 12 ) . وقد تم المكتوب فى سفر المزامير : " غيرة بيتك أكلتنى " ( مز 69 : 9 ) . باحتدام السيد وإزالته ما يهين إسم الله ويضر بكرامته فى بيته إن كل ما فعله السيد له المجد وكل ما قاله وكتب عنه . إنما كان لتعليمنا وهو نفسه القائل : " تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب " ( مت 11 : 29 ) فماذا يعلمنا الله فى هذا الفصل ؟ يعلمنا أن نجعل بيته الذى هو الكنيسة محل احترامنا واكرامنا وخضوعنا . أى اننا ندخل لتأدية واجبات العبادة بالاحترام والادب والخضوع . ونخرج أيضاً كذلك . قال الجامعة : " احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لانهم لا يبالون بفعل الشر " ( جا 5 : 1 ) . والسيد نفسه يدعو الكنيسة " بيت الصلاة " ( مت 21 : 12 ) . فهل تعلمنا أن حضورنا إلى الكنيسة إنما هو لأجل الصلاة فقط . وليس للجلوس والمسامرات وانتقاد هذا واستحسان ذاك ثم الضحك والاستهزاء بالآخرين ؟إذا كنا تعلمنا وعرفنا ذلك فلماذا لا نقف فى الكنيسة بخوف ورعدة نادمين على خطايانا شاكرين الرب لقبوله توبتا ؟ ولماذا نراك أيها الحبيب تتكلم أمام هيكل الله وتضحك لاقل سبب !أيها الأنسان . تأمل وانظر فى جانب من أنت قائم . ومع من أنت مزمع أن تصلى وتسبح الله ؟ أنت قائم بقرب القدسات الالهية الموفرة . ومزمع أن تصلى وتسبح الله مع الكروبيم والسرافيم وبقية الملائكة ورؤساء الملائكة فإذا افتكرت مع من انت واقف . ومع من أنت مشترك فى الصلاة والترتيل . فهذا يكفيك للإنتباه والإدراك لترفع عقلك كله إلى السماء وقت الصلوات والقداسات وتخضع بهامتك أمام خالقك أما اذا اصررت على عدم وقوفك فى الكنيسة وقت الصلوات والقداسات بخوف ورعدة . وإضاعة وقت العبادة فى الضحك على الغير وانتقادهم . وذم الآخرين أو استحسانهم . وبالأجمال يكون وجودك فى بيت الله بغير وقار . فلاشك أن الله يعاملك بالغضب والانتقام السريع مع عدم غفران خطاياك . وبالاقتصاص منك يوم الدين العظيم . أو لعلك تظن ان الله يتغاضى عن ذنوبك وآثامك عندما يخاطبك على لسان انبيائه ورسله !! إنى أعلمك مقدار هذه الخطية وعظم تهاونك الحاصل بسببها . فاسمع ما أقول لك . إذا اتفق حضورك بمجلس أحد الشرفاء وخاطبك فيما هو مفيد لحياتك وأخبرك عن الازمنة السالفة وما جرى لاهلها من الحوادث النافعة أو الضارة . فهل كان فى امكانك أن تتجاسر وتعرض عن سماع كلامه وتلتفت إلى مخاطبة عبيده ؟ . إنك لو فعلت مثل هذا فكم من القباحة وقلة الأدب يظهر فعلك ؟ . فمن هنا اذن تفهم كم من التهاون والاحتقار تجاسرت بفعلك هذا على البارئ وليس هذا فقط بل أنى اعجب كثيراً بوجود أناس منكم يكونون داخل الكنيسة ثم يتركونها قبل انتهاء القداس الالهى . ويزيد عجبى جداً من عدم حضورك البعض الكنيسة طوال السنة . وهم لا يعترفون ولا يتناولون إلا إذا صادفتهم مصيبة أو حلت بهم ضيقة كثيرون من الناس يتناولون الأسرار الالهية فى السنة مرة واحدة . وآخرون مراراً عديدة . فلمن من هؤلاء يجب المدح والتطويب ؟ هل للذين يتناولن مرة واحدة أم للذين يتناولون مرراً . أم للذين لا يتناولون إلا عند وقوع الشدة أنا اقول أن المدح والتطويب لا يخص هؤلاء ولا اولئك ولا الآخرين . وإنما يخص الذين يتناولون الاسرار المقدسة بضمير نقى وقلب طاهر . أولئك الذين يحيون حياة بريئة من اللوم . الذين لا يوجد فيهم شئ من الحقد والحسد . السالكون طريق السلام . فهؤلاء لهم فى كل عيد سيدى وفى كل زمان أن يتناولوا القربان المقدس وأما اولئك فغير مستحقين التناول حتى ولا مرة واحدة أن أكلت يا هذا من مائدة روحية . واستحققت لعشاء ملوكى . فهل يجوز لك بعد ذلك أن تترك ذاتك أيضاً فى الخسائس والنجاسات ؟ ما بالك تدهن جسدك بالاطياب العطرة ثم تعود تلطخه بالنتانة والحمأة ؟فى كل عام تنتقى وتتناول . ولكن قبل أن يمر عليك قليل من الزمن تعود إلى شرورك الاولى وعاداتك السيئة . قل لى يا هذا . أن كنت مريضاً بمرض مزمن وشفيت منه فإن أهملت ذاتك وتركتها تسقط راجعة إلى ذلك المرض . أما تكون قد اضعت كل تعبك السالف باطلا ؟ . وإذا كنت متى وجدت فى فمك شيئاً من النتن والرائحة الكريهة بسبب مرض ما . فلا يمكنك أن تستعمل حتى المأكولات المعتاد عليها . فكيف يمكنك أن تتجاسر على تناول الأسرار ونفسك مفعمة من نتانة الخطية ونجاستها ؟ ولاى عفو تكون حينئذ مستحقاً ؟ انك لا تستحق عفواً لان بولس الرسول يقول : " من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه . ولكن ليمتحن الانسان نفسه هكذا يأكل الخبز ويشرب من الكأس لان الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب " ( 1 كو 11 : 27 – 29 ) فسبيلنا اذن ايها الاحباء أن نواظب على بيت الله بكل ادب وخوف وتقوى عاملين بكل الوصايا مادام لنا وقت لنرضى الله تعالى بأعمالنا حتى نكون مستأهلين لسماع ذلك الصوت الفرح القائل : " تعالوا يا مباركى ابى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) . له المجد إلى الابد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
20 فبراير 2019
عظة قداس اليوم الثالث من صوم نينوى
" إذا كان المساء قلتم صحو لأن السماء مجمرة . وفى الصباح اليوم شتاء . لأن السماء محمرة بعبوسة . يامراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء أما علامات الأزمنة فلا تستطعون "( مت 15 : 32 – 39 و 16 : 1 – 4 )إذا كنا الآن فى عمرنا هذا نبالغ فى اختيار الامور النافعة والمطاعم اللذيذة والرتب العالية والاوقات المعينة على تتابع هوائنا . حتى آل بنا الحرص والاجتهاد إلى النظر فى سير الكواكب وتمييز الأيام ومواقع حدود الكائنات وعمل ما لا ينبغى فما بالنا لا نفعل ذلك فى الاهتمام بالباقيات وما بالنا لا نوفى ديوننا . ونتخلص من غرمائنا قبل أن يحكم علينا الولاة والحكام ؟ وإذا كان ربنا قد ضرب لنا أمثالا بالذين يقصدون الخلاص والذين يهملون ذواتهم ونحن لا نرعوى . فبماذا يكون حالنا ؟ولنفرض الآن أن المخلصين والمهملين يشبهون رجلين تاجرين . سافرا إلى احدى البلاد لإبتياع بعض الأشياء للتجارة . وحينما بلغا سالمين إلى المدينة افترقا عن بعضهما فمضى كل منهما إلى حيث اراد . فالاول منهما شمر عن ساعد العزم والجد . وقام على قدم الاجتهاد . وأخذ يجول فى الأسواق . ويتفقد أماكن التجارة . ويسأل السماسرة وأهل الخبرة بتلك البلاد عن البضاعة النافعة والمتاجر الرابحة . مجتهداً فى الإبتياع ليلا ونهاراً . لا ينظر إلى لذة ولا إلى شهوة . إلى أن اكمل كل ما يحتاج اليه . ثم استراح اخيراً . أما الآخر فإنه عندما وصل إلى المدينة أخذ يسأل عما فيها من البساتين والحمامات والخمر واللهو وأماكن اجتماع المضحكين والحسان من النساء . وظل يقضى الأوقات هكذا : ساعة فى الحمام . وساعة فى البستان . وساعة فى الأكل والشرب . وساعة فى الضحك مع المهرجين وكل ما رأى رفيقه الآخر مجتهداً مفتشاً على أصناف البضائع يخاطبه معنفاً ل على الانهماك فى التعب والإعراض عن اللذات . وهو لا يلتفت اليه واستمر هكذا إلى ان حان الأجل المفروض للتجار . فضرب البوق للرحيل . وأقبل رجال المملكة وحراس المدينة لإخراج الغرباء من مدينتهم حسب إعادة أهل تلك البلاد وعندما سمع ذلك التاجر اللبيب الحازم الرأى صوت بوق السفر نهض فرحاً مسروراً بسرعة العودة إلى الاوطان بما حصل عليه من أصناف البضائع النفسية وللوقت اكترى الدواب والرجال وسافر سالماً غانماً وأما بذلك التاجر الخائب . فانه عندما سمع صوت الرحيل تيقظ من غفلات الجهل ونوم الكسل . وأقبل على ذاته بالبكاء والندم مع الاسف الشديد . وهو يسترحم فلا يجد راحماً . ويستعطف فلا يجد متعطفاً . حيث أصبح بين التجار فقيراً خائباً . إذ لا مال له ولا زاد ولا متاجر . وهو مقبل على البرارى المخيفة والطرقات الهائلة . وخليق بمثل هذا أن يموت جوعاً ويهلك خوفاً وجزعاً وإذا كان مثلنا هذا مطابقاً لهذا الامر بعينه . فما بالنا نوجد فى البلاد الغريبة غافلين مهملين متوانين فى تحصيل متاجرنا . معرضين عن طلب خلاصنا ؟ . وكيف يجوز فى عقولنا أن نضيع أموالنا مجاناً فى البلاد الغريبة ونرجع إلى أوطاننا خائبين ؟ . وكيف يحسن عندنا أن نشتغل بالمآكل والمشارب والملاذ الزائلة مع علمنا بأننا راحلون ومحاسبون ومعاقبون على أعمالنا .فسبيلنا إذن أن نجتهد فى إصلاح أعمالنا . ونبادر إلى الخلاص من أعدائنا . ونستعد بسرعة الرجوع إلى أوصاننا . لنفرح ببضائعنا وأموالنا ونأخذ أرباح تجارتنا فى ملكوت ربنا يسوع المسيح . الذى له المجد الدائم إلى الأبد . آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
19 فبراير 2019
عظة قداس اليوم الثانى من صوم نينوى
" قم أذهب إلى نينوى ... وناد عليها بالمناداة التى أنا مكلمك بها "
" كما كان يونان آيه لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل "( يونان 3 : 2 ولو 11 : 29 - 36 ) يا لعظم هذا الصوت العظيم المهول القائل : " يا يونان بن أمتاى قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " اسمعوا أيها الأحباء هذا القول فما أعظمه ! وهذا التخويف ما أفزعه : وهذا الإرهاب ما أشده وأرهبه على قلوب الخائفين من عقوبة الله افتحوا قلوبكم وأسماعكم . وميزوا بعقولكم معانى الكتب الإلهية وأقوال الله على ألسن أنبيائه ورسله . فان يونان النبى لما تحقق رحمة إلهنا قام ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب . فنزل إلى يافا و وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر . فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى الهه . وطرحوا الأمتعة إلى البحر ليخففوا عنهم . وأخيراً طرحوا يونان النبى أيضاً فوقف البحر عن هيجانه . وقد ابتلعه حوت عظيم وكان فى جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليال . وقد تم هذا الأمر هكذا بتدبير الله ليكون من جملة نبواته عن السيد المسيح وكونه يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال . ثم يقول الكتاب وينزل إلى الجحيم ( 1 صم 2 : 6 واف 4 : 9 ) . ليخلص من كان معتقلا بخطية آدم فانظروا إلى مراحم إلهنا . ما أكثرها ! لأنه تجسد وتألم ومات وقبر ثم قام . كل ذلك لفرط عنايته بنا فيجب علينا إذن أن نكون سامعين لأقواله . ذاكرين لأفعاله وطالبين مراحمه فى كل حين . لأنه كريم ورحيم . ويغضب إذا كنا لا نطلب منه الرحمة . فإنه يمنح خيراته لمن يطلبها . وقد قال : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب " ( يو 7 : 37 ) . ومَن هو جاهلى فليمل إلى هنا " ( أم 9 : 4 ) . فيا لهذه الرحمة ما أعظمها ! صلى يونان النبى من بطن الحوت إلى الرب إلهه وقال : " دعوت الرب من ضيقى فاستجابنى . صرخت من جوف الهاوية فسمع صوتى " ( يون 2 : 1 – 8 ) إن يونان هذا وهو نبى ومقبول الدعاء لانه منتخب من رب السموات والارض لما نظر نفسه فى بطن الحوت خاف جداً وتضرع إلى الرب فخلصه . فكيف يكون حالنا إذن نحن الخطاة المرتكبون للآثام ؟ وكم يجب علينا من تقديم الطلب والدعاء والتضرع إلى رب الأرباب لعله يخلصنا من خطايانا الفعلية ويرحمنا ويتراءف علينا ولما كان السيد له المجد قد قال : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 2 – 5 ) . فقد أورد مثل شجرة التين . وكون رب الكرم أراد قطعها لانها لم تثمر مدة ثلاث سنين . فقال له الكرام اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا . فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها " ( لو 13 : 6 – 9 ) فإن قلت وماذا يعنى بهذا المثل ؟ أجبتك : أنه يعنى بشجرة التين مجمع الخطاة . وبالأثمار الأعمال الصالحة . وبالكرام المسيح أو خلفاءه . وبرب الكرم الله الآب . وبالثلاث سنين مدة حياة الأنسان الأرضية . وهى : زمن الشباب . والرجولية والشيخوخة فلنتأمل إيها الأحباء فى هذا القول بعين العقل والتمييز . ولنعلم أن الرب يضرب لنا الأمثال لنفهمها . ويذكرنا بالاقوال لنسمعها . فيجب أن تكون لنا ثمرة الإيمان الصحيح . لنكون بين أشجاره الصالحة التى فى حقله العقلى . الذين هم المؤمنون باسمه العاملون بوصاياه فسبيلنا أيها الأعزاء أن نفهم هذه المعانى بالعقل الرجيح والنظر الصحيح . لتحسن طريقنا بين يديه . ونسلك السيل المستقيمة . لنفوز بمراحم الهنا . ونكون معه فى ملكوته الأبدية . خالدين فى نعمه السرمدية . بتحنن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذى له المجد والقدرة والعظمة والسلطان . الآن وكل آوان . وإلى الأبد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
18 فبراير 2019
انجيل قداس يوم الاثنين أول صوم نينوى
تتضمن الحث على التوبة . مرتبة على قوله تعالى ثانية ليونان النبى " قم أذهب إلى نينوى ... "وعلى قوله أيضاً بفصل الإنجيل " رجال نينوى سيقومون فى الدين هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان "( يونان 1 : 1 – 16 ومت 7 : 6 – 12 ) يا لعظم هذا الصوت العظيم المهول القائل : " يا يونان بن أمتاى قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " اسمعوا أيها الأحباء هذا القول فما أعظمه ! وهذا التخويف ما أفزعه : وهذا الإرهاب ما أشده وأرهبه على قلوب الخائفين من عقوبة الله افتحوا قلوبكم وأسماعكم . وميزوا بعقولكم معانى الكتب الإلهية وأقوال الله على ألسن أنبيائه ورسله . فان يونان النبى لما تحقق رحمة إلهنا قام ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب . فنزل إلى يافا و وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر . فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى الهه . وطرحوا الأمتعة إلى البحر ليخففوا عنهم . وأخيراً طرحوا يونان النبى أيضاً فوقف البحر عن هيجانه . وقد ابتلعه حوت عظيم وكان فى جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليال . وقد تم هذا الأمر هكذا بتدبير الله ليكون من جملة نبواته عن السيد المسيح وكونه يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال . ثم يقول الكتاب وينزل إلى الجحيم ( 1 صم 2 : 6 واف 4 : 9 ) . ليخلص من كان معتقلا بخطية آدم فانظروا إلى مراحم إلهنا . ما أكثرها ! لأنه تجسد وتألم ومات وقبر ثم قام . كل ذلك لفرط عنايته بنا فيجب علينا إذن أن نكون سامعين لأقواله . ذاكرين لأفعاله وطالبين مراحمه فى كل حين . لأنه كريم ورحيم . ويغضب إذا كنا لا نطلب منه الرحمة . فإنه يمنح خيراته لمن يطلبها . وقد قال : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب " ( يو 7 : 37 ) . ومَن هو جاهلى فليمل إلى هنا " ( أم 9 : 4 ) . فيا لهذه الرحمة ما أعظمها ! صلى يونان النبى من بطن الحوت إلى الرب إلهه وقال : " دعوت الرب من ضيقى فاستجابنى . صرخت من جوف الهاوية فسمع صوتى " ( يون 2 : 1 – 8 ) إن يونان هذا وهو نبى ومقبول الدعاء لانه منتخب من رب السموات والارض لما نظر نفسه فى بطن الحوت خاف جداً وتضرع إلى الرب فخلصه . فكيف يكون حالنا إذن نحن الخطاة المرتكبون للآثام ؟ وكم يجب علينا من تقديم الطلب والدعاء والتضرع إلى رب الأرباب لعله يخلصنا من خطايانا الفعلية ويرحمنا ويتراءف علينا ولما كان السيد له المجد قد قال : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 2 – 5 ) . فقد أورد مثل شجرة التين . وكون رب الكرم أراد قطعها لانها لم تثمر مدة ثلاث سنين . فقال له الكرام اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا . فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها " ( لو 13 : 6 – 9 ) فإن قلت وماذا يعنى بهذا المثل ؟ أجبتك : أنه يعنى بشجرة التين مجمع الخطاة . وبالأثمار الأعمال الصالحة . وبالكرام المسيح أو خلفاءه . وبرب الكرم الله الآب . وبالثلاث سنين مدة حياة الأنسان الأرضية . وهى : زمن الشباب . والرجولية والشيخوخة فلنتأمل إيها الأحباء فى هذا القول بعين العقل والتمييز . ولنعلم أن الرب يضرب لنا الأمثال لنفهمها . ويذكرنا بالاقوال لنسمعها . فيجب أن تكون لنا ثمرة الإيمان الصحيح . لنكون بين أشجاره الصالحة التى فى حقله العقلى . الذين هم المؤمنون باسمه العاملون بوصاياه فسبيلنا أيها الأعزاء أن نفهم هذه المعانى بالعقل الرجيح والنظر الصحيح . لتحسن طريقنا بين يديه . ونسلك السيل المستقيمة . لنفوز بمراحم الهنا . ونكون معه فى ملكوته الأبدية . خالدين فى نعمه السرمدية . بتحنن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذى له المجد والقدرة والعظمة والسلطان . الآن وكل آوان . وإلى الأبد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
17 فبراير 2019
صوم يونان
(( لما تربع على الكرسى المرقسى الأنبا أفرآم بن زرعة السريانى الثانى و الستون من عدد باباوات الأسكندرية ، الذى كان تاجرا ويتردد كثيرا على مصر ومن ثم استوطن بها ، و نظرا لاتصافه بفضيلة الرحمة و اشتهارة بكثرة العلم والصلاح ، فقد أجمع الأساقفة والمدبرون والعلماء على اختياره ليكون رئيسا دينيا عليهم ، و ساموه باب على الكرسى الأسكندرى سنة 968 للتجسد الألهى . ومن أمره أنه لم يرغب بادئ بدء أن يصوم أسبوع هرقل الجارى ممارسته عند الأقباط ، ولكنه صامه فى مقابل كونه فرض عليهم أن يصوموا ثلاثة أيام على اسم يونان . و نظرا لتقواه قبل الأقباط ممارسة هذا الصوم بغير تردد . ومما يذكر عن هذا البابا أنه فى أيامه حدثت معجزة نقل جبل المقطم ، وكان معه رجل فاضل هو سمعان الدباغ ، وحصل ذلك فى عهد الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين و كان معاصراً لجميعهم الخليفة المعز . ومما يذكر عن البابا أفرآم أنه أعاد بناء كنيسة مرقوريوس أبى السيفين ، ورمم كنيسة المعلقة بمصر القديمة ، واستمر على كرسى الباباوية ثلاث سنين و ستة أيام و تنيح . و من ذلك الوقت صارت الكنيسة القبطية تمارس هذا الصوم بحسب الترتيب الموضوع للصوم الكبير تماما – واضعة أيامه قبله بخمسة عشر يوما ، ولعل ذلك كان يناسب وقوع حادثة نينوى فى ذلك الوقت – حتى أن كثيرين من الناس الأتقياء يصومون الثلاثة الأيام بلياليها منقطعين فيها عن الطعام ، محبة فى الزهد وتشبها بأهل نينوى كى يرحموا . وبما أننا بشر مائلون إلى الشر منذ حداثتنا ، وحياتنا مهددة بالتجارب ، و نحتاج إلى استمداد العناية الألهية بواسطة الصوم و الصلاة ، لذلك طالبت الكنيسة بنيها بمداومة العبادة المشفوعة بالصوم و التذلل ، و النسك و التقشف ، والابتعاد عن الرذائل التى يبغضها الله ؛ و وجب أن نصوم بقلوب نقية لننال الميراث الأبدى الذى لا يبلى ولا يتدنس و لا يضمحل المحفوظ للقديسين فى السموات .
أما يونان النبى فهو من جت حافر إحدى قرى سبط زبولون شمال الأرض المقدسة ، وقد تنبأ فى ملك يربعام الثانى بن يوآش ملك إسرائيل عندما كان عاموس مزهرا فى خدمته ، ورأى البعض أنه كان قد شرع فى ذلك قبل هذا الوقت فى ملك يهوآحاز عندما كان حزائيل يتمم نبوات اليشع بقساوته على إسرائيل .
أما نينوى فهى كرسى سلطنة الأشوريين ، و كانت مشهورة وقتئذ بعظمتها وفسادها معا ، وقد نجح يونان فى خدمته بين شعوبها . و هى واقعة على ضفة دجلة الشرقية قبالة الموصل ، وتبعد عن بابل 250 ميلا ، وعن خليج فارس إلى الشمال الغربى منه 550 ميلا . وقد ازدهرت هذه المدينة فى ملك سنحاريب وآسر حدون و أشوربانيبال ، وبعد ذلك حاصرها الماديون و البابليون فأخذوها ودمروها .
ونتعلم من سفر يونان أن الله تعالى يطيل أناته و حلمه و صبره على الخطاة ، ويصفح عنهم إذا تابوا إليه توبة صادقة ، فيشملهم بمراحمه و يقبلهم إليه ، لأنه إله رحيم كثير الرحمة بطئ الغضب وجزيل الرأفة و يندم على الشر ، فلا يحقد إلى الدهر ولا يغضب إلى الأبد .
ولدى التأمل فى نبوة هذا النبى يرى الإنسان أن جميع الأنبياء قد تنبأوا عن السيد المسيح له المجد برموز و إشارات ، أما يونان فقد كان آية بنفسه ، لأنه بطرحه فى البحر و مكوثه فى جوف الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليال ، و خلاصه من هذا السجن بدون أن يلحقه فساد ، كان فى ذلك رمزاً حسيا عن المسيح له المجد ، الذى لما جاء إلى العالم لخلاصنا لم يكمل الخلاص إلا بموته و دفنه فى القبر ثلاثة أيام و ثلاث ليال بدون أن يرى جسده فسادا ، كما قيل عنه لم تترك نفسه فى الهاوية و لا رأى جسده فسادا .
أما الفوائد التى نتعلمها و نجنى بها بركات جزيلة من صوم نينوى هذا فهى :
أولا : بما أننا نتلو فى هذه الأيام بنوع خاص الحوادث المتعلقة ، فى التوراة و الأناجيل و المزامير ، بهذه الأمور فمنها نتذكر
( ا ) رحمة الله و حبه و اهتمامه بخلاص جميع الناس ، إذ أنه يريد أن جميع الناس يخلصون و إلى معرفة الحق يقبلون ، و لم يشأ أن يجازى أهل نينوى إلا لما أرسل إليهم يونان النبى ليبشرهم و ينذرهم و يهددهم بالويل .
( ب ) إن يونان لم يهتم بهؤلاء الأمم و بخلاصهم ، و خاف أن يناديهم فيتوبوا فيغفر الله لهم ، و لذلك بادر بالهرب من أمامه وجه الرب إلى ترشيش ، فكانت النتيجة أن الله هيج البحر و الزوابع . و انجلت هذه المصيبة الهائلة بطرحه فى البحر حسب مشورته هو نفسه إلى الذين كانوا معه فى السفينة تأديبا له .
( ج ) إن الله يدعو جميع الناس للتقرب منه تعالى و لا يترك نفسه بلا شاهد بين جميع الأمم . و بهذه الحادثة يعلمنا أن الأمم لها نصيب فى ميراث ملكوته الذى جاء يسوع له المجد و أعده للبشر .
ثانيا : إنه بمباشرتنا هذا الصوم نعيد ما قام بعمله قديما شعب نينوى ، الذى صام بعد ما صدر عليه القضاء من لدن الرب أنه بعد أربعين يوما تنقلب نينوى ، و بصومه جعل الرب يصفح عنه ، و بمثابرته على الصوم النقى و الصلاة الحارة و التوبة الحقيقية استبدل الله بالعدل الرحمة لكون الرحمة فوق العدل .
ثالثا : يتجلى لنا الفرق بين يونان و رب المجد ، فأن الأول ذهب مكرها لينادى أهل نينوى فوجد من يقبل نداءه و تابوا بمجرد إنذاره ، و نحن قد جاءنا السيد المسيح و مكث على الأرض نيفا و ثلاثين سنة ، و كان ينادينا بكلامه المملوء بروح النعمة و المحبة و الحنو ، و يرشدنا بتعاليمه الصادقة ، و يخفف عنا الأتعاب قائلا (( تعالوا إلى يا جميع المتعبين و الثقيلى الأحمال و أنا أريحكم )) و مع ذلك نتوانى عن تلبية ندائه . يونان لم يناد إلا بالخراب قائلا بعد أربعين يوما تنقلب نينوى ، ولم يتجاوز نداؤه يوما واحدا ، أما المخلص فاستمر يدهش العالم بصنع الآيات الباهرة ، و المعجزات العجيبة التى من شأنها نشر السلام و خلاص النفوس مدة تزيد على ثلاث سنين ولم يؤمنوا به . يونان كرز بين أهل نينوى كرازة الحاقد الذى يرغب أن الرب لا يرحمهم ، ويتمم كلامه بقلب المدينة عليهم ، غير مبال بمن فيها من الناس و البهائم الذين لم يعرفوا شمالهم من يمينهم ، و المسيح كان يسعى فى أمر خلاصنا وشفاء مرضانا وقيامة أمواتنا و تطهيرنا من خطايانا ، وحمل أسقامنا كقوله على لسان أشعياء (( أحزاننا حملها و أوجاعنا تحملها و نحن حسبناه مصابا مضروبا من الله و مرذولا ، و هو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا ، تأديب سلامنا عليه و بحبره شفينا )) ، كما أنه منع عنا سلطة إبليس ومع ذلك لم نعتد به ولم نسمع لقوله تعالى كما استمع أهل نينوى ليونان ، (( ولذا فأن رجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل و يدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان وهوذا أعظم من يونان ههنا )) . هدانا الله إلى سبيل الخلاص ومنهج التوبة وحسن الفضيلة ، لنحظى بالقربى من الله عز وجل له المجد إلى كمال .
المزيد