المقالات

03 نوفمبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يوأش

يوآش وعمل يهوآش ما هو مستقيم في عيني الرب كل أيامه التي فيها علمه يهوياداع الكاهن 2مل 12: 2 مقدمة كانت الفتاة الصغيرة لا تمل النظر إلى نموذج المدينة الموضوع أمامها، وأطلقت عليها المدينة المسيحية، وسألها أبوها قائلاً: لنفرض أن هذه المدينة وثنية، فماذا ينزع منها؟!! أجابت بسرعة: الكنيسة.. وقال الأب: ألا يوجد شيء آخر؟.. قالت لا أظن،.. ولكن الأب قال: لا يابنتي فإن هناك أشياء كثيرة يمكن أن تزال: المدرسة، والمستشفى ودور العجزة والمكتبات العامة!!.. قالت له الصغيرة: ولكن هذه موجودة في البلاد الوثنية!!... قال لها: إنها لم توجد إلا بتأثير الروح المسيحي، والعالم لم يعرفها، إلا عندما تعمق فيه هذا التأثير، وقد أخذها مقلداً الفكر المسيحي، والعاطفة المسيحية، فهي مرتبطة أساساً بالمفهوم المسيحي في الحياة، وعندما تزال الكنيسة أو بالحري تزال روح الكنيسة في الأرض!!.. فإن ما صدر عنها أو استلهم روحها يمكن ألا نجد له وجوداً،.. ولعل هذا يتضح بالمقارنة مع التاريخ الوثني، الذي لم يعرف -على رغم تعمقه الفلسفي- انتشار دور الحنان والمحبة والإحسان والرحمة!!.. قال الآب: هذا أو شيئاً مثل هذا وهو يبين أهمية بيت الله في الأرض،.. ولعل هذا البيت كان له كل شيء في حياة يوآش، إذ هو المكان الذي درج فيه، واختبأ، وعاش، وهو البيت الذي اهتم بترميمه كأعظم عمل قام به،،.. وكان من الممكن أن يبقى تأثير هذا البيت عميقاً في حياته، لولا أن روحه تباعدت عنه بعد موت الكاهن العظيم الذي علمه ودرجه في كل شيء، وجاءت الغمامة التي طالما لاحقت ملوك يهوذا عند الغروب، ووضعت لتحذيرنا جميعاً، وها نحن نتابع قصة الرجل فيما يلي: يوآش والألم المبكر إن قصة يوآش تذكرني بقصة الغلام الصغير الذي كان يتعلم الموسيٍقى، وجاءته الفواجع، وهو في سن مبكرة، فقال لأستاذه: لست أعلم لماذا سمح الله بهذه الآلام التي ألمت بحياتي من كل جانب، وأنا في مطلع الحياة وطراوة الأيام،.. وقال له الأستاذ: لست أعلم يا بني مثلك، لماذا سمح الله لك بهذا كله،.. لكني أعلم شيئاً واحداً، أن لك صوتاً موسيقياً رائعاً، وأن هذا الصوت كان يحتاج إلى رنة الألم والحزن فيه، حتى يصبح من أرق الأصوات التي أعطاها الله للناس في حياتهم!!.. لقد صنع الألم يوآش على صورة من أجمل الصور، فإن ياهو بن نمشي قتل أباه، والطفل ما يزال بعد رضيعاً، فما كان من عثليا بنت إيزابل جدة يوآش وأم أبيه إلا أن قامت وأبادت جميع النسل الملكي، وانفردت هي بالحكم، على أن يهوشبعة زوجة رئيس الكهنة يهوياداع أخت الملك استطاعت أن تخطف ابن أخيها، وتخبئه ست سنوات من وجه عثليا،.. كان أخزيا أبوه ملكاً شريراً، ولو أنه عاش ونشأ في أحضانه وأحضان عثليا، لتغير على الأرجح تاريخه بأكمله، ولسار وراء بيت آخاب في كل شرورهم،.. لكن يتم الولد كان من أهم الأسباب التي استخدمها الله لخيره وحياته!!.. عندما قتلت عثليا النسل الملكي بهذه الصورة المفزعة الرهيبة، كان الناس لا يذكرون إلا أن كارثة قد حدثت،.. ولعل البعض رفع عينيه نحو السماء وهو يقول: لماذا سمحت يا رب بهذه الكارثة؟!!.. ولعل آخرين تعجبوا كيف يتغلب الشر إلى هذا الحد، ويبدو كما لو أن الله أخلى المكان للأشرار ليعيثوا شراً وفساداً في الأرض!!.. ولعل الغير وقد صدمهم هول الحادث، عجزوا أمام نهر الآلام أن يعرفوا من أين تأتي منابعه، وإلى أين تتجه أو تصب!!… ولكن الرقيب الأعلى كان يراقب كل شيء، ويتابع التيارات الخفية، ويغير اتجاهها ومجراها، ولم يستطع الناس لسنوات متعددة أن يروا تياراً رقيقاً مندفعاً في اتجاه الصالح والخير، نابعاً من قلب هذه الآلام،.. ولم يعرف الناس أن يوآش الصغير كانت أجمل أيامه هي الأيام التي علمه فيها الألم أن يعيش دون زهو أو كبر أو اعتداد، لمجد الله، وخدمة هيكله، والعمل على رفع المعاناة والتعاسات والمآسي التي يعيشها غيرهم من أبناء الله المتألمين في الأرض!!… يوآش والتربية الصالحة قال أحدهم: "عندما يسمح الله بأن تأخذ امرأة مثل عثليا مكانها وسلطانها في حياة الناس، يأمر بأن تكون هناك يهوشبعة التقية الصالحة أيضاً". وكانت يهوشبعة عمة الملك الصغير، وزوجة رئيس الكهنة العظيم يهوياداع، والقصة الكتابية ترينا رئيس الكهنة رجلاً قوي التفكير، والحياة والأخلاق، وقد عاش مائة وثلاثين عاماً، كان فيها الركن الهائل العظيم الذي استندت إليه البلاد في الملمات، والشخصية القوية التي أرجعت يهوذا من شره ووثنيته، وعاش الملك صبوته وشبابه في ظل رئيس الكهنة، وعمته التقية المباركة، وغرس الاثنان في قلبه بذار الحياة الصالحة المقدسة، ونشأ العود الغض في تربة من أجمل وأقدس التربات، تأثرت روحه الشابة بالمؤثرات الدينية الكريمة، لاسيما وقد كان بيت الله، المكان الذي اختبأ فيه ودرج من مطلع حياته،.. ويكفي أن الكلمة الإلهية تشهد أن يوآش عمل ما هو مستقيم في عيني الرب كل أيامه التي فيها علمه يهوياداع الكاهن، وترينا مدى الأثر الذي يمكن أن يصل إلى أعماق حياتنا من الصوت المنبه والمحذر والمشجع بالتعليم الإلهي، بل ترينا أن غيبة هذا التعليم، ولو لفترة من الزمن، قد يترك أفدح الآثار وأقساها في الحياة،.. ما أكثر الكثيرين الذين يتصورون أن الأساس القديم العظيم، يصلح أن يتابعهم مدى الحياة، وهم ناسون أو يتناسون أن القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه، وأننا ينبغي أن نعظ بعضنا البعض كل يوم لئلا يتقسى أحد منا بغرور الخطية، وأن الحياة الدينية اليومية كالطعام سواء بسواء، وكما أننا لا نستطيع أن نأكل طعام شهر في يوم واحد، أو القول إننا يمكن أن نختزنه، كما يخزن الطعام داخل البيت، دون أن نأكله في وجبات متعددة كل يوم، هكذا حياتنا الروحية، وهي تنتقل من يوم إلى يوم.. لاحظ أحد الرعاة أحد أعضاء الكنيسة، وقد درج على التغيب عن درس الكتاب الأسبوعي، والذي كان يعقد يوم الأربعاء.. فزاره في المنزل، وكانت المدفأة في غرفة الجلوس مشتعلة بالفحم الموضوع فيها، ولم يفعل الراعي أكثر من أن يلتقط قطعة من الفحم التي تحولت في التهابها إلى جمرة حمراء، وتركها على أرض للتحول سوادها الكامل، وقال صاحب البيت للراعي: إنك لست في حاجة إلى أن تكلمني كلمة واحدة، ستجدني هناك يوم الأربعاء مساء!!.. إن السؤال الذي قد يعن لبعض أن يسأله: متى ننتهي من التعليم الديني، والوعظ، وقراءة الكلمة المقدسة، والذهاب إلى بيت الله؟!!. والجواب دون أدنى شك: إن النهاية لا يمكن أن تكون قبل نهاية أنفاسنا على الأرض!!.. سل الواعظ الذي يغلق كتبه قبل هذا التاريخ ليحدثنا عن الصدأ الذي ملأ ذهنه وكيانه!!.. سل البيت الذي أهمل المذبح العائلي، ومدى الرماد المتناثر من بقايا المذبح القديم على كل أركانه.. سل الحياة التي انطفأت، بعد وهج عظيم، لأن يهوياداع كاهنها العظيم المعلم قد مات، ولم ينهض كاهن آخر ومعلم آخر ليحل محله!!… يوآش المتوج ملكاً توج يهوياداع يوآش ملكاً على يهوذا، وهو في السابعة من عمره، وقد قاد حركة الانقلاب بفطنة وحكمة وشجاعة، إذ دعا أولاً رؤساء الجيش من الجلادين والسعاة، وأمن جانبهم، بل دفعهم دفعاً إلى قيادة الحركة، إذ طلب منهم أن يجوبوا البلاد ليأتوا باللاويين والكهنة وعلى الأغلب جاء هؤلاء في عيد من الأعياد، حتى لا يثير مجيئهم الشك في شيء، ثم أراهم الملك لكي يتشجعوا انتهز فرصة السبت في الوقت الذي يكثر فيه الآتون إلى الهيكل، وهناك قام بحركة الانقلاب!!.. ولعل من أعجب الأمور أن ترى عثليا المنظر فتهتف: خيانة خيانة!!.. وهي كلمة ينبغي أن نقف أمامها بكل تعجب وتأمل!!.. عندما قامت هي بحركتها السابقة منذ ست سنوات سابقة وأبادت النسل الملكي، أي وصف كان يمكن أن توصف به هذه الحركة!!؟ ولو أن واحداً اتهمها بالخيانة في ذلك الوقت ماذا يكون جوابها؟!!.. إنها النفس البشرية الغريبة التي تكيل بكيلين، والتي تحرم على غيرها ما تحلله لنفسها، وهي لا تدري أنها وهي تحكم على الآخرين إنما تصف وصفاً دقيقاً ما فعلته هي!!... ولا يمكن أن يكون فعلها المحرم حلالاً، لمجرد استقراره أو استمراره ست سنوات، ولا ستة آلاف من الأعوام يمكن أن تجعل الخطأ صواباً، والباطل حقاً، والشر خيراً، وتقادم الشر في الأرض لا يمكن أن يعطيه رخصة بالاستمرار والبقاء!!.. بل لابد للشر أن يذهب وينتهي بغتة كما جاء، وذلك هو القضاء الإلهي الذي لا محيص عنه، ولا مهرب من حكمه، مهما تحوط الإنسان، أو بني من قلاع وأسوار حول الإثم والفساد والشر والخطية،.. بل إن قصة عثليا تكشف عن وجه آخر من قضية قديمة، وهو هل يجوز مقاومة السلطان؟!! وباديء ذي بدء أن الإيمان المسيحي يحرم علينا التآمر وخيانة الدولة، وأنه لا يمكن أن يكون هناك مسيحي خائن لوطنه، ويرفع السلاح في وجه قادة بلاده،... على أن القاعدة هنا لا تؤخذ على إطلاقها، إذ أنه لا يجوز إطاعة أي قائد أو رئيس يخرج عن حدود الله بالنسبة له، إذ هنا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، فإذا دعا الرئيس إلى الشر أو الإلحاد أو مقاومة عمل الله، فهنا يصح أن يعترض المسيحي، بشرط ألا يستخدم الأسلوب البشري أو الأسلحة البشرية كالثورة المسلحة، أو مقاومة الشر بالشر، إذ من الواضح أن الخطأ لا يمكن إصلاحه بخطأ مماثل، أو بالانتقام بأية صورة من الصور، وقد أعطانا أبطال التاريخ المسيحي أروع الصور في الشهادة والاستشهاد، ويكفي أن نضع نموذجاً لصبي صغير روماني أقتيد إلى المحاكمة بتهمة أنه مسيحي، وقد أعطى هذا الصغير أروع صورة للموقف المسيحي تجاه الباطل،.. كان اسمه ماركوس بولو سيرفيللي من عائلة من أشرف العائلات الرومانية، وقد خدمت أسرته الامبراطورية الرومانية أعظم خدمة، وكان هو آخر فرع فيها،.. وكان عمره عند المحاكمة ثلاثة عشر عاماً، وقد وجهت إليه التهمة أنه مسيحي ترك دين الامبراطور، وانتمى إلى المسيحية فهو لذلك يعتبر خائناً لبلاده، وعقابه الموت،.. وكان جواب الغلام من أعظم ما يمكن أن يكون الجواب، إذ لم ينف التهمة عن نفسه، بل قال: أنا متهم بغير جريمة، وإيماني يعلمني أن أخاف الله وأخدم الامبراطور، وأطيع كل القوانين العادلة، وقد نفذت هذا بضمير صالح، وقال أنا مسيحي ولست خائناً للوطن.. وإذ قيل له: إن القانون يحرم الإيمان بالمسيح، ومن يكسر القانون فعقابه الموت.. أجاب: أنا مسيحي.. ولما لم ينجح معه أي إغراء أو تهديد حكم عليه بالموت طرحاً للوحوش،.. وذهب الغلام شجاعاً، كأعظم وأروع ما تكون الشهادة في الأرض!!.. أبادت عثليا النسل الملكي، ولم تكن تدري أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً، وأن هذا سيكون مصيرها هي بعد ست سنوات، حيث قضى عليها يهوياداع، ومعها عبادة البعل، ومتان كاهن البعل،.. وذهبت المرأة كما ذهبت أمها إيزابل من قبل!!.. وهذا هو المصير الأبدي للشرير والأشرار في الأرض!!... يوآش وتجديد الهيكل لا حاجة إلى القول إن يوآش عندما فكر في تجديد الهيكل وترميمه، كان قد وصل إلى حالة سيئة محزنة، وقد وقف مقابله هيكل البعل، وكاهنه متان، وكانت عثليا قد عملت على تقويضه وهدمه، وكان لابد أن يرمم ويجدد!!.. ولعلنا نلاحظ أن تاريخ يوآش ارتبط بهذا التجديد والترميم، كما ارتبط سليمان ببنائه، ومع ذلك، فمن اللازم أن ندرك أن تاريخ الترميم كان في السنة الثالثة والعشرين من حكم الملك، أي أنه بدأ بالترميم وهو في الثلاثين من عمره، والسؤال الذي لا شك يقفز إلى الذهن، ولكن لماذا لم يبدأ يهوياداع، بعد قتل عثليا، في الترميم وقد كان في يده كل شيء، ولماذا تأخر هذا الترميم ليهتم به الملك مباشرة، ويدعو إليه؟؟... يظن البعض أن شيخوخة يهوياداع كان لها الأثر في ذلك، إذ أن الرجل ألف الواقع الذي عاشره سنوات طوالاً، فقد رأى الهيكل وحالته، وطالت رؤيته لهذه الحالة حتى أنه ألفها، وما أكثر ما يفعل الناس هكذا، عندما يركنون إلى الواقع الذي عاشوه وألفوه دون أن يفكروا في قلبه وتغييره،.. لكن دم الشباب لا يمكن أن يقبل هذا ويتحمله، وهذه ميزة رائْعة يلزم التنبه إليها واستغلالها، وعلى الشيوخ ألا يقفوا في وجه الشباب، عندما يندفعون في حركات تبدو بالنسبة للعجائز مغامرة ليس من السهل تحقيقها، فإذا كانت المغامرة تستهدف عملاً جليلاً، لا بأس من الاتجاه إليه، والسعي فيه، فإنها تكون حماقة ما بعدها حماقة أن يقف الشيوخ حاجزاً ضد المحاولة، ما دامت المحاولة لا تستهدف أفكا أو شراً!!.. بل سيسعد الشيوخ تماماً، للوثبة التي بدت في أول الأمر مستحيلة أو شبه مستحيلة!!.. وفي الحقيقة أن نجاح الراعي أو فشله يظهر في الكنيسة على قدر ما له من حنكة أو قدرة في استثمار جهد الشباب وطاقته، وأحسن القادة والرعاة، هم الذين حولوا كنائسهم إلى ما يشبه خلية النحل في العمل، وأفشلهم هم الذين كانت كنائسهم عامرة بالشباب، إلى أن تمكنوا من شل قواهم، أو مطاردة نشاطهم، بزعم الخوف من تهورهم أو اندفاعهم، وكانت المحصلة النهائية تقلص الجهد الكنسي إلى ما يقرب من الخواء والخراب!!... ولابد أن نلاحظ أن يوآش كان شديد الغيرة على بيت الله لأن البيت كان كل شيء في حياته، فهناك اختفى، وهناك عاش، وهناك وجد أصدقاءه، وهناك توج على العرش، كان البيت في حياة يوآش كل شيء، وعندما كتبت قصته للناس والتاريخ، كان البيت أهم شيء في هذه القصة وأعظمها،.. ولو عقل الناس لأدركوا هذه الحقيقة الدائمة، إن الذي يبقى من الإنسان ويستمر ويخلد، هو صلته ببيت الله، وأثر هذه الصلة في حياته ونفسه،.. هل رأيت المرنم وهو في المنفى وراء الأردن، وهو يرى نفسه كالإيل التي تشتاق إلى جداول المياه، وهو يعطش إلى الله سائلاً: "متى أجيء وأتراءى قدام الله صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً إذ قيل لي كل يوم أين إلهك هذه أذكرها فأسكب نفسي علي لأني كنت أمر مع الجماع أتدرج معهم إلى بيت الله بصوت ترنم وحمد جمهور معيد"؟؟.. هل رأيته وهو يصعد إلى جبل مصعر من أرض الأردن من جبال حرمون، وهو يمر بخياله العظيم إلى البيت الذي بعد عنه، والذي يمكن أن يرفع نفسه المنحنية الممتلئة بالأسى والأنين؟؟ هل رأيت واحداً من أبناء قورح، يقترب من البيت لتفيض نفسه بالغبطة والانشراح وهو يهتف: "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب، قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي؟؟. هل رأيته وهو يرى العصفور يبني عشه هناك، والسنونة وهي تضع أفراخها في آمن مكان لها على الأرض، إذ لا يجرؤ أحداً أن ينالها أو أفراخها بالقنص والصيد، إذ هو محرم على أي إنسان أن يفعل ذلك عندما يرى عشاً في بيت الله؟؟... وهل رأيته وهو يرى نفسه عصفوراً أو سنونة، مضموناً في بيت الله في مكان الراحة والهدوء والأمن؟؟ وألا يحق له بعد ذلك أن يقول: "طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك.." وألا يحق له أن يدرك ما يجني من وراء الصلة العميقة التي تربطه ببيت الله، فيستطرد في القول: "طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضاً ببركات يغطون مورة يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون.. لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار".. كان ادي كنتور، الممثل الهزلي، يسير ذات يوم في أحد الشوارع حين انهمر المطر بغزارة، فبحث عن أقرب مكان يلجأ إليه ليحميه من المطر، فوجد كنيسة قريبة فسارع إليها، وبقى فيها حتى انتهت الزوابع والأمطار،.. وكان عليه أن يتكلم في الإذاعة، وبعدما أنهي كلامه الهزلي، قال: والآن أريد أن أتحول إلى الجد من الكلام،.. وذكر ما حدث معه، ثم علق قائلاً: لا أعتقد أن هناك مكاناً يمكن أن يحمينا من زوابع الحياة وعواصفها وأمطارها أفضل من بيت الله، من الشركة مع الله، من الاقتراب إلى الله!!.. هذا هو المكان الوحيد في الأرض، الذي يمكن أن يجد الإنسان حياته ونجاته فيه!!.. بهذا المعنى أدرك يوآش القديم بيت الله، فربط تاريخه به، وبترميمه وتجديده!!... ولا يغرب على البال أن الهيكل عند يوآش أو يهوياداع لم يكن مجرد مبني مادي، بل هو أكثر من ذلك هو رمز إعلان عن الشركة الأعلى والأسمى والأولى مع الله، ولأجل ذلك حرص سليمان على أن يجعله آية في الفخامة والجلال، وحرص يوآش على أن يجعل من تجديده تجديداً للدين وإنهاضه وإبراز سلطانه ومجده!!.. وبيت الله كان وما يزال رمزاً للعلاقة القائمة بين الله وشعبه، ومع أننا لا نصر أن يكون مبنى الكنيسة آية في الفخامة والروعة، إذ أن التلاميذ عندما افتخروا بمبنى الهيكل أمام المسيح، بين لهم مصيره المفزع، إذ أن الله يهمه البناء الروحي قبل المادي، إلا أن ما يطلبه الله منا أن لا يكون اهتمامنا بمبنى الكنيسة واحتياجاته أقل من اهتمامنا ببيوتنا واحتياجاتها المختلفة، ولذلك قال على لسان حجي النبي: "هل الوقت لكم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب"... إن مقياس عظمة الفرد أو الشعب، يبدو في الحقيقة من درجة اهتمامه وتعلقه ببيت الله!!... وعلى قدر اهتمامك بهذا البيت اعرف من أنت!!... وثمة أمر آخر ينبغي ذكره، وهو الدور الذي يلعبه المال في تجديد الهيكل وترميمه، وهنا تبرز أهمية المال في خدمة الروحيات، ودوره العظيم في سبيل امتداد ملكوت الله على الأرض،.. وقد طلب الملك من الكهنة واللاويين أن يقوموا بالجمع للمشروع، ولكنهم لم يقوموا بالعمل كما ينبغي، وعلى الأغلب، يرجع ذلك إلى عدم غيرتهم وحماستهم، حتى أنهم لم يستطيعوا جمع نصف الشاقل الذي كان كل إسرائيلي بلغ العشرين من عمره ملزماً أن يدفعه للهيكل حسب الشريعة الموسوية، ولما وجد يوآش أن هذه الطريقة غير مجدية، لجأ إلى طريقة أخرى، إذ لجأ إلى الشعب مباشرة، فأمر بصنع صندوق يوضع على الباب الخارجي للهيكل، وترك لكل واحد أن يقدم باختياره كما يملي عليه ضميره،.. ونجحت هذه الطريقة نجاحاً كبيراً، وهنا نلاحظ الفرق بين الدفع الاضطراري، والدفع الاختياري،.. قال أحدهم: إن المعطين ثلاثة أنواع: هناك حجر الصوان الذي إذا ضربته لا يعطيك إلا الشرارة الآتية من الضربة،.. والأسفنجة التي لا يمكن أن تأخذ منها إلا بعصرها،.. وقرص العسل الذي يفيض من تلقاء ذاته،.. فمن أي نوع أنت أيها القارئ من المعطين؟؟ وهل تعلم أن العطاء هو محك من أدق المحكات للبرهان على الحياة المسيحية؟ وهو بركة من أعظم بركات الله، لمن يمنحهم الله هذه النعمة، نعمة العطاء؟!!.. أرسل أحد الخدام إلى ثري من الأثرياء يطلب إليه أن يتبرع لأجل مشروع مسيحي هام، ورد الثري في خطابه قائلاً: “إن هذا المشروع المسيحي، حسبما أعلم هو على الدوام: اعط.. اعط!!.. ورد عليه الخادم بالقول: “شكراً لك إذ أنك أعطيتني أجمل تعريف للحياة المسيحية!!… وليس الأمر مرتبطاً في مدى ما يعطي المعطي، ولكن في روح العطاء، إذ أن المعطي المختفي المسرور هو الذي يسر به الرب، إذ أن العطية أولا ًوأخيراً، ينبغي أن تكون لمجد الله،.. في يوم من أيام الآحاد كان الخادم في كنيسة قد بنيت حديثاً يقرأ قائمة التبرعات، وإذا ببرقية تصل من أحدهم يقول فيها: “تحياتي من فضلك أعلن أمام الجمهور أني مرسل مبلغ خمسة وعشرين دولاراً لمشروع العمارة”… وآخر الكل أعلن الراعي أنه قد وصله من مجهول بطاقة وضعت مع أرغن يقدر ثمنه بثلاثة آلاف دورلار، وليس على البطاقة سوى كلمة صغيرة: “من أجل اسمه” ولم يستطع الراعي اكتشاف شخص من تبرع بهذا الأرغن، ولكن السماء كتبت ولا شك اسمه في الخلود بأحرف من نور!!… يوآش وهزيمته وقد جاءت هذه الهزيمة عند الغروب، شأن الكثيرين من آبائه وأجداده الكرماء الطيبين، والسؤال المحير: لماذا يبدأ الإنسان على أجمل ما يكون الحسن، ثم ينتهي شيئاً على مثل هذه الصورة المحزنة القاسية؟؟.،.. كان الرجل طوال وجود يهوياداع رائعاً وعظيماً، ولعلنا نذكر هنا ما يقوله جوزيف باركر: "أليس بيننا من القادة ما يحفظ حياتنا في طريق الاستقامة، ذلك الصنف من "يهوياداع" الذي لولاه لربما ضللنا الطريق.. وقد يكون انتظامنا في الكنيسة راجعاً إليهم، وقد يكون إقلاعنا عن عادات معينة بغيضة بسببهم،.. إنهم استقرار البيت، وعزاء الحياة الرقيقة. ونحن لا نعلم كم ندين لهم، ولو أن سياستهم كانت السوق أكثر من القيادة، لربما عرفناهم أكثر، ولكنها الروح الهادئة، الثابتة، المقنعة، المشجعة هي التي لا تظهر تأثيرهم في حياتنا كما ينبغي أن تظهر،... إن المرأة مثلاً هي التي تلم شمل البيت، ولكننا قد لا ندرك هذه الحقيقة في حياتها،.. غير أننا نلاحظ بعد أن تذهب، أن طابع البيت قد تغير، وأن هناك أشياء لا نستطيع أن نوضحها، غير أن الأمور لم تعد كما كانت، وقد زحفت الآلية أكثر، وأشياء صغيرة ولت وجمال الحياة قد ضاع، بحيث تسير الحياة نحو الجلبة والضجيج، وتطبع بالفوضى وعدم التأكد،.. وقد نخجل أن نفعل أشياء أمام يهوياداع عصرنا،.. ولكن ما أن مات رئيس الكهنة حتى جاء الأمراء وأفسدوا يوآش إذ كانوا وثنيين يتعبدون للأنصاب والتماثيل، ونجحوا في إفساد ذهن الملك، وإبعاده عن العبادة الصحيحة،.. وهذا أقسى هجوم يتعرض له الإنسان في الأرض، ويكفي أن تنجح فيه، لكي تجد كل شيء بعد ذلك سهلاً يسيراً،... كان هجومهم على عقيدة الملك الدينية، من ذلك النوع الذي يمكن أن نطلق عليه "التملق"... لقد قال له أمراء يهوذا مؤثرين: إنك تحت سلطان يهوياداع لم تكن إلا ملكاً بالاسم، والآن لقد أن الوقت لكي تسترد قوتك العظيمة، وتعطي لكل إنسان حريته الدينية".. وسقط الرجل في الفخ!!... لقد قبل مجد الشبان والأمراء وتملقهم، فضعفت وتسللت الوثنية إلى قلبه وقلب الشعب، وعندما جاء صوت الله على لسان زكريا بن يهوياداع، لم يسمع ولم يرعو، بل زاد الطين بلة، فقتل ابن عمته الناصح، ابن الرجل الذي دان له يوآش بكل شيء في حياته، وصاح زكريا عند موته حزيناً: الرب ينظر ويطالب، وحقاً طلب الرب، ففي مدار السنة صعد الأراميون على يهوذا، وهزموا بشرذمة قليلة جيشاً عظيماً، وقام على يوآش نفسه رجلان وقتلاه وإذا كان يوآش يعطينا أن نذكر بأن الخضوع للتأثير الديني في سن الصغر ينتج أعظم النتائج، فإنه يعطينا أيضاً أن نتحذر لئلا نقتل ابن الرجل الذي أحسن إلينا!!... أيه أيتها النفس البشرية إنك القيثارة التي تستطيع أن تلعب عليها اليد الحنون أرق الأنغام وأعذبها ولكنك أيضاً النفس التي تستطيع يد أخرى أن تبعث منها أرهب الأصوات وأفزعها!!..: "ولم يذكر يوآش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع أبوه معه بل قتل ابنه وعند موته قال الرب ينظر ويطالب"ولندع الرجل أخيراً لمصيره الإلهي، عندما يستيقظ في ذلك اليوم، الذي سيعطي فيه كل واحد حساباً عما فعل بالجسد، خيراً كان أم شراً!!.. ولننتبه لنفوسنا لئلا يتحول أحدنا -يدري أو لا يدري- إلى يوآش القديم ويكرر قصته!!...
المزيد
02 نوفمبر 2022

القلب المطمئن المملوء بالسلام

ما أعمق القلب الذي يعيش في سلام داخلي، يملك الهدوء عليه، وكل ضيقات العالم لا تزعجه إنه يستمد سلامه من الداخل، وليس من الظروف المحيطة.. لذلك فإن الظروف الخارجية لا تزعزعه. حقًا، إنه ليس من صالح الإنسان أن يجعل سلامه يتوقف على سبب خارجي إن اضطربت الأحوال يضطرب معها، وإن هدأت يهدأ. سبب خارجي يجعله يثور، وسبب يجعله يفرح، وسبب يبكيه، وسبب يبهجه.. مثل هذا يكون كما قال الشاعر: كريشه في مهب الريح طائرة لا تستقر على حال من القلق الرجل القوى يجعل الظروف الخارجية تخضع لمشاعره، تخضع لقوة قلبه، لا أن تتحكَّم في انفعالاته. ولا يخضع هو لها إن حدث حادث معين، يتناوله في هدوء، يفحصه بفكر مستقر، ويبحث عن حل له. كل ذلك وهو متمالك لأعصابه، متحكم في انفعالاته. وبهذا ينتصر، ويكون أقوى من الأحداث، ويحتفظ بسلامه الداخلي.. وذلك لأن قلبه كان أكبر من الظروف وأقوى من الأحداث.. وما أصدق ذلك الكاتب الروحي الذي قال إن قطعة من الطين يمكنها أن تعكر كوبًا من الماء، ولكنها لا تستطيع أن تعكر المحيط يأخذها المحيط، ويفرشها في أعماقه، ويقدم لك ماءً رائقًا لذلك أيها القارئ العزيز، كن واسع القلب. كن رحب الصدر. كن عميقًا في داخلك. قل لنفسك في ثقة: أنا لا يمكن أن أضعف، ولا يمكن أن تنهار معنوياتي أمام الأخبار المثيرة، أو أمام الضغطات الخارجية. مهما حدث، فسأحاول أنى لا أنفعل. وإن انفعلت، سأحاول أن أسيطر على انفعالاتي.. سأبتسم للضيقات، وسأكون بشوشًا أمام الضغطات.. وسأثبت -بقوة من الله- حتى تمر العاصفة لا تفكر في الضيقة التي أصابتك، ولا في أضرارها ومتاعبها. بل فكر في إيجاد حل لها إن كثرة التفكير في الضيقة هي التي تحطم الأعصاب وتتعب النفس أحيانًا يكون التفكير في الضيقة أشد إيلامًا للنفس من الضيقة ذاتها. إن التفكير في الضيقات هو الذي يجلب الأحزان والأمراض والهم والفكر. وهو لون من الانهيار ومن الخضوع تحت ثقل الضيقة أما التفكير في إيجاد حل للضيقة، فهو الذي يعمل على سلام النفس وراحتها. ضع في نفسك أن كل ضيقة لها حل وكل ضيقة لها مدى زمني معين تنتهي فيه فكر في حل لضيقتك، فإن وصلت إليه تستريح. وإن لم تصل، ثق بروح الإيمان أن لدى الله لهذه الضيقة حلول كثيرة، وأنه -تبارك اسمه- قادر أن يعينك وأن يحل جميع إشكالاتك. وتذكر ضيقات سابقة قد حلها الله، ومرت بسلام.واحذر من أن يوقعك الشيطان في اليأس، أو أن يصور لك الأمر معقدًا لا حل له.. فإن الإنسان المؤمن لا ييأس.المؤمن يعرف أن الله موجود، وانه إله رحيم، ورحمته غير محدودة، وهو ضابط الكل، والعالم كله في قبضة يديه وأن الله يدبر كل شيء حسنًا، ولا بد أنه سيتدخل ويعمل عملًا.. لذلك فإن المؤمن يستريح في أعماقه، ويلقى على الرب كل همه، ويستودعه جميع إشكالاته أما الذي يستسلم لليأس، فإنه يضيع نفسه. وقد يتصرف في يأسه أي تصرف خاطئ يكون أكثر ضرارًا من المشكلة القائمة نفسها مثال ذلك الذي ييأس من مشاكل الحياة فينتحر.. أو مثال تلك الفتاة التي تخطئ، وتيأس من إيجاد حل لمشكلتها، فتستسلم للخطيئة وتضيع إن القلب القوى لا يستسلم للضيقات، والقلب الأقوى لا يشعر بالضيقة، لأنها لم تضايقه. وأتذكر أنني قلت في إحدى المرات إن الضيقة قد سميت ضيقة لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها ولو كان القلب متسعًا، ما شعر أنها ضيقة. لو كان متسعًا، ما تضايق منها.. الضيق إذن في قلوبنا، وليس في العوامل الخارجية.. وإن تعكرنا نحن، تبدو أمامنا كل الأمور متعكرة وإن تعبنا في الداخل، تبدو أمامنا كل الأمور متعبة.. أليس حقًا أن أمرًا من الأمور قد يضايق إنسانًا ما، وفي نفس الوقت لا يتضايق منه إنسان آخر، هو نفس الأمر ليس المهم إذن في نوع الأحداث التي تحدث لنا، بل المهم بالأكثر هو الطريقة التي نتقبل بها الأحداث ونتصرف معها الإنسان القوى الذي يصمد أمام الإشكالات، يزداد قوة والإنسان الضعيف الذي ينهار أمامها، يزداد ضعفًا فالإشكالات، فالإشكالات هي نفس الإشكالات ولكنها تقوى شخصًا وتزيده صلابة ومراسًا وحنكة، وتضعف شخصًا أخر، وتزيده انهيارًا وخورًا وحزنًا لذلك كونوا أقوياء من الداخل، وخذوا من الضيقات ما فيها من بركة، وليس ما فيها من ألم لقد سمح الله بالضيقات من أجل فائدتنا ونفعنا. وفي ذلك قال القديس يعقوب الرسول"احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة". إن المؤمن يشعر أن الله قد سمح له بالضيقة من جل نفعه، لذلك يفرح بالضيقة وبهذا يقدم لنا الكتاب درجة روحية أعلى من احتمال الضيقات، وهى الفرح بالضيقات إن المسألة تحتاج إلى إيمان لأنك ربما ترى الضيقة فقط ولا ترى الخير الإلهي الكامن فيها إن هذا الخير لا تراه بالعين المادية، ولكنك تراه بالأيمان، بثقتك في عمل الله المحب وحسن رعايته.. مثال ذلك يوسف الصديق: أحاطت به التجارب والضيقات حتى اتهم اتهامات باطلة وألقى في السجن. ولكن السجن كان طريقة إلى الملك إن أهل العالم قد تزعجهم التجارب، أما الإنسان المؤمن فهو ليس كذلك. إن المتاعب قد تحيط به من الخارج، ولكنها لا تدخل مطلقًا إلى داخل نفسه إنه كالسفينة الكبيرة التي تمخر عباب المحيط، تضطرب الأمواج حولها، وهى سائرة في رصانة نحو هدفها، طالما أن المياه ما تزال خارجها.. مسكينة تلك السفينة، إن وُجِدَ ثقب في نفسيتها، واستطاعت المياه أن تنفذ إلى داخلها..!! احذروا أيها الأحباء من أن تدخل المياه إلى أنفسكم واعلموا في كل ضيقة أن التجارب التي يسمح بها الله، لها شروط منها:- 1- أنها على قدر احتمالكم، 2- وأيضا كل تجربة معها المنفذ 3- وإنها لابد تؤول إلى نفعكم، إن أحسنتم استخدامها. إن الله في محبته للبشر، لا يسمح أن تحل تجربة بإنسان يكون احتمالها أكثر من طاقته. كل التجارب التي يسمح بها الله هي في حدود احتمالنا والتجارب القوية، لا يسمح بها الله إلا للناس الأقوياء الذين يحتملونها.. ما أجمل قول الكتاب "ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوها" (1 كو 10: 13). 4- والتجارب هي مدرسة للصلاة إنها تدرب الإنسان كيف يحنى ركبتيه أمام الله، وكيف يرفع قلبه قبل أن يرفع يديه، طالبًا العون من الله، الذي هو معين من لا معين له ورجاء من لا رجاء له عزاء صغيري القلوب، وميناء الذين في العاصف. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
01 نوفمبر 2022

الضمير العام

رداً على سؤال " كريم" بخصوص وجود ضمير خارجي يحميه من الحماقات المحتملة، فإنه لابد وأن يكون هناك ضميراً عاماً داخل كل إطار، كالإطار الوظيفى والإطار الكنسى والإطار الرهبانى والسياسى والأدبى والصناعى والتجارى .. إلخ بمعنى أنه لابد من وجود شخص أو مجموعة من الأشخاص يمثلون الضمير العام .. مثلما يمثل مجموعة من الخدام الضمير الرعوى بين اخوتهم وتلاميذهم .. وكذلك بعض من الرهبان الذين يمثلون الضمير الرهبانى داخل أحد الأديرة، وذلك حين ُيبدون بعض الآراء وينتقدون بمحبة بعض السلوكيات. ومثل الأم التى تعمل كضمير دراسى بالنسبة لأولادها الذين يستذكرون دروسهم، بحيث كلما لاحظت فتورهم أنهضت هممهم وضمائرهم بالتذكرة على أن يكون عمل الضمير العام هو إحياء الضمير الخاص !!. كما أنه من الضرورى أن يكون الضمير العام سوياً غير مريض، وإلا فسيكون عمله فقط هو إشعال الفتن والخصومات تحت ستار الرغبة فى الاصلاح! . وهذه هي مشكلة المُعزون المتعبون، والقادة المنحرفون الذين يظنون أنهم فقط الذين امتلكوا ناصية القضايا والمعرفة. فقد حذّر السيد المسيح بأن المضطهدين سوف يقتلون التلاميذ بضمير مستريح !! " بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يوحنا 16 : 2) على العكس من ذلك فقد يسلك بعض التلاميذ بإستهتار ثم يبرز من بينهم واحداً يرفض الهزر السخيف ويعاتبهم بمحبة، ذلك إلى جوار سلوكه هو على نحو مغاير، انه بذلك يمثل الضمير العام. وفى بعض الدول يقوم شخص أو جماعة ما تنتقد بعض السياسات فى الدولة فُيوصف ذلك بأنه الضمير السياسى داخل الدولة إذن رداً على السؤال بخصوص ضرورة وجود ضمير خارجى يراجع ويهذب الضمير الداخلى، فهذا أمر لابد منه لا سيما متى كان الانسان حديث السن، ولكن ُيشترط فى الصغير ألا ينتظر الضوابط الخارجية، بينما مطلوب من المرشد أن يضبط هذا الضمير على الكتاب والمرشدين الروحيين. وإلا فإن الطامة الكبرى أن نكون مسئولين عن آخرين فنُضرّ بهم لأنهم وثقوا بنا .. انها مسئولية الآباء الروحيين والمدبرين، عندما يثق بهم الآخرون ويستوحون منهم ويقلّدونهم ويصبحون ُنسخاً منهم. مثلما ينظر خادم إلى خادم آخر فيتأثر بطريقته فى الكلام وحكمته فى السلوك وملائكيته فيصير ُملهماً له .. ويصبح من ثم ضميراً صالحاً له .. وهكذا الراهب وهكذا المدرس وهكذا التلاميذ والطلبة كلما نظروا إلى زميل لهم قد اتخذ الجدية نمطاً لحياته واسلوباً فى دراسته.هنا مسئولية الأب والأم فى المنزل .. والكاهن فى الكنيسة والمعلم مع تلاميذه. فليس المهم كيف نجتذب الآخرين لنا ولكن المهم ماذا سنهبهم متى أصبحوا فى طاعتنا وتحت أمرنا !! أتذكر أن ديفيد كورش أهلك فى أمريكا ليس أقل من عشرة آلاف من أتباعه الذين وثقوا به، فأقنعهم جميعاً بالإنتحارإذا كنت متشككاً فى الضمير الذي أمامك (وهو ما يسمى أحياناً بالأنا الأعلى لا سيّما في الطفولة) فإشرك الكنيسة معك، وإذا أردت اختيار مرشد – على أي مستوى – فليكن ذلك بتدقيق لئلا تقع فى يد مريض بدل طبيب كما قال الآباء. نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
31 أكتوبر 2022

المسيحي وذكر الموت

قال القديس يوحنا الدرجي: "كما أن الحاجة إلى الخبز تفوق الحاجة إلى سائر الأطعمة الأخرى، كذلك الحاجة إلى ذكر الموت تفوق الحاجة إلى سائر الأعمال الروحية". إن ذكر الموت هو ضرورة روحية هامة إذا أغفلها الإنسان يُصاب ببرودة الحس والمشاعر، إذا انتقل أحد أحبائه يتأثر قليلًا ويحضر الجنازة دون أن يحدث عنده تغيير يُذكر، بعد ذلك يمضي إلى حال سبيله كسابق عهده لاهتماماته الدنيوية الباطلة.ذكر الموت في داخلنا هو منبّه بيولوجي يوقظنا لممارسة التوبة، لنسمع صوت الرب «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أف5: 14). ذكر الموت يكسر حدّة شهواتنا ومحبتنا للعالم.طوبى لمَن يصل إلى هذه الفضيلة، فإن أحكمتها فاحذر ألّا تفلت منك، لأنه قد يسهل فقدانها بسبب الانشغالات والاهتمامات الكثيرة.نعلم أن لكل إنسان انشغالاته واهتماماته، لكن ينبغي ألّا تلهيه عن خلاص نفسه وحياته الأبدية اللا نهائية.إذا توانيت وقتًا عن ذكر الموت والحياة الأخرى، فذكّر نفسك بلُجّة النار الأبدية والعطش الشديد في لهيب النار (لو16: 24)، والظلام الدامس والندم الشديد والبكاء وصرير الأسنان في جهنم النار، فتفوق لنفسك وتهتم بأبديتك.تحاول الكنيسة أن تذكّرنا كل يوم بيوم الدينونة الرهيب والحياة الأخرى بقطع صلاة النوم فنقول "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبًا ومرتعبًا من كثرة ذنوبي. لأن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة، لكن توبي يا نفسي ما دمتِ في الأرض ساكنة، وانهضي من رقاد الكسل، وتضرعي إلى المخلص بالتوبة قائلة: اللهم ارحمني وخلصني".دوام ذكر الموت والتنهُّد هنا يجعل الإنسان يداوم السعادة والتعييد هناك.كانت الراهبة الأم سارة تداوم ذكر الموت فقالت: "حينما أضع رجلي على السلم لأصعد أتصور الموت قدامي قبل أن أنقل الرجل الثانية". نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر
المزيد
30 أكتوبر 2022

إستبداد العدو وقوة المسيح

تِقْرَا عَلِينَا الكِنِيسَة فِي هذَا الصَّبَاح المُبَارَك إِنْجِيل الإِنْسَان اللِّي أُحْضِرَ إِلَى يَسُوع أعْمَى مَجْنُون وَأخْرَس صِرَاع بَيْنَ مَمْلَكِة الظُّلْمَة وَمَمْلَكِة النُّور صِرَاع بَيْنَ العَدُّو وَبَيْنَ الخَالِق الصِرَاع دَه المِيدَان بِتَاعُه – المِحْوَر بِتَاعُه – هُوَ النَّفْس البَشَرِيَّة ( الإِنْسَان ) الإِنْسَان هُوَ مَحْبُوب الله الإِنْسَان اللِّي قَالْ رَبِّنَا أنَا لَذِّتِي فِي بَنِي آدَم ( أم 8 : 31 )الإِنْسَان اللِّي رَبِّنَا خَلْقُه عَلَى صُورْتُه وَمِثَالُه( تك 1 : 27) وَبِالمَجْد وَالكَرَامَة تَوَجَهُ وَعَلَى أعْمَال يَدَيْهِ أقَامَهُ وَكُلَّ شَيْء أخْضَعَهُ تَحْت قَدَمَيْهِ( مز 8 – مِنْ مَزَامِير بَاكِر ) الإِنْسَان دَه مَوْضِع غِيرَة وَحَسَد مِنْ الشَّيْطَان .الشَّيْطَان عَايِز يِشَوِه صُورِة الإِنْسَان وَعَايِز يِمْتِلِك الإِنْسَان عَشَان كِدَه تِلاَقِي إِنْ لَمَّا يِسَيْطَر الشَّيْطَان عَلَى إِنْسَان يِسَيْطَر عَلِيه إِلَى النِّهَايَة وَإِلَى مَا بَعْد النِّهَايَة مُسْتَبِد تَخَيَّل إِنْتَ اللِّي أُحْضِر إِلِيه أعْمَى مَجْنُون أخْرَس فَشَفَاه مُمْكِنْ إِحْنَا نِتْخَيِل أعْمَى يَعْنِي وَاحِد مِشْ بِيشُوف مَفِيش شَبَكِيَّة عَنْدُه حَاجَة فِي مَرْكَز الإِبْصَار فِي مُخُّه لاَ أبَداً دَه كَانْ رَاجِل عِينُه سَلِيمَة مَجْنُون طَيِّبْ لَمَّا شَفَاه لَقِينَاه رَاجِل عَاقِل أخْرَس لَقِينَاه بِيِتْكَلِّمْ إِيه الحِكَايَة ؟ قَالَّك دَه العَدُّو كَانْ مِسَيْطَر عَلِيه عَشَان كِدَه لَمَّا الشِيطَان خَرَج الرَّاجِل إِبْتَدَى يِتْكَلِّمْ إِبْتَدَى يِشُوف عَدُو الخِير مُسْتَبِد بِالإِنْسَان جِدّاً إِتْكَلِّمْ عَنْ نُقْطِتِين :- 1- إِسْتِبْدَاد العَدُّو . 2- قوة المسيح مُسْتَبِد لاَ يُشْفِق لَمَّا يَمْلُك عَلَى نَفْس يُبْقَى عَايِز يَمْتَلِكْهَا وَيَسْتَهْزِئ بِهَا إِلَى النِّهَايَة وَكَأنَّهُ لُون مِنْ ألْوَان التَّحَدِّي لِلخَالِق كَأنَّهُ بِيقُولُّه أدِي الإِنْسَان حَبِيبَك أدِي الإِنْسَان اللِّي إِنْتَ فَرْحَان بِه أدِي صُورَتَك تَحَدِّي مُسْتَبِد لِدَرَجِة إِنُّه عَايِز يَسْتَهِين وَيِنَكِل بِالإِنْسَان عَلَشَان خَاطِر يُعْلِن قُدَّام رَبِّنَا إِنْ النَّفْس اللِّي إِنْتَ خَلَقْتَهَا عَلَى صُورْتَك وَمِثَالَك لاَ تَسْتَطِيع أنْ تَنْطِق وَلاَ تَسْتَطِيع أنْ تَتَعَبَد وَلاَ تَسْتَطِيع أنْ تُسَبِّح دِي مِلْكِي أنَا إِنْتَ بِتْقُول إِنَّهَا مِلْكَك إِنْتَ ؟ لاَ دِي مِلْكِي أنَا .عَشَان كِدَه يِقُولَّك الأعْمَى الأخْرَس تَكَلَّمْ وَأبْصَر فَبُهِتَ الكُلَّ عَدُو الخِير لَمَّا يَمْلُك عَلَى إِنْسَان يَمْلُك عَلَى مَشَاعْرُه عَلَى ذِهْنُه عَلَى حَوَاسُه عَلَى أفْكَارُه يَمْلُك عَلَى تَصَرُّفَاتُه يَمْلُك عَلَى الكَيَان كُلُّه دَه جَوْهَر عَمَل العَدُّو خَلَّى الرَّاجِل مَجْنُون خَلاَّه أعْمَى خَلاَّه أخْرَس تِرُوح تِكْشِفْ عَلَى الرَّاجِل دَه عَنْد وَاحِد دُكْتُور عُيُون تِقُولُّه شُوف لِينَا الرَّاجِل دَه عَنْدُه إِيه ؟ يِقُولَّك مَالُه ؟ تِقُولُّه مِشْ بِيشُوف تِعْمِل لُه إِشَارَات تِجِيب لُه ضُوء تِلاَقِيه مِشْ بِيشُوف يِكْشِف عَلِيه يِلاَقِيه عُضْوِياً سَلِيم 100 % تَعَالَ نِكْشِف عَلِيه فِي حِكَايِة إِنُّه مِشْ بِيِنْطَق تِلاَقِيه عُضْوِياً سَلِيم 100 % إِيه الحِكَايَة ؟ العَدُّو إِسْتَطَاع إِنُّه يَتَمَلَّك عَلَى كَيَانُه وَعَلَى حَوَاسُه لِدَرَجِة خَلاَّه عَنْدُه قُدْرَة إِنُّه يِشُوف لكِنْ مَا بِيشُوفْش عَنْدُه قُدْرَة يِتْكَلِّمْ لكِنْ مَا بِيتْكَلِمْش عَنْدُه قُدْرَة يِفَكَّروَمَا بِيفَكَرْش دَه جَوْهَر عَمَل العَدُّو فِينَا يَا أحِبَّائِي يِسْلِب الإِنْسَان عَقْلُه وَبَصِيرْتُه وَفِكْرُه وَنُطْقُه يِسْلِب الإِنْسَان أغْلَى مَا يَمْلُك أغْلَى مَا يَمْلُك الإِنْسَان إِيه ؟ مَشَاعْرُه نُطْقُه فِكْرُه مَا هُوَ دَه اللِّي يِمَيِّز الإِنْسَان عَنْ بَاقِي المَخْلُوقَات ؟ الإِنْسَان عَاقِل نَاطِق مُفَكِّر فَطَالَمَا هُوَ عَاقِل نَاطِق مُفَكِّر فَهُوَ بِيِضْرَبُه فِي الحِتَّة دِي فَا يِخَلِّيه مَا يِعْرَفْش يِفَكَّر تِقُولِّي إِزَّاي ؟ أقُولَّك هُوَ لَمَّا يِكُون وَاحِد بِيِسْرِع لِهَلاَكُه يُبْقَى دَه كِدَه بِيفَكَّر ؟!! عَشَان كِدَه مُمْكِنْ عَدُو الخِير يِوْصَل بِإِنْسَان إِنُّه يَتَمَادَى مَعَ أفْكَارُه يِخَلِّيه يُحُطْ نَفْسُه فِي نَار شُوفْنَا المَجْنُون بِتَاع كُورِة الجِرْجِسِيِّين دَه كَانُوا يُرْبُطُوه بِسَلاَسِل وَيُرْبُط نَفْسُه هُوَ بِسَلاَسِل وَبَعْد كِدَه يِتْفَك مِنْهَا وَبَعْد كِدَه يِجْرِي إِيه دَه ؟ إِنْسَان فَاقِد صَوَابُه فَقَد عَقْلُه الآبَاء القِدِّيسِينْ أجْمَعُوا عَلَى أنَّ الخَطِيَّة هِيَ الجُنُون لأِنْ إِيه هُوَ الجُنُون غِير التَّفْكِير غِير المَنْطِقِي وَإِيه هُوَ الجُنُون غِير إِنْ إِنْسَان مُمْكِنْ يِعْمِل تَصَرُّفَات غِير طَبِيعِيَّة غِير مَحْسُوب لَهَا غِير مَسْئُولَة أقُولَّك مَا هِيَّ الخَطِيَّة كِدَه تَصَرُّفَات غِير مَسْئُولَة تَصَرُّفَات غِير طَبِيعِيَّة الكِبْرِيَاء جُنُون الشَّهَوَات جُنُون كُون إِنْ الإِنْسَان يِبِيع الأبَدِيَّة بِشِوَيِّة أيَّام عَايِز يَلْهُو بِهَا عَلَى الأرْض عَشَان يُشْبِع شِوَيِّة رَغَبَات وَيَارِيتْهَا تُشْبِع يُبْقَى دَه إِيه ؟ يُبْقَى دَه جُنُون جُنُون الخَطِيَّة عَشَان كِدَه أقْدَر أقُولَّك إِنْ نَفْس المُعْجِزَة دِي هِيَّ مُعْجِزَة بِتِحْصَل مَعَ رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح كُلَّ يُوم فِي تُوبِة كُلَّ إِنْسَان خَاطِي وَالعَدُّو عَايِز يَمْلُك نِفُوس جِدِيدَة وَرَبِّنَا يَسُوع عَايِز يِشْفِي نِفُوس جِدِيدَة لأِنُّه مَكْتُوب ﴿ لِلرَّبِّ حَرْب مَعَ عَمَالِيق ﴾ ( خر 17 : 16) الحَرْب لَمْ تَنْتَهِي وَالشَّيْطَان مَخَلَصْش شُغْلُه وَرَب المَجْد يَسُوع مَخَلَصْش شُغْلُه .. قَالَّك ﴿ أبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأنَا أعْمَلُ ﴾ ( يو 5 : 17) عَمَّال يُفُك نَاس مِنْ أسْر – أسْر خَطَايَا – يِشْفِي عُقُول مَرِيضَة مَرَضِتْ مِنْ سُلْطَان الخَطِيَّة إِكْشِف عَلَى عَقْلَك شُوفُه سَلِيم وَلاَّ لأ ؟ شُوف بِتْفَكَّر صَح وَلاَّ لأ ؟ بِتْفَكَّر فِي الأبَدِيَّة أدْ إِيه ؟ بِتْفَكَّر فِي مَصِيرَك الأبَدِي أدْ إِيه ؟ بِتِرْضِي رَبِّنَا أدْ إِيه ؟ بِتِقْدَر تِقُول لِلغَلَط لأ ؟ لَوْ مِشْ بِتِقْدَر تِقُول لِلغَلَط لأ يُبْقَى إِنْتَ مِشْ بِتْفَكَّر صَح تِقُولِّي مِشْ بَعْرَف أقُول لأ أقُولَّك يُبْقَى إِنْتَ مِشْ مَالِك إِرَادْتَك لَوْ مَا مَلَكْتِش إِرَادْتَك يُبْقَى إِنْتَ مَسْلُوب العَدُّو يِعْمِل كِدَه يِسْلِب الإِنْسَان أجْمَل مَا يَمْلُك وَأقْدَس مَا يَمْلُك يِضْرَب الإِنْسَان فِي قُدْس أقْدَاسُه فِين ؟ فِي عَقْلُه فِي حَوَاسُه فِي مَشَاعْرُه فِي بَصِيرْتُه هُوَ دَه جَوْهَر عَمَل العَدُّو جَوْهَر عَمَل العَدُّو إِنْ يِخَلِّي الإِنْسَان يُبْقَى لُه عِين وَلاَ يُبْصِر يُبْقَى لُه أُذُن وَلاَ يَسْمَع يُبْقَى لُه فِكْروَلاَ يُفَكِّر أدِي الجُنُون اللِّي بِيصِيب النَّفْس مِنْ جَرَّاء كَثْرِة الإِثم مِنْ جَرَّاء كَثْرِة فِعْل الشُّرُور يِسْلِب الإِنْسَان أجْمَل مَا عِنْدُه أدِي مُشْكِلِة العَدُّو لَمَّا يِسَيْطَر عَلَى إِنْسَان تِلاَقِي مَا يفَكَرْش صَح تِلاَقِي أفْكَارُه مِتْلَغْبَطَة تِلاَقِي كُلَّ أُمورُه مَوَازِينْهَا مِشْ مَوْزُونَة صَح دَه جَاي مِنِين ؟ جَاي مِنْ إِخْتِلاَل فِي دَاخِل المَوَازِينْ جَاي مِنْ إِنْ مُمْكِنْ يِبِيع حَاجَة غَالْيَة جِدّاً بِحَاجَة رِخِيصَة جِدّاً حَاجَة قَيِّمَة جِدّاً بِحَاجَة رَدِيئَة جِدّاً لَمَّا الإِنْسَان يِبِيع الأبَدِيَّة بِبِضْعِة أزْمِنَة أقُولَّك دَه مِشْ حَاسِبْ الأُمور صَح يُبْقَى دَه إِخْتِلاَل فِي العَقْل الخَطِيَّة هِيَّ الجُنُون مَجْنُون أعْمَى إِيه العَمَى ؟ إِنْ يِكُون لُه عِينِين لكِنْ مِشْ شَايِف مِنْ حِيث الوَظِيفَة الطَّبِيعِيَّة هُوَ لُه عِينين لكِنْ مِشْ شَايِف كَام وَاحِد فِينَا يِقُولَّك أنَا بَقْرَا الإِنْجِيل لكِنْ مَا بَفْهَمْش وَلاَ كِلْمَة أقُولَّك دَه عَامِل زَي صَاحِبْنَا الأوَلاَنِي العَقْل بِتَاعُه مِشْ مَوْجُود طَيِّب لَمَّا بِتِقْرَا أي حَاجَة تَانْيَة لِيه بِتِفْهَم ؟ نِفْرِض إِنْ فِي جُزْء صَعْب نِشُوف الجُزْء اللِّي بَعْدُه طَيِّب نِشُوف قِصَّة طَيِّب نِشُوف رَمْز طَيِّب نِشُوف آيَة تِلاَقِي الإِنْسَان مِشْ فَاهِم مِشْ فَاهِم لِيه ؟ لأِنْ العَدُّو سَيْطَر عَلَى مَرْكَز الفِكْر وَخَلاَّه غِير قَادِر عَلَى أي فِكْر رُوحَانِي وَخَلاَّه يِجِي عَنْد الرُّوحَانِي يُبْقَى بَلِيد يُبْقَى فِي سَيْطَرَة مِنْ العَدُّو خَلِّي بَالَك لأ دَه إِنْتَ لَمَّا تِلاَقِي جُزْء مِشْ فَاهْمُه إِفْضَل تَضَّرَع لِرَبِّنَا دَه الآبَاء القِدِّيسِينْ كَانْ يِقُولَّك لَمَّا يِلاَقِي جُزْء مِشْ فَاهْمُه يِفْضَل يِصَلِّي لِرَبِّنَا يُطْلُب فَهْم لِدَرَجِة إِنُّه يُطْلُب مِنْ رَبِّنَا إِنْ رَبِّنَا يِبْعَت لُه كَاتِب السِفْر عَشَان يِفَهِّمُه إِيه المَكْتُوب وَيُقْعُد يِبْكِي لَمَّا يِحَاوِل يِفْهَم ﴿ مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أذْهَانِكُمْ ﴾ ( أف 1 : 18) هُوَ عَايِز يِكُون عَنْدُه فِكْر جَاي مِنْ مَصْدَر الفِكْر لَمَّا وَاحِد يِقُول أعْمَى مَعْنَاهَا إِنْ فِي حَاجَات شَايِفْهَا لكِنْ هُوَ مِشْ شَايِفْهَافِي حَاجَات قُدَّام عِينُه مِشْ شَايِفْهَا أقُولَّك مُمْكِنْ الْمَسِيح يِكُون قُدَّام عِينِيك وَمَا تشُوفْهُوش يَامَا بِيِجِي لِينَا فِي صُورِة نَاس نِسَاعِدْهُمْ مِشْ بِنْشُوفْهُمْ يَامَا بِيِجِي لِينَا فِي صُورِة فِعْل أوْ حَدَث عَايِز يِخَلِّينَا نِشُوفُه مِنْ خِلاَلُه وَمِشْ بِنْشُوفُه مَوْجُود عَلَى المَذْبَح وَعِينِنَا الرُّوحِيَّة مُغْلَقَة دَه جَاي مِنِين ؟ جَاي مِنْ إِنْ العَدُّو مِسَيْطَر مِخَلِّي الحَوَاس بِتَاعِتْنَا شَكْلَهَا شَغَّال لكِنْ فِي جَوْهَرْهَا مِشْ شَغَّالَة . مَجْنُون أعْمَى أخْرَس الخَرَس مَعْنَاه وَاحِد مِشْ عَارِف يِتْكَلِّمْ وَاحِد مِشْ عَارِف يِنْطَق تِسْمَع وَاحِد يِقُولَّك أأقَفْ أصَلِّي مِشْ بَلاَقِي كَلاَم مِشْ بَعْرَف أتْكَلِّمْ وَلَوْ إِتْكَلِّمْت أتْكَلِّمْ وَأنَا مِشْ فَاهِمْ وَلأِنِّي صَلِّيت وَأنَا مِشْ فَاهِمْ فَا أحَاوِل أخْتِم الصَّلاَة فَيَتَسَائَل إِنْ الصَّلاَة دِي مِشْ مَقْبُولَة يُبْقَى أنَا بَلاَش أصَلِّي أحْسَن إِيه دَه ؟ دَه سَيْطَرِة العَدُّو عَلَى نُطْق الإِنْسَان وَعَلَى فَهْم الإِنْسَان وَعَلَى حَوَاس الإِنْسَان عَشَان تَزْدَاد الفَجْوَة عَشَان الإِنْسَان يِبْعِد أكْثَر وَأكْثَر طَيِّب إِيه المَطْلُوب ؟ لَمَّا ألاَقِي نَفْسِي مِشْ عَارِف أنْطَق أرْشِم الصَّلِيب عَلَى شَفَتَيَّ مُعَلِّمْنَا دَاوُد النَّبِي كَانْ يِقُول كِدَه ﴿ يَارَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحَك ﴾ ( مز 51 : 15) مِشْ عَارِف أتْكَلِّمْ لِسَانِي مَرْبُوط أنَا بَجِي أتْكَلِّمْ بَلاَقِي شَفَايْفِي مُغْلَقَة مِينْ اللِّي يِفْتَحْهَا ؟ إِنْتَ اللِّي تِفْتَحْهَا إِنْتَ اللِّي تخَلِّينِي أعْرَف أتْكَلِّمْ مَعَاك 10 دَقَايِق ½ سَاعَة سَاعَة سَاعْتِين ﴿ يَارَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحَك ﴾ عَشَان كِدَه المَزْمُور يِقُول ﴿ لَيْسَ الأمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبِّ ﴾ ( مز 115 : 17) الأمْوَات هُمَّ إِيه ؟ الأمْوَات بِالذُّنُوب وَالخَطَايَا مَيِعْرَفْش يِفْتَح فَمُه يِسَبَّح يُقَفْ فِي الكِنِيسَة النَّاس كُلَّهَا بِتْسَبَّح وَهُوَ وَاقِفْ مِشْ يِقُول إِيه مِشْ عَايِز يِقُول مِشْ مِتْجَاوِب جَاي مِنِين ؟ جَاي مِنْ إِنْ اللِّسَان مَضْبُوط جَاي مِنْ إِنْ اللِّسَان مَرْبُوط مِنِين ؟ مِنْ كَثْرِة الخُضُوع لِلعَدُّو يِسْلِب الإِنْسَان النُطْق الرُّوحِي يِخَلِّي مَفِيش تَسْبِيح لكِنْ القَلْب لَمَّا يِتْحَرِّك يَعْمَل الرُّوح إِتْفَرَّج بَقَى القِدِيس أُوغُسْطِينُوس يِقُولَّك كِدَه ﴿ حِينَمَا يُفَعَّمْ القَلْب بِحَرَارِة الرُّوح تَنْفَك عُقْدَة اللِّسَان ﴾ وَبِحَسَبْ تَعْبِير الكِنِيسَة يِقُولَّك * تَعْلِيَات الله فِي حَنَاجِرْهُمْ * جَاي مِنِين ؟جَاي مِنْ قَلْب مُفَعَمْ بِالرُّوح فَتِلاَقِي الكَلاَم طَالِع مِشْ بِمُجَرَّد لِسَان لأ مَجْنُون أعْمَى أخْرَس إِيه اللِّي بِيخَلِّي الوَاحِد يُقَفْ مِشْ بِيلاَقِي كَلاَم قُدَّام رَبِّنَا ؟ دَه إِنْتَ إِتْكَلِّمْ عَنْ تُوبْتَك وَاتْكَلِّمْ عَنْ تَسْبِيحُه وَتكَلِّمُه عَنْ عَظَمْتُه أُطْلُب عَنْ الآخَرِينْ دَه إِنْتَ تِوْصَل لِلدَّرَجَة إِنَّك مِشْ تِقُول مِشْ لاَقِي كَلاَم لكِنَّك تِقُول مِشْ عَارِف أوَقَفْ الكَلاَم مَجَرَبْتِش تُقْعُد مَعَ وَاحِد غَالِي عَلِيك تِتْكَلِّمْ مَعَاه سَاعَات وَالوَقْت يِعَدِّي وَتقُول الوَقْت عَدَّى بِسُرْعَة كُلَّ مَا تُدْخُل النَّفْس فِي عِشْرَة أجْمَل كُلَّ مَا تُدْخُل فِي وَقْفَة أطْوَل وَكُلَّ مَا تِتْكَلِّمْ بِمَشَاعِر أجْمَل وَكُلَّ مَا تِتْكَلِّمْ بِكَلاَم يِفَرَّحَك أكْثَر وَيُسْكُنْ جُوَاك وَيُغْنِيك وَيِشَبَّعَك الأخْرَس شُفِي لِيه ؟ وَقَفْ قُدَّامُه هُوَ اللِّي فَكْ العُقْدَة بِتَاعِت لِسَانُه هُوَ اللِّي عَلِّمُه يِقُول إِيه هُوَ اللِّي أعْطَى لُه لِسَان تَسْبِيح عَشَان كِدَه يِقُولَّك يُعْطِي لَك لِسَان تَسْبِيح عِوَض عَنْ الرُّوح اليَائِسَة يِفُك عُقْدِة اللِّسَان عَشَان كِدَه مُعَلِّمْنَا دَاوُد لَمَّا يِقُولَّك﴿ عَلَى أنْهَار بَابِل هُنَاك جَلَسْنَا بَكِينَا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيُون عَلَي الصَّفْصَاف فِي وَسَطْهَا عَلَّقْنَا قِيثَارَاتْنَا ﴾ لِيه ؟ مِشْ عَارِف يِتْكَلِّمْ لِيه ؟ مَسْبِي قَالُوا لَهُ رَنِّم لِينَا تَرْنِيمَة حَاوِل يِرَنِمْ لكِنْ مِشْ عَارِف فَقَالَ لَهُمْ ﴿ كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَة الرَّبَّ فِي أرْضٍ غَرِيبَة ؟ ﴾ ( مز 137 : 1 – 2 ؛ 4 )الإِنْسَان المَسْبِي بِالخَطَايَا صَعْب جِدّاً يِكُون فِيه عِشْرَة بِينُه وَبِين رَبِّنَا فَكْ الرُّبَاط دَه إِتْحَل مِنْ القُيُود قَالُّه ﴿ إِنْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ ﴾ ( أش 52 : 2 ) هُوَ دَه الفِكْر اللِّي الكِنِيسَة عَاوْزَه تِقُولَّك النَّهَارْدَة إِنْتَ وَاقِفْ قُدَّام مِين ؟ حَالْتَك هِيَّ دِي وَصَلْت إِنْ إِنْتَ مَجْنُون مِشْ عَارِف تُقَيِّم الأُمور صَح ؟!! إِبْتَدِيت تِسْعَى وَرَاء المَادِيَات أكْثَر مِنْ الرُّوحِيَات ؟!! إِبْتَدِيت تِشْتِرِي الأرْض بَدَل السَّمَاء ؟!! إِبْتَدِيت تِحِب الشَّر أكْثَر مِنْ الفَضِيلَة ؟!! دَه الجُنُون أعْمَى مِشْ شَايِف قُدَّام عِينِيك مِشْ شَايِف البِر مِشْ شَايِف التَّقْوَى مِشْ شَايِف الْمَسِيح أخْرَس مِشْ عَارِف تِصَلِّي مِشْ عَارِف تِتْكَلِّمْ كِلْمَة تِبْنِي مِشْ عَارِف تِصَالِح إِتْنِين مِشْ عَارِف وَاحِد يُبْقَى غَضْبَان تِهَدِّيه وَصَلْت لِلحَالَة دِي يِقُولَّك ﴿ أُحْضِرَ إِلَيْهِ ﴾ ( مت 12 : 22 ) وَصَلْت لِلحَالَة المَأسُوف عَلِيهَا دِي إِتْقَدِّم إِلِيه أقَفْ قُدَّامُه مِشْ مَطْلُوب مِنَّك غِير إِنَّك تِكْشِف جِرَاحَاتَك لِلطَّبِيب وَهُوَ يِشْفِيك إِعْرِض نَفْسَك عَلِيه مِحْتَاج تِشُوف لَك طَبِيب مَاهِر مِحْتَاج تُقَفْ قُدَّامُه بِوَضْعَك دَه مُجَرَّد تُقَفْ قُدَّامُه فِي حَالِة صَمْت وَانْكِسَار وَطَلَبْ شِفَاء إِنْتَ تِصْعَب عَلِيه يِتْحَنِّنْ عَلِيك وَيِفُك عُقْدِة لِسَانَك وَيِرَجَع لَك بَصِيرْتَك وَيِرَجَع لَك عَقْلَك المَفْقُود المَسْبِي عَشَان كِدَه لَمَّا إِتْقَدِّم الْمَسِيح بِسُلْطَانُه قَالْ لِلشِيطَان أُخْرُج وَالآبَاء القِدِّيسِينْ لَمَّا يَتَلَذَّذُوا بِالكِتَاب المُقَدَّس يِحِبُّوا يِجِيبُوا المَعَانِي بِاللُغَة اليُونَانِيَّة وَبَعْدِين يِشُوفُوا مَدْلُولاَتْهَا يِقُولَّك كَلِمَة * أُخْرُج * مَا كَنِتْش مُجَرَّد * أُخْرُج * دَه زَي وَاحِد بِيُكْرُش وَاحِد بِعُنْف فِي فَرْق لَمَّا أقُول لِوَاحِد * أُخْرُج * عَنْ لَمَّا أقُولُّه * إِتْفَضَّل إِطْلَع بَرَّه * فِي فَرْق فِي اللَهْجَة فِي الأُسْلُوب فِي المَعْنَى الْمَسِيح بِيقُولُّه أُخْرُج بِسُلْطَان مِشْ بِيِتْحَايِل مِشْ بِيِتْفَاوِض مِشْ بِيقُولُّه لَوْ سَمَحْت لأ دَه بِيقُولُّه أُخْرُج بِسُلْطَان حَلْ كُلَّ أُمورِي فِي إِيدُه هُوَ كَلِمَة مِنُّه تِشْفِي كَلِمَة مِنُّه تِحِل رَبَاطَات كَلِمَة مِنُّه تِخَلِّي العَدُّو اللِّي طِمِع فِيَّ وَامْتَلَكْنِي وَاتْصَارِع عَلَيَّ وَغَلَب هُوَ يِنْهِزِم وَيَتَرَاجَع عَشَان كِدَه صِرَاع الله وَالعَدُّو عَلَى النَّفْس صِرَاع عَنِيف جِدّاً مُنْذُ بِدَايِة الخَلِيقَة وَإِلَى اليُّوم الشِيطَان يِحَاوِل أنْ يَمْتَلِك النَّفْس وَلَمَّا يَمْتَلِكْهَا يِذِلَهَا وَيِسْلِبْهَا أغْلَى وَأجْمَل مَا تَمْلُك يِجِي رَب المَجْد يَسُوع يِقُولُّه لاَ دَه بِتَاعِي أنَا يُكْرُش بِقُوَّة بِجَبَرُوت بِسُلْطَان بِكَلِمَة التَّانِي يِتْخِزِي لِيه ؟ لأِنُّه عَارِف إِنْ هُوَ حَرَامِي وَعَارِف إِنْ دَه مِشْ مَكَانُه وَعَارِف اللِّي عَمَلُه دَه مِشْ مِنْ حَقُّه وَعَارِف إِنُّه مِشْ حَا يِقْدَر يِثْبَت قُدَّامُه لأِنْ دَه الخَالِق وَدَه القَوِي هُوَ اللِّي قَادِر اللِّي هُوَ نَفْسُه يُلْقِيه فِي بُحِيرَة هُوَ قَادِر إِنْ هُوَ يُهْلِكُه هُوَ نَفْسُه فَيِقُولُّه أُخْرُج فَيُخْرُج إِنْتَ مَعَاك قُوَّة جَبَّارَة المَفْرُوض تِقُولُّه ﴿ إِلهْنَا مَلْجَأنَا وَقُوَّتْنَا ﴾ ( مز 45 – مِنْ مَزَامِير الثَّالِثَة ) إِنْتَ لاَزِم تِكُون وَاثِق مِنْ قُدْرِتُه عَلَى الشِّفَاء اللاَنِهَائِيَّة غِير مَحْدُودَة لِيه فِيك رُوح ضَعْف ؟ لِيه حَاسِس إِنْ الأُمور بِتَاعْتَك هِيَّ كِدَه وَحَا تِفْضَل كِدَه وَمَفِيش حَلْ وَأنَا جَرَّبْت لاَ عَارِف أصَلِّي وَلاَ عَارِف أعِيش فَضِيلَة وَجُوَايَا رَغْبَة إِنْ أنَا أتْحَسِنْ بِس مِشْ مُمْكِنْ وَمِشْ حَا يِحْصَل أقُولَّك لِيه ؟ لِيه وَإِنْتَ فِي إِيدَك صَلِيب ؟!! لِيه وَإِنْتَ مُمْكِنْ تِنْطَق بِإِسْم يَسُوع ؟!! دَه إِسْم يَسُوع مُرْعِب دَه صَار أسْمَاء القِدِّيسِينْ اللِّي أرْضُوه مُرْعِب لِعَدُو الخِير فَكَمْ يَكُون إِسْم يَسُوع نَفْسُه ؟!! لِيه تُبْقَى إِنْتَ مَعَاك مَخَازِن لأِسْلِحَة إِلهِيَّة وَلِيه تُبْقَى عَايِش خَاضِع لِعَدُو ضَعِيف مَهْزُوم ؟!! لِيه ؟ عَشَان كِدَه قَالَ لَهُ أُخْرُج فَلاَقِينَا الأعْمَى شَاف وَالأخْرَس إِتْكَلِّمْ وَاللِّي كَانْ مَجْنُون لَقِينَاه فِي صُورَة مُتَعَقِّلَة نِقُول مَعْقُولَة هُوَ دَه ؟!! يِقُول آه هُوَ دَه يَا لِشَرَاسِة العَدُّو يَا لِشَرَاسِة العَدُّو اللِّي سَلَبِت الإِنْسَان كَرَامْتُه وَلاَزَالَتْ تِسْلِب الإِنْسَان كَرَامْتُه لَمَّا تشُوف نَفْسَك فِي حَالِة خُضُوع لأِعْمَال العَدُّو وَلَمَّا تشُوف نَفْسَك فِي حَالِة خُضُوع لِلوَصَايَا الإِلهِيَّة تِلاَقِي حَتَّى صُورْتَك إِخْتَلَفِت حَتَّى مَلاَمْحَك إِخْتَلَفِت صُوتَك إِخْتَلَف رُدُود أفْعَالَك إِخْتَلَفِت مَشَاعْرَك إِخْتَلَفِت كُلَّ شِئ لِيه ؟ لأِنْ كُلَّ حَاجَة رِجْعِت مَكَانْهَا لأِنْ إِنْتَ إِبْتَدِيت تِعِيش بِحَسَب الحَقَّ الإِلهِي وَبِحَسَب الصُورَة الإِلهِيَّة وَبِحَسَب صُورِة خَالِقَك وَابْتَدِيت تُمَجِّد إِلهَك اللِّي خَلَقَك مِنْ أجْلُه القِدِيس أُوغُسْطِينُوس كَانْ يِقُول لِرَبِّنَا كِدَه ﴿ خَلَقْتَنَا يَارَبُّ لَكَ فَلاَ وَلَنْ تَطْمَئِنْ نِفُوسْنَا إِلاَّ بِالحَيَاة مَعَك ﴾ أدِي الإِنْسَان اللِّي يُؤمِنْ بِقُوِّة الْمَسِيح تُؤمِنْ بِقُوِّة الْمَسِيح فِي حَيَاتَك إِنَّهَا قَادِرَة إِنْ هِيَّ تِغَيَّر قَادِرَة تُرُد إِلِيك كُلَّ مَا سُلِب مِنَّك وَتِرَجَع لَك المَفْقُود أزْيَد مِمَّا كَانْ تُعْطِيك نِعْمِة التَّسْبِيح وَنِعْمِة الرُؤيَة وَتُعْطِيك نِعْمِة العَقْل وَالقُدْرَة عَلَى التَمْيِيز بَيْنَ الأُمور المُتَخَالِفَة دَه عَمَل الْمَسِيح فِي الحَيَاة كُون إِنْ الإِنْسَان يِسَلِّم نَفْسُه لِلعَدُّو بِيَأس يُبْقَى إِنْتَ مِشْ عَارِف قُدْرِة إِلهَك يُبْقَى إِنْتَ مِشْ مُدْرِك هُوَ قَادِر يِعْمِل فِيك إِيه إِنْتَ لَوْ قُلْت دِلْوَقْتِي يَارَب أنَا ضَعِيف إِنْتَ اللِّي قَادِر تِغَيَّرْنِي أنَا بَلْتِجِئ إِلِيك بِكُلَّ ضَعْفِي بَلْقِي كُلَّ هَمِّي عَلِيك أنَا بَقُولَّك يَارَب إِنْتَ قُوَّتِي وَتَسْبِحَتِي أنْتَ مُعِينِي أنْتَ يَارَب اللِّي مُخَلِّص نَفْسِي إِقْتَرِب إِلَى نَفْسِي وَفُكَّهَا إِقْتَرِب إِلَى لِسَانِي المَرْبُوط وَإِنْتَ اللِّي تِفُكُّه إِقْتَرِب إِلَى عَقْلِي اللِّي إِتْشَل وَإِنْتَ اللِّي قَادِر تُرُد لُه التَّفْكِير السَلِيم إِقْتَرِب إِلَى بَصِيرْتِي وَاكْشِف لَهَا عَجَائِب وَاعْطِيهَا نِعْمَة عَشَان تِشُوفَك تِلاَقِي فِي قُوَّة دَخَلِت لَوْ وَاحِد عَامِل فِتِو يُدْخُل بِيت وَيِرُوح رَابِط كُلَّ اللِّي فِيه وَيِرُوح مِنَزِل كُلَّ العَفْش وَيِسْأل النَّاس وَهِيَّ مَرْبُوطَة فِين الدَّهَبْ ؟ النَّاس مَعَ الخُوف يِشَاورُوا لُه وَيِذِلُّهُمْ وَيِضْرَبْهُمْ وَيِمْنَع عَنْهُمْ الأكْل تَخَيَّل لَوْ وَاحِد لُه مَرْكَز كِبِير مُجَرَّد يُدْخُل يِشُوف المَنْظَر دَه كُلَّ حَاجَة تِتْغَيَّر الرَّاجِل المُسْتَبِد دَه خَلاَص تِلاَقِي فِي إِيدُه كَلاَبْشَات أصْغَر عَسْكَرِي مُمْكِنْ يِضْرَبُه فِين الحَاجَة اللِّي خَدْتَهَا ؟ يِقُول فِي المَكَان الفُلاَنِي يِرَجَع كُلَّ حَاجَة مَكَانْهَا وَيَعْتَذِر لِلنَّاس اللِّي عَمَل فِيهُمْ كِدَه وَيِرُوح وَيِتْسِجِن هُوَ دَه الصِرَاع اللِّي بِينْ رَبِّنَا وَبِينْ العَدُّو تَخَيَّل حَالِة السَلْب وَالنَهْب اللِّي إِنْتَ عَايِش فِيهَا دِي تَخَيَّل لَمَّا تُبْقَى رَاضِي عَنْهَا تَخَيَّل لَمَّا تِكُون قَاعِد تَصَالَحْت مَعَ سَالِبَك تَخَيَّل أي حَاجَة تِقُولُّه عَلِيهَا حَاضِر الله لَمْ يَخْلِقْنَا لِنَهْلَك وَلَمْ يَخْلِقْنَا لِكَيْ مَا نُوضَع فِي يَدْ أعْدَائْنَا وَلكِنْ هُوَ خَلَقْنَا لِكَيْ مَا نَكُون لَهُ ﴿ حِينَئِذٍ أُحْضِرَ إِلَيْهِ مَجْنُون أعْمَى وَأخْرَس ﴾ ( مت 12 : 22 ) كُلَّ وَاحِد فِينَا النِّهَارْدَة وَاقِفْ قُدَّامُه يِقُولُّه حَالْتِي لاَ تَخْتَلِف كَثِيراً عَنْ المَجْنُون الأعْمَى الأخْرَس دَه الرَّاجِل دَه اللِّي مَسْلُوب كُلَّ شِئ تَقْرِيباً أنَا زَيُّه أنَا طَاوِعْت شَهَوَاتِي إِلَى النِّهَايَة أفْقَدِتْنِي قُدْرَات كِتِير أنَا وَصَلْت لِدَرَجَة مِنْ الإِخْتِلاَل العَقْلِي المَوَازِين بِتَاعْتِي مِشْ مَظْبُوطَة أنَا مِشْ عَارِف أسَبِّحَك وَلاَ عَارِف أفْهَمَك وَلاَ عَارِف أفْهَم فَضَايْلَك دَه أنَا بَقِيت أقُول عَلَى النَّاس اللِّي بِيِعْمِلُوا فَضِيلْتَك دُول نَاس مِشْ مُتَعَقِلِين دَه أنَا اللِّي مِشْ مُتَعَقِل أقَفْ قُدَّامُه مُجَرَّد بَسْ إِنُّه يُحْضَر إِلِيه يِقُولَّك فَشَفَاه حَتَّى أنَّ الأعْمَى الأخْرَس تَكَلَّمْ وَأبْصَر( مت 12 : 22 ) رَبِّنَا يِدِّينَا أنْ نَلْمَس قُوَّة الْمَسِيح فِي حَيَاتْنَا وَأنْ نِتَضَايَق مِنْ إِسْتِبْدَاد العَدُّو وَأنَّ كُلَّ مَا إِزْدَاد إِسْتِبْدَادُه لِينَا كُلَّ مَا زَاد صُرَاخْنَا لِلقَادِر أنْ يُخَلِّصْنَا رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
29 أكتوبر 2022

إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر بابه

تتضمن الحث على سماع التعاليم الإلهية مرتبة علـى فصل ركوبه السفينة وانتهاره الريح . ( مر 4 : 35-41 ) يجب علينا ايها الأحباء أن نتمسك بالايمان الوثيق والأعمال الفاضلة وننتبـه من سنتنا . ونسارع إلى طاعة إلهنا . لنقدر على تسكين رياح المحن وتلاطم أمـواج المعاندين . لاننا اذا تركنا الاهتمام بالأشياء الحاضرة واللذات الزمنية . ووقفنا امـام ربنا كل حين فإنه حينئذ يجود علينا بالممالك السمائية والكنوز الأبدية . ويسمح بالخلود في النعيم . وكما أن الأباء الجسدانيين إذا أحدق بهم الأولاد من كـل جـانب وتركوا لعبهم وانعطفوا إلى طاعتهم بكل قلوبهم . يقبل عليـهم الأبـاء أتـم قبـول ويمنحونهم الأموال والهدايا والعطايا الجزيلة . هكذا يكون الأباء الروحيون . وكذلـك أكون أيضاً اليوم إذا رأيتكم مجتمعين اجتماعاً روحياً . مسرعين إلى سماع التعــــاليم الألهية بمحبة ونشاط . محافظين على العمل به مسرورين . معرضين عن الاهتمـام بالأمور الجسمانية . متهافتين للجلوس على المائدة الروحانية . فأنى اسر أن امنحكـم التعاليم المنقذة للنفوس وكما أن الفلاح إذا نظر إلـى جـودة الأرض ونقاهـا مـن الأشواك والأوساخ والحشائش الردية يروم إن يزرع الحبوب بكثرة . هكـذا يـكـون حالي أنا الأن فأني إذا رايت أراضي نفوسكم قد تنقت من الاهتمام بالسكر والبـذخ وطيشان الأذهان وهيمان الأفكار الشريرة وتكون عقولكم ناظرة إلى السماء وممتـدة نحو الباقيات ومستولية على قهر الطبيعة الجسمية . فأني اسارع إلى وضع البـذاربكثرة . حيث لا اشواك تخنقه . ولا طيور تلقطه . ولا عابر طريق يقلعه . أين هذا ايها الأحباء إذ كنا لا نسمع كلام الله ولا نعمل به ؟ الا نعلم كما أن الإيمان بدون عمـلى لا يجدي نفعا . كذلك سماع كلمة الله بدون فهمها والعمل بها لا يفيدنا شيئا فالذي يسـمع ولا يعمل يشبه ذلك الجاهل الذي بنى بيته على الرمل . لهذا أتضرع اليكم ايها الأحباء . ان يكون سماعكم للأقوال الألهيـة كسـمع الفاهمين لها والباحثين عن معانيها المسارعين إلى العمل بأوامرها . الحذريـن مـن مخالفتها . الخائفين من العقاب عن اهمالها . لنشابهوا الذي حفـر الأسـاس وأجـاد . ووضع الحجر على الصخرة مقدما النظر نحو ملاقاة الرياح ومصادمـة الأمواج وإلا يكون سماعكم كسمع المهملين الذين يضيعون أتعابهم باطلا . حيث يتعبون فـى جمع الحجارة وأبتياع الآلات وصرف نفقات الفعلة والبنائين ثم يضعـون الأسـاس على الرمل أسمعوا ربنا له المجد حيث يقول : " من يسمع أقوالي ويعمل بها أشـــبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبـت الريـاح ووضعت على ذلك البيت فلم يسقط . لأنه كان مؤسسا على الصخرة " مت٢٤:٧-٢٥ وقال ايضـا " وكل من يسمع أقوالي هذا ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته علـى الرمـل . فنزل المطر وجاءت النهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سـقوطه عظیما مت٢٦:٧-٢٧ فسبيلنا إذن أن نقلع عن التلاهي بـــــــالزائلات وأعمالـها النجسـة كالـهزء والضحك وسماع الاصوات الخبيثة وما شبه ذلك . ولنتمسك بأعمال المحبة والرحمـة والرأفة والاتضاع والصدقة على المحتاجين والأفراج عـن المتضـايقين وأفتقـاد المسجونين.والأنشغال بالأمور العقلية المثمرة لهذا . كالصلوات والقـراءات وغـير ذلك . ونقف قدام ربنا بوجوه مشرقة وأعمال مضيئة . فنأخذ أكليـل الظفـر ونفـوز بنعمة ربنا والهنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد أمين . القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
28 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ 4

ذكرنا في الأعداد الثلاثة الماضية عشرة جوانب عن المسئولية الأسقفية. ونستكمل في هذا العدد آخر جانبين من هذه المسئولية وهما: المسئولية المعرفية – المسئولية الجمعية. وبذلك تكتمل هذه المقالات الأربعة عن المسئولية الأسقفية في اثني عشر جانبًا لها. حادي عشر: المسئولية المعرفية: يليق بالأسقف أن يكون على دراية وإلمام بل ومعرفة كاملة ببعض الأمور التي تستوجبها خدمته في إيبارشيته، وبخاصة مع عالم يجابه متغيرات سريعة وتحديات صعبة وأخلاقيات مغلوطة.. 1- المعرفة اللاهوتية: بكل أبعادها التاريخية والكنسية والمسكونية. 2- المعرفة الثقافية الحضارية: اللغة: والمقصود بها لغة البلد التي سيخدم بها (لغة أجنبية)، وأيضًا اللغة بشكلها الاجتماعي ولهجاتها المختلفة والمفردات التي تميز كل لهجة وطريقة استخدامها تبعًا للمجتمع الذي تُستخدم فيه.. وطريقة الحوار المناسبة لكل فئة.. الـCulture : وهو موضوع كبير جدًا يحتاج إلى قراءات واسعة.. وإرشاد من الذين يعيشون في مجتمع الإيبارشية.. وتدريب عملي بالمعايشة لفترة قبل السيامة.. وهي دراسة ومعرفة تخصّ المجتمع الكبير وليس مجتمع الكنيسة.. والتحدي الأكبر هنا يكون للأسقف في الخارج: كيف يفكرون؟ ما هي الأخلاقيات المقبولة، وغير المقبولة؟ ما الذي يحكم ثقافتهم؟ ما هو مصدر ومرجع تفكيرهم وسلوكهم: الدين، أم الفلسفات والأفكار، أم المنفعة الاقتصادية، أم التوجه السياسي، أم القوانين، أم غير ذلك؟ 3- المعرفة النفس – اجتماعية:- ابتعاد الراهب عن العالم وعن الحياة المجتمعية وعن الحياة الاجتماعية والأسرة والزوجة والأطفال والشباب والإخوة والأخوات والجيران وزملاء وزميلات العمل والشارع والمتطلبات المادية والاجتماعية والنفسية لكل هؤلاء (المقصود ابتعاده عن خبرات الحياة في هذه الأدوار) تجعل من الصعب أن يتفهم الأسقف حقيقة حياة هؤلاء.. لذا تصبح مهمة استيعاب ودراسة تلك الأمور صعبة وشاقة وتحتاج اجتهادًا ومعونة للحكمة والفهم.. المرأة: أكبر مشكلة فهم سيكولوجية المرأة وطبيعتها ونموها واختلاف مراحل حياتها فسيولوجيًا ونفسيًا.. المرأة المتزوجة، الأم، الراهبة، المكرّسة، الخادمة.. المرأة المعينة (حواء)، المطيعة المتعجلة (سارة)، الزوجة المعزية، والأم المميِّزة لأحد الأبناء (رفقة)، الجميلة السارقة (راحيل)، المنسية واسعة الحيلة (ثامار)، الجدعة المسئولة (مريم أخت هارون)، المغوية اللحوحة الشريرة (دليلة - قض16:16)، الوديعة التابعة (راعوث)، الذكية الحكيمة (أبيجايل)، الباحثة المدققة المحبة التعلّم (ملكة سبأ)، الطماعة غير القانعة الشريرة (إيزابل، زوجة لوط)، المصابة بجنون العظمة والـInsecurity (عثليا)، المضحية (أستير)، الصبورة والجاهلة (زوجة أيوب)، الخائنة (زوجة فوطيفار، جومر زوجة هوشع)، المرأة القادرة (هيروديا)... المرأة الفاضلة.. مَنْ يجدها؟ الرجل: سيكولوجية الرجل وطبيعته الجسدية ومراحل قوته وضعفه.. أنماط الرجال.. طريقة التعامل معهم واستخدام مواهبهم وقدراتهم. الأسرة: تحديات.. متطلّبات.. متغيرات جوهرية.. الشباب: أجيال متباينة.. مستويات عقلية وفكرية وثقافية متباينة.. نفسيات متطلبة جدًا.. انفتاح أخلاقي.. رؤية مختلفة جدًا للكنيسة وطقوسها وأسرارها وآباءها وحتى تاريخها.. العقل لا النقل!!!!! الجيل Z وهم الذين وُلدوا بعد عام 2000م ولهم الآن 22 سنة في عصر جديد. 4- معرفة مجتمع الإيبارشية:- جغرافية الإيبارشية وتاريخها نوعية المجتمع (زراعي – تجاري – متعدد المهن – فقير / غني – متعلم / مثقف / غير متعلم – حضاري – سياحي – عمالي...) كبار الكهنة والشيوخ والأراخنة وأصحاب التأثير وكيفية التعامل بحكمة معهم. 5- المعرفة القانونية والوطنية:- معرفة قوانين البلد التي تنتمي لها الإيبارشية – العادات – التقاليد – القيم معرفة القيادات الوطنية وتقديم المحبة لهم والشخصيات المؤثرة في الإيبارشية، وتقديم المحبة لهم هذه هي المسئولية المعرفية وهي واسعة جدًا وما ذكرناه مجرد شذرات قليلة... ولذا وجب الاجتهاد الشخصي والقراءة والمناقشة والملاحظة... الخ. ثاني عشر: المسئولية المجمعية: 1- الحضور والالتزام:- في مجمع أورشليم التزم الرسل والأساقفة بالحضور: «فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ لِينْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ» (أع15: 6). هدف حضورنا جميعًا هو التأكيد على المحبة قبل كل الأمور المتعلقة بالكنيسة وشركتنا في المجمع معًا كلنا هي أكبر محبة.. «وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ» (عب10: 24-25). 2- المشاركة والحوار:- لا تمتنع عن إبداء رأيك: «لاَ تَمْتَنِعْ مِنَ الْكَلاَمِ فِي وَقْتِ الْخَلاَصِ، وَلاَ تَكْتُمْ حِكْمَتَكَ إِذَا جَمُلَ إِبْدَاؤُهَا. فَإِنَّمَا تُعْرَفُ الْحِكْمَةُ بِالْكَلاَمِ» (سيراخ 4: 28-29) ستسمع الآخرين ولكن مشاركتك هي إثراء وزيادة وغنى لما قاله الآخرون: «الْعَالِمُ إِذَا سَمِعَ كَلاَمَ حِكْمَةٍ مَدَحَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ» (سيراخ 21: 18) ثق أن مشاركتك مطلوبة ومبتغاة منّا جميعًا: «فَمُ الْفَطِنِ يُبْتَغَى فِي الْجَمَاعَةِ، وَكَلاَمُهُ يُتَأَمَّلُ بِهِ فِي الْقَلْبِ» (سيراخ 21: 20). 3- الدراسة والبحث:- يقول القديس لوقا عن يهود بيرية: «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أع17: 11)، يصف القديس لوقا يهود بيرية بأنهم أشرف من يهود تسالونيكي لأنهم بالرغم من إيمانهم وقبولهم كلمة الإنجيل، ذهبوا للفحص والدراسة والتأكد مما قاله لهم بولس بفحص النبوات والبحث عن الإجابات لـ"هل هذه الأمور هكذا؟". عندما تطرح نتيجة دراستك وبحثك في أمر ما من أمورنا الكنسية، ستشارك المجمع ولجانه بهذا العلم الذي وصلت إليه، وسنأخذ المشورة الصالحة التي نبنيها على دراستك واجتهاد بحثك: «عِلْمُ الْحَكِيمِ يَفِيضُ كَالْعُبَابِ، وَمَشُورَتُهُ كَيَنْبُوعِ حَيَاةٍ» (سيراخ 21: 16). 4- التمثيل اللائق للمجمع: أضع أمامك عنوانًا مهمًا وهو: "شكلي أيضًا يمجدك".. لنا مظهر نحتاج أن نهتم به، لا من أجل كرامتنا الشخصية، لكن من أجل كرامة الكهنوت وتمجيد الله الذي اختار ثيابًا للكاهن وأطلق عليها صفة التقديس، وجعلها لتميّز عمل الكاهن ورتبته وهو يقوم بالعمل الكهنوتي، وفي العهد الجديد العمل السرائري. هذا واجب وتقليد ينبغي الحفاظ عليه خاصة في الاجتماعات والمقابلات الرسمية: «وَاصْنَعْ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ لِلْمَجْدِ وَالْبَهَاءِ» (خر28: 2). 5- أمانة الحديث / صون خصوصية المجمع: "المجمع المقدس هو بيت الكنيسة، وأعضاؤه هم القائمون على صون البيت وخصوصية أهله".وبالتالي لا ندخل الغرباء إلى هذا البيت دون فحص ونطلعهم على خصوصياتنا: «لاَ تُدْخِلْ كُلَّ إِنْسَانٍ إِلَى بَيْتِكَ؛ فَإِنَّ مَكَايِدَ الْغَشَّاشِ كَثِيرَةٌ» (سي11: 31).كما لا نعلن نحن بألسنتنا خصوصيات هذا البيت المقدس: «قُلْتُ: أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الْخَطَإِ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي» (مز39: 1)، ومكتوب: «قُلُوبُ الْحَمْقَى فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَأَفْوَاهُ الْحُكَمَاءِ فِي قُلُوبِهِمْ» (سيراخ 21: 29). ولتكن صلاتنا: «ضَع يَا رَبُّ حَافِظَاً لِفَمِي. وَبَابَاً حَصِينًا لِشَفَتَيَّ» كقول داود النبي. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
27 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يوئيل

يوئيل "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر" " يؤ 2: 28 " مقدمة لا نكاد نعرف شيئاً كثيراً عن يوئيل النبى، فهو من الأنبياء الذين يختفون ليظهر ضوء الرب ونوره، من غير إشارة إلى المشعل الذى يحمل الضوء واسمه يكاد يشير إلى هذه الحقيقة، إذ أن اسمه يعنى « الرب هو اللّه »، وهو من الشخصيات التى لا يعرف بالضبط تاريخها، فبينما يرد البعض نبوته إلى سنة 810 ق.م، يعتقد آخرون أنه على العكس من ذلك، يأتى متأخراً جداً، ولعل موطن الخلاف بين الأثنين، هو أنه لا يكاد يظهر من نبوته أثر للانقسام بين المملكة الجنوبية والشمالية، فرسالته شاملة ليهوذا وإسرائيل معاً، وإن كان من المرجح أنه عاش فى أورشليم، ورسالته أدنى إلى المملكة الجنوبية، غير أن هذا الرجل العجيب، تتلخص حياته فى كلمة واحدة إذا شئنا الحقيقة: « النصر » فهو نبنى النصر، سواء جاء مبكراً أو متأخراً بين الأنبياء الصغار،.. ومن الغريب أن هذا النصر يأتى لاحقاً لخراب شامل لا يبقى ولا يذر، فمطلع نبوته عن الخراب والدمار والهزيمة القاسية، لكن هذا الخراب قاد الأمة إلى التوبة، وجاء روح اللّه، فى الأرض الخربة، كيوم الخمسين، ليصنع من قلب الخراب، نصراً عظيماً،... كان فى وسط الأنقاض ينادى بالنصر، وكما عاد المسبيون إلى ديارهم بعد الخراب الشامل،... وكما نبتت الكنيسة يوم الخمسين من قلب أمة مستعمرة خربة، لتغزو العالم كله، فإن نبوة يوئيل تمتد إلى آخر الأيام، حيث تخرج كنيسة المسيح منتصرة انتصارها الكامل على الشر والخراب فى العالم إن قصة هذا الرجل، ورسالته من ألمع القصص والرسالات التى ينبغى أن نراها ونتأملها ونحن نعالج الشخصيات الهامة فى كتاب اللّه، ولذا يحسن أن نراه فيما يلى: يوئيل والخطية القاتلة كان يوئيل، أشبه بالإنسان الذى يمشى بين الخرائب والأنقاض، ولو أنه كان مجرد كاتب من كتاب التاريخ، لحدثنا فقط عن نوعين من الخراب ألما بالبلاد، وأتيا على الأخضر واليابس، وهما: حرب الطبيعة، وحرب الإنسان،... فالطبيعة تتمثل فى غزوة الجراد، والحرب تظهر فى انقضاض العدو، وليس هناك وصف أرهب أو أقسى من وصف يوئيل لكليهما، ففى الأصحاح الأول، نرى غارة رهيبة مروعة استخدام فيها اللّه جيشه العظيم، من الجراد، من القمص، والزحاف، والغوغاء، والطيار - أربعة أنواع من الجراد بحسب ألوانها ونضوجها، وغارات الجراد رهيبة ومفزعة لم تبق على شئ، فالكرمة خربت، والتينة تهشمت، وقد تقشر كل شئ، وطرح، ولم تبق هناك سوى القضبان البيضاء الخالية من الورق والثمر معاً،... ولم تكن هناك تقدمة يمكن أن تقدم لبيت اللّه، بعد أن ضاع المحصول وتلف الزرع بأكمله: « انقطعت التقدمة والسكيب عن بيت الرب، ناحت الكهنة خدام الرب »... « تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة، ولولوا ياخدام المذبح، أدخلوا بيتوا بالمسوح يا خدام إلهى لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب » " يؤ 1: 9 و13) كما أن الفلاحين استولى عليهم البؤس والضيق: « خجل الفلاحون، ولول الكرامون على الحنطة وعلى الشعير، لأنه قد تلف حصيد الحقل. الجفنة يبست والتينة ذبلت.. الرمانة والنخلة والتفاحة، كل أشجار الحقل يبست. إنه قد يبست البهجة من بنى البشر ».. " يؤ 1: 11 و12 " « أما انقطع الطعام تجاه عيوننا، الفرح والابتهاج من بيت إلهنا، عفنت الحبوب تحت مدرها. خلت الأهراء. انهدمت المخازن، لأنه قد يبس القمح، كم تئن البهائم، هامت قطعان البقر لأن ليس لها مرعى، حتى قطعان الغنم تغنى. إليك يارب أصرخ لأن ناراً قد أكلت مراعى البرية، ولهيباً أحرق جميع أشجار الحقل، حتى بهائم الصحراء تنظر إليك لأن جداول المياه قد جفت والنار أكلت مراعى البرية». " يؤ 1: 16 - 20 " وفى الأصحاح الثانى وصف مروع رهيب للغزو الحربى: « شعب كثير وقوى لم يكن نظيره منذ الأزل، ولا يكون أيضاً بعده إلى سنى دور فدور. قدامه نار تأكل، وخلفه لهيب يحرق، الأرض قدامه كجنة عدن وخلفه قفر خرب، ولا تكون منه نجاة كمنظر الخيل منظره ومثل الأفراس يركضون كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون. كزفير لهيب نار تأكل قشاً. كقوم أقوياء مصطفين للقتال. منه ترتعد الشعوب، كل الوجوه تجمع حمرة يجرون كأبطال. يصعدون السور كرجال الحرب،يمشون كل واحد فى طريقه ولا يغيرون سبلهم، ولا يزاحم بعضهم بعضاً، يمشون كل واحد فى سبيله وبين الأسلحة يقعون ولا ينكسرون، يتراكضون فى المدينة، يجرون على السور يصعدون إلى البيوت، يدخلون من الكوى كاللص. قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء، الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها، والرب يعطى صوته أمام جيشه. إن عسكره كثير جداً. فإن صانع قوله قوى لأن يوم الرب عظيم ومخوف جداً فمن يطيقه » " يؤ 2: 2 - 11 "... ومن المعتقد أن هذا وصف من أرهب وأقسى الأوصاف القديمة التى حملها التاريخ لنا عن الحرب!!... على أنه من اللازم أن نشير إلى أن غزو الطبيعة، أو غزو الحرب، ليس مجرد أحداث شاءها سوء الظروف أو الطالع، أو نتيجة لهذا أو ذاك من ظواهر الطبيعة، أو علاقات الناس بعضهم بالبعض، إن الأمر عند يوئيل أعمق من ذلك كثيراً،.. إنه نتيجة الخطية القاتلة الرهيبة،... وإن يوم الرب بهذا المعنى، هو ذلك اليوم الذى يأتى فيه الرب، قاضياً دياناً، ليعاقب الخطية الفجور والفساد بين الناس، فى أى مكان وزمان، وفى الوقت عينه هو صورة ورمز ليوم الدينونة الأخيرة، عندما يضرب اللّه ضربته الكاملة للخطية، وحيث يقول الأشرار للجبال أسقطى علينا وللآكام غطينا من وجه الجالس على العرش ومن غضب الحمل!!.. يوئيل والتوبة الصادقة على أن يوئيل - وهو يتحدث عن الخطية التى تجلب كل هذا - يتحول فجأة من الظلام الرهيب، ومن الغيوم الشديدة، إلى نور الشمس المشرقة، وإلى رضا الساكن فى الأعالى، ويكشف عن روح اللّه الذى سيأتى بجلاله ومجده، ليغير كل شئ، ويقلب الأمور رأساً على عقب، أو بتعبير أصح، ليعيد الأمور إلى وضعها الصحيح، بعد أن قلبتها الخطية تماماً، ونحن لا نستطيع أن نرى الأمور فى وضعها الصحيح دون أن نربط بين النبوة كما تنبأ لها بها يوئيل، وتحقيقها فيما حدث يوم الخمسين، كما جاء فى عظة بطرس الرسول ولعله من المناسب أن نشير إلى أن يوم الخمسين، كان العيد الثانى الرئيسى عند اليهود، فالعيد الأول هو عيد الفصح، والثانى عيد الأسابيع، والثالث عيد المظال، وإذا كان الفصح عندهم رمز للتحرر من أرض مصر وعبوديتها، والمظال إعلاناً عن الشكر لراحتهم واستقرارهم فى أرض كنعان فإن عيد الأسابيع كان يشير إلى حقول الحنطة التى ابيضت للحصاد، ولذا كانوا يدعونه أيضاً عيد الحصاد أو يوم الباكورة، وكان يبدأ غد السبت السابع لسبت الفصح، أو بعد خمسين يوماً من ابتداء المنجل فى الزرع والتقليد اليهودى يعتقد أنه اليوم الذى نزلت فيه الشريعة على جبل سيناء. ومن ثم كان يوم الخمسين أنسب الأيام لانسكاب الروح القدس، وميلاد الكنيسة المسيحية، وباكورة الحصاد الهائل فى العالم والتاريخ والأجيال!!.. وهنا نحن نقف وجهاً لوجه أمام قوة الروح القدس، فإذا كانت الخطية قد خلفت الخراب والمجاعة فى غزوة الجراد الرهيبة، فإن روح اللّه قد جاء بالإثمار والحصاد العظيم الهائل،... وإذا كانت الخطية قد تركت الهزيمة القاسية، فإن روح اللّه - على العكس - يخرج النصر العظيم،... ويوئيل هنا يكشف عن عصر الروح القدس، العصر الذى لا يعمل فيه الروح فى حدود جزئية، كما كان يحل على الأنبياء أو المكلفين برسائل معينة من اللّه، وقد يكون هذا الحلول وقتياً لكنه يكشف عن الانسكاب الكامل الذى لا يفرق بين البشر، سواء من ناحية الجنس أو السن أو المجتمع: « إنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم روئ، وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام » " يؤ 2: 28 و29 "والروح القدس عندما جاء غير كل شئ، وكان مصحوباً بالآيات والعجائب، فإذا كان قد أعطى البركة من جانب، فإنه من الجانب الآخر قد قضى بالدينونة على أورشليم الرافضة: « وأعطى عجائب فى السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجئ يوم الرب العظيم المخوف » " يؤ 2: 30 و31 "... ومن العجيب أن يوسيفوس المؤرخ اليهودى، وتاسيتوس المؤرخ الرومانى - قد تحدثا عن الظواهر العجيبة التى صاحبت حصار أورشليم. وقت أن دمرها الرومان، عندما تصاعد فيها الدم والنار وأعمدة الدخان، والمدينة فى طريقها إلى نهايتها الرهيبة، كما حدثانا عن كسوف فى الشمس وخسوف فى القمر الذى أضحى لونه فى لون الدم،... ومع أن هذا الرأى يلفت النظر إلى ما سيكون فى يوم الدينونة الأخيرة من ثورات الطبيعة الرهيبة، إلا أننا نرجح ما يذهب إليه كثيرون من المفسرين، من أن المعنى هنا رمزى، والشموس والكواكب هى الصور الهائلة عن التغييرات التى تحدث عندما تهزم المسيحية الدولة الرومانية، فتنهار نظمها وأكبر الشخصيات التاريخية فيها، ويتمخض التاريخ عن أعجوبة العجائب، ونعنى بها مسيحية الصيادين والفقراء، التى أسقطت قياصرة الرومان، وجبابرة الإمبراطورية العاتية تحت أقدام الناصرى العظيم،وعندما جاء روح اللّه، كان أظهر ما عمله هو تغيير الحياة بالتوبة الصحيحة، أو كما جاء فى أعمال الرسل: « فلما سمعوا نخسوا فى قلوبهم »" أع 2: 37 " أو كما جاء فى طلب اللّه على لسان يوئيل: « ولكن الآن يقول الرب: ارجعوا إلى بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر. لعله يرجع ويندم فيبقى وراءه بركة تقدمة وسكيباً للرب إلهكم »... " يؤ 2: 12 - 14" ولعلنا نلاحظ أن اللّه وهو يطلب تمزيق القلب لا الثياب، لا يقصد إتمام ذلك حرفياً، كأن يمسك الإنسان خنجراً أو سكيناً وينهال بها على قلبه بطعنات قاتلة، ولكن المعنى المقصود مجازى رمزى، تعبيراً عن أعمق حزن يمكن أن يتخيله الإنسان. فإذا كانت العادة فى القديم أن الإنسان يمزق ثيابه، أو يتغطى بمسح تعبيراً عن الحزن القاسى أو الدفين، فإن اللّه لا يرضيه هذا المظهر، إذ أنه يطلب الحزن الداخلى القلبى العميق،... أو فى عبارة أخرى، إن هناك أشياء كثيرة فى حياتنا الروحية الداخلية، يلزم تمزيقها بالتمام!!.. فالخطية بكل صورها ومشتهياتها يلزم أن تمزق، وكل أصنام رابضة فى القلب، يلزم أن تطرح وتحطم،... إلتقى رجلان عاشا فى الهند لمدة ثلاثين عاماً، وقال أحدهما - وقد كان يهوى صيد الحيوانات والوحوش البرية - لقد عشت فى الهند ثلاثين عاماً أصطاد فيها النمور، وقال الثانى وكان مرسلا: لقد عشت فى الهند ثلاثين عاماً دون أن أرى نمراً واحداً!!... وما أكثر الحيوانات الرابضة فى أعماقنا، ويلزم أن نمزقها من قلوبنا تمزيقاً دون أدنى شفقة أو تهاون أو تقاعس أو ترفق!!.. يوئيل والنصر العظيم آمن يوئيل بالنصر وهو يمد بصره إلى آخر الأيام، ولئن كانت رؤياه قد تحققت جزئياً فى الشعب اليهودى، ولاحت تباشيرها فى يوم الخمسين، كما عند سقوط أورشليم وتدميرها على يد تيطس الرومانى، إلا أن النبوة فى كمالها تأتى بنا إلى آخر الأيام عندما تسقط الخطية نهائياً وإلى الأبد، ولعل الدراسة الواعية للأصحاح الثالث من يوئيل، تأتى بنا إلى حقائق عظيمة: قائد النصر والقائد هنا، ليس إنساناً بشرياً، بل هو اللّه العلى بنفسه، والمعركة أساساً معركته، ومن ثم نجده يقول: « شعبى »... « ميراثى » « فضتى ».. « ذهبى »... « نفائسى الجيدة »... وهو يدخل المعركة - لا لمجرد أن يتمم العدالة والكرامة والحق، بين ظالم ومظلوم، وبين صاحب حق، والمعتدى على هذا الحق - بل لأنه هو اعتدى عليه، وجرح فى مركزه وكرامته ومجده،... وهو لا يمكن أن يهدأ على الإطلاق قبل أن يصحح هذا الوضع والأمر، بالضبط، أشبه بمن يلقى حجراً إلى أعلى، ومهما يرتفع الحجر فلابد أن يعود إلى الأرض، مأخوذاً بقانون الجاذبية وسلطانها،.. ومهما يحاول آلإنسان أن يقاوم هذه النواميس الطبيعية، فإنها ستتغلب عليه آخر الأمر، لتضع المقاومة فى وضعها الصحيح، طال الزمن أو قصر!!... وثمة أمر آخر فى القائد، إذ أنه القائد المحب الذى لا يهتم بالمجموع فحسب، بل بكل فرد على حده، إذ لكل واحد منا مكانه الثابت عنده، وهو لهذا لا يقول شعبى فحسب، بل يذكر أيضاً « الصبى » و« البنت » أو أصغر من فى هذا الشعب، أو أقلهم حظاً من الحياة،... إنه القائد الذى اندمج فى جنوده، وهو يخاطب الأعداء: « ماذا أنتن لى يا صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين » " يؤ 3: 4 "... وهو هو بعينه الذى قال: « لأنى جعت فأطعمتونى، عطشت فسقيتمونى، كنت غريباً فآويتمونى، عرياناً فكسوتمونى مريضاً فزرتمونى، محبوساً فأتيتم إليّ.. بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم ».. " مت 25: 35 - 40 "« شاول شاول لماذا تضطهدنى؟!.. صعب عليك أن ترفس مناخس ».. (أع 9: 4 و5) وهو القائد المظفر: « والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطى صوته فترجف السماء والأرض ».. " يؤ 3: 16 " إنه الأسد الخارج من سبط يهوذا!! … وإذا كان نابليون قد عد من عباقرة الحروب، لأنه كان يعتقد قبل أن يدخل المعركة، أن النصر لابد أن يواتيه، ولكن نابليون هزم فى موسكو أشر هزيمة، وعندما سئل لماذا هزم!!.. أجاب: لقد هزمنى الجنرال يناير أو برد الشتاء القارص، وانتهت عبقريته إلى سانت هيلانة، حيث عاش يلعق مرارة الهزيمة حتى الموت، … لكن قائدنا دائماً حى، وقادر على كل شئ، وخرج غالباً ولكى يغلب!!.. أعداء النصر وقد وصف يوئيل أعداء النصر وصفاً دقيقاً، إذ هم أولا الأعضاء الفاسقون، عبيد الفسق والخمر الذين « أعطوا الصبى بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا » " يؤ 3: 3 ". أى أنهم باعوا الصبى الصغير من أجل شهوة الفسق مع زانية، وباعو البنت الصغيرة من أجل كأس من الخمر، أو فى عبارة أخرى، أنهم عبيد الاستباحة والشهوة والمجون، والعربدة والفساد،... كان نلسون سيد البحار وعبد المرأة،... وقد قال روبرت برنز، الشاعر المجيد، الذى هز مشاعر اسكتلندا: إنه لو دخل إلى غرفة ورأى فى ركن برميلا من الخمر، وفى الركن الآخر مدفعاً يهدد من يقف إلى جواره، بأنه سيطلقه على من يشرب المسكر، فإنه لا يتردد فى الشرب حتى ولو كان يواجه الموت لا محالة!!... ولم يستطع أدجار ألن بو » أعظم كاتب للقصة القصيرة فى أمريكا، التخلص على الإطلاق من الإدمان على المسكر،... وكان الأعداء، أعداء قساة، والشر دائماً يقسى القلب: « وألقوا قرعة على شعبى ».. عندما اقتسموا غنائمهم التى غنموها بفرح وبهجة وهم يقترعون على الضحايا وأموالهم!!.. وكان الأعداء أيضاً هم الأعداء اللصوص: « أخذتم فضتى وذهبى وأدخلتم نفائسى الجيدة إلى هياكلكم »، واللصوصية سمة أعداء اللّه فهم سارقون لكل شئ للحياة، والوقت، والمال والمواهب، والوزنات... وهم - إلى جانب ذلك - الأعداء الظالمون: « من أجل ظلمهم لبنى يهوذا »... وهل يمكن أن يكون الخاطئ القاسى الشهوانى اللص إلا ظالماً ومستبداً،... قيل إن روما صنعت تمثالا لأحد العشارين، لأنه كان الوحيد الذى يجبى الأموال بالعدل!!.. وهم آخر الأمر الأعداء الوثنيون الذين أدخلوا نفائس الرب إلى هياكلهم، كانو لصوصاً وفجاراً وأثمة وأشراراً،... فمن الغريب أن يكون لهم أيضاً هياكل!!... أبطال النصر على أنه من الوجهة الأخرى، كان هناك أبطال النصر الذين أطلق عليهم الوحى « الأبطال »... وفى الواقع أن الذين يحاربون من أجل اللّه هم الأبطال حقاً: « إلى هناك أنزل يارب أبطالك » " يؤ 3: 11 " وبطولتهم هى البطولة الحقيقية لا الزائفة، ومن يضارع فى البطولة يوسف، وموسى، وداود وبطرس، ويوحنا، وبولس؟ …، ونقرأ فى سفر الرؤيا فى الأصحاح التاسع: «وشكل الجراد شبه خيل مهيأة للحرب، وعلى رؤوسها كأكاليل شبه الذهب ووجوهها كوجوه الناس»، وهى صورة الأكاليل التى توضع على رؤوس الأبطال الزائفين فى الأرض، وهى ليست ذهباً، بل هى » شبه الذهب » لأنها بطولة زائفة كاذبة، أما أبطال اللّه الذين يقفون إلى جانب الحق مهما كان ضعفهم، فليقل الضعيف فيهم بطل أنا!!.. معركة النصر وهى الحرب الضروس الشاملة للعالم كله: « أجمع كل الأمم.. جماهير » " يؤ 3: 2 - 14 " وهى ليست قاصرة على جماعة دون جماعة، أو على أمة دون أمة،... كانت الحروب القديمة تقوم فى نطاق محدود، ثم أخذ هذا النطاق يتسع حتى عرفنا الحروب العالمية،... وإذا كان العالم ينقسم الآن إلى كتلتين رهيبتين، بينهما دول أطلقت على نفسها « الدول غير المنحازة »،... إلا أن معركة الخير والشر لا يمكن أن يكون فيها شئ اسمه الحياد أو عدم الانحياز، لأن من ليس معنا فهو علينا،... ولا مهرب من الوقوف إلى جانب الخير أو جانب الشر!!.. إنها فى الواقع، المعركة المقدسة. لقد تصور البعض أن القول: « اطبعوا سكاتكم سيوفاً ومناجلكم رماحاً، ليقل الضعيف بطل أنا » يقصد به الأعداء الذين يشددون بعضهم بعضاً، غير أن الراجح أنه نداء اللّه لجميع المؤمنين للدخول فى المعركة، وأن آلات الاقتصاد فى الزرع والحصاد ينبغى أن تتحول إلى أداة للحرب، أو فى عبارة أخرى، بالمقابلة مع لغة ميخا وإشعياء، والتى قيل فيها يطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل، من واجب المؤمنين أن يكرسوا كل جهدهم للمعركة المقدسة،... فالوقت والمال والجهد وكل قوة ينبغى تكريسها لهدم سلطان الشر فى الأرض،... وعلينا فى كل الظروف أن ندرك أن يد اللّه متدخلة فى كل شئ،.. وكما حدث فى وادى يهوشافاط حين آمن هذا الملك بالنصر حسب وعد اللّه له عندما تألب عليه المؤابيون والأدوميون والعمونيون، وساعد بعضهم على إهلاك بعض، ولم يفعل يهوشافاط أكثر من الترنم والصلاة،... هكذا يحدث معنا فى كل العصور، وهكذا سيحدث فى اليوم الأخير، عندما نرنم ترنيمة موسى والحمل!!.. مجد النصر بدأ يوئيل نبوته بالحرب والخراب، وانتهى بالجلال والمجد: « ويكون فى ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيراً والتلال تفيض لبناً وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقى وادى السنط » " يؤ 3: 18 " - أو فى عبارة أخرى - إن الأرض التى ضربت باللعنة، وضاع منها الفردوس الأرضى، بسبب خطية الإنسان، تعود مرة أخرى، لتأخذ مجدها العظيم، فى الأرض الجديدة والسماء الجديدة، عندما تكمل قصة الفداء، فإذا كان لنا أن نحلل هذا المجد كما جاء على لسان النبى،... فهو فى الواقع مجد البطولة وهى بطولة الأحياء، وليست بطولة الموتى،... وإذا كانت انجلترا قد أكرمت أبطالها، إذ دفنت فى مقابر وستمنستر أولئك الذين أدوا أعظم الخدمات للامبراطورية البريطانية، وبقى رفاتهم مزاراً يذهب إليه الناس ليروا أعظم الرجال والأبطال... إلا أن مجد النصر الإلهى أعظم وأكمل وأمجد، لأنه مجد الأبطال الخالدين الذين كتبت أسماؤهم فى سفر الحياة، وقد اجتازوا الموت إلى الخلود بيسوع المسيح، وأعطاهم اللّه مجد التشبه به، والسير فى معيته، وخدمته،... ومهما عانوا من متاعب ومعارك فى الحياة،... فإنهم لا يملكون إلا أن يصيحوا مع ذلك البطل القديس، والذى كان واحداً من أغنياء لندن، ولكنه استمع إلى نداء المسيح، فترك الثروة والغنى، والجاه والنفوذ والسلطان، وعاش فى خدمة اللقطاء،... وفى أخريات حياته، وهو يموت شبه وحيد فى أحد المستشفيات قال له أحدهم: لقد كان من الممكن أن تقضى حياة أكثر ظهوراً وبروزاً ومجداً، فلماذا دفنت نفسك بين اللقطاء؟!!.. وأضاء وجه الرجل وهو يقول: إن الذى علق على الصليب أمسكنى، وما كنت لأهرب، ولم أندم لأنى قضيت حياتى لمجد ابن اللّه فى الأرض!!..
المزيد
26 أكتوبر 2022

الذين يعطون

تكلمنا عن القلب الحنون، الذي يعطف على الناس روحيًا. هذا القلب يعطف أيضًا ماديًا، وباستمرار يعطى وهذه هي شيمة الذين يعطون: يعطون بحب، وبسخاء وباستمرار، وبدون أن يطلب منهم.. وبراحة داخلية ما أجمل أن نشرك الله معنا في أموالنا، فيكون له نصيب منها وما نعطيه لله، لا نحسبه جزءًا ضائعًا من مالنا، وإنما نحسبه بركة كبيرة لباقي المال إذ أن الله عندما يأخذ من مالنا شيئًا، إنما يبارك هذا المال، فيزيد أكثر من الأصل بما لا يقاس. ويصبح مالًا مباركًا، ويعوضه الرب أضعافا من جهات أخرى. ونجد أننا بهذا العطاء قد زدنا ولم ننقص وفى الواقع أننا لا نعطى الله من مالنا، بل من ماله هو.. إن كل شيء نملكه هو ملك لله، ونحن مجرد أمناء عليه، مجرد وكلاء لله في هذا المال الذي استودعنا إياه لكي ننفقه في الخير. حقًا، ما الذي نملكه نحن؟! نحن الذين قيل عنا إننا:"عراة جئنا إلى الأرض، وعراة نعود إلى هناك".. الله هو المالك الحقيقي لكل ما نملك. وما أصدق داود النبي حينما قال لله "من يدك أعطيناك" وقد ظهر العطاء في التوراة في وصية العشور، حيث طلب الله من الناس أن يدفعوا العشور من كل ما يملكون ولكن العشور لم تكن كل شيء في العطاء.. كانت هناك أيضًا البكور، والنذور، والتقدمات، والقرابين، والنوافل وفي البكور كان الإنسان يعطي أوائل ثمار الأرض. أول حصيده يقدمه للرب، لكي يبارك الرب كل الحصاد. كما كان يقدم المولود البكر من كل حيواناته، حتى ابنه هو البكر، كان يقدمه لخدمة الرب، كما قال الرب في التوراة " قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم" ما أجمل أن نعطي البكور للرب: المرتب الأول الذي يتقاضاه الإنسان، والعلاوة الأولى وأول إيراد خاص يصل إليه. فمثلًا أجرة أول عملية يجريها الجراح يقدمها للرب وأول كشف للطبيب، وأول درس خصوصي للمدرس، وأول عمل يد للصانع. وهكذا يبارك الله كل أعمالنا لأنها بدأت به، وقدمنا أولى ثمارها له بل أن بكور الوقت نقدمها لله أيضًا.. الساعة الأولى في النهار نقدمها لله. أول كلمة ننطق بها كل يوم تكون كلمة موجهه إلي الله. أول عمل نعمله في يومنا يكون مختصًا بالله وعبادته. وبهذا يبارك الله يومنا ويقدسه وبنفس الوضع أول يوم في عامنا يكون يومًا للرب وفي عطائنا لا يصح أن نحاسب الله بالدقة الحرفية. فإن دفعنا العشور مثلًا، لا يجوز أن نقول لله: "كفاك هذا! ليس لك شيء عندنا بعد!" كلا، إن العشور والبكور هي الحد الأدنى للعطاء، وأما العطاء فلا حدود له، أنه يختص بالقلب الحنون العطوف الذي يعطي عن حب مهما كانت قيمة العطاء، دون أن يحاسب الله على ما يعطيه ولقد جاءت المسيحية فرفعت العطاء عن مستوى العشور. وقالت: "من له ثوبان، فليعط الذي ليس له". ولم تكتف بهذا، بل تطورت إلي العطاء بغير حدود. فقال السيد المسيح في الإنجيل المقدس: "مَنْ سألك فأعطه. ومَنْ طلب منك، فلا ترده"هكذا لم يقتصر العطاء على العشور والبكور والنذور.. بل بقى باب الكمال مفتوحًا لما هو أكثر من هذا فعندما جاء الشاب الغني إلي السيد المسيح يستلهم منه معرفة الطريق الذي يوصله إلي الحياة الأبدية، أجابه بتلك الوصية الجميلة الخالدة "إن أردت أن تكون كاملًا، أذهب وبع كل مالك وأعطيه للفقراء، وتعال أتبعني"هذه الوصية، نفذها القديس انطونيوس حرفيًا وبها أسس الحياة الرهبانية فباع ثلاثمائة فدان كان يملكها من أجود الأطيان، ووزع ثمنها على الفقراء، وعاش حياة الزهد والنسك وسير القديسين تحكي لنا صور عجيبة للعطاء فالقديس الأنبا سرابيون الناسك، رأى رجلًا فقيرًا، وإذ لم يكن له ما يعطيه، باع إنجيله وأعطاه ثمنه وفي ذلك الوقت لم تكن هناك مطبوعات، وكان الإنجيل مخطوطة ثمينة ثم مر بعد ذلك فرأى فقيرًا آخر وإذ لم يكن له شيء أخر يعطيه، خلع ثوبه وأعطاه له. ورجع إلي مسكنه بلا ثوب ولا إنجيل. فلما سأله تلميذه(أين إنجيلك يا أبي؟)، أجابه(كان هذا الإنجيل يقول لي "اذهب بع كل مالك وأعطيه للفقراء" فبعته لأنه كان كل ما لي).. فقال له تلميذه(وأين ثوبك؟) فأجابه(خلعته ليلبسه المسيح..) ولعل أجمل ما في العطاء، أن يعطى. الإنسان من أعوازه لأن الشخص الذي يعطى من أعوازه، إنما يفضل غيره على نفسه، بل يتعب لأجل إراحة غيره. وهذا هو منتهى الحب الذي فيه تزول الذاتية، وتحل في موضعها محبة الغير.. وقد مدح السيد المسيح الأرملة الفقيرة التي وضعت شيئًا ضئيلًا في الصندوق. وقال إنها أعطت أكثر من الجميع، لأنها أعطت وهي محتاجة إن القلب الحنون دائمًا يعطى. وإن لم يجد شيئًا يعطيه، فإنه يعطى كلمة حب و قد يوجد شخص يقترض لكي يعطى غيره. أو يطلب من الآخرين لكي يعطى للمحتاجين. ومن هنا نشأت الجمعيات الخيرية التي تجمع لتعطى ولكن أهم عطاء هو القلب ذاته. أعط الناس من قلبك، قبل أن تعطيهم من جيبك أعطهم عاطفة، قبل أن تعطيهم مالًا. أظهر لهم أنك شخص محب، وليس مجرد شخص محسن.. والعطاء الخالي من الحب يكون عملًا اجتماعيًا أو إداريا، ولكنه ليس عملًا روحيًا والقلب الحنون عندما يعطى، إنما يشعر أنه يتعامل مع الله ذاته من مال الله، يعطى عيال الله، دون أن يشعر بأي فضل من جهته هذا القلب العطوف يعطى للكل لا يقتصر على الأصدقاء والأحباء، وذوى القربى، وبنى جنسه، وأخوته في الدين والمذهب. كلا، بل يضع أمام عينيه أن يريح الكل، ويشفق على الكل. وبهذا يكسب الكل، ويحيط نفسه بجو من المحبة والقلب العطوف يعطى دون أن يطلب منه هو دائم التفكير في احتياجات الناس، دون أن يقولوا له يريد أن يريح الناس، يريد أن يسعدهم. وأن وضعت في يده مسئولية، يستخدمها لراحة الناس. وإن وهبه الله ثروة أو سلطة أو أية إمكانية، فإنه يستخدمها لأجل راحة الناس، كل الناس.والقلب العطوف لا يستطيع أن ينام، إن سمع أن هناك شخصًا متعبًا أو محتاجًا. بل يظل يفكر ماذا يفعل لأجله لذلك كان من المستحيل على مثل هذا القلب أن يؤذى أحدًا، لأنه يتألم لآلام الناس، أكثر من تألمهم هم. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل