المقالات
18 نوفمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر هاتور(لو ۱۲ : ۲۷ - ۳۱)
" تأملوا الزَّنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أَقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجَدُ اليوم فى الحقلِ ويُطرَحُ غَدًا فِي التَّنْور يُلبسه الله هكذا، فكم بالحَريِّ يُلبسُكُمْ أَنتُمْ يا قَليلي الإيمان؟ " فلا تطلبوا أنتُمْ ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا ، فإِنَّ هَذِهِ كُلَّها تطلبها أمَمُ العالَم. وأما أنتُمْ فأبوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تحتاجونَ إِلَى هذِهِ. بل اطلبوا ملكوت الله، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لَكُمْ ".
تأملوا الزنابق:
مازال الذهن الروحي متعلقًا بالزرع الذي هو كلمة الله داخل قلب الإنسان كيف يبذر وكيف ينمو وكيف يثمر . والقديس بولس الرسول يقول: "بولس غرس وأبلوس سقى ولكن الله هو الذي ينمي". وبالحري يثمر، إذ ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمي.وفصل الإنجيل هنا هو قول المسيح: "تأملوا الزنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ ُكواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجد اليومَ في الحقل ويُطرَحُ غَدًا في التَّنْور يُلبسُهُ الله هكذا، فكم بالحري يُلبسُكُمْ أَنتُمْ" المسيح المبارك يدعونا إلى التأمل في عمله الإلهي العجيب وعنايته الفائقة المعرفة بنبات الأرض والزهور التي من ناحية الأبدية ليس لها وجود ، فعمرها الزمني محدود جدًا فهى اليوم موجودة وغدًا محرقة بالنار، أو أشرقت عليها الشمس فيبست كيقطينة يونان النبي بنت يوم نبتت وبنت يوم هلکت وهى مخلوقة أصلاً من أجل الإنسان.فإذا تأمل الإنسان وأدرك ذهنه الروحي عناية الله الفائقة
بهذه الخليقة الضعيفة يُدرك في الحال مقدار حب الله لنا
الذي لا يستوعبه عقل الإنسان وعنايته الفائقة بنا. وعلى قدر ما يتفوق الإنسان عن النبات من حيث لا وجه للمقارنة على الاطلاق بين ما يفنى وما لا يفنى وبين عشب الحقل وبين الإنسان الذي هو صورة الله. والتأمل والهذيذ بالخليقة هو أعلى أنواع التسبيح الذي اختبره الآباء القديسون بدءًا من الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا دائمي التسبيح والتأمل في أعمال الله في الخليقة وشكره لأنه صالح وإلى الأبد رحمته. فلما أُلقـوا فـي أتـون النـار المتقدة بأمر نبوخذ نصر الملك وصار الأتون كالندى البارد بوجود ابن الله معهم، وصاروا يمجدونـه ويسبحونه كمـا تعودوا، وهم يدعون كل الخليقة للتسبيح قائلين: "سبحيه أيتها الشمس والقمر والنجوم والطيور والهوام والزحافات والجبال والتلال والبرد والصقيع والمطر والثلج سبحيه، مجديه وزيديه علوا إلى الآباد". تأملوا زنابق الحقل:
ومن منا لا يأتي أمام عينيه زنابق الحقل مرات بلا عدد كل يوم... حتى من يسكن في الصحراء يجد العشب ينمو وليس من يزرعه فالمنظر محيط بنا من كل ناحية وصوت الرب يسوع يدعونا تأملوا زنابق الحقل. لا تدع هذا المنظر يعبر عليك عبورًا لقد آلفت أعيننا منظر الزرع والزنابق وألوانها ونموها ولكن ليس من يتأملها ويدخل إلى سر التأمل من جهة حياتنا الداخلية وزرع الله فينا كيف ينمو !؟.
وهذا المقدار الفائق من العناية التي تحيط بهذه الخليقة الضعيفة فكم بالحري أنتم يا قليلي الإيمان الأمر إذن يتعلق بإيماننا، فإن نما إيماننا فإن منظر نبات الأرض يقودنا إلى مراحل أعمق واتكال على الله لا ينتهي أما قلة الإيمان فتجعل الإنسان دائم القلق فاقد السلام كثير الهموم فيما يأكل وفيما يلبس أي فيما يختص بأمور الجسد، بينما حتى نمو الجسد واحتياجاته تقدمها يد الله الحنون الذي ينمي ويعول الكل ويربيهم والمسيح المبارك يلفت النظر إلى أن الزنابق في زينتها الإلهية البهية وألوانها الجميلة المبدعة في تناسق مذهل، ويقول إن الله يلبسها ،هكذا ، فتستطيع إن انفتحت لك البصيرة الروحية أن ترى يد الله العجيبة في كل واحدة منها فتنظر وتتأمل وتمجد الله. بل إن سليمان في كل مجده ما كان
يلبس مثل الزنابق !! لأن شتان بين عمل الناس مهما علا شأنه وعمل الله. فإن كان الأمر كذلك فلندخل إلى مقادس القلب ونرى كيف ينمو فينا الزرع الإلهي وبأية زينة مقدسة ممكن أن يُلبسنا الله لا على مستوى الجسد واهتماماته الباطلة بل على هو مستوى الداخل الذي لا يبلى. لقد زين الله قديسيه في كل زمان وألبسهم بحسب الإنسان الباطن ما أبهى من زنابق الحقل، فصاروا بالنعمة أبهى من الكواكب وأجمل من الجمال نفسه. وذلك ببهاء وجه الله حتى قال: "وجملت جدا جدا، فصَلُحت لمملكة ببهائي الذي جعلته عليك"(حزقيال ١٦ : ١٣ - ١٤).
تأمل إذن زينة القديسين بالفضائل المسيحية، إن في طهارة وقداسة وعفة أو صبر واحتمال أو اتضاع وإنكار ذات، أو محبة بلا حدود أو لطف أو إيمان أو فرح ينطق به أو سلام يغلب أهوال العالم أو رجاء لا يخيب، أو صلاة بلا انقطاع أمور لا نهاية لها ولا توصف بكلمات. لقد زين الرب قديسيه بالنعمة وعمل الروح القدس فزينوا ليس الأرض فقط بل وحتى السموات أيضًا. أما من جهة النمو، فإنه علامة الحياة فإن لم تنبت البذرة وتنمو فإنها تكون قد ماتت نبات الأرض ينمو طالما فيه حياة. هكذا يكون الحال فينا، فإن كان نمو فإن الحياة تكون عاملة فينا.
تأملوا الزرع كيف ينمو
فإن كانت كلمة الله مثمرة فينا وإن صادفت قلبًا مخلصًا صبورًا كأرض صالحة، فلابد للإنجيل أن يمتد وينمو ويزيد كل يوم "فإن كان إنجيلنا مكتومًا فهو مكتوم في الهالكين" أي أن كلمة الحياة اختنقت فيهم وماتت. أن يمتد الإنسان في المحبة والاتضاع والصلاة ومعرفة الله، أن ينمو في النعمة ويتعمق في الشركة مع الله، أن يمارس الحياة المسيحية متجددة كل يوم، أن لا تكون الممارسات الروحية كعادات اجتماعية أو روتين ميت، فهذا دليلاً على حياة الروح وعمل الإنجيل وصدق مواعيد يصير الله.بذرة الملكوت تبتدئ تنمو في حياة الإنسان ولكن لا محدودية ولا نهاية للنمو، ستنمو حتى ملء قامة المسيح وهذا غير محدود وغير محوى معًا، ومن يستطيع أن يقيس بقياس قامة المسيح؟. فإن قلت إلى أين يصل نمو المحبة المسيحية؟ فالجواب إلى ما لا نهاية. وإلى أي حد يصير الغفران؟ الجواب بلا حدود. وإلى أي مدى يصل الإنسان في الصلاة؟ إلى ما فوق الحدود وإلى أي مدى يصير العطاء؟ إلى ما فوق الطاقة هكذا يكون النمو في جميع الاتجاهات في الطول والعرض والعمق والعلو. ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
17 نوفمبر 2023
مائة درس وعظة ( ٤٠ )
بهجة طهارتي « الرحمة والطهارة »
الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه : افتقاد الـيـتـامي والأرامل في ضيقتهم ، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم ( يع ١: ٢٧ ) يمكن للإنسان أن يحمل ديانته وإيمانه المسيحي من خلال اسـمه ، ولكن مفتاح الديانة الحقيقية المقبولة أمام الله هو الإنسان الذي يعمل عمل الرحمة ويحفظ نفسه طاهرا
أولا . أنواع البشر:
١- الإنسان الطبيعي الذي يعيش الإنسانية ، مبـادئ وأفكارا ( اخلاقا - علاقات إنسانية) ، باعتبار أن الإنسان هو قمة الخليفة.
٢- الإنسان الجسداني الشخص الذي يعيش على مستوى التراب ومستوى الجسد فقط ، وهو شخص يقع في خطايا متنوعة ، إن كانت : حب الشهوة ، حب القنية ، حب التطلع والمناصب .
٣- الإنسان الروحاني هو إنسان يرتقي فوق الإنسان الطبيعي وروحاني ، بمعنى أن الروح هو الذي يقوده وهو صاحب الديانة الطاهرة النقية.
ثانيا ، جناحا الديانة الطاهرة
الجناح الأول : الرحمة :
افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم والمعنى هو أن الإنسان لكي تكون ديانته طاهرة نقية عليه أن يبحث عن كل إنسان في ضيقة .. لذلك إن أردت أن تعبر أن لك ديانة حقيقية وطاهرة يجب أولا أن تفتقد اليتامي والأرامل في ضيقتهم ، وليس الافتقاد بمعنى الاحتياجات المادية فقط ، ولكن هناك احتياجات أكثر إلحاحا وأكثر عمقا ، لذلك فكر كيف تبحث عن هؤلاء وكيف تخدمهم .
الجناح الثاني : الطهارة :
حفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم هذه الرسالة كتبت في القرن الأول الميلادي ، ولم تكن هناك كل وسائل الاتصال الموجودة حاليا ، وكان التواصل الإنساني ليس له غير صورة واحدة هي أن الإنسان يقابل إنسانا ، ولكن يقول لنا حفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم ، لأن العالم قد وضع في الشرير وانت لك مسئولية شخصية عن نفسك لأن الدنس موجود في العالم ، والشـر موجود في العالم ، هل تحفظ نفسك من دنس العالم؟! نحن في صلاة الساعة التاسعة نصلي ونقول : « امت حواسنا الجسمانية .. وطبعا ليس المقصود الحواس الجسمانية نفسها ( اللمس والعين والسمع .. ولكن المقصود امت الشر الذي فيها ، فالحواس كما هي مداخل للمـعـرفـة يمكن أن تكون مداخل للشر. فالجناح الثاني هو أن تحيا في القداسة ، والكتاب المقدس يقول « إرادة الله هي قداستكم .. وبهذه القـداسـة يستطيع الإنسان أن يعاين الله ، في قلبك توجد أنواع عديدة من المحبة ، ولكن يجب أن يتدرب الإنسان كيف يطرد محبة هذه بحب آخر ، وإلا كيف نحيا في السماء فمهما تعاظمت اختراعات الإنسان ستبقى في الأرض فقط ، فاحترس لئلا تكون هذه النهضات العلمية والانتشار الإنساني في العالم سببا لدنس العالم .
قدس حـواسك ، وضع على كل حاسة حارسا
١- العين : أهرب من المشاهدة الضارة
٢- السمع: تجنب مجالس المستهزئين والأحاديث الضارة
٣- التذوق : ينضبط بالصوم.
٤- اللمس : أهرب من الأماكن المزدحمة ، واحفظ نفسك عفيفا .
٥- الشم : احفظ نفسك من المغالاة في التزين والتنعم . احفظ حواسك نقية ، وامزج جهادك بنعمة الله.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
16 نوفمبر 2023
شخصيات الكتاب المقدس تروفيموس الرسول
تروفيموس: إسم يونانى معناه مغذ (أع19: 21 - 20) (2تى4: 20).
تروفيموس خدم مع بولس الرسول، رسم أسقف علي روما
اع 21: 29 لانهم كانوا قد رأوا معه في المدينة تروفيمس الافسسي فكانوا يظنون ان بولس ادخله الى الهيكل.
2تي 4: 20 اراستس بقي في كورنثوس.واما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضا.
اسم يونانى معناه (مغذ) خدم مع القديس بولس الرسول ورافقه فى رحلاته التبشيرية وهو الذى اتهم باطلا انه حضر الى الهيكل للازدراء بالشريعة " لانهم كانوا قد راوا معه فى المدينة تروفيموس. الافسسى فكانوا يظنون ان بولس ادخله الى الهيكل فهاجمت المدينة كلها " (أع 21: 19 - 20). وقد تركه بولس مريضاً فى ميليتس (2 تى 4: 20). ويقول تقليد انه صار اسقفاً على رومية ولما اكمل سعيه وجهاده الحسن تنيح بسلام.
المزيد
15 نوفمبر 2023
درجات في الإيمان
قد يوجد إنسان "ضعيف في الإيمان" (رو 14: 1) أو "قليل الإيمان" (مت 14: 31) وآخر يحتاج أن يكمل "نقص إيمانه" (1 تس 3: 13). وثالث "بطيء القلب في الإيمان" مثل تلميذيّ عمواس (لو 14: 25) وعلى عكس هذا، توجد درجات في الإيمان إنسان مؤمن،وآخر "غير حديث في الإيمان" (1 تي 3: 6)،وثالث "إيمانه ينمو" (2 تس 1: 3)، وأنه "يزداد في الإيمان" (2 كو 8: 7)،ورابع "ثابت على الإيمان" (كو 1: 23)،وخامس "راسخ في الإيمان"(1 بط 5: 9)،وسادس "الأغنياء في الإيمان" (يع 2: 5)،وأعلى من كل هذا سابع "مملوء من الإيمان" (أع 6: 5)،وقال الرب عن البعض "عظيم هو إيمانك" (مت 15: 38).ويوجد إيمان قوي "تتبعه الآيات" (مز 16: 17)، وإيمان "ينقل الجبال" (1 كو 13: 2)، وإيمان أكثر من هؤلاء يستطيع كل شيء مستطاع للمؤمن" (مز 9: 22).وأمام كل هذا، ما هو وضعك الإيماني؟هل أنت مؤمن حقًا؟ هل لك "الإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6) ؟ وهل تنمو في الإيمان؟ أم قوى وعظيم هو إيمانك؟ أم أنت تحتاج إلى صلوات "لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 32)أيها الأخوة " اختبروا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم؟ " (2 كو 13: 5) إن كلمة الإيمان تحمل ولا شك معاني عميقة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
14 نوفمبر 2023
الكتاب المقدس وأثره فى الحياة الروحية
يجدر بالمسيحى أن يدرس كلمة الله بانتظام يوميا، وذلك تتميما لوصية الرب فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية (يوه: ٣٩) وقد كلامه بقوله: «الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة (يو٦: ٦٣)، أما داود فقد امتدح من يلهج في ناموس الرب نهارا وليلاً ووصفه قائلاً: كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطى ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل (مز٣:١) من هنا لا نستغرب قول إرميا النبي: «وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي (إره١٦:١). وتأتي أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن من أنه الكتاب المقدس كلام الله وحين يتكلم الله يجب أن ينصت الإنسان وهو حين يتكلم إنما يعلن لنا أسراره المقدسة ومقاصده في الخليقة والتاريخ وأعماله مع أولاده المطيعين لوصاياه بل إننا من خلال كلام الله نتعرف على شخصه الحبيب المبارك ووعوده الصادقة الأمينة، ونصائحه الغالية الخلاصية من يستطيع أن يحيا دون كلمة الله؟ إنها بالحقيقة روح وحياة إنها غذاء الروح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل بكل كلمة تخرج من فم الله (مت٤:٤) لرجلی کـلامك ونور لسبیلی (مز ۱۰۵:۱۱۹) إنها السيف الحاد الذي به نبتر التعاليم الكاذبة كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب ١٢:٤).ثم إنها سر الاغتسال والنقاوة، إذ يقول الرب أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به (يو ٣:١٥) الله يتكلم إلينا فننصت إليه؟
الله يعلن لنا حبه فتشيع بها - الله يعلن لنا مقاصده فلنتفهمها جيدا الله يقدم لنا مواعيده فلنتمسك بها كلام الله قوة ترفع الضعيف وتشدده. كلام الله نور يرشد النفس السائرة في البرية. كلام الله غذاء يشبع القلب بحب المسيح والنفوس كلام الله سيف يبتر التعاليم الغربية ويفرزها .
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
13 نوفمبر 2023
كيف نحب ؟ قوة المحبة
"اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها غيب لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء ىء المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً" (نش ۸: ٦، ٧)
ما معنى أن المحبة قوية كالموت ؟
معنی ذلك أن المحبة مستعدة أن تبذل ذاتها إلى حد الموت ..مثلما قيل عن الشهداء إنهم لم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رو ۱۲ : ۱۱). فالمحبة حتى الموت هي أعلى درجات المحبة هؤلاء الشهداء قد تعلموا المحبة من الله نفسه لأن «الله بين محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا » (روه : ۸). وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحيائه » (يو١٥: ١٣ ) لقد وضع الرب لنا مثالاً في المحبة لتتعلم منه وهكذا أحب القديسون الله حينما نظروا محبته القوية الجارفة « فى هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا » ( ١ يو٤ : ١٠ ) .
المحبة تتخطى كل الصعاب
هذه المحبة القوية يبدو أمامها الصعب سهلاً. فهى تضح بالمال والجهد وتبذل نفسها بلا تأخير إنها لا تنتظر سؤال الآخرين وتوسلاتهم، بل تسعى نحوهم بشغف تبحث احتياجهم تترفق بالضعفاء لا تتوقف عن العطاء تحمل أثقال الآخرين تمسح دموع المنكسرين تكتسح جميع الصعاب والعقبات تتخطى كل الإعتبارات المحبة في صلابتها وقوتها تستطيع أن تظل صامدة إلى النهاية لا تتراجع بسبب وعيد أو تهديد.. لا يرهبها المرض، ولا يثنيها عن تحقيق الغرض لا ترجع أبداً فارغة لا ترعبها الشياطين بكل ثقل المحاربات المؤلمة لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة والسيول لا تغمرها » (نش ۷:۸) إنها نار إلهية تضطرم فى القلب ولا يمكن أن تنطفىء لأنها تستمد قوتها وفاعليتها من الله «محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا » (روه : ه). لهذا يلزمنا أن نتسحق أمام الله باتضاع متضرعين باستمرار، لكي تمتلىء قلوبنا من فاعلية هذا الروح النارى الذى حل على الكنيسة في يوم الخمسين.
المحبة والصليب
إن المحبة لا تطرح الصليب عن كاهلها، لكي تجد سعادتها بعيداً عنه بل تعانق الصليب بفرح . لأنها في الصليب عاينت مجد المحبة الإلهية، وصار الصليب بالنسبة لها ينبوعاً منه تستقى وتفيض على الآخرين كما قال السيد المسيح « من آمن بی كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى » » يو٧ : ۳۸) . يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية » (يو٤ : ١٤ ) . لا يمكن أن نفصل بين الحب والحياة، لأن الله هو الحب وهو الحياة فبدون الحب لا يكون للحياة وجود ولا معنى وخارج دائرة الحب لا يصير لوجودنا معنى . بل هناك الضياع بعيداً عن الله حيث تهيم النفس بلا هدف لا تدرى لوجودها سبب، ولا تلمس لحياتها وجود وهذا هو الموت بعينه إن الإنسان الذي يبذل ذاته بالصليب، يجد ذاته في الله لأنه حيثما توجد المحبة، فهناك يوجد الله لأن « الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» (ايو ٤ : ١٦). ولا ننسى أن الله هو الذى به نحيا ونتحرك وتوجد » (أع ۱۷ : ۲۸ ) .
لغة المحبة
المحبة هى اللغة التي تفهمها كل شعوب العالم. إنها تتكلم بجميع الألسنة وتدخل سريعاً إلى قلوب الآخرين . إنها لغة السماء.. فقبل أن تحل مواهب الروح القدس على التلاميذ ليتكلموا بجميع الألسنة تكلم ! الله مخاطباً العالم كله بلغة المحبة على الصليب. فالصليب هو كلمة حب نطق بها الله في سمع البشرية كلها ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » (أش ١١: ١٠). عن هذا تكلم القديس بولس الرسول فقال: «الله يعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا في هذه الأيام الأخيرة فى ابنه » (عب ۱ : ۱، ۲). أي أن الله قد كلمنا بكل كلام المحبة، وبكل كلام الحياة في المسيح إن الصليب هو مفتاح لغة المحبة، وهو مفتاح الحياة. هو السر الخفى وراء كل عمل من أعمال المحبة في حياتنا نحن لا نعرف اللغة التى ينطق بها السمائيون، وما هي لغة الملائكة ! ولكنها بكل تأكيد هي لغة المحبة بالدرجة الأولى... ربما عن هذه اللغة تنبأ أشعياء النبى حينما تكلم عن المسيحية في مصر فقال « فى ذلك اليوم يكون فى أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان (اش ۱۹ : ۱۸)إن لغة المحبة هي لغة الشكر والتسبيح ، وهي اللغة التي تجمع الخليقة كلها في فرح وسعادة حول الله ينبوع الحب والحياة.
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد الخامس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
12 نوفمبر 2023
مثل الزارع (الأحد الأول من هاتور)
التقى السيّد المسيح بالجموع خارج البيت، إذ يقول الإنجيلي: "في ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر. فاجتمع إليه جموع كثيرة حتى أنه دخل السفينة وجلس، والجمع كلّه وقف على الشاطئ". أمّا عند تفسيره المثل للتلاميذ، فكان معهم داخل البيت بعدما صرف الجموع ، فماذا يقصد بالبيت؟
أولاً: ربّما قصد بالبيت "الكنيسة المقدّسة كجماعة المؤمنين" فقد خرج السيّد المسيح خارج ليلتقي مع جماهير غير المؤمنين، الذين لم يدخلوا بعد في العضويّة الكنسيّة، ولا وُلدوا كأبناء لله... يخرج إليهم ليلتقي معهم خلال محبّته بكلمة الكرازة، ويجلس عند البحر، الذي يُشير إلى العالم المملوء اضطرابًا، لكي يدخل بهم إلى كنيسته، بدخوله هو إلى سفينة إنسانيّتنا وحديثه معهم عن ملكوت السماوات خلال الأمثال.بحبّه يتحدّث مع الجميع، لكنّه لا يأتمن أحدًا على أسرار الملكوت وتذوّق الأمجاد الأبديّة خارج البيت. إنه يصرف الجماهير ليلتقي مع تلاميذه وحدهم داخل البيت، ويحدّثهم في أمورٍ لا ينطق بها ومجيدة. يقول العلاّمة أوريجينوس: [عندما يكون يسوع مع الجموع يكون خارج بيته، لأن الجموع خارج البيت. هذا العمل ينبع عن حبّه للبشر، إذ يترك البيت ويذهب بعيدًا إلى أولئك الذين يعجزون عن الحضور إليه.]
ثانيًا: يُشير البيت أيضًا إلى السماء بكونها هيكل الله. فإذ عجزت البشريّة عن الارتفاع إلى السماء لتلتقي بخاِلقها نزل هو إليها. إنه كمن يخرج من البيت ليلتقي بالبشريّة خلال إنسانيّتهم، حتى بدخوله إليهم لا يهابونه كديّان
هوذا الزارع قد خرج
غاية الله فينا هو "الخروج exodus"، ينطلق بنا كما مع بني إسرائيل من أرض العبوديّة إلى خيرات أرض الموعد. إنه يشتهي أن يخرج بنا من عبوديّة الخطيّة إلى حرّية مجد أولاد الله. ولما كان الخروج بالنسبة لنا مستحيلاً خرج هو أولاً كما من أمجاده، حتى يخرج بنا نحن أيضًا من طبيعتنا الفاسدة، فنلتقي معه وفيه، متمتّعين بالطبيعة الجديدة التي على صورته.
السيّد المسيح هو الزارع الذي يخرج دومًا ليلقي ببذار حبّه فينا لكي تثمر في قلبنا شجرة حب يشتهي الله أن يقطف ثمارها، قائلاً: "قد دخلتِ جنتي يا أختي العروس، ألقى الله بذاره في الفردوس، لكن أبويْنا الأوّلين قبِلا الزوان عِوض بذار الرب، فخرجا يحملان ثمار المرارة والعصيان. عاد الله وخرج إلى شعبه خلال موسى لينطلق بهم من أرض العبوديّة، مقدّمًا لهم الشريعة كبذارٍ إلهيّة
البذار
ما هي البذار التي يلقيها السيّد المسيح في حياتنا كما في الأرض؟ قديمًا كان موسى والأنبياء يتقبّلون الكلمة من الله، أي يستعيرونها لكي ينعمون بها في حياتهم ويقدّمونها للشعب، إنها عارية! أمّا السيّد المسيح فهو بعينه الكلمة الإلهي، يوَد أن يُدفن في قلب المؤمن، لكي يُعلن ذاته شجرة حياة في داخله. إنه لا يقدّم شيئًا خارجًا عنه استعارة، إنّما يقدّم حياته سرّ حياة لنا، وقيامته علّة قيامتنا، ونصرته بكر نصرتنا، وأمجاده سرّ تمجيدنا! إنه الباذر والبذرة في نفس الوقت.
الأرض
الأرض التي تستقبل السيّد المسيح نفسه كبذرة لها أن تقبله أو ترفضه، وقد قدّم لنا السيّد المسيح أربعة أنواع من التربة: الطريق، والأرض المحجرة، والأرض المملوءة أشواكًا، والأرض الجيّدة. حقًا إن الزارع واحد، والبذار واحدة، لكن الثمر أو عدمه يتوقّف على الأرض التي تستقبل البذار. وقد استغلّ البعض هذا المثل للمناداة بوجود طبائع مختلفة لا يمكن تغييرها، فالشرّير إنّما يصنع الشرّ بسبب طبيعته، والصالح بسبب صلاح طبيعته، وكأن الإنسان ملتزم بتصرّفات لا يمكنه إلا أن يفعلها، وكأنه لا يحمل حرّية إرادة. هذه البدعة تصدّى لها كثير من الآباء، لكنّني هنا أود تأكيد أن هذا المفهوم لا يمكن استنباطه من المثل، فلو أن الله يُعلّم هذا، فلماذا ضرب لنا المثل؟ إنه يقول: "من له أذنان للسمع فليسمع"، وكأنه يأمرنا أن ننصت لكلماته فنطلب تغيير طبيعتنا إلى الأرض الجيّدة. (عن إمكانيّة التحوّل إلى تربة صالحة)اقلبوا التربة الصالحة بالمحراث، أزيلوا الحجارة من الحقل، انزعوا الأشواك عنها احترزوا من أن تحتفظوا بذلك القلب القاسي الذي سرعان ما تعبر عنه كلمة الرب ويفقدهااحذروا من أن تكون لكم تربة خفيفة فلا تتمكن جذور المحبّة من التعمق فيها احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم خلال جهادي، وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم كونوا الأرض الجيّدة، وليأتِ الواحد بمائة والآخر بستين وآخر ثلاثين.
القدّيس أغسطينوس
أولاً: الطريق
"وفيما هو يزرع، سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته" [4]. هذا الطريق هو القلب المتعجرف الذي على مستوى مرتفع عن الأراضي الزراعيّة، إنه مطمع للطيور المرتفعة، أي لشيّاطين الكبرياء التي تعوق تلاقينا الحقيقي مع الله الكلمة! والطريق دائمًا مفتوح، ليس له سور يحفظه من المارة، كالإنسان صاحب الحواس المفتوحة لكل غريب، ليس من رقيب يحفظها! ما أحوج هذا الإنسان إلى الصراخ لله مع المرتّل، قائلاً: "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيَّ"، فينعم بالروح القدس نفسه كسورٍ ناريٍ يحيط به، لا يقدر الشرّ أن يقترب إليه يتحدّث القدّيس كيرلّس الكبير عن الطريق، قائلاً: [الطريق دائمًا صلب، تَطَأه أقدام كل العابرين على الدوام، لهذا لا تبذر فيه بذار. هكذا من كانت لهم الأفكار العنيفة وغير الخاضعة، لا تَدخل الكلمة الإلهيّة المقدّسة فيهم، ولا تسندهم، لكي يتمتّعوا بثمر الفضيلة المفرح. مثل هؤلاء يكونون كالطريق الذي تطأه الأرواح الدنسة ويدوسه الشيطان نفسه، فلا يأتون بثمرٍ مقدّسٍ بسبب قلوبهم المجدبة العقيمة.]
ثانيًا: الأماكن المحجرة "وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة. فنبت حالاً، إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لما أشرّقت الشمس اِحترق، وإذ لم يكن له أصل جف" . هذه المنطقة الحجريّة المغطّاة بطبقة خفيفة من التربة إنّما تمثّل القلب المرائي الذي يخفي طبيعته الحجريّة وراء مظاهر برّاقة. فيتقبّل الكلمة سريعًا لتنبت ويفرح الكل به، لكن الرياء الخفي كفيل بقتل كل حيويّة فيه. إنه لا يحتمل إشراق الشمس فيحترق، لأن ليس فيه أصل فيجف. يودّ أن يبقى رياؤه مخفيًا، لكن الضيقة تفضحه وتكشف أعماقه، إذ يقول البابا كيرلّس الكبير: [يوجد آخرون يحملون الإيمان بغير اِكتراث في داخلهم، إنه مجرّد كلمات عندهم! تديُّنِهم بلا جذور، يدخلون الكنيسة فيبتهجون برؤيتهم أعدادًا كبيرة مجتمعة هناك وقد تهيّأوا للشركة في الأسرار المقدّسة، لكنهم لا يفعلون ذلك بهدف جاد وسموّ للإرادة. وعندما يخرجون من الكنائس فإنهم في الحال ينسون التعاليم المقدّسة.
ثالثًا: الأرض المملوءة أشواكًا "وسقط آخر على الشوك، فطلع الشوك وخنقه". إنها تمثِّل النفس التي تخنقها أشواك اهتمامات العالم، فإنه لا يمكن للكلمة الإلهيّة أن تبقى عاملة في قلب متمسِّك باهتمامات العالم، أو ما دعاه السيّد: "همّ هذا العالم وغرور الغنى" . ويلاحظ هنا أنه لم يقل "العالم والغنى" بل "همّ العالم وغرور الغنى" وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [ليتنا لا نلُم الأشياء في ذاتها، وإنما نلوم الذهن الفاسد، فإنه يمكنك أن تكون غنيًا، لكن بلا غرور الغنى، وأن تكون في العالم دون أن يخنقك باهتماماته.] يوضّح القدّيس إكليمنضس السكندري بأنه لا يجب أن نلوم المال، بل سوء استعماله، كذلك ليس فضل أن يكون الإنسان فقيرًا، ولكن الفضل أن نمارس مسكنة الروح، أي عدم التعلُّق بالأموال.
يتحدّث الأب غريغوريوس (الكبير) عن غرور الغنى، قائلاً: [من يصدّقني إن فسَّرت الأشواك بأنها الغنى، خاصة وأن الأشواك تؤلمنا، بينما الغنى يبهجنا؟ ومع ذلك فهي أشواك تجرح النفس بوخزات الأفكار التي تثيرها فينا، وبتحريضنا على الخطيّة، إنها تلطِّخنا بفسادها كالدم الخارج من الجرح... الغنى يخدعنا إذ لا يمكن أن يبقى معنا إلى الأبد، ولا أن يُشبع احتياجات قلبنا. الغنى الحقيقي وحده هو ذاك الذي يجعلنا أغنياء في الفضائل، لهذا أيها الاخوة، إن أردتم أن تكونوا أغنياء أحبّوا الغنى الحقيقي، إن أردتم الكرامات العُليا اطلبوا ملكوت السماوات. إن كنتم تحبّون التمتّع بالمجد بدرجة عالية، فأسرعوا لكي تُحصى أسماؤكم بين طغمة الملائكة الممجّدة.]
ويُعلّق القدّيس كيرلّس الكبير على الشوك بكونه هموم الحياة وغناها ولذّاتها، قائلاً: [يزرع الفادي البذور، فتصادف قلوبًا تظهر قويّة مثمرة، ولكن بعد قليل تخنقها متاعب الحياة وهمومها، فتجف البذور وتَبلى، أو كما يقول هوشع النبي: "إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة، زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقًا، وإن صنع فالغرباء تبتلعه" (هو 8: 7). لنكن زارعين ماهرين، فلا نزرع البذور إلا بعد تطهير الأرض من أشواكها، كل من رمى البذر على أرض تنبت شوكًا وحسكًا يتعرّض لخسارتين: البذر الذي يفنى، والتعب المضني. لنعلم أنه لا يمكن أن تزهر البذور الإلهيّة إلا إذ نزعْنا من عقولنا الهموم العالميّة وجردّْنا أنفسنا عن زهو الغنى الباطل، "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء" (1 تي 6: 7). لأنه ما الفائدة من اِمتلاكنا للأشياء الزائلة الفانية؟ ألم تلاحظ أن الشرور الفاسدة من نهم وطمع وشره وجشع وسكر وعبث ولهو وكبرياء تخنقنا، أو كما يقول رسول المخلّص: "كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة، ليس من الأب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يو 2: 16).]
رابعًا: الأرض الجيّدة
"وسقط آخر على الأرض الجيّدة،فأعطى ثمرًا بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين.
من له أذنان للسمع فليسمع" .
إنها الأرض المنخفضّة التي خضعت للحرث، فتعرَّضت تربتها خلال الحرث للشمس، وتنساب المياه إليها. هذه هي النفس المتواضعة التي تتقبّل التجارب كمحراث يقلب تربتها، فتتعرّض تربتها الداخليّة أي الإنسان الداخلي لإشراقات شمس البرّ نفسه أي المسيح، وتتقبّل إنسياب مياه الروح القدس عاملاً فيها. مثل هذه النفس تأتي بثمر مائة وستين وثلاثين.
إنها أرض غنيّة ومثمرة تنتج مائة ضعف!
صالحة ومثمرة هي النفوس التي تتقبّل الكلمة بعمق وتحتفظ بها، وتهتم بها.
يُقال عن مثل هذه النفوس ما قاله الرب على فم أحد الأنبياء: "ويطوِّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرَّة، قال رب الجنود" (مل 3: 12). فإنه عندما تسقط الكلمة الإلهيّة على نفس طاهرة من الأمور المحزنة، تخرج جذورًا عميقة، وتأتي بسنابل حنطة تحمل ثمرًا متزايدًا.
القدّيس كيرلّس الكبير
الأرض الجيّدة هي هبة الله لنا بروحه القدّوس الذي يعطينا في المعموديّة الطبيعة الجديدة التي على صورة السيّد المسيح، القادرة أن تثبت في المسيح، وتأتي بثمر الروح المتكاثر. كنّا قبلاً بالخطيّة طريقًا صعبًا تدوسه الأقدام وتلتقط الطيور منه البذار. ومن أجلنا صار السيّد المسيح الطريق الذي لن يقدر عدوّ الخير أن يقترب منه، ولا تتجاسر الطيور أن تختطف منه شيئًا. إنه الطريق الآمن الذي لا يعرف القسوة أو العنف، إنّما هو طريق الحق الذي يدخل بنا إلى حضن الأب. أما كوننا أرضًا محجرة، فهذا ليس بالأمر الغريب فقد قبلت البشريّة آلهة من الحجارة عِوض الله الحيّ، وتعبّدت للأوثان زمانًا هذا مقداره، فجاء السيّد المسيح كحجر الزاوية الذي يربط البناء كله، ليس حجرًا جامدًا يقتل الزرع، إنّما حجر حيّ قادر أن يُقيم فينا فردوسًا سماويًا يفرح الآب! أمّا الأشواك والحسك الخانقة للنفس فقد حملها السيّد على رأسه، دافعًا ثمن خطايانا لنتبرّر أمام الآب، ونُوجد في عينيّه بلا لوم، ليس فينا شوك ولا حسك بل ثمر الروح المفرح!
لنرفع قلوبنا بالشكر للذي نزع عنّا ما كان لنا بسبب عصياننا من طريق قاسي وأرض محجرة وأشواك وحسك، واهبًا إيّانا الطبيعة الجديدة الغنيّة فيه ليقيمنا فردوسًا سماويًا يأتي بثمار كثيرة.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
11 نوفمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الأول من شهر هاتور(مر ٤ : ۱۰ - ۲۰ )
" ولَمّا كانَ وحدَهُ سألهُ الذينَ حَوْلَهُ مع الاثْنَيْ عَشَرَ عن المثل، فقال لهم: قد أُعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِـنْ خارج فبالأمثال يكونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، الكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلا يَنظُروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا ، لئلا يرجعوا فتُغفَرَ لَهُمْ خطاياهم. ثم قالَ لهُمْ:أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثالِ ؟ الزّارِعُ يَزرَعُ الكَلِمَةَ. وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تُزرَعُ الكَلِمَةُ، وحينما يسمعون يأتي الشَّيطانُ للوقت ويَنزِعُ الكَلِمَةَ المَزروعة في قُلُوبِهِمْ. وهؤلاء كذلك هُمُ الذِينَ زُرِعوا عَلَى الأَمَاكِنِ المحجرة: الذين حينما يسمعونَ الكَلِمَةَ يَقْبَلُونَها للوقت بفَرَح ، ولكن ليس لهُمْ أَصلُ في ذَواتِهِمْ، بـل هم إلى حين فبعد ذلك إذا حَدَثَ ضيق أو اضطهاد من أجل الكلِمَةِ، فللوقت يعثرونَ. وهؤلاءِ هُمُ الذِينَ زرعوا بَينَ الشَّوْكِ: هؤلاءِ هُمُ الذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ. " وهمومُ هذا العالَمِ وعُرورُ الغِنَى وشَهَواتُ سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاءِ هُمُ الذينَ زُرِعوا على الأرض الجَيّدَةِ: الذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ ويَقْبَلُونَها ، ويُثمِرُونَ: واحِدٌ ثلاثين وآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِنَةً ".
بذور الحياة الأبدية: الأحد الأول والثاني من شهر هاتور كانـا همـا موسم الزراعة وبذر البذور في مصــر أيام ري الحياض، ومازال هذان الأسبوعان هما موسم زراعة القمح والفول والبرسيم... لذلك رتب الآباء فصول أناجيل هذين الأحدين لتخدم غرض تحويل الفكر من الأرضيات إلى السماويات، وبينما كان الإنسان يعمل عملـه الـيـومـي فـي الفلاحة والزرع والبذر يتجه قلبه نحو بذور الحياة الأبدية. كلمة الحياة الفضلى ومآلها ومستقبلها وعملها في داخل الإنسان وذلك بحسب ما تصادف من تربة وما تناله البذرة
من عناية. فالمثل قاله الرب للجمع المجتمع عند البحر عندما علمهم من داخل سفينة بطرس الرسول بسبب الزحام. والمثل بسيط غاية البساطة يستطيع أن يستوعبه ذهن العامة من الناس ولكنه عميق غاية العمق يحتاج إلى الحياة كلها لكي يدرك الإنسان شيئًا من أسرار ملكوت الله. وفصل الإنجيل يحكي كيف أن خاصة المسيح من الاثني عشر الأطهار مع بعض آخرين أحاطوا بالسيد المسيح في البيت على انفراد وسألوه عن المثل.وهذه عادة الأبرار في كل زمان أنهم عندما يصعب عليهم فهم أمر من الأمور المختصة بملكوت المسيح وعمق الحياة فيه فإنهم ينفردون به في خلوتهم الخاصة ويجلسون عند قدمي يسوع يسألونه عن الأسرار وما خفي في أعماق كلمة الحياة.وهكذا عرف الآباء القديسون حين اعتكفوا بعيدًا عن الزحام ودخلوا إلى مخادعهم أنهم في الحقيقة يدخلون إلى المقادس العليا، ومن هناك اغترفوا غنى معرفة وحكمة روحية، ثم عادوا إلى الكنيسة وهم محملون بالنعم التي لا تستقصى. فالكلمة الإلهية وإن كانت بسيطة من جهة الإدراك العقلي لكنها تعلو على العقل والإدراك لأنها تخص جذور الحياة وتغيير السلوك وتهدف إلى حياة أبدية. فإن أخذت كلمة الحياة للفهم العقلي فإن الإنسان يكون قد جانب الصواب، إذ صارت الكلمة بالنسبة له أمر عقلاني فلسفي للجدل وللنقاش أو الدرس أو البحث أو عمل المقارنات وكتابة الكتب أو الوعظ وتنميق الكلام... وكل هذا بعيد كل البعد عن هدف الكلمة القادرة أن تحكم الإنسان للخلاص التي هي "قوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين"، ولها القدرة الإلهية أن تخترق أعماق قلب الإنسان وتجرح الضمير وتوقظ من النوم بل من الموت؟. وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر الكلمـة... يرجع إلـى المسيح وهو في البيت على انفراد ... بعيدًا عن ضوضاء الدنيا، وباتضاع يسأل... وينصت فيعطيه الرب سر الكلمة. لقد أعطاها سابقًا لإرميا النبي وحزقيال وإشعياء وموسى رئيس الأنبياء فنظروا مواعيدها من بعيد وحيوها.
موسى أخذها مكتوبة بأصبع الله ولكن على حجر، إشارة إلى قساوة قلب الإنسان في القديم قبل أن يُغير الله قلب الحجر بالقلب اللحمي... وحزقيال أكلها وهى مكتوبة في درج کتاب فصارت في فمه كالعسل حلاوة. ولإرميا قال الرب: "جعلت كلامي في فمك " أخذوا كلمة الله الحية، وقول الرب الذي صار إليهم. قال الرب لتلاميذه: قد أعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِنْ خارج فبالأمثال " إذن الرسل هم من داخل ... وهذا تعبير عن حالنا في المسيح إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بحسب ولادتنا في الإنسان الباطن في العديمة الفساد وصار لنا بهذه النعمة دخول بسعة إلى ملكوت ربنا ومُخلّصنا لأنه دخل بنا إلى ما داخل الحجاب إلى قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية فوجد لنا فداءً أبديًا وهو إذ دخل إلى قدس أقداس السماء دخل كسابق لأجلنا، وصار لنا به جرأة وقدوم ودالة لدى الآب هذا هو ميراثنـا فـي المسيح. فصرنا نعرف - ليس بذواتنا - بل بالروح الذي فينا، نعرف أمور الله لأن الروح يفحص كل شيء ويعرفنا كل شيء ويذكرنا بكل شيء.
زرع الكلمة:
حينما تصادف الكلمة قلبًا جيدًا صالحًا يخبئها وبالصبر وطول الأناة يخضع لعوامل الحياة التي فيها لكي تشق طريقها في وسط رطوبة وظلمة الطبيعة الترابية حينئذ تظهر حياة الكلمة إلى ما فوق السطح بعد أن تكون أصلت جذورها في عمق القلب وهى حين تنبت وتظهر ما كان مخفيًا من الحياة حينئذ يتمجد الزارع الكلمة (الذي هو الرب نفسه).يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".
يارب عَمّق كلمتك في قلوبنا ولا تتركنا نلهو بها على سطح الحياة وسطح القلب عمقها فتجد فينـا مكـان راحة، وتبدأ بعيدًا عن العيون الفاحصة، تبدأ تنمو وتزيد. حبة الحنطة الحقيقية هي المسيح الكلمة. قال هو:" إن وقعت في الأرض وماتت تأتى بثمركثير " يارب خبَّأت كلامك في قلبي .يارب أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة.يارب وجدت كلامك فأكلته. يارب اجعلنا لسنا سامعين الكلمة فقط خادعين نفوسنا،بل سامعين عاملين.
يارب بحسب كلمتك أحيني. يارب قدسني في حقك كلامك هو حق. يارب اجعل كلامك في فمي يقدس الكلام، واجعله في قلبي يُقدس مخارج الحياة، واجعله في عقلي يحفظني من الزلل "أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي أكلمكم به" لتعمل كلمتك في عمل النقاوة مثل الرسل الأطهار. "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"فلتدرك كلمتك أعماقي فأحيا بها."ولو لم تكن شريعتك هى تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتي"، إن قولك أحياني حينما رددته طول النهار ألهج فيه يا زارع الزرع الجيد ألق إلي بذارك ولا تهملني حتى لو بدا قلبي أنه غير مفلح أو مستعد ألم تلق بذارك حتى على الأرض المحجرة وعلى الطريق وفي وسط الشوك حقًا إنك صالح وطويل الروح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
10 نوفمبر 2023
مائة درس وعظة ( ٣٩ )
سر فرح حياتي « الفرح » ليس لهم خمر » ( يو ٢ : ٣ ) .
في معجزة قانا الجليل قدم لنا شخص المسيح له المجد - الصديق المفرح ، فالإنسان عند خطية آدم غاب عنه الفرح ، فأراد أن يقدم لنا المسيح المفرح فذكر معجزة عرس قانا الجليل في بداية إنجيله. هذا العرس حضره السيد المسيح في بداية خدمته ، وكان العرس من العادات والتقاليد اليهودية المشهورة ، فكان العرس في اليهودية يبدأ من الأربعاء وينتهي في الأربعاء التالي ، مع ملاحظة أنهم يتعطلون يوم السبت ثم يستأنفون العرس ، فكانوا يضعون ستة اجران عند مدخل البيت مخصصة لحفظ الماء ويقدم في العرس المشروب المشهور في ذلك الوقت وهو عصير العنب الطازج أي غير المختمر ، وكانت العادة أن يقدموا العصير الجيد أولا ثم الأقل جودة ، وفي هذا العرس فرغ الخمر ، فطلبت العذراء مريم من السيد المسيح وقالت له : « ليس لهم خمر » ( یو ٢ : ٣ ) ، أي ليس لهم فرح ، ويرد عليها : « ما لي ولك يا امرأة لم تات ساعتی بعد ، ( يو ٢ : ٤ ) ، ثم يصنع السيد المسيح المعجزة ويعود الفرح إلى هذا العرس وإلى كل البشر بصليب المسيح.
أولا : عرس قانا الجليل :
لماذا بدا السيد المسيح معجزاته بهذه المعجزة:
١- يقدس : أراد أن يقدس حياة الأسرة .
٢- يرفع : أراد أن يرفع اتعاب أو لعنة المرأة ولعنة الأرض ، فبهذا العرس يبدا خليقة جديدة.
٣- يقدم : أراد أن يقدم البداية المفرحة فقدم لهم هدية "الخمر" .
ثانيا : معنى الخمر :
خمر في اللغة اليونانية والعبرية ٣ " كلمات" :
۱- "تيروش":
عـصـيـر العنب الطازج فتستخدم لتعبر عن عصير العنب الطازج غير المختمر ، وهي التي تترجم في اللغة العربية إلى كلمة سلاف ( إش ٢٩ : ٢٦ ) ، ( هو ٤ : ٨ )،( مى ١٥:٦).
۲- "يايين":
تعنى كل أنواع الخمــر ( تك ٩ : ٢١) ، سواء عصير العنب الطازج ، أو الخمر المركز المعتق ، واستخدمت نفس الكلمة للدلالة على خمر السكيب الذي كان يقدم مع الذبائح أمام الرب ( خر ٢٩ : ٤٠ ).
٣- إينوس :
عصير العنب المختمر ( سكر ) هذه الكلمات الثلاث تستخدم في اللغة العربية بكلمة واحدة وهي الخمر.
ثالثاً : المسيح مفرح القلوب:
مسيحنا مفرح القلوب من خلال:
١- الإيمان المعاش:
الإيمان يمنح الإنسان سلاماً ثم فرحاً داخليا حقيقياً .
٢- الكتاب المقدس:
الذي هو "رسالة فرح".
٣- الحياة الكنسية:
وجودة على الدوام في الكنيسة هو سر فرح حياتي.
٤- التوبة المستمرة :
مسيحنا مفرح لأنه يسند الإنسان في ضعفه دائما ، فلا يرفض أبدأ توبة إنسان.
٥- الأكليل السماوي:
مسيحنا مفرح لأنه يعد لنا حياة أبدية ، فكل من عاش حياته بامانة له إكليل في السماء التي هي مكان الفرح الدائم . القديس يوحنا الحبيب يقدم لنا المسيح بأكثر من صورة كالمسيح المحب والمسيح مفرح القلوب.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد