المقالات

06 مايو 2022

فرح التلاميذ إذ رأوا الرب

عندما ظهر السيد المسيح للتلاميذ في مساء أحد القيامة، وأعطاهم السلام، وأراهم يديه وجنبه.. يقول الإنجيل: "فرح التلاميذ إذ رأوا الرب" (يو20:20).فما هي أسباب هذا الفرح؟ وكيف نتمتّع نحن أيضًا معهم بهذا النوع من الفرح؟ لعل فرح التلاميذ كان لأنّهم: أوّلاً: رأوا قوّة المسيح التي انتصرت على الموت.. على الرغم من الجراحات الخطيرة والعذابات المُميتة التي تعرّض لها.. ولكنّ قوّته غلبت كلّ هذا وقام مُنتصِرًا.. وهذا شيء مُفرح جدًّا لنا أنّنا نتبع هذا الإله.نحن ننتمي إلى إله قوي لا يُغلَب، ويمكننا أن نصير أيضًا أقوياء فيه كما أوصانا الإنجيل "تقوَّوا في الرب، وفي شدّة قوّته.." (أف6: 10). لقد هزم السيِّد المسيح الموت عدوّنا الشرس الذي كان يبتلع الألوف كلّ يوم في جوفه بلا رحمة وبلا عودة، ولكنّه عندما حاول أن يبتلع السيِّد المسيح أيضًا داسه الربّ وكسر شوكته، وخلّص الأبرار من جوفه، وارتقى بالبشريّة المؤمنة به إلى مستوى تحدِّي الموت بعد أن نقل إليها قوّة الحياة الجديدة التي لا يغلبها الموت عن طريق جسده ودمه ووصاياه.. فصار الموت بالنسبة لنا مُجرّد انتقال، وأصبح اشتياقنا هو أن ننطلق لنكون على الدوام مع المسيح القائم، ذاك أفضل جدًّا..! ثانيًا: رأوا مقدار حبّه الهائل.. والذي تجلّى في جراحاته التي احتملها من أجل تتميم الخلاص.. فقد حرص السيِّد المسيح على كشف جراحاته للتلاميذ، ليس فقط لكي يؤكِّد لهم شخصيّته، ولكن أيضًا لكي يلفت نظرهم لعظيم حبِّه الذي جعله يحتمل كلّ هذه الآلام من أجلهم.. ونحن نعلم أن غالبيّة التلاميذ لم يكونوا عند الصليب ولا شاهدوا جراح الجَلْد أو المسامير أو الطعن، بل مجرّد سمعوا عنها من بعض الذين شاهدوها.. أمّا أن يشاهدوها الآن ويتلامسوا معها فهذا يُشعل القلوب بمحبّة الفادي الذي اجتاز معصرة الآلام حُبًّا فينا..! ثالثًا: رأوا أنّه في وسطهم ولم يتركهم.. فقد ظنّ التلاميذ عند أحداث الصليب أنّهم قد فقدوا السيِّد المسيح؛ الراعي الحلو، والصَّديق القائد، والمعلِّم الأمين، صاحب السلطان الهائل مع القلب المملوء بالحُبّ.. ولكن ها هو الآن بعد القيامة قائم في وسطهم يعطيهم السلام، ولم يستطِع الموت بكلّ جبروته أن يفصله عنهم.. كما أكّد لهم الرب أيضًا أنّه سيكون معهم كلّ الأيام وإلى انقضاء الدهر (مت28: 20)، لذلك كان فرحهم عظيمًا.. وتحقَّق الكلام الذي قاله لهم السيِّد المسيح ليلة الصليب "لا أترككم يتامى، إنِّي آتي إليكم" (يو14: 18)، "سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم" (يو16: 22).في الحقيقة إنّ الإنسان بدون السيد المسيح يكون مثل اليتيم؛ يفتقر للطمأنينة والعزاء والحُبّ والحماية والسَّنَد والإرشاد والقوّة.. أمّا مَن يقتني الربّ يسوع في حياته فقد امتلك الحياة كلّها، وصار غنيًّا في كلّ شيء.. ولا ننسى أنّ الذي يختار أن يتبع السيِّد ويكون تحت قدميه، فقد اختار النصيب الصالح الذي لنّ يُنزَع منه أبدًا (لو10: 43).. فلو تعلّق الإنسان بأيّ شيء في العالم وأحبّه، لابد أن يأتي يومٌ تعيس يفقد فيه الإنسان ما قد أحبّه وارتبط به في العالم.. أمّا مَن تعلّق بالمسيح واختبر عِشرته فقد أمسَكَ بالحياة الأبديّة، وتذوّق حلاوة الحُب الحقيقي المُشبِع الذي ينمو بلا انقطاع إلى ما لا نهاية..! رابعًا: رأوا أن الحياة قد انتصرت على الموت، والبِرّ انتصر على الشرّ، والحقّ انتصر على الباطل.. وهذا البُعد الإيجابي للقيامة يثير في الإنسان مشاعر فرح عظيمة.. فكم يحزَن الإنسان عندما يسمع بانتصار الشرّ والكذب والتلفيق في موقف من المواقف.. وبعكس ذلك كم يفرح عندما يرى تحقيق العدالة في قضيّة من القضايا.. لذلك فإنّ قيامة المسيح قد أكّدَت أنّ الحقّ هو الذي سينتصر في النهاية.. لهذا فرح التلاميذ جدًّا بهزيمة الموت والظُّلم والكراهية، وانتصار الحق والعدل والحُبّ.. فالسيِّد المسيح بقيامته أخرج الحقَّ إلى النُصرة تحقيقًا للنبوّة التي جاءت عنه في سِفر إشعياء وأكّدها القديس متى في إنجيله "... يُخْرِج الحقَّ إلى النُّصْرَةِ، وعلى اسمه يكون رجاء الأمم" (مت12: 20-21).هذا الفرح الذي فاض في قلوب التلاميذ عند رؤيتهم للمسيح المُنتصر على الموت، لا يزال يسري في الكنيسة حتّى الآن.. ويفيض في كلّ قلب تعلّق بالمسيح، وقَبِلَ أن يموت معه ويقوم معه في المعموديّة، وارتضى أن يسير معه طوال حياته في الطريق الضيِّق حاملاً الصليب، متغرِّبًا عن العالم، منتصِرًا على كلّ إغراءاته.. هنا يأتي المسيح القائم ويُظهِر نفسه لمثل هذا الشخص، ويعطيه السلام، فيفرح فرحًا عظيمًا جدًّا لا يُمكن وصفه بأي لغة بشريّة..!! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشكاجو
المزيد
05 مايو 2022

شخصيات الكتاب المقدس سارة

سارة «إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر... قولي إنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك» مقدمة لا أعلم أن هناك إنساناً على الأرض يتمنى في حياته أن يكون دميمًا، أو عاطلاً من أي جمال، إذ يحب كل مخلوق في الأصل، أن يكون جميلاً، والجمال هو الأساس في هذا الكون، في الطبيعة والحياة، لأنه خرج من إله جميل، يعكس صورته الرائعة فيما يبدع أو يصنع، ولذا لا عجب أن تكون الكلمة المتكررة في قصة الخلق «ورأى الله كل ذلك أنه حسن» كما ختمت بالقول: «ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا».وما اقترب مخلوق أو إنسان من الله، الا وأضحى جميلاً، كمثل ما وصل إليه موسى من جمال أخاذ، مبهر، غير عادي، بعد أن صعد إلى الله، وبقى في حضرته العلية هناك أربعين يومًا في الجبل المقدس، والإنسان، وقد تملكه على الدوام حب الجمال، لا يألو جهداً - يدري أو لا يدري - أن يكون أشبه بالكاتب الفرنسي الكبير ديماس الذي إذ ولد أسمر اللون، أصر على أن يعيش أبيض بما يضفي على حياته من جمال وجلال وشخصية، ومن ثم نرى الناس تهرب من القبح، وتحاول أن تخفي البقع أو العيوب، بالمحاولات التي لا تنتهي من أسباب التزيين والتجميل، في المظهر والملبس، وما أشبه مما تراه في كل زمان وكل مكان حيث يوجد الناس على ظهر هذه الأرض...وإذا كان الجمال قد أحدث هذا الأثر أو الجهد في حياة الناس، فإنه يقف من الوجهة الأخرى، وراء أقسى ما عرفه الإنسان من تجارب وخطايا وأثام وآلام ومجازر وحروب في التاريخ البشري.. ومن الغريب أن الناس تقرأ قصة سارة الجميلة، والجميلة جدًا، دون أن تتلفت أو تتأمل في أثر هذا الجمال من وجهتيه القويتين في حياتها.. وأغلب الظن أنهم يفعلون ذلك، لأن جمال سارة رغم أنه مفتاح حياتها ومحور كيانها وشخصيتها، إلا أنه دائمًا يقع في الظل، إذ أن شخصية إبراهيم زوجها، لم تعط الناس الفرصة الكافية الكاملة، للتحديق، والتدقيق، في هذا الجمال الأنثوي الرائع، ولعلنا اليوم نستطيع أن نتأمله كما جاء في القصة الكتابية من ثلاث وجهات. سارة وروعة جمالها مما لا شبهة فيه أن سارة كانت واحدة من أعظم الجميلات اللواتي ظهرت على هذه الأرض، والشيء العجيب والمثير حقًا، أن المصورين لم يتعرضوا بأعمال الخيال، في صورهم التي خلدوا بها بعض السيدات، أمام عقول وأفكار الناس، لأم المؤمنين، ليخرجوها في هذه الصورة أو تلك، على ما كانت عليه من جمال أدار الرؤوس، في كل مكان ذهبت إليه، وقد يكون هذا كما أشرنا، إلى وجودها على الدوام، في ظل زوجها، الذي استرعى كل الانتباه، كما أنها في طبيعتها، وعلى عكس المألوف في الجميلات، كانت لا ترغب في الظهور، أو لفت النظر إلى هذا الجمال إذ هي ساكنة إلى خيمتها، منزوية فيها، لا تظهر أمام الآخرين، كما جاء في جواب إبراهيم على سؤال مولاه: «أين سارة امرأتك، فقال ها هي في الخيمة».ومهما كان الأمر فمما لاشك فيه إنها كانت واحدة من أجمل بنات جنسها في عصرها، وفي كل العصور كان جمالها، الجمال الكلداني الذي جاء من وراء آرام النهرين، الجمال الذي كان يلفت النظر لكل من يقترب منه أو يتطلع إليه، الجمال الذي كان ولاشك معروفًا لديها، فلم تكن تجهل حقيقة جمالها، أو عظمة هذا الجمال، الجمال الذي كان يدركه إبراهيم إدراكًا عميقًا في قوله: «أني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر».... الجمال الذي رآه المصريون: «فرأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون».. أو هو الجمال الذي لم يكن في نظرهم يليق بأقل من الملك نفسه، كما أن أبيمالك ملك جرار كان على ذات الفكرة عندما رآها «وأراد أن يتخذها لنفسه زوجة»... على أي حال فان المرء لا يمكن أن يمر بقصتها، دون أن يذكر في الحال، أنها من ذلك الصنف الطويل المبهر الذي لا ينتهي، في الجميلات المؤمنات، اللواتي أعدن الجمال إلى صاحبه، وخالقه، وكرسنه في الحياة أو الموت لمجد الله،.. عندما وقف الضابط الروماني في قصة اندروكليس يحاول أن يمنع الفتاة المسيحية من الاستشهاد، وهو يقول إن جمالها هذا لا ينبغي أن يذهب نهبة الضياع، والهلاك، والموت، وهي تتعلق بأمل، قد لا يكون موجودًا عن عالم آخر! أما هي فقد أجابته بنبل وشهامة.. إن الله استولى على جمالها!! وإنها ستذهب إليه، لأنها ستجد هناك جمالاً أبهر وأعظم وأمجد!! وكانت الفتاة على حق، فإن جمال الجسد أي جسد كان، هو لله، قبل أن يكون لصاحبته، أو لزوج من الأزواج بين الناس، وأن هذا الجسد، مهما بلغ من الروعة والعظمة والمجد، سيبقى جسدًا ترابيا حيوانيًا، حتى يبلغ ما ذكره الرسول في قوله: «وأجسام سماوية، وأجسام أرضية لكن مجد السموات شيء ومجد الأرضيات آخر... هكذا أيضًا قيامة الأموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد، يزرع في ضعف ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا».. وهذا ما تعرفه المسيحية بخلاص الجسد.. فإذا كان المسيح يخلص أرواح المؤمنين، غداة انتقالها من الجسد إلى الله، فان خلاص الجسد ومجده الأعظم لابد أن يتحقق في صبح القيامة في اليوم الأخير!! واذا عن لواحد أن يسأل عن الفرق بين هذا وذاك، ونسبة الامتياز في الأخير عن الأول من حيث الجلال والمجد، فعليه أن يذكر ما أشار إليه الرسول بولس من فارق بين حبه الحنطة والشجرة الجميلة الخضراء المثمرة والمنبثقة عنها... على أن سارة كانت إلى جانب جمال شكلها، على حظ وافر وكبير من جمال العقل، قال أحدهم إذ قرأ بعض كتابات جون رسكن، يا لهذا الرجل من عقل جميل، ومع أن سقراط كان دميم الخلقة، إلا أنه كان جميل العقل جبار التفكير، والمرأة التي تجمع إلى جمال شكلها، جمال العقل،.. تعتبر بحق امرأة ممتازة بين الناس،.. وجمال سارة من هذا القبيل، إنها عاشت على الدوام تأخذ مكانها إلى الخلف من إبراهيم تطيعه داعية إياه سيدها، ولم يكن هذا مما يقلل مركزها، أو يفقدها مكانتها من الإجلال والاحترام، بل بالحري، يعظمها ويكرمها، وفي الوقت نفسه ينظم العلاقة الوظيفية بينها وبين زوجها، فيأخذ هو مركز القيادة، وتأخذ هي مركز الدفع الخفي والخلفي، المتاح لها، في دفع القافلة إلى الأمام، في الرحلة التي خرج كلاهما ليكونا رائديها وأبويها على مر العصور والأجيال، وقد كان إبراهيم الرحالة الأول في سبيل الإيمان، سعيدًا كما قال أحدهم: لأنه في رحلته الخالدة لم يجد امرأة تكثر الأسئلة وهو ينقل من مكان إلى مكان، ولا ينبغي أن يتصور أحد أن مرجع هذا كله، أنها كانت ضحلة التفكير سطحية التأمل، بل على العكس تمامًا أن تفكيرها وذكاءها، كانا محسوبين عليها، كما سنرى فيما بعد، عندما دفعت هاجر إلى حضن إبراهيم، فسقطت فيما يسقط فيه الأذكياء من الاعتماد على الفكر أو الرأي، دون الانتظار لإرادة الله الأعلى والأسمى، وفي غير هذا الأمر، كانت وستبقى المثل العظيم، للمرأة الفاضلة التي تبني بيتها، بالحكمة المضاعفة، حكمة من يعمل ولا يظهر ويدفع ولا يبين، ويؤثر ولا يفتخر،.. زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض، كما يقول الحكيم سليمان، وليس مهملاً أو متروكًا أو منتقص القدر أو الكرامة، كما تفعل الكثيرات من الجميلات، تعاليا أو كبرا أو بدعوى أن الزوج ليس مثل إبراهيم في قوة الشخصية، أو عظمة حياته، أو جلال تدبيره، اذ أن هذا الفرض أن صح وجوده، لا يبرر ظهور امرأة على الرجل، أو دفعه إلى الخلف بأية حركة، بل العكس هو الصحيح، اذ يضاعف من جهدها، في تغطيته بحكمة، متى ظهر منه النقص والعورة والضعف والقصور، وكم لعبت نساء حكيمات مثل هذا الدور في كل العصور، حتى يقال بحق خلف كل رجل عظيم امرأة عاقلة!! على أن جمال الروح أعظم من جمال البدن، والعقل عند هذه الأم العظيمة القديمة!!.. قالت الفتاة المأخوذة بروعة جلستها مع سيدة عظيمة: يا سيدتي إني مستعدة أن أعطي العالم كله، إذا كان لي أن أحصل على مثل هذا البهاء والجمال المتوفرين لشخصك، والظاهرين في حياتك والمرسومين على وجهك، وأجابت الأخرى بكل هدوء ورصانة! وهذا يا بنيتي، هو الثمن الذي دفعته بالضبط للحصول على ذلك، وما من شك بأن سارة يحق لها أن تقول مثل هذا القول إذ إن جمال روحها كان واضحًا من اللحظة الأولى التي خرجت فيها مع زوجها العظيم في رحلته الخالدة، إلى حيث لا يعلم إلى أين يأتي، ولا شبهة في أنها وهي تطوح بالعالم القديم خلفها، لتكون أما لجميع الخالدين من المؤمنين، كانت تكشف عن روح من أجمل الأرواح التي عاشت على ظهر الأرض بين الناس، كانت سارة واحدة من أعظم الحالمات بالرؤى العظيمة، اذ عاشت سنوات طوالاً، تحلم برؤيا أمم وممالك وشعوب، تخرج من أحشائها وتبارك كل الأرض، وما من شك بأن هذه الرؤيا رسمت، تدري أو لا تدري، أروع وأمجد مظاهر الجلال والجمال في حياتها ونفسيتها العظيمة، وليس هناك فيما أعتقد، ما يعطي الإنسان جمالاً، أو يضفي عليه من مسحة نورانية قدر تملكه لرؤيا عظيمة، أو حلم كبير! ان الرؤيا أو الحلم يصنع للإنسان جناحين عظيمين يحلق بهما على ارتفاع من كل ضيق أو سأم أو ملل أو تعب أو شك ويرقي به فوق كل ما يعكر النفس، ويهزم المشاعر، ويحطم الآمال، وأصحاب الشباب الخالد، هم الذي علت أحلامهم على واقع الحياة المضطربة بالمآسي والمفشلات والمتاعب والدموع، كانت سارة امرأة غنية ولو قيس ما عندما من ذهب وثروة بمقاييس عصرنا الحاضر، لكانت من أولئك الذين يطلق عليهم في عالمنا بأصحاب الملايين، لكني اعتقد أن غناها الحقيقي لم يكن فيما تملك من مادة، بل فيما وصلت إليه من إيمان، اذ قيل: «بالإيمان سارة نفسها أيضًا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت اذ حسبت الذي وعد صادقًا».. كانت سارة غنية في روحها بالإيمان بالله!.وإلى جانب هذا كله لم تعرف المرأة الجميلة قط، حياة الشموخ، أو التعالي، أو الكبرياء، بل على النقيض كانت زينتها الحقيقية الروح الوديع الهادي، الذي هو قدام الله كثير الثمن، كانت هذه المرأة - اذا جاز التعبير - ذات جسد من لجين، أو فضة كما يقولون، وعقل من ذهب، وروح درية، ينطبق عليها حقًا قول الحكيم القديم «امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآليء». سارة وتجارب جمالها وهل يمكن أن يوجد في الوجود جمال، دون أن يخلق في عالمنا هذا، عالم المتناقضات، الكثير من المتاعب والتجارب، ولعل أول تجربة لهذا الجمال تجربة القلق والخوف، كان إبراهيم كرحالة، يخشى، كما هو متصور، من الاعتداء على كل ثمين وغال عنده،... إذ ليس لمعدوم أن يخشى متابعة سارق أو مطاردة لص ولكن إبراهيم لم يكن معدمًا، بل كان رجلاً واسع الثراء، غنيًا جدًا، على أن أغلى ما كان يملك، لم يكن متاعا أو شيئًا، بل شخص زوجته الجميلة الحسناء، اذ كانت هي وحدها في كفة، وكل ذهبه، وفضته ومقتنياته في الكفة الأخرى،.. وكان إبراهيم يخاف على زوجته، أكثر من كل ما يقتني بل أكثر من حياته هو أيضًا، ولم يكن اتفاقه مع زوجته، على أن تذكر أنها أخته في كل مكان يقصد حماية حياته هو، بل أنه وقد أحبها حبًا عميقًا، كان يقصد أن يعيش من أجلها كما هو ظاهر من قوله: «وتحيا نفسي من أجلك» كانت سارة في الأصل اسمها «ساراي» أو «أميرتي» وكانت أشبه بالدرة أو التاج على مفرق الرجل، كانت أميرته المحبوبة والعزيزة عليه، وكان جمالها غير عادي يثير خوفه وفزعه، كما يخاف الإنسان على اللبن النقي من أن تعلق به أوساخ أو ذرات من التراب، وهذا في الواقع مجد الجمال، وخطورته أيضًا، فهو على قدر ما يريح العين لصاحبه، يثير الرغبة والشهوة في نفس الكثيرين، ومن الوقت الذي صاح فيه لامك لامرأتية عادة وصلة «اسمعا قولي يا امرأتي لامك، واصغيا إلى كلامي، فاني قتلت رجلا لجرحي وفتي لشدخي» ويقال أن ذلك كان بسبب تعرض آثم لحياته الزوجية،.. إلى الوقت الذي يضيع فيه آمنون أخته وضاع في أثرها،... إلى حروب تروادة من أجل هيلين اليونانية الجميلة... إلى قصص لا تنتهي، في كل جيل وعصر، سيبقى الجمال في القمة بين أعظم أسباب المتاعب والشرور والمخاوف والمجازر والآلام البشرية، على أنه إذا كان الجمال تجربة بهذا المعنى، والتجربة تقتضي أن يواجهها الإنسان بكل تأمل وحرص، إلا أن التجربة تتجاوز حدها، إذا تحول هذا التأمل والحرص، إلى القلق والخوف والفزع، وهذه مأساة الإنسان ومحنته الدائمة في الأرض، كان إبراهيم يعلم من اللحظة الأولى، أنه يسير كغريب في الأرض في كنف الله وحمايته ورعايته، وأنه لا يستطيع أن يحرس نفسه أو زوجته، دون سند من الله أو عونه أو ستره أينما اتجه أو سار أو تولى.. وكان وهو أبو المؤمنين، عليه وأن يعلم أنه يسلك على الدوام بالإيمان لا بالعيان، ومن ثم كان خليقًا به وبزوجته، ألا يلجأ إلى ما اتفقا عليه من ذكر نصف الحق وليس الحق كله، بأن تذكر سارة أنها أخته، وتتحاشى أن تشير إلى أنها زوجته، ومرات كثيرة ما يكون نصف الحق، أبشع من الباطل والافك والكذب بعينه، وإذا كان الله قد أفهمها بوضوح، عدم رضائه على ما فعلا في مصر، وكيف تدخل بالضربات العظيمة على فرعون وبيته لينقذهما من آثار ما أقدما عليه من حكمة بشرية كاذبة، فكيف يمكن تفسير تكرار الأمر نفسه في جرار بعد سنوات كثيرة من الحادثة الأولى، وبعد توالي معجزات الله العظيمة في حياته، والتي علمته بما لا يقبل الشك أن قوته ترجع أولاً وأخيرًا، إلى يد الله القوية المتداخلة في رعايته وحراسته، على أي حال أن طبيعتنا البشرية الراهنة تردنا بين الحين والآخر إلى إدراك، مدى الوهن والضعف الذي نحن عليه، والذي يمكن أن تتعرض إليه، حتى ولو كنا في مجد الحياة، وجلال السمو، نحلق في آفاق الإيمان العظيمة المرتفعة، وأكثر من هذا فأنه عندما تكثر الخطية، تزداد النعمة، وأن التجارب التي تحيط بنا كان يمكن أن تضيع تاريخنا وتمحو إيماننا، لولا يد الله الرحيمة التي تمتد إلينا عند ما نشرف على الغرق، أو نقترب من الهلاك والهاوية!! كما ينبغي أن نعلم أن نصف الحق أو الكذب الأبيض، أو ما إلى ذلك من صور، قد تنتهي بالإنسان إلى عكس ما كان يحلم أو يشتهي أو يتصور، فيلحق بقائله ما لحق بإبراهيم من هوان وتوبيخ على يد فرعون وابيمالك الوثنيين، إن مزج الاتكال على الله بالحكمة البشرية ومحاولة الربط بينهما، كثيرًا ما أديا إلى نتائج، لولا رحمة الله لكان من الصعب أو المستحيل تدارك آثارها المفجعة الرهيبة!! ويظهر هذا على وجه الخصوص في التجربة الثانية، تجربة التأثير البشري المتولد عن سلطة الجمال وقوته! نحن نعلم أن الجمال كثيرًا ما يلعب بالرؤوس، ويثير المشاعر، ويسلب ألباب الناس، بسحره القوي، وسلطانه العظيمة، ولا أعلم إلى أى مدى، كان إبراهيم واقعًا تحت سلطان جمال امرأته العظيم، لكنني أعلم على أي حال، ان إبراهيم لم يبدأ في التفكير في قصة ارتباطه بهاجر، بل أن القاريء المتعمق للقصة الكتابية يرى أن هذه الفكرة بدأت واختمرت في ذهن سارة، وأن إبراهيم كان مترددًا كل التردد تجاهها حتى خضع لرأي زوجته، والمفسرون مختلفون في هذا الأمر إلى حد كبير، فما هو الدافع ياترى لهذه الفكرة التي سيطرت بشدتها وعنفها على سارة حتى الزمت إبراهيم أن يخطو خطواته التنفيذيه فيها.. هل يرجع الأمر إلى أن هذه المرأة الجميلة، بلغ جمالها زروته في نكران الذات، وهي اذ عجزت عن أن تأتي لإبراهيم بابن الموعد، طلبت أ ن يأتي عن طريق آخر، عن طريق جاريتها هاجر، أم أن الأمر على العكس من ذلك، كما يتصور البعض، إذ أنها الكبرياء، التي نهضت في أعماق المرأة ورغم وداعتها، لتحصل على الولد بأي ثمن، وحيث أن النظام المتبع في تلك العصور، إن ابن الجارية يحسب لها، دفعت جاريتها إلى حضن زوجها ليأتي لها بالابن المنشود المرتقب، أم هي كما يرى آخرون نوع من الحكمة الواهمة، التي تحاول بالتحايل أن تحصل على ما ترغب أو تريد عن طريق الذكاء والفهم وإعمال الفكر البشري، أم هي الحيرة التي تتخبط هنا وهناك عندما لا يسعفها الصبر، فتأتي من الأعمال مالم تكن تشتهي أن تطلب أغلب الظن أن سارة لم تكن تعرف بالتمام أن الطبيعة البشرية تتشابك عواطفها كأشجار الغابة، فلا تكاد تعرف تمامًا حقيقة الوازع أو الدافع، خلف مختلف الأعمال التي تقوم بها أو تنتهجها، على أي حال مهما كان الدافع أو الوازع فان سارة قالت لابرام هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة، أدخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين فسمع أبرام لقول ساراي فأخذت سارة امرأة ابرام هاجر جاريتها بعد عشر سنين لإقامة ابرام في أرض كنعان وأعطتها لابرام رجلها زوجة له» وتم للمرأة ما يفرضه الجمال من سلطان وقوى على الكثيرين من الأزواج بين الناس. والتجربة الثالثة لما يمكن أن يفعله الجمال تجربة القسوة التي نراها في قصة سارة تجاه زوجها، وجاريتها، وإسماعيل الصغير معا، أما زوجها، فقد أخذت تحمله ظلما هي السبب فيه، ونتائج، لو أنصفت لأدركت أنها هي، وليس هو، الأساس والمصدر لكل ما وصلا إليه، أما جاريتها، فقد أذلتها، حتي هربت أولا، ثم طردت مع ابنها ثانيًا، الذي كاد يصل إلى الموت عطشًا عندما تاهت في برية سين، ومع أن لله في كل هذا إرادته العليا، وحكمته الخالصة، وأنه وحده قادر أن يستخلص، من مقاصد الناس ونواياهم ودوافعهم المتباينة ما يتمم به مشيئته العليا، وإرادته الأزلية، إلا أن ما يعينيا ههنا، أن المرأة الجميلة قد تتحول لأسباب كثيرة، إلى الأنثى الطاغية، التي تخرج عن رقتها وهدوئها، فتتحرك لتفعل بأسلوب مباشر أو غير مباشر ما يتردد الرجل مرات كثيرة عن اتيانه، أو الإقدام عليه!! سارة ومجد جمالها على أنه إلى جانب هذا كله، فمما لاشك فيه أن جمال سارة بلغ ذروته الحقيقية، ومجده الأعلى، في السنين الأخيرة من حياتها عندما استوى ونضج، وتجاوز حد التجارب، وخلفها وراءه، كانت المرأة الكبيرة، أشبه بقرص الشمس الذهبي، عندما يأخذ سبيله لحظة الشفق إلى الغروب، لقد تطهر جمالها واتسع، وخلا من البقع المتناثرة، التي علقت به في وسط التجارب التي ألمت به كما أسلفنا في رحلة الحياة،..فقد عاشت سارة في السنوات الأخيرة من عمرها تتوفر على تربية اسحق ابنها، مع إبراهيم أبيه، والبادي أن اسحق أخذ منها الكثير، مما طبع عليه من حياة الهدوء والسلام، مما جعله أقرب إليها من أبيه، كما أن أسحق أعطاها بمولده ومجيئه بعد تسعين عاماً من عمرها، الابتسامة التي ارتسمت على وجهها وأضاءت حياتها بأكملها، حتي أنها اسمته اسحق أي ضحك، تعبيرًا وتجسيدًا للبهجة والسرور والإشراق، التي تغلغت في حياتها، مما لم تكن عرفته واختبرته من قبل، على امتداد السنين الطويلة قبل مولده، لقد عرفت قبل اسحق جمال الشكل، والعقل، والروح، ولكنها بعد ميلاد ابنها، عرفت جمال الأمومة على نحو كان من العسير أن تدركه في معناه الصحيح، لو عاشت عاقرًا فاذا جاءت بناتها فيما بعد، على مختلف العصور والأجيال، يرين في العقم عاراً وذلة وهواناً مثل راحيل، وحنة، واليصابات، وغيرهن، تبين لنا إلى أي مدى توج جمال سارة بهذا اللون البهيج العظيم، مما تفخر به المرأة، جمال الأمومة، على أن هذه المرأة لم تقف عند جمال الأمومة القاصرة على أسرة محدودة أو بيت، لقد تحولت من «ساراي» أميرتي إلى سارة «أم الجماهير» لقد زها نورها عن أن يلمع في مجرد بيت أو أسرة أو شعب، ليمتد إلى أحشاء الزمن، ويتغلغل في جنبات التاريخ لتضحي أم القديسين والقديسات، من بيوت وأسر وأمم وشعوب، واتسعت هالة نورها، على نحو ربما لم تعرفه امرأة أخرى، سوى مريم العذراء، التي ولد منها المسيح سيدنا وربنا مخلص العالم! على أبواب مغارة المكفيلة أودع إبراهيم ميته، ليشتري الحقل والمغارة، قبل أن يدفن جثمانها المسجي، وهل لنا أن نلقي نظرة أخيرة على هذا الجمال العظيم المتألق، الذي لم تستطع الشيخوخة أن تنال منه، بل لعلها أعطته مسحة من القداسة التي بقيت في ذهن الرسول بطرس عندما قال: «فإنه هكذا كانت النساء القديسات أيضًا المتوكلات على الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها التي صرتن أولادها صانعات خيرًا وغير خائفات خوفاً البتة»...
المزيد
04 مايو 2022

الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج١

سؤال بأي جسد قام السيد المسيح هل بجسد عادي مثل جسدنا أم بجسد ممجد؟ وإن كان بجسد ممجد.. فما هو معني أنه "أكل مع تلاميذه" (لو 24: 43)؟ وما معني أنهم جسوا لحمه وعظامه (لو 24: 39).وهل الجسد الممجد الذي قام به هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء؟ ولماذا لا نقول أيضًا إنه قد ولد بجسد ممجد؟ جواب 1- لا شك أن جسد القيامة بصفة عامة هو جسد ممجد.وقد شرح القديس بولس هذا المجد بقوله "هكذا أيضًا قيامة الأموات.. يزرع في هوان، ويقام في مجد، يزرع في ضعف، ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 49، 50). 2- فإن كنا نحن سنقوم بجسد ممجد.. بجسد روحاني فكم بالأولي كانت قيامة السيد المسيح.هذه القيامة التي كانت "باكورة" (1 كو 15: 20، 23) ونحن كلنا علي مثالها سنقوم في القيامة العامة. وأكبر دليل علي أننا سنقوم بمثال مجد تلك القيامة هي قول القديس بولس الرسول في رسالته في فيلبي:"يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده" (في 3: 21). إذن السيد المسيح قد قام بجسد ممجد، ونحن سنقوم أيضًا "علي صورة جسد مجده "هذا أمر واضح لا يحتاج إلي إثبات، ولا يقبل نقاشًا.والمعروف أن الجسد الممجد هو جسد روحاني علي حسب قول الرسول في (1 كو 15: 44، 49) والجسد الروحاني قد ارتفع عن الوضع المادي من أكل وشرب. وارتفع عن مستوي اللحم والعظام.. وهنا يقف أمامنا سؤال هام: 3- كيف قيل عن المسيح بعد قيامته أنه أكل.. وأنه كان له لحم وعظام؟!وهذا الأمر واضح في الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير، إذ ورد في ظهور السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة أنهم "جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا. فقال لهم أنظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني، وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه" (لو 24: 37-40) وفي نفس الأصحاح وفي نفس المناسبة، أخذ طعامًا منهم وأكل قدامهم (لو 24: 41-43) فكيف نفسر ذلك؟ 4- نفسر ذلك.. بأنه أراد أن يثبت لهم قيامة جسده.. وهم لا يفهمون معني الجسد الروحاني..في ذلك الحين ما كانوا يفهمون كنه(1) الجسد الروحاني، وما كانت هذه العبارة قد طرقت أسماعهم أو افهماهم. ويقينًا بدون هذه الإثباتات التي قدمها لهم من أكل ومن جس للحمه وعظامه، كانوا سيظنون أنهم رأوا روحًا (لو 24: 37) مجرد روح بلا جسد!! أي أن الجسد لا يكون قد قام في فهمهم. 5- والمهم في القيامة.. قيامة الجسد.لأن الروح بطبيعتها حية لا تموت.. والذي هو الجسد بانفصاله عن الروح.ويتحول إلي تراب، وتبقي الروح حية في مكان الانتظار. إذن القيامة هي قيامة الجسد واتحاده بالروح مرة ثانية.. ونحن في طقس "جحد الشيطان "في المعمودية نقول: "نؤمن بقيامة الجسد "فكون التلاميذ ظنوا أنهم نظروا روحًا، معني هذا أن فكرة قيامة الجسد كانت بعيدة عن إقناعهم وقتذاك. وكان لابد من إقناعهم بها، ليقنعوا بها غيرهم. وهنا نذكر قول القديس بطرس السدمنتي: إن السيد المسيح قبل صلبه كان يثبت للناس لاهوته.. أما بعد قيامته فأراد أن يثبت لهم ناسوته.والروح وحدها لا تمثل ناسوتًا كاملًا، فلابد من إثبات أن الجسد قد قام، لهذا قال لتوما "هات أصبعك إلي هنا وأبصر يدي. وهات يدك وضعها في جنبي. ولا نكن غير مؤمن بل مؤمنًا" (يو 20: 27). وقال للتلاميذ "جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39). كما سمح لمريم المجدلية ومريم الأخرى حينما سجدتا له بعد القيامة. أن تمسكا بقدميه (متى 28: 9). كل ذلك لإثبات قيامة الجسد. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث وللحديث بقية
المزيد
03 مايو 2022

الرسالة الفصحية السابعة

لنحمل سمات المصلوب! كتب بولس الطوباوي إلى أهل كورنثوس أنه یحمل في جسده على الدوام إماتة یسوع ٢كو ١٠:٤ ، لیس كمن یحمل هذا الفخر وحده بل ویلزمهم هم، كما نحن أیضًا أن نحمل هذا.لیتنا یا أخوتي نقتفي آثاره! ولیكن هذا هو فخرنا الدائم فوق كل شيء في كل وقت.هذا یصیر فینا خاصة في أیام العید إذ نذكر موت مخلصنا، لأن من یصیر مشابهًا له في موته، یصیر أیضًا مجاهدًا في الأعمال الفاضلة، ممیتًا أعضاءه التي على الأرض مز ٢٢:٢٤، صالبًا الجسد مع الأهواء والشهوات كو ٥:٣ ، ویحیا في الروح سالكًا حسب الروح غلا ٢٤:٥ -25 مثل هذا الإنسان یكون دائم التفكیر في اله فلا ینسى الله قط، ولا یفعل أعمال الموت.والآن، فإنه لكي نحمل في جسدنا إماتة یسوع، أضاف الرسول للحال موضحًا لنا الطریق الذي نتبعه قائلاً "فإذ لنا روح الإیمان عینه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت. نحن أیضًا نؤمن ولذلك نتكلم أیضًا"٢كو ١٣:٤. وقد أردف أیضًا متحدثًا عن النعمة التي تنبع عن المعرفة قائلاً "عالمین أن الذي أقام الرب یسوع سیقیمنا نحن أیضًا یسوع ویحضرنا معكم"١كو ١٤:٤ بالإیمان والمعرفة نحیا بالروح عندما احتضن القدیسون مثل هذه الحیاة الحقیقیة بواسطة الإیمان والمعرفة" ینالون بلا شك الفرح السماوي. ذلك الفرح الذي لا یهتم به الأشرار إذ هم محرومون من التطویب النابع عنه… لأنهم لا یرون جلال الرب أش ١٠:٢٦ فإنهم وإن كانوا یسمعون الإعلان العام "استیقظ أیها النائم وقم من الأموات" أف ١٤:٥ ، ویقومون ویأتون إلى السماء قارعین الباب قائلین "افتح لنا" مت ١١:٢٥، إلا أن الرب سینتهرهم كمن لا یعرفهم… قائلاً لهم "لا أعرفكم"،ویصرخ الروح ضدهم "الأشرار یرجعون إلى الهاویة كل الأمم الناسین الله". هل یعید الشریر؟ أننا نقول بأن الأشرار أموات، لكن لا في حیاة تعبدیة ضد الخطیة، ولا هم مثل القدیسین یحملون الموت في أجسادهم، إنما یدفنون النفس في الخطایا والجهالات فتقترب النفس من الموت. وإذ یشبعونها بالملذات الممیتة، تكون نفوسهم أشبه بنسور صغیرة تحوم فوق جثث الموتى. وقد أعلنت الشریعة عن هذا إذ تأمر في صورة رمزیة بعدم أكل النسور وجمیع الطیور التي تأكل الجیف (لا ١٣:١١).هؤلاء یقتلون النفس بالشهوات، ولا یقولون سوى "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش ١٣:٢٢).وقد وصف النبي الثمرة التي یجتنیها أمثال هؤلاء الذین ینغمسون في الملذات، فقال "فأعلن في أذني رب الجنود لا یغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا" (إش ١٤:٢٢). إذ یحسبون آلهتهم بطونهم، وعندما یموتون یتعذبون ، نعم، حتى عندما یعیشون، فإنهم یكونون في عار لأنهم افتخروا بمثل هذا الموت.ویحمل بولس أیضًا شهادة عن هذه النتیجة فیقول "الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سیبید هذا وتلك" ( ١ كو ١٣:٦).وتعلن الكلمة الإلهیة عن هؤلاء بأن موت الأشرار شر ومبغضو الصدیق یخطئون (مز ٢١:٣٤ )، لأن الأشرار یرثون ناراً مرة وظلامًا مهلكًا. كیف یعبد الأبرار؟ أما القدیسون والذین یمارسون الفضیلة ممارسة حقیقیة، فقد أماتوا أعضاءهم التي على الأرض، الزنا والنجاسة والهوى والشهوة الردیئة (كو ٥:٣ ). فیتحقق فیهم، بسبب هذه النقاوة وعدم الدنس، وعد مخلصنا "طوبى للأنقیاء القلب لأنهم یعاینون الله" (مت ٨:٥). هؤلاء صاروا أمواتًا للعالم، وازدروا بمقتنیاته مقتنین موتًا مشرفًا، إذ هو "عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" مز ١٥:١١٦هؤلاء أیضًا قادرون على الاقتداء بالرسول القائل "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" غلا ٢٠:٢ هذه هي الحیاة الحقیقیة التي یحیا الإنسان في المسیح، فأنه وإن كان میتًا عن العالم إلا أنه كما لو كان قاطنًا في السماء، منشغلاً في الأمور العلویة، كمن هو هائم في حب تلك السكنى السماویة، قائلاً إننا وإن كنا نسلك في الأرض "فأن سیرتنا نحن هي في السموات" في ٢:٣ الذین یحبون هكذا مشتركین في فضیلة كهذه، هم وحدهم القادرون على تمجید الله… وهذا هو ما یعنیه العید. فالعید لا یعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أیام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقدیم الشكر والحمد له. هذا الشكر وهذا الحمد، یقدمه القدیسون وحدهم الذین یعیشون في المسیح، إذ مكتوب "لیس الأموات یسبحون الرب ولا من ینحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" مز ١٧:١١٥،١٨ هكذا كان الأمر مع حزقیا الذي خلص من الموت فسبح الله قائلاً "لأن الهاویة لا تحمدك. الموت لا یسبحك….الحي هو یحمدك كما أنا الیوم" أش ١٨:٣٨،١٩ فتسبیح الله وتمجیده هو من اختصاص الذین یحبون في المسیح وحدهم، هؤلاء یصعدون إلى العید، لأن الفصح لیس للأمم ولا للذین هم یهود بحسب الجسد بل للذین یعرفون الحق، وذلك كقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العید "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا". لذلك وإن كان الأشرار یقحمون أنفسهم لكي یحفظوا العید، بینما عملنا في العید وهو تمجید الله، لهذا فأنهم كأشرار یقتحمون متطفلین في دخولهم كنیسة القدیسین. هؤلاء یوبخهم الله معاتبًا كل واحد منهم "مالك تتحدث بفرائضي" مز ١٦:٥٠والروح القدس یوبخهم قائلاً بأنه لیس للتسبیح مكانًا في فم الخاطئ ابن سیراخ ٩:١٥ ، ولا للخطیة وجود في مذبح الله،لأن فم الخاطئ یتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل "فم الأشرار ینبع شروراً" أم ٢٨:١٥ كیف یمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا یمكن أن یتفق النقیضان معًا؟! "لأنه أي خلطة للبر والإثم. وأیة شركة للنور مع الظلمة"٢كو ١٤:٦. هذا ما یعلنه بولس خادم الإنجیل.لهذا لا یمكن للخطاة والغرباء عن الكنیسة الجامعة أي الهراطقة والمنشقین المستبعدین عن أن یمجدوا الله مع القدیسین، أن یستمروا في حفظ العید كما ینبغي. أما البار، فإنه وإن كان یظهر میتًا عن العالم، لكنه یتجاسر فیقول "أنا لا أموت بل أحیا وأحدث بأعمالك العجیبة" راجع مز ١٧:١١٨. فإنه حتى الله لا یخجل من أن یدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذین بحق یمیتون أعضاءهم التي على الأرض كو ٥:٣ ، ویحیون في المسیح الذي هو إله أحیاء لا إله أموات. هذا الذي بكلمته ینعش كل البشر، ویعطیهم طعامًا یحیا به القدیسون، كما أعلن الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة" یو ٤٨:٦ ولما كان الیهود عدیمي الإدراك ولم تكن حواسهم مدربة على الفضیلة، لهذا لم یفهموا أقواله عن "الخبز" فتذمروا ضده لأنه قال عن نفسه أنه الخبز الحي الذي نزل من السماء ویهب حیاة للبشر یو ٥١:٦ بین الخبز الحي وخبز الخطیة الخطیة لها خبزها الخاص بها، الذي یدعو المحبین لملذاتها لیموتوا بموتها، وتدعو ناقصي الفهم قائلة "المیاه المسروقة حلوة وخبز الخفیة لذیذ" أم ١٧:٩. لأنه حتى من یلمس هذا الخبز لا یعرف أن ما هو مولود من الأرض یبید معها. فعندما یفكر الخاطئ في أن یجد لذة، فإنه في نهایة هذا العام لا یجد فیه بهجة، كما تقول حكمة الله أن خبز الخداع مسر للرجل، لكن فمه بعد ذلك یمتلئ حصاة. وأن العسل یسقط من شفتي المرأة الزانیة التي تكون إلى حین حلوة، ولكن النهایة تجدها أكثر مرارة من المر ذاته، وأكثر حدة من السیف ذي الحدین.هكذا إذ یأكل الخاطئ ویفرح إلى حین، فأنه عندما ترحل نفسه (من هذا العالم) سوف تستخف بهذا الطعام! فالغبي لا یدرك أن من یبتعد عن الله یهلك. مع أنه یوجد صوت نبوي یقول رادعًا "والآن مالك وطریق مصر(تشیر إلى العبادة الوثنیة بما فیها من ملذات وشهوات) لشرب میاه شیمور؟! ومالك طریق أشور لشرب میاه النهر؟! أر ١٨:٢وحكمة الله التي تبني البشریة تمنعهم من هذه الأشیاء (خبز الخطیة)، صارخة أن ینفصلوا عنها ولا یتأخروا في المكان ولا یتطلعوا إلیها، لأنها میاه غریبة سوف تعبر وترحل سریعًا…كذلك تدعونا الحكمة إلى نفسها قائلة "الحكمة بنت بیتها نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها.أیضًا رتبت مائدتها. أرسلت جواریها تنادي على ظهور أعالي المدینة. من هو جاهل فلیمل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له: هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" أم ١:٩-5 وبأي رجاء یأكل خبز الحكمة؟ "اتركوا الجاهلات فتحیوا وسیروا في طریق الفهم" أم ٦:٩ لأن خبز الحكمة محي، إذ یقول الرب "أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن كل أحد من هذا الخبز یحیا إلى الأبد" یو ٥١:٦ ویلمنا الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة. آباؤكم أكلوا المن في البریة وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي یأكل منه الإنسان ولا یموت" یو ٤٨:٦-51 الأبرار یشبعون والخطاة یفتقرون أن ألأشرار یفتقرون إلى خبز كهذا… أما الأبرار فهم وحدهم الذین تهیأوا لكي یشبعوا، قائلاً كل واحد منهم أما أنا فالبر أنظر وجهك. أشبع إذا استیقظت بشهبك" مز ١٥:١٧ لأن من یشترك في الخبز الإلهي دائمًا یجوع مشتاقًا، وإذ هو جائع لا یحرم من أن یعطي له كما وعد "الحكمة" ذاته قائلاً "الرب لا یجمع نفس الصدیق" أم ٣:١٠. وكما وعد أیضًا في المزامیر "بطعامها أبارك بركة مساكینها أشبع خبزاً" مز ١٥:١٣٢إننا نسمع مخلصنا یقول "طوبى للجیاع والعطاش إلى البر لأنهم یشبعون" مت ٦:٥ حسنًا إذن ما یفعله القدیسون، إذ یحیون في المسیح، ویبثون في أنفسهم شوقًا نحو هذا الطعام.وقد تفجر شوق أحدهم إذ یقول "كما یشتاق الإیل إلى جداول المیاه هكذا تشتاق نفسي إلیك یا الله" مز ١:٤٢"نفسي عطشت إلى الله الحي متى أجيء وأعاین وجه الله؟!"."یا الله إلهي أنت إلیك أبكر. عطشت إلیك نفسي. یشتاق إلیك جسدي في أرض ناشفة ویابسة لكي أبصر قوتك ومجدك كلما أ ریتك في قدسك" مز ١:٦٣،٢ الإیمان والخبز الحي؟ ما دام الأمر هكذا یا أخوتي، فلیتنا نمیت أعضاءنا التي على الأرض كو ٥:٣ ، ونتقوت بالخبز الحي الإیمان بالله وحب الله، عالمین أنه بدون إیمان لا یمكن أن تكون لنا شركة في خبز كهذا. لأنه عندما دعي ربنا الكل إلیه قال "إن عطش أحد فلیقبل إلي ویشرب" یو ٣٧:٧ وللحال تحدث عن الإیمان الذي بدونه لا یقدر إنسان أن یأخذ من مثل هذا الطعام "ومن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" یو ٣٨:٧بهذا الهدف كان ینعش تلامیذه المؤمنین بكلماته ویعطیهم الحیاة باقترابهم من لاهوته. أما المرأة الكنعانیة فإذ لم تكن بعد مؤمنة لم یتكرم علیها حتى بمجرد الإجابة علیها رغم احتیاجها الشدید إلى طعام منه.وهو لم یصنع هذا احتقاراً بها. حاشا له، لأنه محب لكل البشر… ولهذا نجده یذهب إلى سواحل صور وصیدا(أي یذهب عند غیر المؤمنین)، ولكن صنع هذا معها لأنها لم تكن آمنت بعد ولا أخذت حكمة. وبحق صنع هذا یا أخوتي، ما كان لها أن تنتفع شیئًا لو استجاب لطلبتها قبل أن تعلن إیمانها، ولكن بإیمانها یمكنها أن تنال طلبتها إذ یجب أن الذي یأتي إلى الله یؤمن بأنه موجود وأنه یجازي الذین یطلبونه" وأنه "بدون إیمان لا یمكن إرضاؤه" عب ٦:١١ هذا ما یعلم به بولس.فهي إذ كانت إلى تلك اللحظة غیر مؤمنة، الأمر الذي یجعلها دنسة، وهذا یظهر من قوله "لیس حسنًا أن یؤخذ خبز البنین ویطرح للكلاب" مت ٢٦:١٥وعندما وثقت في قوة "الكلمة" وغیرت من طریقها اقتنت أیضًا الإیمان، وبالتالي لم یعد بعد یحدثها كأنها "كلب" إنما غیر طریقة حدیثه عنها على أنها مخلوق بشري قائلاً "یا امرأة عظیم إیمانك" مت ٢٨:١٥ وإذ آمنت وهبها ثمرة إیمانها قائلاً لها "لیكن لك كما تریدین. فشفیت ابنتها من تلك الساعة". لا تدس دم ابن الله من یؤهل للدعوة السماویة، بهذه الدعوة یتقدس، لكنه إن سلك في هذه الدعوة بإهمال، فإنه وإن كان قد تنقى لكن(بإهماله هذا) یصیر دنسًا. یقول الرسول "(فكم عقابًا أشر تظنون) أنه یحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" عب ٢٩:١٠أنه سیسمع تلك الكلمات "یا صاحب كیف دخلت إلى هنا ولي علیك لباس العرس؟! مت ١٢:٢٢ لأن ولیمة القدیسین طاهرة بلا دنس "لأن كثیرین یدعون وقلیلین ینتخبون" مت ١٤:٢٢ویشهد بهذا یهوذا، الذي وإن جاء إلى العشاء، لكنه احتقر الولیمة وخرج من حضرة الرب وفقد حیاته خانقًا نفسه. وأما التلامیذ الذین استمروا مع المخلص، فقد صارت لهم سعادة الولیمة.وذاك الشاب الذي ذهب إلى كورة بعیدة وبدد أمواله في عیش مسرف، متى عاد مشتاقًا إلى الولیمة السمائیة ورجع إلى نفسه قائلاً "كم من أجیر لأبي یفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟!" لو ١٧:١٥. وللحال قام وذهب إلى أبیه واعترف قائلاً له "أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا بل اجعلني كأحد أجراك"، فأنه بعدما اعترف هكذا صار مستحقًا لأكثر مما طلب. لأن الآب لم یقبله كعبد أجیر ولا تطلع إلیه كانسان غریب، بل قبله كابن، ورده من الموت إلى الحیاة، واعتبره مستحقًا للولیمة الإلهیة، وأعطاه ثوبه الأول الثمین، حتى أنه بسبب هذا صار غناء وفرح في بیت الأبوة. الله ینتظرك! هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه لیس فقط یقیم الإنسان من الأموات بل ویعید إلیه نعمته العظیمة خلال الروح. وبدل الفساد یلبسه ثوبًا غیر فاسد، وبدل الجوع یذبح العجل المثمن، وعوض المسافة الطویلة التي قطعها في رحلته فأن الآب المنتظر رجوعه یقدم حذاء لقدمیه. وما هو أعجب من هذا یعطیه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله یجعله في صورة مجد المسیح….. هذه هي العطایا المجانیة التي یقدمها الآب، والتي بها یكرم الرب الساكنین معه والراجعین إلیه تائبین، ومنعشًا .( إیاهم. فأنه یعدنا (یسوع) قائلاً "أنا خبز الحیاة من یقبل إلي لا یجوع. ومن یؤمن بي فلا یعطش أبدًا" یو ٣٥:٦ ونحن أیضًا فسنحسب مستحقین لهذه الأمور، إن كنا في هذا الزمان نلتصق بمخلصنا، وكنا أطهاراً لا في أیام الفصح والسنة (أسبوع البصخة) وحدها، بل ونأخذ في اعتبارنا كل زمان حیاتنا كما لو أنها كانت عیدًا. فنستمرقریبین منه غیر مبتعدین عنه "إذ نقول له "إلى من نذهب وكلام الحیاة الأبدیة عندك؟!" یو ٦٨:٦ لیت الذین هم منا وقد ابتعدوا عنا یرجعون مرة أخرى، معترفین بخطایاهم، ولا یكون في قلبهم شيء ضد أحد، بل بالروح یمیتون أعمال الجسد رو ١٣:٨. لأنه هكذا إذ ینعشون النفس هنا، یشتركون مع الملائكة في المائدة السمائیة الروحیة، ولا یكونوا كالعذارى الخمس الجاهلات مت ١:٢٥-12 اللواتي كن یقرعن ولكنهن رفضن، بل یدخلون مع الرب مثل العذارى الحكیمات المحبات للعریس. وإذ یظهرون إماتة یسوع في أجسادهم٢كو ١٠:٤ فأنهم یقبلون منه الحیاة والملكوت… القديس البابا أثناسيوس الرسولى
المزيد
02 مايو 2022

حاجتنا إلى القيامة

المسيح قام ... بالحقيقة قام لقد قام السيد المسيح من الأموات من أكثر من ألفي عام ، والحقيقة أننا نحن الذين في حاجة شديدة لأن نقوم من الأموات كما يقول الرسول لكل من واحد منا « قم أيها النائم واستيقظ من الأموات فيضيء لك المسيح » ( أف ١٤ : 5 ) ويقول أيضا أنها الآن سـاعـة لنستيقظ من النوم ( الموت ) ... قد تناهى الليل وتقـارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور ( رو ۱۱ : ۱۳ ) لقد سيطر علينا ثبات نوم الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس وسيطرت علينا أعمال الظلمة بعدنا عن الله وصرنا أكثر اقترابا من العالم وسيطر علينا العالم بغروره وشهواته وملذاته وكل ما فيه رغم أن الرسول ينصحنا لاتحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم ( ۱ یو ١٧ : ٢ ) . وأيضا قول الرسول يعقوب « أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله فمن كان محبا العالم فقد صار عدوا لله ( يع ٤ : ٤ ) لم نعد نفكر في السماء وفيما هو فـوق صـار كل تفكيرنا أرضـيـا وهكذا أيضـا مـشـاعـرنا رغم أن الرسـول يقول : إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ( كو ۱ : ۳ ) . نحن في حـاجـة لأن نقـوم مـع المسيح الذي قـام ظـافـرا منتصرا على الموت وعلى الشيطان وعلى العالم كله . ونحن نود أن نقوم وننتصر ونغلب ونصـارع ضد كل هؤلاء الاعداء جميعا حتى يكون لنا نصيب وميراث فيما هو فوق . نحن في حاجة لأن نعيش القيامة الثانية قيامة التوبة والرجوع إلى الله وأن نمسك فـيـه بكل قـوة مثلما فعلت مریم المجـدليـة التي أمسكت به ولم ترد أن ترخه ( نش ٤ : ٣ ) الأيام أصبحت شديدة وقاسية ونحن صـرنا ضعفاء وفي أمس الحاجة إلى قـوة تسندنا نظیر قوتنا التي خارت وأنهكت لهذا يسعفنا الرسول بالعلاج فيقول : « لأعرفه وقوة قيامته وشركة ألامه متشبها بموته ( في ۱۰ : ۳ ) . إذن فلندخل إليه في شركة ألامه بالصبر والجهاد والاحتمال وطول الأناة ونحن ناظرون إلى رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع ( عب ۲:۱۲ ) حتى نكون مستحقين أن نحصل على قوة وأمجاد قيامته ونظفر بإكليل المجد الذي قيل عنه ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالو اكليل المجد الذي لايبلى ( ابط٥ : 4 ) . القمص هدرا وديع ـ سوهاج
المزيد
01 مايو 2022

الأحد الجديد والإيمان الوطيد

إنجيل القداس { وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ: «سلاَمٌ لَكُمْ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».أَمَّا تُومَا أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ التّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ». وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ». ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.} ( يو19:20- 31) يسمي الأحد التالي لعيد القيامة بالأحد الجديد أو أحد توما الذى فيه ظهر السيد الرب القائم من بين الأموات للتلاميذ القديسين ومن بينهم القديس توما الرسول الذى كان غائب عنهم فى ظهور المخلص لهم بعد قيامته فى أحد القيامة. ظهر الرب للرسل ليؤكد حقيقة قيامته بجسده الممجد وفيه أثر الجرحات والمسامير فى يديه والحربة فى جنبه، ليقوى إيمانهم ويثبتنا فيه ويزيل شك توما ويطوب المؤمن الذى يرتفع بايمانه فوق حواس الجسد عندما تنفتح بصيرته بالإيمان ويصدق القلب كلام الرب. ظهر الرب للتلاميذ ليحول الشك الي يقين الثقة والإيمان والحزن الي فرح والخوف الي سلام ولكي يكون لنا حياة أبدية أذ نؤمن ونحيا إيماننا العامل بالمحبة ونجاهد علي رجاء. 1- الإنسان الجديد أ- إنسان جديد ... الإنسان الجديد هو الذى يحيا قوة القيامة والتوبة وحياة القداسة والبر. نحن أبناء القيامة، قام السيد المسيح ليقيمنا معه من الخطية لينقلنا من عالم الظلمة الي عالم النور ومن سلطان إبليس الي الطاعة لله. الإنسان الجديد هو الذى يسلك بحسب أرادة الله فى البر وقداسة الحق { إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ،. أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ،. وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ،. وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.} (أف 21:4-24). نحن لا نتصرف كأهل هذا الدهر بل نسلك كابناء وبنات الله { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). ب- عهد جديد ... لقد دخلنا مع الله فى عهد جديد قدسه بدمه لا بدم ذبائح بل أشترانا بدم حمل بلا عيب ولا دنس، فصرنا له { لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا} (مت 26 : 28). { لانكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في اجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله}(1كو 6 : 20). أننا أذ أمنا بموت وقيامة الرب يسوع المسيح أعتمدنا معه لنقوم ونحيا معه فى جدة الحياة كاناس الله القديسين {دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة} (رو 6 : 4). فيجب علينا أن نحرص علي الوفاء بالعهد أن نكون أبناء لله الذى مات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا ونحيا الإيمان لئلا ندان { فكم عقابا اشر تظنون انه يحسب مستحقا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة}(عب 10 : 29). ج- وصية جديدة ... الإنسان الجديد عليه أن يحيا وصايا الرب بفكر المسيح المنفتح والقلب المتسع والروح المتضع. فكر المسيح فكر منفتح يقبل ويحتمل فى بذل وصفح للخطاة الراجعين اليه، وقلبه متسع يجد فيه كل أحد مكان ومكانه وروحه متضع يريد أن نتعلم منه الوداعة والتواضع لنجد الراحة لنفوسنا المتعبه. الانسان الجديد يقدم له الرب وصية جديدة تليق بمن يهبه الروح القدس أمكانيات متجددة { وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا} (يو 13 : 34). لقد أحبنا السيد المسيح حتى الموت { اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى }(يو 13 : 1). علينا أن نتمثل بمحبة المسيح الباذلة ونتمم ناموس المسيح لنحيا الإنسان الجديد السعيد، فى محبة روحية وطاهرة فيها وفاء ونبل { لكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثرة من الخطايا} (1بط 4 : 8). 2- إيمان وطيد .... الإيمان ليس عقيدة فقط وإيمان بالله وبتجسد أبنه الوحيد وبعمل الروح القدس بل حياة وسلوك فيه يتبدد الشك ويتحول الي يقين ونسير بالإيمان المستقيم وأثقين فى الله لنرث الحياة الأبدية كوعد الله الصادق والأمين. أ- يقين الإيمان.. المؤمن يتقوى فى الإيمان يوماً فيوم ويوقن بمن آمن ولهذا نري السيد المسيح يحرص علي تقوية إيمان الرسل الذين أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة وهو يشرح لهم ما جاء عنه فى الكتب والأسرار المختصة بملكوت الله لكي يستطيعوا أن يبشروا بالإيمان فى كل العالم، لا بسيف أو تهديد ووعيد بل بقوة إيمان أبن الله الوحيد وصلبه وقيامته ليحرر العبيد. لقد بدد الرب يسوع شك توما الرسول { ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا} (يو 20 : 27). آمن توما وصرخ قالاً { «رَبِّي وَإِلَهِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».} (يو 28:20). لقد طوب الرب المؤمنين الذين يرتفعوا فوق مستوى الحواس. وهذا كرز الرسل بيقين الإيمان الذى يغفر الخطايا ويمنح العطايا { لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين} (اع 26 : 18). لقد أمنا نحن بكرازة التلاميذ ومن تسلموا شعلة الإيمان منهم ويجب أن نحيا إيماننا ونكون أمناء نسلم الإيمان لأناس لديهم الكفاءة لتسليمه لمن بعدهم لنجد مكأفاة العبد الصالح والأمين ونتبرر بالايمان { فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح}( رو 5 : 1). نحن لنا الإيمان الوطيد الذى يرتفع فوق الشك ونثق في وعود الله وكلامه ولدينا يقين بمحبته {اما الايمان فهو الثقة بما يرجى والايقان بامور لا ترى}(عب 11 : 1). بالإيمان نثبت فى الله ويحل المسيح بالإيمان فينا وبه نحيا {متاصلين ومبنيين فيه وموطدين في الايمان كما علمتم متفاضلين فيه بالشكر} (كو 2 : 7). نصلي ليقوى ايماننا ويزداد رجائنا بقوة الروح { وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس} (رو 15 : 13). ب- إيمان عامل بالمحبة .... نحن لا نحب بالكلام أو اللسان بل محبتنا وإيماننا هو إيمان عملي، عامل بالمحبة، نحن نؤمن بالمسيح المصلوب والقائم من الموت ونحمل صليبه بحب ونبرهن علي صحة إيماننا بالبذل من أجل من أحبنا والسلوك المستقيم الذى يرفض الشر ولا يشترك فى أعمال الظلمة بل يوبخها بسلوكه فى النور ويقول مع بولس الرسول { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي}(غل2 :20). وكما قال الكتاب فان الله يقبل اليه الكل، اليهود والأمم، مختونين أو فى الغرلة بالإيمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). إيماننا بمحبة الله المعلنة فى أبنه وتعلن لنا بالروح القدس يقودنا الخلاص والحق والقيامة والحياة الأبدية { ونعلم ان ابن الله قد جاء واعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الاله الحق والحياة الابدية} (1يو 5 : 20) ج- الإيمان والحياة الأبدية... لقد جاء السيد المسيح ليدعونا الي التوبة والإيمان {ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل }(مر 1 : 15). وكانت كل تعاليمه وآياته لنؤمن أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لنا حياة أبدية { وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.} ( يو30:20- 31). وبهذا كرز الرسل { فان الحياة اظهرت وقد راينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب واظهرت لنا} (1يو 1 : 2). وكما قام السيد المسيح سنقوم معه ونلبس عدم الفساد باجساد روحانية نورانية ممجدة، ولهذا نجاهد ونسلك فى النور لكي نمسك بالحياة الأبدية { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن امام شهود كثيرين }(1تي 6 : 12). نتمثل باناس الله القديسين { لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالايمان والاناة يرثون المواعيد} (عب 6 : 12). نتمسك بوعده الصادق والأمين { وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الابدية} (1يو 2 : 25). 3- القلب السعيد... زمن القيامة هو دخول للأبدية السعيدة وحياة التسبيح والفرح بالرب ولهذا رتبت الكنيسة مزمور إنجيل قداس الأحد الجديد { سبحوا الرب تسبيحاً جديداً. لأن الرب قد صنع أعمالاً عجيبة. هللوا للرب يا كل الأرض. سبحوا وهللوا ورتلوا. هلليلويا} (مز 1:98-2). أما مزمور قداس عيد القيامة فهو القائل {هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنبتهج ونفرح به. يارب تخلصنا. يارب تسهل طريقنا. الله الرب أضاء علينا. هلليلويا} ( مز24:118-27) . ا- الفرح بالقيامة... أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح. لقد وعد الرب تلاميذه قبل صلبه {أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم} وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة {ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب}( يو 20:20). وأتخذ التلاميذ من الأيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع.}(1كو 15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة {واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه} (اع 5 : 41). وهكذا يوصينا الأنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة {فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة}(رو 12 : 12). ب- قلب فرح شاكر لله ... علينا أن نقدم الشكر لله من كل القلب كل حين { نشكر الله الشكر الجزيل على انه خلصنا من اخطار جسيمة }(2مكا 1 : 11). نشكر الله الذى أحبنا وحبه أراد أن يخلصنا من الهلاك الأبدي ولما كان الموت فى طريق خلاصنا أجتاز الموت ووهبنا الحياة الأبدية. { فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها }(2كو 9 : 15). أن مراحم الله علينا متجددة كل صباح فالمؤمن يحيا مع المسيح القائم منتصراً علي الضعف والشر والشيطان والموت ويثق أن الله سيقوده فى موكب نصرته ولهذا لا يقلق ولا يضطرب لشئ { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14). فى كل شئ نقدم الشكر لله بقلب سعيد متهلل بخلاص الرب { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله }(في 4 : 6). ج- بشرى السلام والفرح ... إيماننا بالقيامة يجعلنا نحيا حياة السلام والفرح وننقلها ونكرز بها من حولنا (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة. لقد راينا فى شهداء ليبيا الأقباط الأبطال كمثال ثبات الإيمان وقدموا شهادة حية لمسيحهم القائم وديع ومنتصر واهب السلام والفرح التسبيح حتى وسط الآتون والظروف الصعبة ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} (رو31:8-38). أننا نفرح بقيامة الرب وكما ظهر لرسله القديسين بعد قيامته فاننا نراه بعيون الإيمان فننمو فى الايمان، ونتقوى ونفرج بالرجاء ونثبت فى المحبة ونمسك بالحياة الأبدية، أمين. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
30 أبريل 2022

تأملات فى قيامة السيد المسيح - إيماننا بالقيامة -1

إيماننا بالقيامة -1 حقيقة قيامة السيد المسيح أهنئكم أحبائي بعيد القيامة المجيد التي نحيا أفراحها طوال أيام الخمسين المقدسة ونحتفل بها طوال أيام الآحاد بل وفى باكر كل يوم نتذكر قيامة الرب يسوع، فنحن نؤمن بالمسيح القائم من بين الأموات، الذي مات من أجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا. لقد انتصر المسيح بقيامته علي العالم والشيطان وسلطانه والموت وسطوته ووهب الحياة للذين في القبور. قام الرب يسوع المسيح منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، وليحيينا حياة أبدية بقيامته المجيدة. ان كان الله قد سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بسقوطها فى الخطية وطردنا من الفردوس بمقتضى عدله فإن رحمته الغنية أرادت لنا الحياة وبالإيمان بالتجسد والفداء والقيامة فإننا نقوم مع المسيح في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. إيماننا بقيامة الرب يسوع المسيح من بين الإموات حقيقة يؤكدها الكتاب المقدس بنبؤاته وتحققها وظهورات السيد المسيح للكثيرين بعد قيامته كما تؤكدها الاحداث التاريخة والمورخين والأثار وإيمان التلاميذ والرسل بها وبذلهم أنفسهم للكرازة بمن أمنوا به وهذا يسيرعلي خطي الرسل القديسين المؤمنين بالمسيح ويعاينوا قوة القيامة فى حياتهم والتي تغير وتحرر وتقوى الإنسان ليعيش علي رجاء الحياة الابدية { فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ. وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ. وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا.}(1كو 3:15-6). كما قالها السيد المسيح لتلاميذه عدة مرات قبل موته وقيامته { انه ينبغي ان ابن الانسان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم.} (لو 22:9). وكما قال للكتبه والفريسين والمقاومين بعد تطهيره للهيكل { فَسَأَلَهُ الْيَهُودُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟».أَجَابَ يَسُوعُ: «?نْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ».فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟».وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ.} ( يو 18:2-22). وكما تنبأ هوشع النبي قائلين { يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا امامه} (هو 6 : 2). قام المسيح ليقيم المؤمنين به معه . لقد تمت قيامة الرب يسوع فى اليوم الثالث ولم تتم قبل ذلك لئلا يشك أحد في أنه مات موتًا حقيقيًا، ولم تتم بعد ذلك لكى يحتفظ بسلامة الجسد المقدس الذى له وأن كان قد أقام لعازر بعد أربعة أيام وبعد أن أنتن ليؤكد قدرته علي إقامة نفوس الذين ماتوا فى مجيئه الثاني كما قال الكتاب { لا تتعجبوا من هذا فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة.}( يو 28:5-29) وهذا ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي " إذًا فقد كان الموت من أجلنا على الصليب لائقًا وملائمًا. وقد اتضح أن سببه كان معقولاً من جميع الوجوه، ومن الحق أن يقال إنه لم تكن هناك طريقة أخرى يتحقق بها خلاص الجميع سوى الصليب. لأنه حتى على الصليب فإنه لم يجعل نفسه مختفيًا بل بالحرى فإنه جعل الطبيعة تشهد لحضور خالقها، وبعد ذلك لم يَدَع هيكل جسده يظل وقتًا طويلا ميتًا، إلاّ بالقدر الذى أظهر فيه أن الجسد مات باحتكاك الموت به، ثم أقامه حالا فى اليوم الثالث، حاملا عدم الفساد وعدم التألم اللذين حصلا لجسده، كعلامة الظفر والانتصار على الموت. ولقد كان يستطيع أن يقيم جسده بعد الموت مباشرة، ويظهره حيًا، ولكن المخلّص بحِكمَة وبُعد نظر لم يفعل هذا لأنه لو كان قد أظهر القيامة فى الحال لكان من المحتمل أن يقول أحدهم إنه لم يمت بالمرة أو إن الموت لم يلمسه بشكل كامل.". لقد كان التلاميذ في حالة ترقب وخوف بعد أحداث الصلب وعقولهم معلّقة حائرة، وكان الذين صلبوه لا يزالون أحياءً على الأرض وفى نفس المكان، ويمكن أن يشهدوا بموت جسد الرب؛ فإن ابن الله نفسه بعد فترة ثلاثة أيام أظهر جسده الذى كان قد مات غير مائت وعديم الفساد. وقد اتضح للجميع أن الجسد قد مات ليس بسبب أي ضعف فى طبيعة الكلمة الذى اتحد بالجسد، بل لكى يُباد الموت ويهزم إبليس ويهبنا ثمار قيامته المجيدة. ولكي نحيا فى حياة السلام والقوة والفرح والرجاء والحياة الأبدية. إيماننا بقيامة المسيح له المجد أول فاعلية لقيامة المسيح هي الإيمان به ربا ومخلصا وواهب الحياة الأبدية للمؤمنين به فكما قام المسيح وغلب الموت سنقوم معه ونرث الحياة الأبدية وكما يقول القديس يوحنا إن القيامة والآيات الأخرى التى صنعها يسوع قد كُتبت ليكون لنا حياة أبدية { لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه} ( يو 31:20). { من يؤمن بى فله حياة أبدية} (يو 47:6) { من يسمع كلامي ويؤمن… فله حياة أبدية ولا يأتى إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة} (يو24:5) وكما قال السيد المسيح لمرثا { أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيًا ويؤمن بى فلن يموت إلى الأبد} (يو26،25:11). ومن يؤمن بالمسيح ينال حياة أبدية تجعل روحه لا تموت، أما الجسد فبالتأكيد سيموت لكى يقوم فى حالة المجد فى القيامة العامة. لقد أتخذ التلاميذ من الإيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات. لأنه كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع} (1كو 15 : 20،14). لقد أحب الله العالم ومن أجل هذا بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية }(يو 3 : 16). قيامة المسيح ووعوده للغالبين بالحياة الأبدية تجعلنا نشتاق ونجاهد للوصول للسماء { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين }(1تي 6 : 12). المؤمن بقيامة الرب يشتاق إلي شيء أكبر من العالم، وأرقى من المادة، وأعمق من كل رغبة أو شهوة يمكن أن ينالها علي الأرض. لقد نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة، واعتبروا أنفسهم غرباء في العالم، يشتاقون إلي وطن سماوي، وإلى حياة روحية خالدة. حيث نلبس أجساد روحانية نورانية ممجدة علي مثال جسد المسيح الممجد والقائم وسنكون كملائكة الله { لانهم في القيامة لا يزوجون و لا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء} (مت 22 : 30).لهذا نتعب ونجاهد في هذه الحياة وأثقين بالمسيح الذي أحبنا وبذل ذاته عنا أنه قام ليقيمنا وصعد ليعد لنا مكاناً فى السماء لنحيا معه كل حين. القيامة مصدر للسلام .. شتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب وحتى بعد ان اجتمعوا كانوا في خوف ولكن دخل اليهم الرب يسوع وهم في العلية والأبواب مغلقة وقال لهم سلام لكم (ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم). (يو 20 : 19) . تحول الخوف الي شجاعة، والضعف الي قوة، والارتباك الي سلام، وجال الرسل يكرزون ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من أجل تبريرنا. اننا مدعوين الي حياة السلام (سلاما اترك لكم سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب). (يو 14 : 27) . إن المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذي يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور الأبدية السعيدة. ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله ، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة.ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا}( رو 31:8-38). القيامة مصدر قوة للمؤمنين ... فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر عليه الرب بصليبة وقيامتة، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي اخزت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور(وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم). (اع 4 : 33) نعم نحن الذين أخذنا قوة الروح القدس وثمارة لا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير (لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض). (اع 1 : 8). هكذا رأينا أبائنا و اخوتنا الشهداء يقدموا دمائهم علي مذبح الحب الالهي ويشهدوا لقوة إيمانهم بمن مات من أجلهم . لقد أعطانا الرب القائم من الأموات قوة من العلاء { ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء} (لو 10 : 19). بالقيامة نحيا على رجاء مجئيه الثاني { وحينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة ومجد} (مر 13 : 26). نحيا شهود للقيامة ونثق فى وعود الرب الحي الى الابد { فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا } (مت 14 : 27). قوة قيامة المسيح تغلب رائحة الموت والمرض والضعف وتعطي توبة وقيامة للأموات في الخطية وتحيي المائتين و تهبنا نصرة علي الموت وحياة أبدية سعيدة وكما قام المسيح فايماننا أكيد بأن احبائنا الذين انتقلوا أرواحهم في السماء تسبح في فرح ونور القيامة كملائكة الله في انتظار للقيامة العامة ليقوم الجسد أيضا ويتحد بالروح ونحيا في أجساد روحانية نورانية ممجدة. لقد حطم السيد المسيح بقيامته شوكة وسطوة الموت ووهب المؤمنين الثقة والرجاء فى الحياة الأبدية، حتى قال القديس بولس الرسول "أين شوكتك يا موت؟ " لقد تحطم الموت، وأصبح لا مستحيل. وبالموت داس المسيح بالموت ووهب الحياة للذين فى القبور.إن القيامة أعطت الناس قوة جبارة. وإذ تحطم الموت أمامهم، تحطمت أيضًا كل العقبات، وأصبح لا مستحيل. بالقيامة أصبح المؤمن لا يخاف الموت بل يقول مع القديس بولس { لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، فذاك أفضل جدًا} (في 1 : 23). ويتحقق لنا ما وعدنا به الرب { أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن أعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إلي. حتى حيث أكون أنا، تكونوا أنتم أيضًا} (يو 14: 2، 3). أننا نثق في وعود الله الأمين التي تهبنا قوة لا تضعف في مختلف ظروف الحياة. ولنا ثقة في ما أعده الله للذين يحبونه { بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه } (1كو 2 : 9). القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 أبريل 2022

ما هي أهمية قيامة المسيح؟

الجواب تعتبر قيامة المسيح مهمة لعدة أسباب. أولاً، لأنها تشهد عن قوة الله العظيمة. فالإيمان بالقيامة يعني الإيمان بالله. فان كان الله موجوداً، وقد خلق الكون وله السلطان عليه، إذاً يكون له السلطان على إقامة الأموات. وإن لم يكن له هذا السلطان، فهو غير ولا يستحق إيماننا أو عبادتنا. فالذي خلق الحياة ويستطيع إقامة الموتى، هو الوحيد القادر أن يغلب الموت، وهو الوحيد الذي يستطيع أن ينزع شوكة القبر وينتصر عليه (كورنثوس الأولى 15: 54-55). فبإقامة يسوع المسيح من الموت، يذكرنا الله بسلطانه المطلق على الحياة والموت.قيامة المسيح مهمة أيضاً لأنها تثبت مصداقية ما قاله المسيح عن نفسه من يكون، وبالتحديد، أنه إبن الله والمسيا المنتظر. وبحسب ما قاله المسيح، فإن قيامته من الموت كانت "علامة من السماء" تثبت مصداقية خدمته (متى 16: 1-4). لقد شهد المئات من شهود العيان على قيامة المسيح (كورنثوس الأولى 15: 3-8)، وتعطينا قيامته دليل لا يدحض على كونه هو مخلص العالم.سبب آخر لأهمية قيامة الرب يسوع المسيح هو أنها تثبت طبيعته الإلهية وكونه بلا خطية. تقول كلمة الله أن "قدوس الله" لن يرى فساداً (مزمور 16: 10)، ويسوع لم يرى فساداً أبداً، حتى بعد موته (أنظر أعمال الرسل 13: 32-37). وعلى أساس قيامة المسيح كرز الرسول بولس قائلاً: "فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا وَبِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى" (أعمال الرسل 13: 38-39).ليست قيامة المسيح إثباتاً لمصداقية ألوهيته فقط؛ بل تثبت أيضاً مصداقية نبوات العهد القديم التي تنبأت بآلام المسيح وقيامته (أنظر أعمال الرسل 17: 2-3). كما أن قيامة المسيح تثبت ما قاله بأنه سوف يقوم في اليوم الثالث (مرقس 8: 31؛ 10: 34). لو لم يكن المسيح قد قام، فلا رجاء لنا أن نقوم نحن أيضاً. في الواقع، بدون قيامة المسيح ليس لنا مخلص أو خلاص أو رجاء للحياة الأبدية. وكما قال بولس الرسول، يكون إيماننا "باطلاً"، والإنجيل بلا قوة، وخطايانا بلا مغفرة (كورنثوس الأولى 15: 14-19).قال الرب يسوع: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 11: 25)، وفي هذه العبارة يقول أنه هو مصدر كليهما. لا توجد قيامة بمعزل عن المسيح، ولا حياة أبدية. المسيح يعمل أكثر من أن يمنح الحياة؛ هو نفسه الحياة، ولهذا لا يملك الموت سلطاناً عليه. ويسوع يمنح الحياة لمن يثقون به، حتى نستطيع أن نشترك معه في إنتصاره على الموت (يوحنا الأولى 5: 11-12). فنحن الذين نؤمن بالرب يسوع المسيح سوف نختبر القيامة شخصياً لأن لنا الحياة التي يمنحها لنا المسيح وقد غلبنا الموت. من المستحيل أن يغلبنا الموت (كورنثوس الأولى 15: 53-57).الرب يسوع المسيح هو "بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (كورنثوس الأولى 15: 20). بكلمات أخرى، قاد المسيح طريق الحياة بعد الموت. وقيامة المسيح مهمة كشهادة على قيامة البشر، التي هي أحد الأعمدة الأساسية في الإيمان المسيحي. فالمسيحية تنفرد بأن مؤسسها قهر الموت ويعد كل أتباعه أن يكونوا مثل سيدهم. كل الأديان الأخرى التي أسسها رجال أو أنبياء كانت نهايتهم في القبر. أما نحن كمسيحيين فنعلم أن الله صار إنساناً، ومات عن خطايانا، وقام في اليوم الثالث. ولم يستطع القبر أن يوقفه. وهو حي ويجلس اليوم على يمين الآب في السماء (عبرانيين 10: 12).تقدم كلمة الله ضمان قيامة المؤمن عند مجيء المسيح لإختطاف الكنيسة. وهذا اليقين ينتج عنه ترنيمة إنتصار عظيمة يكتبها الرسول بولس في رسالة كورنثوس الأولى 15: 55 "أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (أيضاً هوشع 13: 14). إن أهمية قيامة المسيح لها تأثير على خدمتنا للرب الآن. يختم الرسول بولس خطابه حول القيامة بهذه الكلمات: "إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ" (كورنثوس الأولى 15: 58). فلأننا نعلم أننا سوف نقام إلى حياة جديدة، يمكننا إحتمال الإضطهاد والخطر لأجل المسيح (الآيات 30-32)، مثلما تحملها الرب يسوع. وبسبب قيامة المسيح، إستبدل الآلاف من الشهداء المؤمنين عبر التاريخ حياتهم الأرضية طوعاً بحياة أبدية وموعد القيامة من الأموات.القيامة هي الإنتصار والغلبة المجيدة لكل مؤمن. لقد مات المسيح، ودفن، وقام في اليوم الثالث كما هو مدون في كلمة الله (كورنثوس الأولى 15: 58). وهو سيأتي ثانية! سوف يقام الموتى في المسيح، والأحياء وقت مجيئه ستعطى لهم أجساد جديدة وممجدة (تسالونيكي الأولى 13:4-18). فما سبب أهمية قيامة المسيح؟ إنها تثبت من هو يسوع. كما توضح قبول الله لتضحية المسيح من أجلنا. وتثبت قدرة الله على إقامة الأموات. وتؤكد لنا أن أجساد الأموات الذين يؤمنون بالمسيح لن تظل مائتة، ولكنها سوف تقام إلى الحياة الأبدية.
المزيد
28 أبريل 2022

شخصيات الكتاب المقدس زوجة فوطيفار

زوجة فوطيفار «أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف» مقدمة لست أعلم لماذا جاءت هذه القصة مبكرة علي الصفحات الأولى من كتاب الله ولماذا حرص الوحي على أن يوردها على هذه الصورة على المسرح رغم ما فيها من دقة وقسوة وحساسية!!؟ هل يرجع الأمر إلى أن قضية الجنس هي واحدة من أهم القضايا وأعمها بين بني الإنسان إلى الدرجة التي جعلت عالم النفس الكبير فرويد يرد كل شيء في حياة البشر إليها!!؟ كما أن كتاب التاريخ والقصصيين والمثالين والمصورين والممثلين على شتى مسارح الدنيا يكادون في كل مكان وزمان يمدون الأصبع جميعًا ويشيرون إلى المثل الشائع المعروف: فتش عن المرأة!!.. أم لأن الصورة كما رسمتها القصة القديمة جاءت حافلة بأعمق الألوان في النور أو الظل على حد سواء. فاذا كانت أساطير اليونان، وهي تعرض لنا قصة هرقل ممن يعدونه أعظم أبطال اليونان، وكان عبدا لأحد الملوك، قد جلس على قارعة الطريق محزونًا متضايقًا مكروبًا في صدر شبابه، واذا بفتاتين حسناوتين تتقدمان إليه.. الأولى بحياة ممتلئة بالبهجة والرخاء والمسرة واذا يسألها عن اسمها تجبه أنا اللذة، وإن كان الأعداء يلقبونني آسم آخر هو الرذيلة!!... أما الثانية فقد أصدقته القول بأنها لا تستطيع أن تعطيه ما زعمت أو ادعت الأخرى إلا أنها يمكن أن توفر له حياة أفضل وأجمل متعة وممتلئة بالكفاح والحق والبطولة والشرف، واذ سألها ما اسمها أجابت: «الفضيلة!!.. ورفض هرقل نداء الرذيلة، ليسير في صحبة الفضيلة كل أيام حياته، ويضحي صديق البائس والمنكوب والمعوز والمحتاج والبطل الأسطوري الأعظم عند اليونانين جميعًا وهوذا أعظم من هرقل ههنا! هذا يوسف الذي صاح صيحته المدوية، وهو عبد في مواجهة التجربة، كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله!! على أن القصة من الجانب الآخر، تعرض كيف يكسب الشر المعركة، ولكنه مع ذلك يخسر الحرب، كما حدث مع الشاب القديم الذي خرج من الحبس لا ليستمتع بحريته فحسب بل ليعوض عما ناله من حيف وظلم على الصورة التي أضحت مع الزمن مثلا وعظة وعبرة لكل من يريد أن يتعظ ويتعلم ويعتبر وها نحن نعرض القصة من جوانبها التالية: الزوجة وسر التجربة من الأقوال المأثورة للفيلسوف سينكا: إن الإنسان لا يموت ولكنه يقتل نفسه، وقال أحد الكيميائيين المعاصرين إن الإنسان ينتحر بالشوكة والسكين والمعلقة، يقصد بما يتناوله من طعام، فإذا كان سينكا يتحدث عن الموت من وجهته السياسية، أو الاجتماعية، أو الأدبية، فان الإنسان قد يموت موتًا أفظع وأرهب وهو ينصب الشراك لنفسه من الوجهة الروحية. ولعل تجربة هذه المرأة القديمة، قد اشترك فيها ثلاثة، يدرون أو لا يدرون وهم يوسف وفوطيفار والمرأة نفسها ولعل التجربة بدأت من اللحظة التي دخل فيها يوسف هذا البيت إذ كان كما نعلم، على أروع صورة من الحسن والبهاء والجمال، كفتى في أول خطى الشباب، في السابعة عشرة من عمره، على أنه كان أكثر من ذلك، حلو الحياة، خفيف الظل، سريع الحركة، جميل اللفظ، مدبراً، مفكرًا، عاقلاً، وديعًا، متواضعًا، وكان طوال عشر سنوات، قضاها في بيت فوطيفار أشبه بالقمر الجميل وهو يزداد تألقًا ونوراً وهو يتحول من الهلال إلى البدر، وغير خاف أن المرأة وهي ترقب هذا الجمال كانت تضعف يومًا وراء يوم عن مقاومة ما فيه من قوة رهيبة وسحر غلاب، ومصيدة الجمال ما تزال إلى اليوم في كل جيل وعصر من أخطر وأقسى المصايد التي يسعى إليها الناس بدون مقاومة كما تسعى الفراشة إلى حتفها في النور الذي يقتلها في التو واللحظة، على أن الثاني الذي شارك في التجربة كان فوطيفار نفسه، وأغلب الظن أنه وقد وثق في يوسف ووجد فيه الوكيل الأمين الصالح في الحقل أو البيت معًا، انصرف إلى عمله في بيت فرعون واستغرقه ذلك العمل حتى لم يجد متسعًا من الوقت في بيته إلا ليأكل أو يشرب أو ينام. وهكذا انصرف عن زوجته وهو لا يدرك كما ينصرف الكثيرون من الأزواج الذين ينسون أو يهملون حق البيت أو الزوجة أو الأولاد تحت ضغط ما يقال عنه الواجب أو زحمة الأعمال، مع أن واجبهم الأول المقدس - الذي لا يقل إن لم يتفوق علي كل واجب آخر - هو رعاية من لهم حتى لا يأتي ذلك اليوم الذين ينتبهون فيه، ولكن بعد ضياع الفرصة أو فوات الأوان إلى الخراب والضياع والكارثة التي ألمت بهم ببيوتهم وهم لا يدرون، على أنه إذا كان يوسف وفوطيفار مشتركين وهما لا يدريان في هذه التجربة فإن المرأة نفسها كانت أكثر الكل تقترب من التجربة أو تسعى إليها بنوع الحياة الذي كانت عليه أو عاشته في ذلك العصر، فبيتها كان ولاشك واحداً من البيوت الغنية الظاهرة المعروفة والذي اتسعت ثروته على يدي ذلك العبد الجديد الذي اشتراه فوطيفار. وأصيب البيت بما يمكن أن تصاب به بيوت الأغنياء من ترف وتنعم وما يمكن أن يلحقها من أدناس وخطايا وعيوب ومحن، ومما لا شبهة فيه أن ظاهرة الثراء تسبق على الدوام ما يمكن أن يصاب به المجتمع من تحلل وتعفن وضياع وتجارب!! وقديمًا وصف عاموس قومه من نساء ورجال بأقسى ما يمكن أن يوصف به الناس إذ وصف النساء ببقرات باشان اللواتي يعشن عيشة حيوانية. كما وصف الرجال بما هو أشبه اذ قال: «المضطجعون على أسرة من عاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان».ومهما كان بين هذه العصور بعضها والبعض أو بينها وبيننا المئات أو الآلاف من السنين عبر الزمن أو الأجيال فان الظاهرة الملحوظة أن التاريخ يعيد نفسه، وكلما ازداد الناس من الثراء والترف والتمتع كلما اقتربوا أكثر من الخواء الروحي والضياع النفسي. ولعلنا ندرك بعد هذا كله لماذا سقطت زوجة فوطيفار في مثل هذه التجربة الشريرة التعسة المحزنة. الزوجة وقسوة التجربة ولا شبهة أن التجربة كانت قاسية بالغة القسوة تحمل في أركانها وحواشيها كل ما يمكن أن يجعلها أشبه بالبركان المندفع الثائر المتفجر، فقد كان هناك أولاً وقبل كل شيء.. الشباب والشباب بكل ما يمكن أن يحمله التعبير من المغزى أو المعنى ومع أننا لا نعلم عمر المرأة في ذلك الوقت إلا أننا نعلم أن يوسف كان في عنفوان القوة والحيوية والشباب وليس الشباب في الواقع كما صوره أحدهم إلا برميلا من بارود، على استعداد الانطلاق عند أي شاب أو شابة متى مسته النار أو اللهب وتزداد التجربة وتتصاعد إذا كانت ظروف الحياة وطبيعة العمل تقرب على الدوام بين الشعلة والبارود كما في قصة يوسف فاللقاء اليومي المتكرر والتعامل الدائم المستمر والاقتراب المتكاثر واللمس والرؤية والنظر والحديث والكلام هي بعض أسلحة الشيطان في الإثارة والغواية والإسقاط وقد تؤثر البيئة أو الثقافة أو الثروة أو التربية أو الجو أو ما أشبه من سرعة الاشتعال أو بطئه، ولكن الشاب هو الشاب، والتجربة هي التجربة، والخطية دائمًا قتلاها أقوياء، فلا يتصور أحد أنه في منعة أو قوة أو حصانة تجاهها فاذا كانت الخطية قد اسقطت شمشون وهو مضرب المثل في القوة، وأوقعت بداود، الذي قلبه حسب قلب الله، وانتصرت على سليمان، وهو الحكيم الواسع الحكمة والإدراك، فإنها بالأولى تستطيع أن تقضي على من هم أقل قوة ونقاء وحكمة، على أن التجربة كانت أكثر من ذلك شدة إذ كان يوسف عبدا مملوكًا لسيدته يؤمر فيطيع ويطلب فيخضع وكان في تصور المرأة أنها تستطيع أن تفعل به ما تشاء وتنال منه ما تريد وإن كانت تحولها الزلة في الواقع إلى المركز العكسي إذ تصبح الأمة المستعبدة الذليلة لأن كل من يفعل الخطية هو عبد لها. أما يوسف فقد قست التجربة عليه من هذا القبيل وطال به الزمن عشر سنوات من ذلك اليوم الذي استبدل فيه الحرية والعز والمجد وحضن أبيه، بما يعيش عليه في بيت فوطيفار من حياة مهما قيل في وصفها، فهي على أي حال لا يمكن أن تعدو حياة العبد الغريب الضائع المشرد ولعل المعارك التي يخوضها الغريب المتألم المتضايق مع نفسه هي أقسى المعارك وأشدها قاطبة مع النفس، وأكثر من الكل أن التجربة جاءت في العزلة في الوحدة والظلام ولم تأت مرة واحدة بل أخذت طابع الإلحاح والتكرار يومًا بعد يوم كما تذكر القصة الكتابية. وكل هذه قد جعلها واحدة من أقسى المعارك النفسية التي يمكن أن تحدث في حياة المؤمنين أو غير المؤمنين على حد سواء!!... الموقف الفاصل في التجربة على أن التجربة قد فصلت فصلاً حاسمًا بين الشاب والمرأة وأغلب الظن أن الفاصل كان مزدوجًا اذ كان فيه عنصر إلهي وآخر بشري، أما العنصر الإلهي فقد ظهر في تلك الصيحة المدوية التي رنت في كل الأجيال: «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله». لقد رأى يوسف - على العكس من المرأة - شخص الله فنجا من التجربة وانتصر عليها. ولقد صنعت له الرؤيا حواجز عالية كان من المستحيل عليه أن يتخطاها لتتحول التجربة إلى خطية، كان هناك حق الله عليه وهذا الحق يسبق على الدوام كل حق آخر ويعلو عليه وأن كان عبداً لفوطيفار أو زوجته وأن كان جسده قد اشترى بعشرين من الفضة إلا أن هذا الجسد ليس في الأصل ملكًا له أو لفوطيفار أو زوجة فوطيفار بل هو ملك لله وليس له أن يتصرف فيه إلا وفقًا لمشيئة المالك عز وجل، وأنه إذ يتصرف هكذا يعطي المجد لسيده، ولا يتعدى على حقوق الآخرين، أيضًا وهو يأبى لهذا أن يختلط حقه بحق الزوج أو يتعدى عليه ولذا نسمعه يقولك «ولم يمسك عني شيئًا غيرك لأنك امرأته»... ولو أمكن البشر جميعًا أن يدركوا هذه الحقيقة لأضحى مجد الله بين الناس هو الأساس الفعلي لكل ما يمكن أن يجدوه من حق وخير وعدل وكمال، وكانت هناك قداسة الله التي لا يمكن أن تلتقي بالشر أو ترضى عليه بل تتعارض معه وتتنافر تنافرًا دائمًا أبديًا، مع أن خطية الدنس لم يكن لها الحسبان الكثير في ذهن الناس في ذلك الوقت بل كانت شيئًا يكاد يكون عاديًا في الظلام الوثني القديم إلا أن يوسف لم يرها شرًا فحسب بل شرًا عظيمًا يخطيء فيه إلى الله قبل أن يخطيء إلى الناس، وإلى جانب حق الله وقداسته هناك عدالة الله بصفته الحاكم الأدبي الذي يحكم بين الناس جميعًا على ما يمكن أن يفعلوه أو يخرجوا به على ما أبدع من نظم أو شرائع أو نواميس، ولا يمكن لأي إنسان أن يخرج على هذه العدالة دون أن يلاحقه قصاص الديان العادل المقتدر الحكيم. ولم يستطع يوسف وقد رأي هذه الحواجز جميعًا تنهض في الطريق أن يتجاوزها أو يتعداها على العكس من المرأة التي لم تر الله فرأت التجربة واندفعت في طريقها كما يندفع الأحمق الأرعن المجنون.ولعل هذا يأتي بنا إلى الجانب البشري الفاصل في التجربة وهنا أيضًا اختلفت زوجة فوطيفار عن يوسف، أما هي فقد انتهزت السرية والعزلة والظلام وهي تعلم أنها أقرب الطرق وأيسرها إلى السقوط والانحدار والضياع، أما هو فقد رأى في الخروج والهروب والتباعد السبيل الحق إلى الخلاص والنجاة والانتصار الكامل على ما قد يراوده من ضعف شخصي أو إغراء شيطاني.وفي الحقيقة أن التاريخ لم يعرف حتى اليوم سبيلاً أفضل لمقاومة الشر والفساد والمجون والتجربة غير رؤية الله والهروب بعيداً وبأقصى ما نملك من قوة أو سرعة عن مجالها ومكانها وميدانها ودائرتها... الزوجة والجزاء بعد التجربة ولا يمكن أن نختم قصة هذه المرأة دون أن نرى الصور المتتابعة المتلاحقة لما سمح به الله أو أراد للمرأة والشاب معاً، أما الصورة الأولى فقد كانت محزنة مفجعة قاسية إذ هي الجزاء المعكوس والمقلوب الذي يحدث في العادة فيرتفع فيه الظلم إلى أعلى ويداس الحق والبر والشرف والقداسة تحت الأقدام ومع أن بعض الشراح يعتقدون أن فوطيفار شك كثيرًا في رواية زوجته إلا أنه آثرا أن يغطي الفضيحة والعار فيسجن العبد وهو يعلم أنه مظلوم ليبقى على سمعة زوجته ومركزها بين الناس، وأيا كان الأمر فان السؤال الذي يثور على الدوام لماذا يسمح الله أن تعلق الفضيلة على الخشبة في الوقت الذي تنطلق فيه الرذيلة ماجنة معربدة فاسدة شريرة!! هل يرجع لأن الفضيلة لابد أن تدفع ضريبتها في هذا العالم الحاضر الشرير!! أم لأن أبناء الله ينبغي أن يعطوا المجد لله لا في الجنة الناعمة فحسب بل في الأتون القاسي أيضًا؟ أم لأن الله يقصد أشياء أخرى أبعد كالامتحان أو التدريب أو ما أشبه!! أم لأنه يريد أن يؤكد أن الشر قد يكسب جولاته الأولى لكن الخير لابد أن ينجح وينتصر على صورة أعظم وأمجد وأجل!! ومهما يكن الجواب الذي نسمعه أو نعطيه فأننا نعلم أن يد الله كانت هناك وأن قوته ونعمته وحكمته كانت تعمل طوال الوقت خلف الستار على أنها عندما أعطت الجزاء العادل لم تعطه خفياً بل كان علانية أمام الكل وخرج يوسف من السجن لا ليرد اعتباره وحريته وشرفه فحسب بل ليصبح العبد سيداً والمرءوس رئيسًا، والبيت الذي ساد واحداً من الأتباع والرعايا.ومع أن القصة لا تكشف عما فعل يوسف مع هذا البيت فيما بعد إلا أنها تعلم بكل وضوح وجلاء عما قاله الجامعة فيما بعد: «إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلى فوقها!!...» كما تعلن أن الفضيحة التي يحاول الإنسان أن يسترها داخل البيت قد لا تخرج خارجه فحسب بل تذهب عبر الأجيال والتاريخ إلى أبعاد لا يمكن تصورها: «لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفى لن يعرف!!».
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل