المقالات

25 مايو 2022

روحياتك في الخماسين

حقا إن أيام الخماسين أيام فرح ، وليس فيها صوم ولا مطانيات حتى في يومي الأربعاء والجمعة .. ولكن في الفرح أيضا ، يمكن أن تكون روحيين .. وإلا كيف سنكون روحيين في الفردوس وفي ملكوت السموات حيث النعيم الدائم .. ؟ ! ما تفقده من الصوم والمطانيات يمكن أن تعوضه بمزيد من الصلاة ومزيد من القراءات الروحية ومن التأمل ومن الألحان والتراتيل عملا بقول الكتاب " أمسرور أحد بينكم فليرتل " .. ويمكن أن تتغذى بالتأمل في محبة الله التي صنعت كل هذا الخلاص .. محبة الرب الذي شاء أن يقضى مع تلاميذه أربعين يوما بعد القيامة ، يلتقي بهم ويحدثهم عن " الأمور المختصة بملكوت الله " ( اع ۱ : 3 ) . تدرب في هذه الفترة على الحديث مع الرب والتواجد في حضرة الله بالمزامير والصلوات الخاصة وصلوات الشكر على خلاص الله العجيب .. مع البعد عن أي شيء يعوق وجودك في الحضرة الإلهية .. عش في حياة الفرح بالرب . ولكن لا تجعل فرحك فرحا جسدانيا بالتسيب الزائد في الأكل . فالإفطار ليس معناه التمادي في شهوة الطعام . استخدم ضبط النفس أيضا في حالة عدم الصيام .. . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
24 مايو 2022

مفاعيل القيامة

في احتفالنا بعيد القـيـامـة وفـرحـة الخماسين المقدسة تحـضـرنا أفكار كثيرة تؤكد حقيقة قيامة الرب يسوع فـتبـوات الكتـاب تحدثت كثيرا عن القيامة ، كما كانت الأكفان دليلاً حيا على قـيـامـة الرب وهكذا كـانـت ظهورات الرب يسوع المتعددة لتلاميذه ، و كذلك أيضا خوف رؤسـاء الكهنة وتلقينهم للجنود كلمات كاذبة كلها أمور تؤكد حقيقة القيامة ولكننا في احتفالنا بالقـيـامـة لاتريدها دراسة فكرية عقلانية ولكننا نحب أن تصير القيامة في حياتنا اختبارا عمليا وسلوكا يوميا تختبرها كل يوم فتصبح القيامة حياة واختبارا وهذه بعض الأمور التي عندما نتأملها تجعلنا نعيش يروح القيامة 1- القيامة تجعلنا لا نخاف الموت فالرب يسوع عندما قام استطاع أن يكسر شوكة الموت عنا ، ولم يعد للموت سلطان على البشرية ولـم تـعـد الهاوية مكان الإنسان عند انتهاء حياته ، فبالقيامة أصبح الموت ميلادا سماويا جديدا ، فأن أردت أن تعيش القيامة ذكر نفسك دائما أن الرب قد حول لك العقوبة الموت خلاصا الحياة ، وذكر نفسك أيضا أن الرب قد قام لكي عندما تكمل رسالتك ، وتأتى ساعة انتقالك تردد قول الكتاب الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام ( لو ۲۹ : ۲ ) لا يخوف بل بفرح ۲ - القيامة تهبنا فرحا وسط الضيقات فإيماننا أن الام الصليب قد انتهت بالقيامة تجعلنا مطمئنين في الضيقات ، بل فرحين حتى عندما نتألم فتتولد في داخلنا قوة لاحـتـمـال الألام من أجل الرب متذكرين كلمات الكتاب لأنه كـمـا تكثر ألام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثـر تعـريتنا أيضا ( ٢ كوا : 5 ) 3- القيامة تجعلنا نمارس الأسرار الكنسية بوعي روحي عميق وليس كممارسات طقسية جافة فتثق أنك في المعمودية قد دفنت الرب يسوع لتقوم بطبيعة جديدة فتحيا بالبر ، وأنك في الميرون قد تلت موعد الآب السماوي بالروح القدس ، وفي اعترافك تثق أن الرب الذي مات وقام عنك مسرته هي أن يرفع خطاياك ، وفي الإفخارستيا تؤمن أنك تتناول جسد الرب المكسور عنك على الصليب ودمه الذي سال لأجل خلاصك ، فتسلك بالروح لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له ( يو ٢٣ : ٤ ) 4- القيامة تملئنا رجاء وسط مشاكلنا : فالقيامة تعطيك رجاء في عمل الرب في مستقبل حياتك مهما ضاقت بك الحياة ، فلا تترك نفسك في مشاعر والام يوم الجمعة بل بالرجاء تثق أن هناك يوما ثالثا بعد وقت يطول أو يقصر فيه يقيمك الرب من مشكلتك ويفرحك ليكن لك إذا في كل حياتك فكر القيامة فتحيا حياتك فرحا متهللا سالگا بالروح ... فهذه هي مسرة الرب. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران كرسي البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية
المزيد
23 مايو 2022

الإفخارستيا عطية القيامة

الإفخارستيا هي أسمى عطايا القيامة المقدسة للبشرية، فهي عطية الحياة والخلود. ففي بدء الخليقة خلق الله شجرة الحياة، لكي عندما يهب للإنسان أن يأكل منها يحيا خالدًا. ولكن كانت نتيجة الخطية؛ أن الله أخفاها عن آدم وحواء، ووضع «الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ» (تك3: 24). يقول مار أفرام السريانيّ عن شجرة الحياة إنها: [أُعلِنت بالصليب] (Hymn of Virginity).الإفخارستيا تمنح حياة من الموت: من رموز سر الإفخارستيا، منذ القرون الأولى للمسيحية، طائر البجع، فمن طبيعة هذا الطائر أنه في حالة عدم توفر الغذاء الكافي لفراخه، يطعن جنبه، ليطعم صغاره من دمه. صورة للحب والتضحية، يقوم بجرح نفسه وإطعام صغاره بدمه! يقدم دمه طعام لصغاره، هكذا قدم السيد المسيح نفسه بإرادته وسلطانه وحده، ذبيحة على الصليب، لكي يقدم لنا جسده المقدس ودمه لحياتنا. لقد أعطى الله المن النازل من السماء لشعب إسرائيل في العهد القديم، وكان إشارة ورمزًا للإفخارستيا. لأنه كان للشعب إسرائيل فقط، بينما الإفخارستيا للعالم كله. وأيضًا كان المن طعام للجسد فقط، فلم يمنح حياة، بينما الإفخارستيا «خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يو6: 33). فالمن الحقيقي الطعام الحقيقي الذي [يُقسم عنكم وعن كثيرين .. ويُسفك عنكم وعن كثيرين] أي للعالم كله، فهو الابن المتجسد نفسه، ولأنه يملك الحياة له «حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ» (يو5: 26)؛ لذلك يمنح الحياة [حياة أبدية لمن يتناول منه]. الإفخارستيا تمنح غفران الخطايا: يصرخ الكاهن في القداس الإلهيّ: [يُعطى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه]. ويقول القديس يوحنا الإنجيليّ: «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يو1: 7). مما هو جدير بالذكر أيضًا أن طائر البجع، يتغذى على الحيات والأفاعي، لذلك يستخلص من دمها مصل يستخدم ضد السموم. وإذا لدغت الحية أحد فراخ البجع، تقوم الأم بجرح صدرها، وتصب ما يسيل من دمها في فم صغارها لتخلصهم من الموت. والخطيئة أجرتها موت. الإفخارستيا توحّدنا: يُسمّى سر الإفخارستيا بسر الشركة، لأن فيه يشترك الكاهن والشماس والشعب، يقول القديس اكليمنضس الرومانيّ: [على كل واحد منكم، أيها الإخوة، كل بحسب ترتيبه، أن يشترك في الإفخارستيا، بتقديم صلوات الشكر بضمير صالح . كلٌّ بحسب قانون خدمته... فَلْيُسُرّ كل واحد منكم أيها الإخوة الرب بنقاوة ضميره، ولا يَخِلّ بالقانون الذى يحدّد الخدمة] (الرسالة الأولى41: 1) كما يتناول القديس أغناطيوس الأنطاكيّ الأساس اللاهوتيّ للوحدانية رابطًا بين الأسقف الواحد والمذبح الواحد وجسد المسيح الواحد (الإفخارستيا الواحدة) والشعب الواحد، الذين هم أعضاء فى جسد المسيح الواحد. فيسمِّي الكنيسة [مكان الذبيحة] (أفسس5: 2؛ تراليا7: 2؛ فيلادلفيا4)، ويوصي قائلًا: [اجتهدوا أن تشتركوا في إفخارستيا واحدة، ذلك أنه واحدٌ جسد ربنا يسوع المسيح، واحدٌ هو الكأس التي توحّدنا بدمه، واحدٌ هو المذبح، كما أنه واحدٌ الأسقف الذي تلتفّ حوله جماعة الكهنة والشمامسة، شركائي في الخدمة] (فيلادلفيا4). كذلك جاء في كتاب الديداخي، عند تقديس الخبز أنه كان حبات قمح مبعثرة في أنحاء المسكونة وجُمع، ويطلب أن تكون الكنيسة كذلك: [فلتجتمع كنيستك من أقاصي الأرض إلى ملكوتك]، الوحدانية ناتجة من تناول المؤمنين جميعًا؛ الذين هم أعضاء فى جسد المسيح الواحد من جسد ودم الرب الحقيقيّين. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
22 مايو 2022

مفاعيل القيامة الجديدة

تتكلم الكنيسة اليوم عن مفاعيل القيامة الجديدة، التي بها نعيش بين عمل ربنا يسوع المسيح للمصالحة، التي قدمها علي الصليب كي نتصالح مع السماء، وبين المرحلة التي يأتي المسيح وتبدأ الحياة الأبدية. اليوم المسيح يقول إن كان هو النور، فنحن يجب علينا أن نكون أبناء النور، ويقول أمر محدد "سيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام"، السير في النور هو السير حسب تدبيرربنا للبشرية، لم يخلقنا ظلمة، ولا كائنات ترابية تفني، ولكنه خلقنا نشبهه بتدبير ملامح إبنه ربنا يسوع المسيح.النور ليس مجرد مواقف، أحياناً نظن أننا نصنع الخير في مواقف معينة وهذا كفي، أو نصلي في أوقات معينه، ولكن المسيح الذي فينا كائن في داخلنا نتحد به في الأفخارستيا فنخرج في حالة إتحاد كامل، نراه في كل وقت فنعكس نوره، لذلك الحياة مع المسيح ليست مجرد مواقف، نضع رقعة جديدة علي ثوب قديم، السلوك كله عالم، ولنريح ضمائرنا نضع مزامير وصلاة، لكن النور ليس من الداخل، النور مجرد بعض الملامح ولكن المسيح ليس فينا.حينما تقابل المسيح مع الشاب الغني ـ كان يمتلك حالة من حالات الروحانية العاليةـ ركض وسجد للمسيح ، ثم صرح عما في داخله: ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ فنظر إليه المسيح ووجده لا يريد أن يتغير، لا يريد أن يعيش كاملاً، هو لا يريد النور يريد فقط ذاته، فقال له: أذهب وبع كل أملاكك وتعال أتبعني، فمضي حزيناً ولم يطلب من المسيح القوة كما فعل التلاميذ، وهذا دليل أن الأموال كانت هي ذاته، لا يستطيع أن يتنازل، وكان تعليق المسيح " دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني ملكوت السموات" ويقول ذهبي الفم: غني متكل علي أمواله، القضية ليست في المال، ولكن ما هي قيمتك.أتريد أن تعيش بنور المسيح أم بنور الأخرين؟ أتريد أن تكون كاملاً؟ وأحياناً تكون الإجابة بلا، لا أريد أن أكون كامل، أريد خليط بين العالم والمسيح وذاتي، ولكن لا أريد أن أخضع ذاتي كاملاً للمسيح، لأني لا أزال متمسك بالعتيق، لا أريد أن تختفي ملامحي كاملاً فيأتي المسيح لينير الطريق، لذلك أن اردت أن تكون إبن للنور يجب أن تترك الظلمة كاملاً.ما جعل إبراهيم أبو الأباء يحمل هذه القيمة العظيمة في العشرة مع الله، أنه ترك كل شئ، مارمتي ترك كل شئ وتبعه، لذلك أن اردت أن تكون مسيحياً فاقبل المسيح، وقبول المسيح معناه أن يومك وقراراتك ومشاعرك وعقلك وأفكارك كلها للمسيح " أن كنتم تحبونني فأحفظوا وصاياي" فآي وصية له هي نور.وأن كان الطريق صعب ولكنه لا يتركنا "أنا أطلب من الاب ليعطيكم معزياً يمكث معكم، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ولا يراه ولا يعرفه"، الأمور ليست مجرد جهاد فردي، روح الله سيرشدك ويقودك إلي أماكن فيها عزاء وفرح، لذلك كل الذين لم يستطيعوا أن يحيوا مع المسيح هم الذين لم يحبوه، ولم يستطيعوا أن يحملوا النور في داخلهم، كانت لهم حسابات أخري غير المسيح. يقول باسكال فيلسوف مسيحي: "أني أحافظ علي شمعة حبي متقدة لله، لأنه إذا أنطفأت شمعتي فمن الذي يذيب الثلوج التي في داخلي"النور الذي فينا هو منه، لو لم نأخذه سنكون ظلمة، لذلك المعمودية هي خلع العتيق ولبس الجديد، هي النور الذي نأخذه، "لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور" أن أردت أن تكون مسيحياً فليكن المسيح هو الحياة هو الطريق هو الحق.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
21 مايو 2022

المؤمن وحياة النصرة ج1

{ الفرس معد ليوم الحرب اما النصرة فمن الرب }(ام 21 : 31) السيد المسيح وحياة النصرة ... قدم لنا السيد المسيح في تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والانتصار المقترن بالبذل والوداعة كما جاء عنه { هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ.لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ .} ( مت 18:12-21). لقد انتصر في كل كل حروب الشيطان، كما في التجربة على الجبل (مت 4) وانتصر بالمنطق وقوة الحجة في كل حواراته مع الكتبة والفريسيين وكل قيادات اليهود (مت 21-23). وانتصر على الصليب وأظهر قوة المحبة الغافرة حتى للصالبين وقدم لنا الخلاص الثمين وداس على الموت بموته (عب 2: 14، 15). وأنتصر على الموت بقيامته. وانتصر على العالم وشروره ووعدنا أنه كما غلب العالم فانه سيعطينا الغلبة { ثقوا أنا قد غلبت العالم} (يو 16: 33) ومن جهة البر كان منتصرًا.. فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 4: 15). وقد تحدى اليهود قائلًا { من منكم يبكتني على خطية؟!} (يو8: 46). وانتصر في كسبه لمحبة الناس.. فقيل عنه {هوذا العالم قد ذهب وراءه} (يو 12: 19). ودخل أورشليم منتصرًا كملك وديع وعادل ومنتصر فارتجت المدينة كلها (يو 21: 10). وقيل عن انتصاراته {هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا} (رؤ 5: 5). وأنتصر عندما صعد الي السماء وأصعد طبيعتنا معه وقد رسم لنا سر النصرة وطريق الخلاص كما أنتصر في تلاميذه ونشروا الكرازة في كل مكان وينتصر بنا وفينا أن تمسكنا بالإيمان المستقيم وجاهدنا الجهاد الحسن. الله وأهب النصرة .... الله هو سر نصرة المؤمن في حياته العملية وحروبه الروحية وهو الذى يهبنا النعمة الحكمة والقوة وكما صنع الله خلاصاً عجيباً مع الشعب قديما في خروجهم من مصر بذراع رفيعة فان الرب يقاتل عن شعبه فى كل جيل الشيطان وكل قواته { أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ». فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ الْمِصْرِيِّينَ الْيَوْمَ لاَ تَعُودُونَ تَرُونَهُمْ أَيْضاً إِلَى الأَبَدِ. الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».} ( خر12:14-14). والله يطمئن كل نفس قائلا {لا تخف لاني معك لا تتلفت لاني الهك قد ايدتك واعنتك وعضدتك بيمين بري} (اش 41 : 10). وكما أنتصر السيد المسيح فى حياته وحقق الهدف من تجسده وأكمل لنا تدبير الخلاص وأنتصر علي كل تجارب إبليس فانه وعدنا بانه سيكون معنا كل الأيام والي انقضاء الدهر { ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20) {ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته فلأي المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14). كيف ننتصر في الحروب الروحية... لان لنا أعداء روحيين يحاربوننا فيجب علينا أن نتسلح باسلحة الحرب الروحية لكي ننال الغلبة والنصرة لهذا يوصينا الكتاب أن نخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور { قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع اعمال الظلمة ونلبس اسلحة النور (رو 13 : 12). أننا نواجه أنواع من الحروب منها ما يأتي الينا من الداخل كحروب الفكر والحواس والقلب والميول والشهوات الخاطئة ومنها الحروب الخارجية سواء من الشيطان أو ما له من أعوان الشر. أو أغراءات العالم أو محبة المال والأتساع. وعلينا أن نطلب من الله الحكمة والمعرفة والنعمة والقوة وأن يقودنا فى موكب نصرته . علينا في حروبنا ومواجهتنا لتجارب إبليس والعالم علينا أن لا نعتمد علي ذواتنا أو إرادتنا، وقوتنا، وخبرتنا، وذكائنا، لأن العدو أكثر قوة وخبرة وحيلة، والرب نفسه قال { بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا} (يو 15: 5). فعلينا أن نثق في الله أولاَ ونطلب منه الحكمة والنصرة ويكون لدينا الأفراز ونطلب روح الله ليقودنا ويرشدنا ونصلي ليتدخل الله ويحارب عنا وكما قال الكتاب {الحرب للرب.. والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل} (1صم 14: 6). وكما قال القديس بولس الرسول {يعظم انتصارنا بالذي أحبنا} (رو 8: 37). أسلحتنا الروحية... هي الصلاة بتواضع والصوم والسهر والحكمة واليقظة الروحية والأنقياد لروح الله القدوس وكلمة الله والحق ودرع البر وكلام الله في الكتاب المقدس وترس الإيمان المستقيم والعمل بإمانة وأخلاص والألتصاق بكل وساط النعمة من صلاة وقراءات روحية وتأملات وتداريب لمحاسبة النفس واليقظة الروحية والألتصاق بالكنيسة وأب الاعتراف، والتناول والاجتماعات الروحية. فإن هذه كلها توقد الحرارة في قلوبنا، وتعمق محبتنا لله ، وتمنحنا قوة للانتصار. أما إن بعدنا عن هذه الوسائط الروحية، فما أسهل أن نفتر، ويجد العدو مدخلًا إلينا . ويعطينا الكتاب المقدس أمثلة لأسلحة الحرب الروحية { الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ} ( أف 11:6-18) من يستخدم سلاح الصلاة والصوم وتواضع القلب لا يعرف الهزيمة إطلاقًا فبالصلاة يأتي بالرب ليحارب عنا لهذا قال النبي{ جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع} (مز 16 : 8). الانبا أنطونيوس الذي حاربته الشياطين وزلزلت موضع سكناه ذات مرة قال للشياطين (إن كان الله قد أعطاكم سلطانًا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟ وإن لم يكن الرب قد أعطاكم سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبني). الحرب ليست بينك وبين الأعداء، وإنما هي أولا وقبل كل شيء مع الله. إن صارعته حتى الفجر، وأخذت منه القوة فلن يستطيع عدو أن يغلبك. فصلي بإيمان وثق أن الله واقف معك، يحارب ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبي {إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن} (مز 26). وهناك أسلحة ضرورية لهذه الحروب الروحية، يجب أن نستخدمها في الوقت المناسب، فيهرب إبليس وكل أفكاره الشريرة . الصلوات السهمية... هي صلوات سريعة جدًا، كسرعة "السهم" يصليها المؤمن فى كل وقت كصلاة يسوع لتقيه سهام إبليس وأفكاره وعندما يأتي العدو بهجوم مفاجيء نرُد عليه بصلاة سهمية ة لطلب المعونة والقوة والنصرة ويمكننا أن نصليها في كل زمان ومكان. الإيمان ... يقول القديس بولس الرسول {حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة}(أف 6: 16). فالإيمان هو الذي يوقف سهام الشيطان الشريرة ويهلكها بالخوف من الدينونة المستقبلة، والإيمان بملكوت السموات. علينا أن نثبت فى جهادنا الروحي ونثق أن السماء ترقب جهادنا، وملائكة وقديسون كثيرون يشفعون فينا. وليكن جهادنا مسنود بالإيمان بيد الله القوية وذراعه الحصينة، التي تغنى بها النبي قائلًا: { دفعت لأسقط والرب عضدني. قوتي وتسبحتي هو الرب وقد الرب وقد صار لي خلاصًا} (مز 118 : 14). المحبة .... { فالمحبة تحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء} (1 كو 13: 7). فأي أفكار خاصة بالغضب والحقد والضغينة لو قابلتها بالمحبة لأهلكتها وجعلتها لا تتعمق في قلب الإنسان فتفسده، فالذي يحب الآخرين ويحب الأعداء لا يغضب ولا يحقد. الرجاء... يقول القديس بولس الرسول {وأما نحن الذين من نهار، فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة رجاء الخلاص} (1 تس 5: 8). والخوذة هي التي تحمي الرأس. والمسيح رأسنا لذلك ينبغي علينا في التجارب أن نحمي رأسنا برجاء الأمور الصالحة المقبلة. كلمة الله.... كلمة الله قوية جدًا وفعالة في محاربة الأرواح الشريرة، لذلك استخدمها رب المجد في تجربة الشيطان لأنها {أمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته} (عب 4: 12). الصبر والمثابرة.... نحن نحتاج إلى الصبر في هذه الحرب الروحية، فالمجاهد الصبور سيحارب بالصبر كما قيل {لأنكم تحتاجون إلى الصبر، إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد} (عب 10: 36). أن عمل الله معنا ليس معناه أن نكسل. بل نجاهد بكل قوتنا . ونقاوم كل شهوة وكل رغبة خاطئة. كما قال الرسول {قاوموا إبليس فيهرب منكم} (يع 4: 7) وأيضًا {قاوموه راسخين في الإيمان} (1بط 5: 9). إن مقاومتنا تدل على رفضنا للخطية. وبذلك نستحق معونة النعمة. نتذكر فى جهادنا الروحي وعود الله وتشجيعه لأولاده { الفرس معد ليوم الحرب اما النصرة فمن الرب} (ام 21 : 31) وقوله لزربابل { من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا} (زك 4: 7)، وقوله للقديس بولس { لا تخف.. لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك} (أع 18: 9، 10). وقوله من قبل لارمياء النبي {يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك، يقول الرب، لأنقذك} (أر 1: 19). علينا أن نعيش دائما في محبة الله، فننتصرونستعين في جهادنا بالصبر والثبات فى كلمة الله. وإن أخافنا عدو الخير، تذكر قول القديس بولس {أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني}(فى 4: 13).ونثق أننا كلما نلنا خبرة في حروبنا الروحية، سوف نزداد قوة وإيمان وننتصر وننال الغلبة بربنا يسوع المسيح. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
20 مايو 2022

المسيح هو الطريق

أجمل ما في مسيحيّتنا هو شخص المسيح نفسه.. فنحن لسنا مجرّد "أهل كتاب" كما يدعونا البعض، ولكنّنا "أهل شخص"؛ أحبّنا إلى المنتهى.. أخذ جسدنا، وهزم الموت لحسابنا، وفتح لنا باب العضويّة في جسده، لكي يهبنا الحياة فيه..في حديث السيّد المسيح المُمتِع مع توما، في ليلة الصليب، ألمح له وللتلاميذ أنّه سيتركهم، ولكنّهم سيعرفون أين سيذهب، وسيعلمون الطريق.. فتحيّر توما بالأكثر، وقال له: «يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.» (يو14: 4-6)..هنا ينفتح لنا مفهوم جميل، وهو أنّه بوجودنا في المسيح فنحن في الطريق المؤدّي إلى الله.. وحول هذا المفهوم عاشت الكنيسة منذ عصر الرسل وحتّى الآن.. فقد كان المسيحيّون الأوائل، يُسَمَّوْن «أهل الطريق»، كما جاء في سِفر أعمال الرسل (أع9: 2 - أع19: 9، 23 - أع22: 4 - أع24: 14، 22)..!أحيانًا ننزعج، عندما نفكّر في كلام السيّد المسيح عن الطريق المؤدّي إلى الحياة (مت7: 13-14)، عندما وصفه بأنّه طريق كرب، وبابه ضيّق جدًّا.. ولكن بعد أن فهمنا أنّ الطريق هو المسيح نفسه، فهذا يطمئنّا جدًّا، بأنّ ثباتنا في المسيح سيضمن لنا الوصول بكلّ تأكيد..!لكن لعلّنا نفكِّر، ما هو دورنا نحن بالتحديد؟! فإذا كان السيّد المسيح هو الطريق، هو طريق الخلاص، هو طريق الحياة الأبديّة.. فماذا نفعل لكي نضمن الخلاص والحياة الأبديّة؟!ينبّهنا القديس بولس الرسول قائلاً: «كَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ..» (كو1: 6-7).. فسلوكنا وكلّ تصرفاتنا ينبغي أن تكون نابعة من عضويّتنا في المسيح؛ فهو الطريق الذي يحملنا فيه..وأيضًا يضع لنا القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية (2بط1: 3-11) روشتّة متكاملة عن كيفيّة السلوك في الطريق.. فبعد أن يؤكِّد لنا أنّه قد وُهِبَت لنا المواعيد العُظمى والثمينة، وصِرنا شركاء الطبيعة الإلهيّة، باتحادنا بالمسيح.. يطلب مِنّا ما يلي:1- رفض الفساد والشهوات العالميّة، بل والهروب منها تمامًا.2- بذل كلّ الجهد في النمو الروحي.. فنُضيف على الفضيلة معرفة نقيّة وصبرًا، ونتحلّى بمخافة الله والمودّة الأخويّة، ويمتلئ قلبنا حُبًّا للجميع..3- تثبيت أقدامنا في طريق الذي اختارنا ودعانا هذه الدعوة السماويّة.ثمّ يختم كلامه بالقول: «أَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ».. وهذا كلام مُشجِّع جدًّا، ويُعني أنّه إذا سلكنا حسب الخطوات السابقة، سيكون باب الملكوت مفتوحًا لنا على اتّساعِهِ.. وسيكون السير في الطريق مُمتِعًا، ومُفرِحًا.. وغاية في الأمان والطمأنينة..!فإذا كان الأمر هكذا، فلماذا يصفّ الرب يسوع الباب بأنّه ضيّق والطريق أنّه كَرْبٌ وصعب، مادام الطريق هو المسيح نفسه..؟!الحقيقة أنّ صعوبة الطريق تأتي من أنّ المسيح الذي نحن ثابتون فيه هو مسيحٌ مصلوب، ومُهان، ومجروح، ومرفوض من العالم.. مع أنّه قائم وغالبٌ أيضًا..!الطريق بالتأكيد مؤدّي إلى الحياة، ولكنّه يمرّ عبر أرض غربة هذا العالم، وسط مقاومة شرسة من عدوّ الخير.. ولذلك فإنّ السائر فيه بثبات ينبغي أن يتألّم مع المسيح، كعضو في جسده.. لابد أن يأخُذ نصيبه من آلام هذا الجسد الذي دخل إلى عضويّته بالمعموديّة (1كو12: 13)، لكي يأخُذ أيضًا نصيبه من المجد والقوّة والفرح..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
19 مايو 2022

شخصيات الكتاب المقدس سنبلط

سنبلط " ولما سمع سنبلط أننا آخذون فى بناء السور غضب واغتاظ كثيرا "" نح 4: 1 " مقدمة سنبلط واحد من أقدم الأسماء التى تقف على رأس كل تعصب دينى أو جنسى أو اجتماعى أو ثقافى فى الأرض!!.. ولا يمكن أن تعرف قصته الصحيحة، وقصة طوبيا العبد العمونى، وجشم العربى، قبل أن تعلم أنه وقف على رأس الصراع، لأنه كان سامرياً تشرب روح الحقد والبغض والشر لكل ما هو يهودى، الحقد الذى عاش مئات السنين حتى نراه على لسان السامرية وهى تقول للمسيح: « كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودى وأنا امرأة سامرية ».. " يو 4: 9 " لأن اليهود لا يعاملون السامريين، وعندما رفضت إحدى قرى السامريين أن تقبل المسيح ثار ابنا زبدى، وطلبا من السيد أن تنزل نار من السماء لتحرق القرية بأكملها، وزجرهما المسيح قائلا: « من أى روح أنتما؟!.. " لو 9: 55 " ولكنها - على أية حال - روح التعصب التى تنتقل على مر العصور والأجيال، وتأخذ ألوانها المتعددة بين الناس، فى الصراع بين العبد والحر، والأسود والأبيض، والشيوعى والرأسمالى، ومختلف الأديان والعقائد والمذاهب،... وكم سالت الدماء أنهاراً لهذه الدوافع الرهيبة الكريهة الحمقاء بين بنى البشر من فجر التاريخ وإلى يومنا الحاضر، دون أدنى توقف أو تردد أو خشية أو تسامح أو تعقل!!..ولعله من المناسب لهذا أن نتعرض لقصته ونعرف كيف يضيع أكثر الجهد البشرى فيما هو ضار وبشع ومخيف، بسبب الأشخاص الممتلئين بالتعصب الأعمى الممقوت!!... ولهذا يحسن أن نراه من الجوانب اتالية: سنبلط وعداوته الأسم سنبلط يعنى « سن معطى الحياة » وسن هذا كان إله القمر الذى يتعبدون له،... وفى مخطوطات البردى التى وجدت فى معبد الفيلة بمصر، ذكر اسم سنبلط كحاكم السامرة فى وقت داريوس الثانى حوالى عام 407 ق.م.، وكان له ولدان يحملان أسماء عبرانية اسم أحدهما دلايا، والاسم الآخر شلمايا،.. وهو على أية حال وقف مع طوبيا العبد العمونى، وجشم العربى وقفة العداء المستحكم من نحميا وأورشليم، وبدأت بين الفريقين حرب حياة أو موت، والسر فى هذا كله، اعتقاد سنبلط الجازم بأن قوة أورشليم ضعف للسامرة، وأن حياتها فناء لبلده، أو على أقل تقدير، على حساب السامرة ومجدها وجلالها وعظمتها!!... وفى الحقيقة أن سر العداء والحزبية البغيضة والقاتلة بين الناس، هو فيما يطلق عليه « المزاحمة »، إذ أن الأرض، مهما اتسعت، لا تتسع فى تصور المتزاحمين لاثنين يجمعهما مكان واحد، أو مكانان متقاربان أو مجالان فيهما شبهة التزاحم أو التضارب أو التنافس،... وقد ضاقت الأرض كلها أمام أول أخوين، إذ لم يستطع قايين أن يرفع وجهه أو يأخذ مكانه، طالما كان هناك هابيل أخوه على وجه الأرض، وطالما حظى بالرضا الإلهى، والسمو الذى يجعله متقدماً عنه، وهو الأصغر. وربما الأضأل حجماً وشكلا!!... ولم تتسع الأرض كلها أمام لامك، ومن تعدى عليه، والمظنون أنه كان بسبب أمور نسائية: « اسمعا قولى يا أمرأتى لامك، وأصغيا لكلامى. فإنى قتلت رجلا لجرحى، وفتى لشدخى »" تك 4: 23 "... وكيف تحتمل الأرض المتصارعين على امرأة والمتقاتلين فى سبيلها، وقد نشبت حرب تروادة من أجل هيلين اليونانية الجميلة والصراع عليها!!؟... فإذا تحولنا إلى إبراهيم ولوط، أو إلى إسحاق وإسماعيل، أو إلى يعقوب وعيسو، لوجدنا أن المزاحمة القاسية لم تمكنهم من البقاء فى وحدة واحدة أو جيرة متقاربة،.... كان داود ولداً محبوباً جداً من شاول، إلى أن تغنت بنات إسرائيل: « ضرب شاول ألوفه وداوود ربواته » " 1 صم 18: 7 " وإذا به يقول ليوناثان ابنه: « لأنه مادام بن يسى حياً على الأرض لا تثبت أنت ولا مملكتك. والآن أرسل وأت به إلىّ لأنه ابن الموت هو ».. " 1صم 20: 31 ".إن التاريخ حافل بصراع البيوت المختلفة على القوة والجاه والنفوذ والسيطرة فهى تتصاهر أو تتقاتل، وهى تحب أو تحقد، وهى تتعاهد أو تتآمر بدافع المزاحمة للوصول إلى المكان الأسمى والأفضل!! والدولة فى كافة الصور والألوان تتصارع صراعها الخفى أو المنظور، من أجل مصالحها المتعارضة المتضاربة، وهى تعقد المعاهدات أو تثير الحروب تبعاً لهذه المزاحمة العنيفة القاسية،... والعداوة والصداقة بينها تدور وجوداً وعدماً تبعاً لمصالحها المختلفة المتضاربة المتشابكة!!.. والنظم الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورها الرهيب فى هذا المجال!!.. فالصراع بين العبد والحر، وبين الأسود والأبيض، وبين الفقير والغنى، والشيوعى والرأسمالى جعلت الإنسان بلا عقل، وحولته وحشاً ضارياً يبطش بأخيه الإنسان دون وازع أو زاجر من ضمير أو إنسانية،... فإذا انتهينا إلى ما هو أرهب وأقسى ونعنى به صراع الأديان منذ فجر التاريخ، وصراع المذاهب المختلفة فى الدين الواحد،... لتعجبنا للمذابح والمجازر التى جرت فيها الدماء أنهاراً باسم الدين، الذى تحول اسمه الجميل إلى أبشع ما عرف الإنسان من حقد وكراهية وطغيان وانتقام!!... ومن الموسف أو المؤلم أنه باسم المسيح، حدثت المعارك المذهبية، ومذبحة سان بارثولميو، وغيرها من صور المعارك المتكررة فى أحشاء التاريخ، ومن الموسف أو المؤلم أن يتقدم زنجى أمريكى إلى راعى كنيسة من كنائس البيض يطلب أن ينضم إلى عضوية الكنيسة، وقد ارتبك الراعى لطلب هذا الزنجى، وتحير كثيراً، إذ كيف يستطيع أن يرفض طلبه، وهو شخص مشهود له بالحياة المسيحية التى تجيز له القبول فى عضوية الكنيسة، وكيف يقبله،الكنيسة لا تقبل إلا البيض فى عضويتها، وإذ لم يكن له من جواب ينقذه من حرج الموقف قال للزنجى: دعنا نصلى ونتقابل فيما بعد لنرى ماذا يقول المسيح لنا!!؟ وقد كان هذا الجواب كافياً لأن يفهم منه الزنجى أن طلبه مرفوض، فخرج متألماً ولم يعد لمقابلة الراعى … غير أنه حدث أن تقابل الاثنان صدفة فى الشارع بعد ذلك بمدة، فقال الراعى، وقد أراد أن يغطى موقفه الأول، لم لم تحضر إلى مرة أخرى … ألم نتفق على المقابلة ثانية!!؟ فأجابه الزنجى: لقد صليت وأخذت الجواب!!... وإذ سأله الراعى ماذا قال له المسيح أجاب: لقد قال لى لا تحزن، فأنا نفسى واقف على باب هذه الكنيسة منذ عشرة أعوام دون أن يسمح لى أحد بالدخول فيها!! وقد يكون هذا الجواب لاذعاً،.. لكنه فى واقع الأمر الصورة الدقيقة لما يحدث فى عالمنا الحاضر، باسم الدين، وتحت مظلته!!.. سنبلط وأسلحته شاء اللّه أن يعطينا صورة واضحة لأسلحة سنبلط، لا لأنها أسلحة قديمة، يلزم أن نعرفها، كما نتعرف على القوس والسهام والترس والحراب التى تعود الناس أن يقاتلوا بها، قبل أن يعرف العالم أسلحة الدمار والتخريب الحديثة المعروفة فى الوقت الحالى!!.. فالحقيقة أن سنبلط يتكرر فى كل جيل وعصر وأسلحته القديمة تظهر فى حياة الإنسان العصرى سواء بسواء!!.. ولعل أول سلاح استخدمه هو السخرية: « ولما سمع سنبلط الحورونى وطوبيا العبد العمونى وجشم العربى هزأوا بنا واحتقرونا » " نح 2: 19 ".. « ولما سمع سنبلط أننا آخذون فى بناء السور غضب واغتاظ كثيراً وهزأ باليهود وتكلم أمام إخوته وجيش السامرة وقال ماذا يعمل اليهود الضعفاء. هل يتركونهم؟. هل يذبحون؟. هل يكملون فى يوم؟ هل يحيون الحجارة من كوم التراب وهى محرقة؟ وكان طوبيا العمونى بجانبه، فقال إن ما يبنونه إذا صعد ثعلب فإنه يهدم حجارة حائطهم، إسمع يا إلهنا لأننا قد صرنا احتقاراً » " نح 4: 1 - 4 ".. والسخرية فى العادة هى التعبير االدقيق عن الكبرياء والتعالى والحقد والضغينة والمرارة والكراهية، التى تظهر فى لغة الإنسان ولفظه،... وهى التمنى الأسود الذى قد يظهر فى الفكاهة أو النكتة أو الشتيمة أو الملحمة أو ما أشبه من عبارات أو ألفاظ،... وهى المحاولة التى يبدأ بها الإنسان لإرضاء نفسه، قبل أن يرضى الآخرين، إذ هى الصورة الذهنية لما يتمناه لعدوه أو خصمه - سواء أكان يدرى أو لا يدرى - فى لغته وكلامه،... ولم يكن سنبلط يرى فى خياله إلا مدينة أورشليم وهى أكوام من تراب محرقة بالنار، بدون ذبيحة أو مذبح، يسكنها جماعة من الضعفاء والتعساء البائسين،.. وكان طوبيا يتخيل المدينة وقد امتلأت بالثعالب وبنات آوى، والثعلب يقفز هنا وهناك بين خرائبها، ليهدم البقية الباقية من أنقاضها لكى تسوى بتراب الأرض،... وكلاهما يستريح إلى هذا الخيال الذى يملأ ذهنه، ويحلو أن يعبر عنه بما يصادفه من ملحة أو نكتة، وإذا صح ما يتجه إلىه رجال علم النفس من أن النكتة ليست إلا انعكاساً للكبت النفسى، وأن الفرد أو الشعب الذى يحسنها، قد يكون فى الحقيقة معذباً فى داخله، يسرى عن نفسه أو يخادعها أو يغطيها أو يتجاهلها، باللفظ المضحك أو الرواية الساخرة،... وقد تحول العذاب النفسى لسنبلط وطوبيا وجشم إلى الهزل الذى به يواجهون نحميا فى بناء سور أورشليم!!... والسخرية إلى جانب ذلك هى نوع من المداورة تجاه العجز عن العمل،... ومن ثم تظهر فى العادة تعويضاً فى الشعوب المغلوبة على أمرها، إفصاحاً عن السخط العاجز عن أى سلاح آخر قد يحمله الإنسان لاقتضاء حقه، ودفع ما يتعرض له من ظلم أو شر!!.. ولما لم يكن لدى سنبلط شئ فى البداءة يستخدمه ضد نحميا، أسرع بسلاح السخرية يجرب حده، ومفعوله، تعبيراً للوصف الكتابى الدقيق: « ولما سمع سنبلط الحورونى وطوبيا العبد العمونى ساءهما مساءة عظيمة لأنه جاء رجل يطلب خيراً لبنى إسرائيل».. " نح 2: 10 " وكان سنبلط - إلى جانب السخرية - مفترياً، وهو يذكر بشاول الطرسوسى عندما كتب عن نفسه يسجل تاريخه الآثم فى القول: « كنت مجدفاً ومضطهداً ومفتريا ».. (1 تى 1: 13) والافتراء هو الكذب الذى يأخذ صورة النميمة والوقيعة، وقد أراد سنبلط أن يستعدى الملك على نحميا فادعى: « ما هذا الأمر الذى أنتم عاملون، أعلى الملك تتمردون» " نح 2: 19 ".. وليس على المفترى إلا أن يكذب، ويصور الأمور على العكس ما هى عليه، ويكررها حتى يبدأ هو فى تصديقها، ثم يشيعها لعلها تأتى بالمقصود منها... والافتراء هو السلاح الذي صال به المتآمرون وجالوا فى كل عصور التاريخ، فجعلوا الحلو مراً، والمر حلواً، والظلام نوراً، والنور ظلاماً،.. ألم تستخدمه إيزابل باتهام نابوت اليزرعيلى بالتجديف على اللّه والملك؟ وليس أيسر من إثبات التهمة بإشاعة الجو المناسب لها بالصوم والصلاة، وإبداء الحزن عليها كأعظم جريمة يتصور وقوعها فى ذلك الحين، فإذا وجد الشاهدان اللذان يمكن أن يعدا للشهادة بذلك، فالعقوبة لا تلحق بنابوت وحده، بل لابد لفظاعتها ورهبتها، أن تجرف أسرته معه، فيرجم الكل، ويصبح الكرم بلا وارث، فيرثه الملك بحكم تقليد كان متبعاً وقتئذ!!.. وألم يستخدمه اليهود فى أكبر جريمة فى التاريخ بتصوير يسوع المسيح، ثأثراً على قيصر، ولابد من وضع حد لهذه الثورة بالصليب!! وما أكثر ضحايا الافتراء من الشهداء الذين ذهبوا كاستفانوس، تلصق بهم أبشع التهم وأقساها وأحطها، وهم منها جميعاً براء، ولكنه الافتراء والكذب اللذان استخدمهما الشيطان منذ القديم، وربما من فوق المنابر التى هى أساساً للنداء بالحق!!.. ويكفى أن ننقل صورة لعظة ألقاها أحد رجال الدين ممن حملوا قرار حرمان مارتن لوثر إلى كنيسة ألمانية، وقد قال فى روتشبرج ما يلى: « أيها الآباء والأخوة والأبناء، إن الكنيسة عانت طويلاً من سم حية نشأت بين أحضانها، هذه الحية هى مارتن لوثر، والسم هو تعاليمه التى ينشرها... ولا حاجة إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله فهو أولا فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس الذى جعل من الميسور بيع غفران الخطايا عند أبوابنا،... وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة والغفرانات، ويمنع خلاص النفوس، وهو قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة وتنبرج، وانتشرت من هناك فى كل ألمانيا، وكثيرون يموتون فى خطاياهم، ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج، وقد كانت الكنيسة مترفقة به، إذ وعدته بالعفو إذا تراجع، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردينال جاجيتان الذى تعامل معه بلطف، ولكن دون جدوى، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور إيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان، وقد أضحى الآن أكثر غطرسة وقسوة،.. إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات، بل بدأ يهاجم البابا نفسه، وقد كتب كتباً متعددة ممتلئة بالباطل والأضاليل، وزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين، وأبعد آلافاًعن الأم الوحيدة الحقيقية، الكنيسة، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب »...كان سنبلط من أقدم الناس الذين لجأوا إلى الافتراء فى مقاومة نحميا بمحاولة استعداء الملك ضد الرجل الذى وثق به، وجعله من فرط الثقة فيه ساقياً له!!... ولم يكتف سنبلط بذلك، بل لجأ إلى سلاح الغدر باستخدام عنصر المفاجأة فى الحرب،... ولما سمع سنبلط وطوبيا والعرب والعمونيون والاشدوديون أن أسوار أورشليم قد رممت والثغر ابتدأت تسد غضبوا جداً وتآمروا جميعهم معاً أن يأتوا ويحاربوا أورشليم ويعملوا بها ضرراً... وقال أعداؤنا لا يعلمون ولا يرون حتى ندخل إلى وسطهم ونقتلهم ونوقف العمل »" نح 4: 7 - 11 ".. والغدر من أشر الأسلحة الشيطانية، منذ ذلك اليوم الذى قتل فيه قايين أخاه الآمن الوادع عندما دعاه ليذهب معه إلى الحقل وقام هناك على أخيه وقتله،... ومنذ أن باع أخوة يوسف أخاهم وغمسوا قميصه فى الدم، وسلموه إلى أبيه الذى أكد أن وحشاً افترس ابنه، ولم يعلم أن الوحش كان أبناءه أخوة يوسف،.. ومنذ أن صاح يوليوس قيصر عندما انهالت عليه الطعنات: « حتى أنت يابروتس »... وكم بيت المتآمرون الخطط والمؤامرات حتى يفاجأ الضحايا: « لا يعلمون ولا يرون حتى تدخل إلى وسطهم ونقتلهم ».. ولم يردع الغادرين أيام نحميا إلا علمه بالنية الغادرة، واستعداده لمواجهتها!!.. فإذا لم يكن هناك من سبيل إلى الحرب الخارجية، فلا بأس من الحرب الداخلية، فيما أطلق عليه فى الحرب العالمية الأخيرة الطابور الخامس، وهم جماعات الحزنة، والنفعيين، والوصوليين، وقد كانوا كثيرين أيام نحميا فأشاعوا الرعب، والمذمة، والتذمر حتى تكل الأيدى عن العمل، وحتى يستولى اليأس والقنوط على العاملين،... وحتى تنطفئ الجذوة الممتلئة بالحماس والولاء والنشاط فى الخدمة،... لست أعلم مدى الصدق فى قول الرجل الذي صاح: « ربى احمنى من أصدقائى أما أعدائى فأعرف كيف أقابلهم »... فأنا إنسان أحتاج مع نحميا إلى حماية اللّه من الصديق ومن العدو أيضاً،... لكن الحقيقة المريرة أن الذين قد يكونون معنا فى الكنيسة، هم أشد ضراوة وقسوة من الذين نواجههم فى الخارج،... لقد كان المتآمرون يوم المسيح فى حاجة إلى يهوذا الأسخريوطى حتى تنجح مؤامرتهم البشعة الرهيبة،... وفى أيام نحميا يكفى القول: « وكان واحد من بنى يوياداع بن الياشيب الكاهن العظيم صهراً لسنبلط الحورونى فطردته من عندى » " نح 13: 28 " دانية سنبلط المتزوجة بابن الكاهن العظيم، كان يمكن أن تفعل الكثير مما فعلته إيزابل من قبل فى شعب اللّه!!.. وكان يمكن للكثيرين من المتحالفين مع سنبلط أو المتعاطفين معه، أن يضروا بالقضية ضرراً بالغاً، لولا شجاعة نحميا ومقاومته الباسلة لهم!!...على أنه وقد عجزت هذه الأسلحة جميعها عن إسقاط الرجل، عمد سنبلط إلى سلاح آخر، يمكن أن نطلق عليه سلاح المداهنة بغية اللقاء والتشاور والتفاهم، فى الوقت الذى يبطنون الشر له، يزعمون أن اللقاء للخير ولمصلحة الجميع، وكل مرادهم إدخاله فى متاهة النظريات والمفاوضات وما تحفل به من كلام منمق، وقبلات حلوة، وولائم كريمة، إنه مزج السم بالدسم ومحاولة إبعاد الرجل عن العمل الجاد، وصرفه عنه بالحيل والأساليب الملتوية الشيطانية،... وإنها لأكبر كارثة فى حياة فرد أو أمة أو شعب، إبطاء العمل أو تأجيله حتى تنتهى اللجان المعينة من درسه، والأخذ بأفضل الوسائل للوصول به إلى غايته،... وليس أبلغ من سخرية أحدهم عندما قال: « إن اللّه صنع العالم فى ستة أيام لأنه لم تكن هناك لجنة معينة للعمل!!..والسلاح الأخير الذى حاول سنبلط استخدامه للقضاء على عمل نحميا، هو إسقاط القيادة أمام الشعب وإظهارها بمظهر الخوف والجبن إذ استأجر شمعيا بن دلايا من الكهنة، والذى كان يسكن فى بيت اللّه، لكى يدعو نحميا للدخول إلى بيت اللّه فى الهيكل على زعم أنه المكان الذى يمكن أن يختبئ فيه عن أعين الذين قد عقدوا العزم على أن يأتوه فى الليل ليقتلوه،... وهو لم يقصد حمايته، بل قصد فى الواقع تعريته ليظهر أمام الناس بمظهر القائد الجبان الذي يخاف على نفسه وعلى مصيره،.. لقد كان نحميا هو قائد الحركة وزعيمها البارز، فإذا ظهر أنه إنسان يبحث عن سلامته الخاصة، فى وقت ينبغى أن يقود الصفوف، وأن يبرز أمامها، فهنا الكارثة، إذ تتلطخ سمعته بالوحل، فينصرف الناس عنه، ويشكون فى خدمته وعمله ورسالته!!... ولكن نحميا فطن إلى الهدف الخبيث، وصاح صيحته العظيمة المدوية: « أرجل مثلى يهرب ومن مثلى يدخل الهيكل فيحيا؟ لا أدخل ».. " نح 6: 11 " عندما حاولوا تخويف لوثر بالقول أنه لن يعود من ورمس حياً، … وعندما جاءه رسول من قبل صديق من النبلاء الألمان بهذا.. قال للرجل: « اذهب وقل لسيدك إنه لو كان هناك شياطين فى ورمس بعدد القراميد على سطوح المنازل فإنى سأذهب إلى هناك »...!!.. سنبلط: الرد على أسلحته وصراعه من الطريف أن أحدهم، وهو يتحدث عن أسلحة سنبلط، شبهه ببعض البنادق التى أرسلت إلى الانجليز فى حرب البربر فى جنوب إفريقيا، وقد أراد الانجليز أن يجربوا فاعلية هذه الأسلحة ومدى بلوغها الهدف،... كانوا على رابية، وأبصروا على رابية أخرى، بالمنظار المكبر، قطيعاً من الماعز عدده عشرة، فجعلوها هدفهم، وأطلقوا عليها عشرين طلقة، ثم ذهبوا إلى المكان ليروا أن العشرة تحولت إلى إحدى عشر من الماعز، لأن واحدة فى ذلك الوقت ولدت أخرى!!... لم يفشل سنبلط فحسب، بكل أسلحته، بل أعطانا صورة للنجاح الذى تتمخض عنه خدمة اللّه فى وسط الشدائد والمتاعب والمقاومات، وهذا ما يحدث دائماً فى كل جيل وعصر، عندما يصنع اللّه من الشر خيراً، ومن الآكل أكلا ومن الجافى حلاوة،... ومن حقنا ونحن فى قلب المؤامرات الشريرة التى لا تنتهى طالما بقى أشرار ومؤمنون على الأرض،... أن نسأل كيف نقاوم الشر وننتصر عليه؟.. ومن اللازم أن نعلم بادئ ذى بدء، أننا: « وإن كنا نسلك فى الجسد لسنا حسب الجسد نحارب. إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة باللّه على هدم حصون. هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة اللّه ومستأثرين كل فكر إلى طاعة المسيح » " 2 كو 10: 3 - 5 ".. لقد كان السلاح الأول فى مواجهة سنبلط هو سلاح الإيمان،.. إذ أن حركة نحميا من أولها إلى آخرها كانت تتميز بالإيمان،.. وهذا الإيمان بدأ من أول الأمر فى عزلة النقاوة التى رفضت الاختلاط أو التعاون أو التهاون مع الوثنيين، فهو لا يرضى شركتهم، ولا يقبل مصاهرتهم، وهو لا يقود جماعة اختلط فيها الحابل بالنابل، والمؤمن بغير المؤمن،... إنه جاء ليبنى سوراً للمدينة، وسوراً أعظم، عازلا من الوجهة الروحية، كل اختلاط بالفساد والشر والوثنية والتعامل مع الشر،... على أن هذا الإيمان كان من الوجهة الأخرى، الإيمان فى قوة اللّه التى تعمل معه،.. لقد أدرك أن له الصديق القوى القادر على كل شئ... وسلاح الإيمان هو أمضى الأسلحة فى مقاومة الصعاب الهائلة التى تعترض طريقنا فى الحياة،... وهو الذى مكن أبطال الإصلاح فى كل العصور والأجيال من أن يهتفوا هتاف الرسول: « فماذا نقول لهذا. إن كان اللّه معنا فمن علينا »... " رو 8: 31 " وكان السلاح الظاهر أيضاً مع نحميا: سلاح الصلاة... كان الرجل يؤمن بأن الصلاة تستطيع أن تواجه جيوش الأرض كلها، وليس سنبلط وحده،.. وقد كان اختباره عظيماً فى فاعليتها، منذ اللحظة التى وقف فيها أمام الملك، عندما رأى وجهه المكمد،... وإذا خاف رفع عينيه فى الصلاة إلى اللّه، وقال: « فصليت إلى إله السماء » " نح 2: 4 " وأنت لا تستطيع أن تقرأ السفر دون أن تدرك أن نحميا كان يواجه دائماً مشكلاته بالصلاة،... وما أجمل أن ندخل معه فى مواجهة الظروف والمشاكل فى اختبار الصلاة، قال بللى صاندى فى حديثه عن الصلاة: « صلى إبراهيم من أجل ابن فأعطاه اللّه نسلا كالرمل الذى على شاطئ البحر.. صلى من أجل سدوم فسمع اللّه صلاته وأخرج لوطاً منها،.. صلى يعقوب من أجل اللقاء الطيب مع عيسو!!.. وصلى موسى من أجل الغفران لشعبه، وصلى جدعون للانتصار على المديانيين، وصلى إيليا وأجابه اللّه بنار، وصلى يشوع فكشف عاخان، وصلت حنه فولدت صموئيل، وصلى حزقيا فقتل مائة وخمسة وثمانون ألفاً من الأشوريين، وصلى دانيال فسد اللّه أفواه الأسود، وصلى الرسل فجاء يوم الخمسين!!... وكان من المستحيل على نحميا أن ينجح من غير الصلاة! على أن نحميا أجاب على سنبلط، وعلى سخريته، ونقده، وتهديده، وتشويشه بشئ واضح ظاهر، هو العمل المستمر، دون توقف أو تردد أو إهمال أو تكاسل،... وما من شك بأن ظروفه كانت قاسية، والعمل الذى يواجهه كان جسيما، لكنه أجاب على كل شئ إجابة أحد خدام اللّه الذى جاءته ذات يوماً سيدة تشكو مر الشكوى من مدرسى مدرسة الأحد الذين يعلمون أولادها الأربعة، وقالت للراعى: أعتقد أنه يلزم أن تغيروا هؤلاء المدرسين جميعاً!!.. وأنصت إليها الراعى ثم قال: « إنى أتفق معك، وأنت تعلمين أنه خلال العامين السابقين، وأنا أحاول معك ومع زوجك للمساهمة فى خدمة مدرسة الأحد،.. وأنت إلى هذه الساعة ما تزالين ترفضين!!.. بل لا تزالين ترفضين تحمل أية مسئولية فى عمل الكنيسة، فهل يحق لك بعد هذا أن تنتقدى الذين يبذلون جهدهم حتى ولو لم يكن كافياً؟ ».. على أية حال، كان نحميا عظيماً ورائعاً، إنه واجه النقد بالعمل، ولم يتوقف قط ليدخل فى نقاش أو مجادلة مع هذا أو ذاك من الناس!!.. وليس هناك ما هو أعظم من أن نرد على الناس، وعلى سخريتهم، ونقدهم، واحتقارهم، بغير العمل، حتى نصل معهم إلى الحقيقة التى فيها يتحولون من الاحتقار للعاملين، إلى الاحتقار لأنفسهم!!.. وما من شك فى أن اليقظة والسهر من أهم ما ينبغى أن نواجه به عداوة. الآخرين وخصومتهم، ونحن لا نستطيع أن نبنى سوراً لخدمة اللّه ومجده، بغير العين المفتوحة، والقلب الملتهب، واليد المجتهدة، واليقظة الكاملة كما فعل نحميا قديماً فى مواجهة سنبلط وطوبيا وجشم، وكما علمنا السيد فى معنى أعظم وأكمل عندما قال: « إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة» " مت 26: 41 "..!!.
المزيد
18 مايو 2022

الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج٣

11- إن السيد المسيح ولد بجسد بمثل طبيعتنا. شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. أخذ نفس طبيعتنا التي بها دُعِيَ (ابن الإنسان)، والتي بها أمكن أن يفدينا. وأجتاز مراحل النمو الجسدي مثلنا (لو 1: 80). وكان يجوع (متى 4: 2) ويعطش (يو 19: 80) ويتعب (يو 4: 7) وينام (متى 8: 24). وفي بستان جثسيماني كان عرقه في جهاده يتساقط كقطرات دم نازلة علي الأرض (لو 22: 44). 12- ولولا أنه في طبيعتنا،ما كان ممكنًا أن يتألم. إذ هو كان في طبيعة قابلة للتألم. وقد تألم بالجسد. ذاق آلام الضرب والجلد والصلب. ووقع تحت الصليب وهو يحمله أكثر من مرة، فحمله عنه سمعان القيرواني. وكانت طبيعته البشرية قابلة للموت، فمات عنا وفدانا. بينما الجسد الممجد لا يتألم ولا يتوجع ولا يموت. إذن هو قد ولد بطبيعة مثلنا قابلة للألم والموت، وللتوجع وللحزن، وبهذا أمكنها أن تتم عملية الفداء.. ثم تمجدت في القيامة. 13- أما المجد الذي كان لطبيعته قبل الفداء، فهو مجد العصمة من الخطية. منذ ميلاده، بل منذ الحبل به، وطول فترة تجسده بيننا علي الأرض. هذا مجد روحي، وبإرادته الصالحة. أما جسده، فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية، وقد أخلى ذاته. 14-وكان من مجده أيضًا اتحاده باللاهوت. علي أن اتحاده باللاهوت لم ينقص إطلاقًا من طبيعة ناسوته، ولم يلغ ضعفات الجسد من الجوع والعطش والتعب والموت، وإلا فقد الفداء طبيعته وقيمته. كانت آلامه حقيقية، لذلك كان فداؤه لنا حقيقيًا. أخلى ذاته من المجد، لكي يهبنا المجد في قيامته. ولأنه أخلى ذاته من المجد البشري، لذلك قال للآب قبل صلبه "مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضًا.. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 1، 5). 15- وعن القيامة قيل "ولما تمجد يسوع.." (يو 12: 16). 16- غير أن التلاميذ ما كانوا يحتملون رؤية مجده. ولذلك لما رأي القديس يوحنا الحبيب شيئًا من مجد الرب في سفر الرؤيا (وقع عند رجليه كميت) لماذا؟ لأن "وجهه كان كالشمس وهي تضئ في قوتها، وعيناه كلهيب نار" (رؤ 1: 17، 16، 14). 17- لهذا كله، تدرج السيد مع تلاميذه في إظهار مجد قيامته لهم. فعل هذا مع المجدلية التي ظنته أولًا البستاني وكشف ذاته لها أخيرًا (يو 20: 14، 16). وفعل ذلك أيضًا مع تلميذيّ عمواس اللذين "كان يمشي معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو 24: 16). وهكذا مع باقي التلاميذ، نفس أسلوب التدرج، لكي يحتملوا، لأن رؤيته بجسده الممجد بعد القيامة ليست أمرًا سهلًا. إنها قصة طويلة لا يحتملها هذا المقال. 18-هل معني هذا أننا سوف لا نراه في مجده؟! وإن كنا سنراه: فكيف؟ ومتى؟ طبيعتنا هذه ستتغير حينما نقوم من الأموات، ونأخذ "صورة جسد مجده" (في 3: 21). وحينئذ سنراه. وكما يقول الرسول "إننا ننظر الآن في مرآة في لغز، لكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12). وما معني عبارة "وجهًا لوجه "؟ وكيف تتم؟ يا أخوتي.. خير لي الآن أن أصمت، فهذا أفضل جدًا. وأسهل جدًا قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
17 مايو 2022

قيامة المسيح هي الحدث الفريد في تاريخ الإنسانية

قام السيد المسيح له المجـد من القـبـر مـنـتـصـرا لأنه هو القـيـامـة والحياة .. والحياة تحررت من قيودها ، فقال لمرثا « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا أيها الأولين والآخرين تمعتوا بالجزاء على حد سواء ، أيها الأغنياء والفـقـراء أطربوا مـعـافرحين ، أيهـا الذين صـامـوا والذين لم يصـومـوا إفـرحـوا اليوم ، المائدة جاهزة فتنعموا كلكم ، يخرج أحد جائعا ، تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان ، تمتـعـوا كلكم بكل غنى صلاحه ، لا يبكين أحـد زلاته في كابة لأن الغفران قـد أشـرق من القبر ، يخف أحد الموت لان موت المخلص قد حررنا « أين شـوكـتك يامـوت ؟ أين غلبتك ياهاوية ؟ قـام المسيح وأنت صـرعت ، قـام المسيح والشياطين ، تساقطت ، قام المسيح والملائكة ابتهجوا ، قام المسيح والحياة تحررت ، قام المسيح ولم يبق في القبر ميت ، لأن المسيح بقيامته من الأموات صار باركورة الراقدين ، فله المجد والعزة إلى دهر الدهور ، المسيح قـام داس الموت والذين في الـقـبـور أنعم لـهـم بـالحـيـاة الأبدية ، فـجـسـد المصلوب مات لأجلنا ، نؤمن أن لاهوته لم يفـارق ناسـوته لحظة واحـدة ولا طرفة عين فـقـيـامـتـه تـدل دلالة قاطعة على أن وداعته أعظم قوة في العالم ، لأن الموت لم يجـد قـوة وحـقـا فـيـمن يمتلئ بثـمـار روح الله ، ونحن نطلق على احتفالنا بقيامة ابن الله « العيد الكبير » لأن هذا الحدث العظيم قد أعاد لنا سلامنا مع الله وبداية موكب انتـصـار المسيح الغـالـب وراءه كل أعدائه أسرى منكسرين بينما أتباعه المؤمنون يتبـعـونه بهاتف وتهليل ، لأنه أشـركـهـم بإيمانهم بقوته المنتـصـرة ومن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه ( رؤ ۲۱ : ۳ ) ليتنا نقـوم من غفلتنا ونعيش القيامة المجيدة ذات الطبيـعـة الجـديدة والانطبـاع الجديد والفاعلية الأصيلة للقـيـامـة المفرحة والمبهجة . نيافة الحبر الجليل الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة ومدينة 15 مايو والتبين
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل